السبت، 27 أغسطس 2022

طبقات الأطباء أبن أبي أُصَيْبِعَة

 

طبقات الأطباء أبن أبي أُصَيْبِعَة

كتابٌ يؤرخ لحركة الطب، ويترجم لكثير من الأطباء، أخرجه مؤلفه في مقدمة تمهيدية عن صناعة الطب، وخمسة عشر بابًا: بدأها المصنف ببابٍ: في كيفية وجود صناعة الطب، وأول حدوثها، واختتمها ببابٍ: في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام، والكِتَابُ من أهم كتب التراجم الطبية.

مقدمة الكتاب

الحمد للَّه ناشر الأمم ومنشر الرمم بارئ النسم ومبرئ السقم معائد من فضله بسوابغ النعم الموعد من عصاه بأليم العقاب والنقم مخرج الخلائق بلطف صنعه إلى الوجود من العدم مقدر الأدواء ومنزل الدواء بأتم الصنع وأتقن الحكم وأشهد أن لا إله إلا اللّه شهادة خالصة بوفاء الذمم مخلصة من موبقات الخطل والندم وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث بجوامع الكلم المرسل إلى كافة العرب والعجم الذي أنار بلألاء نور مبعثه حنادس الظلم وأباد بسيف معجزه من تجبر وظلم وقطع ببرهان دلالة نبوته داء الشرك وحسم صلى اللَّه عليه صلاة دائمة باقية ما لمعت البروق وهمعت الديم وعلى آله أولي الفضل والكرم وعلى أصحابه الذين جعلوا شريعته لهم أمم وعلى أزواجه أمهات المؤمنين المبرآت من الدنس وشرَّف وكرم‏.‏

وبعد فإنه لما كانت صناعة الطب من أشرف الصنائع وأربح البضائع وقد ورد تفصيلها في الكتب الإلهية والأوامر الشرعية حتى جعل علم الأبدان قريناً لعلم الأديان وقد قالت الحكماء أن المطالب نوعان خير ولذة وهذان الشيئان إنما يتم حصولهما للإنسان بوجود الصحة لأن اللذة المستفادة من هذه الدنيا والخير المرجو في الدار الأخرى لا يصل الواصل إليهما إلا بدوام صحته وقوة بنيته وذلك إنما يتم بالصناعة الطبية لأنها حافظة للصحة الموجودة ورادّة للصحة جماعة من الحكماء والفلاسفة ممن لهم نظر وعناية بصناعة الطب وجملاً من أحوالهم ونوادرهم وأسماء كتبهم وجعلت ذكر كل واحد منهم في الموضع الأليق به على حسب طبقاتهم ومراتبهم فأما ذكر جميع الحكماء أصحاب التعاليم وغيرهم من أرباب النظر في سائر العلوم فإني أذكر ذلك إن شاء اللَّه تعالى مستقصى في كتاب معالم الأمم وأخبار ذوي الحكم وأما هذا الكتاب الذي قصدت حينئذ إلى تأليفه فإني جعلته منقسماً إلى خمسة عشر باباً وسميته كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء وخدمت به خزانة المولى الصاحب الوزير العالم العادل الرئيس الكامل سيد الوزراء ملك الحكماء إمام العلماء شمس الشريعة أمين الدولة كمال الدين شرف الملة أبي الحسن بن غزال بن أبي سعيد أدام اللَّه سعادته وبلغه في الدارين إرادته ومن اللَّه تعالى أستمد التوفيق والمعونة إنه ولي ذلك والقادر عليه وهذا عدد الأبواب   الباب الأول في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها

 

الباب الثاني في طبقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطب

وكانوا المبتدئين بها‏.‏

الباب الخامس في طبقات الأطباء الذين كانوا منذ زمان جالينوس وقريباً منه الباب الرابع في طبقات الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب الباب السادس في طبقات الأطباء الاسكندرانيين ومن كان في زمنهم من الأطباء النصارى وغيرهم الباب السابع في طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب الباب الثامن في طبقات الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس الباب التاسع في طبقات الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم الباب العاشر في طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر الباب الحادي عشر في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم الباب الثاني عشر في طبقات الأطباء الذين كانوا من الهند الباب الثالث عشر في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها الباب الرابع عشر في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مصر الباب الخامس عشر في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام

 

الباب الأول كيفيَّة وجُود صنَاعَة الطِّب وَأول حدوثها

أقول إن الكلام في تحقيق هذا المعنى يعسر لوجوه أحدها بُعد العهد به فإن كل ما بعد عهده وخصوصاً ما كان من هذا القبيل فإن النظر فيه عسر جداً الثاني إننا لم نجد للقدماء والمتميزين وذوي الآراء الصادقة قولاً واحداً ساداً في هذا متفقاً عليه فنتبعه الثالث إن المتكلمين في هذا لما كانوا فرقاً وكانوا كثيري الاختلاف جداً بحسب ما وقع إلى كل واحد منهم أشكل التوجيه في أي أقوالهم هو الحق وقد ذكر جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط إن البحث فيما بين القدماء عن أول من وجد صناعة الطب لم يكن بحثاً يسيراً ولنبدأ أولاً بإثبات ما ذكره مع ما ألحقناه به في جهة الحصر لهذه الآراء المختلفة وذلك أن القول في وجود صناعة الطب ينقسم إلى قسمين أولين فقوم يقولون بقدمه وقوم يقولون فالذين يعتقدون حدوث الأجسام يقولون إن صناعة الطب مُحْدثة لأن الأجسام التي يستعمل فيها الطب محدثة والذين يعتقدون القِدَم يعتقدون في الطب قِدَمه ويقولون إن صناعة الطب قديمة لم تزل مذ كانت كأحد الأشياء القديمة لم تزل مثل خلق الأنسان وأما أصحاب الحدوث فينقسم قولهم إلى قسمين فبعضهم يقول إن الطب خُلق مع خَلق الإنسان إذ كان من أحد الأشياء التي بها صلاح الإنسان وبعضهم يقول وهم الجمهور أن الطب استخرج بعد وهؤلاء أيضاً ينقسمون قسمين فمنهم من يقول إن اللَّه تعالى ألهمها الناس وأصحاب هذا الرأي على ما يقوله جالينوس وأبقراط وجميع أصحاب القياس وشعراء اليونانيين ومنهم من يقول أن الناس استخرجوها وهؤلاء قوم من أصحاب التجربة وأصحاب الحيل وثاسلس المغالط وفيلن وهم أيضاً مختلفون في الوضع الذي به استخرجت وبماذا استخرجت فبعضهم يقول أن أهل مصر استخرجوها ويصححون ذلك من الدواء المسمى باليونانية الأنى وهو الراسن وبعضهم يقول أن هرمس استخرج سائر الصنائع والفلسفة والطب وبعضهم يقول أن أهل فولوس استخرجوها من الأدوية التي ألفتها القابلة لامرأة الملك فكان بها برؤها وبعضهم يقول أن أهل موسيا وأفروجيا استخرجوها وذلك أن هؤلاء أول من استخرج الزّمر فكانوا يشفون بتلك الألحان والإيقاعات آلام النفس ويشفي آلام النفس ما يشفى به البدن وبعضهم يقول أن المستخرج لها الحكماء من أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها أبقراط وآباؤه وأعني آل اسقليبيوس وقد ذكر كثير من القدماء أن الطب ظهر في ثلاث جزائر في وسط الإقليم الرابع أحداها تسمى رودس والثانية تسمى قنيدس والثالثة تسمى قو ومن هذه كان أبقراط وبعضهم يرى أن المستخرج لها الكلدانيون وبعضهم يقول أن المستخرج لها السحرة من أهل اليمن وبعضهم يقول بل السحرة من بابل أو السحرة من فارس وبعضهم يقول أن المستخرج لها الهند وبعضهم يقول أن المستخرج لها أهل أقريطش الذين ينسب لافتيمون إليهم وبعضهم يقول أهل طورسينا فالذين قالوا أن الطب من اللَّه تعالى قال بعضهم هو إلهام بالرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها وقال قوم ألهمها اللَّه تعالى بالتجربة ثم زاد الأمر في ذلك وقوي واحتجوا أن إمرأة كانت بمصر وكانت شديدة الحزن والهم مبتلاة بالغنظ والدرد ومع ذلك فكانت ضعيفة المعدة وصدرها مملوء إخلاطاً رديئة وكان حيضها محتبساً فاتفق لها أن أكلت الراسن مراراً كثيرة بشهوة منها له فذهب عنها جميع ما كان بها ورجعت إلى صحتها وجميع من كان به شيء مما كان بها لما والذين قالوا أن اللَّه تعالى خلق صناعة الطب احتجوا في ذلك بأنه لا يمكن في هذا العلم الجليل أن يستخرجه عقل إنسان وهذا الرأي هو رأي جالينوس وهذا نص ما ذكره في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط قال وأما نحن فالأصوب عندنا والأولى أن نقول أن اللّه تبارك وتعالى خلق صناعة الطب وألهمها الناس وذلك أنه لايمكن في مثل هذا العلم الجليل أن يدركه عقل الإنسان لكن اللّه تبارك وتعالى هو الخالق الذي هو بالحقيقة فقط يمكنه خلقه وذلك أنا لا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند اللّه تبارك وتعالى ووجدت في كتاب الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران الذي وسمه ببستان الأطباء وروضة الألباء كلاماً نقله عن أبي جابر المغربي وهو هذا قال سبب وجود هذه الصناعة وحي وإلهام والدليل على ذلك أن هذه الصناعة موضوعة للعناية بأشخاص الناس إما لأن تفيدهم الصحة عند المرض وأما لأن تحفظ الصحة عليهم وممتنع أن تعني الصناعة بالأشخاص بذاتها دون أن تكون مقرونة بعلم أمر هذه الأشخاص التي خصت العناية بها ومن البيّن أن الأشخاص ذوات مبدأ لوقوعها تحت العدد وكل معدود فأوله واحد تكثّر ولا يجوز أن تكون أشخاصُ الناس إلى ما لا نهاية له لأن خروج ما لا نهاية له إلى الفعل محال قال ابن المطران ليس كل ما لا يقدر على حصره فلا نهاية له بل قد تكون له نهاية يضعف عن حصرها قال أبو جابر وإذا كانت الأشخاص التي لا تقوم هذه الصناعة إلا بها ذوات مبدأ ضرورةً فالصناعة ذات مبدأ ضرورة ومن البين أن الشخص الذي هو أول الكثرة مفتقر إليها كافتقار سائرهم ومن البين أيضاً أنه لا يأتي من أول شخص وجد علم هذه الصناعة استنباطاً لقصر عمره وطول الصناعة ولا يجوز أن يجتمعوا في مبدأ الكثرة على استنباطها من أجل أن الصناعة متقنة محكمة وكل أمر متقن لا يستنبط بالاختلاف بل بالاتفاق والأشخاص التي هي أول في الكثرة لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن من أجل أن كل شخص لا يساوي كل شخص من جميع الجهات وإذا لم تتساو من جهة آرائها لم يجز أن تجتمع على أمر محكم قال ابن المطران هذا يؤدي أيضاً في باقي العلوم والصناعات إلى أنها إلهام لأنها ذوات إتقان أيضاً وقوله أيضاً أن الأشخاص لا يجوز أن تجتمع على أمر متقن ليس بشيء بل اجتماعها لا يكون إلا على أمر متقن وإنما الاختلاف يقع مع عدم الإتقان قال أبو جابر فقد بان أن الأشخاص في مبدأ الكثرة لا يتأتى منها استنباط هذه الصناعة وكذلك عند نهاية الكثرة لتباينهم وافتراقهم ووقوع الخلف بينهم ونقول أيضاً يجوز أن يشك شاك فيقول هل يتأتى عندك أن يعرف إنسان من الناس أو كثير منهم منابت الحشائش والعقاقير ومواضع المعادن وخواصها وقوى أعضاء سائر الحيوان وخواصها ومضارها ومنافعها ويعرف سائر الأمراض والبلدان واختلاف امزجة أهلها مع تفريق ديارهم ويعرف القوة التي ينتجها تركيب الأدوية وما يضاد قوة قوةٍ من قوى الأدوية وما يلائم مزاجاً مزاجاً وما يضاده مع ما يتبع ذلك من سائر صناعة الطب فإن سهل ذلك وهونه كذب وإن صعب أمره في علمه من جهة المعرفة قلنا استنباطه ممتنع وإذا لم يكن للصناعة الطبية لابتدائها إلا الاستنباط أو الوحي أو الإلهام وكان لا سبيل إلى استنباط هذه الصناعة بقي أن تكون موجودة بطريق الوحي والإلهام قال ابن المطران هذا كلام مشوش كله مضطرب وإن كان جالينوس قال في تفسير العهد أن هذه الصناعة وحيية إلهامية وقال فلاطن في كتاب السياسة أن اسقليبيوس كان رجلاً مؤيداً ملهما لكن تبعيد حصول هذه الصناعة باستنباط العقول خطأ وتضعيف العقول التي استنبطت أجل من صناعة الطب ولننزل أن أول العالم كان واحداً محتاجاً إلى صناعة الطب كحاجة هذا العالم الجم الغفير اليوم وأنه ثقل عليه جسمه واحمرت عيناه وأصابه علامات الامتلاء الدموي ولا يدري ما يفعل فأصابه من قوته الرعاف فزال عنه ما كان يجده فعرف ذلك فعاوده في وقت آخر ذلك بعينه فبادر إلى أنفه فخدشه فجرى منه الدم فسكن عنه ما كان يجده فصار ذلك عنده محفوظاً يعلمه كل من وجده من ولده ونسله ولطفت حواشي الصناعة حتى فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس ولو نزلنا لفتح العرق أن آخر ممن هذه صفته انجرح أو انخدش فجرى منه الدم فكان له ما ذكرنا من النفع ولطفت الأذهان في استخراج الفصد جاز فصار هذا باباً من الطب وآخر امتلأ من الطعام امتلاء مفرطاً فأصابه من طبيعته أحد الاستفراغين إما القيء وإما الاسهال بعد غثيان وكرب وقلق وتهوع ومغص وقراقر وريح جوالة في البطن فعند ذلك الاستفراغ سكن جميع ما كان يجده وقد كان آخر من الناس عبث ببعض اليتوعات فمغصه فأسهله وقيأه اسهالاً وقيئاً كثيراً وصارت عنده معرفة أن هذه الحشيشة تفعل هذا الفعل وأن هذا الحادث مخفف لتلك الأعراض مزيل لها فذكره لذلك الشخص وحثه على استعمال القليل منه لمّا تعوق عليه القيء والإسهال وصعبت عليه الأعراض فأداه إلى غرضه منهما وخفف عنه ما لقي من شر تلك الأعراض ولطفت الصناعة ورقت حواشيها ونظرت في باقي الحشائش الشبيهة بتلك ما منها يفعل ذلك وما منها لا يفعله وما منها يفعله بعنف وما منها يفعله بضعف وجاء صفاء العقول فنظر في الدواء الذي يفعل ذلك أيُّ الطعوم طعمه وأيُّ الكيفيات يسبق إلى اللسان منه وأيها يتبعها فجعل ذلك سباره ويستخرج منه وأعانته التجربة وأخرجت ما وقع له من القول إلى الفعل وكذبت ما غلط فيه وصححت ما حدس عليه حدساً صحيحاً حتى اكتفى من ذلك وإذا نزلت أن مسهولاً لا يعلم أي الأدوية وأي الأغذية ينفعه أو يضره استعمل بالاتفاق سماقاً في غذائه فانتفع به ودام عليه فأبرأه فأحب أن يعلم بماذا أبرأه فتطعمه فوجده حامضاً قابضاً فعلم أنه لا يخلو من أن يكون حمضه نفعه أو قبضه فذاق غيره مما فيه حموضة محضة فقط واستعمله في غيره ممن به مثل ما كان به فوجده لا يفيده ما أفاده هو فعمد إلى شيء آخر طعمه قابض فقط فاستعمله في ذلك الشخص بعينه فوجد فائدته فيه أكثر من فائدة الحامض المطلق فعلم أن ذلك الطعم مفيد في تلك الحالة وسماه قابضاً وسمى ذلك استفراغاً وقال إن القابض ينفع من الاستفراغ ولطفت الصناعة ورقت حواشيها في ذلك حتى استخرجت العجائب واستنبطت البدائع وأتى الثاني فوجد الأول وقد استخرج شيئاً جرّبه فوجده حقاً فاحتفظ به وقاس عليه وتمم حتى استكملت الصناعة ولو نزلنا مجيء مخالف وجدنا كثيرين موافقين وإذا غلط متقدم سدد متأخر وإذا قصَّر قديم تمَّم محدث هكذا في جميع الصناعات كذا الغالب على ظني قال قال حبيش الأعسم أن رجلاً اشترى كبداً طرية من جزار ومضى إلى بيته فاحتاج أن ينصرف في حاجة أخرى فوضع تلك الكبد التي كانت معه على أوراق نبات مبسوطة كانت على وجه الأرض ثم قضى حاجته وعاد ليأخذ الكبد فوجدها قد ذابت وسالت دماً فأخذ تلك الأوراق وعرف ذلك النبات وصار يبيعه دواء للتلف حتى فطن به وأمر بقتله أقول هذه الحكاية كانت في وقت جالينوس وقال إنه كان السبب في مسك ذلك الرجل وفي توديته إلى الحاكم حتى أمر بقتله قال جالينوس وأمرت أيضاً في وقت مروره إلى القتل أن تشد عيناه حتى لا ينظر إلى ذلك النبات أو أن يشير إلى أحد سواه فيتعلمه منه ذكر ذلك في كتابه في الأدوية المسهلة وحدثني جمال الدين النقاش السعودي أن في لحف الجبل الذي بأسعرد على الجانب الآخر منه قريباً من الميدان عشباً كثيراً وأن بعض الفقراء من مشايخ أهل المدينة أتى إلى ذلك الموضع ونام على نبات هناك ولم يزل نائماً إلى أن عبر عليه جماعة فوجدوه كذلك وتحته دماً سائحاً من أنفه ومن ناحية المخرج فأنبهوه وبقوا متعجبين من ذلك إلى أن ظهر لهم أنه من النبات الذي نام عليه وأخبرني أنه خرج إلى ذلك الموضع ورأى ذلك النبات وذكر من صفته أنه على شكل الهندبا غير أنه مشرف الجوانب وهو مر المذاق قال وقد شاهدت كثيراً ممن يدنيه إلى أنفه ويستنشقه مرات فإنه يحدث له رعافاً في الوقت هذا ما ذكره ولم يتحقق عندي في أمر هذا النبات هل هو الذي أشار إليه جالينوس أو غيره قال ابن المطران فأقول حينئذ أن النفس الفاضلة المفيدة للخير نَظَرت حينئذ فعلمت وكما أن الدواء فعل ذلك الفعل فلا بد وأن يكون خَلْق دواء آخر ينفع هذا العضو ويقاوم هذا الدواء ففتش عليه بالتجربة ولم يزل يطلب في كل يوم أو في كل وقت حيواناً فيعطيه الدواء الأول ثم الثاني فإن دفع ضرره فقد حصل مراده وإن لم ينفع فيه طلب غيره حتى وقع على ذلك الدواء وفي استخراج الترياق أعظم دليل على ما قلت إذ لم يكن الترياق سوى حب الغار وعسل ثم صار إلى ما صار إليه من الكثرة والنفع لا بوحي ولا إلهام ولكن بقياس وصفاء عقول وفي مدد طويلة فإن قلت من أين علم أن الدواء لا بد له من ضد قلنا إنهم لما نظروا إلى قاتل البيش وهو نبات يطلع فإذا وقع على البيش جففه وأتلفه علموا أن مثله في غيره فطلبوه والعالم الفطن يقدر على علم كيفية استخراج شيء من المعلومات إذا نظر فيه على قياسنا الذي وضعناه له وقد عمل جالينوس كتاباً في كيف كان استخراج جميع الصناعات فما زاد فيه من النحو الذي ذكرنا أقول وإنما نقلنا هذه الآراء التي تقدم ذكرها على اختلافها وتنوعها لكون مقصدنا حينئذ أن نذكر جل ما ذهب إليه كل فريق ولما كان الخُلف والتباين في هذا على ما ترى صار طلب أوله عسراً جداً إلا أن الإنسان العاقل إذا فكر في ذلك بحسب معقوله فإنه يجد صناعة الطب لا يبعد أن تكون أوائلها قد تحصلت من هذه الأشياء التي قد تقدمت أو من أكثرها وذلك أنا نقول أن صناعة الطب أمر ضروري للناس منوطة بهم حيث وجدوا ومتى وجدوا إلا أنها قد تختلف عندهم بحسب المواضع وكثرة التغذي وقوة التمييز فتكون الحاجة إليها أمسَّ عند قوم دون قوم وذلك أنه لما كانت بعض النواحي قد يعرض فيها كثيراً أمراض ما لأهل تلك الناحية وخصوصاً كلما كانوا أكثر تنوعاً في الأغذية وهم أدوم أكلاً للفواكه فإن أبدانهم تبقى متهيئة للأمراض وربما لم يفلت منهم أحد في سائر أوقاته من مرض يعتريه فيكون أمثال هؤلاء مضطرين إلى الصناعة الطبية أكثر من غيرهم ممن هم في نواحي أصح هواء وأغذيتهم أقل تنوعاً وهم مع ذلك قليلو الاغتذاء بما عندهم ثم أن الناس أيضاً لما كانوا متفاضلين في قوة التمييز النطقي كان أتمهم تمييزاً وأقواهم حنكة وأفضلهم رأياً أدرك وأحفظ لما يمر بهم من الأمور التجريبية وغيرها لمقابلة الأمراض بما يعالجها به من الأدوية دون غيره فإذا اتفق في بعض النواحي أن يكون أهلها تعرض لهم الأمراضُ كثيراً وكان فيهم جماعة عدة بمثابة من أشرنا إليه أولاً فإنهم يتسلطون بقوة إدراكهم وجودة قرائحهم وبما عندهم من الأمور التجريبية وغيرها على سبيل المداواة فيجتمع عندهم على الطول أشياء كثيرة من صناعة الطب ولنذكر حينئذ أقساماً في مبدئية هذه الصناعة بقدر الممكن فنقول القسم الأول أن أحد الأقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيء منها عن الأنبياء والأصفياء عليهم السلام بما خصهم اللَّه تعالى به من التأييد الإلهي روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان سليمان بن داودَ عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت وقال قوم من اليهود أن اللَّه عز وجل أنزل على موسى عليه السلام سفر الأشفية والصابئة تقول أن الشفاء كان يؤخذ من هياكلهم على يد كهانهم وصلحائهم بعض بالرؤيا وبعض بالإلهام ومنهم من قال أنه كان يوجد مكتوباً في الهياكل لا يعلم من كتبه ومنهم من قال أنها كانت تخرج يد بيضاء مكتوب عليها الطب ونقل عنهم إن شيت أظهر الطب وأنه ورثه عن آدم عليهما الصلاة والسلام فأما المجوس فإنها تقول أن زرادشت الذي تدعي أنه نبيهم جاء بكتب علوم أربعة زعموا أنها جلدت باثني عشر ألف جلد جاموس ألف منها طب وأما نبط العراق والسورانيون والكلدانيون والكسدانيون وغيرهم من أصناف النبط القدم فيدّعي لهم أنهم اكتشفوا مبادئ صناعة الطب وأن هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة كان بينهم ويعرف علومهم فخرج حينئذ إلى مصر وبث في أهلها العلوم والصنائع وبنى الأهرام والبرابي ثم انتقل العلم منهم إلى اليونانيين وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فانك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن الاسكندر لما تملك مملكة داراً واحتوى على فارس أحرق كتب دين المجوسية وعمد إلى كتب النجوم والطب والفلسفة فنقلها إلى اللسان اليوناني وأنفذها إلى بلاده وأحرق أصولها وقال الشيخ أبو سليمان المنطقي قال لي ابن عدي إن الهند لهم علوم جليلة من علوم الفلسفة وأنه وقع إليها أن العلم من ثمَّ وصل إلى اليونانيين وقال الشيخ أبو سليمان ولست أدري من أين وقال بعض علماء الإسرائيليين أن الذي استخرج صناعة الطب يوقال بن لامخ بن متوشالخ القسم الثاني أن يكون قد حصل لهم شيء منها بالرؤيا الصادقة مثل ما حكى جالينوس في كتابه في الفصد من فصده للعرق الضارب الذي أُمر به وذلك أنه قال إني أمرت في منامي مرتين بفصد العرق الضارب الذي بين السبابة والإبهام من اليد اليمنى فلما أصبحت فصدت هذا العرق وتركت الدم يجري إلى أن انقطع من تلقاء نفسه لأني كذلك أمرت في منامي فكان ما جرى أقل من رطل فسكن عني بذلك على المكان وجع كنت أجده قديماً في الموضع الذي يتصل به الكبد بالحجاب وكنت في وقت ما عرض لي هذا غلاماً قال وأعرف إنساناً بمدينة فرغامس شفاه اللَّه تعالى من وجع مزمن كان به في جنبه بفصد العرق الضارب من كفه والذي دعا ذلك الرجل إلى أن يفعل ذلك رؤيا رآها وقال في المقالة الرابعة عشرة من كتابه في حيلة البرء قد رأيت لساناً عظم وانتفخ حتى لم يسعه الفم وكان الذي أصابه ذلك رجلاً لم يعتد إخراج الدم قط وكان من أبناء ستين سنة وكان الوقت الذي رأيته فيه أول مرة الساعة العاشرة من النهار فرأيت أنه ينبغي لي أن أسهله بهذا الحب الذي قد جرت العادة باستعماله وهو الحب المتخذ بالصبر والسقمونيا وشحم الحنظل فسقيته الدواء نحو العشاء وأشرت عليه أن يضع على العضو العليل بعض الأشياء التي تبرِّد وقلت له افعل هذا حتى أنظر ما يحدث فأقدر المداواة على حسبه ولم يساعدني على ذلك رجل حضره من الأطباء فبهذا السبب أخذ الرجل ذلك الحب وتأخر النظر في أمر ما يداوي به العضو نفسه إلى الغد وكنا نطمع جميعاً أن يكون قد تبين فيه حسن أثر الشيء الذي يداوي به ونجربه عليه إذ كان فيه يكون البدن قد استفرغ كله والشيء المنصب إلى العضو قد انحدر إلى أسفل ففي ليلته رأى في حلمه رؤيا ظاهرة بينة فحمد مشورتي واتخذ مشورتي مادة في ذلك الدواء وذلك أنه رأى النائم آمراً يأمره بأن يمسك فيه عصارة الخس فاستعمل هذه العصارة كما أمره وبرأ برءاً تاماً ولم يحتج معها إلى شيء آخر يتداوى به وقال في شرحه لكتاب الإيمان لأبقراط وعامة الناس يشهدون على أن اللَّه تبارك وتعالى هو الملهم لهم صناعة الطب من الأحلام والرؤيا التي تنقذهم من الأمراض الصعبة من ذلك أنا نجد خلقاً كثيراً ممن لا يحصى عددهم أتاهم الشفاء من عند اللَّه تبارك وتعالى بعضهم على يد سارافس وبعضهم على يد اسقليبيوس بمدينة أفيداروس ومدينة قو ومدينة فرغامس وهي مدينتي وبالجملة فقد يوجد في جميع الهياكل التي لليونانيين وغيرهم من سائر الناس الشفاء من الأمراض الصعبة التي تأتي بالأحلام وبالرؤيا وأريباسيوس يحكي في كناشه الكبير أن رجلاً عرض له في المثانة حجر عظيم قال وداويته بكل دواء مستصلح لتفتيت الحجر فلم ينتفع البتة وأشرف على الهلاك فرأى في النوم كأن إنساناً أقبل عليه وفي يده طائر صغير الجثة وقال له أن هذا الطائر اسمه صفراغون ويكون بمواضع السباحات والآجام فخذه واحرقه وتناول من رماده حتى تسلم من هذه العلة فلما انتبه فعل ذلك فأخرج الحجر من مثانته متفتتاً كالرماد وبَرَأَ برءاً تاماً ومما حصل أيضاً من ذلك بالرؤيا الصادقة أن بعض خلفاء المغرب مرض مرضاً طويلاً وتداوى بمداواة كثيرة فلم ينتفع بها فلما كان في بعض الليالي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وشكى إليه ما يجده فقال له صلى الله عليه وسلم ادهن بلا وكل لا تبرأ فلما انتبه من نومه بقي متعجباً من ذلك ولم يفهم ما معناه فسأل المعبرين عنه فكل منهم عجز عن تأويله ما خلا علي بن أبي طالب القيراوني فإنه قال يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك أن تدهن بالزيت وتأكل منه فتبرأ فلما سأله من أين له معرفة ذلك قال من قول اللَّه عزّ وجلّ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار فلما استعمل ونقلت من خط علي بن رضوان في شرحه لكتاب جالينوس في فرق الطب ما هذا نصه قال وقد كان عرض لي منذ سنين صداع مبرح عن امتلاء في عروق الرأس ففصدت فلم يسكن وأعدت الفصد مراراً وهو باق على حاله فرأيت جالينوس في النوم وقد أمرني أن أقرأ عليه حيلة البرء فقرأت عليه منها سبع مقالات فلما بلغت إلى آخر السابعة قال نسيت ما بك من الصداع وأمرني أن أحجم القمَحْدُوة من الرأس ثم استيقظت فحجمتها فبرأت من الصداع على المكان وقال عبد اللّه بن زهر في كتاب التيسير إنني كنت قد اعتل بصري من قيئ بحراني افرط علي فعرض لي انتشار في الحدقتين دفعة فشغل بذلك بالي فرأيت فيما يرى النائم من كان في حياته يعني بأعمال الطب فأمرني في النوم بالاكتحال بشراب الورد وكنت في ذلك الزمان طالباً قد حذقت ولم تكن لي حنكة في الصناعة فأخبرت أبي فنظر في الأمر ملياً ثم قال لي استعمل ما أمرت به في نومك فانتفعت به ثم لم أزل استعمله إلى وقت وضعي هذا الكتاب في تقوية الأبصار أقول ومثل هذا أيضاً كثير مما يحصل بالرؤيا الصادقة فإنه قد يعرض أحياناً لبعض الناس أن يروا في منامهم صفات أدوية ممن يوجدهم أياها فيكون بها برؤهم ثم تشتهر المداواة بتلك القسم الثالث أن يكون قد حصل لهم شيء منها أيضاً بالاتفاق والمصادفة مثل المعرفة التي حصلت لاندروماخس الثاني في إلقائه لحوم الأفاعي في الترياق والذي نشطه لذلك وأفرد ذهنه لتأليفه ثلاثة أسباب جرت على غير قصد وهذا كلامه قال أما التجربة الأولى فإنه كان يعمل عندي في بعض ضياعي في الموضع المعروف ببورنوس حراثون يحرثون الأرض للزرع وكان بيني وبين الموضع نحو فرسخين وكنت أبكر إليهم لأنظر ما يعملون وأرجع إذا فرغوا وكنت أحمل لهم معي على الدابة التي تحت الغلام زاداً وشراباً لتطيب أنفسهم ويتجلدوا على العمل فما زلت كذلك إلى أن حملت الغداء في بعض الأيام وكنت قد أخرجت إليهم بستوقة خضراء وفيها خمر مطينة الرأس لم تفتح مع زاد فلما أكلوا الزاد قدموا البستوقة وفتحوها فلما أدخل أحدهم يده مع كوز ليغرف منها الشراب وجد فيها أفعى قد تهرأ فأمسكوا عن الشراب وقالوا إن هاهنا في هذه القرية رجلاً مجذوماً يتمنى الموت من شدة ما به فنسقيه من ذلك الشراب ليموت ويكون لنا في ذلك أجر إذ نريحه من وصبه فمضوا إليه بزاد وسقوه من ذلك الشراب متيقنين أنه لا يعيش يومه ذلك فلما كان قريب الليل انتفخ جسمه نفخاً عظيماً وبقي إلى الغداة ثم سقط عنه الجلد الخارج وظهر الجلد الداخل الأحمر ولم يزل حتى صلب جلده وبرأ وعاش دهراً طويلاً من غير أن يشكو علة حتى مات الموت الطبيعي الذي هو فناء الحرارة الغريزية فهذا دليل على أن لحوم الأفاعي تنفع من الأوصاب الشديدة والأمراض العتيقة في الأبدان وأما التجربة الثانية فإن أخي أبولونيوس كان ماسحاً من قبل الملك على الضياع وكان كثيراً ما يخرج إليها في الأوقات الوعرة الرديئة في الصيف والشتاء فخرج ذات يوم إلى بعض القرى على سبعة فراسخ فنزل يستريح عند أصل شجرة وكان الزمان شديد الحر وأنه نام فاجتازته أفعى فنهشته في يده وكان قد ألقى يده على الأرض من شدة تعبه فانتبه بفزع وعلم أن الآفة قد لحقته ولم يكن به على القيام طاقة ليقتل الأفعى وأخذه الكرب والغشي فكتب وصية وضمنها اسمه ونسبه وموضع منزله وصفته وعلق ذلك على الشجرة كي إذا مات واجتاز به إنسان ورأى الرقعة يأخذها ويقرأها ويعلم أهله ثم استسلم للموت وكان بالقرب منه ماء قد حصل منه فضلة يسيرة في جوبة في أصل تلك الشجرة التي علق عليها الرقعة وكان قد غلبه العطش فشرب من ذلك الماء شرباً كثيراً فلم يلبث الماء في جوفه حتى سكن ألمه وما كان يجده من ضربة الأفعى ثم برأ فبقي متعجباً ولم يعلم ما كان في الماء فقطع عوداً من الشجرة وأقبل يفتش به الماء لأنه كره أن يفتشه بيده لئلا يكون فيه أيضاً شيء يؤذيه فوجد فيه أفعيين قد اقتتلا ووقعا جميعاً في الماء وتهرءا فأقبل أخي إلى منزلنا صحيحاً سالماً أيام حياته وترك ذلك العمل الذي كان فيه واقتصر بملازمتي وكان هذا أيضاً دليلاً على أن لحوم الأفاعي تنفع من نهش الأفاعي والحيات والسباع الضارية وأما التجربة الثالثة فإنه كان للملك يبولوس غلام وكان شريراً غمازاً خماناً فيه كل بلاء وكان كبيراً عند الملك يحبه لذلك وكان قد آذى أكثر الناس فاجتمع الوزراء والقواد والرؤساء على قتله فلم يتهيأ لهم ذلك لمكانته عند الملك فاحتال بعضهم وقال اذهبوا فاسحقوا وزن درهمين أفيوناً وأطعموه أياه في طعامه أو اسقوه في شرابه فإن الموت السريع يلحق الناس كثيراً فإذا مات حملتموه إلى الملك وليس به جراحة ولا قلبه فدعوه إلى بعض البساتين فلم يتهيأ لهم أن يفعلوا ذلك في الطعام فسقوه في الشراب فلم يلبث إلا قليلاً أن مات فقالوا نتركه في بعض البيوت ونختم عليه ونوكل الفعلة بباب البيت حتى نمضي إلى الملك نعلمه أنه قد مات فجأة ليبعث ثقاته ينظرونه فلما صاروا بأجمعهم إلى الملك نظر الفعلة إلى أفعى قد خرج من بين الحجر ودخل إلى البيت الذي فيه الغلام فلم يتهيأ لهم أن يدخلوا خلفه ويقتلوه لأن الباب كان مختوماً فلم يلبثوا إلا ساعة والغلام يصيح بهم لم قفلتم علي الباب أعينوني قد لسعتني أفعى ومد الباب من داخل وأعانه قوَّام البستان من خارج فكسروه فخرج وليس به قُلْبه وكان هذا أيضاً دليلاً على أن لحوم الأفاعي تنفع من شرب الأدوية القتالة المهلكة هذا جملة ما ذكره أندروماخس ومثل هذا أيضاً أعني ما حصل بالاتفاق والمصادفة أنه كان بعض المرضى بالبصرة وكان قد استسقى ويئس أهله من حياته وداووه بوصفات كثيرة من أدوية الأطباء فيئسوا منه وقالوا لا حيلة في برئه فسمع ذلك من أهله فقال لهم دعوني الآن اتزود من الدنيا وآكل كل ما عن لي ولا تقتلوني بالحمية فقالوا له كل ما تريد فكان يجلس بباب الدار فمهما جاز اشترى منه وأكل فمر به رجل يبيع جراداً مطبوخاً فاشترى منه كثيراً فلما أكله انسهل بطنه من الماء الأصفر في ثلاثة أيام ما كاد به أن يتلف لإفراطه ثم أنه عندما انقطع القيام زال كل ما كان في جوفه من المرض وثابت قوته فبرأ وخرج يتصرف في حوائجه فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن الخبر فعرفه فقال أن الجراد ليس من طبعه أن يفعل هذا فدلني على بائع الجراد فدله عليه فقال له من أين تصطاد هذا الجراد فخرج به إلى المكان فوجد الجراد في أرض أكثر نباتها المازريون وهو من دواء الاستسقاء وإذا دفع إلى مريض منه وزن درهم أسهل إسهالاًذريعاً لا يكاد أن يضبط والعلاج به خطر ولذلك ما تكاد تصفه الأطباء فلما وقع الجراد عى هذه الحشيشة ونضجت في جوفه ثم طبخ الجراد ضعف فعلها وأكل الجراد فعوفي بسببها ومثل هذا أيضاً أي مما حصل من طريق المصادفة والاتفاق أنه كان بافلوللن من سليلة اسقليبيوس ورم حار في ذراعه مؤلم ألماً شديداً فلما أشفى منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر كان عليه النبات المسمي حي العالم وأنه وضعها عليه تبرداً به فخف بذلك ألمه فاستطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعمل مثل ذلك فبرأ برءاً تاماً فلما رأى الناس سرعة برئه علموا أنه إنما كان بهذا الدواء وهو على ما قيل أول ما عرف من الأدوية وأشباه هذه الأمثلة التي قد ذكرنا كثيرة القسم الرابع أن يكون قد حصل شيء منها أيضاً بما شاهده الناس من الحيوانات واقتدى بأفعالها وتشبه بها وذلك مثل ما ذكره الرازي في كتاب ‏)‏الخواص‏(‏ أن الخطاف إذا وقع بفراخه اليرقان مضى فجاء بحجر اليرقان وهو حجر أبيض صغير يعرفه فجعله في عشه فيبرأوا وأن الإنسان إذا أراد ذلك الحجر طلى فراخه بالزعفران فيظن أنه قد أصابهم اليرقان فيمضي فيجيء به فيؤخذ ذلك الحجر ويعلق على من به اليرقان فينتفع به وكذلك أيضاً شأن العقاب الأنثى أنه إذا تعسر عليها بيضها وخروجه وصعب حتى تبلغ الموت ورأى ذكرها ذلك طار وأحضر حجراً يعرف بالقلقل لأنه إذا حرك تقلقل في داخله فإذا كسر لم يوجد فيه شيء وكل قطعة منه إذا حركت تقلقلت مثل صحيحه وأكثر الناس تعرفه بحجر العقاب ويضعه فيسهل على الأنثى بيضها والناس يستعملونه في عسر الولادة على ما استنبطوه من العقاب ومثل ذلك أيضاً أن الحيات إذا أظلمت أعينهن لكمونهن في الشتاء في ظلمة بطن الأرض وخرجن من مكامنهن في وقت ما يدفأ الوقت طلبن نبات الرازيانج وأمررن عيونهن عليه فيصلح ما بها فلما رأى الناس ذلك وجربوه وجدوا من خاصيته إذهاب ظلمة البصر إذا اكتحل بمائه وذكر جالينوس في كتابه في الحقن عن أرودوطس إن طائراً يدعي أيبس هو الذي دل على علم الحقن وزعم أن هذا الطير كثير الاغتذاء لا يترك شيئاً من اللحوم إلا أكله فيحتبس بطنه لاجتماع الأخلاط الرديئة وكثرتها فيه فإذا اشتد ذلك عليه توجه إلى البحر فأخذ بمنقاره من ماء البحر ثم أدخله في دبره فيخرج بذلك الماء الأخلاط المحتقنة في بطنه ثم يعود إلى طعامه الذي عادته الاغتذاء به أن يكون حصل شيء منها أيضاً بطريق الإلهام كما هو لكثير من الحيوانات فإنه يقال أن البازي إذا اشتكى جوفه عمد إلى طائر معروف يسميه اليونانيون ذريفوس فيصيده ويأكل من كبده فيسكن وجعه على الحال وكما تشاهد عليه أيضاً السنانير فإنها في أوقات الربيع تأكل الحشيش فإن عدمت الحشيش عدلت إلى خوص المكانس فتأكله ومعلوم أن ذلك ليس مما كانت تغتذي به أولاً وإنما دعاها إلى ذلك الإلهام لفعل ما جعله اللَّه تعالى سبباً لصحة أبدانها ولا تزال كذلك إلى أن تحس بالصحة المأنوس إليها بالطبع فتكف عن أكله وكذلك أيضاً متى نالها أذى من بعض الحيوانات المؤذية ذات السموم وأكلت شيئاً منها فإنها تقصد إلى السيرج وإلى مواضع الزيت فتنال منه ذلك يسكن عنها سورة ما تجده ويحكى أن الدواب إذا أكلت الدفلي في ربيعها أضر ذلك بها فتسارع إلى حشيشة هي بادزهرللدفلى فترتعيها ويكون بها برؤها ومما يحقق ذلك حالة جرت من قريب وهي أن بهاء الدين بن نفادة الكاتب حكى أنه لما كان متوجهاً إلى الكرك كان في طريقه بالطليل وهي منزلة كثيرة نبات الدفلى فنزل هو وآخر في مكان منها وإلى جانبهم هذا النبات فربط الغلمان دوابهم هنالك وجعلت الدواب ترعى ما يقرب منها وأكلت من الدفلى فأمّا دوابّه فإن غلمانه غفلوا عنها فسابت ورعت من مواضع متفرقة وأما دواب الآخر فإنها بقيت في موضعها لم تقدر على التنقل منه ولما أصبحوا وجدت دوابه في عافية ودواب الآخرين قد ماتت بأسرها في ذلك الموضع وحكى ديسقوريدس في كتابه أن المعزى البرية بإقريطش إذا رميت بالنبل وبقيت في أبدانها فإنها ترعى النبات الذي يقال له المشكطرامشير وهو نوع من الفوتنج فيتساقط عنها ما رميت به ولم يضرها شيء منه وحدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكرندي أن اللقلق يعشش في أعلى القباب والمواضع المرتفعة وأن له عدواً من الطيور يتقصده أبداً ويأتي إلى عشه ويكسر البيض الذي فيه قال وإن ثم حشيشة من خاصيتها أن عدو اللقلق إذا شم رائحتها يغمى فيأتي بها اللقلق إلى عشه ويجعلها تحت بيضه فلا يقدر العدو عليها وذكر أوحد الزمان في المعتبر أن القنفذ لبيته أبواب يسدها ويفتحها عند هبوب الرياح التي تؤذيه وتوافقه وحكى أن إنساناً رأى الحباري تقاتل الأفعى وتنهزم عنها إلى بقلة تتناول منها ثم تعود لقتالها وإن هذا الإنسان عاينها فنهض إلى البقلة فقطعها عند اشتغال الحباري بالقتال فعادت الحباري إلى منبتها ففقدتها وطافت عليها فلم تجدها فخرت ميتة فقد كانت تتعالج بها قال وابن عرس يستظهر في قتال الحية بأكل السَّذاب والكلاب إذا دودت بطونها أكلت لسنبل وتقيأت واستطلقت وإذا جرح اللقلق داوى جراحه بالصعتر الجبلي والثور يفرق بين الحشائش المتشابهة في صورها ويعرف ما يوافقه منها فيرعاه وما لا يوافقه فيتركه مع نهمه وكثرة أكله وبلادة ذهنه ومثل هذا كثير فإذا كانت الحيوانات التي لا عقول لها ألهمت مصالحها ومنافعها كان الإنسان العاقل المميز المكلف الذي هو أفضل الحيوان أولى بذلك وهذا أكبر حجة لمن يعتقد أن الطب إنما هو إلهام وهداية من اللَّه سبحانه لخلقه وبالجملة فإنه قد يكون من هذا ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة ثم تكاثر ذلك بينهم وعضده القياس بحسب ما شاهدوه وأدتهم إليه فطرتهم فاجتمع لهم من جميع تلك الأجزاء التي حصلت لهم بهذه الطرق المتفننة المختلفة أشياء كثيرة ثم إنهم تأملوا تلك الأشياء واستخرجوا عللها والمناسبات التي بينها فتحصّل لهم من ذلك قوانين كلية ومبادئ منها يبتدأ بالتعلم والتعليم وإلى ما أدركوه منها أولاً ينتهي فعند الكمال يتدرج في التعليم من الكليات إلى الجزئيات وعند استنباطها يتدرج من الجزئيات إلى الكليات وأقول أيضاً وقد أشرنا إلى ذلك من قبل أنه ليس يلزم أن يكون أول هذا مختصاً بموضع دون موضع ولا يفرد به قوم دون آخرين إلا بحسب الأكثر والأقل وبحسب تنوع المداواة ولهذا فإن كل قوم هم مصطلحون على أدوية يألفونها ويتداوون بها وأرى أنهم إنما اختلفوا في نسبة صناعة الطب إلى قوم بحسب ما قد كان يتجدد عند قوم فينسب إليهم فإنه قد يمكن أن تكون صناعة الطب في أمة أو في بقعة من الأرض فتدثر وتبيد بأسباب سماوية أو أرضية كالطواعين المفنية والقحوط المجلية والحروب المبيدة والملوك المتغلبة والسير المخالفة فإذا انقرضت في أمة ونشأت في أمة أخرى وتطاول الزمان عليها نسي ما تقدم وصارت الصناعة تنسب إلى الأمة الثانية دون الأولى ويعتبر أولها بالقياس إليهم فقط فيقال لها مذ ظهرت كذا وكذا وإنما يعني في الحقيقة مذ ظهرت في هذه الأمة خاصة وهذا مما لا يبعد فإنه على ما تواترت به الآثار وخصو صاً ما حكاه جالينوس وغيره أن أبقراط لما رأى صناعة الطب قد كادت أن تبيد وأنه قد درست معالمها عن آل اسقليبيوس الذين ابقراط منهم تداركها بأن أظهرها وبثها في الغرباء وقواها ونشرها وشهرها بأن أثبتها بالكتب فلهذا يقال أيضاً على ما ذهب إليه كثير من الناس أن أبقراط أول من وضع صناعة الطب وأول من دونها وليس الحق على ما تواترت به الآثار إلا أنه أول من دونها من آل اسقليبيوس لتعليم كل من يصلح لتعلمها من الناس كافة ومثله سلك الأطباء من بعده واستمر إلى الآن واسقليبيوس الأول هو أول من تكلم في شيء من الطب على ما سيأتي ذكره الباب الثاني طبقات الأطبَّاء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطِّب وكانوا المبتدئين بها اسقليبيوس قد اتفق كثير من قدماء الفلاسفة والمتطببين على أن اسقليبيوس كما أشرنا إليه أولاً هو أولمن ذكر من الأطباء وأول من تكلم في شيء من الطب على طريق التجربة وكان يونانياً واليونان منسوبون إلى يونان وهي جزيرة كانت الحكماء من الروم ينزلونها وقال أبو معشر في المقالة الثانية من كتاب الألوف أن بلدة من المغرب كانت تسمى في قديم الدهر أرغس وكان أهلها يسمون أرغيوا وسميت المدينة بعد ذلك أيونيا وسموا أهلها يونانيين باسم بلدهم وكان ملكها أحد ملوك الطوائف ويقال أن أول من اجتمع له ملك مدينة أيونيا من ملوك اليونانيين كان اسمه أيليوس وكان لقبه دقطاطر ملكهم ثماني عشر سنة ووضع لليونانيين سنناً كثيرة مستعلمة عندهم وقال الشيخ الجليل أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي في تعاليقه أن اسقليبيوس بن زيوس قالوا مولده روحاني وهو إمام الطب وأبو أكثر الفلاسفة قال وأقليدس ينسب إليه وأفلاطون وأرسطوطاليس وبقراط وأكثر اليونانية قال وبقراط كان السادس عشر من أولاده يعني البطن السادس عشر من أولاده وقال سولون أخو أسقليبيوس وهو أبو واضع النواميس أقول وترجمة اسقليبيوس بالعربي منع اليبس وقيل أن أصل هذا الاسم في لسان اليونانيين مشتق من البهاء والنور وكان اسقليبيوس على ما وجد في أخبار الجبابرة بالسريانية ذكي الطبع قوي الفهم حريصاً مجتهداً في علم صناعة الطب واتفقت له اتفاقات حميدة معينة على التمهر في هذه الصناعة وانكشفت له أمور عجيبة من أحوال العلاج بإلهام من اللَّه عز وجل وحكي أنه وجد علم الطب في هيكل كان لهم برومية يعرف بهيكل ابلن وهو للشمس ويقال أن اسقليبيوس هو الذي أوضع هذا الهيكل ويعرف بهيكل اسقليبيوس ومما يحقق ذلك أن جالينوس قال في كتابه في فينكس أن اللَّه عز اسمه لما خلصني من دبيلة قتالة كانت عرضت لي حججت إلى بيته المسمى بهيكل اسقليبيوس وقال جالينوس في كتابه حيلة البرء في صدر الكتاب مما يجب أن يحقق الطب عند العامة ما يرونه من الطب الإلهي في هيكل اسقليبيوس على ما حكاه هروسيس صاحب القصص بيت كان بمدينة رومية كانت فيه صورة تكلمهم عندما يسألونها وكان المستنبط لها في القديم اسقليبيوس وزعم مجوس رومية أن تلك الصورة كانت منصوبة على حركات نجومية وأنه كان فيها روحانية كوكب من الكواكب السبعة وكان دين النصرانية في رومية قبل عبادة النجوم كذا حكى هروسيس وذكر جالينوس أيضاً في مواضع كثيرة أن طب أسقليبيوس كان طباً إلهياً وقال أن قياس الطب الإلهي إلى طبنا قياس طبنا إلى طب الطرقات وذكر أيضاً في حق اسقليبيوس في كتابه الذي ألفه في الحث على تعلم صناعة الطب أن اللَّه تعالى أوحى إلى أسقليبيوس أني إلى أن أسميك ملكاً أقرب منك إلى أن أسميك إنساناً وقال أبقراط إن اللَّه تعالى رفعه إليه في الهواء في عمود من نور وقال غيره إن اسقليبيوس كان معظماً عند اليونانيين وكانوا يستشفون بقبره ويقال أنه كان يسرج على قبره كل ليلة ألف قنديل وكان الملوك من نسله تدّعي له النبوة وذكر أفلاطون في كتابه المعروف بالنواميس عن اسقليبيوس أشياء عدة من أخباره بمغيبات وحكايات عجيبة ظهرت عنه بتأييد ألهي وشاهدها الناس كما قاله وأخبر به وقال في المقالة الثالثة من كتاب السياسة أن أسقليبيوس كان هو وأولاده عالمين بالسياسة وكان أولاده جنداً فرهة وكانوا عالمين بالطب وقال إن أسقليبيوس كان يرى أن من كان به مرض يبرأ منه عالجه ومن كان مرضه قاتلاً لم يطل وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم إن أسقليبيوس هذا كان تلميذ هرمس وكان يسافر معه فلما خرجا من بلاد الهند وجاءا إلى فارس خلفه ببابل ليضبط الشرع فيهم قال وأما هرمس هذا فهو هرمس الأول ولفظه أرمس وهو اسم عطارد ويسمى عند اليونانيين أطرسمين وعند العرب أدريس وعند العبرانيين أخنوخ وهو ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم السلام ومولده بمصر في مدينة منف منها قال وكانت مدته على الأرض اثنتين وثمانين سنة وقال غيره ثلاثمائة وخمساً وستين سنة قال المبشر ابن فاتك وكان عليه السلام رجلاً آدم اللون تام القامة اجلح حسن الوجه كث اللحية مليح التخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العين أكحل متأنياً في كلامه كثير الصمت ساكن الأعضاء إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض كثير الفكرة به حدة وعبسة يحرك إذا تكلم سبابته‏.‏

وقال غيره إن اسقليبيوس كان قبل الطوفان الكبير وهو تلميذ أغاثوذيمون المصري وكان أغاثوذيمون أحد أنبياء اليونانيين والمصريين وتفسير أغاثوذيمون السعيد الجد وكان اسقليبيوس هذا هو البادئ بصناعة الطب في اليونانيين علمها بنيه وحذر عليهم أن يعلموها الغرباء‏.‏

وأما أبو معشر البلخي المنجم فإنه ذكر في كتاب الألوف أن اسقليبيوس هذا لم يكن بالمتأله الأول في صناعة الطب ولا بالمبتدئ بها بل أنه عن غيره أخذ وعلى نهج من سبقه سلك وذكر أنه كان تلميذ هرمس المصري وقال إن الهرامسة كانوا ثلاثة أما هرمس الأول وهو المثلث بالنعم فإنه كان قبل الطوفان ومعنى هرمس لقب كما يقال قيصر وكسرى وتسميه الفرس في سيرها اللهجد وتفسيره ذو عدل وهو الذي تذكر الحرّانية نبوته وتذكر الفرس أن جده كيومرث وهو آدم ويذكر العبرانيون أنه اخنوخ وهو بالعربية أدريس‏.‏

قال أبو معشر هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وإن جده كيومرث وهو آدم علمه ساعات الليل والنهار وهو أول من بنى الهياكل ومجد اللَّه فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه وأنه ألف لأهل زمانه كتباً كثيرة بأشعار موزونة وقواف معلومة بلغة أهل زمانه في معرفة الأشياء الأرضية والعلوية وهو أول من أنذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار وكان مسكنه صعيد مصر تخير ذلك فبنى هناك الأهرام ومدائن التراب وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبنى البرابي وهو الجبل المعروف بالبرابر بأخميم وصور فيها جميع الصناعات وصنّاعها نقشاً وصور جميع آلات الصنّاع وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده برسوم حرصاً منه على تخليد العلوم لمن بعده وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم وثبت في الأثر المروي عن السلف أن أدريس أول من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل اللَّه وأما هرمس الثاني فإنه من أهل بابل سكن مدينة الكلدانيين وهي بابل وكان بعد الطوفان في زمن نزيربال الذي هو أول من بنى مدينة بابل بعد نمرود بن كوش وكان بارعاً في علم الطب والفلسفة وعارفاً بطبائع الأعداد وكان تلميذه فيثاغورس الأرتماطيقي وهرمس هذا جدد من علم الطب والفلسفة وعلم العدد ما كان قد دُرس بالطوفان ببابل ومدينة الكلدانيين هذه مدينة الفلاسفة من أهل المشرق وفلاسفتهم أول من حدد الحدود ورتب القوانين‏.‏

وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر وكان بعد الطوفان وهو صاحب كتاب الحيوانات ذوات السموم وكان طبيباً فيلسوفاً وعالماً بطبائع الأدوية القتالة والحيوانات المؤذية وكان جوالاً في البلاد طوافاً بها عالماً بنُصبة المدائن وطبائعها وطبائع أهلها وله كلام حسن في صناعة الكيمياء نفيس يتعلق منه إلى صناعات كثيرة كالزجاج والخرز والغضار وما أشبه ذلك وكان له تلميذ يعرف باسقليبيوس وكان مسكنه بأرض الشام‏.‏

رجع الكلام إلى ذكر اسقليبيوس وبلغ من أمر أسقليبيوس أن أبرأ المرضى الذين يئس الناس من برئهم ولما شاهده الناس من أفعاله ظن العامة أنه يحيي الموتى وأنشد فيه شعراء اليونانيين الأشعار العجيبة وضمنوها أنه يحيي الموتى ويرد كل من مات إلى الدنيا وزعموا أن اللَّه تعالى رفعه إليه تكرمة له وإجلالاً وصيره في عديد الملائكة ويقال أنه إدريس عليه السلام‏.‏

وقال يحيى النحوي أن أسقليبيوس عاش تسعين سنة منها صبي وقبل أن تفتتح له القوة الإلهية خمسين سنة وعالم معلم أربعين سنة وخلف ابنين ماهرين في صناعة الطب وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته وأن لا يدخلا في صناعة الطب غريباً وعهد إلى من يأتي بعده كذلك وأمرهم بأمرين أحدهما أن يسكنوا وسط المعمور من أرض اليونانيين وذلك في ثلاث جزائر منها قو جزيرة ابقراط والثاني أن لا تخرج صناعة الطب إلى الغرباء بل يعلمها الآباء الأبناء‏.‏

قال جالينوس وأما صورته فصورة رجل ملتح متزين بجمة ذات ذوائب ومما يبحث من أمر السبب في تصويره ملتحياً وتصوير أبيه أمرد فبعض الناس يقول إنه صور وصيغ بهذه الحال لأنه في وقت ما أصعده اللَّه إليه كان كذلك والبعض قال إن السبب في ذلك أن صناعته تحتاج إلى العفة والشيخوخة وبعض الناس قال إن السبب في تجاوزه في الحذق بصناعة الطب أباه وإذا تأملته وجدته قائماً متشمراً مجموع الثياب فيدل بهذا الشكل على أنه ينبغي للأطباء أن يتفلسفوا في جميع الأوقات وترى الأعضاء منه التي يُستحى من تكشفها مستورة والأعضاء التي يحتاج إلى استعمال الصناعة بها معراة مكشوفة ويصور آخذاً بيده عصاً معوجة ذات شعب من شجرة الخطمي فيدل بذلك على أنه يمكن في صناعة الطب أن يبلغ بمن استعملها من السن أن يحتاج إلى عصا يتكئ عليها أو لأن من أعطاه اللَّه تبارك وتعالى بعض العطايا يؤهل لإعطاء عصا بمنزلة ما وهب لإيفاسطس وزوس وهرمس وبهذه العصا نجد زوس يقر أعين من يحب من الناس فينبه بها أيضًا النيام وأما تصويرهم تلك العصا من شجر الخطمي فلأنه يطرد وينفي كل مرض وقال جالينوس وأما أعوجاجها وكثرة شعبها فتدل على كثرة الأصناف والتفنن الموجود في صناعة الطب ولن نجدهم أيضاً تركوا تلك العصا بغير زينة ولا تهيئة لكنهم صوروا عليها صورة حيوان طويل العمر ملتف عليها وهو التنين ويقرب هذا الحيوان من اسقليبيوس لأسباب كثيرة أحدها أنه حيوان حاد النظر كثير السهر لا ينام في وقت من الأوقات وقد ينبغي لمن قصد تعلم صناعة الطب أن لا يتشاغل عنها بالنوم ويكون في غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر بما هو حاضر وبما من شأنه أن يحدث وذلك أنك تجد أبقراط يشير بهذا الفعل في قوله إني أرى أنه من أفضل الأمور أن يستعمل الطبيب سابق النظر وذلك أنه إذا سبق فعلم وتقدم فانذر المرضى بالشيء الحاضر مما بهم وما مضى وما يستأنف وقد يقال أيضاً في تصوير التنين على العصا الماسك لها اسقليبيوس قول آخر وهو هذا قالوا هذا الحيوان أعني التنين طويل العمر جداً حتى أن حياته يقال أنها الدهر كله وقد يمكن في المستعملين لصناعة الطب أن تطول أعمارهم من ذلك أنا نجد ديموقريطس وأيرودوطس عندما استعملوا الوصايا التي تأمر بها صناعة الطب طالت حياتهم جداً فكما أن هذا الحيوان أعني التنين يسلخ عنه لباسه الذي يسميه اليونانيون الشيخوخة كذلك أيضاً قد يمكن الناس باستعمال صناعة الطب إذا سلخوا عنهم الشيخوخة التي تفيدهم إياها الأمراض أن يستفيدوا الصحة وإذا صوروا أسقليبيوس جُعل على رأسه إكليل متخذ من شجر الغار لأن هذه الشجرة تذهب بالحزن ولهذا نجد هرمس إذ سمي المهيب كلل بمثل هذا الإكليل فإن الأطباء ينبغي لهم أن يصرفوا عنهم الأحزان كذلك كلل اسقليبوس بأكليل يذهب بالحزن أو لأن الأكليل كان يعم صناعة الطب والكهانة رأوا أنه ينبغي أن يكون الإكليل الذي يتكلل به الأطباء والمتكهنون إكليلاً واحداً بعينه أو لأن هذه الشجرة أيضاً فيها قوة تشفي الأمراض من ذلك أنك تجدها إذا ألقيت في بعض المواضع هربت من ذلك الموضع الهوام ذوات السموم وكذلك أيضاً النبت المسمى قونورا وثمرة هذه الشجرة أيضاً وهي التي تسمى حب الغار إذا مرخ بها البدن فعلت فيه شبيهاً بفعل الجند بيدستر وإذا صوروا ذلك التنين جعلوا بيده بيضه يومون بذلك وقد ينبغي لنا أن نتكلم أيضاً في الذبائح التي تذبح باسم أسقليبيوس تقرباً إلى اللَّه تبارك وتعالى فنقول أنه لم يوجد أحد قرب اللَّه قرباناً باسم أسقليبيوس في وقت من الأوقات شيئاً من الماعز وذلك لأن شعر هذا الحيوان لا يسهل غزله بمنزلة الصوف ومن أكثر من لحمه سهل وقوعه في أمراض الصرع لأن الغذاء المتولد عنه رديء الكيموس مجفف غليظ حريف يميل إلى الدم السوداوي‏.‏

قال جالينوس بل إنما نجد الناس يقربون إلى اللَّه تبارك وتعالى باسم أسقليبيوس ديكة ويرون أيضاً أن سقراط قرب له هذه الذبيحة فبهذه الحال علم هذا الرجل الإلهي الناس صناعة الطب قنية ثابتة أفضل كثيراً من الأشياء التي استخرجها ديونوسس وديميطر قال حنين يعني باستخراج ديونوسس الخمر وذلك أن اليونانيين يرون أن أول من استخرج الخمر ديونوسس ويومي الشعراء بهذا الاسم إلى القوة التي إذا غيرت الماء في الكرمة أعدته ليكون الخمرة والسرور المتولد عنها في شرابها‏.‏

وأما استخراج ديميطر فالخبز وسائر الحبوب التي يتخذ منها ولهذا نجدهم يسمون هذه الحبوب بهذا الاسم وقد تسمي الشعراء بهذا الاسم أيضاً الأرض المخرجة للحبوب‏.‏

وأما استخراج اسقليبيوس فيعني به الصحة وهي التي لا يمكن دونها أن يقتني شيء من قال جالينوس وذلك أن ما استخرجه هذان لا ينتفع به ما لم يكن استخراج اسقليبيوس موجوداً‏.‏

وأما صورة الكرسي الذي يقعد عليه اسقليبوس فصورة القوة التي تستفاد بها الصحة وهي أشرف القوى‏.‏

وإذا تأملت صورة أسقليبيوس وجدته قاعداً متكئاً على رجال مصورين حوله وذلك واجب لأنه ينبغي أن يكون ثابتاً لا يزول من بين الناس ويصور عليه تنين ملتف حوله وقد خبرت سبب ذلك فيما تقدم‏.‏

ومن الآداب والحكم التي لأسقليبيوس مما ذكره الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم قال أسقليبيوس من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد‏.‏

وقال المتعبد بغير معرفة كحمار الطاحون يدور ولا يبرح ولا يدري ما هو فاعل‏.‏

وقال فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها‏.‏

وقال إعطاء الفاجر تقوية له على فجوره والصنيعة عند الكفور أضاعة للنعمة وتعليم الجاهل ازدياد في الجهل ومسألة اللئيم أهانة للعرض‏.‏

وقال إني لأعجب ممن يحتمي من المآكل الرديئة مخافة الضرر ولا يدع الذنوب مخافة الآخرة‏.‏

وقيل له صف لنا الدنيا فقال أمس أجل واليوم عمل وغداً أمل وقال المشفق عليكم يسيء الظن بكم والزاري عليكم كثير العتب لكم وذو البغضاء لكم قليل النصيحة لكم وقال سبيل من له دين ومروءة أن يبذل لصديقه نفسه وماله ولمن يعرفه طلاقة وجهه وحسن محضره ولعدوه العدل وأن يتصاون عن كل حال يعيب‏.‏

أيلق ويقال له أيلة قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل أن هذا أول حكيم تكلم في الطب ببلد الروم والفرس وهو أول من استنبط كتاب الأغريقي لهيامس الملك وتكلم في الطب وقاسه وعمل به وكان بعد موسى عليه الصلاة والسلام في زمان بذاق الحاكم وله آثار عظيمة وأخبار شنيعة وهو يعد في كثرة العجائب كاسقليبيوس

 

الباب الثالث طبقات الأطباء اليونانيين

الذين هم من نسل أسقليبيوس وذلك أن أسقليبيوس كما ذكرنا أولاً لما حصلت له معرفة صناعة الطب بالتجربة وبقيت عنده أمور منها وشرع في تعليمها لأولاده وأقاربه عهد اليهم ألا يعلموا هذه الصناعة لأحد إلا لأولادهم ولمن هو من نسل اسقليبيوس لا غير وكان الذي خلفه اسقليبيوس من التلاميذ من ولد وقرابة ستة وهم ماغينس وسقراطون وخروسيس الطبيب ومهراريس المكذوب عليه المزور نسبه في الكتب الأولى وأنه لحق سليمان بن داود وهذا حديث خرافة لأن بينهما ألوف من السنين وموريدس وميساوس وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي استاذه اسقليبيوس وهو رأي التجربة إذا كان الطب إنما خرج له بالتجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه من الأهل إلى أن ظهر

 

غورس

هو الثاني من الأطباء الحذاق المشهورين الذين اسقليبيوس أولهم على ما ذكره يحيى النحوي وذلك أنه قال الأطباء المشهورون الذين كان يقتدى بهم في صناعة الطب من اليونانيين على ما تناهى إلينا ثمانية وهم أسقليبيوس الأول وغورس وميتس وبرمانيدس وإفلاطن الطبيب وأسقليبيوس الثاني وأبقراط وجالينوس وكانت مدة حياة غورس سبعاً وأربعين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلِّم ثلاثين سنة وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الأول إلى وقت ظهور غورس ثمانمائة وخمسين سنة‏.‏

وكان في هذه الفترة بين أسقليبيوس وبين غورس من الأطباء المذكورين سورندوس ومانيوس وساوثاوس ومسيساندس وسقوريدس الأول وسيقلوس وسمرياس وانطيماخس وقلغيموس وأغانيس وأيرقلس وأسطورس الطبيب‏.‏

ولما ظهر غورس نظر في رأي التجربة وقواه وخلف من التلاميذ من بين ولد وقريب سبعة وهم مرقس وجورجيس ومالسطس وفولس وماهالس وأراسطواطس الأول وسقريروس وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي أستاذه وهو رأي التجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء إلى من علموه من ولد وقريب إلى أن ظهر‏.‏

مينس ومينس هو الثالث من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته أربعاً وثمانين سنة منها صبي ومتعلم أربعاً وستين سنة وعالم معلِّم عشرين سنة وكان منذ وقت وفاة غورس إلى ظهور مينس خمسمائة وستين سنة وكان في هذه الفترة التي بين غورس ومينس من الأطباء المذكورين أبيقورس وسقوريدوس الثاني وأخطيفون وأسقوريس وراوس واسفقلس وموطيمس وأفلاطن الأول الطبيب وإبرقاط الزول ابن غنوسيديقوس ولما ظهر مينس نظر في مقالات من تقدم فإذا التجربة خطأ عنده فضم إليها القياس وقال لا يجب أن تكون تجربة بلا قياس لأنها تكون خطراً ولما توفي خلف من التلاميذ أربعة وهم قطرطس وأمينس وسورانس ومثيناوس القديم ورأي هؤلاء القياس والتجربة ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه وخلفوه إلى أن ظهر برمانيدس وبرمانيدس هو الرابع من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته أربعين سنة منها صبي ومتعلم خمساً وعشرين سنة وكامل معلِّم خمس عشرة سنة وكان منذ وقت وفاة مينس إلى ظهور برمانيدس سبعمائة وخمس عشرة سنة وكان في هذه الفترة التي بين مينس وبرمانيدس من الأطباء المذكورين سمانس وغوانس و وأبيقورس وأسطفانس وأنيقولس وساوارس وحوراطيمس وفولوس وسوانيديقوس وساموس ولما ظهر برمانيدس قال إن التجربة وحدها كانت أو مع القياس خطر فأسقطها وأنتحل القياس وحده‏.‏

ولما توفي خلف من التلاميذ ثلاثة نفر وهم ثاسلس وأفرن وديوفيلس فوقع بينهم المنازعات والخلف وأنفصلوا ثلاث فرق فادّعى أفرن التجربة وحدها وادّعى ديوفيلس القياس وحده وادعى ثاسلس الحيل وذكر أن الطب إنما هو حيلة ولم تزل هذه الحال بينهم إلى أن ظهر‏.‏

 

أفلاطن الطبيب

وأفلاطن الطبيب هو الخامس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته ستين سنة منها صبي ومتعلم أربعين سنة وعالم علم عشرين سنة وكان منذ وقت وفاة برمانيدس إلى ظهور أفلاطن سبعمائة وخمس وثلاثون سنة وكان الأطباء المذكورون في هذه الفترة التي بين برمانيدس وأفلاطن الطبيب قد تقسموا ثلاثة أقسام أصحاب التجربة وهم أفرن الأقراغنطي وبنتخلس وأنقلس وفيلنبس وغافرطيمس والحسدروس وملسيس وأصحاب الحيل وهم ماناخس وماساوس وغوريانس وغرغوريس وقونيس ولما ظهر أفلاطن نظر في هذه المقالات وعلم أن التجربة وحدها رديئة وخطرة والقياس وحده لا يصح فانتحل الرأيين جميعاً قال يحيى النحوي وأن أفلاطون أحرق الكتب التي ألفها ثاسلس وأصحابه ومن انتحل رأياً واحداً من التجربة والقياس وترك الكتب القديمة التي فيها الرأيان جميعاً وأقول أن يحيى النحوي فيما ذكره من هذه الكتب وأنها قد ألفت فإن كان لها حقيقة فذلك ينافي قول من يرى أن صناعة الطب أول من دونها وأثبتها في الكتب أبقراط إذ كان هؤلاء الذين قد ألفوا هذه الكتب من قبل أبقراط بمدة طويلة ولما توفي أفلاطن خلف من تلاميذه من أولاده وأقربائه ستة وهم ميرونس وأفرده بالحكم على الأمراض وفورونوس وأفرده بالتدبير للأبدان وفوراس وأفرده بالفصد والكي وثافرورس وأفرده بعلاج الجراحات وسرجس وأفرده بعلاج العين وفانيس وأفرده بجبر العظام المكسورة وإصلاح المخلوعة ولم يزل الطب يجري أمره على سداد بين هؤلاء التلاميذ وبين من خلفوه إلى أن ظهر

 

أسقليبيوس الثاني

وأسقليبيوس الثاني هو السادس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته مائة وعشر سنين منها صبي ومتعلم خمس عشرة سنة وعالم ومعلم خمساً وتسعين سنة ومنها عطل خمس سنين وكان منذ وقت وفاة أفلاطن وإلى ظهور أسقليبيوس الثاني ألف وأربعمائة وعشرون سنة وكان في هذه الفترة التي بين أفلاطن وأسقليبيوس الثاني من الأطباء المذكورين ميلن الأقراغنطي وثامسيطوس الطبيب وأقذتينوس وفرديقلوس وأندروماخس القديم وهو أول من صنع الترياق وعاش أربعين سنة وإيراقليدس الأول وعاش ستين سنة وفلاغورس وعاش خمساً وثلاثين سنة وماخميس ونسطس وسيقورس وغالوس وما باطياس وأيرقلس الطبيب وعاش مائة سنة وماناطيس وفيثاغورس الطبيب وعاش سبعين سنة ومارينوس وعاش مائة سنة ولما ظهر أسقليبيوس الثاني نظر في الآراء القديمة فوجد أن الذي يجب أن يعتقده هو رأي إفلاطن فانتحله ثم توفي وخلف ثلاثة تلاميذ من أهل بيته لا غريب فيهم ولا طبيب سواهم وهم

 

أبقراط ابن إيراقليدس

وماغارينس وأرخس ولم تمض عدة أشهر حتى توفي ماغارينس ولحقه أرخس وبقي أبقراط وحيد دهره طبيباً كامل الفضائل تضرب به الأمثال الطبيب الفيلسوف إلى أن بلغ به الأمر إلى أن عبد وهو الذي قوى صناعة القياس والتجربة تقوية عظيمة عجيبة لا يتهيأ لطاعن أن يخلها ولا يهتكها وعلم الغرباء الطب وجعلهم شبيهاً بأولاده لما خاف على الطب أن يفنى ويبيد من العالم كما يتبين أمره في هذا الباب الذي يأتي‏.‏

 

الباب الرابع طبقات الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صنَاعَة الطِّب

أبقراط ولنبتدئ أولاً بذكر شيء من أخبار أبقراط على حيالها وما كان عليه من التأييد الإلهي ونذكر بعد ذلك جملاً من أمر الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم هذه الصناعة وإن لم يكونوا من نسل أسقليبيوس فنقول أن أبقراط على ما تقدم ذكره وهو السابع من الأطباء الكبار المذكورين الذين أسقليبيوس أولهم وأبقراط هو من أشرف أهل بيته وأعلاهم نسباً وذلك على ما وجدته في بعض المواضع المنقولة من اليوناني أنه أبقراط بن أيراقليدس بن أبقراط بن غنوسيديقوس بن نبروس بن سوسطراطس بن ثاوذروس بن قلاوموطاداس بن قريساميس الملك فهو بالطبع الشريف الفاضل نسباً لأنه التاسع من قريساميس الملك والثامن عشر من أسقليبيوس والعشرون من زاوس وأمه فركسيثا بنت فيناريطي من بيت أيراقليس فهو من جنسين فاضلين لأن أباه من آل أسقليبيوس وأمه من آل أيراقليس وتعلم صناعة الطب من أبيه أيراقليدس ومن وكانت مدة حياة أبقراط خمساً وتسعين سنة منها صبي ومتعلم ست عشرة سنة وعالم معلم تسعاً وسبعين سنة وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الثاني وإلى ظهور أبقراط سنتين ولما نظر أبقراط في صناعة الطب وخاف عليها أن تنقرض عندما رأى أنها قد بادت من أكثر المواضع التي كان أسقليبيوس الأول أسس فيها التعليم وذلك أن المواضع التي يتعلم فيها صناعة الطب كانت على ما ذكره جالينوس في تفسيره لكتاب الإيمان لأبقراط ثلاثة أحدها بمدينة رودس والثاني بمدينة قنيدس والثالث بمدينة قو فأما التعليم الذي كان بمدينة رودس فإنه باد بسرعة لأنه لم يكن لأربابه وارث وأما الذي كان منه بمدينة قنيسدس فطفئ لأن الوارثين له كانوا نفراً يسيراً وأما الذي كان منه بمدينة قو وهي التي كان يسكنها أبقراط فثبت وبقي منه بقايا يسيرة لقلة الوارثين له فلما نظر أبقراط في صناعة الطب ووجدها قد كادت أن تبيد لقلة الأبناء المتوارثين لها من آل أسقليبيوس رأى أن يذيعها في جميع الأرض وينقلها إلى سائر الناس ويعلمها المستحقين لها حتى لا تبيد وقال أن الجود بالخير يجب أن يكون على كل أحد يستحقه قريباً كان أو بعيداَ واتخذ الغرباء وعلمهم هذه الصناعة الجليلة وعهد إليهم العهد الذي كتبه وأحلفهم بالأيمان المذكورة فيه أن لا يخالفوا ما شرطه عليهم وأن لا يعلمواهذا العلم أحداً إلا بعد أخذ هذا العهد عليه وقال أبو الحسن علي بن رضوان كانت صناعة الطب قبل أبقراط كنزاً وذخيرة يكنزها الآباء ويدّخرونها للأبناء وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى أسقليبيوس وهذا الاسم أعني أسقليبيوس إما أن يكون اسماً لملَك بعثه اللَّه فعلّم الناس الطب وأما أن يكون قوة للَّه عز وجل علمت الناس الطب وكيف صرفت الحال فهو أول من علم صناعة الطب ونسب المتعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أباً للمتعلم وتناسل من المتعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى أسقليبيوس وكان ملوك اليونانيين والعظماء منهم ولم يكونوا يمكنوا غيرهم من تعليم صناعة الطب بل كانت الصناعة فيهم خاصة يعلم الرجل منهم ولده أو ولد ولده فقط وكان تعليمهم بالمخاطبة ولم يكونوا يدونوها في الكتب وما احتاجوا إلى تدوينه في الكتب دونوه بلغز حتى لا يفهمه أحد سواهم فيفسر ذلك اللغز الأبُ للابن وكان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة ولا شرط‏.‏

ولم يزل كذلك إلى أن نشأ أبقراط من أهل قو ودمقراط من أهل أبديراً وكانا متعاصرين فأما دمقراط فتزهد وترك تدبير مدينته وأما أبقراط فرأى أهل بيته قد اختلفوا في صناعة الطب وتخوف أن يكون ذلك سبباً لفساد الطب فعمد على أن دونه بإغماض في الكتب وكان له ولدان فاضلان وهما ثاسلس وذراقن وتلميذ فاضل وهو فولوبس فعلمهم هذه الصناعة وشعر أنها قد تخرج عن أهل أسقليبيوس إلى غيرهم فوضع عهداً استحلف فيه المتعلم لها على أن يكون لازماً للطهارة والفضيلة ثم وضع ناموساً عرَّف فيه من الذي ينبغي له أن يتعلم صناعة الطب ثم وضع وصية عرَّف فيها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه أقول وهذه نسخة العهد الذي وضعه أبقراط

 

قسم أبقراط

قال أبقراط إني أقسم باللَّه رب الحياة والموت وواهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج وأقسم بأسقليبيوس وأقسم بأولياء اللَّه من الرجال والنساء جميعاً وأشهدهم جميعاً على أني أفي بهذه اليمين وهذا الشرط وأرى أن المعلم لي هذه الصناعة بمنزلة آبائي وأواسيه في معاشي وإذا احتاج إلى مال واسيته وواصلته من مالي‏.‏

وأما الجنس المتناسل منه فأرى أنه مساو لأخوتي وأعلم هذه الصناعة إن احتاجوا إلى تعلمها بغير أجرة ولا شرط وأشرك أولادي وأولاد المعلم لي والتلاميذ الذين كتب عليهم الشرط أو حلفوا بالناموس الطبي في الوصايا والعلوم وسائر ما في الصناعة وأما غير هؤلاء فلا أفعل به ذلك وأقصد في جميع التدابير بقدر طاقتي منفعة المرضى وأما الأشياء التي تضر بهم وتدني منهم بالجور عليهم فامنع منها بحسب رأيي ولا أعطي إذا طلب مني دواء قتالاً ولا أشير أيضاً بمثل هذه المشورة وكذلك أيضاً لا أرى أن أدني من النسوة فرزجة تسقط الجنين وأحفط نفسي في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة ولا أشق أيضاً عمن في مثانته حجارة ولكن أترك ذلك إلى من كانت حرفته هذا العمل وكل المنازل التي أدخلها إنما أدخل إليها لمنفعة المرضى وأنا بحال خارجة عن كل جور وظلم وفساد إراديّ مقصود إليه في سائر الأشياء وفي الجماع للنساء والرجال الأحرار منهم والعبيد وأما الأشياء التي أعاينها في أوقات علاج المرضى أو أسمعها في غير أوقات علاجهم في تصرف الناس من الأشياء التي لا يُنطق بها خارجاً فأمسك عنها وأرى أن أمثالها لا ينطق به فمن أكمل هذه اليمين ولم يفسد شيئاً كان له أن يكمل تدبيره وصناعته على أفضل الأحوال وأجملها وأن يحمده جميع الناس فيما يأتي من الزمان دائماً ومن تجاوز ذلك كان بضده ناموس الطب لأبقراط وهذه نسخة ناموس الطب لأبقراط قال أبقراط إن الطب أشرف الصنائع كلها إلا أن نقص فهم من ينتحلها صار سبباً لسلب الناس إياها لأنه لم يوجد لها في جميع المدن عيب غير جهل من يدعيها ممن ليس بأهل للتسمي بها إذ كانوا يُشبهون الأشباح التي يحضرها أصحاب الحكاية ليلهوا الناس لها فكما أنها صور لا حقيقة لها كذلك هؤلاء الأطباء بالاسم كثير وبالفعل قليل جداً وينبغي لمن أراد تعلم صناعة الطب أن يكون ذا طبيعة جيدة مؤاتية وحرص شديد ورغبة تامة وأفضل ذلك كله الطبيعة لأنها إذا كانت مؤاتية فينبغي أن يقبل على التعليم ولا يضجر لينطبع في فكره ويثمر ثماراً حسنة مثل ما يرى في نبات الأرض أما الطبيعة فمثل التربة وأما منفعة التعليم فمثل الزرع وأما تربية التعليم فمثل وقوع البزر في الأرض الجيدة فمتى قدمت العناية في صناعة الطب بما ذكرنا ثم صاروا إلى المدن لم يكونوا أطباء بالاسم بل بالفعل والعلم بالطب كنز جيد وذخيرة فاخرة لمن علمه مملوء سروراً سراً وجهراً والجهل به لمن انتحله صناعة سوء وذخيرة ردية عديم السرور و دائم الجزع والتهور والجزع دليل على الضعف والتهور دليل على قلة الخبر بالصناعة‏.‏

وصية أبقراط وهذه نسخة وصية أبقراط المعروفة بترتيب الطب قال أبقراط ينبغي أن يكون المتعلم للطب في جنسه حراً وفي طبعه جيداً حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة مالكاً لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركاً له في الغاية ولا يكون بليداً وينبغي أن يكون مشاركاً للعليل مشفقاً عليه حافظاً للأسرار لأن كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة لأن قوماً من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوداوي يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نحتملهم عليه ونعلم أنه ليس منهم وإن السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلاً مستوياً لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قصَّ أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلاً لأن ذلك دليل على الطيش ولا متباطئاً لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعا ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإنه هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره قال جالينوس في المقالة الثالثة من كتابه في أخلاق النفس إن أبقراط كان يعلم مع ما كان يعلم من الطب من أمر النجوم ما لم يكن يدانيه فيه أحد من أهل زمانه وكان يعلم أمر الأركان التي منها تركيب أبدان الحيوان وكون جميع الأجسام التي تقبل الكون والفساد وفسادها وهو أول من برهن ببراهين حقيقة هذه الأشياء التي ذكرنا وبرهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها أقول فأما معالجة أبقراط ومداواته للأمراض فإنه أبداً كانت له العناية البالغة في نفع المرضى وفي مداواتهم ويقال أنه أول من جدّد البيمارستان واخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره في موضع من بستان كان له موضعاً مفرداً للمرضى وجعل فيه خدماً يقومون بمداواتهم وسماه أخسندوكين أي مجمع المرضى - وكذلك أيضاً معنى لفظة البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو الموضع أي موضع المرضى ولم يكن لأبقراط دأب على هذه الوتيرة في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صناعة الطب وإيجاد قوانينها ومداواة المرضى وإيصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم وأمراضهم وقد ذكر كثيراً من قصص مرضى عالجهم في كتابه المعروف بأبيديميا وتفسير أبيديميا الأمراض الوافدة ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لِطَلب الغِنى ولا في زيادة مال يفضل عن احتياجه الضروري وفي ذلك قال جالينوس إن أبقراط لم يجب أحد ملوك الفرس العظيم الشأن المعروف عند اليونانيين بأرطخششت - وهو أزدشير الفارسي جد دارا بن دارا - فإنه عرض في أيام هذا الملك للفرس وباء فوجه إلى عامله بمدينة فاوان أن يحمل إلى أبقراط مائة قنطار ذهباً ويحمله بكرامة عظيمة وإجلال وأن يكون هذا المال تقدمة له ويضمن له إقطاعاً بمثلها وكتب إلى ملك اليونانيين يستعين به على إخراجه إليه وضمن له مهادنة سبع سنين متى أخرج أبقرط إليه فلم يجب أبقراط إلى الخروج عن بلده إلى الفرس فلما ألح عليه ملك اليونانيين في الخروج قال له أبقراط لست أبدل الفضيلة بالمال ولما عالج بردقس الملك من أمراض مرضها لم يقم عنده دهره كله وانصرف إلى علاج المساكين والفقراء الذين كانوا في بلدته وفي مدن أخرى وإن صغرت ودار هو بنفسه جميع مدن اليونانيين حتى وضع لهم كتاباً في الأهوية والبلدان قال جالينوس ومن هذه حاله ليس إنما يستخف بالغني فقط بل بالخفض والدعة ويؤثر التعب والنصب عليها في جنب الفضيلة ومن بعض التواريخ القديمة أن أبقراط كان في زمن بهمن بن أزدشير وكان بهمن قد اعتل فأنفذ إلى أهل بلد أبقراط يستدعيه فامتنعوا من ذلك وقالوا إن أخرج أبقراط من مدينتنا خرجنا جميعاً وقتلنا دونه فرق لهم بهمن واقره عندهم وظهر أبقراط سنة ست وتسعين لبختنصر وهي سنة أربع عشرة للملك بهمن قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل ورأيت حكاية طريفة لأبقراط استحلينا ذكرها لندل بها على فضله وذلك أن أفليمون صاحب الفراسة كان يزعم في فراسته أنه يستدل بتركيب الإنسان على أخلاق نفسه فاجتمع تلاميذ أبقراط وقال بعضهم لبعض هل تعلمون في دهرنا أفضل من هذا المرء الفاضل فقالوا ما نعلم فقال بعضهم تعالوا نمتحن به أفليمون فيما يدعه من الفراسة فصوروا صورة أبقراط ثم نهضوا بها إلى أفليمون فقالوا له أيها الفاضل انظر هذا الشخص واحكم على أخلاق نفسه من تركيبه فنظر إليه وقرن أعضاءه بعضها ببعض ثم حكم فقال رجل يحب الزنا فقالوا له كذبت هذه صورة أبقراط الحكيم فقال لهم لا بد لعلمي أن يصدق فاسألوه فإن المرء لا يرضى بالكذب فرجعوا إلى أبقراط وأخبروه بالخبر وما صنعوا وما قال لهم أفليمون فقال أبقراط صدق أفليمون أحب الزنا ولكني أملك نفسي فهذا يدل على فضل أبقراط وملكه لنفسه ورياضته لها بالفضيلة أقول وقد تنسب هذه الحكاية إلى سقراط الفليسوف وتلامذته فأما تفسير اسم أبقراط فإن معناه ضابط الخيل وقيل معناه ماسك الصحة وقيل ماسك الأرواح وأصل اسمه باليونانية أيفوقراطيس ويقال هو بقراطيس وإنما العرب عادتها تخفيف الأسماء واختصار المعاني فخففت هذا الاسم فقالوا أبقراط وبقراط أيضاً وقد جرى ذلك كثيراً في الشعر ويقال أيضاً بالتاء أبقرات وبقرات وقال المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أبقراط كان ربعة أبيض حسن الصورة أشهل العينين غليظ العظام ذا عصب معتدل اللحية أبيضها منحني الظهر عظيم الهامة بطيء الحركة إذا التفت التفت بكليته كثير الإطراق مصيب القول متأنياً في كلامه يكرر على السامع منه ونعلاه أبداً بين يديه إذا جلس وإن كلِّم أجاب وإن سُكت عنه سأل وإن جلس كان نظره إلى الأرض معه مداعبة كثير الصوم قليل الأكل بيده أبدا إما مبضع وإما مرود وقال حنين بن اسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء أنه كان منقوشاً على فص خاتم أبقراط المريض الذي يشتهي أرجى عندي من الصحيح الذي لا يشتهي شيئاً ويقال أن أبقراط مات بالفالج وأوصى أن يدفن معه درج من عاج لا يعلم ما فيه فلما اجتاز قيصر الملك بقبره رآه قبراً ذليلاً فأمر بتجديده لأنه كان من عادة الملوك أن يفتقدوا أحوال الحكماء في حياتهم وبعد وفاتهم لأنهم كانوا عندهم أجل الناس وأقربهم إليهم فأمر قيصر الملك بحفره فلما حفره لينظر إليه استخرج الدرج فوجد فيه الخمس والعشرين قضية في الموت التي لا يعلم العلة فيها لأنه حكم فيها بالموت إلى أوقات معينة وأيام معلومة وهي موجودة بالعربي ويقال أن جالينوس فسرها وهذا مما استبعده وإلا فلو كان ذلك حقاً ووجد تفسير جالينوس لنقل إلى العربي كما قد فعل ذلك بغيره من كتب أبقراط التي فسرها جالينوس فإنها نقلت بأسرها إلى العربي ومن ألفاظ أبقراط الحكيمة ونوادره المفردة في الطب قال أبقراط الطب قياس وتجربة وقال لو خلق الإنسان من طبيعة واحدة لما مرض أحد لأنه لم يكن هناك شيء يضادها فيمرض وقال العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية والزجر والفأل حس نفساني وقال أحذق الناس بأحكام النجوم أعرفهم بطبائعها وآخذهم بالتشبيه وقال الإنسان ما دام في عالم الحس فلا بدمن أن يأخذ من الحس بنصيب قل أو كثر وقال كل مرض معروف السبب موجود الشفاء وقال إن الناس اغتذوا في حال الصحة بأغذية السباع فأمرضتهم فغذوناهم بأغذية الطير فصحوا وقال إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل وقال لا تأكل حتى تَأكَل وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفزع إلى عادتها وقال الخمرة صديقة الجسم والتفاحة صديقة النفس وقيل له لِمَ أثورُ ما يكون البدن إذا شرب الإنسان الدواء قال لأن أشد ما يكون البيت غباراً إذا كنس وقال لا تشرب الدواء إلا وأنت محتاج إليه فإن شربته من غير حاجة ولم يجد داء يعمل فيه وجد صحة يعمل فيها فيحدث مرضاً وقال مَثَلُ المني في الظهر كمَثَل الماء في البئر إن نزفته فار وإن تركته غار‏.‏

وقال إن المجامع يقتدح من ماء الحياة وسئل في كم ينبغي للإنسان أن يجامع قال في كل سنة مرة قيل له فإن لم يقدر قال في كل شهر مرة قيل له فإن لم يقدر قال في كل أسبوع مرة قيل له فإن لم يقدر قال هي روحه أي وقت شاء يخرجها وقال أمهات لذات الدنيا أربع لذة الطعام ولذة الشراب ولذة الجماع ولذة السماع فاللذات الثلاث لا يتوصل إليها ولا إلى شيء منها إلا بتعب ومشقة ولها مضار إذا استكثر منها ولذة السماع قلّت أو كثرت صافية من التعب خالصة من النصب ومن كلامه قال إذا كان الغدر بالناس طباعاً كانت الثقة بكل أحد عجزاً وإذا كان الرزق مقسوماً كان الحرص باطلاً وقال قلة العيال أحد اليسارين وقال العافية ملك خفي لا يعرف قدرها إلا من عدمها وقيل له أي العيش خير فقال الأمن من الفقر خير من الغنى مع الخوف ورأى قوماً يدفنون امرأة فقال نعم الصهر صاهرك وحكي عنه أنه أقبل بالتعليم على حدث من تلامذته فعاتبه الشيوخ على تقديمه إياه عليهم فقال لهم ألا تعلموا ما السبب في تقديمه عليكم قالوا لا فقال لهم ما أعجب ما في الدنيا فقال أحدهم السماء والأفلاك والكواكب وقال آخر الأرض وما فيها من الحيوانات والنبات وقال آخر الإنسان وتركيبه ولم يزل كل واحد منهم يقول شيئاً وهو يقول لا فقال للصبي ما أعجب ما في الدنيا فقال أيها الحكيم إذا كان كل ما في الدنيا عجباً فلا عجب فقال الحكيم لأجل هذا قدمته لفطنته ومن كلامه قال محاربة الشهوة أيسر من معالجة العلة وقال التخلص من الأمراض الصعبة صناعة كبيرة ودخل على عليل فقال أنا والعلة وأنت ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول مني لما تسمع صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والإثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه ولما حضرته الوفاة قال خذوا جامع العلم مني من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره ومن كلامه مما ذكره حنين بن اسحق في كتاب نوادر الفلاسفة أنه قال منزلة لطافة القلب في الأبدان كمنزلة النواظر في الأجفان وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك بأن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لأنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى وقال القلب من دم جامد والغم يهيج الحرارة الغريزية فتلك الحرارة تذيب جامد الدم ولذلك كره الغم خوف العوارض المكروهة التي تهيج الحرارة وتحمي المزاج فيحل جامد الدم فينتقض التركيب وقال من صحب السلطان فلا يجزع من قوته كما لا يجزع الغواص من ملوحة البحر وقال من أحب لنفسه الحياة أماتها وقال العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثير وقال إن المحبة قد تقع بين العاقلين من باب تشاكلهما في العقل ولا تقع بين الأحمقين من باب تشاكلهما في الحمق لأن العقل يجري على ترتيب فيجوز أن يتفق فيه اثنان على طريق واحد والحمق لا يجري على ترتيب فلا يجوز أن يقع به اتفاق بين اثنين ومن كلامه في العشق قال العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السواء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد يكون الفدامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمني ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غماً وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحاً أو أسفاً وربما شهق شهقة فتختفي منها روحه أربعاً وعشرين ساعة فيظن أنه قد مات فيقبر وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه ويضم عليها القلب فلا تنفرج حتى يموت وربما ارتاح وتشوق للنظر ورأى من يحب فجأة فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه وزوال ذلك عمن هذه حاله بلطف من رب العالمين لا بتدبير من الآدميين وذلك أن المكروه العارض من سبب قائم منفرد بنفسه يتهيأ التلطف بإزالته بإزالة سببه فإذا وقع السببان وكل واحد منهما علة لصاحبه لم يكن إلى زوال واحد منهما سبيل وإذا كانت السوداء سبباً لاتصال الفكر وكان اتصال الفكر سبباً لاحتراق الدم والصفراء وميلهما إلى السوداء والسوداء كلما قويت قوت الفكر والفكر كلما قوي قوى السوداء فهذا الداء العياء الذي يعجز عن معالجته الأطباء ومن كلامه قال الجسد يعالج جملة من خمسة أضرب ما في الرأس بالغرغرة وما في المعدة بالقيء وما في البدن بإسهال البطن وما بين الجلدين بالعرق وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم وقال الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر والسوداء بيتها الطحال وسلطانها في القلب والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس وقال التلميذ له ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم ومن كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للمبشر بن فاتك من كلام أبقراط أيضاً وآدابه قال استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وبترك الامتلاء عن الطعام والشراب وقال إن أنت فعلت ما ينبغي على ما ينبغي أن يُفعل فلم يكن ما ينبغي فلا تنتقل عما أنت عليه ما دام ما رأيته أول الأمر ثابتاً وقال الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال أما العقلاء فيجب أن يسقوا الخمر وإما الحمقى فيجب أن يسقوا الخربق وقال ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال اقنعوا بالقوت والغوا عنكم اللجاجة لتكون لكم قربى إلى اللَّه عز وجل لأن اللَّه سبحانه وتعالى غير محتاج إلى شيء فكلما احتجتم أكثر كنتم منه أبعد واهربوا من الشرور و ذروا المآتم واطلبوا من الخيرات الغايات وقال المالك للشيء هو المسلَّط عليه فمن أحب أن يكون حراً فلا يهو ما ليس له وليهرب منه وإلا صار له عبداً وقال ينبغي للمرء أن يكون في دنياه كالمدعو في الوليمة إذا أتته الكأس تناولها وإن جازته لم يرصدها ولم يقصد لطلبها وكذلك يفعل في الأهل والمال والولد وقال التلميذ له إن أحببت أن لا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك وسئل عن أشياء قبيحة فسكت عنها فقيل له لم لا تجيب عنها فقال جوابها السكوت عنها وقال الدنيا غير باقية فإذا أمكن الخير فاصطنعوه وإذا عدمتم ذلك فتحمدوا واتخذو من الذكر أحسنه وقال لولا العمل لم يطلب العلم ولولا العلم لم يطلب العمل ولأن ادع الحق جهلاً به أحبّ إليّ من أن أدعه زهداً فيه وقال لا ينبغي أن تكون علة صديقك وإن طالت آلم به من تعاهدك له وكان يقول العلم روح والعمل بدن والعلم أصل والعمل فرع والعلم والد والعمل مولود وكان العمل لمكان العلم ولم يكن العلم لمكان العمل وكان يقول العمل خادم العلم والعلم غاية والعلم رائد والعمل مرسل وقال إعطاء المريض بعض ما يشتهيه أنفع من أخذه بكل ما لا يشتهيه أقول وأبقراط هو أول من دون صناعة الطب وشهرها وأظهرها كما قلنا قبل وجعل أسلوبه في تأليف كتبه على ثلاث طرائق من طرق التعليم أحداها على سبيل اللغز والثانية على غاية الإيجاز والاختصار والثالثة على طريق التساهل والتبيين والذي انتهى إلينا ذكره ووجدناه من كتب أبقراط الصحيحة يكون نحو ثلاثين كتاباً والذي يدرس من كتبه لمن يقرأ صناعة الطب إذا كان درسه على أصل صحيح وترتيب جيد اثنا عشر كتاباً وهي المشهورة من سائر كتبه الأول - كتاب الأجنة وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى تتضمن القول في كون المني والمقالة الثانية تتضمن القول في تكون الجنين والمقالة الثالثة تتضمن القول في تكون الأعضاء‏.‏

الثاني - كتاب طبيعة الإنسان مقالتان وهو يتضمن القول في طبائع الأبدان ومماذا تركبت‏.‏

الثالث - كتاب الأهوية والمياه والبلدان وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى يعرف فيها كيف نتعرف أمزجة البلدان وما تُولد من الأمراض البلدية والمقالة الثانية يعرّف فيها كيف نتعرف أمزجة المياه المشروبة وفصول السنة وما تُولَد من الأمراض البلدية والمقالة الثالثة يعرف فيها الرابع - كتاب الفصول سبع مقالات وضمنه تعريف جمل الطب لتكون قوانين في نفس الطبيب يقف بها على ما يتلقاه من أعمال الطب وهو يحتوي على مجمل ما أودعه في سائر كتبه وهذا ظاهر لمن تأمل فصوله فإنها تنتظم جملاً وجوامع من كتابه تقدمة المعرفة وكتاب الأهوية والبلدان وكتاب الأمراض الحادة ونكتاً وعيوناً من كتابه المعنون بابيديما وتفسيره الأمراض الوافدة وفصولاً من كتابه في أوجاع النساء وغير ذلك من سائر كتبه الأخر‏.‏

الخامس - كتاب تقدمة المعرفة ثلاث مقالات وضمنه تعريف العلامات التي يقف بها الطبيب على أحوال مرض في الأزمان الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل وعرّف أنه إذا أَخبر بالماضي وثق به المريض فاستسلم له فتمكن بذلك من علاجه على ما توجبه الصناعة وإذا عرف الحاضر قابله بما ينبغي من الأدوية وغيرها وإذا عرف المستقبل استعد له بجميع ما قابله به قبل أن يهجم عليه بما لا يمهله في أن يتلقاه بما ينبغي‏.‏

السادس - كتاب الأمراض الحادة وهو ثلاث مقالات المقالة الأولى تتضمن القول في تدبير الغذاء والاستفراغ في الأمراض الحادة والمقالة الثانية تتضمن المداواة بالتكميد والفصد وتركيب الأدوية المسهلة ونحو ذلك والمقالة الثالثة تتضمن القول في التدبير بالخمر وماء العسل والسكنجبين والماء البارد والاستحمام‏.‏

السابع - كتاب أوجاع النساء مقالتان ضمنه أولاً تعريف ما يعرض للمرأة من العلل بسبب احتباس الطمث ونزيفه ثم ذكر ما يعرض في وقت الحمل وبعده من الأسقام التي تعرض كثيراً‏.‏

الثامن - كتاب الأمراض الوافدة ويسمى إبيديما وهو سبع مقالات ضمنه تعريف الأمراض الوافدة وتدبيرها وعلاجها و وذكر أنها صنفان أحدهما مرض واحد فقط والآخر مرض قتال يسمى الموتان ليتلقى الطبيب كل واحد منهما بما ينبغي وذكر في هذا الكتاب تذاكير وجالينوس يقول إني وغيري من المفسرين نعلم أن المقالة الرابعة والخامسة والسابعة من هذا الكتاب مدلسة ليست من كلام أبقراط وبيَّن أن المقالة الأولى والثالثة فيهما القول في الأمراض الوافدة وإن المقالة الثانية والسادسة تذاكير أبقراط إما أن يكون أبقراط وضعها وإما أن يكون ولده أثبت لنفسه ما سمعه من أبيه على سبيل التذاكير ومن أجَلَّ ما بينه وقال جالينوس أطَّرح الناس النظر في المقالة الرابعة والخامسة والسابعة من هذا الكتاب فاندرست التاسع - كتاب الأخلاط وهو ثلاث مقالات ويتعرف من هذا الكتاب حال الأخلاط اعني كميتها وكيفتيها وتقدمة المعرفة بالأعراض اللاحقة بها والحيلة والتأني في علاج كل واحد منها العاشر - كتاب الغذاء وهو أربع مقالات ويستفاد من هذا الكتاب علل وأسباب مواد الأخلاط أعني علل الأغذية وأسبابها التي بها تزيد في البدن وتنميه وتخلف عليه بدل وما نحل منه الحادي عشر - كتاب قاطيطريون أي حانوت الطبيب وهو ثلاث مقالات ويستفاد من هذا الكتاب ما يحتاج إليه من أعمال الطب التي تختص بعمل اليدين دون غيرهما من الربط والشد والجبر والخياطة ورد الخلع والتنطيل والتكميد وجميع ما يحتاج إليه وقال جالينوس إن أبقراط بنى أمره على أن هذا الكتاب أول كتاب يقرأ من كتبه وكذلك ظن به جميع المفسرين وأنا واحد منهم وسماه الحانوت الذي يجلس فيه الطبيب لعلاج المرضى والأجود أن تجعل ترجمته كتاب الأشياء التي تعمل في حانوت الطبيب ولأبقراط أيضاً من الكتب وبعضها منحول إليه كتاب أوجاع العذارى كتاب في مواضع الجسد كتاب في القلب كتاب في نبات الأسنان كتاب في العين كتاب إلى بسلوس كتاب في سيلان الدم كتاب في النفخ كتاب في الحمى المحرقة كتاب في الغدد رسالة إلى ديمطريوس الملك ويعرف كتابه هذا بالمقال الشفي كتاب منافع الرطوبات كتاب الوصايا كتاب العهد ويعرف أيضاً بكتاب الإيمان وضعه أبقراط للمتعلمين ولمن يعلمونه أيضاً ليقتدوا به وأن لا يخالفوا ما شرطه عليهم فيه وأن ينفي بما ذكره الشنعة عليه في نقله هذه الصناعة من الوراثة إلى الأذاعة كتاب ناموس الطب كتاب الوصية المعروفة بترتيب الطب ذكر فيها ما يجب أن يكون الطبيب عليه من الشكل والزي والترتيب وغير ذلك كتاب الخلع كتاب جراحات الرأس كتاب اللحوم كتاب في تقدمة معرفة الأمراض الكائنة من تغير الهواء كتاب طبائع الحيوان كتاب علامات القضايا وهو الخمس والعشرون قضية الدالة على الموت كتاب علامات البُحران كتاب في حَبَل على حبل كتاب في المدخل إلى الطب كتاب في المولودين لسبعة أشهر كتاب في الجراح كتاب في الأسابيع كتاب في الجنون كتاب في البثور كتاب المولودين لثمانية أشهر كتاب في الفصد والحجامة كتاب في الأبطى رسالة في مسنونات أفلاطن على أرس كتاب في البول كتاب في الألوان كتاب إلى أنطيقن الملك في حفظ الصحة كتاب في الأمراض كتاب في الأحداث كتاب في المرض الأهلي - وذكر جالينوس في المقالة الأولى من شرح تقدمة المعرفة عن هذا الكتاب أن أبقراط يردّ فيه على من ظن أن اللَّه تبارك وتعالى يكون سبب مرض من الأمراض كتاب إلى أقطيغيوذس قيصر ملك الروم في قسمة الإنسان على مزاج السنة كتاب طب الوحي وهذا الكتاب ذكروا أنه يتضمن كل ما كان يقع في قلبه فيستعمله فيكون كما وقع له رسالة إلى أرطحششت الكبير ملك فارس لما عرض في أيامه للفرس الموتان رسالة إلى جماعة من أهل أبديرا مدينة ديمقراطيس الحكيم جواباً عن رسالتهم إليه لاستدعائه وحضوره لعلاج ديمقراطيس كتاب اختلاف الأزمنة وإصلاح الأغذية كتاب تركيب الإنسان كتاب في استخراج النصول كتاب تقدمة القول الأول كتاب تقدمة القول الثاني ولما توفي أبقراط خلف من الأولاد والتلاميذ من آل اسقليبيوس وغيرهم أربعة عشر أما أولاده فهم أربعة ثاسلوس ودراقن وابناهما أبقراط بن ثاسلوس بن أبقراط وأبقراط بن دراقن بن أبقراط فكل واحد من ولديه كان له ولد سماه أبقراط باسم جده وأما تلامذته من أهل بيته وغيرهم فهم عشرة لاون ماسرجس‏.‏

وميغانوس وقولويس هو أجلّ تلاميذه وخليفته من أهل بيته وأملانيسون واسطاث وساوري وغورس وسنبلقيوس وثاثالس هذا قول يحيى النحوي وقال غيره أن أبقراط كان له اثنا عشر تلميذاً لا يزيد عليهم إلا بعد الموت ولا يُنقص منهم وبقوا على تلك السنة حيناً في بلاد الروم في الرواق الذي كان يدرِّس فيه ووجدتُ ببعض المواضيع أن أبقراط كانت له ابنة تسمى مالانا أرسا وكان لها براعة في صناعة الطب ويقال أنها كانت أبرع من أخويها والأطباء المذكورون في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس خلا تلاميذ أبقراط في نفسه وأولاده فهم سنبلقيوس المفسر لكتب أبقراط وأنقيلاوس الأول الطبيب وأرسيسطراطس الثاني القياسي ولوقس وميلن الثاني وغالوس وميرتديطوس صاحب العقاقير وسقالس المفسر لكتب أبقراط ومانطلياس المفسر أيضاً لكتاب أبقراط وغولس الطارنطائي ومغنس الحمصي صاحب كتاب البول وعاش تسعين سنة واندروماخس القريب العهد وعاش تسعين سنة وأبراس الملقب بالبعيد وسناخس الأثيني صاحب الأدوية والصيدلة وروفس الكبير وكان من مدينة أفسس ولم يكن في زمانه أحد مثله في صناعة الطب وقد ذكره جالينوس في بعض كتبه وفضله ونقل عنه ولروفس من الكتب كتاب الماليخوليا مقالتان وهو من أجل كتبه وكتاب الأربعين مقالة كتاب تسمية أعضاء الإنسان مقالة في العلة التي يعرض معها الفزع من الماء مقالة في اليرقان والمرار مقالة في الأمراض التي تعرض في المفاصل مقالة في تنقيص اللحم كتاب تدبير من لا يحضره طبيب مقالتان مقالة في الذبحة كتاب طب أبقراط مقالة في استعمال الشراب مقالة في علاج اللواتي لا يحبلن مقالة في قضايا حفظ الصحة مقالة في الصرع مقالة في الحمى الربع مقالة في ذات الجنب وذات الرئة كتاب التدبير مقالتان كتاب الباه مقالة كتاب الطب مقالة في الأعمال التي تعمل في البيمارستانات مقالة في اللبن مقالة في الفواق مقالة في الإبكار مقالة في التين مقالة في تدبير المسافر مقالة في البخر مقالة في القيء مقالة في الأدوية القاتلة مقالة في أدوية علل الكِلى والمثانة مقالة في هل كثرة شرب الماء في الولائم نافع مقالة في الأورام الصلبة مقالة في الحفظ مقالة في علة ديونوسوس وهو القيح مقالة في الجراحات مقالة في تدبير الشيخوخة مقالة في وصايا الأطباء مقالة في الحقن مقالة في الولادة مقالة في الخلع مقالة في علاج احتباس الطمث مقالة في الأمراض المزمنة على رأي أبقراط مقالة في مراتب الأدوية مقالة فيما ينبغي للطبيب أن يسأل عنه العليل مقالة في تربية الأطفال مقالة في دوران الرأس مقالة في البول مقالة في العقار الذي يدعى سوساً مقالة في النزلة إلى الرئة مقالة في علل الكبد المزمنة مقالة في أن يعرض للرجال انقطاع التنفس مقالة في شرى المماليك مقالة في علاج صبي يصرع مقالة في تدبير الحبالى مقالة في التخمة مقالة في السذاب مقالة في العَرَق مقالة في إيلاوس مقالة في أبلمسيا وكان من الأطباء المذكورين أيضاً في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس أبولونيوس وأرشيجانس وله أيضاً كتب عدة في صناعة الطب ووجدت له من ذلك مما نقل إلى العربي كتاب اسقام الأرحام وعلاجها كتاب طبيعة الإنسان كتاب في النقرس ومن أولئك الأطباء أيضاً دباسقوريدس الأول المفسرلكتب أبقراط وطيماوس الفلسطيني المفسر لكتب أبقراط أيضاً ونباديطوس الملقب بموهبة اللَّه في المعجونات وميسياوس المعروف بالمقسم للطب ومارس الحيلي الملقب بثاسلس باسم ذلك الذي ذكرناه في أصحاب الحيل وذلك لأنه وقع إليه كتاب بعد إحراق كتب ثاسلس الأول من كتب الحيليين فانتحله وقال لا صناعة غير صناعة الحيل وهي صناعة الطب الصحيحة وأراد أن يفسد الناس ويخرجهم عن اعتقادهم للقياس والتجربة ووضع في الحيل من ذلك الكتاب كتباً كثيرة فلم تزل مع الأطباء فبعض يقبلها وبعض لا حتى ظهر جالينوس فناقضه عليها وأفسدها وأحرق ما وجد منها وأبطل هذه الصناعة الحيلية - واقريطن الملقب بالمزين وهو صاحب كتاب الزينة - وقد نقل جالينوس عنه أشياء من كتابه في كتاب الميامر - وأقاقيوس وجارمكسانس وأرثياثيوس وماريطوس وقاقولونس ومرقس وبرغالس وهرمس الطبيب ويولاس وحاحونا وحلمانس هؤلاء الإثنا عشر من الأطباء الذين أولهم أقريطن يعرفون بمعاضدة بعضهم لبعض وباتصال بعضهم ببعض في تأليف الأدوية لمنفعة الناس بالبروج الأثني عشر لأنها متصلة بعضها ببعض وفيلس الخلقدوني الملقب بالقادر - من قبل أنه كان يتجرأ على العلاجات الصعبة ويشفيها ويعلو عليها ويتقدر ولا يخطئ له علاج - وديمقراطيس الثاني وأفروسيس وأكسانقراطس وأفروديس وبطلميوس الطبيب وسقراطس الطبيب ومارقس الملقب بعاشق العلوم وسوروس وفوريس قادح العيون ونيادريطوس الملقب بالساهر وفرفوريوس التأليفي صاحب الكتب الكثيرة لأنه كان مع فلسفته مبرزاً في الطب بارعاً فيه قوياً فمن قِبَل ذلك يسميه بعض الناس الفيلسوف وبعضهم الطبيب ودياسقوريدس العين زربي صاحب النفس الزكية النافع للناس المنفعة الجليلة المتعرب المنصور السائح في البلاد المقتبس لعلوم الأدوية المفردة من البراري والجزائر والبحار المصور لها المجرب المعدد لمنافعها قبل المسألة من أفاعيلها حتى إذا صحت عنده بالتجربة فوجدها قد خرجت بالمسألة غير مختلفة من التجربة أثبت ذلك وصوره من مثله وهو رأس كل دواء مفرد وعنه أخذ جميع من جاء بعده ومنه ثقفوا على سائر ما يحتاجون إليه من الأدوية المفردة وطوبى لتلك النفس الطيبة التي شقيت بالتعب من محبتها لإيصال الخيرات إلى الناس كلهم وقال حنين بن اسحق إن دياسقوريدس كان اسمه عند قومه أزدش نياديش ومعناه بلغتهم الخارج عنا قال حنين وذلك أنه كان معتزلاً عن قومه متعلقاً بالجبال ومواضع النبات مقيما بها في كل الأزمنة لا يدخل إلى قومه في طاعة ولا مشورة ولا حكم فلما كان ذلك سماه قومه بهذا الاسم ومعنى ديسقوري باليونانية أشجار ودوس باليونانية اللَّه ومعناه أي ملهمه اللَّه للشجر والحشائش أقول ومما يؤيد أن دياسقوريدس كان متنقلاً في البلدان لمعرفة الحشائش والنظر إليها وفي منابتها قوله في صدر كتابه يخاطب الذي ألف الكتاب له وأما نحن فإنه كانت له كما علمت في الصغر شهوة لا تقدر في معرفة هيولى العلاج وتجولنا في ذلك بلداناً كثيرة وكان دهرنا كما قد علمت دهر من ليس له مقام في موضع واحد وكتاب دياسقوريدس هذا خمس مقالات ويوجد متصلاً به أيضاً مقالتان في سموم الحيوان تنسب إليه وأنها سادسة وسابعة وهذا ذكر أغراض مقالات كتاب دياسقوريدس المقالة الأولى تشتمل على ذكر أدويةعطرة الرائحة وأفاويه وأدهان وصموغ وأشحار كبار والمقالة الثانية تشتمل على ذكر الحيوانات ورطوبات الحيوان والحبوب والقطاني والبقول المأكولة والبقول الحريفة وأدوية حريفة والمقالة الثالثة تشتمل على ذكر أصول النبات وعلى نبات شوكي وعلى بزور وصموغ وعلى حشائش بازهرية المقالة الرابعة تشتمل على ذكر أدوية أكثرها حشائش باردة وعلى حشائش حارة مسهلة ومقيئة وعلى حشائش نافعة من السموم وهو ختام المقالة المقالة الخامسة تشتمل على ذكر الكرم وعلى أنواع الأشربة وعلى الأدوية المعدنية وجالينوس يقول عن هذا الكتاب إني تصفحت أربعة عشر مصحفاً في الأدوية المفردة لأقوام شتى فما رأيت فيها أتم من كتاب ديسقوريدس الذي من أهل عين زربة وكان من الأطباء المذكورين أيضاً في الفترة التي بين أبقراط وجالينوس بلاديوس المفسر لكتب أبقراط وكلاوبطرة أمرأة طبيبة فارهة أخذ عنها جالينوس أدوية كثيرة وعلاجات شتى وخاصة ما كان من ذلك من أمور النساء واسقلبيادس وسورانوس الملقب بالذهبي وإيراقليس الطارنطي وأديمس الكحال الملقب بالملك ونساورس الفلسطيني غالس الحمصي وكسانوقراطس وقوطانس وديوجانس الطبيب الملقب بالفراني واسقليبيادس الثاني وبقراطيس الجوارشني ولاون الطرسوسي وأريوس الطرسوسي وقيمن الحراني وموسقوس الأثيني وأقليدس المعروف بالمهدي للضالين وإيراقليس المعروف بالهادي وبطروس وفروادس ومانطلياس الفاسد وثافراطس العين زربي وانطيباطوس المصيصي وخروسبس المعروف بالفتي وأريوس المعروف بالمضاد وفيلون الطرسوسي وفاسيوس المصري وطولس الاسكندراني وأولينس وسقورس الملقب بالمطاع وإنما لقب بذلك لأن الأدوية كانت تطاوعه فيما يستعملها وتامور الحراني وجميع هؤلاء الأطباء أصحاب أدوية مركبة أخذ جالينوس عنهم كتبه في الأدوية المركبة وعن الذين من قبلهم ممن سميناه أولاً مثل أيولس وأرشيجانس وغيرهما وكان قبل جالينوس أيضاً طرالينوس وهو الاسكندروس الطبيب وله من الكتب كتاب علل العين وعلاجها ثلاث مقالات كتاب البرسام كتاب الضبان والحيات التي تتولد في البطن والديدان وكان في ذلك الزمان أيضاً وما قبله جماعة من عظماء الفلاسفة وأكابرهم على ما ذكره اسحق بن حنين مثل فوثاغرس وديوفيلس وثاون وانبادقلس وأقليدس وسورى وطماتاوس وانكسيمانس وديمقراطيس وثاليس قال وكان الشعراء أيضاً في ذلك الوقت أموميرس وقاقلس ومارقس وتلاهم أيضاً من الفلاسفة زينون الكبير وزينون الصغير واقراطوس الملقب بالموسيقي ورامون المنطقي واغلوقن البنضيني وسقراط وأفلاطن وديمقراط وأرسطوطالس وثاوفرطس ابن اخته واذيمس وأفانس وخروسبس وديوجانس وقيلاطس وفيما طوس وسنبلقيوس وأرمينس معلم جالينوس وغلوقن والاسكندر الملك والاسكندر الإفروديسي وفرفوريوس الصوري وأيراقليدس الإفلاطوني وطاليوس الاسكندراني وموسي الاسكندراني ورودس الأفلاطوني واسطفانس المصري وسنجس ورمن ويتلو هؤلاء أيضاً من الفلاسفة ثامسطيوس وفرفوديس المصري ويحيى النحوي الاسكندراني وداريس وانقيلاوس المختصر لكتب أرسطوطاليس وامونيوس وفولوس وافروطوخس وأوديمس الاسكندراني وياغاث العين زربي وثياذوس الأثيني وأدى الطرسوسي وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب طبقات الأمم أن الفلاسفة اليونانيين من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة لما ظهر منهم من الاعتناء الصحيح بفنون الحكمة من العلوم الرياضية والمنطقية والمعارف الطبيعية والإلهية والسياسات المنزلية والمدنية قال وأعظم هؤلاء الفلاسفة قدراً عند اليونانيين خمسة فأولهم زماناً بندقليس ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم

 

أفلاطون ثم أرسطوطاليس ابن نيقوماخس أقول وسنذكر جملاً من أحوال هؤلاء الخمسة وغيرهم إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

22 بندقليس قال القاضي صاعد إن بندقليس كان في زمن داود النبي عليه السلام على ما ذكره العلماء بتواريخ الأمم وكان أخذ الحكمة من لقمان الحكيم بالشام ثمن انصرف إلى بلاد اليونانيين فتكلم في خلق العالم بأشياء يقدح ظاهرها في أمر المعاد فهجره لذلك بعضهم وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمته وتزعم أن له رموزاً قلما يوقف عليها قال وكان محمد بن عبد اللَّه بن مرة الجبلي الباطني من أهل قرطبة كلفاً بفلسفته دؤوباً على دراستها قال وبندقليس أول من ذهب إلى الجمع بين معاني صفات اللَّه تعالى وأنها كلها تؤدي إلى شيء واحد وأنه وإن وصف بالعلم والجود والقدرة فليس هو ذا معان متميزة تختص بهذه الأسماء المختلفة بل الواحد بالحقيقة الذي لا يتكثر بوجه ما أصلا بخلاف سائر الموجودات فإن الوحدانيات العالمية معرضة للتكثير إما بإجزائها وإما بمعانيها وإما بنظائرها وذات الباري متعالية عن هذا كله قال وإلى هذا المذهب في الصفات ذهب أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف البصري‏.‏

ولبندقليس من الكتب كتاب فيما بعد الطبيعة كتاب الميامر‏.‏

22 فيثاغورس ويقال فوثاغوراس وفوثاغوريا وقال القاضي صاعد في كتاب طبقات الأمم أن فيثاغورس كان بعد بندقليس بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود عليهما السلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام وكان قد أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين ثم رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة وعلم الدين واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تحت النسب العددية وادعى أنه استفاد ذلك من مشكاة النبوة وله في نضد العالم وترتيبه على خواص العددومراتبه رموز عجيبة واغراض بعيدة وله في شأن المعاد مذاهب قارب فيها بندقليس من أن فوق عالم الطبيعة عالما روحانياً نورانياً لا يدرك العقل حسنه وبهاءه وإن الأنفس الزكية تشتاق إليه وإن كل إنسان أحسن تقويم نفسه بالتبري من العجب والتجبر والرياء والحس وغيرها من الشهوات الجسدية فقد صار أهلاً أن يلحق بالعالم الروحاني ويطلع على ما يشاء من جواهره من الحكمة الإلهية وإن الأشياء الملذذة للنفس تأتيه حينئذ أرسالاً كالألحان الموسيقية الآتية إلى حاسة السمع فلا يحتاج أن يتكلف لها طلباً ولفيثاغورس تآليف شريعة الارتماطيقي والموسيقي وغير ذلك هذا آخر قوله وذكر غيره عن الحكيم فيثاغورس أنه كان يرى السياحة واجتناب مماسة القاتل والمقتول وأنه أمر بتقديس الحواس وتعلُّم العمل بالعدل وجميع الفضائل والكف عن الخطايا والبحث عن العطية الأنسية ليعرف طبيعة كل شيء وأمر بالتحابب والتأدب بشرح العلوم العلوية ومجاهدة المعاصي وعصمة النفوس وتعلم الجهاد وإكثار الصيام والقعود على الكراسي والمواظبة على قراءة الكتب وأن يعلم الرجال الرجال وتعلم النساء والنساء وأمر بجودة النطق ومواعظ الملوك وكان يقول ببقاء النفس وكونها فيما بعد في ثواب أو عقابِ على رأي الحكماء الإلهيين ولما رأس الحكيم فيثاغورس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وغير المعطشة أما الغذاء غير المجوع فكان يهيئه من بزر ميقونيون وسمسم وقشر أسقال مغسول غسلاً مستقصى حتى ينبأ قلبه وانتاريقون واسفودالن والفيطون وحمص وشعير من كل واحد جزء بالتحرير كان يسحقها ويعجنها بجنس من العسل يسمى أميطيو وأما غير المعطش فكان يهيئه من بزر القثاء وزبيب سمين منزوع العجم وزهر قوريون وبزر ملوخيا وبزر أسوفا وأندراخين ونوع من الخبز يدعى فيلطاموس ودقيق أواليس وكان يعجنها بعسل حابوق وذكر الحكيم أن هرقلس تعلم هاتين الصفتين من ديميطر وكان فيثاغورس قد ألزم نفسه عادة موزونة فلم يكن مرة صحيحاً ومرة سقيماً ولا كان مرة يسمن ومرة يهزل وكانت نفسه لطيفة جداً ولم يكن يفرح بإفراط ولا يحزن بإفراط ولا رآه أحد قط ضاحكاً ولا باكياً وكان يقدم أخوانه على نفسه ويحكى أنه أول من قال أن أموال الأخلاء مشاعة غير مقسومة وكان يحافظ على صحة الأصحاء ويبرئ المسقومي الأبدان وكان يبرئ النفوس الآلمة منها بالتكهن ومنها بالألحان الآلهية التي كان يحيي بها آلام البدن وكان يأمر بأداء الأمانة في الوديعة لا المال فقط والكلمة المستودعة المحقة وصدق الوعد وذكر فرفوريوس في المقالة الأولى من كتابه في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم حكايات عجيبة ظهرت عن فيثاغورس مما تكهن به ومن أخباره بمغيبات سمعت منه وشوهدت كما قاله كلمات حكمية وكان يرمز حكمته ويسترها فمن الغازه أنه كان يقول لا تعتد في الميزان أي اجتنب الإفراط ولا تحرك النار بالسكين لأنها قد حميت فيها مرة أي اجتنب الكلام المحرض عند الغضوب المغتاظ ولا تجلس على قفيز أي لا تعش في البطالة ولا تمر بغياض الليوث أي لا تقتد برأي المردة ولا تعمر الخطاطيف البيوت أي لا تقتد بأصحاب الطرمذه والبقبقة من الناس غير المالكين لألسنتهم وإن لا يلقى الحمل عن حامله لكن يعان على حمله أي لا يغفل أحد أعمال نفسه في الفضائل في الطاعات وأن لا تلبس تماثيل الملائكة على فصوص الخواتيم أي لا تجهر بديانتك وتدع أسرار العلوم الإلهية عند الجهال قال الأمير المبشر بن فاتك كان لفيثاغورس أب اسمه منيسارخوس من أهل صور وكان له أخوان اسم الأكبر منهما أونوسطوس والآخر طورينوس وكان اسم أمه بوثايس بنت رجل اسمه اجقايوس من سكان ساموس ولما غلب على صور ثلاث قبائل ليمنون ويمقرون وسقرون واستوطنوها وجلا أهلها منها جلا والد فيثاغورس فيمن جلا وسكن البحيرة وسافر منها إلى ساموس ملتمساً كسباً وأقام بها وصار فيها مكرماً ولما سافر منها إلى أنطاكيا أخذ فيثاغورس معه ليتفرج عليها لأنها كانت نزهة جداً كثيرة الخصب وذكروا أن فيثاغورس أنما عاد إليها فسكنها لما رأى من طيبها أول مرة ولما جلا منيسارخوس عن صور سكن ساموس ومعه أولاده أونوسطوس وطورينوس وفيثاغورس فتبنى أندروقلوس رئيس ساموس فيثاغورس وكفله لأنه كان أحدث الأخوة وأسلمه من صغره في تعليم الآداب واللغة والموسيقى فلما التحى وجه به إلى مدينة ميليطون وأسلمه إلى أناكسيماندوس الحكيم ليعلمه الهندسة والمساحة والنجوم فلما أحكم فيثاغورس هاتين الصناعتين أشتد حبه للعلوم والحكمة فسافر إلى بلدان شتى طالباً لذلك فورد على الكلدانيين والمصريين وغيرهم ورابط الكهنة وتعلم منهم الحكمة وحذق لغة المصريين بثلاثة أصناف من الخط خط العامة وخط الخاصة وهو خط الكهنة المختصر وخط الملوك وعندما كان في أراقليا كان مرابطاً لملكها ولما صار إلى بابل رابط رؤساء خلذايون ودرس على زارباطا فبصره بما يجب على الصديقين واسمعه سماع الكيان وعلمه أوائل الكلّ إيما هي فمن ذلك فضلت حكمة فيثاغورس وبه وُجد السبيل إلى هداية الأمم وردهم عن الخطايا لكثرة ما اقتنى من العلوم من كل أمة ومكان وورد على قاراقوديس الحكيم السرياني في بداية أمره في مدينة اسمها ديلون من سورية وخرج عنها قاراقوديس فسكن ساموس وكان قد عرض له مرض شديد حتى أن القمل كان ينتعش في جسمه فلما عظم به وساء مثواه حمله تلاميذه إلى أفسس ولما تزايد ذلك عليه رغب إلى أهل أفسس وأقسم عليهم أن يحولوه عن مدينتهم فأخرجوه إلى ماغانسيا وعنى تلاميذه بخدمته حتى مات فدفنوه وكتبوا قصته على قبره ورجع فيثاغورس إلى مدينة ساموس ودرس بعده على أرمودامانيطس الحكيم البهي المتأله المكنى بقراوفوليو بمدينة ساموس ولقي أيضاً بها أرمودامانيس الحكيم المكنى أفروقوليم فرابطه زماناً وكانت طرانة ساموس قد صارت لفولوقراطيس الأطرون واشتاق فيثاغورس إلى الاجتماع بالكهنة الذين بمصر فابتهل إلى فولوقراطيس أن يكون له على ذلك معيناً فكتب له إلى أماسيس ملك مصر كتاباً يخبره بما تاق إلىه فيثاغورس ويعلمه أنه صديق لأصدقائه ويسأله أن يجود عليه بالذي طلب وأن يتحنن عليه فأحسن أماسيس قبوله وكتب له إلى رؤساء الكهنة بما أراد فورد على أهل مدينة الشمس وهي المعروفة بزماننا بعين شمس بكتب ملكهم فقبلوه قبولاً كريهاً وأخذوا في امتحانه زماناً فلم يجدوا عليه نقصاً ولا تقصيراً فوجهوا به إلى كهنة منف كي يبالغوا في امتحانه فقبلوه قبولاً على كراهية واستقصوا امتحانه فلم يجدوا عليه معيباً ولا أصابوا له عثرة فبعثوا به إلى أهل دبوسبولس ليمتحنوه فلم يجدوا عليه طريقاً ولا إلى أدحاضه سبيلاً لعناية ملكهم به فعرضوا عليه فرائض صعبة مخالفة لفرائض اليونانيين كيما يمتنع من قبولَها فيدحضوه ويحرموه طلبه فقبل ذلك وقام به فاشتد أعجابهم منه وفشا بمصر ورعه حتى بلغ ذكره إلى أماسيس فأعطاه سلطاناً على الضحايا للرب تعالى وعلى سائر قرابينهم ولم يعط ذلك لغريب قط ثم مضى فيثاغورس من مصر راجعاً إلى بلده وبنى له بمدينة أيونية منزلاًَ للتعليم فكان أهل ساموس يأتون إليه ويأخذون من حكمته وأعدّ له خارجاً من تلك المدينة انطروناً جعله مجمعاً خاصاً لحكمته فكان يرابط فيه مع قليل من أصحابه أكثر أوقاته ولما أتت عليه أربعون سنة وتمادت طرانة فولوقراطيس وكان قد استخلفه عليهم حيناً طويلاً واستكفاه ففكر ورأى أنه لا يحسن بالمرء الحكيم المكث على لزوم الطرانة والسلطان فرحل إلى إيطالية وسار منها إلى قروطونيا ودخلها فرأى أهلها حسن منظره ومنطقه ونبله وسعة علمه وصحة سيرته مع كثرة يساره وتكامله في جميع خصاله واجتماع الفضائل كلها فيه فانقاد له أهل قروطونيا انقياد الطاعة العلمية فألزمهم عصمة القدماء وهدى نفوسهم ووعظهم بالصالحات وأمر الأراكنة أن يضعوا للأحداث كتب الآداب الحكمية وتعليمهم أياها فكان الرجال والنساء يجتمعون إليه ليسمعوا مواعظة وينتفعوا بحكمته فعظم مجده وكبر شأنه وصير كثيراً من أهل تلك المدينة مهرة بالعلوم وانتشر الخبر حتى أن عامة ملوك البربر وردوا عليه ليسمعوا حكمته ويستوعبوا من علمه ثم إن فيثاغورس جال في مدن إيطاليا وسيقليا وكان الجور والتمرد قد غلب عليهم فصاروا سمَّاعيه وصدِّيقيه من أهل طاورومانيون وغير ذلك فاستأصل الفتنة منهم ومن نسلهم إلى أحقاب كثيرة وكان منطقه طارداً لكل منكر ولما سمع حكمته ومواعظه سماخس اطرون قانطوربيا خرج من ملكه وخلف أمواله بعضها لأخيه وبعضها لأهل مدينته وذكر أن باندس الذي كان جنسه من فرمس وكان ملك فوثو وكان من ولد فيثاغورس وكان لفيثاغورس وهو باقروطونيا بنت بتول كانت تعلم عذارى المدينة شرائع الدين وفرائضه وسنته من حلاله وحرامه وكانت أيضاً زوجته تعلم سائر النساء ولما توفي فيثاغورس عمد ديميطوديوس المؤمن إلى منزل الحكيم فجعله هيكلاً لأهل قروطونيا وذكروا أن فيثاغورس كان على عهد كورس حدثاً وكان ملكه ثلاثين سنة‏.‏

وملك بعده ابنه قامبوسيس وفيثاغورس في الحياة وأن فيثاغورش لبث بساموس ستين سنة ثم سافر إلى إيطاليا ثم توجه منها إلى ماطايونطيون فمكث بها خمس سنين وتوفي وكان غذاؤه عسلاً وسمناً عشاؤه خبز قاخجرون وبقول نيئة ومطبوخة ولم يكن يأكل من اللحم إلا ما كان من أضحية كهونته مما كان يقرب للَّه تعالى فلما أن رأس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة غير المعطشة وكان إذا ورد عليه وارد ليسمع كلامه يكلمه على أحد وجهين إما بالاحتجاج والدراس وإما بالموعظة والمشورة فكان لتعليمه شكل ذو فنين وحضره سفر إلى بعض الأماكن فأراد أن يؤنس أصحابه بنفسه قبل فراقهم فاجتمعوا في بيت رجل يقال له ميلن فبينما هم في البيت مجتمعون إذ هجم عليهم رجل من أهل قروطونيا اسمه قولون وكان له شرف وحسب ومال عظيم وكان يستطيل بذلك على الناس ويتمرد عليهم ويغتر بالجور وكان قد دخل على فيثاغورس وجعل يمدح نفسه فزجره بين يدي جلسائه وأشار إليه باكتساب خلاص نفسه فاشتد غيظ قولون عليه فجمع أخلاءه وقذف فيثاغورس عندهم ونسبه إلى الكفر ووافقهم على قتله وأصحابه ولما هجم عليه قتل منهم أربعين إنساناً وهرب باقيهم فمنهم من أدرك وقتل ومنهم من أفلت واختفى ودامت السعاية بهم والطلب لهم وخافوا على فيثاغورس القتل فأفردوا له قوماً منهم واحتالوا له حتى أخرجوه من تلك المدينة بالليل ووجهوا معه بعضهم حتى أوصلوه إلى قاولونيا ومن هناك إلى لوقروس فانتهت الشناعة فيه إلى أهل هذه المدينة فوجهوا إليه مشايخ منهم فقالوا له أما أنت يا فيثاغورس فحكيم فيما نرى وأما الشناعة عنك فسمجة جداً لكنا لا نجد في نواميسنا ما يلزمك القتل ونحن متمسكون بشرائعنا فخذ منا ضيافتك ونفقة لطريقك وارحل عن بلدنا تسلم فرحل عنها إلى طارنطا ففاجأه هناك قوم من أهل قروطونيا فكادوا أن يخنقوه وأصحابه فرحل إلى ميطابونطيون وتكاثرت الهيوج في البلاد بسببه حتى صار يذكر ذلك أهل تلك البلاد سنيناً كثيرة ثم انحاز إلى هيكل الأسنان المسمى هيكل الموسن فتحصن فيه وأصحابه ولبث فيه أربعين يوماً لم يغتذ فضربوا الهيكل الذي كان فيه بالنار‏.‏

فلما أحس أصحابه بذلك عمدوا إليه فجعلوا في وسطهم وأحدقوا به ليقوه النار بأجسامهم فعندما امتدت النار في الهيكل واشتد لهبها غشي على الحكيم من ألم حرارتها ومن الخواء فسقط ميتاً ثم أن تلك الآفة عمتهم أجمعين فاحترقوا كلهم وكان ذلك سبب موته وذكروا أنه صنف مائتين وثمانين كتاباً وخلف من التلاميذ خلقاً كثيراً وكان نقش خاتمه شر لا يدوم خير من خير لا يدوم أي شر ينتظر زواله ألذ من خير ينتظر زواله وعلى منطقته الصمت سلامة من الندامة من آداب فيثاغورس ومواعظه نقلت ذلك من كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم للأمير محمود الدولة أبي الوفاء المبشر بن فاتك قال فيثاغورس كما أن بدء وجودنا وخلقنا من اللَّه سبحانه هكذا ينبغي أن تكون نفوسنا منصرفة إلى اللَّه تعالى وقال الفكرة للَّه خاصة فمحبتها متصلة بمحبة اللَّه تعالى ومن أحب اللَّه سبحانه عمل بمحابه ومن عمل بمحابه قرب منه ومن قرب منه نجا وفاز وقال ليس الضحايا والقرابين كرامات اللَّه تعالى ذكره لكن الاعتقاد الذي يليق به هو الذي يكتفي به في تكرمته وقال الأقوال الكثيرة في اللَه سبحانه علامة تقصير الإنسان عن معرفته وقال ما أنفع للإنسان أن يتكلم بالأشياء الجليلة النفيسة فإن لم يمكنه فليسمع قائلها وقال احذر أن تركب قبيحاً من الأمر لا في خلوة ولا مع غيرك وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كل أحد وقال ليكن قصدك بالمال في اكتسابه من حلال وانفاقه في مثله وقال إذا سمعت كذباً فهون على نفسك الصبر عليه وقال لا ينبغي لك أن تهمل أمر صحة بدنك لكن ينبغي القصد في الطعام والشراب والنكاح والرياضة وقال لا تكن متلافاً بمنزلة من لا خبرة له بقدر ما في يده ولا تكن شحيحاً فتخرج عن الحرية بل الأفضل في الأمور كلها هو القصد فيها وقال كن متيقظاً في آرائك أيام حياتك فإن سبات الرأي مشارك للموت في الجنس وقال ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك وقال لا تدنس لسانك بالقذف ولا تصغ بأذنيك إلى مثل ذلك وقال عسر على الإنسان أن يكون حراً وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارية مجرى العادة وقال ليس ينبغي للإنسان أن يلتمس القنية العالية والأبنية المشيدة لأنها من بعد موته تنتقي على حدود طباعها ويتصرف غيره فيها لكن يطلب من القنية ما ينفعه بعد المفارقة والتصرف فيها وقال الأشكال المزخرفة والأمور المموهة في أقصر الزمان تتبهرج وقال اعتقد أن أس مخافة اللَّه سبحانه الرحمة وقال متى التمست فعلاً من الأفعال فابدأ إلى ربك بالابتهال في النجح فيه وقال الإنسان الذي اختبرته بالتجربة فوجدته لا يصلح أن يكون صديقاً وخلاً احذر من أن تجعله لك عدواً وقال ما أحسن بالإنسان أن لا يخطئ وإن أخطأ فما أكثر انتفاعه بأن يكون عالماً بأنه أخطأ ويحرص في أن لا يعاود وقال الأخلق بالإنسان أن يفعل ما ينبغي لا ما يشتهي وقال ينبغي أن يعرف الوقت الذي يحسن فيه الكلام‏.‏

والوقت الذي يحسن فيه السكوت وقال الحر هو الذي لا يضيع حرفاً من حروف النفس لشهوة من شهوات الطبيعة وقال بقدر ما تطلب تعلم وبقدر ما تعلم تطلب وقال ليس من شرائط الحكيم أن لا يضجر ولكن يضجر بوزن وقال ليس الحكيم من حمل عليه بقدر ما يطيق فصبر واحتمل ولكن الحكيم من حمل عليه أكثر مما تحتمل الطبيعة فصبر وقال الدنيا دول مرة لك وأخرى عليك و فإن توليت فأحسن وإن تولوك فَلِن وكان يقول إن أكثر الآفات إنما تعرض للحيوانات لعدمها الكلام وتعرض للإنسان من قبل الكلام وكان يقول من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به المكروه كما ينزل بغيره العجلة واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة وثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضاء وثمرة التواني الذلة ونظر إلى رجل عليه ثياب فاخرة يتكلم فيلحن في كلامه فقال له إما أن تتكلم بكلام يشبه لباسك أو تلبس لباساً يشبه كلامك وقال لتلاميذه لا تطلبوا من الأشياء ما يكون بحسب محبتكم ولكن أحبوا من الأشياء ما هي محبوبة في أنفسها وقال اصبر على النوائب أذا أتتك من غير أن تتذمر بل اطلب مداواتها بقدر ما تطيق وقال استعملوا الفكر قبل العمل وقال كثرة العدو تقلل الهدوء وكان فيثاغورس إذا جلس على كرسيه أوصى بهذه السبع الوصايا قوِّموا موازينكم واعترفوا أوزانها عدلوا الخط تصحبكم السلامة لا تشعلوا النار حيث ترون السكين تقطع عدلوا شهواتكم تديموا الصحة استعملوا العدل تحط بكم المحبة عاملوا الزمان كالولاة الذين يُستعملون عليكم ويُعزلون عنكم لا تترفوا أبدانكم وأنفسكم فتفقدوها في أوقات الشدائد إذ أوردت عليكم وذُكر المال عنده ومدح فقال وما حاجتي إلى ما يعطيه الحظ ويحفظه اللؤم ويهلكه السخاء وقال وقد نظر إلى شيخ يحب النظر في العلم ويستحي أن يُرى متعلماً يا هذا أتستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل منك في أوله وقال أنكى شيء لعدوك أن لا تريه أنك تتخذه عدواً وحضر امرأته الوفاة في أرض غربة فجعل أصحابه يتحزنون على موتها في أرض غربة فقال يا معشر الإخوان ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق وذلك أن الطريق إلى الآخرة واحد من جميع النواحي وقيل له ما أحلى الأشياء فقال الذي يشتهي الإنسان وقال الرجل المحبوب عند اللّه تعالى الذي لا يذعن لأفكاره القبيحة ونقلت من كتاب فرفوريوس في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم قال وأما كتب فيثاغورس الحكيم التي انفرد بجمعها أرخوطس الفيلسوف الطارنطيني فتكون ثمانين كتاباً فأما التي اجتهد بكلية جهده في التقاطها وتأليفها وجمعها من جميع الكهول الذين كانوا من جنس فيثاغورث الفيلسوف وحزبه وورثة علومه رجل فرجل‏.‏

فتكون مئتي كتاب عدداً فمن انفرد بصفوة عقله وعزل منها الكتب الكذيبة المقولة على لسان الحكيم واسمه التي اختلقها أناس فجرة وهي كتاب المناجاة وكتاب وصف المهن السيئة وكتاب علم المخاريق وكتاب أحكام تصوير مجالس الخمور وكتاب تهيئة الطبول والصنوج والمعازف وكتاب الميامر الكهنوتية وكتاب بذر الزروع وكتاب الآلات وكتاب القصائد وكتاب تكوين العالم وكتاب الأيادي وكتاب المروءة وكتب أخرى كثيرة تشاكل هذه الكتب مما اختلق حديثاً فيسعد سعادة الأبد وقال وأما الرجال الأئمة الذين اختلقوا هذه الكتب الكاذبة التي ذكرناها فإنهم على ما أدت إلينا الروايات أرسطيبوس المحدث ونقوس الذي كان يكنى عين الناقص ورجل من أهل اقريطية يقال له قونيوس وماغيالوس وفوخجواقا مع آخرين أطغى منهم وكان الذي دعاهم إلى اختلاق هذه الكتب الكاذبة على لسان فيثاغورث الفيلسوف واسمه كي يقبلوا عند الأحداث بسببه فيكرموا أو يؤثروا ويواسوا فأما كتب الحكيم التي لا ريب فيها فهي مائتان وثمانون كتاباً وقد كانت منسية حتى جاء للكيان بقوم حكماء ذوي نية وورع فحصلوها وجمعوها وألفوها ولم تكن قبل ذلك مشهورة ببلدة لكنها كانت مخزونة في إيطاليا وقال فلوطرخس أن فيثاغورس أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم ومما يوجد لفيثاغورس من الكتب كتاب الإرثماطيقي كتاب الألواح كتاب في النوم واليقظة كتاب في كيفية النفس والجسد رسالة إلى متمرد صقلية الرسالة الذهبية وسميت بهذا الاسم لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب إعظاماً لها وإجلالاً وكان يواظب على دراستها وقراءتها في كل يوم رسالة إلى سقايس في استخراج المعاني رسالة في السياسة العقلية وقد تعاب هذه الرسالة بتفسير أمليخس رسالة إلى فيمدوسيوس‏.‏

قال القاضي صاعد في طبقات الأمم أن سقراط كان من تلاميذ فيثاغورس اقتصر من الفلسقة على العلوم الإلهية وأعرض عن ملاذ الدنيا ورفضها وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام وقابل رؤسائهم بالحجاج والأدلة الإلهية فثوروا العامة عليهم واضطروا ملكهم إلى قتله فاودعه الملك الحبس تحمداً إليهم ثم سقاه السم تفادياً من شرهم ومن آثاره مناظرات جرت له مع الملك محفوظة وله وصايا شريفة وآداب فاضلة وحكم مشهورة ومذاهب في الصفات قريبة من مذاهب فيثاغورس وبندقليس إلا أن له في شأن المعاد آراء ضعيفة بعيدة عن محض الفلسفة خارجة عن المذاهب المحققة وقال الأمير المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى سقراطيس باليونانية المعتصم بالعدل وهو ابن سفرونسقس ومن ولده ومنشأه ومنبته بأثينية وخلف من الولد ثلاثة ذكور ولما ألزم التزويج على عاداتهم الجارية في إلزام الأفاضل بالتزويج ليبقى نسله بينهم طلب تزويجه المرأة السفيهة التي لم يكن في بلده أسلط منها ليعتاد جهلها والصبر على سوء خلقها ليقدر أن يحتمل جهل العامة والخاصة وبلغ من تعظيمه الحكمة مبلغاً أضر بمن بعده من محبي الحكمة لأنه كان من رأيه أن لا تستودع الحكمة الصحف والقراطيس تنزيهاً لها عن ذلك ويقول أن الحكمة طاهرة مقدسة غير فاسدة ولا دنسة فلا ينبغي لنا أن نستودعها إلا الأنفس الحية وننزهها عن الجلود الميتة ونصونها عن القلوب المتمردة ولم يصنف كتاباً ولا أملى على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنهم علمه تلقيناً لا غير وتعلم ذلك من استاذه طيماتاوس فإنه قال له في صباه لم لا تدعني أدوِّن ما أسمع منك من الحكمة فقال له ما أوثقك بجلود البهائم الميتة وأزهدك في الخواطر الحية هب أن إنساناً لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك والنظر في كتبك فإن كان لا يَحْسُن فالزم الحفظ فلزمها سقراط وكان سقراط زاهداً في الدنيا قليل المبالاة بها وكان من رسوم ملوك اليونانيين إذا حاربوا أخرجوا حكماءهم معهم في أسفارهم فأخرج الملك سقراط معه في سفرة خرج فيها لبعض مهماته فكان سقراط يأوي في عسكر ذلك الملك إلى زير مكسور يسكن فيه من البرد وإذا طلعت الشمس خرج منه فجلس عليه يستدفئ بالشمس ولأجل ذلك سمي سقراط الحب فمر به الملك يوما وهو على ذلك الزير فوقف عليه وقال ما لنا لا نراك يا سقراط وما يمنعك من المصير إلينا فقال الشغل أيها الملك فقال بماذا قال بما يقيم الحياة قال فَصِر إلينا فإن هذا لك عندنا معد أبداً قال لو علمت أيها الملك أني أجد ذلك عندك لم أَدَعْه قال بلغني أنك تقول أن عبادة الأصنام ضارة قال لم أقل هكذا قال فكيف قلت قال إنما قلت أن عبادة الأصنام نافعة للملك ضارة لسقراط لأن الملك يصلح بها رعيته ويستخرج بها خراجه وسقراط يعلم أنها لا تضره ولا تنفعه إذ كان مقراً بأن له خالقاً يرزقه ويجزيه بما قدم من سيء أو حسن قال فهل لك من حاجة قال نعم تصرف عنان دابتك عني فقد سترتني جيوشك من ضوء الشمس قد دعا الملك بكسوة فاخرة من ديباج وغيره وبجوهر ودنانير كثيرة ليجيزه بذلك فقال له سقراط أيها الملك وعدت بما يقيم الحياة وبذلت ما يقيم الموت ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود والذي يحتاج إليه سقراط هو معه حيث توجه وكان سقراط يرمز في كلامه مثل ما كان يفعل فيثاغورس فمن كلامه المرموز قوله عندما فتشت عن علة الحياة ألفيت الموت وعندما وجدت الموت عرفت حينئذ كيف ينبغي لي أن أعيش أي إن الذي يريد أن يحيا حياة الهية ينبغي أن يميت جسمه من جميع الأفعال الحسيَّة على قدر القوّة التي منحها فإنه حينئذ يتهيأ له بأن يعيش حياة الحق وقال تكلم بالليل حيث لا يكون أعشاش الخفافيش أي ينبغي أن يكون كلامك عند خلوتك لنفسك إن تجمع فكرك وامنع نفسك أن تتطلع في شيء من أمور الهيولانيات وقال أسدد الخمس الكوى ليضيء مسكن العلة أي أغمض حواسك الخمس عن الجولان فيما لا يجدي لتضيء نفسك وقال املأ الوعاء طيباً أي أوع عقلك بياناً وفهماً وحكمة وقال أفرغ الحوض المثلث من القلال الفارغة أي أقص عن قلبك جميع الآلام العارضة في الثلاثة الأجناس من قوى النفس التي هي أصل جميع الشر وقال لا تأكل الأسود الذنب أي احذر الخطيئة وقال لا تتجاوز الميزان أي لا تتجاوز الحق وقال عند الممات لا تكن نملة أي في وقت أمانتك لنفسك لا تقن ذخائر الحس وقال ينبغي أن تعلم أنه ليس زمان من الأزمنة يفقد فيه زمان الربيع أي لا مانع لك في كل زمان من اكتساب الفضائل وقال افحص عن ثلاثة سبل فإذا لم تجدها فارض أن تنام لها نومة المستغرق أي افحص عن علم الأجسام وعلم ما لا جسم له وعلم الذي وإن كان لا جسم له فهو موجود مع الأجسام وما اعتاص منها عليك فارض بالإمساك عنه وقال ليست التسعة بأكمل من واحد أى العشرة هي عقد من العدد وهي أكثر من تسعة وإنما تكمل التسعة لتكون عشرة بالواحد وكذلك الفضائل التسع تتم وتكمل بخوف اللَّه عز وجل ومحبته ومراقبته وقال إقتن بالإثني عشر إثني عشر يعني بالإثني عشر عضواً التي بها يكتسب البر والإثم إكتسب الفضائل وهي العينان والأذنان والمنخران واللسان واليدان والرجلان والفرج وأيضاً بالإثني عشر شهراً اكتسب أنواع الأشياء المحمودة المنكملة للإنسان في تدبيره ومعرفته في هذا العالم وقال إزرع بالأسود واحصد بالأبيض أي إزرع بالبكاء واحصد بالسرور وقال لا تشيلن الإكليل وتهتكه أي للسنن الجميلة لا ترفضها لأنها تحوط جميع الأمم كحياطة الإكليل للرأس وكان أهل دهره لما سألوه عن عبادة الأصنام صدهم عنها وأبطلها ونهى الناس عن عبادتها وأمرهم بعبادة الإله الواحد الصمد البارئ الخالق للعالم بما فيه الحكيم القدير لا الحجر المنحوت الذي لا ينطق ولا يسمع ولا يحس بشيء من الآلات وحض الناس على البر وفعل الخيرات وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن الفواحش والمنكرات في ثقته من أهل زمانه ولم يقصد استكمال صواب التدابير لعلمه بأنهم لا يقبلون ذلك منة فلما علم الرؤساء في وقته من الكهنة والأراكنة ما رامه من دعوته وأن رأيه نفي الأصنام ورد الناس عن عبادتها شهدوا عليه بوجوب القتل وكان الموجبون عليه القتل قضاة أثينس الأحد عشر وسقي السم الذي يقال له قونيون لأن الملك لما أوجب القضاة عليه القتل ساءه ذلك ولم يمكنه مخالفتهم فقال له إختر أي قتلة شئت فقال له بالسمّ فأجابه إلى ذلك والذي أخر قتل سقراط شهوراً بعدما أوجبوه عليه منه إن المركب الذي كان يبعث به في كل سنة إلى هيكل أفولون ويحمل إليه ما يحمل عرض له حبس شديد لتعذر الرياح فأبطأ شهوراً وكانت من عادتهم أن لا يراق دم ولا غيره حتى يرجع المركب من الهيكل إلى أثينس وكان أصحابه يختلفون إليه في الحبس طول تلك المدة فدخلوا إليه يوماً فقال له أقريطون منهم أن المركب داخل غداً أو بعد غد وقد اجتهدنا في أن ندفع عنك مالاً إلى هؤلاء القوم وتخرج سراً فنصير إلى رومية فتقيم بها حيث لا سبيل لهم عليك فقال له قد تعلم أنه لا يبلغ ملكي أربعمائة درهم فقال له أقريطون لم أقل لك هذا القول على أنك تغرم شيئاً لأنا نعلم أنه ليس في وسعك ما سأل القوم ولكن في أموالنا سعة لذلك وأضعافه وأنفسنا طيبة بأدائه لنجاتك وأن لا نفجع بك قال له سقراط يا أقريطون هذا البلد الذي فعل بي ما فعل هو بلدي وبلد جنسي وقد نالني فيه من حبسي ما رأيت وأوجب علي فيه القتل ولم يوجب ذلك علي لأمر استحققته بل لمخالفتي الجور وطعني على الأفعال الجائرة وأهلها من كفرهم بالباري سبحانه وعبادتهم الأوثان من دونه والحال التي أوجب علي بها عندهم القتل هي معي حيث توجهت وأني لا أدع نصرة الحق والطعن على الباطل والمبطلين حيث كنت وأهل رومية أبعد مني رحماً من أهل مدينتي فهذا الأمر إذا كان باعثه على الحق ونصرة الحق حيث توجهت فغير مأمون علي هناك مثل الذي أنا فيه قال له أقريطون فتذكر ولدك وعيالك وما تخلف عليهم من الضيعة فقال له الذي يلحقهم برومية مثل ذلك إلا أنكم ههنا فهم أحرى أن لا يضيعوا معكم ولما كان اليوم الثالث بكر تلاميذه إليه على العادة وجاء قيم السجن ففتح الباب وجاء القضاة الأحد عشر فدخلوا إليه وأقاموا ملياً ثم خرجوا من عنده وقد أزالوا الحديد عن رجليه وخرج السجان إلى تلاميذه فأدخل بهم إليه فسلموا عليه وجلسوا عنده فنزل سقراط عن السرير وقعد على الأرض ثم كشف عن ساقيه فمسحهما وحكهما وقال ما أعجب فعل السياسة الإلهية حيث قرنت الأضداد بعضها ببعض فإنه لا يكاد أن تكون لذة إلا يتبعها ألم ولا ألم إلا يتبعه لذة وصار هذا القول سبباً لدوران الكلام بينهم فسأله سيمياس وفيدون عن شيء من الأفعال النفسية وكثرت المذاكرة بينهم حتى استوعب الكلام في النفس بالقول المتقن المستقصى وهو على ما كان يعهد عليه في حال سروره وبهجته ومرحه في بعض المواضع والجماعة يتعجبون من صرامته وشدة استهانته بالموت ولم ينكل عن تقصي الحق في موضعه ولم يترك شيئاً من أخلاقه وأحوال نفسه التي كان عليها في زمان أمنه من الموت وهم من الكمد والحزن لفراقه على حال عظيمة فقال له سيمياس إن في التقصي في السؤال عليك مع هذه الحال لثقلاً علينا شديداً وقبحاً في العشرة وإن الإمساك عن التقصي في البحث لحسرة غداً عظيمة مع ما نعدم في الأرض من وجود الفاتح لما نريد قال له سقراط يا سيمياس لا تدعن التقصي لشيء أردته فإن تقصيك لذلك هو الذي أُسر به وليس بين هذه الحال عندي وبين الحال الأخرى فرق في الحرص علي تقصي الحق فإنا وإن كنا نعدم أصحاباً ورفقاء أشرافاً محمودين فاضلين فإنا أيضاً إذ كنا معتقدين ومتيقنين للأقاويل التي لم تزل تسمع منا فإنا أيضاً نصير إلى إخوان أخر فاضلين أشراف محمودين منهم أسلاوس وأيارس وأرقيلس وجميع من سلف من ذوي الفضائل النفسانية ولما تصرم القول في النفس وبلغوا فيها الغرض الذي أراد وسألوه عن هيئة العالم وحركات الأفلاك وتركيب الأسطقسات فأجابهم عن جميعه ثم قص عليهم قصصاً كثيرة من العلوم الإلهية والأسرار الربانية ولما فرغ من ذلك قال أما الآن فأظنه قد حضر الوقت الذي ينبغي لنا أن نستحم فيه ونصلي ما أمكننا ولا نكلف أحداً أحمام الموتى فإن الإرماماني قد دعانا ونحن ماضون إلى زواس وأما أنتم فتنصرفون إلى أهاليكم ثم نهض ودخل بيتاً واستحم فيه وصلى وأطال اللبث والقوم يتذاكرون عظيم المصيبة بما نزل به وبهم من فقده وأنهم يفقدون فيه حكيماً عظيماً وأباً شفيقاً ويبقون بعده كاليتامى ثم خرج فدعا بولده ونسائه وكان له ابن كبير وابنان صغيران فودعهم ووصاهم وصرفهم فقال له أقريطون فما الذي تأمرنا أن نفعله في أهلك وولدك وغير ذلك من أمرك قال لست آمركم بشيء جديد بل هو الذي لم أزل آمركم به قديماً من الاجتهاد في إصلاح أنفسكم فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سررتموني وسررتم كل من هو مني بسبيل ثم سكت ملياً وسكتت الجماعة وأقبل خادم الأحد عشر قاضياً فقال له يا سقراط إنك جريء مع ما أراه منك وإنك لتعلم أني لست علة موتك وإن علة موتك القضاة الأحد عشر وأنا مأمور بذلك مضطر إليه وإنك أفضل من جميع من صار إلى هذا الموضع فاشرب الدواء بطيبة نفس واصبر على الاضطرار اللازم ثم ذرفت عيناه وانصرف فقال سقراط نفعل وليس أنت بملوم ثم سكت هنيهة والتفت إلى أقريطون فقال مر الرجل أن يأتيني بشربة موتي فقال للغلام أدع الرجل فدعاه فدخل ومعه الشربة منه فشربها فلما رأوه قد شربها غلبهم من البكاء والأسف ما لم يملكوا معه أنفسهم فعلت أصواتهم بالبكاء فأقبل عليهم سقراط يلومهم ويعظهم وقال إنما صرفنا النساء لئلا يكون منهن مثل هذا فأمسكوا استحياء منه وقصداً للطاعة له على مضض شديد منهم في فقد مثله وأخذ سقراط في المشي والتردد هنيهة ثم قال للخادم قد ثقلت رجلاي علي فقال له إستلق فاستلقى وجعل الغلام يجس قدميه ويغمزهما ويقول له هل تحس غمزي لهما قال لا ثم غمز غمزاً شديداً فقال له هل تحس فقال لا ثم غمز ساقيه وجعل يسأله ساعة بعد ساعة وهو يقول لا وأخذ يجمد أولاً فأولاً ويشتد برده حتى انتهى ذلك إلى حقويه فقال الخادم لنا إذا انتهى البرد إلى قلبه مضى فقال له أقريطون يا إمام الحكمة ما أرى عقولنا لا تبعد عن عقلك فاعهد لنا فقال عليكم بما أمرتكم به أولاً ثم مد يده إلى يد أقريطون فوضعها على خده فقال له مرني بما تحب فلم يجبه بشيء ثم شخص ببصره وقال أسلمت نفسي إلى قابض أنفس الحكماء ومات فأطبق أقريطون عينيه وشد لحييه ولم يكن أفلاطون حاضراً معهم لأنه كان مريضاً وذكر أن سقراط هلك عن اثني عشر ألف تلميذ وتلميذ تلميذ قال المبشر بن فاتك وكان سقراط رجلاً أبيض أشقر أزرق جيد العظام قبيح الوجه ضيق ما بين المنكبين بطيء الحركة سريع الجواب شعث اللحية غير طويل إذا سئل أطرق حيناً ثم يجيب بألفاظ مقنعة كثير التوحد قليل الأكل والشرب شديد التعبد يكثر ذكر الموت قليل الأسفار مجداً لرياضة بدنه خسيس الملبس مهيباً حسن المنطق لا يوجد فيه خلل مات بالسم وله مائة سنة وبضع سنين أقول ووجدت في كتاب إفلاطن المسمى احتجاج سقراط على أهل أثينية وهو يحكي قول سقراط بهذا اللفظ قال ما تمنيت مجلس الحكم قط قبل هذه المرة على أني قد بلغت من السن سبعين سنة وهذا الاحتجاج الذي كان بينه وبين أهل أثينية إنما كان قبل موته بمدة يسيرة ومن خط إسحاق بن حنين عاش سقراط قريباً مما عاش إفلاطن ومن خط إسحاق عاش أفلاطون ثمانين سنة وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكمة أنه كان منقوشاً على فص خاتم سقراط من غلب عقله هواه افتضح ومن آداب سقراط مما ذكره الأمير المبشر بن فاتك في كتابه قال سقراط عجباً لمن عرف فناء الدنيا كيف تلهيه عما ليس له فناء وقال النفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق وما تضاد منها اختلف وقال إتفاق النفوس باتفاق هممها واختلافها باختلاف مرادها وقال النفس جامعة لكل شيء فمن عرف نفسه عرف كل شيء ومن جهل نفسه جهل كل شيء وقال من بخل على نفسه فهو على غيره أبخل ومن جاد على نفسه فذلك المرجو جوده وقال ما ضاع من عرف نفسه وما أضيع من جهل نفسه وقال النفس الخيرة مجتزئة بالقليل من الأدب والنفس الشريرة لا ينجع فيها كثير من الأدب لسوء مغرسها وقال لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف وقال ستة لا تفارقهم الكآبة الحقود والحسود وحديث عهد بغنى وغني يخاف الفقر وطالب رتبة يقصر قدره عنها وجليس أهل الأدب وليس منهم وقال من ملك سره خفي عن الناس أمره وقال خير من الخير من عمل به وشر من الشر من عمل به وقال العقول مواهب والعلوم مكاسب وقال لا تكون كاملاً حتى يأمنك عدوك فكيف بك إذا كنت لا يأمنك صديقك وقال إتقوا من تبغضه قلوبكم وقال الدنيا سجن لمن زهد فيها وجنة لمن أحبها وقال لكل شيء ثمرة وثمرة قلة القنية تعجيل الراحة وطيب النفس الزكية وقال الدنيا كنار مضرمة على محمجة فمن اقتبس منها ما يستضيء به في طريقه سلم من شرها ومن جلس ليحتكر منها أحرقته بحرها وقال من اهتم بالدنيا ضيع نفسه ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا وقال طالب الدنيا إن نال ما أمل تركه لغيره وإن لم ينل ما أمله مات بغصته وقال لا تردّن على ذي خطأ خطأه فإنه يستفيد منك علماً ويتخذك عدواً وقيل لسقراط ما رأيناك قط مغموماً فقال لأنه ليس لي شيء متى ضاع مني وعدمته اغتممت عليه وقال من أحب أن لا تفوته شهرته فليشته ما يمكنه وقال أثن على ذي المودة خيراً عند من لقيت فأن رأس المودة حسن الثناء كما أن رأس العداوة سوء الثناء وقال إذا وليت أمراً فأبعد عنك الأشرار فإن جميع عيوبهم منسوبة إليك وقال له رجل شريف الجنس وضيع الخلائق أما تأنف يا سقراط من خساسة جنسك فأجابه جنسك عندك أنثى وجنسي مني وقال خير الأمور أوسطها وقال إنما أهل الدنيا كصور في صحيفة كلما نشر بعضها طوي بعضها وقال الصبر يعين على كل عمل وقال من أسرع يوشك أن يكثر عثاره وقال إذا لم يكن عقل الرجل أغلب الأشياء عليه كان هلاكه في أغلب الأشياء عليه وقال لا يكون الحكيم حكيماً حتى يغلب شهوات الجسم وقال كن مع والديك كما تحب أن يكون بنوك معك وقال ينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض وقال طالب الدنيا قصير العمر كثير الفكر وكان يقول القنية مخدومة ومن خدم غير ذاته فليس بحر وقيل له ما أقرب شيء فقال الأجل وما أبعد شيء فقال الأمل وما آنس شيء فقال الصاحب المؤاتي وما أوحش شيء قال الموت وقال من كان شريراً فالموت سبب راحة العالم من شره وقال إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذنان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به وقال الملك الأعظم هو الغالب لشهواته وقيل له أي الأشياء ألذ فقال إستفادة الأدب واستماع أخبار لم تكن سمعت وقال أنفس ما لزمه الأحداث الأدب وأول نفعه لهم أنه يقطعهم عن الأفعال الرديئة وقال أنفع ما اقتناه الإنسان الصديق المخلص وقال الصامت ينسب إلى العي ويسلم والمتكلم ينسب إلى الفضول ويندم وقال إستهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه وقيل له ما القنية المحمودة فقال ما ينمو على الاتفاق وقال المشكور من كتم سراً لمن يتكتمه وأما من استكتم سراً فذلك واجب عليه وقال أكتم سر غيرك كما تحب أن يكتم غيرك سرك وإذا ضاق صدرك بسرك فصدر غيرك به أضيق وقيل له لم صار العاقل يستشير فقال العلة في ذلك تجريد الرأي عن الهوى وإنما استشار تخوفاً من شوائب الهوى وقال من حسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته وتأكدت في النفوس محبته ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه وقال حسن الخلق يغطي غيره من القبائح وسوء الخلقيقبح غيره‏.‏

نساء‏.‏

ونظر إلى صبية تتعلم الكتابة فقال لا تزيدوا الشر شراً وقال من أراد النجاة من مكائد الشيطان فلا يطيعن امرأة فإن النساء سلم منصوب ليس للشيطان حيلة إلا بالصعود عليه وقال لتلميذ له يا بني إن كان لا بد لك من النساء فاجعل لقاءك لهن كأكل الميتة لا تأكل منها إلا عند الضرورة فتأخذ منها بقدر ما يقيم الرمق فإن أخذ آخذ منها فوق الحاجة أسقمته وقتلته وقيل له ما تقول في النساء فقال هن كشجر الدفلى له رونق وبهاء فإذا أكله الغر قتله وقيل له كيف يجوز لك أن تذم النساء ولولاهن لم تكن أنت ولا أمثالك من الحكماء فقال إنما المرأة مثل النخلة ذات السلاع إن دخل في بدن إنسان عقره وحملها الرطب الجني‏.‏

وقال له أرشيجانس إن الكلام الذي كلمت به أهل المدينة لا يقبل فقال ليس يكربني أن يكون لا يقبل وإنما يكربني أن لا يكون صواباً وقال من لا يستحي فلا تخطره ببالك وقال لا يصدنك عن الإحسان جحود جاحد للنعمة وقال الجاهل من عثر بحجر مرتين وقال كفى بالتجارب تأديباً وبتقلب الأيام عظة وبأخلاق من عاشرت معرفة وقال اعلم أنك في أثر من مضى سائر وفي محل من فات مقيم وإلى العنصر الذي بدأت منه تعود‏.‏

وقال لأهل الاعتبار في صروف الدهر كفاية وكل يوم يأتي عليه منه علم جديد وقال بعوارض الآفات تكدر النعم على المنتمين وقال من قل همه على ما فاته استراحت نفسه وصفاً ذهنه وقال من لم يشكر على ما أنعم به عليه أوشك أن لا تزيد نعمته وقال رب متحرز من الشيء تكون منه آفته‏.‏

وقال داووا الغضب بالصمت وقال الذكر الصالح خير من المال فإن المال ينفد والذكر يبقى والحكمة غنى لا يعدم ولا يضمحل وقال استحب الفقر مع الحلال عن الغنى مع الحرام وقال أفضل السيرة طيب المكسب وتقدير الإنفاق وقال من يجرب يزدد علماً ومن يؤمن يزدد يقيناً ومن يستيقن يعمل جاهداً ومن يحرص على العمل يزدد قوة ومن يكسل يزدد فترة ومن يتردد يزدد شكاً‏.‏

وإن لسقراط بيتاً وزن بالعربية إنما الدنيا وإن ومقر خطرة من لحظ ملتفت وقال ما كان في نفسك فلا تبده لكل أحد فما أقبح أن تخفي الناس أمتعتهم في البيوت ويظهرون ما في قلوبهم قال لولا أن في قولي أنني لا أعلم إخباراً إني أعلم لقلت إني لا أعلم وقال القنية ينبوع الأحزان فلا تقتنوا الأحزان وكان يقول قللوا القنية تقل مصائبكم‏.‏

وينسب إلى سقراط من الكتب رسالة إلى إخوانه في المقايسة بين السنة والفلسفة كتاب معاتبة النفس مقالة في السياسة وقيل إن رسالته في السيرة الجميلة هي صحيح له‏.‏

 

أفلاطون

يقال فلاطن وأفلاطن وأفلاطون قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه أفلاطن الحكيم من أهل مدينة أثينيا رومي فيلسوف يوناني طبي عالم بالهندسة وطبائع الأعداد وله في الطب كتاب بعثه إلى طيماوس تلميذه وله في الفلسفة كتب وأشعار وله في التأليف كلام لم يسبقه أحد إليه استنبط به صنعة الديباج وهو الكلام المنسوب إلى الخمس النسب التأليفية التي لا سبيل إلى وجود غيرها في جميع الموجودات المؤتلفات فلما أحاط علماً بطبائع الأعداد ومعرفة الخمس النسب التأليفية استشرف إلى علم العالم كله وعرف موانع الأجزاء المؤتلفات الممتزجات باختلاف ألوانها وأصباغها وائتلافها على قدر النسبة فوصل بذلك إلى علم تصوير فوضع أول حركة جامعة لجميع الحركات ثم صنفها بالنسبة العددية ووضع الأجزاء المؤتلفة على ذلك فصار إلى علم تصوير التصويرات فقامت له صناعة الديباج وصناعة كل مؤتلف به وألف في ذلك كتابا‏.‏

وله في الفلسفة كلام عجيب وهو ممن وضع لأهل زمانه سنناً وحدوداً وله كتاب السياسة في ذلك وكتاب النواميس وكان في دولة دارايطو وهو والد دارا الذي قتله الإسكندر فكان بعد أبقراط في دولة والد الإسكندر فيليبس وكانت الفرس يومئذ تملك الروم واليونانيين وقال المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى أفلاطون وتفسيره في لغتهم العميم الواسع وكان اسم أبيه أرسطن وكان أبواه من أشراف اليونانيين من ولد أسقليبيوس جميعاً وكانت أمه خاصة من نسل سولون صاحب الشرائع‏.‏

وكان قد أخذ في أول أمره في تعلم علم الشعر واللغة فبلغ في ذلك مبلغاً عظيماً إلى أن حضر يوماً سقراطيس وهو يثلب صناعة الشعر فأعجبه ما سمع منه وزهد فيما كان عنده منه ولزم سقراط وسمع منه خمس سنين ثم مات سقراط فبلغه أن بمصر قوماً من أصحاب فيثاغورس فسار إليهم حتى أخذ عنهم وكان يميل في الحكمة قبل أن يصحب سقراط إلى رأي أيرقليطس ولما صحب سقراط زهد في مذهب إيرقليطس وكان يتبعه في الأشياء المحسوسة وكان يتبع فيثاغورس في الأشياء المعقولة وكان يتبع سقراطيس في أمور التدبير ثم رجع أفلاطن من مصر إلى أثينية ونصب فيها بيتي حكمة وعلم الناس فيها ثم سار إلى سيقليا فجرت له قصة مع ديونوسيوس المتغلب الذي كان بها وبلي منه بأشياء صعبة ثم تخلص منه وعاد إلى أثينية فسار فيهم أحسن سيرة وأرضى الجميع وأعان الضعفاء وراموه أن يتولى تدبير أمورهم فامتنع لأنه وجدهم على تدبير غير التدبير الذي يراه صواباً وقد اعتادوه وتمكن من نفوسهم فعلم أنه لا يمكنه نقلهم عنه وأنه لو رام نقلهم عما هم عليه لكان يهلك كما هلك أستاذه سقراط على أن سقراط لم يكن قد رام استكمال صواب التدبير‏.‏

وبلغ أفلاطون من العمر إحدى وثمانين سنة وكان حسن الأخلاق كريم الأفعال كثير الإحسان إلى كل ذي قرابة منه وإلى الغرباء متئداً حليما صبوراً وكان له تلاميذ كثيرة وتولى التدريس بعده رجلان أحدهما بأثينية في الموضع المعروف بأقاديميا وهو كسانو قراطيس والآخر بلوقين من عمل أثينية أيضاً وهو أرسطوطاليس‏.‏

وكان يرمز حكمته ويسترها ويتكلم بها ملغوزة حتى لا يظهر مقصده لذوي الحكمة وكان درسه وتعلمه على طيماوس وسقراطيس وعنهما أخذ أكثر آرائه‏.‏

وصنف كتباً كثيرة منها ما بلغنا اسمه ستة وخمسون كتاباً وفيها كتب كبار يكون فيها عدة مقالات وكتبه يتصل بعضها ببعض أربعة أربعة يجمعها غرض واحد ويخص كل واحد منها غرض خاص يشتمل عليه ذلك الغرض العام ويسمى كل واحد منها رابوعاً وكل رابوع منها يتصل بالرابوع الذي قبله وكان رجلاً أسمر اللون معتدل القامة حسن الصورة تام التخاطيط حسن اللحية قليل شعر العارضين ساكتاً خافضاً أشهل العينين براق بياضهما في ذقنه الأسفل خال أسود تام الباع لطيف الكلمة محباً للفلوات والصحارى والوحدة وكان يستدل في الحال الأكثر على موضعه بصوت بكائه ويسمع منه على نحو ميلين في الفيافي والصحارى ومن خط إسحاق بن حنين عاش أفلاطون ثمانين سنة وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان

 

مواعظ إفلاطون

ومن آداب أفلاطون ومواعظه مما ذكره المبشر بن فاتك رحمه اللَّه في كتابه قال إفلاطون للعادة على كل شيء سلطان وقال إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه وقال من لا يواس الإخوان عند دولته خذلوه عند فاقته‏.‏

وقيل له لم لا تجتمع الحكمة والمال فقال لعز الكمال وسئل من أحق الناس إن يؤتمن على تدبير المدينة فقال من كان في تدبير نفسه حسن المذهب‏.‏

وقيل له من يسلم من سائر العيوب وقبيح الأفعال فقال من جعل عقله أمينه وحذره وزيره والمواعظ زمامه والصبر قائده والاعتصام بالتوقي ظهيره وخوف اللَّه جليسه وذكر الموسوعة أنيسه‏.‏

وقال المَلِكُ هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار فإن كان عذباً عذبت وإن كان مالحاً ملحت‏.‏

وقال إذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوف الملتذ أبداً بل دع فيه فضله تدوم لك اللذة وقال إياك في وقت الحرب أن تستعمل النجدة وتدع العقل فإن للعقل مواقف قد تتم بلا حاجة إلى النجدة ولا ترى للنجدة غنى عن العقل وقال غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه وقال وقال لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجريده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنما يسألون عن جودة صنعه‏.‏

وقال إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة وإحسانك إلى الخسيس يحركه على معاودة المسألة وقال الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح منه وقال لا تستصغر عدوك فيقتحم عليك المكروه من زيادة مقداره على تقديرك فيه وقال ليس تكمل خيريَّة الرجل حتى يكون صديقاً للمتعاديين وقال اطلب في الحياة العلم والمال تحز الرئاسة على الناس لأنهم بين خاص وعام فالخاصة تفضلك بما تحسن والعامة تفضلك بما تملك‏.‏

وقال من جمع إلى شرف أصله شرف نفسه فقد قضى الحق عليه واستدعى التفضيل بالحجة ومن أغفل نفسه واعتمد على شرف آبائه فقد عقهم واستحق أن لا يقدَّم بهم على غيره وقال لا تبتاعن مملوكاً قوي الشهوة فإنه له مولى غيرك ولا غضوباً فإنه يقلق في ملكك ولا قوي الرأي فيستعمل الحيلة عليك‏.‏

وقال استعمل مع فرط النصيحة ما تستعمله الخونة من حسن المداراة ولا تدخل عليك العجب لفضلك على أكفائك فيفسد عليك ثمرة ما فضلت به‏.‏

وقال لا تنظر إلى أحد بالموضع الذي رتّبه فيه زمانه وانظر إليه بقيمته في الحقيقة فإنها مكانه الطبيعي‏.‏

وقال إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت ونفقت الرذائل ونفعت وكان خوف الموسر أشد من خوف المُعسر‏.‏

وقال لا يزال الجائر ممهلاً حتى يتخطى إلى أركان العمارة ومباني الشريعة وإذا أقصد لها تحرك عليه قيِّم العالم فأباده وقال إذا طابق الكلام نية المتكلم حرك نية السامع و وإن خالفها لم يحسن موقعه ممن أريد به وقال أفضل الملوك من بقي بالعدل ذكره واستملى من أتي بعده بفضائله‏.‏

وقال رجل جاهل لأفلاطون كيف قدرت على كثرة ما تعلمت فقال لأني أفنيت من الزيت بمقدار ما أفنيته أنت من الشراب وقال عين المحب عمياء عن عيوب المحبوب‏.‏

وقال إذا خاطبت من هو أعلم منك فجرد له المعاني ولا تكلف بإطالة اللفظ ولا تحسينه وإذا خاطبت من هو دونك في المعرفة فأبسط كلامك ليلحق في أواخره ما أعجزه في أوائله وقال الحلم لا ينسب إلا إلى من قدر على السطوة والزهد لا ينسب إلا إلى من ترك بعد القدرة وقال العزيز النفس هو الذي يذل للفاقة وقال الحسن الخلق من صبر على السيئ الخلق وقال أشرف الناس من شرفته الفضائل لا من تشرف بالفضائل وذلك أن من كانت الفضائل فيه جوهرية وقال الحياء إذا توسط أوقف الإنسان عما عابه وإذا أفرط أوقفه عما يحتاج إليه وإذا قصر خلع عنه ثوب التجمل في كثير من أحواله‏.‏

وقال إذا حصل عدولك في قدرتك خرج من جملة أعدائك ودخل في عدة حشمك وقال ينبغي للمرء أن ينظر وجهه في المرآة فإن كان حسناً استقبح أن يضيف إليه فعلاً قبيحاً وإن كان قبيحاً استقبح أن يجمع بين قبحين‏.‏

وقال لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تدري‏.‏

وقال إذا قامت حجتك في المناظرة على كريم أكرمك ووقرك وإذا قامت على خسيس عاداك واصطنعها عليك‏.‏

وقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك‏.‏

وقال إنما صار التقليد واجباً في العالم لأن الضعف فيه قائم في الناس‏.‏

وقال من تعلم العلم لفضيلته لم يوحشه كساده ومن تعلمه لجدواه انصرف بانصراف الحظ عن أهله إلى ما يكسبه‏.‏

وقال ليكن خوفك من تدبيرك على عدوك أكثر من خوفك من تدبير عدوك عليك‏.‏

وقال شهوات الناس تتحرك بحسب شهوات الملك وإرادته‏.‏

وقال ما معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال الأمل خداع الناس وقال احفظ الناموس يحفظك وقال إذا صادقت رجلاً وجب أن تكون صديق صديقه وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه‏.‏

وقال المشورة تريك طبع المستشار وقال ينبغي للعاقل أن لا يتكسب إلا بأزيد ما فيه ولا يخدم إلا المقارب له في خلقه‏.‏

وقال أكثر الفضائل مرّةُ المبادي حلوةُ العواقب وأثر الرذائل حلوة المبادي مرة العواقب‏.‏

وقال لا تستكثرن عن عشرة حملة عيوب الناس فإنهم يتسقطون ما غفلت عنه وينقلونه إلى غيرك كما ينقلون عنه إليك‏.‏

وقال الظفر شافع المذنبين إلى الكرماء‏.‏

وقال ينبغي للحازم أن يعد للأمر الذي يلتمسه كل ما أوجبه الرأي في طلبه ولا يتكل فيه على الأسباب الخارجة عن سعية مما يدعو إليه الأمل وما جرت به العادة فإنها ليست له وإنما هي للإتفاق الذي لا تثق به الحزمة‏.‏

وقيل لأفلاطون لم صار الرجل يقتني مالاً وهو شيخ فقال لأن يموت الإنسان فيخلف مالاً لأعدائه خير له من أن يحتاج في حياته إلى أصدقائه ورأى طبيباً جاهلاً فقال هذا محب مزعج للموت وقال الإفراط في النصيحة يهجم بصاحبها على كثير من الظنة وقال ليس ينبغي للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه ولكن يعتني بحفظ ما بقي عليه‏.‏

وسأله أرسطوطاليس بماذا يعرف الحكيم أنه قد صار حكيماً فقال إذا لم يكن بما يصيب من الرأي معجباً ولا لما يأتي من الأمر متكلفاً ولم يستفزه عند الذم الغضب ولا يدخله عند المرح النخوة وسئل مم ينبغي أن يحترس فقال من العدو القادر والصديق المكدر والمسلط الغاضب وسئل أي شيء أنفع للإنسان فقال أن يعنى بتقويم نفسه أكثر من عنايته بتقويم غيره وقال الشرير العالم يسره الطعن على من تقدمه من العلماء ويسوؤه بقاء من في عصره منهم لأنه يحب أن لا يعرف بالعلم غيره لأن الأغلب عليه شهوة الرئاسة والخيِّر العالم يسوؤه فقد أحد من طبقته في المعرفة لأن رغبته في الازدياد وإحياء علمه بالذاكرة أكثر من رغبته في الرئاسة والغلبة وقال تبكيت الرجل بالذنب بعد العفو عنه إزراء بالصنيعة وإنما يكون قبل هبة الجرم له وقال اطلب في حياتك العلم والمال والعمل الصالح فإن الخاصة تفضلك بما تحسن والعامة بما تملك والجميع بما تعمل‏.‏

وسئل أفلاطون عند موته عن الدنيا فقال خرجت إليها مضطراً وعشت فيها متحيراً وها أنا أخرج منها كارهاً ولم أعلم فيها إلا أنني لم أعلم‏.‏

ولأفلاطن من الكتب كتاب احتجاج سقراط على أهل أثينية كتاب فأذن في النفس كتاب السياسة المدنية كتاب طيماوس الروحاني في ترتيب العوالم الثلاثة العقلية التي هي عالم الربوبية وعالم العقل وعالم النفس كتاب طيماوس الطبيعي أربع مقالات في تركيب عالم الطبيعة - كتب بهذين الكتابين إلى تلميذ له يسمى طيماوس وغرض فلاطن في كتابه هذا أن يصف جميع العلم الطبيعي‏.‏

أقول وذكر جالينوس في المقالة الثامنة من كتابه من آراء أبقراط وفلاطن أن كتاب طيماوس قد شرحه كثير من المفسرين وأطنبوا في ذلك حتى جاوزوا المقدار الذي ينبغي ما خلا الأقاويل الطبيعية التي فيه فإنه قل من رام شرحها ومن رام شرحها أيضاً لم يحسن فيما كتب فيها ولجالينوس كتاب ينقسم إلى أربع مقالات فسر فيه ما في كتاب طيماوس من علم الطب كتاب الأقوال الأفلاطونية كتاب أونفرن كتاب أقريطن كتاب قراطلس كتاب ثاطيطس كتاب سوفسطس كتاب فوليطيقوس كتاب برمينيدس كتاب فلبس كتاب سمبوسين كتاب القيبيادس الأول كتاب القيبيادس الثاني كتاب أبرخس كتاب أرسطا في الفلسفة كتاب ثاجيس في الفلسفة كتاب أوثوديموس كتاب لاخس في الشجاعة كتاب لوسيس كتاب فروطاغورس كتاب غورجياس كتاب مانون كتابان مسميان أبيا كتاب أين كتاب منكسانس كتاب فليطفون كتاب الفلسفي كتاب أقريطياس كتاب مينس كتاب أفينومس كتاب النواميس اثنا عشر كتاباً في الفلسفة كتاب فيما ينبغي كتاب في الأشياء العالية كتاب خرميدس في العفة كتاب فدروس كتاب المناسبات كتاب التوحيد كتاب في النفس والعقل والجوهر والغرض كتاب الحس واللذة مقالة كتاب تأديب الأحداث ووصاياهم كتاب معاتبة النفس كتاب أصول الهندسة‏.‏

 

أرسطوطاليس

هو أرسطوطاليس بن نيقوماخس الجراسني الفيثاغوري وتفسير نيقوماخس قاهر الخصم وتفسير أرسطوطاليس تام الفضيلة حكي ذلك أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي كان نيقوماخس فيثاغوري المذهب وله تأليف مشهور في الأرثماطيقي قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه عن أرسطوطاليس أنه كان فيلسوف الروم وعالمها وجهبذها ونحريرها وخطيبها وطبيبها قال وكان أوحد في الطب وغلب عليه علم الفلسفة‏.‏

وقال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس وخبره ووصيته وفهرست كتبه المشهورة إنه كان أصل أرسطوطاليس من المدينة التي تسمى أسطاغيرا وهي من البلاد التي يقال لها خلقيديق مما يلي بلاد تراقية بالقرب من أولنش وماثوني وكان اسم أمه أفسطيا قال وكان نيقوماخس أبو أرسطوطاليس طبيب أمنطس أبي فيلبس وفيلبس هذا هو أبو الاسكندر الملك وكان نيقوماخس يرجع في نسبه إلى إسقليبيوس وكان إسقليبيوس هذا أبا ماخاون وماخاون أبو إسقليبيوس وكان أصل أمه أفسطيا يرجع في النسبة أيضاً إلى إسقليبيوس ويقال أنه لما توفي نيقوماخس أبوه أسلمه برقسانس وكيل أبيه وهو حدث لأفلاطن وقال بعض الناس إن إسلام أرسطوطاليس إلى أفلاطن إنما كان بوحي من اللَّه تعالى في هيكل بوثيون‏.‏

وقال بعضهم بل إنما كان ذلك لصداقة كانت بين برقسانس وبين فلاطن ويقال أنه لبث في التعليم عن أفلاطن عشرين سنة وأنه لما عاد أفلاطن إلى سقلية في المرة الثانية كان أرسطوطاليس خليفته على دار التعليم المسماة أقاديميا وأنه لما قدم أفلاطن من سقلية انتقل أرسطوطاليس إلى لوقيون واتخذ هناك دار التعليم المنسوبة إلى الفلاسفة المشائين ثم لما توفي فلاطن سار إلى أرمياس الخادم الوالي على أترنوس ثم لما مات هذا الخادم رجع إلى أثينس وهي التي تعرف بمدينة الحكماء فأرسل إليه فيلبس فسار إلى مقدونيا فلبث بها يعلم إلى أن تجاوز الاسكندر بلاد أسيا ثم استخلف في مقدونيا قلسثانس ورجع إلى أثينا وأقام في لوقيون عشر سنين ثم أن رجلاً من الكهنة الذين يسمون الكمريين يقال له أوروماذن أراد السعاية بأرسطوطاليس ونسبه إلى الكفر وأنه لا يعظم الأصنام التي كانت تعبد في ذلك الوقت بسبب ضغن كان في نفسه عليه وقد قص أرسطوطاليس هذه القصة في كتابه إلى أنطيطوس - فلما أحس أرسطوطاليس بذلك شخص عن أثينا إلى بلاده وهي خلقيديق لأنه كره أن يبتلى أهل أثنية من أمره بمثل الذي ابتلوا في أمر سقراطيس معلم أفلاطن حتى قتلوه وكان شخوصه من غير أن يكون أحداً اجترأ به إلى أي شخص على قبول كتاب الكمري وقرفه أو أن يناله بمكروه وليس ما يحكى عن أرسطوطاليس من الاعتذار من قرف الكمري إياه بحق ولكن شيء موضوع على لسانه ولما صار أرسطوطاليس إلى بلاده أقام بها بقية عمره إلى أن توفي وهو ابن ثمان وستين سنة‏.‏

قال وقد يستدل بما ذكرنا من حالاته على بطلان قول من يزعم أنه إنما نظر في الفلسفة بعد أن أتت عليه ثلاثون سنة وأنه إنما كان إلى هذا الوقت يلي سياسة المدن لعنايته التي كانت بإصلاح أمر المدن‏.‏

ويقال أن أهل أسطاغيرا نقلوا بدنه من الموضع الذي توفي فيه إليهم وصيروه في الموضع المسمى الأرسطوطاليسي وصيروا مجتمعهم للمشاورة في جلائل الأمور وما يحزنهم في ذلك الموضع وكان أرسطوطاليس هو الذي وضع سنن أسطاغيرا لأهلها وكان جليل القدر في الناس ودلائل ذلك بينة من كرامات الملوك الذين كانوا في عصره له فأما ما كان عليه من الرغبة في اصطناع المعروف والعناية بالإحسان إلى الناس فذلك بين من رسائله وكتبه وما يقف عليه الناظر فيها من كثرة توسطه للأمور فيما بين ملوك دهره وبين العوام فيما يصلح به أمورهم ويجتلب به المنافع إليهم ولكثرة ما عقد من المنن والإحسان في هذا الباب صار أهل أثينية إلى أن اجتمعوا وتعاقدوا على أن كتبوا كتاباً نقشوه في عمود من الحجارة وصيروه على البرج العالي الذي في المدينة وذكروا فيما كتبوا على ذلك العمود أن أرسطوطاليس بن نيقوخامس الذي من أهل أسطاغيرا قد استحق بما كان عليه من اصطناع المعروف وكثرة الأيادي والمنن وما يخص به أهل أثينية من ذلك ومن قيامه عند فيليبس الملك بما أصلح شأنهم وبلغ به الإحسان إليهم أن يتبين صناعة أهل أثينية عليه بجميل ما أتى من ذلك ويقروا له بالفضل والرئاسة ويوجبوا له الحفظ والحياطة وأهل الرئاسات فيهم هو نفسه وعقبه من بعده والقيام لهم بكل ما التمسوه من حوائجهم وأمورهم‏.‏

وقد كان رجل من أهل أثينية يقال له إيماراوس بعد اجتماع أهل أثينية على ما اجتمعوا عليه من هذا الكتاب شذ عن جماعتهم وقال بخلاف قولهم في أمر أرسطوطاليس ووثب إلى العمود الذي كان قد اجتمع أهل أثينية على أن كتبوا فيه ما كتبوا من الثناء ونصبوه في الموضع الذي يسمى أعلى المدينة فرمى به عن موضعه فظفر به بعد أن صنع ما صنع أنطينوس فقتله ثم أن رجلاً من أهل أثينية يسمي أصفانوس وجماعة معه عمدوا إلى عمود حجارة فكتبوا فيه من الثناء على أرسطوطاليس شبيهاً بما كان على العمود الأول وأثبتوا مع ذلك ذكر إيماراوس الذي رمى بالعمود وفعله ما فعل وأوجبوا لعنه والبراءة منه‏.‏

وما أن مات فيلبس وملك الاسكندر بعده وشخص عن بلاده لمحاربة الأمم وحاز بلاد آسيا صار أرسطوطاليس إلى التبتل والتخلي عما كان فيه من الاتصال بأمور الملوك والملابسة لهم وصار إلى أثينية فهيأ موضع التعليم الذي ذكرناه فيما تقدم وهو المنسوب إلى الفلاسفة المشائين وأقبل على العناية بمصالح الناس ورفد الضعفاء وأهل الفاقة وتزويج الأيامى وعول اليتامى والعناية بتربيتهم ورفد الملتمسين للتعلم والتأدب من كانوا وأي نوع من العلم والأدب طلبوا ومعونتهم على ذلك وأنهاضهم والصدقات على الفقراء و وإقامة المصالح في المدن وجدد بناء مدينته وهي مدينة أسطاغيرا ولم يزل في الغاية من لين الجانب والتواضع وحسن اللقاء للصغير والكبير والقوي والضعيف‏.‏

وأما قيامه بأمور أصدقائه فلا يوصف ويدل على ذلك ما كتبه أصحاب السير واتفاقهم جميعاً على ما كتبوه من خبر أرسطوطاليس وسيرته وقال الأمير المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أرسطوطاليس لما بلغ ثماني سنين حمله أبوه إلى بلاد أثينية وهي المعروفة ببلاد الحكماء وأقام في لوقين منها فضمه أبوه إلى الشعراء والبلغاء والنحويين فأقام متعلماً منهم تسع سنين وكان اسم هذا العلم عندهم المحيط أعني علم اللسان لحاجة جميع الناس إليه لأنه الأداة والمراقي إلى كل حكمة وفضيلة والبيان الذي يتحصل به كل علم وأن قوماً من الحكماء أزروا بعلم البلغاء واللغويين والنحويين وعنفوا المتشاغلين به و منهم أبيقورس وفيثاغورس وزعموا أنه لا يحتاج إلى علمهم في شيء من الحكمة لأن النحويين معلمو الصبيان والشعراء أصحاب أباطيل وكذب والبلغاء أصحاب تمحل ومحاباة ومراء فلما بلغ أرسطوطاليس ذلك أدركته الحفيظة لهم فناضل عن النحويين والبلغاء والشعراء واحتج منهم وقال أنه لا غنى للحكمة عن علمهم لأن المنطق أداة لعلمهم وقال إن فضل الإنسان على البهائم بالمنطق فأحقهم بالأنسية أبلغهم في منطقه وأوصلهم إلى عبارة ذات نفسه وأوضعهم لمنطقه في موضعه وأحسنهم اختياراً لأوجزه وأعذبه ولأن الحكمة أشرف الأشياء فينبغي أن تكون العبارة عنها بأحكم المنطق وأفصح اللهجة وأوجز اللفظ الأبعد عن الدَّخَل والزلل وسماجة المنطق وقبح اللكنة والعي فإن ذلك يذهب بنور الحكمة ويقطع عن الأداء ويقصر عن الحاجة ويلبِس على المستمع ويفسد المعاني ويورث الشبهة فلما استكلم علم العراء والنحويين والبلغاء واستوعبه قصد إلى العلوم الأخلاقية والسياسية والطبيعية والتعليمية والإلهية وانقطع إلى أفلاطن وصار تلميذاً له ومتعلماً منه وله يومئذ سبع عشر سنة‏.‏

قال المبشر بن فاتك وكان أفلاطن يجلس فيستدعي منه الكلام فيقول حتى يحضر الناس فإذا جاء أرسطوطاليس قال تكلموا فقد حضر الناس وربما قال حتى يحضر العقل فإذا حضر أرسطوطاليس قال تكلموا فقد حضر العقل قال ولما توفي أرسطوطاليس نقل أهل أسطاغيرا رِمَّته بعدما بليت وجمعوا عظامه وصيروها في إناء من نحاس ودفنوها في الموضع المعروف بالأرسطوطاليسي وصيروه مجمعاً لهم يجتمعون فيه للمشاورة في جلائل الأمور وما يحزنهم ويستريحون إلى قبره ويسكنون إلى عظامه فإذا صعب عليهم شيء من فنون العلم والحكمة آبوا بذلك الموضع وجلسوا إليه ثم تناظروا فيما بينهم حتى يستنبطوا ما أشكل عليهم ويصلح لهم ما شجر بينهم وكانوا يرون أن مجيئهم إلى ذلك الموضع الذي فيه عظام أرسطوطاليس يذكي عقولهم ويصحح فكرهم ويلطف أذهانهم وأيضاً تعظيماً له بعد موته وأسفاً على فراقه وقال المسعودي في كتاب المسالك والممالك إن المدينة الكبرى التي تسمى بالرم من جزيرة صقلية فيها مسجد الجامع الأكبر وكان بيعة للروم فيه هيكل عظيم قال وسمعت بعض المنطقيين يقول أن حكيم يوناني يعني أرسطوطاليس في خشبة معلق في هذا الهيكل الذي قد اتخذه المسلمون مسجداً وإن النصارى كانت تعظم قدره وتستشفي به لما شاهدت اليونانية عليه من إكباره وإعظامه وإن السبب في تعليقه بين السماء والأرض ما كان الناس يلاقونه عند الاستشفاء والاستسقاء والأمور المهمة التي توجب الفزع إلى اللَّه تعالى والتقرب إليه في حين الشدة والهلكة وعند وطء بعضهم لبعض قال المسعودي وقد رأيت هناك خشبة عظيمة يوشك أن يكون القبر فيها‏.‏

وقال المبشر بن فاتك وكان أرسطوطاليس كثير التلاميذ من الملوك وأبناء الملوك وغيرهم منهم ثاوفرسطس وأذيموس والاسكندرس الملك وأرمينوس وأسخولوس وغيرهم من الأفاضل المشهورين بالعلم المبرزين في الحكمة المعروفين بشرف النسب وقام من بعده ليعلم حكمته التي صنفها وجلس على كرسيه وورث مرتبته ابن خالته ثاوفرسطس ومعه رجلان يعينانه على ذلك ويؤازرانه يسمى أحدهما أرمينوس والآخر أسخولوس وصنفوا كتباً كثيرة في المنطق والحكمة وخلف من الولد ابناً صغيراً يقال له نيقوماخس وابنه صغيرة أيضاً وخلف مالاً كثيراً قال وكان أرسطوطاليس أبيض أجلح قليلاً حسن القامة عظيم العظام صغير العينين كث اللحية أشهل العينين اقنى الأنف صغير الفم عريض الصدر يسرع في مشيته إذا خلا ويبطئ إذا كان مع أصحابه ناظراً في الكتب دائماً لا يهذي ويقف عند كل كلمة ويطيل الإطراق عند السؤال قليل الجواب يتنقل في أوقات النهار في الفيافي ونحو الأنهار محباً لاستماع الألحان والاجتماع بأهل الرياضات وأصحاب الجدل منصفاً من نفسه إذا خصم معترفاً بموضع الإصابة والخطأ معتدلاً في الملابس والمآكل والمشارب والمناكح والحركات بيده آلة النجوم والساعات‏.‏

وقال حنين بن إسحق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان منقوشاً على فص خاتم أرسطوطاليس المُنْكِرُ لما يَعْلَم أَعْلَم من المقرِّ بما يعلم‏.‏

وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام المنطقي في تعاليقه إن ثيوفرسطس كان وصي أرسطوطاليس وإن أرسطوطاليس عمر إحدى وستين سنة قال وأما أفلاطن فإنه عمر كثيراً‏.‏

وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست أن أرسطوطاليس توفي وله ست وستون سنة ومن خط إسحق ولفظه عاش أرسطوطاليس سبعاً وستين سنة‏.‏

وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم أن أرسطوطاليس انتهت إلىه فلسفة اليونانيين وهو خاتم حكمائه وسيد علمائهم وهو أول من خلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة للعلوم النظرية حتى لقب بصاحب المنطق وله في جميع العلوم الفلسفية كتب شريفة كلية وجزئية فالجزئية رسائله التي يتعلم منها معنى واحد فقط والكلية بعضها تذاكير يتذكر بقراءتها ما قد علم من علمه وهي السبعون كتاباً التي وضعها لاوفارس وبعضها تعاليم يتعلم منها ثلاثة أشياء أحدها علوم الفلسفة والثاني أعمال الفلسفة والثالثة الآلة المستعملة في علم الفلسفة وغيره من العلوم‏.‏

فالكتب التي في علوم الفلسفة بعضها في العلوم التعليمية وبعضها في العلوم الطبيعية وبعضها في العلوم الآلهية‏.‏

فأما الكتب التي في العلوم التعليمية فكتابه في المناظر وكتابه في الخطوط وكتابه في الحيل وأما الكتب التي في العلوم الطبيعية فمنها ما يتعلم منه الأمور التي تعم جميع الطبائع ومنها ما يتعلم منه الأمور التي تخص كل واحد من الطبائع‏.‏

فالتي يتعلم منها الأمور التي تعم جميع الطبائع هي كتابه المسمى بسمع الكيان فهذا الكتاب يعرِّف بعدد المبادئ لجميع الأشياء الطبيعية وبالأشياء التي هي كالمبادىء وبالأشياء التوالي للمبادىء وبالأشياء المشاكلة للتوالي أما المبادئ فالعنصر والصورة وأما التي كالمبادئ فليست مبادئ بالحقيقة بل بالتقريب كالعدم وأما التوالي فالزمان والمكان وأما المشاكلة للتوالي فالخلاء والملاء وما لا نهاية له‏.‏

وأما التي يعلم منها الأمور الخاصية لكل واحد من الطبائع فبعضها في الأشياء التي لا كون لها وبعضها في الأشياء المكونة‏.‏

أما التي في الأشياء التي لا كون لها فالأشياء التي تتعلم من المقالتين الأوليتين من كتاب السماء والعالم وأما التي في الأشياء المكونة فبعض علمها عامي وبعضها خاصي‏.‏

والعامي بعضه في الاستحالات وبعضه في الحركات أما الاستحالات ففي كتاب الكون الفساد وأما الحركات ففي المقالتين الآخرتين من كتاب السماء والعالم وأما الخاصي فبعضه في البسائط وبعضه في المركبات أما الذي في البسائط ففي كتاب الآثار العلوية وأما الذي في المركبات فبعضه في وصف كليات الأشياء المركبة وبعضه في وصف أجزاء الأشياء المركبة أما الذي في وصف كليات المركبات ففي كتاب الحيوان وفي كتاب النبات وأما الذي في وصف أجزاء المركبات ففي كتاب النفس وفي كتاب الحس والمحسوس وفي كتاب الصحة والسقم وفي كتاب الشباب والهرم وأما الكتب التي في العلوم الإلهية فمقالاته الثلاثة عشرة التي في كتاب ما بعد الطبيعة وأما الكتب التي في أعمال الفلسفة فبعضها في إصلاح أخلاق النفس وبعضها في السياسة فأما التي في إصلاح أخلاق النفس فكتابه الكبير الذي كتب به إلى ابنه وكتابه الصغير الذي كتب به إلى ابنه أيضاً وكتابه المسمى أوديميا وأما التي في السياسة فبعضها في سياسة المدن وبعضها في سياسة المنزل وأما الكتب التي في الآلة المستعملة في علوم الفلسفة فهي كتبه الثمانية المنطقية التي لم يسبقه أحد ممن علمناه إلى تأليفها ولا تقدمه إلى جمعها وقد ذكر ذلك أرسطوطاليس في آخر الكتاب السادس منها وهو كتاب سوفسطيقا فقال وأما صناعة المنطق وبناء السلوجسموس فلم نجد لها فيما خلا أصلاً متقدماً نبني عليه لكنا وقفنا على ذلك بعد الجهد الشديد والنصب الطويل وهذه الصناعة وإن كنا نحن ابتدعناها واخترعناها فقد حصنا جهتها ورممنا أصولها ولم نفقد شيئاً مما ينبغي أن يكون موجوداً فيها كما فقدت أوائل الصناعات ولكنها كاملة مستحكمة مثبتة أسسها مرموقة قواعدها وثيق بنيانها معروفة غاياتها واضحة أعلامها قد قدمت أمامها أركاناً ممهدة ودعائم موطدة فمن عسى أن ترد عليه هذه الصناعة بعدنا فليغتفر خللاً إن وجده فيها وليعتد بما بلغته الكلفة منا اعتداده بالمنة العظيمة واليد الجليلة ومن بلغ جهد بلغ عذره وقال أبو نصر الفارابي أن أرسطوطاليس جعل أجزاء المنطق ثمانية كل جزء منها في كتاب الأول في قوانين المفردات من العقولات والألفاظ الدالة عليها وهي في الكتاب الملقب في العربية والثاني في قوانين الألفاظ المركبة التي هي المعقولات المركبة من معقولين مفردين والألفاظ الدالة عليها المركبة من لفظين وهي في الكتاب الملقب في العربية بالعبارة وباليونانية باريمينياس‏.‏

والثالث في الأقاويل التي تميز بها القياسات المشتركة للصنائع الخمس وهي في الكتاب الملقب في العربية بالقياس وباليونانية أنالوطيقيا الأولى‏.‏

والرابع في القوانين التي تمتحن بها الأقاويل البرهانية وقوانين الأمور التي تلتئم بها الفلسفة وكل ما يصير بها أفعالها أتم وأفضل وأكمل وهو بالعربية كتاب البرهان وباليونانية أنالوطيقيا الثانية‏.‏

والخامس في القوانين التي تمتحن بها الأقاويل وكيفية السؤال الجدلي والجواب الجدلي‏.‏

وبالجملة قوانين الأمور التي تلتئم بها صناعة الجدل وتصير بها أفعالها أكمل وأفضل وأنفذ وهو بالعربية كتاب المواضيع الجدلية وباليونانية طوبيقا‏.‏

والسادس في قوانين الأشياء التي شأنها أن تغلط عن الحق وتحيد وأحصى جميع الأمور التي يستعملها مَن قصده التمويه والمخرقة في العلوم والأقاويل ثم من بعدها أحصى ما ينبغي أن تنتفي به الأقاويل المغلطة التي يستعملها المستمع والمموه وكيف يفتتح وبأي الأشياء يوقع وكيف يتحرز الإنسان ومن أين يغلط في مطلوباته وهذا الكتاب يسمى باليونانية سوفسطيقا ومعناه الحكمة المموهة‏.‏

والسابع في القوانين التي يمتحن بها الأقاويل الخطبية وأصناف الخطب وأقاويل البلغاء والخطباء هل هي على مذهب الخطابة أم لا ويحصى فيها جميع الأمور التي بها تلتئم صناعة الخطابة ويعرف كيف صنعة الأقاويل الخطبية والخطب في فن من الأمور وبأي الأشياء تصير أجود وأكمل وتكون أفعالها أنفع وأبلغ وهذا الكتاب يسمى باليونانية الريطورية وهي الخطابة‏.‏

والثامن في القوانين التي يشير بها الأشعار وأصناف الأقاويل الشعرية المعمولة والتي تعمل من فن فن من الأمور ويحصي أيضاً جميع الأمور التي بها تلتئم صناعة الشعر وكم أصنافها وكم أصناف الأشعار والأقاويل الشعرية وكيف صنعة كل صنف منها ومن أي الأشياء تلتئم وتصير أجود وأفهم وأبهى آلة وبأي الأحوال ينبغي أن تكون حتى تصير أبلغ وأبعد وهذا الكتاب يسمي باليونانية فويطيقا وهو كتاب الشعر‏.‏

فهذه جملة أجزاء المنطق وجملة ما يشتمل عليه كل جزء منها والجزء الرابع هو أشدها تقدماً للشرف والرآسة والمنطق إنما التمس به على القصد الأول الجزء الرابع وباقي أجزائها إنما تحمل لأجل الرابع فإن الثلاثة التي تتقدمه في ترتيب التعليل هي توطئات ومداخل وطرق إليه والأربعة الباقية التي تتلوه فلشيئين أحدهما أن في كل واحد منها أرفاداً ما ومعونة على الجزء الرابع ومعونة بعضها أكثر وبعضها أقل‏.‏

والثاني على جهة التحديد وذلك أنها لو لم تتميز هذه الصنائع بعضها من بعض بالفعل حتى تعرف قوانين كل واحد منها على انفرادها متميزة عن قوانين الأخرى لم يأمن الإنسان عند التماس الحق واليقين أن يستعمل الأشياء الجدلية من حيث لا يشعر أنها جدلية فيعدل من اليقين إلى الظنون القوية ويكون قد استعمل من حيث لا يشعر أموراً خطبية فيعدل به إلى الإقناع أو يكون قد استعمل المغالطات من حيث لا يشعر وأما أن توهمه فيهما ليس بحق أنه حق فيعتقده وأما أن يكون قد استعمل الأشياء الشعرية من حيث لا يشعر أنها شعرية فيكون قد عمل في اعتقاداته على التخيلات وعند نفسه أنه سلك في كل هذه الأقوال الطريق إلى الحق وصادف متلمسه فلا يكون صادفه على الحقيقة كما أن الذي لا يعرف الأزمنة والأدوية ولا تتميز له السموم عن هذه بالفعل حتى يتقن معرفتها بعلاماتها لم يأمن أن يتناولها على أنها داء أو دواء من حيث لا يشعر فيتلف‏.‏

وأما على القصد الثاني فإنه يكون قد أعطى كل صناعة من الصنائع الأربع جميع ما تلتئم به تلك الصناعة حتى يدري الإنسان إذا أراد أن يصير جدلياً بارعاً كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي شيء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله وليعلم هل سلك فيها طريق الجدل ويدري إذا أراد أن يصير خطيباً بارعاً كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله ويعلم هل سلك في ذلك طريق الخطابة أو أي طريق غيرها وكذلك يدري إذا أراد أن يصير شاعراً بارعاً كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره من الشعر ويدري هل سلك في أقاويله طريق الشعراء أو عدل عنه وخلط به طريقاً غيره وكذلك يدري إذا أراد أن تكون له القدرة على أن يغالط غيره ولا يغالطه أحد كم شيء يحتاج إلى أن يعلمه فيدري بأي الأشياء يمكن أن يمتحن كل قول وكل رأي فيعلم هل غالط فيه أو غولط ومن أي جهة كان ذلك‏.‏

 

وصية أرسطوطاليس

قال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس ولما حضرت أرسطوطاليس الوفاة أوصى بهذه الوصية التي نحن ذاكروها قال أني جعلت وصيي أبداً في جميع ما خلفت انطيبطرس وإلى أن يُقْدم نيقاتر فليكن أرسطومانس وطيمارخس وإبرخس وديوطالس معتنين بتفقد ما يحتاج إلى تفقده والعناية بما ينبغي أن يعنى به من أمر أهلي وأربليس جاريتي وسائر جواري وعبيدي وما خلفت وإن سَهُل على ثاورسطس وأمكنه القيام معهم في ذلك كان معهم ومتى أدركت ابنتي تولى أمرها نيقاتر وإن حدث بها حدث الموت قبل أن تتزوج أو بعد ذلك من غير أن يكون لها ولد فالأمر مردود إلى نيقاتر في أمرها وفي أمر ابني نيقوماخس‏.‏

وتوصيتي إياه في ذلك أن يجري التدبير فيما يعمل به في ذلك على ما يشتهي وما يليق به لو كان أباً أو أخاً لهما وإن حدث بنيقاتر حدث الموت قبل أن تتزوج ابنتي أو بعد تزوجيها من غير أن يكون لها ولد فأوصى نيقاتر فيما خلفت بوصية فهي جائزة نافذة وإن مات نيقاتر عن غير وصية وسَهُل على ثاوفرسطس وأحبّ أن يقوم في الأمر مقامه فذلك له في جميع ما كان يقوم به نيقاتر من أمر ولدي وغير ذلك مما خلفت وإن لم يحب ثاوفرسطس القيام بذلك فليرجع الأوصياء الذين سميت إلى أنطيبطرس فيشاوروه فيما يعلمون به فيما خلفت ويمضوا الأمر على ما يتفقون عليه وليحفظني الأوصياء ونيقاتر في أربليس فإنها تستحق مني ذلك لما رأيت من عنايتها بخدمتي واجتهادها فيما وافقني ويهيئوا لها جميع ما تحتاج إليه وإن هي أحبت التزويج فلا توضع إلاعند رجل فاضل وليدفع إليها من الفضة سوى ما هو لها طالنطن واحد وهو مائة وخمس وعشرون رطلاً ومن الإماء ثلاث ممن تختار مع جاريتها التي لها وغلامها وإن هي أحبت المقام بخلقيس فلها السكنى في داري دار الضيافة التي إلى جانب البستان وإن اختارت السكنى في المدينة بأسطاغيرا فلتسكن في منازل آبائي وأي المنازل اختارته فليتخذ الأوصياء لها فيه ما تذكر أنها تحتاج إليه مما يرون أن لها فيه مصلحة وبها إليه حاجة وأما أهلي وولدي فلا حاجة بي إلى أن أوصيهم بأمرهم وليعن نيقاتر بمرمقس الغلام حتى يرده إلى بلده ومعه جميع ما له على الحالة التي يشتهيها ولتعتق جاريتي إمبراقيس وإن هي بعد العتق أقامت على خدمة ابنتي إلى أن تتزوج فليدفع إليها خمسمائة درخمى وجاريتها ويدفع إلى ثاليس الصبية التي ملكناها قريباً غلام من مماليكنا وألف درخمى ويدفع إلى سمينس ثمن غلام يبتاعه لنفسه غير الغلام الذي كان دفع إليه ثمنه ويوهب له سوى ذلك شيء على ما يرى الأوصياء‏.‏

ومتى تزوجت ابنتي فليعتق غلماني ثاخن وفيلن وأولمبوس ولا يباع ابن أولمبوس ولا أحد ممن خدمني من غلماني ولكن يقرون مماليك في الخدمة إلى أن يدركوا مدرك الرجال فإذا بلغوا ذلك فليعتقوا ويفعل بهم فيما يوهب لهم حسب استحقاقهم‏.‏

قال حنين بن إسحق في كتاب نوادر الفلاسفة أصل اجتماعات الفلاسفة أنه كانت الملوك من اليونانية وغيرها تعلم أولادها الحكمة والفلسفة وتؤدبهم بأصناف الآداب وتتخذ لهم بيوت الذهب المصورة بأصناف الصور وإنما جعلت الصور لارتياح القلوب إليها واشتياق النظر إلى رؤيتها فكان الصبيان يلازمون بيوت الصور للتأديب بسبب الصور التي فيها وكذلك نقشت اليهود هياكلها وصرت النصارى كنائسها وبيعها وزوق المسلمون مساجدهم كل ذلك لترتاح النفوس إليها وتشتغل القلوب بها فإذا حفظ المتعلم من أولاد الملوك علماً أو حكمة أو أدباً صعد على درج إلى مجلس معمول من الرخام المصور المنقوش في يوم العيد الذي يجتمع فيه أهل المملكة إلى ذلك البيت بعد انقضاء الصلاة والتبرك فيتكلم بالحكمة التي حفظها وينطق بالأدب الذي وعاه على رؤوس الأشهاد في وسطهم وعليه التاج وحلل الجواهر ويحيي المعلم ويكرم ويبر ويشرف الغلام ويعد حكيماً على قدر ذكائه وفهمه وتعظم الهياكل وتستر ويشعل فيها النيران والشمع وتبخر بالدخن الطيبة ويتزين الناس بأنواع الزينة وبقي ذلك إلى اليوم للصابئة والمجوس واليهود والنصارى إثباتات في الهياكل وللمسلمين منابر في المساجد قال حنين بن إسحق وكان إفلاطون المعلم الحكيم في زمن روفسطانيس الملك وكان اسم ابنه نطافورس وكان أرسطوطاليس غلاماً يتيماً قد سمت به همته إلي خدمة أفلاطون الحكيم فاتخذ روفسطانس الملك بيتاً للحكمة وفرشه لابنه نطافورس وأمر أفلاطون بملازمته وتعليمه وكان نطافورس غلاماً متخلفاً قليل الفهم بطيء الحفظ وكان أرسطوطاليس غلاماً ذكياً فهماً جاداً معبراً وكان أفلاطون يعلم نطافورس الحكمة والأداب فكان ما يتعلمه اليوم ينساه غداً ولا يعبر حرفاً واحداً وكان أرسطوطاليس يتلقف ما يلقى إلى نطافورس فيحفظه ويرسخ في صدره ويعي ذلك سراً عن أفلاطون ويحفظه وأفلاطون لا يعلم بذلك من سر أرسطوطاليس وضميره حتى إذا كان يوم العيد زين بيت الذهب وألبس نطافورس الحلى والحلل وحضر الملك روفسطانس وأهل المملكة وأفلاطون وتلاميذه وانقضت الصلاة وصعد أفلاطون الحكيم ونطافورس إلي مرتبة الشرف ودراسة الحكم على الأشهاد والملوك فلم يؤد الغلام نطافورس شيئاً من الحكمة ولا نطق بحرف من الأداب فأسقط في يد أفلاطون واعتذر إلى الناس بأنه لم يمتحن علمه ولا عرف مقدار فهمه وأنه كان واثقاً بحكمته وفطنته ثم قال يا معشر التلامذة من فيكم يضطلع بحفظ شيء من الحكمة وينوب عن نطافورس فبدر أرسطوطاليس فقال أنا أيها الحكيم فازدراه ولم يأذن له في الكلام ثم أعاد القول على تلامذته فبدرهم أرسطوطاليس فقال أنا يا معلم الحكمة أضطلع بما ألقيت من الحكمة إلى نطافورس فقال له ارق فرقي ارسطوطاليس الدرج بغير زينة ولا استعداد في أثوابه الدنيئة المبتذلة فهدر كما يهدر الطير وأتى بأنواع الحكمة والأدب الذي ألقاه أفلاطون إلى نطافورس ولم يترك منها حرفاً واحداً فقال أفلاطون أيها الملك هذه الحكمة التي لقنتها نطافورس قد وعاها أرسطوطاليس سرقة وحفظها سراً ما غادر منها حرفاً فما حيلتي في الرزق والحرمان وكان الملك في مثل ذلك اليوم يرشح ابنه للملك ويشرفه ويعلي مرتبته فأمر الملك باصطناع أرسطوطاليس ولم يرشح ابنه للملك وانصرف الجميع في ذلك اليوم على استحسان ما أتى به أرسطوطاليس والتعجب من الرزق والحرمان‏.‏

 

مقالة أرسطوطاليس

قال حنين بن إسحاق هذا بعض ما وجدت من حكمة أرسطوطاليس في ذلك اليوم لبارئنا التقديس والإعظام والإجلال والإكرام أيها الأشهاد العلم موهبة الباري والحكمة عطية من يعطي ويمنع ويحط ويرفع والتفاضل في الدنيا والتفاخر في الحكمة التي هي روح الحياة وعمادة العقل الرباني العلوي‏.‏

أنا أرسطوطاليس بن فيلوبيس اليتيم خادم نطافورس ابن الملك العظيم حفظت ووعيت والتسبيح والتقديس لمعلم الصواب ومسبب الأسباب أيها الأشهاد بالعقول تتفاضل الناس لا بالأصول وعيت عن أفلاطون الحكيم الحكمة رأس العلوم والأداب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان وبالفكر الثاقب يدرك الرأي العازب وبالتالي تسهل المطالب وبلين الكلم تدوم المودة في الصدور وبخفض الجناح تتم الأمور وبسعة الأخلاق يطيب العيش ويكمل السرور ويحسن الصمت جلالة الهيبة وبإصابة المنطق يعظم القدر ويرتقي الشرف وبالإنصاف يحب التواصل وبالتواضع تكثر المحبة وبالعفاف تزكو الأعمال وبالأفضال يكون السؤدد وبالعدل يقهر العدو وبالحكم تكثر الأنصار وبالرفق تستخدم القلوب وبالإيثار يستوجب اسم الجود وبالأنعام يستحق اسم الكرم وبالوفاء يدوم الإخاء وبالصدق يتم الفضل وبحسن الاعتبار تضرب الأمثال والأيام تفيد الحكم يستوجب الزيادة من عرف نقص الدنيا ومن الساعات تتولد الآفات وبالعافية يوجد طيب الطعام والشرب وبحلول المكاره يتنغص العيش وتتكدر النِّعم وبالمن يكفر بالإحسان وبالجحد للأنعام يحب الحرمان‏.‏

صديق الملول زائل عنه السيء الخلق مخاطر صاحبه الضيق الباع حسير النظر البخيل ذليل وإن كان غنياً والجواد عزيز وإن كان مقلاً الطمع هو الفقر الحاضر اليأس الغني الظاهر لا أدري نصف العلم السرعة في الجواب توجب العثار التروي في الأمور يبعث على البصائر الرياضة تشحذ القريحة الأدب يغني عن الحسب التقوى شعار العالم والرياء لبوس الجاهل مقاساة الأحمق عذاب الروح الاستهتار بالنساء فعل الفوكي الاشتغال بالفائت تضييع الأوقات المتعرض للبلاء مخاطر بنفسه التمني سبب الحسرة الصبر تأييد العزم وثمرة الفرج وتمحيق المحنة صديق الجاهل مغرور المخاطر خائب من عرف نفسه لم يضع بين الناس وزاد علمه على عقله كان علمه وبالا عليه المجرب أحكم من الطبيب إذا فاتك الأدب فالزم الصمت‏.‏

من لم ينفعه العلم يأمن ضرر الجهل من تأنَ لم يندم من افتخر ارتطم من عجل تورط من تفكر سلم ومن روى غنم من سأل علم من حمل ما لا يطيق ارتبك التجارب ليس لها غاية والعاقل منها في زيادة للعادة على كل أحد سلطان وكل شيء يستطاع نقله إلا الطباع وكل شيئ يتهيأ فيه حيلة إلا القضاء من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار قد يكتفي من حظ البلاغة بالإيجاز لا يؤتى الناطق إلا من سوء فهم السامع ومن وجد برد اليقين أغناه عن المنازعة في السؤال ومن عدم دَرْك ذلك كان مغموراً بالجهل ومفتوناً بعجب الرأي ومعدولاً بالهوى عن باب التثبت ومصروفاً بسوء العادة عن تفصيل التعليم الجزع عند مصائب الإخوان أحمد من الصبر وصبر المرء على مصيبته أحمد من جزعه ليس شيء أقرب إلى تغيير النعم من الإقامة على الظلم من طلب خدمة السلطان بغير أدب خرج من السلامة إلى العطب الارتقاء إلى السؤدد صعب والانحطاط إلى الدناءة سهل‏.‏

قال حنين بن اسحق وهذا الصنف من الآداب أول ما يعلمه الحكيم للتلميذ في أول سنة مع الخط اليوناني ثم يرفعه من ذلك إلى الشعر والنحو ثم إلى الحساب ثم إلى الهندسة ثم إلى النجوم ثم إلى الطب ثم إلى الموسيقى ثم بعد ذلك يرتقي إلى المنطق ثم الفلسفة وهي علوم الآثار العلوية فهذه عشرة علوم يتعلمها المتعلم في عشر سنين‏.‏

فلما رأى أفلاطون الحكيم حفظ أرسطوطاليس لما كان يلقي إلى نطافورس وتأديبه إياه كما ألقاه سرّه حفظه وطبعه ورأى الملك قد أمر بإصطناعه فاصطنعه هو وأقبل عليه وعلمه علماً علماً حتى وعى العلوم العشرة وصار فيلسوفاً حكيماً جامعاً لما تقدم ذكره‏.‏

أقول ومن كلام أرسطوطاليس وهو أصل يعتمد عليه في الصحة عجبت لمن يشرب ماء الكرم ويأكل الخبز واللحم ويقتصد في حركته وسكونه ونومه ويقظته وأحسن السياسة في جماعة وتعديل مزاجه كيف يمرض

 

آداب أرسطوطاليس

ومن آداب أرسطوطاليس وكلماته الحكيمة مما ذكره الأمير المبشر بن فاتك قال أرسطوطاليس اعلم أنه ليس شيء أصلح من أولي الأمر إذا صلحوا ولا أفسد لهم ولأنفسهم منهم إذا فسدوا فالوالي من الرعية بمنزلة الروح من الجسد الذي لا حياة له إلا بها وقال احذر الحرص و فأما ما هو مصلحك ومصلح على يديك فالزهد واعلم أن الزهد باليقين واليقين بالصبر والصبر بالفكر فإذا فكرت في الدنيا لم تجدها أهلاً لأن تكرمها بهوان الآخرة لأن الدنيا دار بلاء منزل بلغة وقال إذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم تكن له القناعة فليس المال مغنيه وإن كثر وقال إعلم أن من علامة تنقل الدنيا وكدر عيشها أنه لا يصلح منها جانب إلا بفساد جانب آخر ولا سبيل لصاحبها إلى عز إلا بإذلال ولا استغناء إلا بافتقار واعلم أنه ربما أصيبت بغير حزم في الرأي ولا فضل في الدين فإن أصبحت حاجتك منها وأنت مخطئ أو أدبرت عنك وأنت مصيب فلا يستخفنك ذلك إلى معاودة الخطأ ومجانبة الصواب‏.‏

وقال لا تبطل عمراً في غير نفع ولا تضع لك مالاً في غير حق ولا تصرف لك قوة في غير عناء ولا تعدل لك رأياً في غير رشد فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك والجد فيه وخاصة في العمر الذي كل شيء مستفاد سواه وإن كان لا بد لك من إشغال نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء ودرس كتب الحكمة‏.‏

وقال اعلم أنه ليس من أحد يخلو من عيب ولا من حسنة فلا يمنعك عيب رجل من الاستعانة به فيما لا نقص به ولا يحملنك ما في رجل من الحسنات على الاستعانة به فيما لا نقص به ولا يحملنك ما في رجل من الحسنات على الاستعانة به فيما لا معونة عنده عليه واعلم أن كثرة وقال العدل ميزان اللَّه عزّ وجلّ في أرضه وبه يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل فمن أزال ميزان اللَّه عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة واعتزر باللَّه سبحانه أشد اعتزازاً‏.‏

وقال العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً وقال ليس طلبي للعلم طمعاً في بلوغ قاصيته ولا الاستيلاء على غايته ولكن التماساً لما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه‏.‏

وقال اطلب الغنى الذي لا يفنى والحياة التي لا تتغير والملك الذي لا يزول والبقاء الذي لا يضمحل وقال أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعاً لك وقال كن رؤوفاً رحيماً ولا تكن رأفتك ورحمتك فساداً لمن يستحق العقوبة ويصلحه الأدب وقال خذ نفسك بإثبات السنة فإن فيها إكمال التقي وقال افترص من عدوك الفرصة واعمل على أن الدهر دول وقال لا تصادم من كان على الحق ولا تحارب من كان متمسكاً بالدين وقال صير الدين موضع ملكك فمن خالفه فهو عدو لملكك ومن تمسك بالسنة فحرام عليك ذمه وإدخال المذلة عليه واعتبر ممن مضى ولا تكن عبرة لمن بعدك وقال لا فخر فيما يزول ولا غنى فيما لا يثبت وقال عامل الضعيف من أعدائك على أنه أقوى منك وتفقد جندك تفقد من قد نزلت به الآفة واضطرته إلى مدافعتهم قال دار الرعية مداراة من قد انتهكت عليه مملكته وكثرت عليه أعداؤه وقال قدم أهل الدين والصلاح والأمانة على أنك تنال بذلك في العاقبة الفوز وتتزين به في الدنيا وقال اقمع أهل الفجور على أنك تصلح دينك ورعيتك بذلك وقال لا تغفل فإن الغفلة تورث الندامة وقال لا ترج السلامة لنفسك حتى يسلم الناس من جورك ولا تعاقب غيرك على أمر ترخص فيه لنفسك واعتبر بمن تقدم واحفظ ما مضى والزم الصحة يلزمك النصر وقال الصدق قوام أمر الخلائق والكذب داء لا ينجو من نزل به ومن جعل الأجل إمامه أصلح نفسه ومن وسخ نفسه أبغضته خاصته وقال لن يسود من يتبع العيوب الباطنة من إخوانه من تجبر على الناس ذلته من أفرط في اللوم كره الناس حياته من مات محموداً كان أحسن حالاً ممن عاش مذموماً من نازع السلطان مات قبل يومه أي مَلِك نازع السوقة هُتِك شرفه أي ملك تطنف إلى المحقرات فالموت أكرم له وقال من أسرف في حب الدنيا مات فقيراً ومن قنع مات غنياً من أسرف في الشراب فهو من الأسفل من مات قل حساده وقال الحكمة شرف من لا قديم له الطمع يورث الذلة التي لا تستقال اللؤم يهدم الشرف ويعرض النفس للتلف سوء الأدب يهدم ما بناه الأسلاف الجهل سر الأصحاب بذل الوجه إلى الناس هو الموت الأصغر ينبغي للمدبر أن لا يتخذ الرعية مالاً وقنية ولكن يتخذهم أهلاً وإخواناً ولا يرغب في الكرامة وكتب إلى الاسكندر في وصاياه له إن الأردياء ينقادون بالخوف والأخيار ينقادون بالحياء فميز بين الطبقتين واستعمل في أولئك الغلظة والبطش وفي هؤلاء الأفضال والإحسان وقال أيضاً ليكن غضبك أمراً بين المنزلتين لا شديداً قاسياً ولا فاتراً ضعيفاً فإن ذلك من أخلاق السباع وهذا من أخلاق الصبيان وكتب إليه أيضاً إن الأمور التي يشرف بها الملوك ثلاثة سن السنن الجميلة وفتح الفتوح المذكورة وعمارة البلدان المعطلة وقال اختصار الكلام طي المعاني رغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفس وزهدك فيمن يرغب فيك قِصر همة النميمة تهدي إلى القلوب البغضاء من واجهك فقد شتمك ومن نقل إليك نقل عنك الجاهل عدو لنفسه فكيف يكون صديقاً لغيره السعيد من اتعظ بغيره‏.‏

وقال لأصحابه لتكن عنايتكم في رياضة أنفسكم فأما الأبدان فاعتنوا بها لما يدعو إليه الاضطرار واهربوا من اللذات فإنها تسترقّ النفوس الضعيفة ولا قوة بها على القوية وقال إنا لنحب الحق ونحب أفلاطون فإذا افترقا فالحق أولى بالمحبة الوفاء نتيجة الكرم لسان الجاهل مفتاح حتفه الحاجة تفتح باب الحيلة الصمت خير من عجز المنطق بالأفضال تعظم الأقدار بالتواضع تتم النعمة باحتمال المؤن يجب السؤدد بالسيرة العدالة تقل المساوئ بترك ما لا يعنيك يتم لك الفضل بالسعايات تنشأ المكاره ونظر إلى حَدَث يتهاون بالعلم فقال له إنك إن لم تصبر على تعب العلم صبرت على شقاء الجهل‏.‏

وسعى إليه تلميذ له بآخر فقال له أتحب أن نقبل قولك فيه على أنا نقبل قوله فيك قال لا قال فكف عن الشر يكف عنك‏.‏

ورأى إنساناً ناقهاً يكثر من الأكل وهو يرى أنه تقوية فقال له يا هذا ليس زيادة القوة بكثرة ما يرد البدن من الغذاء ولكن بكثرة ما يقبل منه وقال كفى بالتجارب تأدباً وبتقلب الأيام عظة وقيل لأرسطوطاليس ما الشيء الذي لا ينبغي أن يقال وإن كان حقاً فقال مدح الإنسان نفسه وقيل له لم حفِظَت الحكماءُ المالَ فقال لئلا يقيموا أنفسهم بحيث لا يستحقونه من المقام وقال امتحن المرء في وقت غضبه لا في وقت رضاه وفي حين قدرته لا في حين ذلته وقال رضى الناس غاية لا تدرك فلا تكره سخط من رضاه الجور‏.‏

وقال شَرُف الإنسان على جميع الحيوان بالنطق والذهن فإن سكت ولم يفهم عاد بهيمياً وقال لا تكثروا من الشراب فيغير عقولكم ويفسد أفهامكم وأعاد على تلميذ له مسألة فقال له أفَهمت قال التلميذ نعم قال لا أرى آثار الفهم عليك قال وكيف ذلك قال لا أراك مسروراً وقال لكل شيء خاصة وخاصة العقل حسن الاختيار وقال لا يلام الإنسان في ترك الجواب إذا سئل حتى يتبين أن السائل قد أحسن السؤال لأن حسن السؤال سبيل وعلة إلى حسن الجواب وقال كلام العجلة موكل به الزلل وقال إنما يحمل المرء على ترك ابتغاء ما لم يعلم قلة انتفاعه بما قد علم وقال من ذاق حلاوة عمل صبر على مرارة طرقه ومن وجد منفعة علم عني بالتزيد فيه وقال دفع الشر بالشر جلد ودفع الشر بالخير فضيلة وقال ليكن ما تكتب من خير ما يقرأ وما تحفظ من خير ما يكتب وكتب إلى الاسكندر إذا أعطاك اللَّه ما تحب من الظفر فافعل ما أحب من العفو وقال لا يوجد الفخور محموداً ولا الغضوب مسروراً ولا الكريم حسوداً ولا الشره غنياً ولا الملول دائم الإخاء ولا مفتتح يعجل الإخاء ثم يندم وقال إنما غلبت الشهوة على الرأي في أكثر الناس لأن الشهوة معهم من لدن الصبا والرأي إنما يأتي عند تكاملهم فإنهم بالشهوة لقدم الصحبة أكثر من أنسهم بالرأي لأنه فيهم كالرجل الغريب‏.‏

ولما فرغ من تعليم الاسكندر دعا به فسأله عن مسائل في سياسة العامة والخاصة فأحسن الجواب عنها فناله بغاية ما كره من الضرب والأذى فسئل عن هذا الفعل فقال هذا غلام يرشح للملك فأردت أن أذيقه طعم الظلم ليكون رادعاً له عن ظلم الناس‏.‏

وأمر أرسطوطاليس عند موته أن يدفن ويبنى عليه بيت مثمن يكتب في جملة جهاته ثمان كلمات جامعات لجميع الأمور التي بها مصلحة الناس وتلك الكلم الثمان هي هذه على هذا المثال

 

كتب أرسطوطاليس

ولأرسطوطاليس من الكتب المشهورة مما ذكره بطليموس كتاب يحض فيه على الفلسفة ثلاث مقالات كتاب سوفسطس مقالة كتاب في صناعة الريطوري ثلاث مقالات كتاب في العدل أربع مقالات كتاب في الرياضة والأدب المصلحين لحالات الإنسان في نفسه أربع مقالات كتاب في شرف الجنس خمس مقالات كتاب في الشعراء ثلاث مقالات كتاب في الملل ست مقالات كتاب في الخير خمس مقالات كتاب أرخوطس ثلاث مقالات كتاب في الخطوط هل هي منقسمة أم لا ثلاث مقالات كتاب في صفة العدل أربع مقالات كتاب في التباين والاختلاف أربع مقالات كتاب في العشق ثلاث مقالات كتاب في الصور هل لها وجود أم لا ثلاث مقالات كتاب في اختصار قول فلاطن مقالتان كتاب في اختصار أقاويل فلاطن في تدبير المدن خمس مقالات كتاب في اختصار قول فلاطن في اللذة في كتابه في السياسة مقالتان كتاب في اللذة مقالتان كتاب في الحركات ثمان مقالات كتاب في المسائل الحيلية مقالتان كتاب في صناعة الشعر على مذهب فيثاغورس مقالتان كتاب في الروح ثلاث مقالات كتاب في المسائل ثلاث مقالات كتاب في نيل مصر ثلاث مقالات كتاب في اتخاذ الحيوان المواضع ليأوي فيها ويكمن مقالة كتاب في جوامع الصناعات مقالة كتاب في المحبة ثلاث مقالات كتاب قاطيغورياس مقالة كتاب أرمينياس مقالة كتاب طوبيقا ثمان مقالات كتاب أنولوطيقا وهو القياس مقالتان كتاب أفودقطيقا وهو البرهان مقالتان كتاب في السوفسطائية مقالة كتاب في المقالات الكبار في الأخلاق مقالتان كتاب في المقالات الصغار في الأخلاق إلى أوذيمس ثمان مقالات كتاب في تدبير المدن ثمان مقالات كتاب في صناعة الشعر كتاب في سمع الكيان ثمان مقالات كتاب في السماء والتالم أربع مقالات كتاب في الكون والفساد مقالتان كتاب في الآثار العلوية أربع مقالات كتاب في النفس ثلان مقالات كتاب في الحس والمحسوس مقالة كتاب في الذكر والنوم مقالة كتاب في حركة الحيوانات وتشريحها سبع مقالات كتاب في طبائع الحيوان عشر مقالات كتاب في الأعضاء التي بها الحياة أربع مقالات كتاب في كون الحيوان خمس مقالات كتاب في حركات الحيوانات الكائنة على الأرض مقالة كتاب في طول العمر وقصره مقالة كتاب في الحياة والموت مقالة كتاب في النبات مقالتان كتاب فيما بعد الطبيعة ثلاث عشر مقالة كتاب في مسائل هيولانية مقالة كتاب في مسائل طبيعية أربع مقالات كتاب في القسم ست وعشرون مقالة ويذكر في هذا الكتاب أقسام الزمان وأقسام النفس والشهوة وأمر الفاعل والمنفعل والفعل والمحبة وأنواع الحيوان وأمر الخير والشر والحركات وأنوع الموجودات كتاب في قسم فلاطن ست مقالات كتاب في قسمة الشروط التي تشترط في القول وتوضع ثلاث مقالات كتاب في مناقضة من يزعم بأن تؤخذ مقدمات النقيض من نفس القول تسع وثلاثون مقالة كتاب في النفي يسمى إيسطاسس ثلاث عشرة مقالة كتاب في الموضوعات أربع وثلاثون مقالة كتاب في موضوعات عشقية مقالة كتاب في الحدود ست عشرة مقالة كتاب في الأشياء التحديدية أربع مقالات كتاب في تحديد طوبيقا مقالة كتاب في تقويم حدود طوبيقا ثلاث مقالات كتاب في موضوعات تقوم بها الحدود مقالتان كتاب في مناقضة الحدود مقالتان كتاب في صناعة التحديد التي استعملها ثاوفرسطس لانالوطيقا الأولى مقالة كتاب في تقويم التحديد مقالتان كتاب في مسائل ثمان وستون مقالة كتاب في مقدمات المسائل ثلاث مقالات كتاب في المسائل الدورية التي يستعملها المتعلمون أربع مقالات كتاب في الوصايا أربع مقالات كتاب في التذكرات مقالتان كتاب في الطب خمس مقالات كتاب في تدبير الغذاء مقالة كتاب في الفلاحة عشر مقالات كتاب في الرطوبات مقالة كتاب في النبض مقالة كتاب في الأعراض العامية ثلاث مقالات كتاب في الآثار العلوية مقالتان كتاب في تناسل الحيوان مقالتان كتاب آخر في تناسل الحيوانات مقالتان كتاب في المقدمات ثلاث وعشرون مقالة كتاب آخر في مقدمات أخر سبع مقالات كتاب في سياسة المدن وعدد الأمم ذكر فيه مائة وإحدى وسبعين مدينة كبيرة كتاب في تذكرات عدة ست عشر مقالة كتاب آخر في مثل ذلك مقالة كتاب في المناقضات كتاب في المضاف مقالة كتاب في الزمان مقالة كتبه التي وجدت في خزانة أبليقون عدة مقالات كتابه في تذكرات أخر كتاب كبير مجموع فيه عدة رسائل ثمانية أجزاء كتاب في سير المدن مقالتان رسائل وجدها أندرونيقوس في عشرين جزء كتب فيها عدة تذكرات عددها وأسماؤها في كتاب أندرونيقوس في فهرست كتب أرسطو كتاب في مسائل من عويص شعر أوميرس في عشرة أجزاء كتاب في معاني مليحة من الطب‏.‏

قال بطليموس فهذه جملة ما شاهدت له من الكتب وقد شاهد غيري كتبا أخر عدة أقول ولأرسطوطاليس أيضاً من الكتب مما وجدت كثيراً منها غير الكتب التي شاهدها بطليموس كتاب الفراسة كتاب السياسة المدنية كتاب السياسة العملية مسائل في الشراب شراب الخمر والسكر وهي اثنتان وعشرون مسألة كتاب في التوحيد على مذهب سقراط كتاب الشباب والهرم كتاب الصحة والسقم كتاب في الأعداء كتاب في الباه رسائله إلى ابنه وصيته إلي نيقانر كتاب الحركة كتاب فضل النفس كتاب في العظم الذي لا يتجزأ كتاب التنقل رسالته الذهبية رسالة إلى الاسكندر في تدبير الملك كتاب الكنايات والطبيعيات كتاب في علل النجوم كتاب الأنواء رسالة في اليقظة كتاب نعت الأحجار ومنافعها والسبب في خلق الأجرام السماوية كتاب إلى الاسكندر في الروحانيات وأعمالها في الأقاليم كتاب الأسماطاليس إلى الاسكندر رسالة في طبائع العالم إلى الاسكندر كتاب الأصطماخيس وضعه حين أراد الخروج إلى بلد الروم كتاب الحيل كتاب المرآة كتاب القول على الربوبية كتاب المسائل الطبيعية ويعرف أيضاً بكتاب ما بال سبع عشرة مقالة كتاب ماطافوسيقا وهو كتاب ما بعد الطبيعة اثنتا عشرة مقالة كتاب الحيوان تسع عشرة مقالة كتاب نعت الحيوانات الغير ناطقة وما فيها من المنافع والمضار وغير ذلك كتاب إيضاح الخير المحض كتاب الملاطيس كتاب في نفث الدم كتاب المعادن كتاب اليتيم وهو كتاب الغالب والمغلوب والطالب والمطلوب ألفه للإسكندر الملك كتاب أسرار النجوم‏.‏

 

 

ثاوفرسطس

أحد تلاميذ أرسطوطاليس وابن خالته وأحد الأوصياء الذين وصى إليهم أرسطوطاليس وخلفه على دار التعليم بعد وفاته‏.‏

ولثاوفرسطس من الكتب كتاب النفس مقالة كتاب الآثار العلوية مقالة كتاب الأدلة مقالة كتاب الحس أو المحسوس أربع مقالات كتاب ما بعد الطبيعة مقالة كتاب أسباب النبات تفسير كتاب قاطيغورياس وقيل أنه متحول إليه كتاب إلى دمقراط في التوحيد كتاب في المسائل الطبيعية‏.‏

الاسكندر الأفروديسي الدمشقي

كان في أيام ملوك الطوائف بعد الاسكندر الملك ورأى جالينوس واجتمع معه وكان يلقب جالينوس رأس البغل وبينهما مشاغبات ومخاصمات وكان فيلسوفاً متقناً للعلوم الحكمية بارعاً في العلم الطبيعي وله مجلس عام يدرس فيه الحكمة وقد فسر أكثر كتب أرسطوطاليس وتفاسيره مرغوب فيها مفيدة للاشتغال بها‏.‏

قال أبو زكريا يحيى بن عدي إن شرح الاسكندر للسماع كله ولكتاب البرهان رأيته في تركة إبراهيم بن عبد اللَّه الناقل النصراني وإن الشرحين عرضه علي بمائة دينار وعشرين ديناراً فمضيت لأحتال في الدنانير ثم عدت فأصبت القوم قد باعوا الشرحين في جملة كتب إلى رجل خراساني بثلاثة آلاف دينار وقيل أن هذه الكتب كانت تحمل في الكم وقال أبو زكريا أنه التمس من إبراهيم بن عبد اللَّه نص سوفسطيقا ونص الخطابة ونص الشعر بنقل إسحق بخمسين ديناراً فلم يبعه وأحرقها وقت وفاته‏.‏

وللاسكندر الإفروديسي من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أرمينياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس والذي وجد من تفسيره لهذا الكتاب تفسير بعض المقالة الأولى وتفسير المقالة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة تفسير كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس تفسير بعض المقالة الأولى من كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس تفسير كتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس تفسير كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس كتاب النفس مقالة في عكس المقدمات مقالة في العناية مقالة في الفرق بين الهيولي والجنس مقالة في الرد على من قال أنه لا يكون شيء إلا من شيء مقالة في أن الأبصار لا يكون بشعاعات تنبث من العين والرد على من قال بانبثاث الشعاع مقالة في اللون وأي شيء هو على رأي الفيلسوف مقالة في الفصل خاصة ما هو على رأي أرسطوطاليس مقالة في الماليخوليا مقالة في الأجناس والأنواع مقالة في الرد على جالينوس في المقالة الثامنة من كتابه في البرهان مقالة في الرد على جالينوس فيما طعن على قول أرسطوطاليس إن كل ما تحرك فإنما يتحرك عن محرك مقالة في الرد على جالينوس في مادة الممكن مقالة في الفصول التي تقسم بها الأجسام مقالة في العقل على رأي أرسطوطاليس رسالة في العالم وأي أجزائه تحتاج في ثباتها ودوامها إلى تدبير أجزاء أخرى كتاب في التوحيد مقالة في القول في مبادئ الكل على رأي أرسطوطاليس كتاب آراء الفلاسفة في التوحيد مقالة في حدوث الصور لا من شيء مقالة في قوام الأمور العامية مقالة في تفسير ما قاله أرسطوطاليس في طريق القسمة على رأي أفلاطون مقالة في أن الكيفيات ليست أجساماً مقالة في الاستطاعة مقالة في الأضداد وأنها أوائل الأشياء على رأي أرسطوطاليس مقالة في الزمان مقالة في الهيولى وأنها معلولة مفعولة مقالة في أن القوة الواحدة تقبل الأضداد جميعاً على رأي أرسطوطاليس مقالة في الفرق بين المادة والجنس مقالة في المادة والعدم والكون وحل مسألة الناس من القدماء أبطلوا بها الكون من كتاب أرسطوطاليس في سمع الكيان مقالة في الأمور العامية والكلية وأنها ليست أعياناً قائمة مقالة في الرد على من زعم أن الأجناس مركبة من الصور إذ كانت الصور تنفصل منها مقالة في أن الفصول التي بها ينقسم جنس من الأجناس ليس واجب ضرورة أن تكون إنما توجد في ذلك الجنس وحده الذي إياه تقسم بل قد يمكن أن يقسم بها أجناساً أكثر من واحد ليس بعضها مرتباً تحت بعض مقالة فيما استخرجه من كتاب أرسطوطاليس الذي يدعي بالرومية ثولوجيا ومعناه الكلام في توحيد اللَّه تعالى رسالة في أن كل علة مباينة فهي في جميع الأشياء وليست في شيء من الأشياء مقالة في إثبات الصور الروحانية التي لا هيولى لها مقالة في العلل التي تحدث في فم المعدة مقالة في الجنس مقالة تتضمن فصلاً من المقالة الثانية من كتاب أرسطوطاليس في النفس رسالة في القوة الآتية من حركة الجرم الشريف إلى الأجرام الواقعة تحت الكون والفساد‏.‏

الباب الخامس طبقات الأطبَّاء الذين كانوا منذ زمان جالينوس قريباً

منه

جالينوس

ولنضع أولاً كلاماً كلياً في أخبار جالينوس وما كان عليه ثم نلحق بعد ذلك معه جملاً من ذكر الأطباء الذين كانوا منذ زمانه وقريباً من وقته فنقول إن الذي قد عُلم من حال جالينوس واشتهرت به المعرفة عند الخاص والعام في كثير من الأمم أنه كان خاتم الأطباء الكبار المعلمين وهو الثامن منهم وأنه ليس يدانيه أحد في صناعة الطب فضلاً عن أن يساويه وذلك لأنه عندما ظهر وجد صناعة الطب قد كثرت فيها أقوال الأطباء السوفسطائيين وانمحت محاسنها فانتدب لذلك وأبطل آراء أولئك وأيد وشيد كلام أبقراط وآراءه وآراء التابعين له ونصر ذلك بحسب إمكانه وصنف في ذلك كتباً كثيرة كشف فيها عن مكنون هذه الصناعة وأفصح عن حقائقها ونصر القول الحق فيها ولم جيء بعده من الأطباء إلا وكانت مدة حياة جالينوس سبعاً وثمانين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلم سبعين سنة وهذا على ما ذكره يحيى النحوي وكذلك تقسيم عمر كل واحد ممن تقدم ذكره من سائر الأطباء الكبار المعلمين إلى وقتي تعلمه وتعليمه فإنه من قول يحيى النحوي وقوله هذا يجب أن ينظر فيه وذلك أنه لا يمكن أن تنحصر معرفته كما ذكر فإن القياس يوجب أن البعض من ذلك غير ممكن واحده ما ذكره هاهنا عن جالينوس أنه كان صبياً ومتعلماً سبع عشرة سنة وعالماً معلماً سبعين سنة ولو لم يكن التتبع على قوله هذا إلا مما قد ذكره جالينوس نفسه واتباع قول مثل جالينوس عن نفسه أولى من اتباع قول غيره عنه وهذا نص ما ذكره جالينوس في كتابه مراتب قراءة كتبه قال إن أبي لم يزل يؤدبني بما كان يحسنه من علم الهندسة والحساب والرياضيات التي تؤدب بها الأحداث حتى انتهيت من السن إلى خمس عشرة سنة ثم أنه أسلمني في تعليم المنطق وقصد بي حينئذ في تعليم الفلسفة وحدها فرأى رؤيا دعته إلى تعليمي الطب فأسلمني في تعليم الطب وقد أتت علي من السنين سبع عشرة سنة‏.‏

وإذا كان هذا فقد تبين من قول جالينوس خلاف ما ذكر عنه ولا يبعد أن يكون الكلام في الذين ذكرهم من قبل جالينوس أيضاً مثل هذا‏.‏

وكانت منذ وقت وفاة أبقراط وإلى ظهور جالينوس ستمائة سنة وخمس وستون سنة ويكون من وقت مولد إسقليبيوس الأول على ما ذكره يحيى النحوي إلى وقت وفاة جالينوس خمسة آلاف سنة وخمسمائة سنة وسنتان‏.‏

وذكر إسحق بن حنين أن من وقت وفاة جالينوس إلى سنة الهجرة خمسمائة سنة وخمسة وعشرين سنة أقول وكان مولد جالينوس بعد زمان المسيح بتسع وخمسين سنة على ما أرخه إسحق فأما قول من زعم أنه كان معاصره وأنه توجه إليه ليراه ويؤمن به فغير صحيح وقد أورد جالينوس في مواضع متفرقة من كتبه ذكر موسى والمسيح وتبين من قوله أنه كان من بعد المسيح بهذه المدة التي تقدم ذكرها ومن جملة من ذكر أن جالينوس كان معاصراً للمسيح البيهقي وذلك أنه قال في كتاب مسارب التجارب وغوارب الغرائب أنه لو لم يكن في الحواريين إلا بولص بن أخت جولينوس لكان كافياً وإنما بعثه إلى عيسى جالينوس وأظهر عجزه عن الهجرة إليه لضعفه وكبر سنة وآمن بعيسى وأمر ابن أخته بولص بمبايعة عيسى قال جالينوس في المقالة الأولى من كتابه في الأخلاق وذكر الوفاء واستحسنه وأتى فيه بذكر القوم الذين نكبوا بأخذ صاحبهم وابتلوا بالمكاره يلتمس منهم أن يبوحوا بمساوئ أصحابهم وذكر معايبهم فامتنعوا من ذلك وصبرواعلى غليظ المكاره وإن ذلك كان في سنة أربع عشرة وقال أبو الحسين علي بن الحسين المسعودي كان جالينوس بعد المسيح بنحو مائتي سنة وبعد أبقراط بنحو ستمائة سنة وبعد الاسكندر بنحو خمسمائة سنة ونيف‏.‏

أقول ووجدت عبيد اللَّه بن جبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع قد استقصى النظر في هذا المعنى وذلك أنه كان قد سئل عن زمان جالينوس وهل كان معاصراً المسيح أو كان قبله أو بعده فأجاب عن ذلك بما هذا نصه قال إن أصحاب التواريخ اختلفوا اختلافاً فيما وضعوه كل منهم أثبت جملاً إذا فصلت فخرج منها زيادات ونقصان ومن هذا يتبين لك متى تصفحت كتب التواريخ لا سيما متى وقفت على كتاب الأزمنة الذي عمله ماراليا مطران نصيبين فإنه قد كشف الخلف الذي بين التواريخ العتيقة والحديثة وأوضح وكشف وأبان ذلك أحسن بيان بجمعه لجملها في صدر كتابه وإيراد تفاصيلها وتنبيهه على مواضع الخلاف فيها والزيادات والنقصانات وذكر أسبابها وعللها ووجدت تاريخاً مختصراً لهارون بن عزور الراهب ذكر فيه أنه اعتبر التواريخ وعول على صحتها ورأيته قد كشف بعض اختلافها وعلل ذلك بعلل مقنعة وأورد شواهد من صحتها وذكر هذا الراهب في تاريخه أن جميع السنين من آدم إلى ملك دارا ابن سام وهو أول ظهور الاسكندر ذي القرنين خمسة آلاف ومائة وثمانون سنة وعشرة أشهر على موجب التاريخ الذي عند اليونانيين وهو تاريخ التوراة المنقولة إلى اليونانيين قبل ظهور المسيخ بمائتي سنة وثمان وسبعين سنة وذلك في زمان فيلدلفوس الملك لأنه كان حمل إلى اليهود هدايا حسنة لما سمع أن عندهم كتباً منزلة من عند اللَّه تعالى على ألسنة الأنبياء وكان من جملة ما حمل مائدتان من ذهب مرصعتان بالجواهر لم ير أحسن منهما وسألهم عن الكتب التي في أيديهم وأعلمهم أنه يختار أن يكون عنده نسختها فكتبوا جميع الكتب التي كانت عندهم لليهود من التوراة والأنبياء وما جرى مجراها في أوراق من فضة بأحرف من ذهب على ما نسبه الراهب إلى أوسابيس القيسراني فلما وصلت إليه استحسنها ولم يفهم ما فيها فأنفذ إليهم يقول أي فائدة من كنز مستور لا يظهر ما فيه وعين مسدودة لا ينضح ماؤها فأنقذوا إليه اثنين وسبعين رجلاً من جميع الأسباط من كل سبط ستة رجال فلما وصلوا عمل لهم الملك فيلدلفوس مراكب ونزل كل رجلين منهم في مركب ووكل بهم حفظة حتى نقلوها وقابل النسخ فلما وجدها صحيحة غير مختلفة خلع عليهم وأحسن إليهم وردهم إلى مواطنهم‏.‏

وذكر أوسابيوس القيسراني الذي كان أسقف قيسارية أن هذا الملك كان قد نقل الكتب قبل مجيء اليهود استدعاء اليهود وحضوره عنده ونقلهم إياها وإنما شك فيمانقله منها فأحب تصحيحه قال عبيد اللَّه بن جبرائيل وهذا مما يشهد فيه لاعقل لأن فيلدلفوس الملك لو لم يشك في نقله لما احتاط هذا الاحتياط المذكور وحرص هذا الحرص على حفظ هذا النقل ولولا اتهامه لنقله لما كان هنا ما يوجب هذا الاحتياط لأن من قلدهم في الأول كان أحرى أن يقلدهم في الثاني ولما أحب أن يمتحن ما فسره فعل ما فعل وقابل عليه وصححه ومن هاهنا وجب أن تاريخ اليونانيين أصح التواريخ أعني تاريخ التوراة والأنبياء التي عندهم وكانت مدة هذا الملك فيلدلفوس في المملكة ثماني وثلاثين سنة وهوالملك الثالث من الاسكندر على أن تاريخ الاسكندر منذ قتله دارا وهو أن مدة ملكه تكون ست سنين ومنه يؤخذ تواريخ اليونانيين فتكون مدة ملك اليونانيين من الاسكندر وإلى أول ملك الروم الذين لقبهم قيصر مائتين واثنتين وسبعين سنة وأول ملوك الروم الذين لقبهم قيصر يوليوس جايوس قيصر وكانت مدته في المملكة أربع سنين وشهرين وملك بعده أغوسطوس قيصر وكانت مدته ست وخمسين سنة وستة أشهر وفي سنة ثلاث وأربعين من ملكه ولد المسيح عليه السلام في بيت لحم فجميع سني العالم من آدم وإلى مولد المسيح خمسة آلاف وخمسمائة وأربع سنين وملك بعده طيباريوس قيصر ثلاثاً وعشرين سنة وفي سنة خمس عشرة من ملكه إعتمد المسيح في الأردن بيد يوحنا المعمدان وفي سنة تسع عشرة صلب رفع وذلك في يوم الجمعة الرابع والعشرين من آذار وانبعث حياً يوم الأحد السادس والعشرين من آذار و وبعد أربعين يوماً صعد إلى السماء بمشهد من الحواريين‏.‏

ثم ملك بعده يوليوس جايوس الآخر أربع سنين وقتل في بلاطه وملك بعده قلوديوس جرمانيقوس قيصر أربع عشرة سنة ثم ملك بعده نارون بن قلوذيوس قيصر ثلاث عشرة سنة ثم أندرونيقوس أربع عشرة سنة وهو الذي قتل بطرس وبولس في السجن لأنه ارتد إلى عبادة الأصنام وكفر بعد الإيمان وقتل وهو مريض‏.‏

وذكر أندرونيقوس في تاريخه أنه ملك بعد نارون جالباس سبعة أشهر ووطليوس ثمانية واثون ثلاثة أشهر ثم ملك بعده أسفاسيانوس قيصر عشر سنين وفي اخر ملكه غزا بيت المقدس وخربه ونقل جميع آلة البيت إلى القسطنطينية وانقطع عنهم يعني اليهود الملك والنبوة وهو الذي وعد اللَّه تعالى به بمجيء المسيح ولا رجعة لم بعده هذه المملكة الأخيرة من الممالك التي وعدهم اللَّه بها ثم ملك بعده طيطوس ابنه سنتين‏.‏

ووجدت في تاريخ مختص قديم رومي أنه ملك بعده طيطوس طميديوس وفي زمانه كان بليناس الحكيم صاحب الطلسمات ثم ملك بعد دوميطانوس أخو طيطوس وأن اسفاسيانوس ملك خمس عشرة سنة وفي زمانه ظهر ماني وفي أيامه زمانه نهبت مدينة رأس العين ثم ملك البيوس طرينوس قيصر تسع عشرة سنة وهو الذي ارتجع أنطاكية من الفرس وكتب إليه خليفته على فلسطين يقول له أنني كلما قتلت النصارى ازدادوا رغبة في دينهم فأمره برفع السيف عنهم وفي السنة العاشرة من ملكه ولد جالينوس على ما سنبين فيما بعد‏.‏

ثم ملك بعده أبليوس أدريانوس قيصر إحدى وعشرين سنة وبنى مدينته ثم ملك بعده أنطونينوس قيصر اثنتين وعشرين سنة وبنى مدينة إيليوبليس وهي مدينة بعلبك وفي أيام هذا الملك ظهر جالينوس وهو الملك الذي استخدمه وبيان ذلك قول جالينوس في صدر مقالته الأولى من كتاب علم التشريح وهذا قوله بعينه قال جالينوس قد كنت وضعت فيما تقدم في علاج التشريح كتاباً في مَقْدمي الأول إلى مدينة رومية وذلك في أول ملك انطونينوس الملك في وقتنا هذا‏.‏

ومما يؤيد هذا قول جالينوس في الكتاب الذي وضعه في تقييد أسماء كتبه ويعرف ببنكس جالينوس قال لما رجعت من مدينة رومية وعزمت على المقام بمدينتي واللزوم لما كانت جرت فيه عادتي وإذا كُتُب قد وردت من مدينة أقوليا من الملكين يأمران إشخاصي لأنهما كانا قد عزما على أن يشتيا بأقوليا ثم يغزوا أهل جرمانيا فاضطررت إلى الشخوص إليها وأنا على رجاء أن أعفى إذا استعفيت لأنه كان قد بلغني عن أحدهما وهو أشبههما بحسن الخلق ولين الجانب وهو الذي كان اسمه بيرس فلما ملك انطونينوس من بعد أدريانوس وصيَّر ببرس ولي عهده أشرك في ملكه رجلاً يقال له لوقيس وسماه بيرس وسمى هذا الذي كان اسمه بيرس أنطونينوس فلما صرت إلى بلاد أقوليا عرض فيها من الوباد ما لم يعرض قط فهرب الملكان إلى مدينة رومية مع عدة من أصحابهما وبقي عامة العسكر بأقوليا فهلك البعض وسلم البعض ونالوا جهداً شديداً ليس من أجل الوباء فقط ولكن من جهة أن الأمر فاجأهم في وسط الشتاء ومات لوقيوس في الطريق فحمل أنطونينوس بدنه إلى رومية فدفنه هناك وهمَّ بغزو أهل جرمانيا وحرص الحرص كله أن أصحبه فقلت أن اللَّه تعالى لما خلصني من دبيلة قتالة كانت عرضت لي أمرني بالحج إلى بيته المسمى هيكل أسقليبيوس وسألته الإذن في ذلك فشفعني وأمرني بأن أحج‏.‏

ثم انتظرت إلى وقت انصرافه إلى رومية فإنه قد كان يرجو أن ينقضي حربه سريعاً وخرج وخلف ابنه قومودس صبياً صغيراً وأمر المتوالين لخدمته وتربيته أن يجتهدوا في حفظ صحته فإن مَرِض دعوني لعلاجه أتولاه‏.‏

ففي هذا الزمان جمعت كل ما جمعته من المعلمين وما كنت استنبطته وفحصت عن أشياء كثيرة ووضعت كتباً كثيرة لأروض بها نفسي في معان كثيرة من الطب والفلسفة إحترق أكثرها في هيكل أريني ومعنى أريني السلامة ولأن أنطونيوس أيضاً في سفره أبطأ خلاف ما كان يقدر فكان ذلك الزمان مهلة في رياضة نفسي‏.‏

فهذه الأقاويل وغيرها مما لم نورده لطلبة الاختصار فقد بان أن جالينوس كان في أيام هذا الملك وكان عمره في الوقت الذي قدم فيه رومية القدوم الأولى ثلاثين سنة وذلك بدليل قوله في هذا الكتاب المقدم ذكره عند وصفه ما وضعه في الكتب في التشريح قال جالينوس ووضعت أربع مقالات في الصوت كتبتها إلى رجل من الوزراء اسمه بويئس يتعاطى من الفلسفة مذهب فرقة أرسطوطاليس وإلى هذا الرجل كتبت أيضاً خمس مقالات وضعتها في التشريح على رأي أبقراط وثلاث مقالات وضعتها بعدها في التشريح على رأي أرايسطراطس نحوت فيها نحو من يحب الغلبة والظهور على مخاليفه بسبب رجل يقال له مرطياليس وضع مقالتين في التشريح هما إلى هذه الغاية موجودتان في أيدي الناس وقد كان الناس بهما في وقت ما وضعت هذه الكتاب معجبين وكان هذا الرجل حسوداً شديد البغي والمراء على كبر سنه فإنه قد كان من أبناء سبعين سنة وكان هذا الرجل حسوداً شديد البغي والمراد على كبر سنه فإنه قد كان من أبناء سبعين سنة وأكثر فلما بلغه أني سئلت في مجلس عام عن مسألة في التشريح فأعجب بما أجبت به فيها واستحسنه جميع من سمعه وكثر مدح الناس لي عليه سأل عني بعض أصدقائنا بقول من أقول من أهل فرق الطب كلها قال له إني أسمي من ليست نفسه إلى فرقه من الفرق وقال إنه من أصحاب أبقراط ومن أصحاب بركساغورس وغيرهم وإني أختار من مقالة كل قوم أحسن ما فيها‏.‏

واتفق يوماً أني حضرت مجلساً عاماً ليمتحن حذقي بكتب القدماء فأخرج كتاب أرسطراطس في نفث الدم وألقى فيه نامر على العادة الجارية فوقع على الموضع الذي ينهي فيه أرسطراطس عن فصد العرق فزدت في المعاندة لأراسطراطس لِغَمِّ مرطياليس لأنه ادعى أنه من أصحابه فأعجب ذلك القول من سمعه وسألني رجل من أوليائي وأعداء مرطياليس أن أملي الكلام الذي قلته في ذلك المجلس على كاتب له بعث به إلى ماهر بالكتاب الذي يكتب بالعلامات سريعاً في ليقوله لمرطياليس إذا صادفه عند المرضى فلما أشخصني الملك إلى مدينة رومية في المرة الثانية وكان الرجل الذي أخذ مني تلك المقالة قد مات ولا أدري كيف وقعت نسختها إلى كثير من الناس فلم يسرني ذلك لأنه كلام جرى على محبة الغلبة في ذلك الوقت أن لا أخطب في المجالس العامية ولا أباري لأني رزقت من السعادة والنجاح في علاج المرضى أكثر مما كنت أتمنى وذلك أني لما رأيت غير أهل المهنة إذا مدح أحد الأطباء بحسن العبارة سموه طبيب الكلام أحببت أن أقطع ألسنتهم عني فأمسكت عن الكلام سوى ما لا بد منه عند المرضى وعما كنت أفعله من التعليم في المحافل ومن الخطب في المجالس العامية واقتصرت على إظهار مبل‏.‏

قال عبيد اللَّه بن جبرائيل فمن وقت هذا يكون مولد جالينوس في السنة العاشرة من ملك طرينوس الملك لأنه زعم أنه وضعه لكتاب علاج التشريح كان في مقدمه الأول إلى رومية وذلك في ملك أنطونينوس كما ذكرنا وأنه كان له من عمره على ما ذكرنا ثلاثون سنة مضى منها من مدة ملك أدريانوس إحدى وعشرون سنة وكان مدة الملك طرينوس قيصر تسع عشرة سنة وإذا كان هذا هكذا أصبح أن مولد جالينوس كان في السنة العاشرة من ملك طرينوس فتكون المدة التي من صعود المسيح إلى السماء وهي من سنة تسع عشرة من ملك طيباريوس قيصر إلى السنة العاشرة من ملك طرينوس التي ولد فيها جالينوس على موجب التاريخ المذكور ثلاثاً وسبعين سنة وعاش جالينوس على ما ذكره إسحاق بن حنين في تاريخه ونسبه إلى يحيى النحوي سبعا وثمانين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة وعالم معلم سبعين سنة‏.‏

قال إسحاق بين وفاة جالينوس إلى سنة تسعين ومائتين للهجرة وهي السنة التي عمل فيها التاريخ ثمانمائة وخمس عشرة سنة‏.‏

وقال عبد اللَّه بن جبرائيل وينضاف إلى ذلك مما بين هذه السنة التي عملنا فيها هذا الكتاب وهي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة للهجرة الواقعة في سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وأربعين للإسكندر وبين سنة تسعين ومائتين وهو مائة واثنتان وثلاثون سنة فيكون من وفاة جالينوس إلى سنتنا هذه وهي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة تسعمائة وسبع وأربعون سنة وإذا أضيف إلي هذه الجملة عمر جالينوس وما بين مولده إلى صعود المسيح إلى السماء وهو مئة وستون سنة يصبح الجميع أعني من صعود المسيح إلى سنتنا هذه ألف ومائة وسبع سنين الجملة غلط وهي تنقص بالتفصيل ومن مثل هذا التاريخ يضلّ الناس لأنهم يقلدون أصحاب التواريخ فيضلون‏.‏

ووجه الغلط في هذه الجملة يتبين من جهتين إحداهما من تاريخ المسيح والأخرى من تاريخ جالينوس وقد ذكرناهما فيما تقدم ذكراً شافياً فمن أحب امتحان ذلك فليرجع إليه فإنه يتبين له من التفصيل المذكور فإن للمسيح منذ ولد ألف سنة وثماني عشرة سنة وجالينوس تسعمائة وثلاث عشرة سنة وهذا خلف عظيم وغلط بيِّن‏.‏

قال وأنا أستطرف كيف مر مثل هذا مع بيان المواضع التي استدللنا بها من كلام جالينوس ومن أوضاع أصحاب التواريخ الصحيحة واستطرف أيضاً كيف لم ينتبه إلى فصل ورد في كتاب الأخلاق تبين فيه غلط تاريخ هذه المدة فصارت المائة سنة وقد يكون سبب هذا الغلط من النساخ ويستمر حتى تحصل حجة يضل بها من لم يفحص عن حقائق الأمور وهذه نسخة الفصل من كتاب الأخلاق بعينه قال جالينوس‏.‏

وقد رأينا نحن في هذا الزمان عبيداً فعلوا هذا الفعل دون الأحرار لأنهم كانوا في طبائعهم أخياراً وذلك أنه لما مات فرونيموس وكان موته في السنة التاسعة من ملك قومودس وفي سنة خمسمائة وست عشرة من ملك الاسكندر وكان الوزيران في ذلك الوقت ماطروس وإيروس تتبع قوم كثير عددهم وعدت عبيدهم ليفشوا على مواليهم ما فعلوا وهذا خلف عظيم لا سيما لما ذكره إسحاق لأنه يحصل بينه اختلاف عظيم إلى وفاة جالينوس يقتضي بأن تكون على ما ذكره إسحاق من أن عمره كان سبعا وثمانين سنة في هذه السنة المذكورة وهي سنة خمسمائة وست عشرة للاسكندر ويقتضي أن يكون هذا الكتاب آخر ما عمله أعني كتاب الأخلاق لأنه وقت وفاته يجب أن يكون الوقت الذي ذكر فيه أمر العبيد والتاريخ وقد رأيناه ذكره في كتاب آخر يدل على أنه قد عمل بعده وأنه عاش بعد هذا الوقت زمان ما يجوز السنة المذكورة عدته فقد بان تناقض تاريخه وفساد جملته ولو فرضنا الأمر على ما ذكره لم يجب له أن يغفل مثل هذا التاريخ البيين الجلي ويثبت جملة ما تحصل ولا يصح وما يشهد بأن المسيح كان قبل جالينوس بمدة من الزمان ما ذكره جالينوس بمدة من الزمان ما ذكره جالينوس في تفسير كتاب أفلاطون في السياسة المدنية وهذا نص قوله قال جالينوس من ذلك قد نرى القوم الذين يدعون نصارى أنما أخذوا إيمانهم عن الرموز والمعجزة وقد تظهر منهم أفعال المتفلسفين أيضاً وذلك أن عدم جزعهم من الموت وما يلقون بعده أمر قد نره كل يوم وكذلك عفافهم عن الجماع وإن منهم قوماً لا رجال فقط لكن نساء أيضاً قد أقاموا أيام حياتهم ممتنعين عن الجماع ومنهم قوم قد بلغ من ضبطهم لأنفسهم في التدبير في المطعم والمشرب وشدة حرصهم على العدل أن صاروا غير مقصرين عن الذين يتفلسفون بالحقيقة قال عبد اللَّه بن جبرائيل فبهذا القول قد عُلم أن النصارى لم يكونوا ظاهرين في زمن المسيح بهذه الصورة أعني الرهبنة التي نعتها جالينوس وإيثار الانقطاع إلى اللَّه سبحانه وتعالى ولكن بعد المسيح بمائة سنة إنتشروا هذا الانتشار حتى زادوا على الفلاسفة في فعل الخير وآثروا العدل والتفضيل والعفاف وفازوا بتصديق المعجز وحصل لهم الحالان وورثوا المنزلتين واغتبطوا بالسعادتين أعني السعادة الشرعية العقلية فمن هذا وشبهه يتبين تاريخ جالينوس وهذا آخر ما ذكره عبد اللَّه بن جبرائيل من أمر جالينوس ونقلت من خط الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران قال المواضع الذي ذكر جالينوس فيه موسى والمسيح قد ذكر موسى في المقالة الرابعة في كتابه في التشريح على رأي أبقراط إذ يقول هكذا يشبهون من تعين من المتطببين لموسى الذي سن سنناً لشعب اليهود لأن من شأنه أن يكتب كتبه من غير برهان إذ يقول اللَّه أمر واللَّه قال ويذكر موسى في كتاب منافع الأعَضاء ويذكر موسى والمسيح في كتاب النبض الكبير إذ يقول لا الخشبة المتفتلة تستوي ولا الشجرة العتيقة إذا حولت تعلق فيسهل أن يعلم الإنسان أهل موسى والمسيح من أن يعلم الأطباء والفلاسفة الممارين بالأحزاب ويذكر موسى والمسيح في مقالته في المحرك الأول ويقول لو كنت رأيت قوماً يعلمون تلاميذهم كما كان يعلمون أهل موسى والمسيح إذ كانوا يأمرونهم أن يقبلوا كل شيء بالإماتة لم أكن أريكم أحداً وفي مواضع أخر قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل وكان جالينوس من الحكماء اليونانيين الذين كانوا في الدولة القيصرية بعد بنيان رومية ومولده ومنشؤه بفرغامس وهي مدينة صغيرة من جملة مدائن آسيا شرقي قسطنطينية وهي جزيرة في بحر قسطنطينية وهم روم إغريقيون يونانيون ومن تلك الناحية اندفع الجيش المعروف بالقوط من الروم الذين غنموا الأندلس واستوطنوها وذكر لشيذر الإشبيلي الحراني أن مدينة فرغامس كانت موضع سجن الملوك وهنالك كانوا يحبسون من غضبوا عليه قال سأل أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي جبرائيل بن يختيشوع عن مسكن جالينوس أين كان من أرض الروم فذكر أن مسكنه في دهره كان متوسطاً لأرض الروم وأنه في هذا الوقت في طرف من أطرافها وذكر أن حد أرض الروم كان في أيام جالينوس من ناحية الشرق مما يلي الفرات القرية المعروفة بنغيا من طوج الأنبار وكانت المسلحة التي يجتمع فيها جند فارس والروم ونواطيرهما فيها وكان الحد من ناحية دجلة دارا إلا في بعض الأوقات فإن ملوك فارس كانت تغلبهم على ما بين دارا ورأس العين فكان الحد فيما بين فارس والروم من ناحية الشمال أرمينية ومن ناحية المغرب مصر إلا أن الروم كانت تغلب في بعض الأوقات على مصر وعلى أرمينية فلما ذكر جبرائيل غلبة الروم على أرمينية في بعض الأوقات تلقيت قوله بالإنكار وجحدت أن تكون الروم غلبت على أرمينية إلا الموضع الذي يسمى بلسان الروم أرمنيانس فإن الروم يسمون أهل هذا البلد إلى هذه الغاية الأرمن فشهد له علي أبو إسحاق بالصدق وأتى بدليل على ذلك لم أصل إلى دفعه وهو نمط أرمني كأحسن ما رأيت من الأرمن صنعة فيه صور جوار يلعبن في بستان بأصناف الملاهي الرومية وهو مطرز بالرومية مسمى باسم ملك الروم فسلمت لجبرائيل ورجع الحديث إلى القول في جالينوس قال واسم البلد الذي ولد فيه وكان مسكنه سمرنا وكان منزله بالقرب من قرية بينه وبينها فرسخان‏.‏

قال جبرائيل فلما نزل الرشيد على قرة رأيته طيب النفس فقلت له يا سيدي يا أمير المؤمنين منزل أستاذي الأكبر مني على فرسخين فإن رأى أمير المؤمنين أن يطلق لي الذهاب إليه حتى أطعم فيه وأشرب فأصول بذلك على متطببي أهل دهري وأقول أني أكلت وشربت في منزل أستاذي فليفعل فاستضحك من قولي ثم قال لي ويحك يا جبرائيل أتخوف أن يخرج جيش الروم أو منسر فيختطفك فقلت له من المحال أن يقدم الروم على القرب من معسكرك هذا القرب كله فأمر بإحضار إبراهيم بن عثمان بن نهيك وأمره أن يضم إلي خمسمائة رجل حتى أوافي الناحية فقلت يا أمير المؤمنين في خمسين كفاية‏.‏

فاستضحك ثم قال ضم إليه ألف فارس فإنه إنما كره أن يطعمهم ويسقيهم قال فقلت ما لي إلى النظر إلى جالينوس حاجة فازداد ضحكاً ثم قال وحق المهدي لتنفذن ومعك الألف فارس قال جبرائيل فخرجت وأنا من أشد الناس غماً وأكسفهم بالاً قد أعددت لنفسي ما لا يكفي عشرة أنفس من الطعام والشراب قال فما استقر بي الموضع حتى وفاني الخبز والمساليخ والملح فعم من معي فضل كثير فأقمت في ذلك الموضع فطعمت فيه و ومضى فتيان الجند وأغاروا على مواضع خمور الروم ولحومهم فأكلوا اللحم كباباً بالخبز وشربوا عليه الخمر وانصرفت في آخر النهار فسأله أبو إسحاق هل تبين في رسم منزل جالينوس ما يدل على أنه كان له شرف فقال له أما الرسم فكثير ورأيت له أبياتاً شرقية وأبياتاً غربية وأبياتاً قبلية ولم أر له بيتاً فراتياً وكذلك كانت فلاسفة الروم تجعل بيوتها وكذلك كانت ترى عظماء فارس وكذلك أرى أنا إذا أصدقت نفسي وعملت بما يجب لأن كل بيت لا تدخله الشمس يكون وبيئاً وإنما كان جالينوس على حكمته خادماً لملوك الروم وملوك الروم أهل قصد في جميع أمورهم فإذا قست منزل جالينوس إلى منازل الروم رأيت من كبر خطته وكثرة بيوته وإن كنت لم أرها إلا خراباً على أني وجدت فيها أبياتاً مسقفة استدللت على أنه كان ذا مروءة فسكت عنه أبو إسحاق فقلت يا أبا عيسى إن ملوك الروم على ما وصفت في القصد وليس قصدهم في هباتهم وعطاياهم إلا قصدهم في مروءات أنفسهم فالنقص يدخل المخدوم والخادم فإذا نظرت إلى موضع قصر ملك الروم وموضع جالينوس ثم نظرت إلى قصر أمير المؤمنين ومنزلك يكون نسبة وكان جبرائيل أحياناً يعجب مني لكثرة الاستقصاء في السؤال ويمدحني عند أبي إسحاق وأحياناً يغضب منه حتى يكاد أن يطير غيظاً فقال لي وما معنى ذكرك النسبة فقلت له أردت بذكر النسبة أنها لفظة يتكلم بها حكماء الروم وأنت رئيس تلامذة أولئك الحكماء فأردت التقرب إليك بمخاطبتك بألفاظ أستاذيك‏.‏

وإنما معنى قولي نسبة دار جالينوس إلى دار ملك الروم مثل نسبة دارك إلى دار أمير المؤمنين أنه إن كانت دار جالينوس مثل نصف أو ثلث أو ربع أو خمس أو قدر من الأقدار من دار ملك الروم هل يكون قدرها من ملك الروم مثل قدر دارك من دار أمير المؤمنين أو أقل فإن دار أمير المؤمنين إن كانت فرسخاً في فرسخ وقدر دارك عشر فرسخ في عشر فرسخ ودار ملك الروم إن كانت عشر فراسخ في عشر فراسخ ودار جالينوس عشر عشر فرسخ في عشر عشر فرسخ كان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم مثل مقدار دارك من دار أمير المؤمنين سواء‏.‏

فقال لم تكن دار جالينوس كذا وهي أقل مقداراً من داري عند دار أمير المؤمنين بكثير كثير فقلت له تخبرني عما أسأل قال لست آبي عليك فقلت له إنك قد أخبرت عن صاحبك أنه كان أنقص مروءة منك فغضب وقال أنت نوماجذ وكنت أحسب هذه اللفظة فرية فغضب فلما رأى غضبي قال إني لم أقذفك بشيء عليك فيه ضرر ووددت أني كنت نوماجذ هذا اسم ركب من حرفين فارسيين وهما الحدة والإتيان فإنما نوماجذ نوه آمد أي جاد حدته فيقال هذا للحدث ووددت أنا كنا أحداثاً مثلك وإنما أنهاك أن تتقفز تقفز الديوك المحتلمة فإنها ربما نازعتها نفسها إلى منافرة الديوك الهرمة فينقر الديك الهرم الديك المحتلم النقرة فيظهر دماغه فلا تكون للمحتلم بعد ذلك حياة وأنت تعارضني كثيراً المجالس ثم تحكم وتظلم في الحكم‏.‏

وإن عيش جبرائيل وبختيشوع أبيه وجورجس جده لم يكن من الخلفاء وعمومتهم وقراباتهم ووجوه مواليهم وقوادهم وكل هؤلاء ففي اتساع من النعمة باتساع قلوب الخلفاء وجميع أصحاب ملك الروم ففي ضنك من العيش وقلة ذات يد فكيف يمكن أن أكون مثل جالينوس ولم يكن له متقدم نعمة لأن أباه كان زراعاً وصاحب جنات وكروم فكيف يمكن من كان معاشه من أهل هذا المقدار أن يكون مثلي ولي أبوان قد خدما الخلفاء وأفضلوا عليهما وغيرهم ممن هو دونهم وقد أفضل الخلفاء علي ورفعوني من حد الطب إلى المعاشرة والمسامرة فلو قلت أنه ليس لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة ولا قائد ولا عامل إلا وهو يداريني إن لم يكن مائلاً بمحبته إلي وإن كان ماثلاً أو شاكراً لي علي علاج عالجته أو محضر جميل حضرته أو وصف حسن وصفته به عند الخلفاء فنفعه فكل واحد من هؤلاء يفضل علي ويحسن إلي وإذا كان قدر داري من دار أمير المؤمنين على جزء من عشرة أجزاء وكان قدر دار جالينوس من دار ملك الروم على قدر جزء من مائة جزء فهو أعظم مني مروءة فقال له أبو إسحاق أرى حدّتك على يوسف إنما كانت لأنه قدمك في المروءة على جالينوس فقال أجل واللَّه لعن اللَّه من لا يشكر النعم ولا يكافئ عليها بكل ما أمكنه إني واللَّه أغضب أن أسوى بجالينوس في حال من الحالات وأشكر في تقديمه على نفسي في كل الأحوال فاستحسن ذلك منه أبو إسحاق وأظهر استصواباً له وقال هذا لعمري الذي يحسن بالأحرار والأدباء فانكب على قدم أبي إسحاق ليقبلها فمنعه من ذلك وضمه إليه‏.‏

وقال سليمان بن حسان وكان جالينوس في دولة نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة الذين ملكوا رومية وطاف جالينوس البلاد وجالها ودخل إلى مدينة رومية مرتين فسكنها وغزا مع ملكها لتدابير الجرحى وكانت له بمدينة رومية مجالس عامية خطب فيها وأظهر من علمه بالتشريح ما عرف به فضله وبان علمه‏.‏

وذكر جالينوس في كتابه محنة الطبيب الفاضل ما هذا حكايته قال إني منذ صباي تعلمت طريق البرهان ثم إني لما ابتدأت بعلم الطب رفضت اللذات واستخففت بما فيه من عرض الدنيا ورفضته حتى وضعت عن نفسي مؤونة البكور إلى أبواب الناس للركوب معهم من منازلهم وانتظارهم على أبواب الملوك للانصراف معهم إلى منازلهم وملازمتهم ولم أفن دهري واشقِ نفسي في هذا التطواف على الناس الذي يسمونه تسليماً لكن أشغلت نفسي دهري كله بأعمال الطب والروية والفكر فيه وسهرت عامة ليلى في تقليب الكنوز التي خلفها القدماء لنا فمن قدر أن يقول أنه فعل مثل هذا الفعل الذي فعلت ثم كانت معه طبيعة ذكاء وفهم سريع يمكن معها قبول هذا العلم العظيم فواجب أن يوثق به قبل أن يجرب قضاياه وفعله في المرضى ويقضي عليه بأنه أفضل ممن ليس معه ما وصفنا ولا فعل ما عددناه‏.‏

وبهذا الطريق سار رجل من رؤساء الكمريين عند رجوعي إلى مدينة من البلدان التي كنت نزعت إليها على أنه لم يكن تم لي ثلاثون سنة إلى أن ولاني علاج جميع المجروحين من المبارزين في الحرب وقد كان يولي أمرهم قبل ذلك رجلان أو ثلاثة من المشايخ فما أن سئل ذلك الرجل عن طريق المحنة التي امتحنني بها حتى وثق بي فولاني أمرهم قال إني رأيت الأيام التي أفناها هذا الرجل في التعليم أكثر من الأيام التي أفناها غيره من مشايخ الأطباء في تعلم هذا العلم وذلك أني رأيت أولئك يفنون أعمارهم فيما لا ينتفع به ولم أر هذا الرجل يفني يوماً واحداً ولا ليلة من عمره في الباطل ولا يخلو في يوم من الأيام ولا في وقت من الارتياض فيما ينتفع به وقد رأينا أيضاً فعل أفعالاً قريباً هي أصح في الدلالة على حذقه بهذه الصناعة من سنى هؤلاء المشايخ‏.‏

وقد كنت حضرت مجلساً عاماً من المجالس التي تجتمع فهيا الناس لاختبار علم الأطباء فأريت ممن حضر أشياء كثيرة من أمر التشريح وأخذت حيواناً فشققت بطنه حتى أخرجت أمعاءه ودعوت من حضر من الأطباء إلى ردها وخياطة البطن على ما ينبغي فلم يقدم أحد منهم على ذلك وعالجناه نحن فظهر منا فيه حذق ودربة وسرعة كف وفجرنا أيضاً عروقاً كباراً بالتعمد ليجري منها الدم ودعونا مشايخ من الأطباء إلى علاجها فلم يوجد عندهم شيء وعالجتها أنا فتبين لمن كان له عقل ممن حضر أن الذي ينبغي أن يتولى أمر المجروحين من كان معه من الحذق ما معي فلما ولاني ذلك الرجل أمرهم وهو أول من ولاني هذا الأمر اغتبط بذلك وذلك أنه لم يمت من جميع من ولاني أمره إلا رجلان فقط وقد كان مات ممن تولى علاجه طبيب كان قبلي ستة عشر نفساً ثم ولاني بعده أمرهم رجل آخر من رؤساء الكمريين فكان بتوليته إياي أسعد وذلك أنه لم يمت أحد ممن ولانيه على أنه قد كانت بهم جراحات كثيرة جداً عظيمة‏.‏

وإنما قلت هذا لأولة كيف يقدر الممتحن أن يمتحن ويميز بين الطبيب الماهر وبين غيره قبل أن يجرب قوله وعلمه في المرضى ولا يكون امتحانه له كما يمتحن الناس اليوم الأطباء ويقدمون منهم من ركب معهم واشتغل بخدمتهم الشغل الذي لا يمكن معه الفراغ لأعمال الطب بل يكون تقديمه واختياره لمن كان على خلاف ذلك وكان شغله في دهره كله في أعمال الطب لا غيرها قال وإني لأعرف رجلاً من أهل العقل والفهم قدمني من فعل واحد رآني فعلته وهو تشريح حيوان بينت به بأي الآلات يكون الصوت وبأي الحركة منها وكان عرض لذلك الرجل قبل ذلك الوقت بشهرين أن سقط من موضع عال فتكسرت من بدنه أعضاء كثيرة وبطل عامة صوته لا يرجع فما أن رأى مني ذلك الرجل ما رأى وثق بي وقلدني أمر نفسه فأبرأته في أيام قلائل لأني عرفت الموضع الذي كانت الآفة فيه فقصدت له‏.‏

وقال وإني لأعرف رجلاً آخر سقط من دابته فتهشم ثم عولج فبرأ من جميع ما كان ناله خلا أن أصبعين من أصابع كفه وهما الخنصر والبنصر بقيتا خدرتين زماناً طويلاً وكان لا يحس بهما كثير حس ولا يملك حركتهما على ما ينبغي وكان من ذلك أيضاً شيء في الوسط فجعل الأطباء يضعون على تلك الأصابع أدوية مختلفة وكلها لم تنجح وكلما وضعوا دواء انتقلوا منه إلى غيره فلما أتاني سألته عن الموضع الذي قرع الأرض من بدنه فلما قال لي أن الموضع الذي قرع منه هو ما بين كتفيه وكنت قد علمت من التشريح أن مخرج العصبة التي تأتي هاتين الإصبعين أول خرزة فيها بين الكتفين علمت أن أصل البلية هو الموضع الذي تنبت فيه تلك العصبة من النخاع فوضعت على ذلك الموضع الذي تنبت منه تلك العصبة بعض الأدوية التي كانت توضع على الأصابع و بعد أن أمرت فقلعت عن الأصابع تلك الأدوية التي توضع عليها باطلاً فلم يلبث إلا يسيراً حتى برئ وبقي كل من رأى ذلك يتعجب من أن ما بين الكتفين يعالج فتبرأ الأصابع قال وأتاني رجل آخر أصابته آفة في صوته وشهوته للطعام معاً فأبرأته بأدوية وضعتها على رقبته وكان العارض لذلك الرجل ما أصف لك كان به خنازير عظيمة في رقبته في كلا الجانبين فعالجه بعض المعالجين فقطع تلك الخنازير وأورثه بسوء احتياطته برداً في العصبتين المجاورتين للعرقين النابضين الشاخصين في الرقبة وهاتان العصبتان تنبتان في أعضاء كثيرة وتأتي منهما شعبة عظيمة إلى فم المعدة ومن تلك الشعبة تنال المعدة كلها الحس إلا أن أكثر ما في المعدة حساً فمها لكثر ةما ينبت من تلك العصبة التي فيها وشعبة يسيرة من كل واحدة من هاتين العصبتين تحرك واحدة من آلات الصوت ولذلك ذهب صوت ذلك الرجل وشهوته فلما علمت ذلك وضعت على رقبته دواء مسخناً فبرأ في ثلاثة أيام وما أحد رأى هذا الفعل مني ثم صبر لأن يسمع مني الرأي الذي أداني إلى علاجه الاعجب إلا وعلم أن بالأطباء إلى التشريح أعظم الحاجة‏.‏

وقال جالينوس في كتابه في الأمراض العسرة البرء إنه كان ماراً بمدينة رومية إذ هو برجل خلق حوله جماعة من السفهاء وهو يقول أنا رجل من أهل حلب لقيت جالينوس وعلمني علومه أجمع وهذا دواء ينفع من الدود في الأضراس وكان الخبيث قد أعد بندقاً من قار وقطران وكان يضعها على الجمر ويبخر بها صاحب الأضراس المدودة بزعمه فلا يجد بداً من غلق عينيه فإذا أغلقهما دس في فمه دوداً قد أعدها في حق ثم يخرجها من فم صاحب الضرس فلما فعل ذلك ألقى إليه السفهاء بما معهم ثم تجاوز ذلك حتى قطع العروق على غير مفاصل‏.‏

قال فلما رأيت ذلك أبرزت وجهي للناس وقلت أنا جالينوس وهذا سفيه ثم حذرت منه واستعديت عليه السلطان فلطمه‏.‏

ولذلك ألف كتاباً في أصحاب الحيل وقال جالينوس في كتاب قاطاجانس أنه دبر في الهيكل بمدينة رومية في نوبة الشيخ المقدم الذي كان في الهيكل الذي كان يداوي الجرحى وذلك الهيكل هو البيمارستان - فبرأ كل من دَبَره من الجرحى قبل غيرهم وبان بذلك فضله وظهر علمه وكان لا يقنع من علم الأشياء بالتقليد دون المباشرة قال المبشر بن فاتك وسافر جالينوس إلى أثينية ورومية والاسكندرية وغيرها من البلاد في طلب العلم وتعلم من أرمنيس الطب وتعلم أولاً من أبيه ومن جماعة مهندسين ونحاة الهندسة واللغة والنحو وغير ذلك ودرس الطب أيضاً على امرأة اسمها قلاوبطر وأخذ عنها أدوية كثيرة ولا سيما ما تعلق بعلاجات النساء وشخص إلى قبرس ليرى القلقطار في معدنه وكذلك شخص إلى جزيرة لمنوس ليرى عمل الطين المختوم فباشر كل ذلك بنفسه وصححه برؤيته وسافر أيضاً إلى مصر وأقام بها مدة فنظر عقاقيرها ولا سيما الأفيون في بلد أسيوط من أعمال صعيدها ثم خرج متوجهاً منها نحو بلاد الشام راجعاً إلى بلده فمرض في طريقه ومات بالفرما وهي مدينة على البحر الأخضر في آخر أعمال مصر‏.‏

وقال المسعودي في كتاب المسالك والممالك أن الفرما على شط بحيرة تنيس وهي مدينة حصينة وبها قبر جالينوس اليوناني وقال غيره أنه لما كانت ديانة النصرانية قد ظهرت في أيام جالينوس قيل له أن رجلاً ظهر في آخر دولة قيصر اكتفيان ببيت المقدس يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فقال يوشك أن تكون عنده قوة إلهية يفعل بها ذلك فسأل إن كان هناك بقية ممن صحبه فقيل له نعم فخرج من رومية يريد بيت المقدس فجاز إلى صقلية وهي يومئذ تسمى سلطانية فمات هنالك وقبره بصقلية ويقال أن العلة التي مات بها الذرب‏.‏

وحكي عنه أنه لما طالت به العلة عالجها بكل شيء فلم ينجح فقالت تلاميذه أن الحكيم ليس يعرف علاج علته وقصروا في خدمته فأحس بذلك منهم وكان زماناً صائفاً فأحضر جرة فيها ماء وأخرج شيئاً فطرحه فيها وتركها ساعة وكسرها وإذا بها قد جمدت فأخذ من ذلك الدواء فشربه واحتقن به فلم ينفع فقال لتلاميذه هل تعلمون لم فعلت هذا قالوا لا قال لئلا تظنوا أني قد عجزت عن علاج نفسي فهذه علة تسمى داء مدد يعني الداء الذي لا دواء له وهو الموت وهذه الحكاية أحسبها مفتعلة عن جالينوس‏.‏

 

صفة تجميد الماء

وذكر ابن بختويه في كتاب المقدمات صفة لتجميد الماء في غير وقته زعم أنه إذا أخذ من الشب اليماني الجيد رطل ويسحق جيداً ويجعل في قدر فخار جديدة ويلقي عليه ستة أرطال ماء صاف ويجعل في تنور ويطين عليه حتى يذهب منه الثلثان ويبقى الثلث لا يزيد ولا ينقص فإنه يشتد ثم يرفع في قنينة ويسد رأسها جيداً فإذا أردت العمل به أخذت ثلجية جديدة وفيها ماء صاف واجعل في الماء عشرة مثاقيل من الماء المعمول بالشب ويترك ساعة واحدة فإنه يصير ثلجاً وكذلك أيضاً زعم بعض المغاربة في صفة تجميد الماء في الصيف قال أعمد إلى بزر الكتان فأنقعه في خل خمر جيد ثقيف فإذا جمد فيه فألقه في جرة أو حب مليء ماء قال فإنه يجمد ما كان فيه من الماء ولو أنه في حزيران أو تموز‏.‏

قال أبو الوفاء المبشر بن فاتك وكان جالينوس يعتني به أبوه العناية البالغة وينفق عليه النفقة الواسعة ويجري على المعلمين الجراية الكثيرة ويحملهم إليه من المدن البعيدة وكان جالينوس من صغره مشتهياً للعلم البرهاني طالباً له شديد الحرص والاجتهاد والقبول للعلم وكان لحرصه على العلم يدرس ما علّمه المعلم في طريقه إذا انصرف من عنده حتى يبلغ إلى منزله وكان الفتيان الذين كانوا معه في موضع التعليم يلومونه ويقولون له يا هذا ينبغي أن تجعل لنفسك وقتاً من الزمان تضحك معنا فيه وتلعب فربما لم يجبهم لشغله بما يتعلمه وربما قال لهم ما الداعي لكم إلى الضحك واللعب فيقولون شهوتنا إلى ذلك فيقول والسبب الداعي لي إلى ترك ذلك وإيثاري العلم بغضي لما أنتم عليه ومحبتي لما أنا فيه فكان الناس يتعجبون منه ويقولون لقد رزق أبوك مع كثرة ماله وسعة جاهه ابناً حريصاً على العلم وكان أبوه من أهل الهندسة وكان مع ذلك يعاني صناعة الفلاحة وكان جده رئيس النجارين وكان جد أبيه ماسحاً‏.‏

وقال جالينوس في كتابه في اليموس الجيد والرديء أن أباه مات ولجالينوس من العمر عشرون سنة وهذا ما ذكره في ذلك الموضع من حاله قال إنك إن أردت تصديقي أيها الحبيب فصدقني فإنه ليس لي علة ولا واحدة تضطرني إلى الكذب فإني ربما غضبت إذا رأيت ناساً كثيرين من أهل الأئمة في الحكمة وفي الكرامة قد كذبوا كثيراً في كتبهم التي وصفوا بها علم الأشياء فأما أنا فإني أقول ولا أكذب إلا ما قد عاينت بنفسي وجربت وحدي في طول الزمان واللّه يشهد لي أني لست أكذب فيما أقص عليكم أنه قد كان لي أب حكيم فاضل قد بلغ من علم الأمور بلوغاً ليست من ورائه غاية أقول من علم المساحة والهندسة والمنطق والحساب والنجوم الذي يسمى أسطرونميا وكان أهل زمانه يعرفونه بالصدق والوفاء والصلاح والعفاف وبلغ من هذه الفضائل التي ذكرت ما لم يبلغها أحد من حكماء أهل زمانه وعلمائهم وكان القيم علي وعلى سياستي وأنا حدث صغير فحفظني اللّه على يديه بغير وجع ولا سقم وإني لما راهقت أو زدت توجه أبي إلى ضيعة له وخلفني وكان محباً لعلم الأكرة فكنت في تعليمي وأدبي أفوق أصحابي المتعلمين عامة وأتقدّمهم في العلم وأتركهم خلفي وأجتهد ليلاً ونهاراً على التعليم فتناولت يوماً مع أصحابي فاكهة وتاملأت بها فلما كان أول دخول فصل الخريف مرضت مرضاً حاداً فاحتجت إلى فصد العرق وقدم والدي علي في تلك الأيام ودخل المدينة وجاء إلي فانتهرني وذكرني بالتذكير والسياسة والغذاء الذي كان يغذوني به وأنا صبي ثم أمرني وتقدم إلي فقال إتق من الآن وتحفظ وتباعد من شهوات أصحابك الشباب وكثرتها وإلحاحهم واقتحامهم فلما كان الحول المقبل حرص أبي بحفظ غذائي والزمنيه ودبرني أيضاً وساسني سياسة موافقة فلم أتناول من الفاكهة إلا اليسير منها وأنا يومئذ ابن تسع عشرة سنة فخرجت سنتي تلك بلا مرض ولا أذى ثم أنه نزل بأبي بعد تلك السنة الموت فجلست أيضاً مع أصحابي وإخواني من أولئك الشباب فأكلت الفاكهة وأكثرت وتملأت أيضاً فمرضت مرضاً شبيهاً بمرضي الأول فاحتجت أيضاً إلى فصد العرق ثم لزمتني الأمراض بعد تلك السنة سنيناً متتابعة وربما كان ذلك غُباً سنة بعد سنة إلى أن بلغت ثمانياً وعشرين سنة ثم أني اشتكيت شكاية شديدة ظهرت بي دبيلة في الموضع الذي يجتمع فيه الكبد مع ذيافرغما - وهو الحجاب الحاجز ما بين الأعضاء المتنفسة والأعضاء الفعالة للغذاء - 0 فعزمت حينئذ على نفسي أن لا أقرب بعد ذلك شيئاً من الفاكهة الرطبة إلا ما كان من التين والعنب وهذان إذا كانا نضيجين وتركت الإكثار منهما أيضاً فوق القدر والطاقة وكنت أتناول منهما قدراً ولا أجاوزه وقد كان لي أيضاً صاحب أمَسَّ مني فوافقني وواساني في العزم الذي عزمت عليه من ترك الفاكهة والتباعد فألزمنا أنفسنا الضمور وتوقي التخم والشبع من الأغذية فبقينا جميعاً معاً بغير وجع ولا سقم إلى يومنا هذا سنينا كثيرة ثم لما رأيت ذلك عمدت إلى أخلائي وأخذاني ومحبي من إخواني فألزمتهم الضمور والغذاء بقدر واعتدال فصحوا ولم يعرض لهم شيء مما أكره إلى يومي هذا فمنهم من لزمته الصحة إلى يومنا هذا خمساً وعشرين سنة ومنهم من لزمته الصحة خمس عشر ومنهم من لزمته السلامة أقل من ذلك وأكثر من أطاعني ولزم الغذاء على قدر ما قدّرت له من ذلك وتباعد من الفاكهة الرطبه وغيرها من الأغذية الرديئة الكيموسات‏.‏

وقال في كتابه في علاج التشريح بأنه دخل رومية في المرة الأولى في ابتداء ملك أنطونينوس الذي ملك بعد أدريانوس وصنف كتاباً في التشريح لبواثيوس المظفر الذي كان والياً على الروم عندما أراد أن يخرج من مدينة رومية إلى مدينته التي يقال لها بطولومايس وسأله أن يزوده كتاباً في التشريح وصنف أيضاً في التشريح مقالات وهو مقيم بمدينة سمرنا عند باليس معلمه الثاني بعد ساطورس تلميذ قوينطوس ومضى إلى قورنتوس بسبب إنسان آخر مذكور كان تلميذاً لقونطس يقال له إفقيانوس وسار إلى الإسكندرية لما سمع أن هناك جماعة مذكورين من تلامذة قونطوس ومن تلامذة نوميسيانوس ثم رجع إلى موطنه فرغامس من بلاد آسيا ثم سار إلى رومية وشرّح برومية تلامذة نوميسيانوس ثم رجع إلى موطنه فرغامس من بلاد آسيا ثم سار إلى زومية وشرّح برومية قدام بواثيوس وكان يحضره دائماً أوذيموس الفيلسوف من فرقة المشائين وقد كان يحضرهم الذين يتولى في مدينة رومية وهو سرجيوس بولوس فإنه في أمور الحكمة كلها كان أولى بالقول والفعل جميعاً‏.‏

وقال جالينوس في بعض كتبه إنه دخل الاسكندرية في أول دفعة ورجع عنها إلى فرغامس موطنه وموطن آبائه وعمره ثمان وعشرون سنة وقال في كتابه في فينكس كتبه أنه كان رجوعه من رومية إلى بلاده وقد مضى من عمره سبع وثلاثون سنة وقال في كتابه في نفس الغم أنه احترق له في الخزائن العظمى التي كانت للملك بمدينة رومية كتب كثيرة وأثاث له قدر بمبلغ عظيم وكان بعض النسخ المحترقة بخط أرسطوطاليس وبعضها بخط أنكساغورس وأندروماخس وصحح قراءتها على معلميه الثقات وعلى من رواها عن أفلاطون وسافر إلى مدن بعيدة حتى صحح أكثرها‏.‏

وذكر أن من جملة ما ذهب له في هذا الحريق أيضاً أشياء كثيرة قد ذكرها في كتابه يطول حصرها وقال المبشر بن فاتك أن من جملة مااحترق لجالينوس في هذا الحريق كتاب روفس في التريقات والسموم وعلاج السموم وتركيب الأدوية بحسب العلة والزمان وإن من عزته عنده كتبه في ديباج أبيض بقز أسود وأنفق عليه جملة كثيرة أقولوبالجملة فإنه لجالينوس أخباراً كثيرة جداً وحكايات مفيدة لمن يتأملها ونبذاً ونوادر متفرقة في خلال كتبه وفي أثناء الأحاديث المنقولة عنه وقصصاً كثيرة مما جرى له في مداواة المرضى مما يدل على قوته وبراعته في صناعة الطب لم يتهيأ لي حينئذ أن أذكر جميع ذلك في هذا الموضع وفي عزمي أن أجعل لذلك كتاباً مفرداً وقد ذكر جالينوس في فينكس كتبه أنه صنف مقالتين وصف فيهما سيرته فأما العلاجات البديعة التي حصلت لجالينوس ونوادره في تقدمة المعرفة التي تفرد بها عندما تقدم فأنذر بحدوثها فكانت على ما وصفه فإنا وجدناه قد ذكر من ذلك جملاً في كتاب مفرد كتبه إلى أفيجانس ووسمه بكتاب نوادر تقدمة المعرفة وهو يقول في كتابه هذا إن الناس كانوا يسمُّوني أولاً لجودة ما يسمعونه مني في صناعة الطب المتكلم بالعجائب فلما ظهرت لهم المعجزات التي كانوا يجدونها في معالجتي سموني الفاعل للعجائب‏.‏

وقال في كتابه في محنة الطبيب الفاضل ما هذه حكايته قال ولم أعلم أحداً ممن بالحضرة إلا وقد علم كيف داوينا الرجل الذي كان يضره كل شياف يكتحل به حتى برأ وكانت في عينه قرحة عظيمة مؤلمة وكان مع ذلك الغشاء العنبي قد نتأ فتأنيت لذلك حتى سكن والقرحة حتى اندملت من غير أن أستعمل فيها شيئاً من الشيافات فاقتصرت على أني كنت أهيئ له في كل يوم ثلاثة مياه أحدها ماء قد طبخت فيه حلبة والآخر ماء قد طبخت فيه ورداً والآخر ماء قد طبخت فيه زعفراناً غير مطحون وقد رأى جميع الأطباء الذين بالحضرة وأنا استعمل هذه المياه فلم يقدر أحد منهم أن يتمثل استعمالي إياها وذلك لأنهم لا يعرفون الطريق ولا المقدار الذي يحتاج أن يقدر في كل يوم من كل واحد من هذه المياه على حسب ما تحتاج إليه العلة وذلك أن تقدير ما كان لتلك المياه عند شدة الوجع وغلبته بنوع وعند تقور النتوء بنوع وعند كثرة الوسخ في القرحة أو الزيادة في عفنها بنوع ولم أستعمل شيئاً سوى هذه المياه وبلغت إلى ما أردت من سكون نتوء الغشاء العنبي الذي كان نتأ وتسكين الوجع وتنقية القرحة في وقت ما كان الوسخ كثيراً فيها وإنبات اللحم فيها في وقت ما كانت عميقة واندمالها في وقت ما امتلأت ولست أخلو في يوم من الأيام من أن أبين من مبلغ الحذق بهذه الصناعة ما هذا مقداره في العظم أو شبيه به وأكثر من يرى هذه من الأطباء لا يعلم أين هو مكتوب فضلاً عما سوى ذلك وبعضهم إذ رأى ذلك لقبني البديع الفعل وبعضهم البديع القول مثل قوم من كبار أطباء رومية حضرتهم في أول دخلة دخلتها عند فتى محموم وهم يتناظرون في فصده ويختصمون في ذلك فما إن طال كلامهم قلت لهم إن خصومتكم فضل والطبيعة عن قريب ستفجر عرقاً ويستفرغ من المنخرين الدم الفاضل في بدن هذا الفتى فلم يلبثوا أن رأوا ذلك عياناً فبهتوا في ذلك الوقت ولزموا الصمت وأكسبني ذلك من قلوبهم البغضة ولقبوني البديع القول حضرت مرة أخرى مريضاً وقد ظهرت فيه علامات بينة جداً تدل على الرعاف فلم أكتف بأن أنذرت بالرعاف حتى قلت أنه يكون من الجانب الأيمن فلامني من حضر ذلك من الأطباء وقالوا حسبنا ليس بنا حاجة إلى أن تبين لنا فقلت لهم وأراكم مع ذلك أنكم عن قريب سيكثر اضطرابكم ويشتد وجلكم من الرعاف الحادث لأنه سيعسر احتباسه وذلك أني لست أرى طبيعته تقوى على ضبط المقدار الذي يحتاج إليه من الاستفراغ والوقوف عنده فكان الأمر على ما وصفته ولم يقدر أولئك الأطباء على حبس الدم لأنهم لم يعلموا من أين ابتدأ حين ابتدأت حركته وقطعته أنا بأهون السعي فسماني أولئك الأطباء البديع الفعل‏.‏

وحكى أيضاً من هذا الجنس مما يدل على براعته وقوته في صناعة الطب في كتابه هذا ما هذه حكايته قال وقد حضرت مرة مع قوم من الأطباء مريضاً قد اجتمعت عليه نزلة من ضيق نفس فتركت أولئك الأطباء أولاً يسقونه الأدوية التي ظنوا أنه ينتفع بها فسقوه أولاً بعض الأدوية التي تنفع من السعال والنزلة وهذه الأدوية تشرب عند طلب المريض النوم وذلك أنها تجلب طرفاً من السبات حتى أنها تنفع من به أرق وسهر فنام ليلته تلك بأسرها نوماً ثقيلاً وسكن عنه السعال وانقطعت عنه النزلة إلا أنه جعل يشكو ثقلاً يجده في آلة النفس وأصابه ضيق شديد في صدره ونفسه فرأى الأطباء عند ذلك أنه لا بد من أن يسقوه شيئاً مما يعين على نفث ما في رئته فلما تناول ذلك قذف رطوبات كثيرة لزجة ثم أن السعال عاوده في الليلة القابلة وسهر وجعل يحس بشيء رقيق ينحدر من رأسه إلى حلقه وقصبة رئته فاضطروا في الليلة القابلة أن يسقوه ذلك الدواء المنوم فسكن عنه عند ذلك النزلة والسعال والسهرة إلا أن نفسه ازداد ضيقاً وساءت حاله في الليلة القابلة سوءاً فلم تجد الأطباء معه بداً من أن يسقوه بعض الأدوية الملطفة المقطعة لما في الرئة فلما أن شرب ذلك نقيت رئته إلا أنه عرض له من السعال ومن كثرة الربو ومن الأرق بسببهما ما لم يقو على احتماله فلما علمت أن الأطباء قد تحيروا ولم يبق عندهم حيلة سقيته بالعشي دواء لم يهج به سعالاً ولا نزلة وجلب له نوماً صالحاً وسهل عليه قذف ما فيه رئتيه وسلكت بذلك المريض هذه الطريق فأبرأته من العلتين جميعا في أيام يسيرة على أنهما علتان متضادتان فيما يظهر ويتبين من هذا لمن يريده أن من قال من الأطباء أنه لا يمكن أن يبرأ بدواء مرضان متضادان لم يصب وأنا أول من استخرج استعمال هذه الأدوية واستعمال الأدوية التي تعالج بها القرحة العارضة في الرئة من قبل نزلة تنحدر إليها من الرأس وغير ذلك من أدوية كثيرة سأبين طريق استعمالها في كتاب تركيب الأدوية‏.‏

وقال جالينوس في كتابه في أن الأخيار من الناس قد ينتفعون بإعدائهم من شرح حاله ما هذا نصه قال فإني لم أطلب من أحد من تلاميذي أجرة ولا من مريض من المرضى الذين أعالجهم وإني أعطي المرضى كل ما يحتاجون إليه لا من الأدوية فقط أو من الأشربة أو من الأدهان أو غير ذلك مما أشبهه لكني أقيم عليهم من يخدمهم أيضاً إذا لم يكن لهم خدم وأهيئ لهم مع ذلك أيضاً ما يغتذون به قال وإني وصلت كثيراً من الأطباء بأصدقاء كانوا لي توجهوا في عساكر وأطباء أخر أيضاً كثير عددهم ضممتهم إلى قوم من أهل القدر لم آخذ من أحد منهم على ذلك رشوة أو هدية بل كنت أهب لقوم منهم بعض الآلات والأدوية التي يحتاجون إليها وبعض لم أكن أقتصر به على ذلك فقط لكني كنت أزوده ما يحتاج إليه من النفقة في طريقه‏.‏

صفة جالينوس وأخلاقه

وقال المبشر بن فاتك إن جالينوس كان أسمر اللون حسن التخاطيط عريض الأكتاف واسع الراحتين طويل الأصابع حسن الشعر محباً للأغاني والألحان وقراءة الكتب معتدل المشية ضاحك السن كثير الهذر قليل الصمت كثير الوقوع في أصحابه وكثير الأسفار طيب الرائحة نقي الثياب وكان يحب الركوب والتنزه مداخلاً للملوك والرؤساء من غير أن يتقيد في خدمة أحد من الملوك بل أنهم كانوا يكرمونه وإذا احتاجوا إليه في مداواة شيء من الأمراض الصعبة دفعوا له العطايا الكثيرة من الذهب وغيره في برئها وذكر ذلك في كثير من كتبه وإنه كان إذا تطلّبه أحد من الملوك أن يستمر في خدمته سافر من تلك المدينة إلى غيرها لئلا يشتغل بخدمة الملك عما هو بسبيله‏.‏

وذكروا أن الأصل كان في اسم جالينوس غالينوس ومعناه الساكن أو الهادي وقيل أن ترجمة وقال أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتاب الحاوي أنه ينطلق في اللغة اليونانية أن ينطق بالجيم غيناً وكافاً فيقال مثلاً جالينوس غالينوس وكالينوس وكل ذلك جائز وقد تجعل الألف واللام لاماً مشددة فيكون ذلك أصح في اليونانية‏.‏

أقول وهذه فائدة تتعلق بهذا المعني وهي حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال حدثني ابنا غاثون المطران بشوبك وإنه أعلم أهل زمانه بمعرفة لغة الروم القديمة وهي اليونانية إن في لغة اليونان كل ما كان من الأسماء الموضوعة من أسماء الناس وغيرهم فآخرها سين مثل جالينوس وديسقوريدس وإنكساغورس وأرسطوطاليس ديوجانيس وأريباسيوس وغير ذلك وكذلك مثل قولهم قاطيغورياس وباريمينياس ومثل أسطوخودس وأناغالس فإن السين التي في آخر كل كلمة حكمها في لغة اليونانيين مثل التنوين في لغة العرب الذي هو في آخر الكلمة مثل قولك زيدٌ وعمرٌ وخالدٌ وبكرٌ وكتابٌ وشجرٌ فتكون النون التي تتبين في آخر التنوين مثل السين في لغة أولئك‏.‏

أقول ويقع لي أن من الألفاظ التي في لغة اليونانيين وهي قلائل ما لا يكون في آخره سين مثل سقراط وإفلاطن وأغاثاذيمون وأغلوقن وتامور وياغات وكذلك من غير أسماء الناس مثل أنالوطيقيا ونيقوماخيا والريطورية ومثل جند بيرستر وترياق فإن هذه الأسماء تكون في لغة اليونانيين لا يجوز عندهم تنوينها فتكون بلا سين وذلك مثل ما عندنا في لغة العرب أن من الأسماء ما لا ينون وهي الأسماء التي لا تنصرف مثل إسماعيل وإبراهيم وأحمد ومساجد ودنانير فتكون هذه كتلك واللَّه أعلم‏.‏

وقد مدح أبو العلاء بن سليمان المعري في كتاب الاستغفار كتب جالينوس ومدوني الطب فقال سقيا ورعيا لجالينوس من رجل ورهط بقراط غاضوا بعد أو زادوا فكل ما أصّلوه غير منتقض به استغاث أُول سقمٍ وعُوّاد كتُب لطاف عليهم خفَّ محملها لكنها في شفاء الداء أطوادَ ومن ألفاظ جالينوس وآدابه ونوادره الحكمية مما ذكره حنين ابن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء وآداب المعلمين القدماء قال جالينوس الهم فناء القلب والغم مرض القلب ثم بين ذلك قال الغم بما كان والهم بما يكون وفي موضع آخر الغم بما فات والهم بما هو آت فإياك والغم فإن الغم ذهاب الحياة ألا ترى إن الحي إذا غُمَّ وجبةً تلاشى من الغم‏.‏

قال في صورة القلب إن في القلب تجويفين أيمن وأيسر وفي التجويف الأيمن من الدم أكثر من الأيسر وفيهما عرقان يأخذان إلى الدماغ فإذا عرض للقلب ما لا يوافق مزاجه انقبض فانقبض لانقباضه العرقان فتشنج لذلك الوجه وألِمَ له الجسد وإذا عرض له ما يوافق مزاجه انبسط وانبسط العرقان لانبساطه قال وفي القلب عُرَيق صغير كالإنبوبة مطل على شغاف القلب وسويدائه فإذا عرض للقلب غم انقبض ذلك العُريق فقطر منه دم على سويداء القلب وشغافه فيعصر عنه ذلك من العرقين دم يتغشاه فيكون ذلك عصراً على القلب حتى يحس ذلك في القلب والروح والنفس والجسم كما يتغشى بخار الشراب الدماغ فيكون منه السكر‏.‏

وقيل إن جالينوس أراد امتحان ذلك فأخذ حيواناً ذا حس فغمه أياماً ولما ذبحه وجد قلبه ذابلاً نحيفاً قد تلاشى أكثره فاستدل بذلك على أن القلب إذا توالت عليه الغموم وضاقت به الهموم ذبل ونحل فحذر حينئذ من عواقب الغم والهم‏.‏

وقال لتلاميذه من نصح الخدمة نصحت له المجازات وقال لهم لا ينفع علمٌ مَن لا يعقله ولا عقلٌ مَن لا يستعمله‏.‏

وقال في كتاب أخلاق النفس كما أنه يعرض للبدن المرض والقبح فالمرض مثل الصرع والشوصة والقبح مثل الحب وتسقط الرأس وقرعه كذلك يعرض للنفس مرض وقبح فمرضها كالغضب وقبحها كالجهل‏.‏

وقال العلل تجيء على الإنسان من أربعة أشياء من علة العلل ومن سوء السياسة في الغذاء ومن الخطايا ومن العدو أبليس وقال الموت من أربعة أشياء موت طبيعي وهو موت الهرم وموت مرض وشهوة مثل من يقتل نفسه أو يقاد منه وموت الفجأة وهو بغتة وقال وقد ذكر عنده القلم القلم طبيب المنطق‏.‏

ومن كلامه في العشق قال العشق استحسان ينضاف إليه طمع وقال العشق من فعل النفس وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد وفي الدماغ ثلاث قوى التخيل وهو في مقدم الرأس والفكر وهو في وسطه والفكر وهو في مؤخره وليس يكمل أحد اسم عاشق حتى يكون إذا فارق من يعشقه لم يَخل من تخيله وفكره وذكره وقلبه وكبده فيمنع من الطعام والشراب باشتغال الكبد ومن النوم باشتغال الدماغ بالتخييل والذكر له والفكر فيه فيكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به فمتى لم تشتغل به وقت الفراق لم يكن عاشقاً فإذا لقيه خلت هذه المساكن‏.‏

قال حنين بن إسحاق وكان منقوشاً على فص خاتم جالينوس من كتم داءه أعياه شفاؤه‏.‏

ومن كلام جالينوس مما ذكره أبو الوفاء المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم قال جالينوس لِنْ تنل واحلم تنبل ولا تكن معجباً فتُمتهن وقال العليل الذي يشتهي أرجى من الصحيح الذي لا يشتهي وقال لا يمنعك من فعل الخير ميل النفس إلى الشر وقال رأيت كثيراً من الملوك يزيدون في ثمن الغلام المتأدب باللوم والصناعات وفي ثمن الدواب الفاضلة في أجناسها ويُغفلون أمر أنفسهم في التأدب حتى لو عُرض على أحدهم غلام مثله ما اشتراه ولا قبله فكان من أقبح الأشياء عندي أن يكون المملوك يساوي الجملة من المال والمالك لا يجد من يقبله مجاناً وقال كان الأطباء يقيمون أنفسهم مقام الأمراء والمرضى مقام المأمورين الذين لا يتعدون ما حُدَّ لهم فكان الطب في أيامهم أنجع فلما حال الأمر في زماننا فصار العليل بمنزلة الأمير والطبيب بمنزلة المأمور وخدم الأطباء رضا الإعلاء وتركوا خدمة أبدانهم فقل الانتفاع بهم وقال أيضاً كان الناس قديماً يجتمعون على الشراب والغناء فيتفاضلون في ذكر ما تعمله الأشربة في الأمزجة والألحان في قوة الغضب وما يرد كل واحد منها من أنواعه وهم اليوم إذا اجتمعوا فإنما يتفاضلون بعظم الأقداح التي يشربونها وقال من عود من صباه القصد في التدبير كانت حركات شهواته معتدلة فأما من اعتاد أن لا يمنع شهواته منذ صباه ولا يمنع نفسه شيئاً مما تدعوه إليه فذلك يبقى شرهاً وذلك إن كل شيء يكثر الرياضة في الأعمال التي تخصه يقوى وكل شيء يستعمل السكون يضعف وقال من كان من الصبيان شرهاً شديد القحة فلا ينبغي أن يطمع في صلاحه البتَّة ومن كان منهم شرهاً ولم يكن وقحاً فلا ينبغي أن يؤيس من صلاحه ويقدِّر أنه إن تأدب يكون إنساناً عفيفاً وقال الحياء خوف المستحي من نقص يقع به عند من هو أفضل منه وقال يتهيأ للإنسان أن يصلح أخلاقه إذا عرف نفسه فإن معرفة الإنسان نفسه هي الحكمة العظمى وذلك أن الإنسان لإفراط محبته لنفسه بالطبع يظن بها من الجميل ما ليست عليه حتى أن قوماً يظنون بأنفسهم أنهم شجعاء وكرماء وليسوا كذلك فأما العقل فيكاد أن يكون الناس كلهم يظنون بأنفسهم التقدم فيه وأقرب الناس إلى أن يظن ذلك بنفسه أقلهم عقلاً وقال العادل من قدر على أن يجور فلم يفعل والاقل من عرف كل واحد من الأشياء التي في طبيعة الإنسان معرفتها على الحقيقة وقال العجب ظن الإنسان بنفسه أنه على الحال التي تحب نفسه أن يكون عليها من غير أن يكون عليها وقال كما أن من ساءت حال بدنه من مرض به وهو ابن خمسين سنة ليس يستسلم ويترك بدنه حتى يفسد ضياعاً بل يلتمس أن يصح بدنه وإن لم يفد صحة تامة كذلك ينبغي لنا أن لا نمتنع من أن نزيد أنفسنا صحة على صحتها وفضيلة على فضيلتها وإن كنا لا نقدر أن نلحقها بفضيلة نفس الحكيم‏.‏

وقال يتهيأ للإنسان أن يسلم من أن يظن بنفسه أنه أعقل الناس إذا قلد غيره امتحان كل ما ورأى رجلا تعظمه الملوك لشدة جسمه فسأل عن أعظم ما فعله فقالوا إنه حمل ثوراً من وسط الهيكل حتى أخرجه إلى خارج فقال لهم فقد كانت نفس الثور تحمله ولم تكن لها في حمله فضيلة ونقلت من كلام جالينوس أيضاً من مواضع أخر قال جالينوس إن العليل يتروح بنسيم أرضه كما تروح الأرض الجدية ببل القطر وسئل عن الشهوة فقال بلية تعير لا بقاء لها وقيل له لِمَ تحضرُ مجالس الطرب والملاهي قال لأعرف القوى والطبائع في كل حال من منظر ومسمع وقيل له متى ينبغي للإنسان أن يموت قال إذا جهل ما يضره مما ينفعه ومن كلامه أنه سئل عن الأخلاط فقيل له ما قولك في الدم قال عبد ملوك وربما قتل العبد مولاه قيل له فما قولك في الصفراء فقال كلب عقور في حديقة قيل له فما قولك في البلغم قال ذلك الملك الرئيس كلما أغلقت عليه باباً فتح لنفسه بابا قيل له فما قولك في السوداء قال هيهات تلك الأرض إذا تحركت تحرك ما عليها ومن ذلك أيضاً قال أنا ممثل لك مثالاً في الأخلاط الأربعة فأقول إذا مثل الصفراء وهي المرَّة الحمراء كمثل امرأة سليطة صالحة تقية فهي تؤذي بطول لسانها وسرعة غضبها إلا أنها ترجع سريعاً بلاغائلة ومَثَلُ الدم كمثل الكلب الكلب فإذا دخل دارك فعاجله أما بإخراجه أو قتله ومَثَل البلغم إذا تحرك في البدن مثل مَلك دخل بيتك وأنت تخاف ظلمه وجوره وليس يمكن أن تخرق به وتؤذيه بل يجب أن ترْفق به وتخرجه ومثل السوداء في الجسد مثل الإنسان الحقود الذي لا يُتوهم فيه بما في نفسه ثم يثب وثبة فلا يبقى مكروهاً إلا ويفعله ولا يرجع إلا بعد الجهد الصعب ومن تمثيلاته الطريفة أيضاً قال الطبيعة كالمُدَّعي والعلة كالخصم والعلامات كالشهود والقارورة والنبض كالبيِّنة ويوم البُحران كيوم القضاء والفصل والريض كالمتوكِّل والطبيب كالقاضي وقال في تفسيره لكتاب إيمان أبقراط وعهده كما أنه لا يصلح اتخاذ التمثال من كل حجر ولا ينتفع بكل باب في محاربة السباع وكذلك أيضاً لا نجد كل إنسان يصلح لقبول صناعة الطب لكنه ينبغي أن يكون البدن والنفس منه ملائمين لقبولها

مصنفات جالينوس

ولجالينوس من المصنفات كتب كثيرة جداً وهذا ذكر ما وجدته منها منتشراً في أيدي الناس مما قد نقله حنين بن إسحاق العبادي وغيره إلى العربي وأغراض جالينوس في كل كتاب منها كتاب بينكس وهو الفهرست وغرضه في هذا الكتاب أن يصف الكتب التي وضعها وما غرضه في كل واحد منها وما دعاه إلى وضعه ولمن وضعه وفي أي حد من سنه وهو مقالتان المقالة الأولى ذكر فيها كتبه في الطب وفي المقالة الثانية كتبه في المنطق والفلسفة والبلاغة والنحو‏.‏

كتاب الفرق مقالة واحدة وقال جالينوس إنه أول كتاب يقرأه من أراد تعلم صناعة الطب وغرضه فيه أن يصف ما يقوله كل واحد من فرقة أصحاب التجربة وأصحاب القياس وأصحاب الحيل في تثبيت ما يدعي ولااحتجاج له والرد على من خالفه وكيف الوجه في الحكم على الحق والباطل منها وكان وضع جالينوس لهذه المقالة وهو شاب من أبناء ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً عند دخوله رومية أول دخلة‏.‏

كتاب الصناعة الصغيرة مقالة واحدة وقد قال جالينوس في أوله إنه أثبت فيه جمل ما قد بينه على الشرح والتلخيص كتاب النبض الصغير وهو أيضاً مقالة واحدة عنونها جالينوس إلى طوثرس وسائر المتعلمين وغرضه فيها أن يصف ما يحتاج المتعلمون إلى علمه من أمر النبض ويعدد فيه أولاً أصناف النبض وليس يذكر فيه جميعها لكن ما يقوى المتعلمون على فهمه منها ثم يصف بعد الأسباب التي تغير النبض ما كان منها طبيعياً وما كان منها ليس بطبيبعي وما كان خارجاً من الطبيعية وكان وضع جالينوس لهذه المقالة في الوقت الذي وضع فيه كتابه في الفرق‏.‏

كتاب إلى أغلوقن في التأتي لشفاء الأمراض ومعنى أغلوقن باليونانية الأزرق وكان فيلسوفاً وعندما رأى من آثار جالينوس في الطب ما أعجبه سأله أن يكتب له ذلك الكتاب ولما كان لا يصل المداوي إلى مداواة الأمراض دون تعرفها قدم قبل مداواتها دلائلها التي تعرف بها ووصف في المقالة الأولى دلائل الحميات ومداواتها ولم يذكرها كلها لكنه اقتصر منها على ذكر ما يعرض كثيراً وهذه المقالة تنقسم قسمين ويصف في القسم الأول من هذه المقالة الحميات التي تخلو من الأعراض الغريبة ويصف في القسم الثاني الحميات التي معها أعراض غريبة ويصف في المقالة الثانية دلائل الأورام ومداواتها وكان وضع جالينوس لهذا الكتاب في الوقت الذي وضع فيه كتاب الفرق كتاب في العظام هذا الكتاب مقالة واحدة وعنونه جالينوس في العظام للمتعلمين وذلك أنه يريد أن يقدم المتعلم للطب تعلم علم التشريح على جميع فنون الطب لأنه لا يمكن عنده دون معرفة التشريح أن يتعلم شيئاً من الطب القياسي غرض جالينوس في هذا الكتاب أن يصف حال كل واحد من العظام في نفسه وكيف الحال في اتصاله بغيره وكان وضع جالينوس له في وقت ما وضع سائر الكتب إلى المتعلمين‏.‏

كتاب في العضل هذا الكتاب مقالة واحدة ولم يعنونه جالينوس إلى المتعلمين لكن أهل الاسكندرية أدخلوه في عداد كتبه إلى المتعلمين وذلك أنهم جمعوا مع هاتين المقالتين ثلاث مقالات أخر كتبها جالينوس إلى المتعلمين واحدة في تشريح العصب وواحدة في تشريح العروق غير الضوارب وواحدة في تشريح العروق الضوارب وجعلوه كأنما دون كتاباً واحداً ذا خمس مقالات وعنونه في التشريح إلى المتعلمين وغرض جالينوس في كتابه هذا أعني كتابه في العضل أن يصف أمر جميع العضل الذي في كل واحد من الأعضاء كم هي وأي العضل هي ومن أين تبتدئ كل واحدة منها وما فعلها بغاية الاستقصاء‏.‏

كتاب في العصب هذا الكتاب أيضاً مقالة كتبها إلى المتعلمين وغرضه فيها أن يصف كم زوجاً من العصب تنبث من الدماغ والنخاع وأي الأعصاب هي وكيف وأين تنقسم كل واحدة منها وما فعلها كتاب في العروق هذا الكتاب عند جالينوس مقالة واحدة يصف فيها أمر العروق التي تنبض والتي لا تنبض كتبه للمتعلمين وعنونه إلى انطستانس فأما أهل الأسكندرية فقسموه إلى مقالتين مقالة في العروق غير الضوارب ومقالة في العروق الضوارب وغرضه فيه أن يصف كم عرقاً تنبت من الكبد وأي العروق هي وكيف هي وأين ينقسم كل واحد منها وكم شرياناً تنبت من القلب وأي الشريانات هي وكيف هي وأين تنقسم كتاب الاسطقسات على رأي أبقراط مقالة واحدة وغرضه فيه أن يبين أن جميع الأجسام التي تقبل الكون والفساد وهي أبدان الحيوان والنبات والأجسام التي تتولد في بطن الأرض إنما تركيبها من الأركان الأربعة التي هي النار الهواء والماء والأرض وإن هذه هي الأركان الأولى العبيدة لبدن الإنسان وأما الأركان الثواني القريبة التي بها قوام بدن الإنسان وسائر ما له دم من الحيوان فهي الأخلاط الأربعة أعني الدم والبلغم والمرتين‏.‏

كتاب المزاج ثلاث مقالات وصف في المقالتين الأوليين منه أصناف مزاج أبدان الحيوان فبين كم هي وأي الأصناف هي ووصف الدلائل التي تدل على كل واحدة منها وذكر في المقالة الثالثة منه أصناف مزاج الأدوية وبين كيف تختبر وكيف يمكن تعرفها‏.‏

كتاب القوى الطبيعية ثلاث مقالات وغرضه فيه أن يبين أن تدبير البدن يكون بثلاث قوى طبيعية وهي القوى الجابلة والقوة الجابلة المنمية والقوة الغاذية وإن القوة الجابلة مركبة من قوتين أحداهما تغير المني وتحيله حتى تجعل منه الأعضاء المتشابهة الأجزاء والأخرى تركب الأعضاء المتشابهة الأجزاء بالهيئة والوضع والمقدار أو العدد الذي يحتاج إليه في كل واحد من الأعضاء المركبة وأنه يخدم القوة العادية أربع قوى وهي القوة الجاذبة والقوة الممسكة والقوة المغيرة والقوة الدافعة كتاب العلل والأعراض ست مقالات وهذا الكتاب أيضاً ألف جالينوس مقالاته متفرقة وإنما الاسكندريون جمعوها وجعلوها كتاباً واحداً وعنون جالينوس المقالة الأولى من هذه الست المقالات في أصناف الأمراض وصف في تلك المقالة كم أجناس الأمراض وقسم كل واحد من تلك الأجناس إلى أنواعه حتى انتهى في القسمة إلى اقصى أنواعها وعنون المقالة الثانية منها في أسباب الأمراض وغرضه فيها موافق لعنوانها وذلك أنه يصف فيها كم أسباب كل واحد من الأمراض وأي الأسباب هي وأما المقالة الثالثه من هذه الست فعنونها في أصناف الأعراض ووصف فيها كم أجناس الأعراض وأنواعها وأي الأعراض هي وأما الثلاث المقالات الباقية فعنونها في أسباب الأعراض ووصف فيها كم الأسباب الفاعلة لكل واحد من الأعراض وأي الأسباب هي كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة ويعرف أيضاً بالمواضع الآلمة ست مقالات غرضه فيه أن يصف دلائل يُستدل بها على أحوال الأعضاء الباطنة إذا حدثت بها الأمراض وعلى تلك الأمراض التي تحدث فيها وأي الأمراض هي ووصف في المقالة الأولى وبعض الثانية منه السبل العامية التي تتعرف بها الأمراض مواضعها وكشف في المقالة الثانية خطأ أرخيجانس في الطرق التي سلكها في طلب هذا الغرض ثم أخذ باقي المقالة الثانية وفي المقالات الأربع التالية لها في ذكر الأعضاء الباطنة وأمراضها عضوا عضواً وابتدأ من الدماغ وهلم جراً على الولاء يصف الدلائل التي يُستدل بها على واحد منها إذا اعتلّ كيف تتعرف علته إلى أن انتهى إلى أقصاها كتاب النبض الكبير هذا الكتاب جعله جالينوس في ست عشرة مقالة وقسمها بأربعة أجزاء في كل واحد من الأجزاء أربع مقالات وعنون الجزء الأول منها في أصناف النبض وغرضه فيه أن يبين كم أجناس النبض الأول وأي الأجناس هي وكيف ينقسم كل واحد منها إلى أنواعه إلى أن ينتهي إلى أقصاها وعمد في المقالة الأولى من هذا الجزء إلى جملة ما يحتاج إليه من صفة أجناس النبض وأنواعها فجمعه فيها عن آخره وأفرد الثلاث المقالات الباقية من ذلك الجزء للحِجَاج والبحث عن أجناس النبض وأنواعه وعن حده‏.‏

وعنون الجزء الثاني في تعرف النبض وغرضه فيه أن يصف كيف يتعرف كل واحد من أصناف النبض بمجسَّة العرق‏.‏

عنوان الجزء الثالث في أسباب النبض وغرضه فيه أن يصف من أي الأسباب يكون كل واحد من أصناف النبض‏.‏

وعنوان الجزء الرابع في تقدمة المعرفة من النبض وغرضه فيه أن يصف كيف يستخرج سابق العلم من كل واحد من أصناف النبض‏.‏

كتاب أصناف الحميات مقالتان وغرضه فيه أن يصف أجناس الحميات وأنواعها ودلائلها وصف في المقالة الأولى منه جنسين من أجناسها أحدهما يكون في الروح والآخر في الأعضاء الأصلية ووصف في المقالة كتاب البُحران ثلاث مقالات وغرضه فيه أن يصف كيف يصل الإنسان إلى أن يتقدم فيعلم هل يكون البحران أم لا وإن كان يحدث فمتى يحدث وبماذا وإلى أي شيء يؤول أمره كتاب أيام البحران ثلاث مقالات وغرضه في المقالتين الأوليين منه أن يصف اختلاف الحال من الأيام في القوة وأيها يكون فيه البحران وأيها لا يكاد يكون فيه وأي تلك التي يكون فيها البحران يكون البحران الحادث فيها محموداً وأيها يكون البحران الحادث فيها مذموماً وما يتصل بذلك ويصف في المقالة الثالثة الأسباب التي من أجلها اختلفت الأيام في قواها هذا الاختلاف كتاب حيلة البرء أربع عشر مقالة وغرضه فيه أن يصف كيف يداوي كل واحد من الأمراض بطريق القياس ويقتصر فيه على الأعراض العامية التي ينبغي أن يقصد قصدها في ذلك ويستخرج منها ما ينبغي أن يداوي به كل مرض من الأمراض ويضرب لذلك مثالات يسيرة من أشياء جزئية‏.‏

وكان وضع ست مقالات منه لرجل يقال له أيارن بيَّن في المقالة الأولى والثانية منها الأصول الصحيحة التي عليها يكون مبنى الأمر في هذا العلم وفسخ الأصول الخطأ التي أصَّلها أراسطراطس وأصحابه ثم وصف في المقالات الأربع الباقية مداواة تفرق الاتصال من كل واحد من الأعضاء ثم أن أيارن توفي فقطع جالينوس استتمام الكتاب إلى أن سأله أوجانيوس أن يتممه فوضع له الثماني المقالات الباقية فوصف في الست الأولى منها مداواة أمراض الأعضاء المتشابهة الأجزاء وفي المقالتين الباقيتين مداواة أمراض الأعضاء المركبة ووصف في المقالة الأولى من الست الأول مداواة أصناف سوء المزاج كلها إذا كانت في عضو واحد وأجرى أمرها على طريق التمثيل بما يحدث في المعدة ثم وصف في المقالة التي بعدها وهي الثامنة من جملة الكتاب مداواة أصناف الحمّى التي تكون في الروح وهي حمى يوم ثم وصف في المقالة التي تتلوها وهي التاسعة مداواة الحمى المطبقة ثم في العاشرة مداواة الحمى التي تكون في الأعضاء الأصلية وهي الدق ووصف فيها جميع ما يحتاج عمله من أمر استعمال الحمام ثم وصف في الحادية عشرة والثانية عشرة مداواة الحميات التي تكون من عفونة الأخلاط أما في الحادية عشرة فما كان منها خلواً من أعراض غريبة وأما في الثانية عشرة فما كان منها مع أعراض غريبة كتاب علاج التشريح - وهو الذي يعرف بالتشريح الكبير - كتبه في خمس عشرة مقالة وذكر أنه قد جمع فيه كل ما يحتاج إليه من أمر التشريح ووصف في المقالة الأولى منه العضل والرباطات في اليدين وفي الثانية العضل والرباطات في الرجلين وفي الثالثة العصب والعروق التي في اليدين والرجلين وفي الرابعة العضل الذي يحرك الخدين والشفتين والعضل الذي يحرك اللحى الأسفل إلى ناحية الرأس وإلى ناحية الرقبة والكتفين وفي الخامسة عضل الصدر ومراق البطن والمتنين والصلب ووصف في السادسة آلات الغذاء وهي المعدة والأمعاء والكبد والكليتين والمثانة وسائر ما أشبه ذلك وفي السابعة والثامنة وصف تشريح آلات التنفس أما في السابعة فوصف ما يظهر في التشريح في القلب والرئة والعروق الضوارب بعد موت الحيوان وما دام حياً وأما في الثامنة فوصف ما يظهر في التشريح في جميع الصدر وأفرد المقالة التاسعة بأسرها بصفة تشريح الدماغ والنخاع ووصف في العاشرة في تشريح العينين واللسان والمرىء وما يتصل بهذه من الأعضاء ووصف في الحادية عشرة الحنجرة والعظم الذي يشبه اللام في حروف اليونانيين وما يتصل بذلك من العصب الذي يأتي هذه المواضع ووصف في الثانية عشرة تشريح أعضاء التوليد وفي الثالثة عشرة تشريح الضوارب وغير الضوارب وفي الرابعة عشرة تشريح العصب الذي ينبت من النخاع قال جالينوس وهذا الكتاب المضطر إليه من علم التشريح وقد وضعت كتباً أُخر لست بمضطر إليها لكنها نافعة في علم التشريح‏.‏

اختصار كتاب مارينس في التشريح - وكان مارينس ألف كتابه هذا في عشرين مقالة وإنما جالينوس اختصره في أربع مقالات اختصار كتاب لوقس في التشريح - وهذا الكتاب أيضاً ألفه صاحبه في سبع عشرة مقالة وقد ذكر جالينوس أنه اختصره في مقالتين كتاب فيما وقع من الاختلاف بين القدماء في التشريح - مقالتان وغرضه فيه أن يبين أمر الاختلاف الذي وقع في كتب التشريح فيما بين من كان قبله من أصحاب التشريح أي شيء منه إنما هو في الكلام فقط وأي شيء منه وقع في المعنى وما سبب ذلك كتاب تشريح الأموات - مقالة واحدة يصف فيها الأشياء التي تعرف من تشريح الحيوان الميت أي الأشياء هي كتاب تشريح الأحياء - مقالتان وغرضه فيه أن يبين الأشياء التي تعرف من تشريح الحيوان الحي أي الأشياء هي كتاب في علم أبقراط بالتشريح - هذا الكتاب جعله جالينوس في خمس مقالات وكتبه لبويثوس في حداثة سنه وغرضه فيه أن يبين أن أبقراط كان صادقاً بعلم التشريح وأتى على ذلك بشواهد من جميع كتبه كتاب في آراء أراسطراطس بالتشريح - هذا الكتاب جعله في ثلاث مقالات وكتبه أيضاً لبويثوس في حداثة من سنه غرضه فيه أن يشرح ما قاله أرسطراطس في التشريح في جميع كتبه ثم بين له صوابه فيما أصاب وخطأه فيما أخطأ فيه كتاب فيما يعلمه لوقس من أمر التشريح أربع مقالات كتاب فيما خالف فيه لوقس في التشريح مقالتان كتاب في تشريح الرحم هذا الكتاب مقالة واحدة صغيرة كتبه لامرأة قابلة في حداثة سنه فيه جميع ما يحتاج إليه من تشريح الرحم وما يتولد فيها في الوقت الذي للحمل كتاب في مفصل الفقرة من فقار الرقبة مقالة واحدة كتاب في اختلاف الأعضاء المتشابهة الأجزاء مقالة واحدة كتاب في تشريح آلات الصوت مقالة واحدة وقال حنين إن هذا الكتاب مفتعل على لسان جالينوس وليس هو لجالينوس ولا غيره من القدماء ولكنه لبعض الحدث جمعه من كتب جالينوس وكان الجامع له مع هذا أيضاً ضعيفاً كتاب في تشريح العين هذا الكتاب أيضاً مقالة واحدة وقال حنين أن عنوانه أيضاً باطل لأنه ينسب إلى جالينوس وليس هو لجالينوس وخليق أن يك لروفس أو لمن دونه كتاب في حركة الصدر والرئة هذا الكتاب جعله في ثلاث مقالات وكان وضعه في حداثة سنه بعد عودته الأولى من رومية وكان حينئذ مقيماً بمدينة سمرنا عند فالقس وإنما كان سأله إياه بعض من كان يتعلم معه وصف في المقالتين الأوليين منه وفي أول الثالثة ما أخذه عن فالقس ومعلمه في ذلك الفن ثم وصف في باقي المقالة الثالثة ما كان هو المستخرج له كتاب في علل النفس هذا الكتاب جعله في مقالتين في رحلته الأولى إلى رومية لوثيس وغرضه فيهما أن يبين من أي الآلات يكون التنفس عفواً ومن أيها يكون باستكراه‏.‏

كتاب في الصوت هذا الكتاب جعله في أربع مقالات بعد الكتاب الذي ذكرته قبله غرضه فيه أن يبين كيف يكون الصوت وأي شيء هو وما مادته وبأي الآلات يحدث وأي الأعضاء تعين على حدوثه وكيف تختلف الأصوات كتاب في حركة العضل مقالتان وغرضه فيه أن يبين ما حركة العضل وكيف هي وكيف تكون هذه الحركات المختلفة من العضل وإنما حركته حركة واحدة ويبحث أيضاً فيه عن النفس هل هو من الحركات الإرادية أم من الحركات الطبيعية ويفحص فيه عن أشياء كثيرة لطيفة من هذا الفن مقالة في مناقضة الخطأ الذي اعتقد في تمييز البول من الدم مقالة في الحاجة إلى النبض مقالة في الحاجة إلى التنفس‏.‏

مقالة في العروق الضوارب هل يجري فها الدم بالطبع أم لا كتاب في قوى الأدوية المسهلة مقالة واحدة يبين فيها أن إسهال الأدوية وما يسهل ليس هو بأن كل واحد من الأدوية يحيل ما يصادفه في البدن إلى طبيعته ثم يندفع ذلك فيخرج لكن كل واحد منهما يجتذب خلطاً موافقاً مشاكلاً له‏.‏

كتاب في العادات مقالة واحدة وغرضه فيه أن يبين أن العادة أحد الأعراض التي ينبغي أن ينظر فهيا ويوجد متصلاً بهذا الكتاب ومتحداً معه تفسير ما أتى به جالينوس فيها من الشهادات من قول فلاطن بشرح أيروقليس له وتفسير ما أتى به من قول أبقراط بشرح جالينوس له كتاب في آراء ابقراط وفلاطن عشر مقالات وغرضه فيه أن يبين أن أفلاطن في أكثر أقاويله موافق لبقراط من قبل أنه عنه أخذها وإن أرسطوطاليس فيما خافلهما فيه قد أخطأ ويبين فيه جميع ما يحتاج إليه من أمر قوة النفس المدبرة التي بها تكون الفكرة والتوهم والذكر ومن أمر الأصول الثلاثة التي منها تنبعث القوى التي بها يكون تدبير البدن وغير ذلك من فنون شتى كتاب في الحركة المعتاصة مقالة واحدة وغرضه فيها أن يبين أمر حركات كان قد جهلها هو ومن كان قبله ثم علمها بعد‏.‏

كتاب في آلة الشم مقالة واحدة كتاب منافع الأعضاء سبع عشرة مقالة بين في المقالة الأولى والثانية منه حكمة الباري تبارك وتعالى في إتقان خلقة اليد وبين في القول الثالث حكمته في إتقان الرجل وفي الرابع والخامس حكمته في آلات الغذاء وفي السادس والسابع أمر آلات التنفس وفي الثامن والتاسع أمر ما في الرأس وفي العاشر أمر العينين وفي الحادي عشر سائر ما في الوجه وفي الثاني عشر الأعضاء التي هي مشاركة للرأس والعنق وفي الثالث عشر نواحي الصلب والكتفين ثم وصف في المقالتين اللتين بعد تلك الحكمة في أعضاء التوليد ثم في السادس عشر من أمر الآلات المشتركة للبدن كله وهي العروق الضوارب وغير الضوارب والأعصاب ثم وصف في المقالة السابعة عشر حال جميع الأعضاء ومقاديرها وبين منافع ذلك الكتاب كله‏.‏

مقالة في أفضل هيئات البدن وهذه المقالة تتلو المقالتين الأوليين من كتاب المزاج وغرضه فيها بين من عنوانها‏.‏

مقالة في خصب البدن وهي مقالة صغيرة وغرضه فيها بين من عنوانها مقالة في سوء المزاج المختلف وغرضه فيها يتبين من عنوانها ويذكر فيه أي أصناف سوء المزاج هو مستوفي البدن كله وكيف يكون الحال فيه وأي أصناف سوء المزاج هو مختلف في أعضاء البدن كتاب الأدوية المفردة هذا الكتاب جعله في إحدى عشرة مقالة كشف في المقالتين الأولتين خطأ من أخطأ في الطرق الرديئة التي سلكت في الحكم على قوى الأدوية ثم أصَّل في المقالة الثالثة أصلاً صحيحاً لجميع العلم بالحكم على القوى الأولى من الأدوية ثم بين في المقالة الرابعة أمر القوى الثواني وهي الطعوم والروائح وأخبر بما يستدل عليها منها على القوى الأولى من الأدوية ووصف في المقالة لخامسة القوى الثوالب من الأدوية وهي أفاعيلها في البدن من الأسخان والتبريد والتجفيف والترطيب ثم وصف في المقالات الثلاث التي تتلو تلك قوة دواءِ دواءٍ من الأدوية التي هي أجزاء من النبات ثم في المقالة التاسعة قوى الأدوية التي هي أجزاء من الأرض أعني أصناف التراب والطين والحجارة والمعادن وفي العاشرة قوى الأدوية التي هي مما يتولد في أبدان الحيوان ثم وصف في الحادية عشرة قوى الأدوية التي هي مما يتولد في البحر والماء المالح مقالة في دلائل علل العين كتبها في حداثته لغلام كحّال وقد لخص فيها العلل التي تكون في كل واحدة من طبقات العين ووصف دلائلها مقالة في أوقات الأمراض وصف فيها أمر أوقات المرض الأربعة أعني الابتداء والتزيد والإنتهاء والانحطاط كتاب الامتلاء - ويعرف أيضاً بكتاب الكثرة - وهو مقالة واحدة يصف فيها أمر كثرة الاخلاط ويصفها ويصف دلائل كل واحد من أصنافها مقالة في الأورام ووسمها جالينوس أصناف الغلظ الخارج عن الطبيعة ووصف في هذه المقالة جميع أصناف الأورام ودلائلها مقالة في الأسباب البادية - وهي الأورام التي تحدث من خارج البدن - يبين في هذه المقالة أن للأسباب البادية عملاً في البدن ونقص قول من دفع عملها مقالة في الأسباب المتصلة بالأمراض ذكر فيها الأسباب المتصلة بالمرض الفاعلة له مقالة في الرعشة والنافض والاختلاج والتشنج مقالة في أجزاء الطب يقسم فيها الطب على طرق شتى من القسم والتقسيم كتاب المني مقالتان وغرضه فيه أن يبين أن الشيء الذي يتولد منه جميع أعضاء البدن ليس هو الدم كما ظن أرسطوطاليس لكن تولّد جميع الأعضاء الأصلية إنما هو من المني وهي مقالة في تولد الجنين المولود لسبعة أشهر مقالة في المرة السوداء يصف فيها أصناف السوداء ودلائلها كتاب أدوار الحميات وتراكيبها مقالة واحدة يناقض فيها قوماً ادعوا الباطل من أمر أدوار الحميات وتراكيبها وعنوان هذا الكتاب عند جالينوس مناقضة من تكلم في الرسوم قال حنين وقد توجد مقالة أخرى نسبت إلى جالينوس في هذا الباب وليست له اختصار كتابه المعروف بالنبض الكبير مقالة واحدة ذكر جالينوس أنه كمل فيها النبض قال حنين وأما أنا فقد رأيت باليونانية مقالة ينحى بها هذا النحو ولست أصدق أن جالينوس الواضع لتلك المقالة لأنها لا تحيط بكل ما يحتاج إليه من أمر النبض وليست بحسنة التأليف أيضاً وقد يجوز أن يكون جالينوس قد وعد أن يضع تلك المقالة فلم يتهيأ له وضعها فلما وجده بعض الكذابين قد وعد ولم يف تحرص وضع المقالة أثبت ذكرها في الفهرست كيما يصدق فيها ويجوز أن يكون جالينوس أيضاً قد وضع مقالة في ذلك غير تلك وقد درست كما درس كثير من كتبه وافتعلت هذه المقالة عوضها ومكانها كتاب في النبض يناقض فيه ارخيجانس قال جالينوس أنه جعله في ثمان مقالات كتاب في رداءة التنفس هذا الكتاب جعله في ثلاث مقالات وغرضه فيه أن يصف أصناف النفس الرديء وأسبابه وما يدل عليه وهو يذكر في المقالة الأولى منه أصناف التنفس وأسبابه وفي الثانية أصناف سوء التنفس وما يدل عليه كل صنف منها وفي المقالة الثانية يأتي بشواهد من كلام أبقراط على صحة قوله كتاب نوادر تقدمة المعرفة مقالة واحدة يحث فيها على تقدمة المعرفة ويعلم حيلاً ليطيفة تؤدي إلى ذلك ويصف أشياء بديعة تقدم فعلها من أمر المرضى وخبر بها فعجب منه اختصار كتابه في حيلة البرء مقالتان كتاب الفصد ثلاث مقالات قصد في المقالة الأولى منها المناقضة لأراسسطراطس لأنه كان يمنع من الفصل وناقض في الثانية أصحاب أراسسطراطس الذين برومية في هذا المعنى بعينه ووصف في الثالثة ما يراه هو من العلاج بالفصد كتاب الذبول مقالة واحدة وغرضه فيه أن يبين طبيعة هذا المرض وأصنافه والتدبير الموفق لمن أشرف عليه مقالة في صفات لصبي يصرع كتاب قوى الأغذية ثلاث مقالات عدد فيه ما يتغذى به من الأطعمة والأشربة ووصف ما في كل واحد منها من القوى اختصار هذا الكتاب الذي في التدبير الملطف مقالة واحدة كتاب الكيموس الجيد والرديء مقالة واحدة يصف فيها الأغذية ويذكر أيها ولد كيموساً محموداً وأيها ولد كيموساً رديئاً كتاب في أفكار أراسسطراطس في مداواة الأمراض ثمان مقالات اختبر فيه السبيل التي سلكها أراسسطراطس في المداواة ويبين صوابها من خطئها كتاب تدبير الأمراض الحادة على رأي أبقراط مقالة واحدة كتاب تركيب الأدوية جعله في سبع عشرة مقالة أجمل في سبع منها أجناس الأدوية المركبة فعدد جنساً جنساً منها وجعل مثل جنس الأدوية التي تبني اللحم في القروح على حدة وجنس الأدوية التي تحلل على حدة وجنس الأدوية التي تدمل وسائر أجناس الأدوية على هذا القياس وإنما غرضه فيه أن يصف طريق تركيب الأدوية على الجمل ولذلك جعل عنوان هذه السبع المقالات في تركيب الأدوية على الجمل والأجناس وأما العشر المقالات الباقية فجعل عنوانها في تركيب الأدوية بحسب المواضع وأراد بذلك أن وصفه لتركيب الأدوية في تلك المقالات العشر ليس يقصد بها إلى أن يخبر أن صنفاً صنفاً منها يفعل فعل ما في مرض من الأمراض مطلقاً لكن بحسب المواضع أعني العضو الذي فيه ذلك المرض وابتدأ فيه من الرأس ثم هلم جراً على جميع الأعضاء إلى أن انتهى إلى أقصاها أقول وجملة هذا الكتاب الذي رسمه جالينوس في تركيب الأدوية لا يوجد في هذا الوقت إلا وهو منقسم إلى كتابين وكل واحد منهما على حدته ولا يبعد أن الاسكندرانيين لتبصرهم في كتب جالينوس صنعوا هذا أو غيرهم فالأول يعرف بكتاب قاطاجانس ويتضمن السبع المقالات الأولى التي تقدم ذكرها والآخر يعرف بكتاب الميامر ويحتوي على العشر المقالات الباقية والميامر جمع ميمر وهو الطريق ويشبه أن يكون سمي هذا الكتاب بذلك إذ هو الطريق إلى استعمال الأدوية المركبة على جهة الصواب كتاب الأودية التي يسهل وجودها وهي التي تسمى الموجودة في كل مكان مقالتان وقال حنين أنه قد أضيف إليه مقالة أخرى في هذا الفن ونسبت إلى جالينوس وما هي لجالينوس لكنها لفلغريس قال حنين أيضاً أنه قد ألحق في هذا الكتاب هذياناً كثيراً وصفات بديعة عجيبة وأدوية لم يرها جالينوس ولم يسمع بها قط كتاب الأدوية المقابلة للأدواء جعله في مقالتين ووصف في المقالة الأولى منه أمر الترياق وفي المقالة الثانية منه أمر سائر المعجونات كتاب الترياق إلى مفيليانوس مقالة واحدة صغيرة كتاب الترياق إلى قيصر وهذا الكتاب أيضاً مقالة واحدة كتاب الحيلة لحفظ الصحة ست مقالات وغرضه فيه أن يعلم كيف حفظ الأصحاء على صحتهم ومن كان منهم على غاية كمال الصحة ومن كانت صحته تقصر عن غاية الكمال ومن كان منهم يسير بسيرة الأحرار ومن كان منهم يسير بسيرة العبيد كتاب إلى أسبولوس مقالة واحدة وغرضه فيه أن يفحص هل حفظ الأصحاء على صحتهم من صناعة الطب أم هو من صناعة أصحاب الرياضة وهي المقالة التي أشار إليها في ابتداء كتاب تدبير الأصحاء حين قال إن الصناعة التي تتلو القيام على الأبدان واحدة كما بينت في غير هذا الكتاب كتاب الرياضة بالكرة الصغيرة هذا الكتاب مقالة واحدة صغيرة يحمد فيها الرياضة بالكرة الصغيرة واللعب بالصولجان ويقدمه على جميع أصناف الرياضة تفسير كتاب عهد أبقراط مقالة واحدة تفسير كتاب الفصول لأبقراط جعله في سبع مقالات تفسير كتاب الكسر لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب رد الخلع لأبقراط جعله في أربع مقالات تفسير كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب تدبير الأمراض الحادة لأبقراط والذي نجده من تفسيره لهذا الكتاب هو ثلاث مقالات وقال جالينوس في فينكس كتبه إنه فسره في خمس مقالات وإن هذه الثلاث مقالات الأولى هي تفسير الجزء الصحيح من هذا الكتاب والمقالتان الباقيتان فيهما تفسير المشكوك فيه تفسير كتاب القروح لأبقراط جعله في مقالة واحدة تفسير كتاب جراحات الرأس لأبقراط مقالة واحدة تفسير كتاب أبيديما لأبقراط فسر المقالة الأولى منه في ثلاث مقالات والثانية في ست مقالات والثالثة في ثلاث مقالات والسادسة في ثمان مقالات هذه التي فسرها وأما الثلاث الباقية وهي الرابعة والخامسة والسابعة فلم يفسرها لأنه ذكر أنها مفتعلة على لسان أبقراط تفسير كتاب الإخلاط لأبقراط وجعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب قاطيطريون لأبقراط جعله في ثلاث مقالات تفسير كتاب الهواء والماء والمساكن لأبقراط جعله أيضاً في ثلاث مقالات وقد وجدنا بعض النسخ من هذا التفسير أيضاً في أربع مقالات إلا أن الأول هو المعتمد عليه تفسير كتاب الغذاء لأبقراط وجعله في أربع مقالات تفسير كتاب طبيعة الجنين لأبقراط قال حنين هذا الكتاب لم نجد له تفسيراً من قول جالينوس ولا نجد جالينوس ذكر في فهرست كتبه أنه عمل له تفسيراً إلا أنا وجدناه قد قسم هذا الكتاب بثلاثة أجزاء في كتابه الذي عمله في علم أبقراط في التشريح وذكر أن الجزء الأول والثالث من هذا الكتاب منحول ليس هو لأبقراط وإنما الصحيح منه الجزء الثاني وقد فسر ها الجزء جالسيوس الاسكندراني وقد وجدنا لجميع الثلاثة الأجزاء تفسيرين أحدهما سرياني موسم بأنه لجالينوس قد كان ترجمه سرجس فلما فحصنا عنه علمنا أنه لبالبس والآخر يوناني فلما فحصنا عنه وجدناه لسورانوس الذي من شيعة المثوذيقون وترجم حنين نص هذا الكتاب إلا قليلاً منه إلى العبرية في خلافة المعتز باللَّه تفسير كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط جعله في مقالتين كتاب في أن رأي أبقراط في كتاب طبيعة الإنسان وفي سائر كتبه واحد وجعله في ثلاث مقالات وقال جالينوس أنه ألفه بعد تفسيره لكتاب طبيعة الإنسان وذلك عندما بلغه أن قوماً يعيبون ذلك الكتاب ويدعون فيه أنه ليس لأبقراط كتاب في أن الطبيب الفاضل يجب أن يكون فيلسوفاً مقالة واحدة كتاب في كتب أبقراط الصحيحة وغير الصحيحة مقالة واحدة كتاب في البحث عن صواب ما ثلب به قوينطس أصحاب أبقراط الذين قالوا بالكيفيات الأربع مقالة واحدة وقال حنين أن هذا الكتاب لا أعلم بالحقيقة أنه لجالينوس أم لا ولا أحسبه ترجم كتاب في السبات على رأي أبقراط وقال حنين أيضاً أن القصة في هذا مثل القصة في الكتاب الذي ذكر قبله كتاب في ألفاظ أبقراط قال حنين هذا الكتاب أيضاً مقالة واحدة وغرضه فيه أن يفسر غريب ألفاظ أبقراط في جميع كتبه وهو نافع لمن يقرأ باليونانية فأما من يقرأ بغير اليونانية فليس يحتاج إليه ولا يمكن أيضاً أن يترجم أصلاً كتاب في جوهر النفس ما هي على رأي أسقليبيادس مقالة واحدة كتاب في تجربة الطبيعة مقالة واحدة يقتص فيها حجج أصحاب التجربة وأصحاب القياس بعضهم على بعض كتاب في الحث على تعميم الطب مقالة واحدة وقال حنين أن كتاب جالينوس هذا نسخ فيه كتاب مينودوطس وهو كتاب حسن نافع ظريف كتاب في جمل التجربة مقالة واحدة كتاب في محنة أفضل الأطباء مقالة واحدة كتاب في الأسماء الطبية وغرضه فيه أن يبين أمر الأسماء التي استعملها الأطباء على أي المعاني استعملوها وجعله خمس مقالات والذي وجدناه قد نقل إلى اللغة العربية إنما هي المقالة الأولى التي ترجمها حبيش الأعسم كتاب البرهان هذا الكتاب جعله في خمس عشرة مقالة وغرضه فيه أن يبين كيف الطريق في تبيين ضرورة وذلك كان غرض أرسطوطاليس في كتابه الرابع من المنطق قال حنين ولم يقع إلى هذه الغاية إلى أحد من أهل دهرنا لكتاب البرهان نسخة تامة باليونانية على أن جبرائيل قد كان عني بطلبه عناية شديدة وطلبته أنا أيضاً بغاية الطلب وجلت في طلبه بلاد الجزيرة والشام كلها وفلسطين ومصر إلى أن بلغت إلى الاسكندرية فلم أجد منه شيئاً إلا بدمشق نحواً من نصفه إلا أنها غير متوالية ولا تامة وقد كان جبرائيل أيضاً وجد منه مقالات ليست كلها المقالات التي وجدت بأعيانها وترجم له أبوب ما وجد منها وأما أنا فلم تطلب نفسي بترجمة شيء منها إلا باستكمال قراءتها لما هي عليه من النقصان والاختلال وللطمع وتشوق النفس إلى وجدان تمام الكتاب ثم أني ترجمت ما وجدت منه إلى السريانية وهو جزء يسير من المقالة الثانية وأكثر المقالة الثالثة ونحواً من نصف المقالة الرابعة من أولها فإنه سقط وأما سائر المقالات الأخر فوجدت إلى آخر الكتاب ما خلا المقالة الخامسة عشرة وترجم إسحاق بن حنين كتاب في القياسات الوضعية مقالة واحدة كتاب في قوام الصناعات قال حنين إنه لم يجد من هذا الكتاب باليونانية إلا نتفاً منه كتاب في تعرف الإنسان عيوب نفسه مقالتان وقال حنين إنه لم يجد منه باليونانية إلا مقالة واحدة ناقصة كتاب الأخلاق أربع مقالات وغرضه فيه أن يصف أصناف الأخلاق وأسبابها ودلائلها ومداواتها مقالة في صرف الاغتمام كتبها لرجل سأله ما باله لم يره اغتم قط عندما ذهب جميع ما قد كان تركه في الخزائن العظمى لما احترقت برومية فوصف له السبب في ذلك وبين بماذا يجب الاغتمام وبماذا لا يجب مقالة في أن اختيار الناس قد ينتفعون بأعدائهم كتاب فيما ذكر أفلاطون في كتابه المعروف بطيماوس من علم الطب أربع مقالات كتاب في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن مقالة واحدة وغرضه فيه بين من عنوانه كتاب جوامع كتب أفلاطون قال حنين ووجدت من هذا الفن من الكتب كتاباً آخر فيه أربع مقالات من ثمان مقالات لجالينوس فيها جوامع كتب أفلاطن وفيه كتاب أقراطليس في الأسماء وكتاب سوفسطيس في القسمة وكتاب بوليطيقوس في المدبر وكتاب برميندس في الصور وكتاب أوثيذيمس وفي المقالة الثالثة جوامع الست المقالات الباقية من كتاب السياسة وجوامع الكتاب المعروف بطيماوس في العلم الطبيعي وفي المقالة الرابعة جمل معاني الإثتي عشرة مقالة التي فيالسير لأفلاطن‏.‏

كتاب في أن المتحرك الأول لا يتحرك مقالة واحدة كتاب المدخل إلى المنطق مقالة واحدة يبين فيها الأشياء التي يحتاج إليها المتعلمون وينتفعون بها في علم البرهان مقالة في عدد المقاييس تفسير الكتاب الثاني من كتب أرسطوطاليس وهو الذي يسمى باريمينياس ثلاث مقالات وقال حنين إنه وجد له نسخة ناقصة كتاب فيما يلزم الذي يلحن في كلامه سبع مقالات وقال حنين إن الذي وجده من هذا الكتاب مقالة واحدة ولم يترجمها قال حنين بن إسحاق وقد وجدنا أيضاً كتباً أخرى قد وسمت باسم جالينوس وليست له لكن بعضها نتفّ اخترعها قوم آخرون من كلامه فألفوا منها كتباً وبعضها قد كان وضعها من كان قبل جالينوس فوسمت بآخره باسم جالينوس إما من قبل أن الفاعل لذلك أحبّ أن يُكثر بكثرة ما عنده من كتب جالينوس مما لا يوجد عند غيره وإما من قبل قلة تمييز لاتزال تعرض لقوم من الأغنياء حتى إذا وجدوا في الكتاب الواحد عدة مقالات ووجدوا على أول المقالة الأولى فيه اسم رجل من الناس ظنوا أن سائر تلك المقالات لذلك الرجل وبهذا السبب نجد كثيراً من مقالات روفس في كتب كثيرة موسومة باسم جالينوس مثل مقالة في اليرقان قالت حنين والمقالات التي وجدناها موسومة باسم جالينوس من غير أن تكون فصاحة كلامها شبيهة بمذهب جالينوس في الفصاحة ولا قوة معانيها شبيهة بقوة معانيه هي هذه مقالة في أئمة الفرق مقالة في الرسوم التي رسمها بقراط مقالة موسومة الطبيب لجالينوس وهذه المقالة قد ذكرها جالينوس نفسه في أول الفهرست وأخبر أنها منحولة لا صحيحة له مقالة في الصناعة ولست أعني تلك المقالة الموسومة بهذا الرسم المشهور بالصحة لكن مقالة منحولة إليه كلام واضعها كلام ضعيف مقصر مقالة في العظام وليس أعني تلك المقالة الصحيحة في هذا العرض بل مقالة أخرى قوة واضعها أضعف كثيرا من هذه الطبقة مقالة في الحدود مقالة في طريق المسألة والجواب مقالة في التنفس صغيرة شبيهة بالنتف مقالة في الكلام الطبيعي كتاب في الطب على رأي أوميرس مقالتان ونص كلام هاتين المقالتين شبيه جداً بكلام جالينوس إلا أن الغرض المقصود إليه فيهما ضعيف وفي آخر المقالة الثانية منهما رأي أيضاً بعيد لا يشبه مذهب جالينوس مقالة في أن الكيفيات ليست أجساماً مقالة في الأخلاط على رأي بقراط مقالة يبحث فيها هل أعضاء الجنين المتولد في الرحم تتخلق كلها معاً أم لا مقالة يبحث فيها هل الجنين الذي في الرحم حيوان أم لا مقالة في أن النفس لا تموت مقالة في اللبن مقالة في تجفيف اللحم مقالة في الرسوم غير تلك المقالة الصحيحة ودونها في القوة مقالة في البول مقالة في الرد على أصحاب الفرقة الثالثة في الموضع الذي يذكر فيه أسباب الأمراض عند تركيبها مقالة في أن أبقراط سبق الناس جميعاً في معرفة الأوقات مقالة في أسباب العلل مقالة في اليرقان قال حنين ما وجد أن جالينوس قد ذكره في كتبه مما لم يثبته في الفهرست ولا وقعت إلينا نسخته مقالة في الأخلاط على رأي بركساغورس مقالة فيمن يحتاج في الربيع إلى الفصد أقول وهذا جملة ما تهيأ ذكره من كتب جالينوس الصحيحة والمحولة إليه على ما أثبته حنين بن إسحاق في كتابه مما قد وجده وأنه قد نقل إلى اللغة العربية وكان ذكره لذلك وقد أتى عليه من السنين ثمان وأربعون سنة وكانت مدة حياته سبعين سنة فبالضرورة أنه قد وجد أشياءكثيرة أيضاً من كتب جالينوس ونقلت إلى العربية كما قد وجدنا كثيراً من كتب جالينوس ومما هو منسوب إليه بنقل حنين بن إسحاق وغيره وليس لها ذكر أصلاً في كتاب حنين المتقدم ذكره ومن ذلك تفسير كتب أوجاع النساء لابقراط مقالة واحدة تفسير كتاب تدابير الأصحاء لأبقراط مقالة واحدة كتاب مداواة الأسقام ويعرف أيضاً بطب المساكين مقالتان كتاب في الجبر ثلاث مقالات كتاب في الموت السريع ومقالة واحدة مقالة في الحقن والقولنج مقالة في النوم واليقظة والضمور مقالة في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة مقالة في عناية الخالق عز وجل بالإنسان رسالة إلى فيلافوس الملكة في أسرار النساء رسالة في فسطانس القهرمان في أسرار الرجال كتاب في الأدوية المكتومة التي كنى عنها في كتبه ورمزها مقالة واحدة وقال حنين بن إسحاق غرض جالينوس في هذا الكتاب أن يصف ما جمعه طول عمره من الأدوية الخفيفة الخواص وجربها مراراً كثيرة فصحت فكتمها عن أكثر الناس ضناً بها عنهم ولم يطلع عليها إلا الخواص من ذوي الألباب وصحة التمييز من أهل الصناعة وقد كان غيري فسر هذا الكتاب فصحف وزاد فيه ما ليس منه ونقّص منه ما لم يفهم تفسيره فساعدت نفسي فيه بحسب الإمكان والطاقة وقابلت به على التجارب التي اجتمعت عندي وفسرت ذلك إلى العبري لأبي جعفر محمد بن موسى مقالة في استخراج مياه الحشائش مقالة في أبدال الأدوية كتاب فيما جمع من الأقاويل التي ذكر فيها فعل الشمس والقمر والكواكب مقالة في الألوان جوامع كتابه في البرهان كتاب الرد على الذين كتبوا في المماثلات كتاب طبيعة الجنين كتاب الرد على أرثيجانس في النبض كتاب في السبات اختصار لكتابه في قوي الأغذية كتاب في الأفكار المسفية لأراسطرطس كتاب منافع الترياق مقالة في الكيموسات كلام في الطعوم رسالة في عضة الكَلْب الكَلِب كتاب في الأسباب الماسكة تفسير كتاب فولوبس في تدبير الأصحاء تفسير ما في كتاب فلاطن المسمى طيماوس من علم الطب كتاب في الأدوية المنقية كتاب في الأمعاء كتاب في تحسين الأصوات ونفي الآفات عنها‏.‏

أقول وبالجملة فإن لجالينوس أيضاً كتباً أخر كثيرة مما لم يجده الناقلون منها ومما قد أندرس على طول الزمان وخصوصاً ما في المقالة الثانية مما قد ذكره جالينوس في فهرست كتبه المسمى فينكس فمن كانت له رغبة في النظر إلى أسمائها وفي أغراضه في كل واحد منها فعليه بالنظر في ذلك الكتاب‏.‏

الأطباء المشهورون بعد وفاة جالينوس

فأما الأطباء المشهورون من بعد وفاة جالينوس وقريباً منه فمنهم اصطفن الاسكندراني وانقيلاوس الاسكندراني وجاسيوس الاسكندراني ومارينوس الاسكندراني - وهؤلاء الأربعة هم ممن فسر كتب جالينوس وجمعها واختصرها وأوجز القول فيها - وطيماوس الطرسوسي وسيمري الملقب بالهلال لأنه كان كثير الملازمة لمنزله منغمساً في العلوم والتأليفات فكان لا يراه الناس إلا كل مدة فلقب بالهلال من الاستتار ومغنس الاسكندراني وأريباسيوس صاحب الكنانيش طبيب يليان الملك ولاريباسيوس من الكتب كتاب إلى ابنه أسطاث تسع مقالات كتاب مزج الأحشاء مقالة كتاب الأدوية المستعملة كتاب السبعين مقالة كناشه وفولس الأجانيطي وله من الكتب كناش الثريا مقالة في تدبير الصبي وعلاجه وأصطفن الحراني وأريباسيوس القوابلي ولقب بذلك لأنه كان ماهرً بمعرفة أحوال النساء ودياسقوريدس الكحال ويقال أنه أول من انفرد واشتهر بصناعة الكحل وفافالس الإثيني وافرونيطس الاسكندراني ونيطس الملقب بالمخبر من الحذاقة ونارسيوس الرومي الذي قدم من الاسكندرية فصار واحداً منهم وإيرون وزريايل وممن كان قريباً من ذلك الوقت أيضاً فيلغريوس وله من الكتب كتاب من لا يحضره طبيب وهو مقالة كتاب علامات الاسقام الخمس ومقالة في وجع النقرس مقالة في الحصاة مقالة في الماء الأصفر مقالة في وجع الكبد مقالة في القولنج مقالة في اليرقان مقالة في خلق الرحم مقالة في عرق النساء مقالة في السرطان مقالة في صنعة ترياق الملح مقالة في عضة الكلب الكلِب مقالة في القوباء مقالة فيما يعرض للثة والأسنان‏.‏

 

الباب السادس طبقات الأطبَّاء الاسكندرانيين

ومن كان في أزمنتهم من الأطباء النّصارى وغيرهم قال الختار بن حسن بن بطلان إن الأسكندرانيين الذين جمعوا كتب جالينوس الستة عشر وفسروها كانوا سبعة وهم إصطفن وجاسيوس وثاودوسيوس وأكيلاوس وأنقيلاوس وفلاذيوس ويحيى النحوي وكانوا على مذهب المسيح وقيل أن أنقيلاوس الإسكندراني هو كان المقدم على سائر الاسكندرانيين وأنه هو الذي رتب الكتب الستة عشر لجالينوس‏.‏

وقال وكان هؤلاء الإسكندرانيون يقتصرون على قراءة الكتب الستة عشر لجالينوس في موضع تعليم الطب بالاسكندرية وكانوا يقرأونها على الترتيب ويجتمعون في كل يوم على قراءة شيء منها وتفهمه ثم صرفوها إلى الجمل والجوامع ليسهل حفظهم لها ومعرفتهم أياها ثم انفرد كل واحد منهم بتفسير الستة عشر أجود ما وجدت من ذلك تفسير جاسيوس للستة عشر فإنه وعمر من هؤلاء الاسكندرانيين يحيى النحوي الاسكندراني الأسكلاني حتى لحق أوائل الإسلام قال محمد بن إسحاق النديم البغدادي في كتاب الفهرست أن يحيى النحوي كان تلميذ ساواري قال وكان يحيى النحوي في أول أمره أسقفا في بعض الكنائس بمصر ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية ثم رجع عما يعتقده النصارى من التثليث واجتمعت الإساقفة وناظرته فغلبهم واستعطفته وآنسته وسألته الرجوع عما هو عليه وترك إظهاره فأقام على ما كان عليه وأبى أن يرجع فأسقطوه ولما فتحت مصر على يدي عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه دخل إليه وأكرمه ورأى له موضعاً‏.‏

ونقلت من تعاليق الشيخ أبي سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني قال كان يحيى النحوي في أيام عمرو بن العاص ودخل إليه وقال إن يحيى النحوي كان نصرانياً بالاسكندرية وأنه قرأ على أميونيس وقرأ أميونيس على برقلس قال ويحيى النحوي يقول أنه أدرك برقلس وكان شيخاً كبيراً لا ينتفع به من الكبر‏.‏

وقال عبيد اللَّه بن جبرائيل في كتاب مناقب الأطباء بأن يحيى النحوي كان قوياً في علم النحو والمنطق والفلسفة وقد فسر كتباً كثيرة من الطبيات ولقوته في الفلسفة أُلحق بالفلسفة لأنه أحد الفلاسفة المذكورين في وقته قال وسبب قوته في الفلسفة أنه كان في أول أمره ملاحاً يعبر الناس في سفينته وكان يحب العلم كثيراً فإذا عبر معه قوم من دار العلم والمدرّس الذي كان يدرس العلم في جزيرة الاسكندرية يتحاورون ما مضى لهم من النظر ويتفاوضونه ويسمعه فتهش نفسه للعلم فلما قويت رويته في العلم فكر في أمره وقال قد بلغت نيفاً وأربعين سنة من العمروما ارتضيت بشيء وما عرفت غير صناعة الملاحة فكيف يمكنني أن أتعرض إلى شيء من العلوم فبينما هو مفكر إذ رأى نملة قد حملت نواة تمرة وهي تريد أن تصعد بها إلى علو وكلما صعدت بها سقطت فلم تزل تجاهد نفسها في طلوعها وهي في كل مرة يزيد ارتفاعها عن الأولى فلم تزل نهارها وهو ينظر إليها إلى أن بلغت غرضها وأطلتها إلى غايتها فلما رآها يحيى النحوي قال لنفسه إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة فإنا أولى أن أبلغ غرضي بالمجاهدة فخرج من وقته وباع سفينته ولازم دار العلم وبدأ بعلم النحو واللغة والمنطق فبرع في هذه الأمور وبرز ولأنه أول ما ابتدأ بالنحو فنسب إليه واشتهر به ووضع كتباً كثيرة منها تفاسير وغيرها ووجدت في بعض تواريخ النصارى أن يحيى النحوي كان في المجمع الرابع الذي اجتمع في مدينة يقال لها خلكدونية وكان في هذا المجمع ستمائة وثلاثون أسقفاً على أوتوشيوس - وهو يحيى النحوي وأصحابه - وأوتوشيوس تفسيره بالعربي أبو سعيد وهذا أوتوشيوس كان طبيباً حكيماً وأنهم لما أحرموه لم ينفوه كما نفوا المحرومين وكان ذلك لحاجتهم إلى طبه وتُرك في مدينة القسطنطينية ولم يزل مقيماً بها حتى مات مرقيان الملك وليحيى النحوي هذا لقب آخر بالرومي يقال له فيلوبينوس أي المجتهد وهو من جملة السبعة الحكماء المصنفين للجوامع الستة عشر وغيرها في مدينة الاسكندرية وله مصنفات كثيرة في الطب وغيره وترك في مدينة القسطنطينية لعلمه وفضله وطبه وقام بعد مرقيان الملك أسطيريوس الملك فاعتل هذا الملك علة شديدة صعبة وذلك من بعد سنتين من حرم أوتوشيوس المذكور فدخل على الملك وعالجه وبرأ من علته فقال له الملك سلني كل حاجة لك فقال له أوتوشيوس حاجتي إليك يا سيدي أن أسقف ذورلية وقع بيني وبينه شر شديد وبغى علي وقويّ عزم أفلابيانوس بطريرك القسطنطينية وحمله على أن جمع لي سوندس أي مجمع وحرمني ظلماً وعدواناً فحاجتي إليك يا سيد بأن تجمع لي جمعاً ينظرون في أمري فقال له الملك أنا أفعل لك هذا إن شاء اللَّه تعالى فأرسل الملك إلى ديسقوروس صاحب الاسكندرية ويوانيس بطرك إنطاكية فأمرهم أن يحضروا عنده فحضر ديسقوروس ومعه ثلاث عشر أسقفاً وأبطأ صاحب إنطاكية ولم يحضر وأمر الملك لديسقوروس أن ينظر في أمر أوتوشيوس وأن يحله من حرمه على أي الجهات كان وقال له متوعداً إنك إن حللته من حرمه بررتك بكل بر وأحسنت إليك غاية الإحسان وإن لم تفعل ذلك قتلتك قتلاً رديئاً فاختار لنفسه البر على القتل فعمل له مجلساً هو وهؤلاء الثلاثة عشر أسقفاً ومن حضر معه أيضاً فحسنوا قصته وحلوه من حرمه وخرج أسقف ذورالية وأصحابه وانصرفوا من القسطنطينية وقد خالفوا رأي الكنيسة وبهذا السبب كان تعصب ديسقوروس لأوتوشيوس المذكور المعروف بيحيى النحوي ومات مخالفاً لمذهب الروم المعروفين بالملكية ومات وهو يعقوبي مخالف للروم المذكورين‏.‏

كتب يحيى النحوي وليحيى النحوي من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الأولى لأرسطوطاليس فسر منها إلى الأشكال الحملية تفسير كتاب أنالوطقيا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس تفسير كتاب الكون والفساد لارسطوطاليس تفسير كتاب مايال لارسطوطاليس تفسير كتاب الفرق لجالينوس تفسير كتاب الصناعة الصغير لجالينوس تفسير كتاب النبض الصغير لجالينوس تفسير كتاب اغلوقن لجالينوس تفسير كتاب الاسطفسات لجالينوس تفسير كتاب المزاج لجالينوس تفسير كتاب القوى الطبيعية لجالينوس تفسير كتاب التشريع الصغير لجالينوس تفسير كتاب العلل والاعراض لجالينوس تفسير كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة لجالينوس تفسير كتاب النبض الكبير لجالينوس تفسير كتاب الحميات لجاليوس تفسير كتاب البُحران لجالينوس تفسير أيام البحران لجالينوس تفسير كتاب حيلة البرء لجالينوس تفسير كتاب تدبير الأصحاء لجالينوس تفسير كتاب منافع الأعضاء لجالينوس جوامع كتاب الترياق لجالينوس جوامع كتاب الفصد لجالينوس كتاب الرد على برقلس ثمان عشرة مقالة كتاب في أن كل سم متناه فقوته متناهية كتاب الرد على ارسطوطاليس ست مقالات مقالة يرد فيها على نسطورس كتاب يرد فيه على قوم لا يعرفون مقالتان مقالة أخرى يرد فيها على قوم آخر مقالة في النبض نقضه للثمان عشرة مسألة لديد وخس برقلس الإفلاطوني شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس‏.‏

قال أبو الحسن علي بن رضوان في كتاب المنافع في كيفية تعليم صناعة الطب وإنما اقتصر الإسكندرانيون على الكتب الستة عشر من سائر كتب جالنوس في التعليم ليكون المشتغل بها إن كانت له قريحة جيدة وخمة حسنة وحرص على التعليم فإنه إذا نظر في هذه الكتب اشتاقت نفسه بما يرى فيها من عجيب حكمة جالينوس في الطب إلى أن ينظر في باق بما يجد من كتبه وكان ترتيبهم لهذه الكتب في سبع مراتب - أما المرتبة الأولى فإنهم جعلوها بمنزلة المدخل إلى صناعة الطب فإن من تحصل له هذه المرتبة يمكنه أن يتعاطى أعمال الطب الجزئية فإن كان ممن له فراغ ودواع تدعوه إلى التعليم والأزدياد تعلم ما بعدها وإن لم يكن له ذلك لم يكد يخفى عليه منافعه في علاج للأمراض وجميع ما في هذه المرتبة أربعة كتب أولها كتاب الفرق وهو مقالة واحدة يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب التجربة وقوانينه أيضاً على رأي أصحاب القياس إذ كان بالتجربة والقياس يستخرج الناس جميع ما في الصنائع وما اتفقا عليه فهو الحق وما اختلفا فيه نُظر فإن كان طريقه القياس عمل على قوانين القياس فيه وإن كان طريقه التجربة عمل على قوانين التجربة فيه‏.‏

والثاني كتاب الصناعة الصغيرة مقالة واحدة يستفاد منها جمل صناعة الطب كلها النظري منها والعملي‏.‏

والثالث كتاب النبض الصغير وهو أيضاً مقالة واحدة يستفاد منه جميع ما يحتاج إليه المتعلم من الاستدلال بالنبض على ما ينتفع به في الأمراض‏.‏

ولأن من يتعاطى الأعمال الجزئية من الطب يضطر إلي معرفة قوى ما يحتاج إليه من الأغذية والأدوية وإلى أن يباشر بنفسه أعمال اليد من صناعة الطب لزمه أن ينظر فيما تدعوه إليه الحاجة من الكتب التي سماها جالينوس في آخر الصناعة الصغيرة أو يتعلم ما يحتاج إليه من ذلك تلقيناً ومشاهدة فصارت هذه الأربعة كتب التي في المرتبة الأولى مقنعة للمتعلم في تعليم صناعة الطب فأما الكامل فإنه يتذكر بها جميع ما فهمه من الصناعة‏.‏

- فأما المرتبة الثانية فإنها أيضاً أربعة كتب الأول منها كتاب الأسطقسات هو مقالة واحدة يستفاد منه أن بدن الإنسان وجميع ما يحتاج إليه سريع التغير قابل للاستحالة فمن ذلك اسطقسات البدن القريبة منه وهي الأعضاء المتشابهة الأجزاء - أعني العظام والأعصاب والشرايين والعروق والأغشية واللحم والشحم وغير ذلك واسطقسات هذه الأعضاء الاخلاط - أعني الدم والصفراء والسوداء والبلغم واستطقسات هذه الأخلاط النار والهواء والماء والأرض فإن مبدأ التكون من هذه الأربعة وأخذ الانحلال إليها وإن هذه الاسطقسات قابلة للتغيير والاستحالة وهذا الكتاب هو أول كتاب يصلح أن يبدأ به من أراد استكمال تعليم صناعة الطب‏.‏

والثاني كتاب المزاج وهو ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أصناف المزاج وبما يتقوم كل واحد والثالث كتاب القوى الطبيعية وهو أيضاً ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة القوى التي تدبر بها طبيعة البدن وأسبابها والعلامات التي يستدل بها عليها‏.‏

والرابع كتاب التشريح الصغير وهو خمس مقالات وضعها جالينوس متفرقة وإنما الاسكندرانيون جمعوها وجعلوها كتاباً واحداً يستفاد منه معرفة أعضاء البدن المتشابهة وعددها وجميع ما يحتاج إليها فيها‏.‏

وهذه الكتب التي في هذه المرتبة الثانية يستفاد من جميعها الأمور الطبيعية للبدن أعني التي قوامه بها وإذا نظر فيها محب التعليم اشتاق أيضاً إلى النظر في كل ما يتعلق بطبيعة البدن أما كتاب المزاج فيشوق إلى مقالته في خصب البدن ومقالته في الهيئة الفاضلة ومقالته في سوء المزاج المختلف وكتابه في الأدوية المفردة ونحو هذا وأما كتاب القوى الطبيعية فيشوق إلى كتابه في المنى وكتابه في منافع الأعضاء وسائر ما وضعه جالينوس في القوى والأرواح والأفعال وأما كتاب التشريح الصغير فيشوق إلى كتابه في عمل التشريح ونحوه‏.‏

- وأما المرتبة الثالثة فكتاب واحد فقط فيه ست مقالات وهو كتاب العلل والأعراض وجالينوس وضع مقالات هذا الكتاب متفرقة وإنما الاسكندرانيون جمعوها وجعلوها في كتاب واحد يستفاد منه معرفة الأمراض وأسبابها والإعراض الحادثة عن الأمراض‏.‏

وهذا باب عظيم الغناء في صناعة الطب على رأي أصحاب القياس وهو أصل عظيم إذا وقف الإنسان على ما في هذا الكتاب وفهمه لم يخف عليه شيء من صناعة الطب أما المرتبة الرابعة فكتابان أحدهما كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة ست مقالات يستفاد منه تعريف كل علة من العلل التي تحدث في الأعضاء الباطنة فإن هذه الأعضاء لا تدرك أمراضها بالعيان لأنها خفية عن الحس فيحتاج إلى أن يستدل عليها بعلامات تُقوَّم كل واحدة منها فإذا ظهرت العلامات المقومة تيقن أن العضو الفلاني علة كذا‏.‏

مثاله ذات الجنب ورم حار يحدث في الغشاء المستبطن للاضلاع والعلامة التي تقومه ضيق النفس والوجع الناخس والحمى والسعال فإن هذه إذا اجتمعت عُلم أن في الغشاء المستبطن للاضلاع ورماً حاراً‏.‏

ولم يضع جالينوس كتاباً في تعرّف علل الأعضاء الظاهرة إذا كانت هذه العلل تقع تحت العيان فيكتفي في تعرفها نظرها بين يدي المعلمين عياناً فقط‏.‏

والثاني كتاب النبض الكبير وهو ينقسم إلى أربعة أجزاء كل جزء منه أربع مقالات يستفاد من الجزء الأول منه معرفة أصناف النبض وجزئيات كل صنف منها ومن الثاني تعريف أدراك كل واحد من أصناف النبض ومن الثالث تعريف أسباب النبض ومن الرابع تعريف منافع أصناف النبض وهذا باب عظيم النفع في الاستدلال على الأمراض ومعرفة قواها ونسبتها إلى قوة البدن - وأما المرتبة الخامسة فثلاثة كتب الأول منها كتاب الحميات مقالتان يستفاد منه معرفة طبائع أصناف الحميات وما يستدل به على كل صنف منا‏.‏

والثاني كتاب البحران ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أوقات المرض ليعطى في كل وقت منها ما يوافق فيه ومعرفة ما يؤول إليه الحال في كل واحد من الأمراض هل يؤول أمره إلى السلامة أو لا وكيف يكون وبماذا يكون والثالث كتاب أيام البحران وهو أيضاً ثلاث مقالات يستفاد منه معرفة أوقات البحران ومعرفة الأيام التي يكون فيها وأسباب ذلك وعلاماته‏.‏

- وأما المرتبة السادسة فكتاب واحد وهو كتاب حيلة البرء أربع عشرة مقالة يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب القياس في كل واحد من الأمراض وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأدوية المفردة وفي كتب جالينوس في الأدوية المركبة - أعني قاطاجانس والميامر وكتاب المعجونات ونحو هذه الكتب‏.‏

- وأما المرتبة السابعة فكتاب واحد وهو كتاب تدبير الأصحاء ست مقالات يستفاد منه حفظ صحة كل واحد من الأبدان وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأغذية وفي كتابه في جودة الكيموس ورداءته وفي كتابه في التدبير الملطف وفي شرائط الرياضة مثال ذلك ما في كتاب جالينوس في الرياضة بالكرة الصغيرة ونحو هذا‏.‏

فالكتب الستة عشر التي اقتصر الاسكندرانيون على تعليمها تدعو الناظر فيها إلى النظر في جميع كتب جالينوس التي استكمل بها صناعة الطب مثال ذلك أن النظر في كتاب آلة الشم يتعلق بما في المرتبة الثانية والنظر في كتابه في علل التنفس يتعلق أيضاً بهذه المرتبة والنظر في كتاب في سوء التنفس وفي كتابه في منفعة التنفس وكتابه في منفعة النبض وكتابه في حركة الصدر والرئة وكتابه في الصوت وكتابه في الحركات المعتاصة وكتابه في أدوار الحميات وكتابه في أوقات الأمراض وغير ذلك من كتبه ومقالاته ورسائله كل واحد منها له تعلق بواحدة من المراتب السبع أو بأكثر من مرتبة واحدة تدعو الضرورة إلى النظر فيه فإذا ما فعله الاسكندرانيون في ذلك حيلة حسنة في حث المشتغل بها على التبحر في صناعة الطب وأن تؤديه العناية والاجتهاد إلى النظر في سائر كتب جالينوس‏.‏

وقال أبو الفرج بن هندو في كتاب مفتاح الطب أن هذه الكتب التي اتخذها الأسكندرانيون من كتب جالينوس وعملوا لها جوامع وزعموا أنها تغني عن متون كتب جالينوس وتكفي كلفة ما فيها من التوابع والفصول قال أبو الخير بن الخمار وهو أستاذ أبي الفرج بن هندو أنا أظن أنهم قد قصروا فيما جمعوا من ذلك لأنهم يعوزهم الكلام في الأغذية والأهوية والأدوية قال والترتيب أيضاً قصروا فيه لأن جالينوس بدأ من التشريح ثم صار إلى القوى والأفعال ثم إلى الاسطقسات قال أبو الفرج وأنا أرى أن الاسكندرانيين إنما اقتصروا على الكتب الستة عشر لا من حيث هي كافية في الطب وحاوية للغرض بل من حيث افتقرت إلى المعلم واحتاجت إلى المفسر ولمن يمكن أن يقف المتعلم على أسرارها والمعاني الغامضة فيها من غير مذاكرة ومطارحة ومن دون مراجعة ومفاوضة‏.‏

فأما الكتب التي ذكرها الاستاذ أبو الخير بن الخمار فالطبيب مضطر إلى معرفتها وأضافتها إلى الكتب التي عددناها غير أنه يمكنه من نفسه الوقف على معانيها واستنباط الأغراض منها بالقوة المستفادة من الستة عشر التي هي القوانيين لما سواها والمراقي إلى ما عداها فإن قلت فما حجة الاسكندرانيين في ترتيبهم لهذه الكتب قلنا إنهم رتبوا بعضها بحسب استحقاقه في نفسه بمنزلة كتاب الفرق فإنه وجب تقديمه لتتنقى به نفس المتعلم من شكوك أصحاب التجربة والمحتالين ومغالطاتهم ويتحقق رأي أصحاب القياس فيقتدي بهم وبمنزلة الصناعة الصغيرة فإنها لما كانت فيها شرارة من صناعة الطب كان الأولى أن يتبع بها كتاب الفرق ويجعل مدخلاً إلى الطب ورتبوا بعضها بحسب ما توجبه إضافته إلى غيره بمنزلة الكتاب الصغير في النبض فإنه جُعل تابعاً للصناعة الصغيرة لأن جالينوس ذكر فيها النبض عند ذكره لمزاج القلب ووجب أيضاً تقديمه على كتاب جالينوس إلى أغلوقن لأنه تكلم في هذا الكتاب في الحميات والنبض وهو أول شيء يعرف منه أمر الحميات‏.‏

على أن الترتيب الذي ذكره الاستاذ أبو الخير أن جالينوس أشار إليه وهو لعمري الترتيب الصناعي وذلك أنه يجب على كل ذي صناعة أن يتدرج في تعليمها من أظهر إلى الأخفى ومن الأخير إلى المبدأ والتشريح هو علم البدن وأعضائه وهذه هي أول ما يظهر لنا من الإنسان وإن آخر ما تفعله الطبيعة فإن الطبيعة تأخذ أولاً الاسطقسات ثم تمزجها فيحصل منها الاخلاط ثم تفعل القوى الأعضاء فيجب أن يكون طريقنا في التعليم بالعكس من طريق الطبيعة في التكوين ولكنا ندع هذا الاضطرار ونرضى ترتيب الاسكندرانيين لأن العلم حاصل على كل حال وخرق اجماع الحكماء معدود من الخرق أقول وللاسكندرانيين أيضاً جوامع كثيرة في العلوم الحكمية والطب ولا سيما لكتب جالينوس وشروحاتها لكتب أبقراط فأما الأطباء المذكورون من النصارى وغيرهم ممن كان معاصراً هؤلاء الأطباء الاسكندرانيين وقريباً من أزمنتهم فمنهم شمعون الراهب المعروف بطيبويه وأهرن لاقس صاحب الكناش وألف كناشه بالسريانية ونقله ماسرجيس إلى العربي وهو ثلاثون مقالة وزاد ما سرجيس مقالتين ويوحنا بن سرابيون وجميع ما ألف سرياني وكان والده سرابيون طبيباً من أهل باجرمي وخرج ولداه طبيبين فاضلين وهما يوحنا وداوود وليوحنا بن سرابيون من الكتب كناش الكبير اثنتا عشرة مقالة كناش الصغير وهو المشهور سبع مقالات ونقله الحديثي الكاتب لأبي الحسن بن نفيس المتطبب في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وهو أحسن عبارة من نقل الحسن بن البهلول الأواني الطبرهاني ونقله أيضاً أبو البشر متَّى‏.‏

ومنهم أنطيلس وبرطلاوس وسندهشار والقهلمان وأبو جريج الراهب وأوراس وبوينوس البيروتي وسيورخنا وفلاغوسوس عيسى بن قسطنطين ويكنى أبا موسى وكان من جملة أفاضل الأطباء وله من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب في البواسير وعللها وعلاجها وأرس وسرجس الرأس عيني وهو أول من نقل كتب اليونانين على ما قيل إلى لغة السريانيين وكان فاضلاً وله مصنفات كثيرة في الطب والفلسفة وأطنوس الآمدي صاحب الكناش المعروف ببقوقونا غريغوريوس صاحب الكناش وأكثر كتب هؤلاء موجودة وقد نقل الرازي كثيراً من كلامهم في كناشه الكبير الجامع المعروف بالحاوي‏.‏

الباب السابع طبقات الأطبَّاء الذين كانوا في أول ظهُور الإسْلاَم

من أطبَّاء العَرب وَغَيرهم

الحارث بن كلدة الثقفي

كان من الطائف وسافر في البلاد وتعلم الطب بناحية فارس وتمرن هناك وعرف الداء والدواء وكان يضرب بالعود تعلم ذلك أيضاً بفارس باليمن وبقي أيام رسول اللَّه صلى الله علية وسلم وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ومعاوية رضي اللَّه عنهم وقال له معاوية ما الطب يا حارث فقال الأزم يعني الجوع ذكر ذلك ابن جلجل وقال الجوهري في كتاب الصحاح الأزم المسك يقال أزم الرجل من الشيء أمسك عنه وقال أبو زيد الأزم الذي ضم شفتيه وفي الحديث أن عمر رضي اللّه عنه سأل الحرث بن كلدة ما الدواء فقال الأزم يعني الحمية قال وكان طبيب العرب ويروى عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه أنه مرض بمكة مرضاً فعاده رسول اللَّه صلى الله علية وسلم فقال ادعوا له الحرث بن كلدة فإنه رجل يتطبب فلما عاده الحرث نظر إليه وقال ليس عليه بأس اتخذوا له فريقة بشيء من تمر عجوة وحلبة يطبخان فتحسّاها فبرئ وكانت للحرث معالجات كثيرة ومعرفة بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه من المداواة وله كلام مستحسن فيما يتعلق بالطب وغيره كلام الحرث مع كسرى من ذلك أنه لما وفد على كسرى أنو شروان أذن له بالدخول عليه فلما وقف بين يديه منتصباً قال له من أنت قال أنا الحرث بن كلدة الثقفي قال فما صناعتك قال الطب قال أَعربيّ أنت قال نعم من صميمها وبحبوحة دارها قال فما تصنع العرب بطبيب مع جهلها وضعف عقولها وسوء أغذيتها قال أيها الملك إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج إلى من يصلح جهلها ويقيم عوجها ويسوس أبدانها ويعدل أمشاجها فإن العاقل يعرف ذلك من نفسه ويمز موضع دائه ويحتزر عن الأدواء كلها بحسن سياسته لنفسه قال كسرى فكيف تعرف ما تورده عليها ولو عرفت الحلم لم تنسب إلى الجهل قال الطفل يناغي فيداوى والحية ترقى فتحاوى ثم قال أيها الملك العقل من قِسَم اللّه تعالى قسمَه بين عباده كقِسمة الرزق فيهم فكلٌ من قمسته أصاب وخص بها قوم وزاد فمنهم مثر ومعدم وجاهل وعالم وعاجز وحازم وذلك تقدير العزيز العليم فأعجب كسرى من كلامه ثم قال فما الذي تحمد من أخلاقها ويعجبك من مذاهبها وسجاياها قال الحرث أيها الملك لها أنفس سخية وقلوب جُرية ولغة فصيحة وألسن بليغة وأنساب صحيحة وأحساب شريفة يمرق من أفواههم الكلام مروق السهم من نبعة الرام أعذب من هواء الربيع وألين من سلسبيل المعين مطعمو الطعام في الجدب وضاربو الهام في الحرب لا يرام عزهم ولا يُضام جارهم ولا يستباح حريمهم ولا يذل أكرمهم ولا يقرون بفضل للأنام إلا للملك الهمام الذي لا يقاس به أحد ولا يوازيه سوقة ولا ملك فاستوى كسرى جالساً وجرى ماء رياضة الحلم في وجهه لما سمع من محكم كلامه وقال لجلسائه أني وجدته راجحاً ولقومه مادحاً وبفضيلتهم ناطقاً وبما يورده من لفظه صادقاً وكذا العاقل من أحكمته التجارب ثم أمره بالجلوس فجلس فقال كيف بصرك بالطب قال ناهيك قال فما أصل الطب قال الأزم قال فما الأزم قال ضبط الشفتين والرفق باليدين قال أصبت وقال فما الداء الدوي قال إدخال الطعام على الطعام هو الذي يفني البرية ويهلك السباع في جوف البرّيّة قال أصبت وقال فما الجمرة التي تصطلم منها الأدواء قال هي التخمة وإن بقيت في الجوف قتلت وإن تحللت أسقمت قال صدقت وقال فما تقول في الحجامة قال في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه والنفس طيبة والعروق ساكنة لسرور يفاجئك وهم يباعدك قال فما تقول في دخول الحمام قل لا تدخله شبعاناً ولا تغش أهلك سكراناً ولا تقم بالليل عرياناً ولا تقعد على الطعام غضباناً وارفق بنفسك يكن أرخى لبالك وقلل من طعامك قال ما لزمتك الصحة فاجتنبه فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت وإن تركتها خربت قال فما تقول في الشراب قال أطيبه أهنأه وأرقه امرأه وأعذبه أشهاده لا تشربه صرفاً فيورثك صداعاً وتثير عليك من الأدواء أنواعاً قال فأي اللحمان أفضل قال الضأن الفتي والقديد المالح مهلك للآكل واجتنب لحم الجزور والبقر قال فما تقول في الفواكه قال كلها في إقبالها وحين أوانها وأتركها إذا أدبرت وولت وانقضى زمانها وأفضل الفواكه الرمان والأترج وأفضل الرياحين الورد والبنفسج وأفضل البقول الهندباء والخس قال فما تقول في شرب الماء قالهو حياة البدن وبه قوامه ينفع ما شرب منه بقدر وشربه بعد النوم ضرر أفضله أمرأه وأرقه أصفاه ومن عظام أنهار البارد الزلال لم يختلط بماء الآجام والآكام ينزل من صرادح المسطان ويتسلل عن الرضراض وعظام الحصى في الإيفاع قال فما طعمه قال لا يوهم له طعم إلا أنه مشتق من الحياة قال فما لونه قال اشتبه على الأبصار لونه لأنه يحكي لون كل شيء يكون فيه قال أخبرني عن أصل الإنسان ما هو قال أصله من حيث شرب الماء يعني رأسه قال فما هذا النور في العينين مركب من ثلاثة أشياء فالبياض شحم والسواد ماء والناظر ريح قال فعلى كم جبل وطبع هذا البدن قال على أربع طبائع المرة السوداء وهي باردة يابسة والمرة الصفراء وهي حارة يابسة والدم وهو حار رطب والبلغم وهو بارد رطب قال فلم لم يكن من طبع واحد قال لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يهلك قال فمن طبيعتين لو كان اقتصر عليهما قال لم يجز لأنهما ضدان يقتتلان قال فمن ثلاث قال لم يصلح موافقان ومخالف فالأربع هو الاعتدال والقيام قال فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة قال كل حلو حار وكل حامض بارد وكل حريف حار وكل مر معتدل وفي المر حار وبارد قال فاضل ما عولج به المرة الصفراء قال كل بارد لين قال فالمرة السوداء قال لين قال والبلغم قال كل حار يابس قال والدم قال إخراجه إذا زاد وتطفئته إذا سخن بالأشياء الباردة اليابسة قال فالرياح قال بالحقن اللينة والأدهان الحارة اللينة قال أفتأمر بالحقنة قال نعم قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء عنه والعجب لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد وأن الجهل كل الجهل من أكل ما قد عرف مضرته ويؤثر شهوته على راحة بدنه قال فما الحمية قال الاقتصاد في كل شيء فإن الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحتها ويسد مسامها قال فما تقول في النساء وإتياتهن قال كثرة غشيانهن رديء وإياك وإتيان المرأة المسنة فإنها كالشن البالي تجذب قوتك وتسقم بدنك ماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل تأخذ منك الكل ولاتعطيك البعض والشابة ماؤها عذب زلال و عناقها غنج ودلال فوها بارد وريقها عذب ريحها طيب وهنها ضيق تزيدك قوة إلى قوتك ونشاطاً إلى نشاطك قال فأيهن القلب اليها أميل والعين برؤيتها أسر قال إذا أصبتها المديدة القامة العظيمة الهامة واسعة الجبين اقناة العرنين كحلاء لعساء صافية الخد عريضة الصدر مليحة النحر في خدها رقة وفي شفتيها لعس مقرونة الحاجبين ناهدة الثديين لطيفة الخصر والقدمين بيضاء فرغاء جعدة غضة بضة تخالها في الظلمة بدراً زاهراً تبسم عن اقحوان وعن مبسم كالارجوان كأنها بيضة مكنونة ألين من الزبد وأحلى من الشهد وأنزه من الفردوس والخلد وأزكى ريحاً من الياسمين والورد تفرح بقربها وتسرك الخلوة معها قال فاستضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه وقال ففي أي الأقات إتياتهن أفضل قال عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى والنفس أهدى والقلب أشهى والرحم أدفى فإن أردت الاستمتاع بها نهاراً تَسرح عينُك في جمال وجهها و ويجتني فوك من ثمرات حسنها ويعي سمعُك من حلاوة لفظها وتسكن الجوارح كلها إليها قال كسرى للَّه درك من إعرابي لقد أعطيت علماً وخصصت فطنة وفهماً وأحسن صلته وأمر بتدوين ما نطق به وقال الواثق باللّه في كتابه المسمى بالبستان إن الحرث بن كلدة مر بقوم وهم في الشمس فقال عليكم الظل فإن الشمس تنهج الثوب وتنقل الريح وتشحب اللون وتهيج الداء الدفين ومن كلام الحرث البطنة بيت الداء والحمية رأس الدواء وعودوا كل بدن ما اعتاد - وقيل هو من كلام عبد الملك بن أبجر وقد نسب قوم هذا الكلام إلى رسول اللَّه صلى الله علية وسلم وأوله المعدة بيت الداء وهو أبلغ من لفظ البطنة - وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنه قال من أراد البقاء ولا بقاء فليجود الغذاء وليأكل على نقاء وليشرب على ظمأ وليقل من شرب الماء ويتمدد بعد الغذاء ويتمشى بعد العشاء ولا يبيت حتى يعرض نفسه على الخلاء ودخول الحمام على البطنة من شر الداء ودخلة إلى الحمام في الصيف خير من عشر في الشتاء وأكل القديد اليابس في الليل معين على الفناء ومجامعة العجوز تهدم أعمار الأحياء وروي بعض هذه الكلمات عن الحرث بن كلدة وفيها من سره النساء ولا نساء فليكر العشاء وليباكر الغداء ليخفف الرداء وليقل غشيان النساء - ومعنى فليكر يؤخر والمراد بالرداء الدين وسمي الدين رداء لقولهم هو في عنقي وفي ذمتي فلما كانت العنق موضع الرداء سمي الدين رداء وقد روي عن طريق آخر وفيه وتعجيل العشاء وهو أصح وروى أبو عوانة عن العشاء وليخفف الرداء وليقل الجماع وروى حرب بن محمد قال حدثنا أبي قال قال الحرث بن كلدة أربعة أشياء تهدم البدن الغشيان على البِطنة ودخول الحمام على الامتلاء وأكل القديد ومجامعة العجوز وروى داود بن رشيد عن عمرو بن عوف قال لما احتضر الحرث بن كلدة اجتمع إليها الناس فقالوا مرنا بأمر ننتهي إليه من بعدك فقال لا تزوجوا من النساء إلا شابة ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها ولا يتعالجن أحد منكم ما احتمَل بدنُه الداء وعليكم بالنورة في كل شهر فإنها مذيبة للبلغم مهلك للمرة منبتة للحم وإذا تغدى أحدكم فلينم على إثر غدائه وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة ومن كلام الحرث أيضاً قال دافع بالدواء ما وجدت مدفعاً ولا تشربه إلا من ضرورة فإنه لا يصلح شيئاً إلا أفسد مثله وقال سليمان بن جلجل أخبرنا الحسن بن الحسين قال أخبرنا سعيد بن الأموي قال أخبرنا عمي محمد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال كان أخوان من ثقيف من بني كنه يتحابان لم يرقطّ أحسن ألفة منهما فخرج الأكبر إلى سفر فأوصى الأصغر بامرأته فوقعت عينه عليها يوماً غير معتمد لذلك فهويها وضني وقدم أخوه فجاءه بالأطباء فلم يعرفوا ما به إلى أن جاءه بالحارث بن كلدة فقال أرى عينين محتجبتين وما أدري ما هذا الوجع وسأجرب فاسقوه نبيذاً فلما عمل النبيذ فيه قال‏:‏ ألا رفقاً ألا رفقاً قليلاً ما أكوننه ألِمَّا بي إلى الأبيات بالخيف أزرهنه غزالا ما رأيت اليوم في دور بني كنه فقالوا له أنت أطب العرب ثم قال رددوا النبيذ عليه فلما عمل فيه قال أيها الجيرة أسلموا وقفوا كي تكلموا وتقضوا لبانة وتحبوا وتنعموا خرجت مزنة من البحر ريا تحمحم هي ما كنَّتي وتزعم أني لها حم قال فطلقها أخوه ثم قال تزوج بها يا أخي فقال واللَّه لا تزوجتها فمات وما تزوجها وللحرث بن كلدة الثقفي من الكتب كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنوشروان النضر بن الحرث بن كلدة الثقفي هو ابن خالة النبي صلى الله علية وسلم وكان النضر قد سافر البلاد أيضا كأبيه واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها وعاشر الأحبار والكهنة واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة وتعلم من أبيه أيضاً ما كان يعلمه من الطب وغيره وكان النضر يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي صلى الله علية وسلم لكونه كان ثقفياً كما قال رسول اللَّه صلى الله علية وسلم قريش والأنصار حليفان وبنو أمية وثقيف حليفان وكان النضر كثير الأذى والحسد للنبي صلى الله علية وسلم ويتكلم فيه بأشياء كثيرة كيما يحط من قدره عند أهل مكة ويبطل ما أتي به بزعمه ولم يعلم بشقاوته إن النبوة أعظم والسعادة أقدر والعناية الألهية أجل والأمور المقدرة أثبت وإنما النضر اعتقد أن بمعلوماته وفضائله وحكمته يقاوم النبوة وأين الثرى من الثريا والحضيض من الأوج والشقي من السعيد وما أحسن ما وجدت حكاية ذكرها أفلاطن في كتاب النواميس في أن النبي وما يأتي به لا يصل إليه الحكيم بحكمته ولا العالم بعلمه قال أفلاطون وقد كان مارينون ملك اليونانيين الذي يذكره أوميرس الشاعر باسمه وجبروته وما تهيأ لليونانيين في سلطانه رمي بشدائد في زمانه وخوارج في سلطانه ففزع إلى فلاسفة عصره فتأملوا مصادر أموره ومواردها وقالوا له قد تأملنا أمرك فلم نجد فيه من جهتك شيئاً يدعو إلى ما لحقك وإنما يعلم الفيلسوف الافراطات وسوء النظام الواقعين في الجزء فأما ما خرج عنه فليس تبحث عنه الفلسفة وإنما يوقف عليه من جهة النبوة وأشاروا عليه أن يطلب نبي عصره ليجتمع له مع علمهم ما ينبئ به وقالوا أنه لا يسكن في البلدان العامرة وإنما يكون بين أقاصي المقفرة بين فقراء ذلك العصر فسألهم ما يجب أن يكون عليه رسله إليه وما يكون دليلاً لهم عليه فقالوا اجعل رسلك إليه من لانت سجيته وظهرت قناعته وصدقت لهجته وكان رجوعه إلى الحق أحب من ظفره به فإن بين من استولى عليه هذا الوصف وبينه وصلة تدلهم عليه وتقدم إليهم في المسألة عنه عند مسقط رأسه ومنشئه وسيرته في هذه المواضع فإنك تجده زاهداً في النعيم راغباً في الصدق مؤثراً للخلوة بعيداً من الحيلة غير حظي من الملوك ينسبونه إلى تجاوز حده والخروج عما جرى عليه أهل طبقته تتأمل فيه الخوف وتخال فيه الغفلة إذا تكلم في الأمر توهمت أنه عالم بأصوله وليس يعرف ما يترقى إليه به وإذا سئل عما يصدر عنه ذكر أنه يلقى على لسانه وفي خاطره في اليقظة وبين النوم واليقظة ما لم ير فيه وإذا سئل عن شيء رأيته كأنه يقتضي الجواب من غيره ولا يفكر فيه تفكير القادر عليه والمستنبط له وإذا وجدوه فسيجمع لهم إلى ما تقرر من وصفه أعاجيب تظهر على لسانه ويده‏.‏

فجمع سبعة نفر وأضاف إليهم أمثل من وجد من الفلاسفة فخرجوا يلتمسونه فوجدوه على مسافة خمسة أيام من مستقر مارينوس في قرية قد خرج أكثر أهلها عنها وسكنوا قريباً من مدينة مارينوس لما آثروه من لين جواره وكثرة الانتفاع به ولم يبق فيها إلا نفر من الزهاد قد قعدوا عن الاكتساب ومشايخ وزمنى خلفهم الجهد وهو بينهم في منزلة شعث وحول النزل جماعة من هؤلاء القوم قد شغفهم جواره وإلهاهم عن الحظوظ التي وصل إليها غيرهم فتلقاهم أهل القرية بالترحيب وسألوهم عن سبب دخولهم قريتهم الشعثة التي ليس فيها ما يحبس أمثالهم عليه فقالوا رغبنا في لقاء هذا الرجل ومشاركتكم في فوائده وسألوهم عن وقت خلوته فقالوا ما له شيء يشغله عنكم فدخلوا إليه فوجدوه مختبياً بين جماعة قد غضوا أبصارهم من هيبته فلما رآه السبعة نفر سبقتهم العبرة وغمرتهم الهيبة ومعهم الفيلسوف ممسك لنفسه ومتهم لحسه يريد أن يستبرئ أمره فسلموا عليه فرد عليهم السلام ردا ضعيفاً وهو كالناعس المتحير ثم زاد نعاسه حتى كادت حبوته أن تنحل فلما تبين من حوله ما تغشاه غضوا أبصارهم ووقفوا وقوف المصلي فقال يا رسل الخاطئ الذي ملك جزءاً من عالمي فنظر إلى صلاحه في سوق الخيرات الجسدية إليه فأفسده بما غمره منها وكان سبيله سبيل من وكل بجزء من بستان كثير الزهر والثمار فصرف إليه أكثر من حصته من ماء ذلك البستان وظن أنه أصلح له فكان ما زاده منه على حصته ناقصاً من طعوم ثماره ورائح أزهاره وسبباً لجفاف أشجار جزءٍ جزءٍ منه وتصويح نبته فلما سمع السبعة نفر هذا لم يملكوا أنفسهم حتى قاموا مع أولئك فوقفوا وقوف المصلين قال الفيلسوف فبقيت جالساً خارجاً عن جملتهم لاستبرئ أمره وأتقصى عجائبه فصاح بي أيها الحسن الظن بنفسه الذي كان أقصى ما لحقه أن سلك بفكره بين المحسوسات الجزئية والمعقولات الكلية واستخلص منها علماً وقف به على طبائع المحسوسات وما قرب منها فظن أنه يبلغ به كل علة ومعلول أنك لا تصل إلي بهذه الطريق لكن بمن جعلته بيني وبين خلقي ونصبته للدلالة على إرادتي فاصرف أكثر عنايتك إلى الاستدلال عليه فإذا أصبته فأردد إليه ما فضل من معرفتك فقد حملته من جودي ما فرقت به بينه وبين غيره وجعلته سمة له يستعرضها إفهام المخلصين للحق‏.‏

ثم تماسك وقوي طرفه فرجع من حوله إلى ما كانوا عليه وخرجت من عنده فلما كان العشية عدت إليه فسمعته يخاطب أصحابه والسبعة نفر بشيء من كلام الزهاد و ينهاهم فيه عن طاعة الجسد فلما انقضى كلامه قلت له قد سمعت ما سلف لك في صدر هذا اليوم وأنا أسألك زيادتي منه فقال كلما سمعته فإنما هو شيء صور في نفسي وأُنطق به لساني وليس لي فيه إلا التبليغ وإن كان منه شيء سنقف عليه فأقمت عنده ثلاثة أيام أُدِّبر السبعة نفر على الرجوع إلى أوطانهم فيأبون ذلك علي فلما كان اليوم الرابع دخلت عليه فما تمكنت من مجلسه حتى تغشاه ما كان غشيه في اليوم الذي دخلنا عليه ثم قال يا رسول الخاطئ المستبطئ نفسه في الرجوع له ارجع إلى بلدك فإنك لا تلحق صاحبك وإني أنسخه بمن يعدِّل ميل الجزء الذي في يده فخرجت من عنده فلحقت بلدي وقد قضى نحبه وتولى الأمر كهل من أهل بيت مارينوس فرد المظالم وخلص الأرواح مما غشيها من لبوسات الترفة والبطالة أقول ولما كان يوم بدر والتقى فيه المسلمون ومشركو قريش و كان المقدم على المشركين أبو سفيان وعدتهم ما بين التسعمائة والألف والمسلمون يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر وأيد اللَّه الإسلام ونصر نبيه صلى الله علية وسلم ووقعت الكسرة على المشركين وقتلت في جملتهم صناديد قريش وأسر جماعة من المشركين فبعضهم استفكوا أنفسهم وبعضهم أمر النبي صلى الله علية وسلم بقتلهم وكان من جملة المأسورين عقبة بن أبي معيط والنضر ابن الحرث بن كلدة فقتلهما عليه السلام بعد منصرفه من بدر‏.‏

حدثني شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي ابن الكريم قال حدثنا أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن الميمون عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه الشافعي اليزدي عن أبي سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفي البغدادي عن أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي الواسطي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب عن أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب الأصبهاني قال حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا مسلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان أن رسول اللّه صلى الله علية وسلم قتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبراً أما عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري فضرب عنقه ثم أقبل من بدر حتى إذا كنا بالصفراء قتل النضر بن الحرث بن كلدة الثقفي أحد بني عبد الدار فقد أمر علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن يضرب عنقه فقالت فتيلة بنت الحرث ترثيه الكامل ياراكباً أن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق بلغ به ميتاً فإن تحية ما إن تزال بها الركائب تخنق مني إليه وعبرة مسفوحة جادت بدرتها وأخرى يخنق فليسمع النضر أن ناديته إن كان يسمع ميت أو ينطق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه للّه أرحام هناك تمزق صبراً يقاد إلى المنية متعباً رسف المقيد وهو عان موثق أمحمدٌ ولأنت نسل نجيبة في قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما مُنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أقرب من أخذت بزلة وأحقهم إن كان عتق يعتق لو كنت قابل فدية لفديته بأعز ما يفدي به من ينفق قال أبو الفرج الأصبهاني فبلغنا أن النبي صلى الله علية وسلم قال لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته فيقال أن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه أقول كان عليه السلام أنما أخر قتل النضر بن الحرث إلى أن وصل الصفراء ليتروى فيه ثم أنه رأى الصواب قتله فأمر بقتله ويروى أيضاً في قولها والنضر أقرب من قتلت قرابة تشير إلى أنه قرابة النبي عليه السلام وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة وبدر موضع وهو اسم ماء قال الشعبي بدر بئر كانت لرجل يدعى بدراً ومنه يوم بدر والصفراء من بدر على سبعة عشر ميلاً ومن المدينة على ثلاث ليال قواصد‏

 

 

ابن أبي رمثة التميمي

كان طبيباً على عهد رسول اللَّه صلى الله علية وسلم ومزاولاً لأعمال اليد وصناعة الجراح وروى نعيم عن ابن أبي عيينة عن ابن أبجر عن زياد عن لقيط عن ابن أبي رمثة قال أتيت رسول اللَّه صلى الله علية وسلم فرأيت بين كتفيه الخاتم فقلت إني طبيب فدعني أعالجه فقال أنت رفيق والطبيب اللَّه قال سليمان بن حسان علم رسول اللَّه أنه رفيق اليد ولم يكن فائقاً في العلم فبان ذلك من قوله والطبيب اللَّه

عبد الملك بن أبجر الكناني

كان طبيباً عالماً ماهراً وكان في أول أمره مقيماً في الإسكندرية لأنه كان المتولي في التدريس بها من بعد الإسكندرانيين الذين تقدم ذكرهم وذلك عندما كانت البلاد في ذلك الوقت لملوك النصارى ثم إن المسلمين لما استولوا على البلاد وملكوا الإسكندرية أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز وكان حينئذ أميراً قبل أن تصل إليه الخلافة وصحبه فلما أفضت الخلافة إلى عمر وذلك في صفر سنة تسع وتسعين للهجرة نقل التدريس إلى إنطاكية وحران وتفرق في البلاد وكان عمر بن عبد العزيز يستطب ابن أبجر ويعتمد عليه في صناعة الطب روى الأعمش عن ابن أبجر أنه قال دع الدواء ما احتمل بدنك الداء وهذا من قول النبي صلى الله علية وسلم سر بدائك ما حملك وروى سفيان عن ابن أبجر أنه قال المعدة حوض الجسد

ابن أثال

كان طبيباً متقدماً من الأطباء المتميزين في دمشق نصراني المذهب ولما ملك معاوية بن أبي سفيان دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه وكان كثير الافتقاد له والاعتقاد فيه والمحادثة معه ليلاً ونهاراً وكان ابن أثال خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة وقواها وما منها سموم قواتل وكان معاوية يقربه لذلك كثيراً ومات في أيام معاوية جماعة كثيرة من أكابر الناس والأمراء من المسلمين بالسم ومن ذلك حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي ابن الكريم قال حدثنا أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن ميمون عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه الشافعي اليزدي عن أبي سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن أبي القاسم الصيرفي البغدادي عن أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي الواسطي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب عن أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني الكاتب قال في كتابه المعروف بالأغاني الكبير أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز قال حدثنا المدائني عن شيخ من أهل الحجاز و عن زيد بن رافع مولى المهاجرين خالد بن الوليد عن أبي ذئب عن أبي سهيل أن معاوية لما أراد أن يظهر العقد ليزيد قال لأهل الشام أن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده ودق عظمه واقترب أجله يريد أن يستخلف عليكم فمن ترون فقالوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فسكت وأضمرها ودس ابن أثال النصراني الطبيب إليه فسقاه سماً فمات وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر ابن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة وكان أسوأ الناس رأياً في عمه لأن أباه المهاجر كان مع علي رضي اللَّه عنه بصفين وكان عبد الرحمن بن خالد مع معاوية وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه هاشمي المذهب فلما قتل عمه عبد الرحمن مر به عروة بن الزبير فقال له يا خالد اتدع لابن أثال نقى أوصال عمك بالشام وأنت بمكة مسيل أزارك تجره وتخطر فيه متخائلاً فحمي خالد ودعى مولى له يقال له نافع فاعلمه الخبر وقال له لا بد من قتل ابن أثال وكان نافع جلداً شهماً فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن أثال يتمسى عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى اسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج فقال خالد لنافع إياك أن تعرض له أنت فإني أضربه ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي فإن رأيت شيئاً يريدني من ورائي فشأنك فلما حاذاه وثب إليه فقتله وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه فلما غشوهما حملاً عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقاً ضيقاً ففاتا الناس‏.‏

وبلغ معاوية الخبر فقال هذا خالد بن المهاجر انظروا الزقاق الذي دخل فيه ففتش عليه وأتي به فقال له لا جزاك اللّه من زائر خيراً قتلت طبيبي فقال قتلت المأمور وبقي الآمر فقال له عليك لعنة اللَّه أما واللّه لو كان تشهّد مرة واحدة لقتلتك به أمعك نافع قال لا قال بلى واللَّه وما اجترأت إلا به ثم أمر بطلبه فوجد فأتي به فضرب مائة سوط ولم ينح خالداً بشيء أكثر من أن حبسه وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم أدخل بيت المال منها ستة آلاف وأخذ ستة آلاف فلم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه وأثبت الذي يدخل بيت المال قال لما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في السجن‏:‏ إما خطاي تقاربت مشي المقيد في الحصار فيما أُمشي في الأ باط ح يقتفي أثري إزاري دع ذا ولكن هل ترى ناراً تشب بذي مرار ما أن تشب لقِرة بالمصطلين ولا قتار ما بال ليلك ليس يَن قص طولها طولُ النهار أتقاصر الأمان أم غرض الأسير من الأسار قال فبلغت أبياته معاوية فأطلقه فرجع إلى مكة فلما قدمها لقي عروة بن الزبير فقال له أما ابن أثال فقد قتلته وهذاك ابن جرموز نقي أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائراً فشكاه عروة إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأقسم عليه أن يمسك عنه ففعل أقول كان الزبير بن العوام مع عائشة يوم الجمل فقتله ابن جرموز ولذلك قال خالد بن المهاجر لعروة بن الزبير عن قتل ابن جرموز لأبيه يعيره بذلك ومما يحقق هذا أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفَيل زوجة الزبير بن العوام قالت ترثيه لما قتله ابن جرموز الكامل غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد اللَّه ربك أن قتلت لمسلماً وجبت عليك عقوبة المتعمد إن الزبير لذو بلاء صادق سمح سجيته كريم المشهد كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا ابن فقع القردد فاذهب فما ظفرت يداك بمثله فيما مضى مما يروح ويغتدي وقال أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي في كتاب الأمثال إن معاوية بن أبي سفيان كان خاف أن يميل الناس إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فاشتكى عبد الرحمان فسقاه الطبيب شربة عسل فيها سم فأخرقته فعند ذلك قال معاوية لا جد إلا ما أقعص عنك من تكره قال وقال معاوية أيضاً حين بلغه أن الأشتر سقي شربة عسل فيها سم فمات إن للَّه جنوداً منها العسل‏.‏

ونقلت من تاريخ أبي عبد اللَّه محمد بن عمر الواقدي قال لما كان في سنة ثمان وثلاثين بعث علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه الأشتر والياً على مصر بعد قتل محمد بن أبي بكر وبلغ معاوية مسيره فدس إلى دهقان بالعريش فقال إن قتلت الأشتر فلك خراجك عشرين سنة فلطف له الدهقان فسأل أي الشراب أحب إليه فقيل العسل فقال عندي عسل من عسل برقة فسمه وأتاه به فشربه فمات وفي تاريخ الطبري أن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما مات مسموماً في أيام معاوية وكان عند معاوية كما قيل دهاء فدس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن رضي اللَّه عنه شربة وقال لها إن قتلت الحسن زوجتك بيزيد فلما توفي الحسن بعثت إلى معاوية تطلب قوله فقال لها في الجواب أنا أضن بيزيد وقال كثير يرثي الحسن رضي اللَّه عنه السريع يا جعد أبكيه ولا تسأمي بكاء حق ليس بالباطل إن تستري الميت على مثله في الناس من حاف ومن ناعل وقال عوانة بن الحكم لما كان قبل موت الحسن بن علي عليهما السلام كتب معاوية إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة أن أقبل المطي فيما بيني وبينك بخبر الحسن بن علي قال فلم يلبث إلا يسيراً حتى كتب مروان بموته وان ابن عباس إذا دخل على معاوية أجلسه معه على سريره فأذن معاوية للناس فأخذوا مجالسهم وجاء ابن عباس فلم يمهله معاوية أن يسلم حتى قال يا ابن عباس هل أتاك موت الحسن بن علي قال لا قال معاوية فإنه قد أتانا موته فاسترجع ابن عباس وقال إن موته يا معاوية لا يزيد في عمرك ولا يدخل عمله معك في قبرك وقد بلينا بأعظم فقدنا منه جده محمد صلى الله علية وسلم فجبر اللّه مصابنا ولم يهلكنا بعده فقال له معاوية اقعد يا ابن عباس فقال ما هذا بيوم قعود وأظهر معاوية الشماتة بموت الحسن رضي اللَّه عنه فقال قثم ابن عباس في ذلك‏:‏ أصبح اليوم ابن هند شامتاً ظاهر النخوة أن مات حسن رحمة الله عليه أنه طال ما أشجى ابن هند وأذن ولقد كان عليه عمره عدل رضوى وثبير وحضن وإذا أقبل حياً رافعاً صوته والصدر يغلي بالإحن فارتع اليوم ابن هند آمناً إنما يغمص بالعير السمن واتق اللّه وأحدث توبة أن ما كان كشيء لم يكن

أبو الحكم

كان طبيباً نصرانياً عالماً بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة وكان يستطبه معاوية بن أبي سفيان ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه وعمّر أبو الحكم هذا عمراً طويلاً حتى تجاوز المائة سنة حدث أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبي قال حدثني عيسى ابن حكم الدمشقي المتطبب قال حدثني أبي عن أبيه قال ولي الموسم في أيام معاوية ابن أبي سفيان و يزيد بن معاوية فوجهني أبوه معه متطبباً له وخرجت مع عبد الصمد ابن علي بن عبد اللَّه بن العباس إلى مكة متطبباً له وقعدد عبد الصمد مثل قعدد يزيد وبين وفاتهما مائة ونيف وعشرون سنة قال يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن حكم عن أبيه أن جده أعلمه أنه كان حمّى عبد الملك بن مروان من شرب الماء في علته التي توفي فيها وأعلمه أنه متى شرب الماء قبل نضج علته توفي قال فاحتمى عن الماء يومين وبعض الثالث قال فإني عنده لجالس وعنده بناته و إذ دخل عليه الوليد ابنه فسأله عن حاله وهو يتبين في وجه الوليد السرور بموته فأجابه بأن قال‏:‏ ومستخبر عنا يريد بنا الردى ومستخبرات والدموع سواجم وكان استفتاحه النصف الأول وهو مواجه للوليد ثم واجه البنات عند قوله النصف الثاني ثم دعا بالماء فشربه فقضى من ساعته

حكم الدمشقي

كان يلحق بابيه في معرفته بالمداواة والأعمال الطبية والصفات البديعة وكان مقيماً بدمشق وعمر أيضاً عمراً طويلاً قال أبو يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن حكم أن والده توفي وكان عبد اللَّه ابن طاهر بدمشق في سنة عشر ومائتين وإن عبد اللّه سأله عن مبلغ عمر أبيه فأعلمه أنه عمره مائة وخمس سنين لم يتغير عقله ولم ينقص علمه فقال عبد اللَّه عاش حكم نصف التاريخ قال يوسف وحدثني عيسى أنه ركب مع أبيه حكم بمدينة دمشق إذ اجتازوا بحانوت حجام قد وقف عليه بشر كثير فلما بصر بنا بعض الوقوف قال أفرجوا هذا حكم المتطبب وعيسى ابنه فأفرج القوم فإذا رجل قد فصده الحجام في العرق الباسليق وقد فصده فصداً واسعاً وكان الباسليق على الشريان فلم يحسن الحجام تعليق العرق فأصاب الشريان ولم يكن عند الحجام حيلة في قطع الدم واستعملنا الحيلة في قطعه بالرفائد ونسج العنكبوت والوبر فلم ينقطع بذلك فسألني والدي عن حيلة فأعلمته أنه لا حيلة عندي فدعا بفستقة فشقها وطرح ما فيها وأخذ أحد نصفي القشرة فجعله على موضع الفصد ثم أخذ حاشية من ثوب كتان غليظ فلف بها موضع الفصد على قشر الفستقة لفاً شديداً حتى كان يستغيث المفتصد من شدته ثم شد ذلك بعد اللف شداً شديداً وأمر بحمل الرجل إلى نهر بردى وأدخل يده في الماء ووطّأ له على شاطئ النهر ونومه عليه وأمر فحسى محات بيض نيمرشت ووكل به تلميذاً من تلامذته وأمره بمنعه من إخراج يده من موضع الفصد من الماء إلا عند وقت الصلاة أو يتخوف عليه الموت من شدة البرد فإن تخوف ذلك أذِن له في إخراج يده هنيهة ثم أمره بردها ففعل ذلك إلى الليل ثم أمر بحمله إلى منزله ونهاه عن تغطية موضع الفصد وعن حل الشد قبل استتمام خمسة أيام ففعل ذلك إلا أنه صار إليه في اليوم الثالث وقد ورم عضده وذراعه ورماً شديداً فنفس من الشد شيئاً يسيراً وقال للرجل الورم أسهل من الموت فلما كان في اليوم الخامس حل الشداد شيئاً يسيراً فوجدنا قشر الفستقة ملتصقاً بلحم الرجل فقال والدي للرجل بهذا القشر نجوت من الموت فإن خلعت هذا القشر قبل انخلاعه وسقوطه من غير فعل منك تلفت نفسك قال عيسى فسقط القشر في اليوم السابع وبقي في مكانه دم يابس في خلقة الفستقة فنهاه والدي عن العبث به أو حك ما حوله أو فتّ شيء من ذلك الدم فلم يزل الدم يتحات حتى انكشف موضع الفصد في أكثر من أربعين ليلة وبرأ الرجل

عيسى بن حكم الدمشقي

وهو المشهور بمسيح صاحب الكناش الكبير الذي يعرف به وينسب إليه قال يوسف بن إبراهيم حدثني عيسى بن الحكم أنه عرض لغضيض أم ولد الرشيد قولنج فأحضرته وأحضرت الأبح والطبري الحاسبين وسألت عيسى عما يرى معالجتها به قال عيسى فأعلمتها أن القولنج قد استحكم بها استحكاماً إن لم تبادره بالحقنة لم يؤمن عليها التلف فقالت للأبح والطبري اختارا لي وقتاً أتعالج فيه فقال لها الأبح علتك هذه ليست من العلل التي يمكن أن يؤخر لها العلاج إلى وقت يحمده المنجمون وأنا أرى أن تبادري بالعلاج قبل أن تعملي عملاً وكذلك يرى عيسى بن حكم فسألتني فأعلمتها أن الأبح قد صدقها فسألت الطبري عن رأيه فقال إن القمر اليوم مع زحل وهو في غد مع المشتري وأنا أرى لك أن تؤخري العلاج إلى مقارنة القمر المشتري فقال الأبح أنا أخاف أن يصير القمر مع المشتري وقد عمل القولنج عملاً لا يحتاج معه إلى علاج فتطيرت من ذلك غضيض ولبنتها أم محمد وأمرتا بإخراجه من الدار وقبلت قول الطبري فماتت غضيض قبل موافاة القمر المشتري فلما وافى القمر المشتري قال الأبح لأم محمد هذا وقت اختيار الطبري للعلاج فأين العليل حتى نعالجه فزادتها رسالته غيظاً عليه ولم تزل سيئة الرأي فيه حتى توفيت قال يوسف نزلت على عيسى بن حكم في منزله بدمشق سنة خمس وعشرين ومائتين وبي نزلة صعبة فكان يغذوني بأغذية طيبة ويسقيني الثلج فكنت أنكر ذلك وأعلمه أن تلك الأغذية مضرة بالنزلة فيعتل علي بالهواء ويقول أنا أعلم بهواء بلدي منك وهذه الأشياء المضرة بالعراق نافعة بدمشق فكنت أغتذي بما يغذوني به فلما خرجت عن البلد خرج مشيعاً لي حتى صرنا إلى الموضع المعروف بالراهب وهو الموضع الذي فارقني فيه فقال لي قد أعددت لك طعاماً يُحمل معك يخالف الأطعمة التي كنت تأكلها وأنا آمرك أن لا تشرب ماء بارداً ولا تأكل من مثل الأغذية التي كنت تأكلها في منزلي شيئاً فلمته على ما كان يغذوني به فقال أنه لا يحسن بالعاقل أن يلزم قوانين الطب مع ضيفه في منزله قال يوسف وتجاريت وعيسى يوماً بدمشق ذكر البصل فابترك في ذمه ووصف معايبه وكان عيسى وسلمويه بن بيان يسلكان طريق الرهبان ولا يحمدان شيئاً مما يزيد في الباه ويذكران أن ذلك مما يتلف الأبدان ويذهب الأنفس فلم استنجد الاحتجاج عليه بزيادة البصل في الباه فقلت له قد رأيت له في سفري هذا أعني فيما بين سر من رأى ودمشق منفعة فسأل عنها فاعلمته أني كنت أذوق الماء في بعض المناهل فأصيبه مالحاً فآكل البصل الني ثم أعاود شرب الماء فأجد ملوحته قد نقصت وكان عيسى قليل الضحك فاستضحك من قولي ثم رجع إلى إظهار جرح منه ثم قال يعز علي أن يغلط مثلك هذا الغلط لأنك صرت إلى أسمج نكتة في البصل وأعيب عيب فيه فجعلتها مدحاً ثم قال لي أليس متى حدث في الدماغ فساد فسدت الحواس حتى ينقص حس الشم والذوق والسمع والبصر فأعلمته أن الأمر كذلك فقال لي إن خاصية البصل إحدث فساد الدماغ فإنما قلل حسك بملوحة الماء ما أحدث البصل في دماغك من الفساد قال وقال لي عيسى وقد شيعني إلى الراهب وهو آخر كلام دار بيني وبينه أن والدي توفي وهو ابن مائة سنة وخمس سنين لم يتشنج له وجه ولم ينقص من ماء وجهه لأشياء كان يفعلها وأنا الآن مزودكها فاعمل بها وهي أن لا تذوق القديد ولا تغسل يديك ورجليك عند خروجك من الحمام أبداً إلا بماء بارد أبرد ما يمكنك والزم ذلك فإنه ينفعك فلزمت ما أمرني به من هذا الباب إلا أني ربما مصصت القطعة الصغيرة من القديد في السنة وفي الأكثر من ذلك ولعيسى بن حكم من الكتب كناش كتاب منافع الحيوان‏.‏

تياذوق

كان طبيباً فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب وعمر وكان في أول دولة بني أمية ومشهوراً عندهم بالطب وصحب أيضاً الحجاج بن يوسف الثقفي المتولي من جهة عبد الملك بن مروان وخدمه بصناعة الطب وكان يعتمد عليه ويثق بمداواته وكان له منه الجامكية الوافرة والافتقاد الكثير ومن كلام تياذوق للحجاج قال لا تنكح إلا شابة ولا تأكل من اللحم إلا فتياً ولا تشرب الدواء إلا من علة ولا تأكل الفاكهة إلا في أوان نضجها وأجد مضغ الطعام وإذا أكلت نهاراً فلا بأس أن تنام وإذا أكلت ليلاً فلا تنم حتى تمشي ولو خمسين خطوة فقال له بعض من حضر إذا كان الأمر كما تقول فلم هلك بقراط ولم هلك جالينوس وغيرهما ولم يبق أحد منهم قال يا بني قد احتججت فاسمع إن القوم دبّروا أنفسهم بما يملكون وغلبهم ما لا يملكون - يعني الموت - وما يرد من خارج كالحر والبرد والوقوع والغرق والجراح والغم وما أشبه ذلك وأوصى تياذوق أيضاً الحجاج فقال لا تأكلن حتى تجوع ولا تتكارهنّ على الجماع ولا تحبس البول وخذ من الحمام قبل أن يأخذ منك وقال أيضاً للحجاج أربعة تهدم العمر وربما قتلن دخول الحمام على البطنة والمجامعة على الامتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق وما مجامعة العجوز ببعيدة منهن ووجد الحجاج في رأسه صداعاً فبعث إلى تياذوق وأحضره فقال اغسل رجليك بماء حار وادهنهما وخصي للحجاج قائم على رأسه فقال واللَّه ما رأيت طبيباً أقل معرفة بالطب منك شكى الأمير الصداع في رأسه فتصف له دواء في رجليه فقال له أما أن علامة ما قلت فيك بينة قال الخصي وما هي قال نُزعت خصيتاك فذهب شعر لحيتك فضحك الحجاج ومن حضر وشكى الحجاج ضعفاً في معدته وقصوراً في الهضم إلى تياذوق فقال يكون الأمير يحضر بين يديه الفستق الأحمر القشر البراني ويكسره ويأكل من لبه فإن ذلك يقوي المعدة فلما أمس الحجاج بعث إلى حظاياه وقال إن تياذوق وصف لي الفستق فبعث إليه كل واحدة منهن صينية فيها قلوب فستق فأكل من ذلك حتى امتلأ وأصابته بعقبه هيضة كادت تأتي على نفسه فشكى حاله إلى تياذوق وقال وصفت لي شيئاً أضرَّ بي وذكر له ما تناول فقال له إنما قلت لك أن حضر عندك الفستق بقشره البراني فتكسر الواحدة بعد الواحدة وتلوك قشرها البراني وفيه العطرية والقبض فيكون بذلك تقوية المعدة وأنت فقد عملت غير ما قلت لك وداواه مما عرض له قيل ومن أخباره مع الحجاج أنه دخل عليه يوماً فقال له الحجاج أي شيء دواء أكل الطين فقال عزيمة مثلك أيها الأمير فرمى الحجاج بالطين من يده ولم يعد إليه أبداً وقيل أن بعض الملوك لما رأى تياذوق وقد شاخ وكبر سنه وخشي أن يموت ولا يعتاض عنه لأنه كان أعلم الناس وأحذق الأمة في وقته بالطب فقال له صف لي ما أعتمد عليه فأسوس به نفسي وأعمل به أيام حياتي فلست آمن أن يحدث عليك حدث الموت ولا أجد مثلك فقال تياذوق أيها الملك بالخيرات أقول لك عشرة أبواب إن علمت واجتنبتها لم تعتل مدة حياتك وهذه عشر كلمات 1 - لا تأكل طعاماً وفي معدتك طعام 2 - ولا تأكل ما تضعف أسنانك من مضغه وفتضعف معدتك عن هضمه 3 - ولا تشرب الماء على الطعام حتى تفرغ ساعتين فإن أصل الداء التخمة وأصل التخمة الماء على الطعام 4 - وعليك بدخول الحمام في كل يومين مرة واحدة فإنه يخرج من جسدك ما لا يصل إليه الدواء 5 - وأكثر الدم في بدنك تحرص به نفسك 6 - وعليك كل فصل قيئة ومسهلة 7 - ولا تحبس البول وإن كنت راكباً 8 - واعرض نفسك عل الخلاء قبل نومك 9 - ولا تكثر الجماع فإنه يقتبس من نار الحياة فليكثر أو يقل 10 - ولا تجامع العجوز فإنه يورث الموت الفجأة فلما سمع الملك ذلك أمر كاتبه أن يكتب هذه الألفاظ بالذهب الأحمر ويضعه في صندوق من ذهب مرصع وبقي ينظر إليه في كل يوم ويعمل به فلم يعتل مدة حياته حتى جاءه الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب قال قال الحجاج لابنه محمد يا بني إن تياذوق الطبيب كان قد أوصاني في تدبير الصحة بوصية كنت استعملها فلم أر إلا خيراً ولما حضرته الوفاة دخلت عليه أعوده فقال الزم ما كنت وصيتك به وما نسيت منها فلا تنس لا تشربن دواء حتى تحتاج إليه ولا تأكلن طعاماً وفي جوفك طعام وإذا أكلت فامش أربعين خطوة وذا امتلأت من الطعام فنم على جنبك الأيسر ولا تأكلن الفاكهة وهي مولية ولا تأكلن من اللحم إلا فتياً ولا تنكحن عجوزاً وعليك بالسواك ولا تتبعن اللحم اللحم فإن إدخال اللحم على اللحم يقتل الأُسود في الفلوات وقال أيضاً إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتاب أخبار الحجاج إن الحجاج لما قتل سعيد بن جبير رحمه اللَّه وكان من خيار التابعين وجرى بينهما كلام كثير وأمر به فذبح بين يديه وخرج منه دم كثير استكثره وهاله فقال الحجاج لتياذوق طبيبه ما هذا قال لاجتماع نفسه وأنه لم يجزع من الموت ولا هاب ما فعلته به وغيره تقتله وهو مفترق النفس فيقل دمه لذلك ومات تياذوق بعد ما أسن وكبر وكانت وفاته بواسط في نحو سنة تسعين للهجرة ولتياذوق من الكتب كناش كبير ألفه لابنه كتاب إيدال الأدوية وكيفية دقها وإيقاعها وإذابتها وشيء من تفسير أسماء الأدوية‏.‏

زينب طبيبة بني أود

كانت عارفة بالأعمال الطبية خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات مشهورة بين العرب بذلك قال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني الكبير أخبرنا محمد بن خلف المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن كناسة عن أبيه عن جده قال أتيت أمرأة من بني أود لتكحلني من رمد كان قد أصابني فكحلتني ثم قالت اضطجع قليلاً حتى يدور الدواء في عينيك فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر‏:‏ أمخترمي ريب المنون ولم أزر طبيب بني أود على النأي زينبا فضحكت ثم قالت أتدري فيمن قيل هذا الشعر قلت لا قالت فيَّ واللَّه قيل وأنا زينب التي عناها وأنا طبيبة بني أود افتدري من الشاعر قلت لا قالت عمك أبو سماك الأسدي‏.

 

 

الباب الثامن طبقات الأطباء السريانيين

الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العبَّاس ولنبتدئ أولاً بذكر جورجس وابنه بختيشوع والمتميزين من أولاده على تواليهم ثم أذكر بعد ذلك ما يليق ذكره من الأطباء الذين كانوا في ذلك الوقت‏.‏

جورجيوس بن جبرائيل

كانت له خبرة بصناعة الطب ومعرفة بالمداواة وأنواع العلاج وخدم بصناعة الطب المنصور وكان حظياً عنده رفيع المنزلة ونال من جهته أموالاً جزيلة وقد نقل للمنصور كتباً كثيرة من كتب اليونانيين إلى العربي قال فثيون الترجمان أن أول من استدعى أبو جعفر المنصور لجورجس هو أن المنصور في سنة مائة وثمان وأربعين سنة للهجرة مرض وفسدت معدته وانقطعت شهوته وكلما عالجه الأطباء ازداد مرضه فتقدم إلى الربيع بأن يجمع الأطباء لمشاورتهم فجمعهم فقال لهم المنصور من تعرفون من الأطباء في سائر المدن طبيباً ماهراً فقالوا ليس في وقتنا هذا أحد يشبه جورجس رئيس أطباء جندي سابور فإنه ماهر في الطب وله مصنفات جليلة فانفذ المنصور في الوقت من يحضره فلما وصل الرسول إلى عامل البلد احضر جورجس وخاطبه بالخروج معه فقال له علي ههنا أسباب ولا بد أن تصبر علي أياماً حتى أخرج معك فقال له إن أنت خرجت معي في غد طوعاً وإلا أخرجتك كرهاً وامتنع عليه جورجس فأمر باعتقاله ولما اعتقل اجتمع رؤساء المدينة مع المطران فأشاروا على جورجس بالخروج فخرج بعد أن أوصى ابنه بختيشوع بأمر البيمارستان وأموره التي تتعلق به هناك وأخذ معه إبراهيم تلميذه وسرجس تلميذه فقال له ابنه بختيشوع لا تدع هاهنا عيسى بن شهلا فإنه يؤذي أهل البيمارستان فترك سرجس وأخذ عيسى معه عوضاً عنه وخرج إلى مدينة السلام ولما ودعه بختيشوع ابنه قال له لم لا تأخذني معك فقال لا تعجل يا بني فإنك ستخدم الملوك وتبلغ من الأحوال أجلها ولما وصل جورجس إلى الحضرة أمر المنصور بإيصاله إليه ولما وصل دعا إليه بالفارسية والعربية فتعجب الخليفة من حسن منظره ومنطقه فأجلسه قدامه وسأله عن أشياء فأجابه عنها بسكون فقال له قد ظفرت منك بما كنت أحبه وأشتاقه وحدثه بعلته وكيف كان ابتداؤها فقال له جورجس أنا أدبرك كما تحب فأمر الخليفة له في الوقت بخلعة جلية وقال للربيع أنزله في منزل جليل من دورنا وأكرمه كما تكرم أخص الأهل ولما كان من غد دخل إليه ونظر إلى نبضه وإلى قارورة الماء ووافقه على تخفيف الغذاء ودبره تدبيراً لطيفاً حتى رجع إلى مزاجه الأول وفرح به الخليفة فرحاً شديداً وأمر أن يجاب إلى كل ما يسأل ولما كان بعد أيام قال الخليفة للربيع أرى هذا الرجل قد تغير وجهه لا يكون قد منعته مما يشربه على عادته قال له الربيع لم نأذن له أن يدخل إلى هذه الدار مشروباً فأجابه بقبيح وقال له لا بد أن تمضي بنفسك حتى تحضره من المشروب كل ما يريده فمضى الربيع إلى قطربل وحمل منها إلى غاية ما أمكنه من الشراب الجيد ولما كان بعد سنتين قال الخليفة لجورجس أرسل من يحضر ابنك إلينا فقد بلغني أنه مثلك في الطب فقال له جورجس جندي سابور إليه محتاجة وإن فارقها انفسد أمر البيمارستان وكان أهل المدينة إذا مرضوا ساروا إليه وهاهنا معي تلامذة قد ربيتهم وخرجتهم في الصناعة حتى أنهم مثلي فأمر الخليفة بإحضارهم في غد ذلك اليوم ليختبرهم فلما كان من غد أخذ معه عيسى بن شهلا وأوصله إليه فسأله الخليفة عن أشياء وجده فيها حاد المزاج حاذقاً بالصناعة فقال الخليفة لجورجس ما أحسن ما وصفت هذا التلميذ وعلمته قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وخمسين ومائة دخل جورجس إلى الخليفة في يوم الميلاد فقال له الخليفة أي شيء آكل اليوم فقال له ما تريد وخرج من بين يديه فلما بلغ الباب رده وقال له من يخدمك هاهنا فقال له تلامذتي فقال له سمعت أنه ليست لك امرأة فقال له لي زوجة كبيرة ضعيفة ولا تقدر تنتقل إليّ من موضعها وخرج من حضرته ومضى إلى البيعة فأمر الخليفة خادمه سالماً إن يختار من الجواري الروميات الحسان ثلاثاً ويحملهن إلى جورجس مع ثلاث آلاف دينار ففعل ذلك ولما انصرف جورجس إلى منزله عرفه عيسى بن شهلا بما جرى وأراه الجواري فأنكر أمورهن وقال لعيسى تلميذه يا تلميذ الشيطان لِم أدخلت هؤلاء منزلي امض ردهن إلى صاحبهن ثم ركب جورجس وعيسى ومعه الجواري إلى دار الخليفة وردهن على الخادم فلما اتصل الخبر بالمنصور أحضره وقال له لِم رددت الجواري قال له هؤلاء لا يكونون معي في بيت واحد لأنا نحن معشر النصارى لا نتزوج بأكثر من امرأة واحدة وما دامت المرأة في الحياة لا نأخذ غيرها فحسن موقعه من الخليفة وأمر في وقته أن يدخل جورجس إلى حظاياه وحرمه ويخدمهن وزاد موضعه في عينه وعظم محله قال فثيون ولما كان في سنة مائة واثنتين وخمسين سنة مرض جورجس مرضا صعباً وكان الخليفة يرسل إليه في كل يوم الخدم حتى يعرف خبره ولما اشتد مرض جورجس أمربه الخليفة فحمل على سرير إلى دار العامة وخرج إليه الخليفة ماشياً وراءه وسأله عن خبره فبكى جورجس بكاء شديدا وقال له إن رأى أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه إن يأذن لي في المصير إلى بلدي لأنظر إلى أهلي وولدي وإن مت قبرت مع آبائي فقال الخليفة يا جورجس اتق اللَّه وأَسْلِم وأنا أضمن لك الجنة‏.‏

قال جورجس أنا على دين آبائي أموت وحيث يكون آبائي أحب أن أكون إما في الجنة أو في جهنم فضحك الخليفة من قوله وقال له وجدت راحة عظيمة في جسمي منذ رأيتك وإلى هذه الغاية وقد تخلصت من الأمراض التي كانت تلحقني قال له جورجس إني أخلف بين يديك عيسى وهو تربيتي فأمر الخليفة أن يخرج جورجس إلى بلده وأن يدفع إليه عشرة آلاف دينار وأنفذ معه خادماً وقال إن مات في طريقه فاحمله إلى منزله ليدفن هناك كما آثر فوصل إلى بلده حياً وحصل عيسى بن شهلا في الخدمة وبسط يده على المطارنة والأساقفة يأخذ أموالهم لنفسه حتي أنه كتب إلى مطران نصيبين كتاباً يلتمس منه فيه من آلات البيعة أشياء جليلة المقدار ويتهدده متى أخرها عنه وقال في كتابه إلي المطران ألست تعلم أن أمر الملك بيدي إن شئت أمرضته ؤإن شئت عافيته فعندما وقف المطران على الكتاب احتال في التوصل حتى وافى الربيع وشرح له صورته وأقرأه الكتاب فأوصله الربيع إلى الخليفة حتى عرف شرح ما جرى فأمر بنفى عيسى بن شهلا بعد أن أخذ منه جميع ما ملكه ثم قال الخليفة للربيع سل عن جورجس فإن كان حياً فأنفذ من يحضره وإن كان قد مات فاحضر ابنه فكتب الربيع إلى العامل بجندي سابور في ذلك واتفق أن جورجس سقط في تلك الأيام من السطح وضعف ضعفاً فلما خاطبه أمير البلد قال له أنا أنفذ إلى الخليفة طبيباً ماهراً يخدمه إلى أن أصلح وأتوجه إليه وأحضر إبراهيم تلميذه وأنفذه إلى الأمير مع كتاب شرح فيه حال جورجس إلى الربيع فلما وصل إلى الربيع أوصله إلى الخليفة وخاطبه الخليفة في أشياء فوجده فيها حاد المزاج جيد الجواب فقربه وأكرمه وخلع عليه ووهب له مالاً واستخلصه لخدمته ولم يزل في الخدمة إلى أن مات المنصور ولجورجس من الكتب كناشه المشهور ونقله حنين بن إسحاق من السرياني إلى العربي‏.‏

بختيشوع بن جورجس

ومعنى بختيشوع عبد المسيح لأن في اللغة السريانية البخت العبد ويشوع عيسى عليه السلام وكان بختيشوع يلحق بأبيه في معرفته بصناعة الطب ومزاولته لأعمالها وخدم هارون الرشيد وتميز في أيامه قال فثيون الترجمان لما مرض موسى الهادي أرسل إلى جندي سابور من يحضر له بختيشوع فمات قبل قدوم بختيشوع وكان من خبره أنه جمع الأطباء وهم أبو قريش عيسى وعبد اللَّه الطيفوري وداؤد بن سرابيون وقال لهم أنتم تأخذون أموالي وجوائزي وفي وقت الشدة تتقاعدون بي فقال له أبو قريش علينا الاجتهاد واللَّه يهب السلامة فاغتاظ من هذا فقل له الربيع قد وُصف لنا أن بنهر صرصر طبيباً ماهراً يقال له عبد يشوع بن نصر فأمر بإحضاره وبأن تضرب أعناق الأطباء فلم يفعل الربيع هذا لعلمه باختلال عقله من شدة المرض ولأنه كان آمناً منه ووجه إلى صرصر حتى أحضر الرجل ولما دخل على موسى قال له رأيت القارورة قال نعم يا أمير المؤمنين وها أنا أصنع لك دواء تأخذه وإذا كان على تسع ساعات تبرأ وتتخلص وخرج من عنده وقال للأطباء لا تشغلوا قلوبكم فإنكم في هذا اليوم تنصرفون إلي بيوتكم وكان الهادي قد أمر بأن يدفع إليه عشرة آلاف درهم ليبتاع له بها الدواء فأخذها ووجه بها إلى بيته وأحضر أدوية وجمع الأطباء بالقرب من موضع الخليفة وقال لهم دقوا حتى يسمع وتسكن نفسه فإنكم في آخر النهار تتخلصون وكان كل ساعة يدعو به ويسأله عن الدواء فيقول له هو ذا تسمع صوت الدق فيسكت ولما كان بعد تسع ساعات مات وتخلص الأطباء وهذا في سنة سبعين ومائة قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وسبعين ومائة مرض هارون الرشيد من صداع لحقه فقال ليحيى بن خالد هؤلاء الأطباء ليس يحسنون شيئاً فقال له يحيى يا أمير المؤمنين أبو قريش طبيب والدك ووالدتك فقال ليس هو بصيراً بالطب إنما كرامتي له لقديم حرمته فينبغي أن تطلب لي طبيباً ماهراً فقال له يحيى بن خالد أنه لما مرض أخوك موسى أرسل والدك إلى جندي سابور حتى حضر رجلاً يعرف ببختيشوع قال له فكيف تركه يمضي فقال لما رأى عيسى أبا قريش ووالدتك يحسدانه اذن له في الإنصراف إلى بلده فقال له أرسل بالبريد حتى يحملوه إن كان حياً ولما كان بعد مدة مديدة وافى بختيشوع الكبير بن جورجس ووصل إلى هارون الرشيد ودعا له بالعربية وبالفارسية فضحك الخليفة وقال ليحيى بن خالد أنت منطقي فتكلم معه حتى أسمع كلامه فقال له يحيى بل ندعو بالأطباء فدعى بهم وهم أبو قريش عيسى وعبد اللَّه الطيفوري وداود بن سرابيون وسرجس فلما رأوا يختيشوع قال أبو قريش يا أمير المؤمنين ليس في الجماعة من يقدر على الكلام مع هذا لأنه كون الكلام هو وأبوه وجنسه فلاسفة فقال الرشيد لبعض الخدم أحضره ماء دابّةٍ حتى نجربه فمضى الخادم وأحضره قارورة الماء فلما رآه قال يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان قال له أبو قريش كذبت هذا ماء حظية الخليفة فقال له بختيشوع لك أقول أيها الشيخ الكريم لم يبل هذا الإنسان البتة وإن كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت بهيمة فقال له الخليفة من أين علمت أنه ليس ببول إنسان قال له بختيشوع لأنه ليس له قوام بول الناس ولا لونه ولا ريحه قال له الخليفة بين يدي من قرأت قال له قدام أبي جورجس قرأت قال له الأطباء أبوه كان اسمه جورجس ولم يكن مثله في زمانه وكان يكرمه أبو جعفر المنصور إكراماً شديداً ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء فقال شعيراً جيداً فضحك الرشيد ضحكاً شديداً وأمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة ووهب له مالاً وافراً وقال بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم وله يسمعون ويطيعون ولبختيشوع بن جرجس من الكتب كناش مختصر كتاب التذكرة ألفه لابنه جبرائيل‏.‏

جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس

كان مشهوراً بالفضل جيد التصرف في المداواة عالي الهمة سعيد الجد حظياً عند الخلفاء رفيع المنزلة عندهم كثيري الإحسان إليه وحصل من جهته من الأموال ما لم يحصله غيره من الأطباء قال فثيون الترجمان لما كان في سنة خمس وسبعين ومائة مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك فتقدم الرشيد إلى بختيشوع أن يتولى خدمته ومعالجته ولما كان في بعض الأيام قال له جعفر أريد أن تختار لي طبيباً ماهراً أكرمه وأحسن إليه قال له بختيشوع ابني جبرائيل أمهر مني وليس في الأطباء من يشاكله فقال له احضرنيه ولما أحضره عالجه في مدة ثلاث أيام وبرأ فأحبه جعفر مثل نفسه وكان لا يصبر عنه ساعة ومعه يأكل ويشرب وفي تلك الأيام تمطت حظية الرشيد ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والأدهان ولا ينفع ذلك شيئاً فقال الرشيد لجعفر بن يحيى قد بقيت هذه الصبية بعلتها قال له جعفر لي طبيب ماهر وهو ابن بختيشوع ندعوه ونخاطبه في معنى هذا المرض فلعل عنده حيلة في علاجه فأمر بإحضاره ولما حضر قال له الرشيد ما اسمك قال جبرائيل قال له أي شيء تعرف من الطب فقال أبرد الحار وأسخن البارد وأرطب اليابس وأيبس الرطب الخارج عن الطبع فضحك الخليفة وقال هذا غاية ما يحتاج إليه في صناعة الطب ثم شرح له حال الصبية فقال له جبرائيل إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة فقال له وما هي قال تخرج الجارية إلى هاهنا بحضرة الجمع حتى أعمل ما أريده وتمهل علي ولا تعجل بالسخط فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت وحين رآها جبرائيل عدا إليها ونكس رأسه ومسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها فأنزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضاؤها وبسطت يديها إلى أسفل ومسكت ذيلها فقال جبرائيل قد برئت يا أمير المؤمنين فقال الرشيد للجارية إبسطي يديك يمنة ويسرة ففعلت ذلك وعجب الرشيد وكل من كان بين يديه وأمر الرشيد في الوقت لجبرائيل بخمسمائة ألف درهم وأحبه مثل نفسه وجعله رئيساً على جميع الأطباء ولما سئل جبرائيل عن سبب العلة قال هذه الجارية أنصب إلى أعضائها وقت المجامعة خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة ولا جل أنّ سكون حركةِ الجماع تكوّن بغتة جَمُدت الفضلةُ في بطون جميع الأعصاب وما كان يحلها إلا حركة مثلها فاحتلت حتى انبسطت حرارتها وانحلت الفضلة قال فثيون وكان محل جبرائيل يقوى في كل وقت حتى أن الرشيد قال لأصحابه كل من كانت له إلي حاجة فليخاطب بها جبرائيل لأني أفعل كل ما يسألني فيه ويطلبه مني فكان القواد يقصدونه في كل أمورهم وحاله تتزايد ومنذ يوم خدم الرشيد وإلى أن انقضت خمس عشرة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عنده وفي آخر أيام الرشيد عند حصوله بطوس مرض المرضة التي توفي فيها ولما قوي عليه المرض قال لجبرائيل لم لا تبرئني فقال له قد كنت أنهاك دائماً عن التخليط وأقول لك قديماً أن تخفف من الجماع فلا تسمع مني والآن سألتك أن ترجع إلى بلدك فأنه أوفق لمزاجك فلم تقبل وهذا مرض شديد وأرجو أن يمن اللَّه بعافتيك فأمر بحبسه وقيل له أن بفارس أسقفاً يفهم الطب فوجه من يحضره إليه ولما حضره ورآه قال له الذي عالجك لم يكن يفهم الطب فزاد ذلك أبعاد جبرائيل وكان الفضل بن الربيع يحب جبرائيل ورأى أن الأسقف كذاب يريد إقامة السوق فأحسن فيما بينه وبين جبرائيل وكان الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزيد وهو يقول له أنت قريب من الصحة ثم قال له هذا المرض كله من خطأ جبرائيل فتقدم الرشيد بقتله فلم يقبل منه الفضل بن الربيع لأنه كان يئس من حياته فاستبقى جبرائيل‏.‏

ولما كان بعد أيام يسيرة مات الرشيد ولحق الفضل بن الربيع في تلك الأيام قولنج صعب أيس الأطباء منه فعالجه جبرائيل بألطف علاج وأحسنه فبرأ الفضل وازدادت محبته له وعجبه به قال فثيون ولما تولى محمد الأمين وافى إليه جبرائيل فقبله أحسن قبول وأكرمه ووهب له أموالاً جلية أكثر مما كان أبوه يهب له وكان الأمين لا يأكل ولا يشرب إلا بإذنه فلما كان من الأمين ما كان وملك الأمر المأمون كتب إلى الحسن بن سهل وهو يخلفه بالحضرة بأن يقبض على جبرائيل ويحبسه لأنه ترك قصره بعد موت أبيه الرشيد ومضى إلى أخيه الأمين ففعل الحسن بن سهل هذا ولما كان في سنة اثنتين ومائتين مرض الحسن بن سهل مرضاً شديداً وعالجه الأطباء فلم ينتفع بذلك فأخرج جبرائيل من الحبس حتى عالجه وبرأ في أيام يسيرة فوهب له سراً مالاً وافراً وكتب إلى المأمون يعرفه خبر علته وكيف برأ على يد جبرائيل ويسأله في أمره فأجابه بالصفح عنه قال فثيون ولما دخل المأمون الحضرة في سنة خمس ومائتين أمر بأن يجلس جبرائيل في منزله ولا يُخدم ووجّه مَن أحضر ميخائيل المتطبب وهو صهر جبرائيل وجعله مكانه وأكرمه إكراماً وافراً كياداً لجبرائيل قال ولما كان في سنة عشر ومائتين مرض المأمون مرضاً صعباً وكان وجوه الأطباء يعالجونه ولا يصلح فقال لميخائيل الأدوية التي تعطيني تزيدني شراً فاجمع الأطباء وشاورهم في أمري فقال له أخوه أبو عيسى يا أمير المؤمنين نحضر جبرائيل فإنه يعرف مزاجاتنا منذ الصبا فتغافل عن كلامه وأحضر أبو إسحاق أخوه يوحنا بن ماسويه فثلبه ميخائيل طبيبه ووقع فيه وطعن عليه فلما ضعفت قوة المأمون عن أخذ الأدوية أذكروه بجبرائيل فأمر بإحضاره ولما حضر غيَّر تدبيره كله فاستقل بعد يوم وبعد ثلاثة أيام صلح فسر به المأمون سروراً عظيماً ولما كان بعد أيام يسيرة صلح صلاحاً تاماً وأذن له جبرائيل في الأكل والشرب ففعل ذلك وقال له أبو عيسى أخوه وهو جالس معه على الشرب مثل هذا الرجل الذي لم يكن مثله ولا يكون و سبيله أن يكرم فأمر له المأمون بألف ألف درهم وبألف كر حنطة ورد عليه سائر ما قبض منه من الأملاك والضياع وصار إذا خاطبه كناه بأبي عيسى جبرائيل وأكرمه زيادة على ما كان أبوه يكرمه وانتهى به الأمر في الجلالة إلى أن كان كل من تقلد عملاً لا يخرج إلى عمله إلا بعد أن يلقى جبرائيل ويكرمه وكان عند المأمون مثل أبيه ونقص محل ميخائيل الطبيب صهر جبرائيل وانحط قال يوسف بن إبراهيم دخلت على جبرائيل داره التي بالميدان في يوم من تموز وبين يديه المائدة وعليها فراخ طيور مسرولة كبار وقد عملت كردناجاً بفلفل وهو يأكل منها وطالبني بأن آكل معه فقلت له كيف آكل منها في مثل هذا الوقت من السنة وسني سن الشباب قال لي ما الحمية عندك فقلت تجنب الأغذية الرديئة فقال لي غلطت ليس ما ذكرت حمية ثم قال لا أعرف أحداً عظم قدره ولا صغر يصل إلى الإمساك عن غداء من الأغذية كل دهره إلا أن يكون يبغضه ولا تتوق نفسه إليه لأن الإنسان قد يمسك عن أكل الشيء برهة من دهره ثم يضطره إلى أكله عدم أدم سواه لعلة من العلل أو مساعدة لعليل يكون عنده أوصديق يحلف عليه أو شهوة تتجدد له فمتى أكله وقد أمسك عن أكله منه المدة الطويلة لم تقبله طبيعته ونفرت منه وأحدث ذلك في بدن آكله مرضاً كثيراً وربما أتى على نفسه والأصلح للأبدان تمرينها على أكل الأغذية الرديئة حتى تألفها وأن يأكل منها في كل يوم شيئاً واحداً‏.‏

ولا يجمع أكل شيئين رديئين في يوم واحد وإذا أكل من بعض هذه الأشياء في يوم لم يعاود أكله في غد ذلك اليوم فإن الأبدان إذا مرنت على أكل هذه الأشياء ثم اضطر الإنسان إلى الإكثار من أكل بعضها لم تنفر الطبيعة منه فقد رأينا الأدوية المسهلة إذا أدمنها مدمن وألفها بدنه قل فعلها ولم تسهل وهؤلاء أهل الأندلس إذا أراد أحدهم إسهال طبيعته أخذ من السقمونيا وزن ثلاثة دراهم حتى تلين طبيعته مقدار ما يلينها نصف درهم في بلدنا وإذا كانت الأبدان تألف الأدوية حتى تمنعها من فعلها فهي للأغذية وإن كانت رديئة أشد إلفاً قال يوسف فحدثت بهذا الحديث بختيشوع بن جبرائيل فسألني إملاءه عليه وكتبه عني بخطه قال يوسف بن إبراهيم حدثني سليمان الخادم الخراساني مولى الرشيد أنه كان واقفاً على رأس الرشيد بالحيرة يوماً وهو يتغدى إذ دخل عليه عون العبادي الجوهري وهو حامل صحفة فيها سمكة منعوتة بالسمن فوضعها بين يديه ومعها محشي قد اتخذه لها فحاول الرشيد أكل شيء منها فمنعه من ذلك جبرائيل وغمز صاحب المائدة بعزلها له وفطن الرشيد فلما رفعت المائدة وغسل الرشيد يه خرج جبرائيل عن حضرته قال سليمان فأمرني الرشيد باتباعه وأخفاء شخصي عنه وأن اتفقد ما يعلمه وأرجع إليه بخبره ففعلت ما أمرني به وأحسب أن أمري لم يستتر عن جبرائيل لما تبينت من تحرزه فصار إلى موضع من دار عون ودعا بالطعام فأحضر له وفيه السمكة ودعا بثلاثة أقداح من فضة فجعل في واحد قطعة منها وصب عليه خمراً من خمر طيرناباذ بغير ماء وقال هذا أكل جبرائيل وجعل في قدح آخر قطعة وصب عليها ماء بثلج وقال هذا أكل أمير المؤمنين إن لم يخلط السمك بغيره وجعل في القدح الثالث قطعة من السمك ومعها قطعاً من اللحم من ألوان مختلفة ومن شواء وحلواء وبوارد وفراريج وبقول وصب عليه ماء بثلج وقال هذا طعام أمير المؤمنين أن خلط السمك بغيره ورفع الثلاثة الأقداح إلى صاحب المائدة وقال احتفظ بها إلى أن ينتبه أمير المؤمنين من قائلته قال سليمان الخادم ثم أقبل جبرائيل على السمكة فأكل منها حتى تضلع وكان كلما عطش دعا بقدح مع الخمر الصرف فشربه ثم نام فلما انتبه الرشيد من نومه دعاني فسألني عما عندي من خبر جبرائيل وهل أكل من السمكة شيئاً أم لم يأكل فأخبرته بالخبر فأمر بإحضار الثلاثة الأقداح فوجد الذي صب عليه الخمر الصرف قد تفتت ولم يبق منه شيء ووجد الذي صب عليه الماء بالثلج قد ربا وصار على أكثر من الضعف مما كان ووجد القدح الذي السمك واللحم فيه قد تغيرت رائحته وحدثت له سهوكة شديدة فأمرني الرشيد بحمل خمسة آلاف دينار إلى جبرائيل وقال من يلومني على محبة هذا الرجل الذي يدبرني هذا التدبير فأوصلت إليه المال وقال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة أن يوحنا بن ماسويه أخبره أن الرشيد قال لجبرائيل بن بختيشوع وهو حاج بمكة يا جبرائيل علمت مرتبتك عندي قال يا سيدي وكيف لا أعلم قال له دعوت لك واللَّه في الموقف دعاء كثيراً ثم التفت إلى بني هاشم فقال عسى أنكرتم قولي له فقالوا يا سيدنا ذمي فقال نعم ولكن صلاح بدني وقوامه به وصلاح المسلمين بي فصلاحهم بصلاحه وبقائه فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين ونقلت من بعض التواريخ قال جبرائيل بن بختيشوع المتطبب اشتريت ضيعة بسبعمائة ألف درهم فنقدت بعض الثمن وتعذر علي بعضه فدخلت على يحيى بن خالد وعنده ولده وأنا أفكر فقال مالي أراك مفكراً فقلت اشتريت ضيعة بسبعمائة ألف فنقدت بعض الثمن وتعذر علي بعضه قال فدعا بالدواة وكتب يعطى جبرائيل سبعمائة إلف درهم ثم دفع إلى كل واحد من ولده فوقع فيه ثلاثمائة ألف قال فقلت جعلت فداك قد أديت عامة الثمن وإنما بقي أقله قال أصرف ذلك فيما ينوبك‏.‏

ثم صرت إلى دار أمير المؤمنين كنت عند أبيك وأخوتك ففعلوا بي كذا وكذا وإنما ذلك لخدمتي لك قال فما حالي أنا ثم دعا بدابته فركب إلى يحيى فقال يا أبت أخبرني جبرائيل بما كان فما حالي أنا من بين ولدك فقال يا أمير المؤمنين مر بما شئت يحمل إليه فأمر لي بخمسمائة ألف قال يوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن الداية كان لأم جعفر بنت أبي الفضل في قصر عيسى بن علي الذي كات تسكنه مجلس لا يجلس فيه إلا الحسّاب والمتطببون وكانت لا تشتكي علة إلى متطبب حتى يحضر جميع أهل الصناعتين ويكون مقامهم في ذلك المجلس إلى وقت جلوسها فكانت تجلس لهم في أحد موضعين اما عند الشباك الذي على الدكان الكبير المحاذي للشباك وللباب الأول من أبواب الدار أو عند الباب الصغير المحاذي لمسجد الدار فكان الحُسّاب والمتطبببون يجلسون من خارج الموضع الذي تجلس فيه ثم تشتكي ما تجد فيتناظر المتطببون فيما بينهم حتى يجتمعوا على العلة والعلاج فإن كان بينهم اختلاف دخل الحسّاب بينهم وقالوا بتصديق المصيب عندهم ثم تسأل الحساب عن اختيار وقت لذلك العلاج فإن اجتمعوا على وقت وإلا نظر المتطببون فيما بين الحساب وحكموا لإلزمهم القياس فاعتلت عند اجتماعها على الحج آخر حجة حجتها علة أجمع متطببوها على إخراج الدم من ساقيها بالحجامة واختار الحساب لها يوماً تحتجم فيه وكان ذلك في شهر رمضان فلم يمكن أن تكون الحجامة إلا في آخر النهار فكان ممن يختلف إليها من الحساب الحسن بن محمد الطوسي التميمي المعروف بالأبح وعمر بن الفرخان الطبري وشعيب اليهودي قال يوسف بن إبراهيم وكنت متى عرضت للأبح علة أو عاقه عن حضور دار أم جعفر عائق حضرت عنه فحضرت ذلك المجلس في الوقت الذي وقع الاختيار على حجامة أم جعفر فيه فوافيت ابناً لداؤد بن سرافيون حدثا يشبه أن يكون ابن أقل من عشرين سنة قد أمرت أم جعفر بإحضاره مع المتطببين ليتأدب بحضور ذلك المجلس وقد تقدمت إلى جميع من يطيف بها من المتطببين في تعليمه وتوقيفه عناية به لمكان أبيه من خدمتها فوافيته وهو يلاحي متطبباً راهباً أحضر دارها في ذلك اليوم من أهل الأهواز في شرب الماء للمنتبه من نومه ليلاً فقال ابن داؤد ما اللَّه خلق بأحمق ممن شرب ماء بعد انتباهه من نومه ووافى جبرائيل عندما قال الغلام هذا القول باب البيت فلم يدخل المجلس إلا وهو يقول أحمق واللَّه منه أن تتضرم نار على كبده فلم يطفئها ثم دخل فقال من صاحب الكلام الذي سمعته فقيل له ابن داؤد فعنفه على ذلك وقال له كانت لأبيك مرتبة جلية في هذه الصناعة وتتكلم بمثل ما سمعته منك فقال له الغلام فكأنك أعزك اللَّه تطلق شرب الماء بالليل عند الانتباه من النوم فقال جبرائيل المحرور الجاف المعدة ومن تعش وأكل طعاماً مالحاً فأطلقه له وأنا أمنع منه الرطبي المعد وأصحاب البلغم المالح لأن في منعهم من ذلك شفاء من رطوبات معدهم وأكل بعض البلغم المالح بعضاً فسكت عنه جميع من حضر ذلك المجلس غيري فقلت يا أبا عيسى قد بقيت واحدة قال وما هي قلت أن يكون العطشان يفهم من الطب مثل فهمك فيفهم عطشه من مرار أو من بلغم مالح فضحك جبرائيل ثم قال لي متى عطشت ليلاً فأبرز رجلاً من لحافك وتناوم قليلاً فإن تزايد عطشك فهو من حرارة أو من طعام يحتاج إلى شرب الماء عليه فاشرب وإن نقص عن عطشك شيء‏.‏

فأمسك عن شرب الماء فإنه من بلغم مالح قال يوسف بن إبراهيم وسأل أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي جبرائيل عن علة الورشكين فقال هو اسم ركبته الفرس من الكسر والصدر و واسم الصدر بالفارسية الفصيحة ور والعامة تسميه بر واسم الكسر اشكين فإذا جمعت اللفظتين كانتا ورشكين أي هذه العلة من العلل التي يجب أن يكسر عليها الصدر وهي علة لا تستحكم بإنسان فيكاد ينهض منها وإن من نهض منها لم يؤمن عليه النكسة سنة إلا أن يخرج منه استفراغ دم كثير تقذفه الطبيعة من الأنف أو من أسفل في وقت العلة أو بعدها قبل السنة فمتى حدث ذلك سلم منه فقال أبو إسحاق كالمتعجب سنة قال نعم جعلني اللَّه فداك وعلة أخرى يستخف بها الناس وهي الحصبة فإني ما أمنت على من أصابته من النكسة سنة إلاّ أن يصيبه بعقبها استطلاق بطن يكاد أن يأتي على نفسه أو يخرج به خراج كثير فإذا اصابه أحد هذين أمنت عليه قال يوسف ودخل جبرائيل على أبي إسحاق يوماً بعقب علة كان فيها وقد أذن له في أكل اللحم الغليظ فحين جلس وضعت بين يديه كشكية رطبة فأمر برفعها فسألته عن السبب فقال ما أطلقت لخليفة قط حم يوماً واحداً أكل الكشك سنة كاملة قال أبو إسحاق أي الكشكين أردت الذي بلبن أم الذي بغير لبن فقال الذي بغير لبن لا أطلق له أكله سنة وعلى قياس ما يوجبه الطب فليس ينبغي أن يطلق له أكل الكشك المعمول بلبن إلا بعد استكمال ثلاث سنين حدث ميمون بن هرون قال حدثني سعيد بن إسحاق النصراني قال قال لي جبرائيل بن بختيشوع كنت مع الرشيد بالرقة ومعه المأمون ومحمد الأمين ولداه وكان رجلاً بادناً كثير الأكل والشرب فأكل في بعض الأيام أشياء خلط فيها ودخل المستراح فغشي عليه وأخرج فقوي عليه الغشي حتى لم يشك في موته وأرسل إلي فحضرت وجسست عرقه فوجدته نبضاً خفياً وقد كان قبل ذلك بأيام يشكو امتلاء وحركة الدم فقلت لهم يموت والصواب أن يحجم الساعة فأجاب المأمون إليه وأحضر الحجم تقدمت بإقعاده فلما وَضَع المحاجم عليه ومصها رأيت الموضع قد احمر فطابت نفسي وعلمت أنه حي فقلت للحجام اشرط فشرط فخرج الدم فسجدت شكراً للَّه وجعل كلما خرج الدم يحرك رأسه ويَسْفُر لونه إلى أن تكلم وقال أين أنا فطيبنا نفسه وغدّيناه بصدر دَرَّاج وسقيناه شراباً وما زلنا نشمه الروائح الطيبة ونجعل في أنفه الطيب حتى تراجعت قوته وأدخل الناس إليه ثم وهب اللَّه عافيته فلما كان بعد أيام دعا صاحب حرصه فسأله عن غلته في السنة فعرفه أنها ثلثمائة ألف درهم وسأل حاجبه عن غلته فعرفه أنها ألف درهم فقال ما أنصفناك حيث غلات هؤلاء وهم يحرسوني من الناس على ما ذكروا وأنت تحرسني من الأمراض والأسقام وتكون غلتك ما ذكرته وأمر بإقطاعي غلة ألف ألف درهم فقلت له يا سيدي مالي حاجة إلى الإقطاع ولكن تهب لي ما أشتري به ضياعاً غلتها ألف ألف درهم فجميع ضياعي أملاك لا أقطاع قال يوسف بن إبراهيم حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن جبرائيل لجأ إليه حين انتهبت العوام داره في خلافة محمد الأمين فأسكنه معه في داره وحماه ممن كان يحاول قتله قال أبو إسحاق فكنت أرى من هلع جبرائيل وكثرة أسفه على ما تلف من ماله وشدة اغتمامه ما لم أتوهم أن أحداً بلغ به الوجه بماله مثل الذي بلغ بجبرائيل قال أبو إسحاق فلما ثارت المبيضة فظهرت العلوية بالبصرة والأهواز‏.‏

أتاني وهو مسرور و كأنه قد وصل بمائة إلف دينار فقلت له أرى أبا عيسى مسروراً فقال إني واللَّه لمسرور عين السرور فسألته عن سبب سروره فقال أنه حاز العلوية ضياعاً وضربوا عليها المنار فقلت له ما أعجب أمرك انتهبت لك العوام جزأ من مالك فخرجت نفسك من الجزع إلى ما خرجت إليه وتحوز العلوية جميع ما تملك فيظهر منك من السرور مثل الذي ظهر فقال جزعي بما ركبني به العوام لأني أوتيت في منامي وسلبت في عزي وأسلمني من يجب عليه حمايتي ولم يتعاظمني ما كان من العلوية لأنه من أكبر المحال عيش مثلي في دولتين بنعمة واحدة ولو لم تفعل العلوية في ضياعي ما فعلوا وقد كان يجب عليهم مع علمهم بصحة طويتي لموالي الذين أنعم اللَّه علي بنعمتهم التي ملكونيها أن يتقدموا في حفظ وكلائي والوصاة بضياعي ومزارعي وأن يقولوا لم يزل جبرائيل مالاً إلينا في أيام دولة أصحابه ومتفضلاً علينا من أمواله ويؤدي إلينا أخبار سادته فكان الخبر متى تأدى بذلك إلى السلطان قتلني فسروري بحيازة ضياعي وبسلامة نفسي مما كان هؤلاء الجهال ملكوه منها فلم يهتدوا إليه قال يوسف وحدثني فرخ الخادم المعروف بأبي خراسان مولى صالح بن الرشيد ووصيه قال كان مولاي صالح بن الرشيد على البصرة وكان عامله عليها أبو الرازي فلما أحدث جبرائيل بن بختيشوع عمارة داره التي في الميدان سأل مولاي أن يهدي له خمسمائة ساجة وكانت الساجة بثلاثة عشر ديناراً فاستكثر مولاي المال وقال له أما خمسمائة فلا ولكني أكتب إلى ابن الرازي في حمل مائتي ساجة إليك وقال جبرائيل فليست بي حاجة إليها قال فرخ فقلت لسيدي أرى جبرائيل سيدبر عليك تدبيراً بغيضاً فقال جبرائيل أهون علي من كل هين لأني لا أشرب له دواء ولا أقبل له علاجاً ثم استزار مولاي أمير المؤمنين المأمون فلما استوى المجلس بالمأمون قال له جبرائيل أرى وجهك متغيراً ثم قام إليه فجس عرقه وقال له يشرب أمير المؤمنين شربة سكنجبين ويؤخر الغداء حتى يفهم الخبر ففعل المأمون ما أشار به وأقبل يجس عرقه في الوقت بعد الوقت ثم لم يشعر بشيء حتى دخل غلمان جبرائيل ومعهم رغيف واحد ومعه ألوان قد اتخذت من قرع وماش وما أشبه ذلك فقال إني أكره لأمير المؤمنين أن يأكل في يومه هذا شيئاً من لحوم الحيوان فليأكل هذه الألوان فأكل منها ونام فلما انتبه من قائلته قال له يا أمير المؤمنين رائحة النبيذ تزيد في الحرارة والرأي لك الإنصراف فانصرف المأمون وتلفت نفقة مولاي كلها فقال لي مولاي يا أبا خراسان التمييز بين مائتي ساجة وخمسمائة ساجة واستزارة الخليفة لا يجتمعان قال يوسف وحدثني جورجس بن ميخائيل عن خاله جبرائيل وكان جبرائيل له مكرماً لكثرة علمه لأني لم أر في أهل هذا البيت بعد جبرائيل وأعلم منه على عجب كان فيه شديداً وسخف كثير أن جبرائيل أخبره أنه أنكر من الرشيد قلة الرزء للطعام أول المحرم سنة سبع وثمانين ومائة وأنه لم يكن يرى في مائه ولا في مجسة عرقه ما يدل على علة توجب قلة الطعام فكان يقول للرشيد يا أمير المؤمنين بدنك صحيح سليم بحمد اللَّه من العلل وما أعرف لتركك استيفاء الغذاء معنى فقال لي لما أكثرت عليه من القول في هذا الباب قد استوخمت مدينة السلام وأنا أكره الاستبعاد عنها في هذه الأيام أفتعرف مكاناً بالقرب منها صحيح الهواء فقلت له الحيرة يا أمير المؤمنين فقال قد نزلنا الحيرة مراراً فاجحفنا بعون العبادي في نزولنا بلده وهي أيضاً بعيدة فقلت يا أمير المؤمنين فالأنبار طيبة وظهرها فأصح هواء من الحيرة فخرج إليها فلم يزدد في طعامه شيئاً بل نقص وصام يوم الخميس قبل قتله جعفراً بيومين وليلة وأحضر جعفراً عشاءه وكان أيضاً صائماً فلم يصب الرشيد من الطعام كثير شيء فقال له جعفر يا أمير المؤمنين لو استزدت من الطعام فقال لو أردت ذلك لقدرت عليه إلا أني أحببت أن أبيت خفيف المعدة لأصبح وأنا أشتهي الطعام وأتغدى مع الحرم ثم بكر بالركوب غداة يوم الجمعة متنسماً وركب معه جعفر بن يحيى فرأيته وقد أدخل يده في كم جعفر حتى بلغ بدنه فضمه إليه وعانقه وقبل بين عينيه وسار يده في يد جعفر أكثر من ألف ذراع ثم رجع إلى مضربه وقال بحياتي أما أصطبحت في يومك هذا وجعلته يوم سرور فإني مشغول بأهلي ثم قال لي يا جبرائيل أنا اتغدى مع حرمي فكن مع أخي تسر بسروره فسرت مع جعفر وأحضر طعامه فتغدينا وأحضر أبا زكار المغني ولم يحضر مجلسه غيرنا ورأيت الخادم بعد الخادم يدخل إلينا فيساره فيتنفس عند مسارتهم إياه ويقول ويحك يا أبا عيسى لم يطعم أمير المؤمنين بعد وأنا واللَّه خائف أن تكون به علة تمنعه من الأكل ويأمر كلما أراد أن يشرب قدحاً أبا زكار أن يغنيه‏:‏ إن بني المنذر حين انقضوا بحيث شاد البيعة الراهب أضحوا ولا يرهبهم راهب حقاً ولايرجوهم راغب كانت من الخز لبوساتهم لم يجلب الصوف لهم جالب كأنما جثتهم لعبة سار إلى لبين بها راكب فيغنيه أبو زكار هذا الصوت ولا يقترح غيره فلم تزل هذه حالنا إلى أن صليتا العتمة ثم دخل إلينا أبو هاشم مسرور الكبير ومعه خليفة هرثمة بن أعين ومعه جماعة كثيرة من الجند فمد يده خليفة هرثمة إلى يد جعفر ثم قال له قم يا فاسق قال جبرائيل ولم أكلم ولم يؤمر في بأمر وصرت إلى منزلي من ساعتي وأنا لا أعقل فما أقمت فيه إلا أقل من مقدار نصف ساعة حتى صار إلي رسول الرشيد يأمرني بالمصير إليه فدخلت إليه ورأس جعفر في طشت بين يديه فقال لي يا جبرائيل أليس كنت تسألني عن السبب في قلة رزئي للطعام فقلت بلى يا أمير المؤمنين فقال الفكرة فيما ترى أصارتني إلى ما كنت فيه وأنا اليوم يا جبرائيل عند نفسي كالناقة قدم غذائي حتى ترى من الزيادة على ما كنت تراه عجباً وإنما كنت آكل الشيء بعد الشيء لئلا يثقل الطعام علي فيمرضني ثم دعا بطعامه في ذلك الوقت فأكل أكلاً صالحاً من ليلته قال يوسف حدثني إبراهيم بن المهدي أنه تخلف عن مجلس محمد الأمين أمير المؤمنين أيام خلافته عشية من العشايا لدواء كان أخذه وإن جبرائيل بن بختيشوع باكره غداة اليوم الثاني وأبلغه سلام الأمين وسأله عن حاله كيف كانت في دوائه ثم دنا منه فقال له أمر أمير المؤمنين في تجهيز علي بن عيسى بن ماهان إلى خراسان ليأتيه بالمأمون أسيراً في قيد من فضة و بجبرائيل بريء من دين النصرانية أن لم يغلب المأمون محمداً ويقتله ويحوز ملكه - فقلت له ويحك ولم قلت هذا القول وكيف قلته قال لأن هذا الخليفة الموسوس سكر في هذه الليلة فدعا أبا عصمة الشيعي صاحب حرسه وأمر بسواده فنزع عنه وألبسه ثيابي وزناري وقلنسوتي وألبسني أقبيته وسواده وسيفه ومنطقته وأجلسني في مجلس صاحب الحرس إلى وقت طلوع لفجر وأجلسه في مجلسي وقال لكل واحد مني ومن أبي عصمة قد قلدتك ما كان يتقلده صاحبك فقلت أن اللَّه مغير ما به من نعمة لتغييره ما بنفسه منها وأنه إذا جعل حراسته إلى نصراني والنصرانية أذل الأديان لأنه ليس في عقد دين غيرها التسليم لما يريد به عدوه من المكروه مثل الإذعان لمن سخره بالسخرة وأن يمشي ميلاً أن يزيد على ذلك ميلاً آخر وإن لطم له خد حول الآخر ليلطم غير ديني فقضيت بأن عز الرجل زائل وقضيت أنه حين أجلس في مجلس متطببه الحافظ عنده لحياته والقائم بمصالح بدنه والخادم لطبيعته أبا عصمة الذي لا يفهم من كل ذلك قليلاً ولا كثيراً بأنه لا عمر له وأن نفسه تالفة‏.‏

قال أبو إسحاق فكان على ما تفاءل جبرائيل به قال يوسف بن إبراهيم وسمعت جبرائيل بن يختيشوع يحدث أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي أنه كان عند العباس بن محمد إذ دخل عليه شاعر امتدحه فلم يزل جبرائيل يسمع منه إلى أن صار إلى هذا البيت وهو‏:‏ لو قيل للعباس يا ابن محمد قل لا وأنت مخلد ما قالها قال جبرائيل فلما سمعت هذا البيت لم أصبر لعلمي أن العباس أبخل أهل زمانه فقلت لا فتبسم العباس ثم قال لي اغرب قبح اللَّه وجهك أقول هذا الشاعر الذي يشار إليه هو ربيعة الرقى قال يوسف وحدث جبرائيل أبا إسحاق في هذا المجلس أنه دخل على العباس بعد فطر النصارى بيوم وفي رأسه فضلة من نبيذة بالأمس وذلك قبل أن يخدم جبرائيل الرشيد فقال جبرائيل للعباس كيف أصبح الأمير أعزه اللَّه فقال العباس أصبحت كما تحب فقال له جبرائيل واللَّه ما أصبح الأمير على ما أحب ولا على ما يحب اللَّه ولا على ما يحب الشيطان فغضب العباس من قوله ثم قال له ما هذا الكلام قبحك اللَّه قال جبرائيل فقلت عليّ البرهان فقال العباس لتأتيني به وإلا أحسنت أدبك ولم تدخل لي داراً فقال جبرائيل الذي كنت أحب أن تكون أمير المؤمنين فأنت كذلك قال العباس لا قال جبرائيل والذي يحب اللَّهُ من عباده الطاعة له فيما أمرهم به ونهاهم عنه فأنت أيها الملك كذلك فقال العباس لا واستغفر اللَّه قال جبرائيل والذي يحب الشيطانُ من العباد أن يكفروا باللَّه ويجحدوا ربوبيته فأنت كذلك أيها الأمير فقال له العباس لا ولا تعد إلى مثل هذا القول بعد يومك هذا قال فثيون الترجمان ولما عزم المأمون على الخروج إلى بلد الروم في سنة ثلاث عشرة ومائتين مرض جبرائيل مرضاً شديداً قوياً فلما رآه المأمون ضعيفاً التمس منه إنفاذ بختيشوع ابنه معه إلى بلد الروم فأحضره وكان مثل أبيه في الفهم والعقل والسرو ولما خاطبه المأمون وسمع حسن جوابه فرح به فرحاً شديداً وأكرمه غاية الإكرام ورفع منزلته وأخرجه معه إلى بلد الروم لما خرج طال مرض جبرائيل إلى أن بلغ الموت وعمل وصيته إلى المأمون ودفعها إلى ميخائيل صهره ومات فمضى في تجميل موته ما لم يمض لأمثاله بحسب استحقاقه بأفعاله الحسنة وخيريته ودفن في دير مار سرجس بالمدائن ولما عاد ابنه بختيشوع من بلد الروم جمع للدير رهباناً وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه‏.‏

وقال فثيون الترجمان أن جنس جورجس وولده كانوا أجمل أهل زمانهم بما خصهم اللَّه به من شرف النفوس ونبل الهمم ومن البر والمعروف والأفضال والصدقات وتفقد المرضى من الفقراء والمساكين والأخذ بأيدي المنكوبين والمرهوقين على ما يتجاوز الحد في الصفة والشرح أقول وكانت مدة خدمة جبرائيل بن بختيشوع للرشيد منذ خدمه وإلى أن توفي الرشيد ثلاثاً وعشرين سنة ووجد في خزانة بختيشوع بن جبرائيل مدرج فيه عمل بخط كاتب جبرائيل بن بختيشوع الكبير وإصطلاحات بخط جبرائيل لما صار إليه في خدمته الرشيد يذكر أن رزقه كان من رسم العامة في كل شهر من الورق عشرة آلاف درهم يكون في السنة مائة وعشرون ألف درهم في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف وستمائة وستون ألفاً ونزله في الشهر خمسة آلاف درهم يكون في السنة ستون ألف درهم في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف وثلثمائة وثمانون ألف درهم ومن رسم الخاصة في المحرم من كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم ومن الثياب خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم تفصيل ذلك القصب الخاص الطرازي عشرون شقة الملحم الطرازي عشرون شقة الخز المنصوري عشر شقاق الخز المبسوط عشر شقاق الوشي اليماني ثلاثة أثواب الوشي النصيبي ثلاثة أثواب الطيالسة ثلاثة طيالس ومن السمور والفنك والقماقم والدلق والسنجاب للقبطين وكان يدفع إليه في مدخل صوم النصارى في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم وفي يوم الشعانين من كل سنة ثياب من وشي وقصب وملحم وغيره بقيمة عشرة آلاف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة مائتان ألف وثلاثون ألفاً وفي يوم الفطر في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم وثياب بقيمة عشرة آلاف درهم على الحكاية يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة مائتا ألف وثلاثون ألف درهم ولفصد الرشيد دفعتين في السنة كل دفعة خمسون ألف درهم من الورق مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألفا ألف وثلثمائة ألف درهم ولشرب الدواء دفعتين في السنة و كل دفعة خمسون ألف درهم مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألفا ألف وثلاثمائة ألف درهم ومن أصحاب الرشيد على ما فصل منه مع ما فيه من قيمة الكسوة وثمن الطيب والدواب وهو مائة ألف درهم من الورق فيكون أربعمائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة تسع آلاف ألف ومائتا ألف درهم تفصيل ذلك عيسى بن جعفر خمسون ألف درهم زبيده أم جعفر خمسون ألف درهم العباسة خمسون ألف درهم إبراهيم بن عثمان ثلاثون ألف درهم الفضل بن الربيع خمسون ألف درهم فاطمة أم محمد سبعون ألف درهم كسوة وطيب ودواب مائة ألف درهم ومن غلة ضياعه بجندي سابور والسوس والبصرة والسواد في كل سنة قيمته بعد المقاطعة ورقاً ثماني مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ثمانية عشر ألف ألف ومائة ألف درهم وكان يصير إليه من البرامكة في كل سنة من الورق ألفا ألف وأربعمائة ألف درهم وتفصيل ذلك يحيى بن خالد ستماية ألف درهم جعفر بن يحيى الوزير ألف ألف ومائتا ألف درهم الفضل ابن يحيى ستماية ألف درهم يكون في مدة ثلاث عشرة سنة أحد وثلاثين ألف ألف ومائتي ألف درهم يكون جميع ذلك مدة أيام خدمته للرشيد وهي ثلاث وعشرون سنة وخدمته للبرامكة وهي ثلاث عشرة سنة‏.‏

سوى الصلات الجسام فإنها لم تذكر في هذا المدرج من الورق ثمانية وثمانين ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ثلاث آلاف ألف وأربعمائة ألف درهم التذكرة الخراج من ذلك ومن الصلات التي لم تذكر في النفقات وغيرها على ما تضمنه المدرج المعمول من العين تسعمائة ألف دينار ومن الورق تسعون ألف ألف وستمائة ألف درهم تفصيل ذلك ما صرفه في نفقاته وكانت في السنة ألفي ألف ومائتي ألف درهم على التقريب وجملتها في السنين المذكورة سبعة وعشرون ألف ألف درهم وستماية ألف درهم ثمن دور وبساتين ومنتزهات ورقيق ودواب والجمازات سبعون ألف ألف درهم ثمن آلات وأجر وصناعات وما يجري هذا المجرى ثمانية آلاف ألف درهم ما صار في ثمن ضياع ابتاعها لخاصته اثنا عشر ألف ألف درهم ثمن جواهر وما أعده للذخائر عن قيمة خمسمائة ألف دينار خمسون ألف ألف درهم ما صرفه في البر والصلات والمعروف والصدقات وما بذل به حظه في الكفالات لأصحاب المصادرات في هذه السنين المقدم ذكرها ثلاثة آلاف ألف درهم ما كابره عليه أصحاب الودائع وجحدوه ثلاثة آلاف ألف درهم ثم وصى بعد ذلك كله عند وفاته إلى المأمون لابنه بختيشوع وجعل المأمون الوصي فيها فسلمها إليه ولم يعترض في شيء منها عليه بتسعماية ألف دينار وجبرائيل بن بختيشوع هو الذي يعنيه أبو نواس في قوله‏:‏ سألت أخي أباه عيسى وجبريل له عقل فقلت الراح تعجبني فقال كثيرها قتل فقلت له فقدر لي فقال وقوله فصل وجدت طبائع الإنسا ن أربعة هي الأصل فأربعة لأربعة لكل طبيعة رطل وذكر أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في كتاب المجرد في الأغاني هذه الأبيات‏:‏ لجبريل أبي عيسى أخي الأنذال والسفلة أفي طبك يا جبريل ما يشفي ذوي العلة غزال قد سبى عقلي بلا جرم ولا زلة قال أبو الفرج والشعر للمأمون في جبرائيل بن بختيشوع المتطبب والغناء لمتيم خفيف رمل‏.‏

ومن كلام جبرائيل بن بختيشوع قال أربعة تهدم العمر إدخال الطعام على الطعام قبل الإنهضام والشرب على الريق ونكاح العجوز والتمتع في الحمام ولجبرائيل بن بختيشوع من الكتب رسالة إلى المأمون في المطعم والمشرب كتاب المدخل إلى صناعة المنطق كتاب في الباه رسالة مختصرة في الطب كناشه كتاب في صنعة البخور ألفه لعبد اللَّه المأمون بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع كان سريانياً نبيل القدر وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال ما لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتباً كثيرة من كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية قال فثيون الترجمان لما ملك الواثق الأمر كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي داود يعاديان يختيشوع ويحسدانه على فضله وبره ومعروفه وصدقاته وكمال مروءته فكانا يغريان الواثق عليه إذا خلوا به فسخط عليه الواثق وقبض على أملاكه وضياعه وأخذ منه جملة طائلة من المال ونفاه إلى جندي سابور وذلك في سنة ثلاثين ومائتين فلما اعتل بالاستسقاء وبلغ الشدة في مرضه أنفذ من يحضر بختيشوع ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع ثم صلحت حال بختيشوع بعد ذلك في أيام المتوكل حتى بلغ في الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخلافة في الزي واللباس والطيب والفرش والصناعات والتفسيح والبذخ في النفقات مبلغاً يفوق الوصف فحسده المتوكل وقبض عليه ونقلت من بعض التواريخ أن يختيشوع بن جبرائيل كان عظيم المنزلة عند المتوكل ثم أن بختيشوع أفرط في أدلاله عليه فنكبه وقبض أملاكه ووجه به إلى مدينة السلام وعرض للمتوكل بعد ذلك قولنج فاستحضره المتوكل واعتذر إليه وعالجه وبرأ فأنعم عليه ورضي عنه وأعاد ما كان له ثم جرت على بختيشوع حيلة أخرى فنكبه نكبة قبض فيها جميع أملاكه ووجه به إلى البصرة وكان سببه الحيلة عليه أن عبد اللَّه استكتب المنتصر أبا العباس الحصيني وكان رديئاً فاتفقا على قتل المتوكل واستخلاف المنتصر وقال بختيشوع للوزير كيف استكتبت المنتصر الحصيني وأنت تعرف رداءته فظن عبد اللَّه أن يختيشوع قد وقف على التدبير فعرف الوزير ما قاله له بختيشوع وقال أنتم تعلمون كيف محبة بختيشوع له وأحسب أنه يبطل التدبير فكيف الحيلة فقالوا للمنتصر إذا سكر الخليفة فخرَّق ثيابك ولوثها بالدم وادخل إليه فإذا قال ما هذا فقل بختيشوع ضرب بيني وبين أخي فكاد أن يقتل بعضنا بعضاً وأنا أقول يا أمير المؤمنين يبعد عنهم فإنه يقول افعلوا فتنفيه فإلى أن يسأل عنه نكون قد فرغنا من الأمر‏.‏

ففعل ذلك ونكب وقتل المتوكل ولما استخلف المستعين رد بختيشوع إلى الخدمة وأحسن إليه إحساناً كثيرا ولما ورد الأمر إلى ابن عبد اللَّه محمد بن الواثق وهو المهتدي جرى على حال المتوكل في أنسه بالأطباء وتقديمه إياهم وإحسانه إليهم وكان يختيشوع لطيف المحل من المهتدي باللَّه وشكا بختيشوع إلى المهتدي ما أخذ منه في أيام المتوكل فأمر بأن يدخل إلى سائر الخزائن فكل ما اعترف به فليرد إليه بغير استثمار ولا مراجعة فلم يبق له شيء إلا أخذه وأطلق له سائر ما فاته وحاطه كل الحياطة وورد على بختيشوع كتاب من صاحبه بمدينة السلام يصف فيها أن سليمان بن عبد اللَّه بن طاهر قد تعرض له لمنازلة فعرض بختيشوع الكتاب على المهتدي بعد صلاة العتمة فأمر بإحضار سليمان بن وهب في ذلك الوقت فحضر وتقدم إليه بأن يكتب من حضرته إلى سليمان بن عبد اللَّه بالإنكار عليه لما اتصل به من وكيل بختيشوع وأن يتقدم إليه بإعزاز منازله وأسبابه بأوكد ما يكون وأنفذ الكتاب من وقته مع أخص خدمه إلى مدينة السلام وقال بختيشوع للمهتدي في آخر من حضر الدار يا أمير المؤمنين ما اقتصدتُ ولا شربت الدواء منذ أربعين سنة وقد حكم المنجمون بأني أموت في هذه السنة ولست أغتم لموتي وإنما غمي لمفارقتكم فكلمه المهتدي بكلام جميل وقال قلّما يصدق المنجم فلما انصرف كان آخر العهد به وقال إبراهيم بن علي الحصري في كتاب نور الطرف ونور الظرف أنه تنازع إبراهيم بن المهدي وبختيشوع الطبيب بين يدي أحمد ابن داؤد في مجلس الحكم في عقار بناحية السواد فأربى عليه إبراهيم وأغلظ له فغضب لذلك أحمد بن أبي داؤد وقال يا إبراهيم إذا تنازعت في مجلس الحكم بحضرتنا أمراً فليكن قصدك أمما وطريقك نهجا وريحك ساكنة وكلامك معتدلاً ووف مجالس الخليفة حقوقها من التوفيق والتعظيم والاستطاعة وريحك ساكنة وكلامك معتدلاً ووف مجالس الخليفة حقوقها من التوفيق والتعظيم والاستطاعة والتوجيه إلى الحق فإن هذا أشكل بك وأجمل بمذهبك في محتدك وعظيم خطرك ولا تعجلن فرب العجلة تورث رثياً واللَّه يعصمك من الزلل وخطل القول والعمل ويتم نعمته عليك كما أتمها على آبائك من قبل إن ربك عليم حكيم‏.‏

فقال إبراهيم أمرت أصلحك اللّه بسداد وحضضت على رشاد ولست بعائد إلى ما يثلم قدري عندك ويسقطني من عينك ويخرجني من مقدار الواجب إلى الاعتذار فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقر بذنبه باخع بجرمه لأن الغضب لا يزال يستفزني بمراده فيردني مثلك بحلمه وتلك عادة اللَّه عندك وعندنا فيك وهو حسبنا ونعم الوكيل وقد خلعت حظي من هذا العقار لبختيشوع فليت ذلك يكون وافياً بأرش الجناية عليه ولن يتلف مال أفاد موعظة وباللَّه التوفيق حدث أبو محمد بدر بن أبي الأصبع الكاتب قال حدثني جدي قال دخلت إلى بختيشوع في يوم شديد الحر وهو جالس في مجلس مخيّش بعدة طاقات ريح بينهما طاق أسود وفي وسطها قبة عليها جلال من قصب مُظَّهر بدبيقى قد صبغ بماء الورد والكافور والصندل وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة ومطرف قد التحف به فعجبت من زيه فحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم فضحك وأمر لي بجب ومطرف وقال يا غلام أكشف جوانب القبة فكشفت فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكسوة بالثلج وغلمان يروحون ذلك الثلج فيخرج منه البرد الذي لحقني ثم دعا بطعامه فأتي بمائدة في غاية الحسن عليها كل شيء ظريف ثم أتى بفراريج مشوية في نهاية الحمرة وجاء الطباخ فنفضها كلها فانتفضت وقال هذه فراريج تعلف اللوز والبزر قطوناً وتسقى ماء الرمان ولما كان في صلب الشتاء دخلت عليه يوماً والبرد شديد وعليه جبة محشوة وكساء وهو جالس في طارمة في الدار على بستان في غاية الحسن وعليها سمور قد ظهرت به وفوقه جلال حرير مصبغ ولبود مغربية وانطاع أدم يمانية وبين يديه كانون فضة مذهب مخرق وخادم يوقد العود الهندي وعليه خلالة قصب في نهاية الرفعة فلما حصلت معه في الطارمة وجدت من الحر أمراً عظيماً فضحك وأمر لي بغلالة قصب وتقدم يكشف جوانبالطارمة فإذا مواضع لها شبابيك خشب بعد شبابيك حديد وكوانين فيها فحم الغضا وغلمان ينفخون ذلك الفحم بالزقاق كما تكون للحدادين ثم دعا بطعامه فأحضروا ما جرت به العادة في السرو والنظافة فأحضرت فراريج بيض شديدة البياض فبشعتها وخفت أن تكون غير نضيجة ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت فسألته عنها فقال هذه تعلف الجوز المقشر وتسقى اللبن الحليب‏.‏

وكان يختيشوع بن جبرائيل يهدي البخور في درج ومعه درج آخر فيه فحم يتخذ له من قضبان الأترج والصفصاف وشنس الكرم المرشوش عليه عند إحراقه ماء الورد المخلوط بالمسك والكافور وماء الخلاف والشراب العتيق ويقول أنا أكره أن أهدي بخوراً بغير فحم فيفسده فحم العامة ويقال هذا عمل بختيشوع وحدث أبو محمد بدر بن أبي الأصبغ عن أبيه عن أبي عبد اللَّه محمد بن الجراح عن أبيه أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع ادعني فقال السمع والطاعة فقال أريد أن يكون ذلك غداً قال نعم وكرامة وكان الوقت صائفاً وحره شديداً فقال بختيشوع لأعوانه وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيش فإنه ليس لنا منه ما يكفي فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى ففعلوا ذلك وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها خيشا حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيش وأنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ وأحضر أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك البطيخ ليلتهم كلها وأصبح وقد انقطعت روائحه فتقدم إلى فراشيه فعلقوا جميعه في المواضع المكورة وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة في كل جونة باب خبز سميد دست رقاق وزن الجميع عشرون رطلاً وحمل مشوي وجدي بارد وفائقة ودجاجتان مصدرتان وفرخان ومصوصان وثلاثة ألوان وجام حلواء فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجدته فقال أي شيء ذهب برائحته فأعاد عليه حديث البطيخ فعجب من ذلك وأكل هو وبنو عمه والفتح بن خاقان على مائدة واحدة وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين لم ير مثلهما لأمثاله وفرقت الجون على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية لكل واحد جونة وقال قد أمنت ذمهم لأنني ما كنت آمن لو أطعموا على موائد أن يرضى هذا ويغضب الآخر ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع فإذا أعطى كل إنسان جونة من هذه الجون كفته واستشرف المتوكل على الطعام فاستعظمه جداً وأراد النوم فقال لبختيشوع أريد أن تنومني في موضع مضيء لا ذباب فيه وظن أنه يتعنته بذلك وقد كان بختيشوع تقدم بان تجعل أجاجين السيلان في سطوح الدار ليجتمع الذباب عليه فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله بكواء فيها جامات يضيء البيت منها وهو مخيش مظهّر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور‏.‏

فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب لا يدري ما هي لأنه لم ير في البيت شيئاً من الروائح والفاكهة والأنوار ولا خلف الخيش لا طاقات ولا موضع يجعل فيه شيء من ذلك فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات محشوة بصنوف الرياحين والفواكه واللخالخ والمشام التي فيها اللفاح والبطيخ المستخرج ما فيها المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور والشراب العتيق والزعفران الشعر ورأى الفتح غلماناً قد وكلوا بتلك الطاقات مع كل غلام مجمرة فيها ند يسجره ويبخر به والبيت من داخله أزار من اسفيداج مخرم خروماً صغاراً لا تبين تخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده كثر تعجبه منه وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته وانصرف من داره قبل أن يستتم يومه وأدعى شيئاً وجده من التياث بدنه وحقد عليه ذلك فنكبه بعد أيام يسيرة وأخذ له مالاً كثيراً لا يقدر ووجد له في جملة كسوته أربعة آلاف سراويل دبيقي سيتيزي في جميعها تكك ابريسم أرمني وحضر الحسين بن مخلد فختم على خزانته وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها وباع شيئاً كثيراً وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وتوابل فاشتراه الحسين ابن مخلد بستة آلاف دينار وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار ثم حسده حمدون ووشى إلى المتوكل وبذل فيما بقي في يده مما ابتاعه ستة آلاف دينار فاجيب إلى ذلك وسلم إليه فباعه بأكثر من الضعف وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين للهجرة قال فثيون الترجمان كان المعتز باللَّه قد اعتل في أيام المتوكل علة من حرارة امتنع منها من أخذ شيء من الأدوية والأغذية فشق ذلك على المتوكل كثيراً واغتم به وصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهو على حاله في الامتناع فمازحه وحادثه فأدخل المعتز يده في كم جبة وشي يمان مثقله كانت على بختيشوع وقال ما أحسن هذا الثوب فقال بختيشوع يا سيدي ما له واللّه نظير في الحسن وثمنه علي ألف دينار فكل لي تفاحتين وخذ الجبة فدعا بتفاح فأكل اثنتين ثم قال له تحتاج يا سيدي الجبة إلى ثوب يكون معها وعندي ثوب هو أخ لها فاشرب لي شربة سكنجبين وخذه فشرب شربة سكنجبين ووافق ذلك اندفاع طبيعته فبرأ المعتز وأخذ الجبة والثوب وصلح من مرضه فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبداً لبختيشوع‏.‏

وقال ثابت بن سنان بن ثابت إن المتوكل اشتهي في بعض الزوقات الحارة أن يأكل مع طعامه خردلاً فمنعه الأطباء من ذلك لحدة مزاجه وحرارة كبده وغائلة الخردل فقال بختيشوع أنا أطعمك إياه وإن ضرك علي فقال افعل فأمر بإحضار قرعة وجعل عليها طيناً وتركها في تنور واستخرج ماءها وأمر بأن يقشر الخردل ويضرب بماء القرع وقال أن الخردل في الدرجة الرابعة من الحرارة والقرع في الدرجة الرابعة من الرطوبة فيعتدلان فكل شهوتك وبات تلك الليلة ولم يحس بشيء من الأذى وأصبح كذلك فأمر بأن يحمل إليه ثلاثمائة ألف درهم وثلاثون تختاً من أصناف الثياب وقال إسحاق بن علي الرهاوي عن عيسى بن ماسة قال رأيت بختيشوع بن جبرائيل وقد اعتل فأمر أمير المؤمنين المتوكل والمعتز أن يعوده وهو إذ ذاك ولي عهد فعاده ومعه محمد بن عبد اللّه بن طاهر ووصيف التركي قال وأخبرني إبراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر أن المتوكل أمر الوزير شفاهاً وقال له أكتب في ضياع بختيشوع فإنها ضياعي وملكي فإن محله منا محل أرواحنا من أبداننا وقال عبيد اللَّه بن جبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع هذا المذكور مما يدل على منزلة بختيشوع عند المتوكل وانبساطه معه قال من ذلك ما حدثنا به بعض شيوخنا أنه دخل بختيشوع يوماً إلى المتوكل وهو جالس على سدة في وسط دار الخاصة فجلس بختيشوع على عادته معه على السدة وكان عليه دراعة ديباج رومي وقد أنفتق ذيلها قليلاً فجعل المتوكل يحادث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ إلى حد النيفق ودار بينهما كلام اقتضى أن سأل المتوكل بختيشوع بماذا تعلم أن المشوّش يحتاج إلى الشد والقيادة قال إذا بلغ فتق درّاعة طبيبه إلى حد النيفق شددناه فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره وأمر له في الحال بخلع سنية ومال جزيل وقال أبو الريحان البيروني في كتاب الجماهر في الجواهر أن المتوكل جلس يوماً لهدايا النيروز فقدم إليه كل علق نفيس وكل ظريف فاخر وأن طبيبه بختيشوع بن جبرائيل دخل وكان يأنس به فقال له ما ترى في هذا اليوم فقال مثل جرياشات الشحاذين إذ ليس قدر وأقبل على ما معي ثم أخرج من كمه درج أبنوس مضبب بالذهب وفتحه عن حرير أخضر انكشف عن معلقة كبيرة من جوهر لمع منها شهاب ووضعها بين يديه فرأى المتوكل ما لا عهد له بمثله وقال من أين لك هذا قال من الناس الكرام ثم حدث أنه صار إلى أبي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات ثلاثمائة ألف دينار بثلاث شكايات عالجها فيها واحدتها أنها شكت عارضاً في حلقها منذرة بالخناق فأشار إليها بالفصد والتطفئة والتغدي بحشو وصفه فأحضر على نسخته في غضارة صينية عجيبة الصفة وفيها هذه الملعقة فغمزني أبي علي رفعها ففعلت ولففتها في طليساني وجاذبنيها الخادم فقالت له لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة آلاف دينار فامتنعت وقال أبي يا ستي إن ابني لم يسرق قط فلا تفضحيه في أول كراته لئلا ينكسر قلبه فضحكت ووهبتها له وسئل عن الآخرتين فقال أنها اشتكت إليه النكهة بأخبار إحدى بطانتها إياها وذكرت أن الموت أسهل عليها من ذلك فجوعها إلى العصر وأطعمها سمكاً ممقوراً وسقاها دردي نبيذ دقل باكراه فغثت نفسها وقذفت وكرر ذلك عليها ثلاثة أيام ثم قال لها تنكهي وفي وجه من أخبرك بذلك واستخبريه هل زال والثالثة أنها أشرفت على التلف من فواق شديد يسمع من خارج الحجرة فأمر الخدم بأصعاد خوابي إلى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير وملأها ماء وجلس خادم خلف كل جب حتى إذا صفق بيده على الأخرى دفعوها دفعة إلى وسط الدار ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد أرعبها فوثبت وزايلها الفواق قال أبو علي القياني حدثني أبي قال دخلت يوماً إلى بختيشوع وكان من أيام الصيف وجلست فإذا هو قد رفع طرفه إلى خادمه وقال له هات فجاء بقدح فيه نحو نصف رطل شراب عتيق وعلى طرف خلالة ذهب شيء أسود فمضغه ثم شرب الشراب عليه وصبر ساعة فرأيت وجهه يتقد كالنار ثم دعا باطباق فيها خوخ جبلي في نهاية الحسن فأقبل يقطع ويأكل حتى انتهى وسكن تلهبه وعاد وجهه إلى حاله فقلت له حدثني بخبرك فقال اشتهيت الخوخ شهوة شديدة وخفت ضررها فاستعملت الترياق والشراب حتى نقرت الحجر ليجيد الطحن وقال أبو علي القياني عن أبيه قال كان يختيشوع الطبيب صديقاً لأبي وكان لنا نديم كثير الأكل عظيم الخلق فكان كلما رآه قال له أريد أن تركب لي شربة وأبرمه إلى أن وصف له دواء فيه شحم الحنظل وسقمونيا وقال بختيشوع لأبي ملاك الأمر كله أن يأكل أكلاً خفيفاً ويضبط نفسه فيما بعد عن التخليط فأطعم بيوم الحمية في دارنا واقتصر على اسفيدباج من ثلاثة أرطال خبر فلما استوفى ذلك طلب زيادة عليه فمنع واعتقله أبي عنده إلى آخر الأوقات ووجه إلى امرأته يوصيها أن لا تدع شيئاً يؤكل في داره ولما علم أن الوقت قد ضاق عليه أطلقه إلى منزله فطلب من امرأته شيئاً يأكله فلم يجد عندها شيئاً وكانت قد أغفلت برنية فيها فتيت على الرف فوجده وأخذ منه أرطالاً ثم أصبح وأخذ الدواء فتحير وورد على المعدة وهي ملأى فلم يؤثر وتعالى النار فقال قد خرف بختيشوع وعمد إلى عشرة أرطال لحم شرائح فأكلها مع عشرة أرطال خبز وشرب دورقاً ماء بارداً فلما مضت ساعة طلب الدواء طريقاً للخروج من فوق أو من أسفل فلم يجد فانتفخت بطنه وعلا نَفَسه وكاد يتلف وصاحت امرأته واستغاثت بأبي فدعا بمحمل وحمل فيه إلى بختيشوع وكان ذلك اليوم حاراً جداً وكان بختيشوع حين انصرف من داره وهو ضجر فسأل عن حاله إلى أن علم شرح أمره وكان في داره أكثر من مائتي طير من الطيطويات والحصانيات والبيضانيات وما يجري مجراها لها مسقاة كبيرة مملوءة ماء وقد حمي في الشمس وذرقت فيه الطيور فدعا بملح جريش وأمر بطرحه في المسقاة كله وتذويبه في الماء ودعا بقمع وسقى الرجل كله وهو لا يعقل وأمر بالتباعد عنه فأتى من طبيعته فوق وأسفل أمر عظيم جداً حتى ضعف وحفظت قوته بالرائحة الطيبة وبماء الدراج وأفاق بعد أيام وعجبنا من صلاحه وسألنا عنه بختيشوع فقال فكرت في أمره فرأيت أني أن اتخذت له دواء طال أمره حتى يطبخ ويسقى فيموت إلى ذلك الوقت ونحن نعالج أصحاب القولنج الشديد بذرق الحمام والملح وكان في المسقاة الماء في الشمس وقد سخن واجتمع فيه من ذرق الحمام ما يحتاج إليه وكان أسرع تناولاً من غيره فعالجته به ونجع بحمد اللّه ونقلت من بعض الكتب أن بختيشوع كان يأمر بالحقن والقمر متصل بالذنب فيحل القولنج من ساعته ويأمر بشرب الدواء والقمر على مناظرة الزهرة فصلح العليل من يومه ولما توفي بختيشوع خلف عبيد اللّه والده وخلف معه ثلاث بنات وكان الوزراء والنظار يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال فتفرقوا واختلفوا وكان موته يوم الأحد لثمان بقين من صفر سنة ست وخمسين ومائتين ومن كلام بختيشوع بن جبرائيل قال الشرب على الجوع رديء والأكل على الشبع أردأ وقال أكل القليل مما يضر أصلح من أكل الكثر مما ينفع ولبختيشوع بن جبرائيل من الكتب كتاب في الحجامة على طريق المسئلة والجواب‏.‏

جبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع كان فاضلاً عالماً متقناً لصناعة الطب جيداً في أعمالها حسن الدراية لها وله تصانيف جليلة في صناعة الطب وكانت أجداده في هذه الصناعة كل منهم أوحد زمانه وعلامة وقته ونقلت من كتاب عبيد اللَّه ولد هذا المذكور في أخباره عن أبيه جبرائيل ما هذا مثاله قال إن جدي عبيد اللَّه بن بختيشوع كان متصرفاً ولما ولي المقتدر رحمه اللّه عليه الخلافة استكتبه لحضرته وبقي مدة مديدة ثم توفي وخلّف والدي جبرائيل وأختاً كانت معه صغيرين وأنفذ المقتدر ليلة موته ثمانين فرشا حمل الموجود من رحل وأثاث وآنية وبعد مواراته في القبر اختفت زوجته وكانت ابنة إنسان عامل من أجلاء العمال يعرف بالحرسون فقبض على والدها بسببها وطلب منه ودائع بنت بختيشوع وأخذ منه مالاً كثيراً ومات عقيب مصادرته فخرجت ابنته ومعها ولدها جبرائيل وأخته وهما صغيران إلى عكبراء مستترين من السلطان واتفق أنها تزوجت برجل طبيب وصرفت ولدها إلى عم كان له بدقوقاء وأقامت مدة عند ذلك الرجل وماتت وأخذ ما كان معها جميعه ودفع ولدها فدخل جبرائيل إلى بغداد وما معه إلا اليسير النزر وقصد طبيباً كان يعرف بترمرة فلازمه وقرأ عليه وكان من أطباء المقتدر وخواصه وقرأ على يوسف الواسطي الطبيب ولازم البيمارستان والعلم والدرس وكان يأوي إلى أخوال له يسكنون بدار الروم وكانوا يسيئون عشرتهم عليه ويلومونه على تعرضه للعلم والصناعة ويمجنون معه ويقولون يريد أن يكون مثل جده يختيشوع وجبرائيل وما يرضى أن يكون مثل أخواله وهو لا يلتفت إلى مثل أقوالهم واتفق أن جاء رسول من كرمان إلى معز الدولة وحمل له الحمار المخطط والرجل الذي كان طوله سبعة أشبار والرجل الذي كان طوله شبرين واتفق أنه نزل في قصر فرخ من الجانب الشرقي قريباً من الدكان الذي كان يجلس عليه والدي جبرائيل وصار ذلك الرسول يجلس عنده كثيراً ويحادثه ويباسطه فلما كان في بعض الأيام استدعاه وشاوره بالفصد فأشار به وفصده وتردد إليه يومين فأنفذ له على رسم الديلم الصينية التي كانت فيها العصائب والطشت والإبريق وجميع الآلة ثم استدعاه وقال له ادخل إلي هؤلاء القوم وانظر ما يصلح لهم وكان مع الرسول جارية يهواها قد عرض لها نزل الدم ولا بقي بفارس ولا بكرمان ولا بالعراق طبيب مذكور إلا وعالجها ولم ينجح فيها العلاج فعندما رآها رتب لها تدبيراً وعمل لها معجوناً وسقاها إياه فما مضى عليها أربعون يوماً حتى برئت وصلح جسمها وفرح الرسول بذلك فرحاً عظيماً فلما كان بعد مدة استدعاه وأعطاه ألف درهم ودراعة سقلاطون وثوباً توثياً وعمامة قصب وقال له طالبهم بحقك فأعطته الجارية ألف درهم وقطعتين من كل نوع من الثياب وحمل على بغله بمركب واتّبع ذلك بمملوك زنجي فخرج وهو أحسن حالاً من أحد أخواله فلما رأوه وثبوا له وتلقوه لقياً جميلاً فقال لهم للثياب تكرمون لا لي فلما مضي الرسول انتشر ذكره بفارس وبكرمان بما عمل وكان ذلك سبب خروجه من شيراز‏.‏

فلما دخل رفع خبره إلى عضد الدولة وكان أول تبوئه ولايته شيراز واستدعى به فحضر وأحضر معه رسالة في عصب العين تكلم فيها بكلام حسن فحسن موقعه عنده وقرر له جار وجراية كالباقين ثم إنه عرض لكوكين زوج خالة عضد الدولة وهو والي كورة جورقب مرض واستدعى طبيباً فأنفذه عضد الدولة فلما وصل أكرم موضعه وأجله إجلالاً عظيماً وكان به وجع المفاصل والنقرس وضعف الأحشاء فركب له جوارشن تفاحي وذلك في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة للهجرة فانتفع به منفعة بينة عظيمة فأجزل له عطاءه وأكرمه ورده إلى شيراز مكرماً ثم إن عضد الدولة دخل إلى بغداد وهو معه من خاصته وجدد البيمارستان وصار يأخذ رزقين وهما برسم خاص ثلاثمائة درهم شجاعية وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية سوى الجراية وكانت نوبته في الأسبوع يومين وليلتين واتفق أن الصاحب بن عباد رحمه اللَّه تعالى عرض له مرض صعب في معدته فكاتب عضد الدولة يلتمس طبيباً وكان عمله وفعله مشهوراً فأمر عضد الدولة بجمع الأطباء البغداديين وغيرهم وشاورهم فيمن يصلح أن ينفذ إليه فلما جمعهم واستشارهم فأشار جميع الأطباء على سبيل الإبعاد له من بينهم وحسداً على تقدمه ما يصلح أن يلقى مثل هذا الرجل إلا أبو عيسى جبرائيل لأنه متكلم جيد الحجة عالم باللغة الفارسية فوقع ذلك بوفاق عضد الدولة فأطلق له مالاً يصلح به أمره وحمل إليه مركوب جميل وبغال للحمل وسيَّره فلما وصل الري تلقاه الصاحب لقاء جميلاً وأنزله في دار مزاحة العلل بفراش وطباخ وخازن ووكيل وبواب وغيره ولما أقام عنده أسبوعاً استدعاه يوماً وقد أعد عنده أهل العلم من أصناف العلوم ورتب لمناظرته إنساناً من أهل الري وقد قرأ طرفاً من الطب فسأله عن أشياء من أمر النبض فعلم هو ما الغرض في ذلك فبدأ وشرح أكثر مما تحتمله المسألة وعلل تعليلات لم يكن في الجماعة من سمع بها وأورد شكوكاً ملاحاً وحلها فلم يكن في الحضور إلا من أكرمه وعظمه خلع عليه الصاحب خلعاً حسنة وسأله أن يعمل له كناشاً يختص بذكر الأمراض التي تعرض من الرأس إلى القدم ولا يخلط بها غيرها فعمل كناشه الصغير وهو مقصور على ذكر الأمراض العارضة من الرأس إلى القدم حسبما أمر الصاحب به وحمله إليه فحسن موقعه عنده ووصله بشيء قيمته ألف دينار وكان دائماً يقول صنفت مائتي ورقة أخذت عنها ألف دينار ورفع خبره إلى عضد الدولة فأعجب به وزاد موضعه عنده‏.‏

فلما عاد من الري دخل إلى بغداد بزي جميل وأمر مطاع وغلمان وحشم وخدم وصادف من عضد الدولة ما يسره ويختاره قال وحدثني من أثق إليه أنه دخل الأطباء ليهنئوه بوروده وسلامته فقال أبو الحسين بن كشكرايا تلميذ سنان يا أبا عيسى زرعنا وأكلت وأردناك تبعد فازددت قرباً لأنه كان كما تقدم ذكره فضحك جبرائيل من قوله وقال له ليس الأمور إلينا بل لها مدبر وصاحب وأقام ببغداد مدة ثلاث سنين واعتل خسروشاه بن مبادر ملك الديلم وآلت حاله إلى المراقبة ونحل جسمه وقوي استشعاره وكان عنده اثنا عشر طبيباً من الري وغيرها وكلما عالجوه ازداد مرضه فأنفذ إلى الصاحب يلتمس منه طبيباً فقال ما أعرف من يصلح لهذا الأمر إلا أبو عيسى جبرائيل فسأله مكاتبته لما بينهما من الأنس وكاتب عضد الدولة يسأل إنفاذه ويعلمه أن حاله قد آلت إلى أمر لا يحتمل الونية في ذلك فأنفذه مكرماً فلما وصل إلى الديلمي قال له ما أعالجك أو ينصرف من حولك من أطباء فصرف الأطباء مكرمين وأقام عنده وسأله أن يعمل في صورة المرض مقالة يقف على حقيقته وتدبير يختاره ويعول عليه فعمل له مقالة ترجمها في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيا فرغما ولما اجتاز بالصاحب سأله عن أفضل استقساط البدن فقال هو الدم فسأله أن يعمل له في ذلك كتاباً يبرهن عليه فيه فعمل في ذلك مقالة مليحة بين فيها البراهين التي تدل على هذا وكان في هذه المدة مستعجلاً لعمل كناشه الكبير ولما عاد إلى بغداد وكان عضد الدولة قد مات فأقام ببغداد سنين مشتغلاً بالتصنيف فتمم كناشه الكبير وسماه بالكافي بلقب الصاحب بن عباد لمحبته له ووقف منه نسخة على دار العلم ببغداد وعمل كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة وهو كتاب لم يعمل في الشرع مثله لكثرة احتوائه على الأقاويل وذكر المواضع التي استخرجت منها وأكثر فيهمن أقوال الفلاسفة في كل معنى لغموضها وقلة وجودها وقلل من الأقاويل الشرعية لظهورها وكثرة وجودها وفي هذه المدة عمل مقالة في الرد على اليهود جمع فيها أشياء منها جواز النسخ من أقوال الأنبياء ومنها شهادات على صحة مجيء المسيح وأنه قد كان وأبطل انتظارهم له ومنها صحة القربان بالخبز والخمر وعمل مقالات أخر كثيرة صغاراً منها لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم وأبان علل التحليل والتحريم وعرض له أن سافر إلى بيت المقدس وصام به يوماً واحداً وعاد منه إلى دمشق واتصل خبره بالعزيز رحمه اللّه وكوتب من الحضرة بكتاب جميل فاحتج أن له ببغداد أشياء يمضي وينجزها ويعود إلى الحضرة قاصداً ليفوز بحق القصد فحين عاد إلى بغداد أقام بها وعدل عن المضي إلى مصر ثم إن ملك الديلم أنفذ خلفه واستدعاه فعند حصوله بالري وقف بها نسخة من كناشه الكبير قال وبلغني أن البيمارستان يعمل بها وأنه يعرف به بين أطبائهم إذا ذكر أبو عيسى صاحب الكناش وأقام عند ملك الديلم مدة ثلاث سنين وخرج من عنده على سبيل الغضب وكان قد حلف له بالطلاق أنه متى اختار الانصراف لا يمنعه فلم يمكنه رده وجاء إلى بغداد وأقام بها مدة ثم إنه استدعي إلى الموصل إلى حسام الدولة فعالجه من مرض كان به وجرى له معه شيء استعظمه وكان أبداً يعيده عنه وذلك أنه كانت له امرأة عليلة بمرض حاد فأشار بحفظ القارورة واتفق أنه عند حسام الدولة وقال له هذه الامرأة تموت فانزعج لذلك ونظرت الجارية إلى انزعاجه وصرخت وخرقت ثيابها وولت فاستدعاها في الحال وقال لها جرى في أمر هذه الامرأة شيء لا أعلمه فحلفت أنها لم تجاوز التدبير فقال لعلكم خضبتموها بالحناء قالت قد كان ذلك فحرد وقال للجارية أقوالا ثم قال لحسام الدولة أبشر بعد ثلاثة أيام تبرأ فكان كما قال فعظم هذا عنده وكان أبداً يعيده ويتعجب منه ولما عاد إلى بغداد كان العميد لا يفارقه ويلازمه ويبايته في دار الوزارة لأجل المرض الذي كان به وحظي لديه ثم إن الأمير ممهد الدولة أنفذ إليه ولاطفه حتى أصعد إلى ميافارقين فلما وصل إليه أكرمه الإكرام المشهور عند كل من كان يراه ومن لطيف ما جرى له معه أنه أول سنة ورد فيها سقى الأمير دواء مسهلاً وقال له يجب أن تأخذ الدواء سحَراً فعمد الأمير وأخذه أول الليل فلما أصبح ركب إلى داره ووصل إليه وأخذ نبضه وسأله عن الدواء فقال له ما عمل معي شيئاً امتحاناً له فقال جبرائيل النبض يدل على نفاذ دواء الأمير وهو أصدق فضحك ثم قال له كم ظنك بالدواء فقال يعمل مع الأمير خمسة وعشرين مجلساً ومع غيره زائداً وناقصاً فقال له عمل معي إلى الآن ثلاثة وعشرين مجلساً فقال وهو يعمل تمام ما قلت لك ورتب ما يستعمله وخرج من عنده مغضباً وأمر أن يشد رحله ويصلح أسباب الانصراف فبلغ ممهد الدولة ذلك وأنفذ إليه يستعلم خبر انصرافه فقال مثلي لا يجرب لأنني أشهر من أن أحتاج إلى تجربة فأرضاه وحمل إليه بغلة ودراهم لها قدر‏.‏

وفي هذه المدة كاتبه ملك الديلم بكتب جميلة يسأله فيها الزيارة وكاتب ممهد الدولة يسأله في ذلك فمنع من المضي وأقام في الخدمة ثلاث سنين وتوفي يوم الجمعة ثامن شهر رجب من شهور سنة ست وتسعين وثلاثمائة للهجرة وكان عمره خمساً وثمانين سنة ودفن بالمصلى بظاهر ميافارقين ولجبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع من الكتب كناشه الكبير الملقب بالكافي خمس مجلدات ألفه للصاحب بن عباد رسالة في عصب العين مقالة في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيافرغما ألفها لخسروشاه بن مبادر ملك الديلم مقالة في أن أفضل استقسات البدن هو الدم ألفها للصاحب بن عباد كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة مقالة في الرد على اليهود مقالة في أنه لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم‏.‏

هو أبو سعيد عبيد اللَّه بن جبرائيل بن عبد اللَّه بن بختيشوع ابن جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس بن جبرائيل كان فاضلاً في صناعة الطب مشهوراً بجودة الأعمال فيها متقناً لأصولها وفروعها من جملة المتميزين من أهلها والعريقين من أربابها وكان جيد المعرفة بعلم النصارى ومذاهبهم وله عناية بالغة بصناعة الطب وله تصانيف كثيرة فيها وأقام بميافارقين وكان معاصر ابن بطلان ويجتمع به ويأنس إليه وبينهما صحبة وتوفي عبيد اللَّه بن جبرائيل في شهور سنة نيف وخمسين وأربعماية ولعبيد اللَّه بن جبرائيل من الكتب مقالة في الاختلاف بين الألبان ألفها لبعض أصدقائه في سنة سبع وأربعين وأربعمائة كتاب مناقب الأطباء ذكر فيه شيئاً من أحوالهم ومآثرهم وكان تأليفه لذلك في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة كتاب الروضة الطبية كتب به إلى الأستاذ أبي الحسن محمد بن علي كتاب التواصل إلى حفظ التناسل ألفه في سنة إحدى وأربعين وأربعماية رسالة إلى الأستاذ أبي طاهر بن عبد الباقي المعروف بابن قطرمين جواباً عن مسألته في الطهارة ووجوبها رسالة في بيان وجوب حركة النفس كتاب نوادر المسائل مقتضبة من علم الأوائل في الطب كتاب تذكرة الحاضر وزاد المسافر كتاب الخاص في علم الخواص كتاب طبائع الحيوان وخواصها ومنافع أعضائها ألفه للأمير نصير الدولة خصيب كان نصرانياً من أهل البصرة ومقامه بها وكان فاضلاً في صناعة الطب جيد المعالجة حدث محمد بن سلام الجمحي قال مرض الحكم بن محمد بن قنبر المازني الشاعر بالبصرة فأتوه بخصيب الطبيب يعالجه فقال فيه الرمل ولقد قلت لأهلي إذ أتوني بخصيب ليس واللَّه خصيب للذي بي بطبيب إنما يعرف دأبي من به مثل الذي بي وحدث أيضاً محمد بن سلام قال كان خصيب الطبيب نصرانياً نبيلاً فسقى محمد بن أبي العباس السفاح شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها وذلك في أول سنة خمسين ومائة فاتهم خصيب فحبس حتى مات فنظر في علته إلى مائه وكان عالماً فقال قال جالينوس إن صاحب هذه العلة إذا صار هكذا ماؤه لا يعيش فقيل له إن جالينوس ربما أخطأ فقال ما كنت إلى خطئه قط أحوج مني إليه في هذا الوقت ومات من علته

 

عيسى المعروف بأبي قريش

قال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة قال أخبرني يوحنا بن ماسويه أن أبا قريش كان صيدلانياً يجلس على موضع نحو باب قصر الخليفة وكان ديناً صالحاً في نفسه وأن الخيزران جارية المهدي وجهت بمائها مع جارية لها إلى الطبيب فخرجت الجارية من القصر فأرت أبا قريش الماء فقال لها هذا ماء امرأة حبلى بغلام فرجعت الجارية بالبشارة فقالت لها ارجعي إليه واستقصي المسألة عليه فرجعت فقالت لها ما قلت لك حق ولكن لي عليك البشرى فقالت كم تريدين البشرى قال جامة فالوذج وخلعة سنية فقالت لها إن كان هذا حقاً فقد سقت إلى نفسك خير الدنيا ونعيمها وانصرفت فلما كان بعد أربعين يوماً أحست الخيزران بالحمل فوجهت ببدرة دراهم وكتمت الخبر عن المهدي فلما مضت الأيام ولدت موسى أخا هارون الرشيد فعند ذلك أعلمت المهدي وقالت له إن طبيباً على الباب أخبر بهذا منذ تسعة أشهر وبلغ الخبر جورجس بن جبرائيل فقال كذب ومخرقة فغضبت له الخيزران وأمرت فاتخذ بين يديها مائة خوان فالوذج ووجهت بذلك إليه مع مائة ثوب وفرس بسرجه ولجامه وما مضى بعد ذلك إلا قليل حتى حبلت بأخيه هارون الرشيد فقال جورجس للمهدي جرب أنت هذا الطبيب فوجه إليه بالماء فلما نظر إليه قال هذا ماء ابنتي أم موسى وهي حبلى بغلام آخر فرجعت الرسالة بذلك إلى المهدي وأثبت اليوم عنده فلما مضت الأيام ولدت هارون فوجه المهدي إلى أبي قريش فأحضره وأقيم بين يديه فلم يزل يطرح عليه الخلع وبدر الدنانير والدراهم حتى علت رأسه وسير هارون وموسى في حجره وكناه أبا قريش أي أبا العرب وقال لجورجس هذا شيء أنا بنفسي جربته فصار أبو قريش نظير جرجس بن جبرائيل بل أكبر منه حتى تقدمه في المرتبة وتوفي المهدي واستخلف هارون الرشيد وتوفي جرجس وسار ابنه تبع أبي قريش في خدمة الرشيد ومات أبو قريش وخلف اثنين وعشرين ألف دينار مع نعمة سنية وقال يوسف بن إبراهيم حدثني العباس بن علي بن المهدي أن الرشيد اتخذ مسجداً جامعاً في بستان موسى الهادي وأمر إخوته وأهل بيته بحضوره في كل يوم جمعة لتولى الصلاة بهم فيه قال فحضر والدي علي بن المهدي ذلك المسجد في يوم حار وصلى فيه وانصرف إلى داره بسوق يحيى فكسبه حر ذلك اليوم صداعاً كاد يذهب ببصره فأحضر له جميع متطببي مدينة السلام وكان آخر من أحضر منهم عيسى أبو قريش فوافاهم قد اجتمعوا للمناظرة فقال ليس يتفق للجماعة رأي حتى يذهب بصر هذا ثم دعا بدهن بنفسج وماء ورد وخل خمر وثلج فجعل في مضربة من ذلك الدهن بقدر وزن درهمين وصب عليه شيئاً من الخل وشيئاً من الماء وفت فيه شيئاً من الثلج وحرك المضربة حتى اختلط جميع ما فيها‏.‏

ثم أمر بتصبير راحه منه وسط رأسه والصبر عليه حتى ينشفه الرأس ثم زيادة راحة أخرى فلم يزل يفعل ذلك ثلاث مرات أو أربع حتى سكن عنه الصداع وعوفي من العلة قال يوسف وحدثتني شكلة أم إبراهيم بن المهدي أن المهدي هتف بها وهي معه في مضربه بالربدة من طريق مكة بلسان متغير أنكرته فصارت إليه وهو مستلق على القفا فأمرها بالجلوس فلما جلست وثب فعانقها معانقة الإنسان لمن يسلم عليه ثم عبرها إلى صدره وزال عنه عقله فجهد جميع من حضرها بأن يخلص يديه من عنقها فما وصلوا إلى ذلك وحضر المتطببون فأجمعوا على أن الذي به فالج فقال عيسى أبو قريش المهدي ابن المنصور بن محمد بن علي بن العباس يضربه فالج لا واللَّه لا يضرب أحداً من هؤلاء ولا نسلهم فالج أبداً إلا أن يبذروا بذورهم في الروميات والصقلبيات وما أشبههن فيعرض الفالج لمن ولده الروميات وأشباههن من نسلهم ثم دعا بالحجام فحجمه فواللَّه ما أن خرج من دمه إلا محجمة واحدة حتى رد إليه يديه ثم تكلم من المحْجَمةِ الثانية ثم ثاب إليه عقله قبل فراغ الحجام من حجامته ثم طعم بعد ذلك ودعا بأم أسماء بنت المهدي فواقعها فأحبلها بأسماء قال يوسف ولما اشتدت بإبراهيم بن المهدي علته التي توفي فيها استرخى لحيه وغلظ لسانه في فيه فصعب عليه الكلام وكان إذا تكلم توهمه سامعه مفلوجاً فدعاني وقت صلاة العصر من يوم الثلاثاء لست خلون من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين فقال لي أما تعجب من عرض هذه العلة التي لم تعرض لأحد من ولد أبي غير إسماعيل ابن موسى أمير المؤمنين ومحمد بن صالح المسكين وإنما عرضت لمحمد لأن أمه كانت رومية وأم أبيه كانت كذلك وكانت أم إسماعيل رومية وأنا فلم تلدني رومية فما العلة عندك في عرض هذه العلة لي فعلمت أنه كان حفظ عن أمه قول عيسى أبي قريش في المهدي وولده أنه لا يعرف لعقبه الفالج إلا أن يبذروا بذورهم في الروميات وأنه قد أمل أن يكون الذي به فالجاً لا عارض الموت فقلت لا أعرف لإنكارك هذه العلة معنى إذ كانت أمك التي قامت عنك دنباونديَّة ودنباوند أشد برداً من كل أرض الروم فكأنه تفرج إلى قولي وصدقني وأظهر السرور بما سمع مني ثم توفي في وقت طلوع الفجر من يوم الجمعة لتسع خلون من شهر رمضان‏.‏

قال يوسف حدثني إبراهيم بن المهدي أن لحم عيسى بن جعفر بن المنصور كثر عليه حتى كاد أن يأتي على نفسه وأن الرشيد اغتم لذلك غماً شديداً أضر به في بدنه ومنعه لذة المطعم والمشرب وأمر جميع المتطببين بمعالجته فكلهم دفع أن يكون عنده في ذلك حيلة فزادوا الرشيد غماً إلى ما كان عليه منه وإن عيسى المعروف بأبي قريش صار إلى الرشيد سراً فقال له يا أمير المؤمنين إن أخاك عيسى بن جعفر رزق معدة صحيحة وبدناً قابلاً للغذاء أحسن قبول وجميع الأمور جارية له بما يحب فليس يتمنى شيئاً إلاّ تَمَّ له على أكثر مما يحبه وقد وقي موت أحبته ودخول النقص في ماله والظلم من ناحية سلطانه والاستقصاء عليه والأبدان متى لم تختلط على أصحابها طبائعهم وأحوالهم فتنالهم العلل في بعض الأوقات والصحة في بعضها والغموم في بعضها والسرور في بعضها ورؤية المكاره في بعضها والمحاب في بعضها وتدخلها الروعة أحياناً والفرح أحياناً لم يؤمن على صاحبها التلف لأن لحمه يزداد حتى تضعف عن حمله العظام وحتى يغمر فعل النَّفَس وتبطل قوى الدماغ والكبد ومتى كان هذا عدمت الحياة وأخوك هذا إن لمن تظهر موجدة عليه أو تغير له أو تقصده بما ينكي قلبه من حيازة مال أو أخذ عزيز عليه من حرمه لم آمن عليه تزايد هذا الشحم حتى يتأتى على نفسه فإن أحببت حياته فافعل ذلك به وإلا فلا أخ لك فقال الرشيد أنا أعلم أن الذي ذكرت على ما قلت غير أنه لا حيلة عندي في التغير له أو غمه بشيء من الأشياء فإن تكن عندك حيلة في أمره فاحتل بها فإني أكافئك عنه متى رأيت لحمه قد انحط بعشرة آلاف دينار وآخذ لك منه مثلها فقال عيسى عندي حيلة إلا أني أتخوف أن يعجل علي عيسى بالقتل فتتلف نفسي فليوجه معي أمير المؤمنين خادماً جليلاً من خدمه ومعه جماعة يمنعونه مني إن أمر بقتلي ففعل ذلك به وسار إليه فجسه وأعلمه أنه يضطر إلى مجسة عرقه ثلاثة أيام قبل أن يذكر له شيئاً من العلاج فأمره عيسى بالانصراف والعود إليه ففعل ذلك وعاد في اليوم الثاني والثالث فلما فرغ من مجسة عرقه قال له إن الوصية مباركة وهي غير مقدمة ولا مؤخرة وأنا أرى للأمير أن يعهد فإن لم يحدث حادث قبل أربعين يوماً عالجته في ذلك بعلاج لا يمضي به إلا ثلاثة أيام حتى يخرج من علته هذه ويعود بدنه إلى أحسن مما كان عليه ونهض من مجلسه وقد أسكن قلب عيسى من الخوف ما امتنع له من أكثر الغذاء ومنعه من النوم فلم يبلغ أربعين يوماً حتى انحط من منطقته واستتر عيسى أبو قريش في تلك الأيام عن الرشيد خوفاً من إعلام الرشيد عيسى بن جعفر تدبير عيسى المتطبب لإسكان الغم قلبه فيفسد عليه تدبيره فلما كان ليلة يوم الأربعين سار إلى الرشيد وأعلمه أنه لا يشك في نقصان بدن عيسى وسأله إحضاره مجلسه أو الركوب إليه فركب إليه الرشيد فدخل عليه ومعه عيسى فقال له عيسى أطلق لي يا أمير المؤمنين قتل هذا الكافر فقد قتلني وأحضر منطقته فشدها في وسطه وقال يا أمير المؤمنين نقص هذا العدو واللّه من بدني بما أدخل علي من الروع خمس بشيزجات فسجد الرشيد شكراً للّه وقال له يا أخي مَتَعْتُ بك بأبي عيسى - وكان الرشيد كثيراً ما يقول له بأبي عيسى - ردت إليك بعد اللّه الحياة ونعم الحيلة احتال لك وقد أمرت له بعشرة آلاف دينار فأوصل إليه مثلها ففعل ذلك له وانصرف المتطبب إلى منزله بالمال ولم يرجع إلى عيسى ابن جعفر ذلك الشحم إلى أن فارق الدنيا قال يوسف وحدثني إبراهيم بن المهدي أنه اعتل بالرقة مع الرشيد علة صعبة فأمر الرشيد بحدره إلى والدته بمدينة السلام فكان بختيشوع جد بختيشوع الذي كان في دهرنا هذا لا يزايله ويتولى علاجه ثم قدم الرشيد مدينة السلام ومعه عيسى أبو قريش فذكر أن أبا قريش أتاه عائداً فرأى العلة قد أذهبت لحمه وأذابت شحمه وأسارته إلى اليأس من نفسه وكان أعظم ما عليه في علته شدة الحمة قال أبو إسحاق فقال لي عيسى وحق المهدي لأعالجنك غداً علاجاً يكون به برؤك قبل خروجي من عندك ثم دعا القهرمان بعد خروجه فقال له لا تدع بمدينة السلام أسمن من ثلاثة فراريج كسكرية تذبحها الساعة وتعلقها في ريشها حتى آمرك فيها بأمري غداة غد ثم بكر إلي ومعه ثلاث بطيخات رمشية قد بردها في الثلج ليلته كلها فلما دخل علي دعا بسكين فقطع لي من إحداهن قطعة ثم قال لي كل هذه القطعة فأعلمته أن بختيشوع كان يحميني من رائحة البطيخ فقال لي لذلك طالت علتك فكل فإنه لا بأس عليك فأكلت القطعة التذاذاً مني لها ثم أمرني بالأكل فلم أزل آكل حتى استوفيت بطيختين ثم انتهت نفسي فقطع من الثالثة قطعة وقال جميع ما أكلت للذة فكل هذه القطعة للعلاج فأكلتها بتكره ثم قطع قطعة أخرى وأوما إلى الغلمان بإحضار الطشت وقال لي كل هذه القطعة أيضاً فما أكلت ثلثها حتى جاشت نفسي وذرعني القيء فتقيأت أربعة أضعاف ما أكلت من البطيخ وكل ذلك مرة صفراء ثم أغمي علي بعد ذلك القيء وغلب علي العرق والنوم إلى بعد صلاة الظهر فانتبهت وما أعقل جوعاً وقد كانت شهوة الطعام ممتنعة مني فدعوت بشيء آكله فأحضرني الفراريج الثلاثة وقد طبخ لي منها سكباج وأجادها طهاتها فأكلت منها حتى تضلعت ونمت بعد أكلي إلى آخر أوقات العصر ثم قمت وما أجد من العلة قليلاً ولا كثيراً‏.‏

واتصل بي البرء فما عادت إلي تلك العلة منذ ذلك اليوم اللجلاج قال يوسف بن إبراهيم حدثني إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت أن أباه أبا سهل حدثه أن المنصور لما حج حجته التي توفي فيها ورافق ابن اللجلاج متطبب المنصور فكانا متى نام المنصور تنادما إلى أن سأل ابن اللجلاج وقد عمل فيه النبيذ أبا سهل عما بقي من عمر المنصور قال إسماعيل فأعظم ذلك والدي وقطع النبيذ وجعل على نفسه أن لا ينادمه وهجره ثلاثة أيام ثم اصطلحا بعد ذلك فلما جلسا على نبيذهما قال ابن اللجلاج لأبي سهل سألتك عن علمك ببعض الأمور فبخلت به وهجرتني ولست أبخل عليك بعلمي فاسمعه ثم قال إن المنصور رجل محرور تزداد يبوسة بدنه كلما أسن وقد حلق رأسه بالحيرة وجعل مكان الشعر الذي حلقه غالية وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية وما يقبل قولي في تركها ولا أحسبه يبلغ إلى قيد حتى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطببين حيلة في ترطيبه فليس يبلغ قيد إن بلغها إلا مريضاً ولا يبلغ مكة إن بلغها وبه حياة قال إسماعيل قال لي والدي فواللّه ما بلغ المنصور قيد إلا وهو عليل وما وافى مكة إلا وهو ميت فدفن ببئر ميمون قال يوسف فحدثت إبراهيم بن المهدي بهذا الحديث فاستحسنه وسألني عن اسم أبي سهل بن نوبخت فأعلمته بأني لا أعرفه فقال إن الخبر في اسمه أطرف من حديثك الذي حدثتني عن ابنه فاحفظ عني ثم قال لي حدثني أبو سهل بن نوبخت أنه لما ضعف عن خدمة المنصور أمره المنصور بإحضار ولده ليقوم مقامه قال أبو سهل فأدخلت على المنصور فلما مثلت بين يديه قال لي تسم لأمير المؤمنين فقلت خرخشا ذماه طيماذاه ماذرياد خسرو بهمشاذ فقال لي كل ما ذكرت اسمك قلت نعم فتبسم ثم قال لي ما صنع أبوك شيئاً فاختر مني خلة من خلتين قلت وما هما قال إما أن أقتصر بك من كل ما ذكرت على طيماذ وإما أن أجعل لك كنية تقوم مقام الاسم وهي أبو سهل قال أبو سهل قد رضيت بالكنية فثبت كنيته وبطل اسمه فحدث بهذا الحديث إسماعيل بن أبي سهل فقال صدق أبو إسحاق كذا حدثني والدي‏.‏

عبد اللَّه الطيفوري

كان حسن العقل طيب الحديث على لكنة سوادية كانت في لسانه شديدة لأن مولده كان في بعض قرى كسكر كان من أحظى خلق اللَّه عند الهادي قال يوسف بن إبراهيم حدثني الطيفوري أنه كان متطبباً لطيفور الذي كان يقول إنه أخو الخيزران والناس يقولون أو أكثرهم إنه مولى الخيزران ولما وجه المنصور المهدي إلى الري لمحاربة سنقار حمل المهدي الخيزران وهي حامل وكان عيسى المعروف بأبي قريش صيدلانياً في العسكر فلما تبينت الخيزران ارتفاع العلة بعثت بمائها مع عجوز ممن معها وقالت لها أعرضي هذا الماء على جيمع المتطببين الذين في عسكر المهدي وجميع من ينظر في ذلك ففعلت العجوز وكنا في ذلك الوقت بهمدان واجتازت في منصرفها بخيمة عيسى فرأت جماعة من غلمان أهل العسكر وقوفاً يعرضون عليه قوارير الماء فكرهت أن تجوزه قبل أن ينظر إلى الماء فقال لها عند نظره إلى الماء هذا ماء امرأة وهي حامل بغلام فأدت العجوز عنه ما قال إلى الخيزران فسجدت شكراً للّه وأطلقت عدة مماليك وسارت إلى المهدي فأخبرته بما قالت العجوز فأظهر من السرور بذلك أكثر من سرورها وأمر بإحضار عيسى وسأله عما قالت العجوز فأعلمه أن الأمر على ما ذكرت فوصله ووصلته الخيزران بمال جليل وأمره بلزوم الخدمة وترك خيمته وما كان فيها من متاع الصيادلة قال الطيفوري فأراد طيفور أن ينفعني فأرسل إلى الخيزران إن متطببي ماهر بصناعة الطب فابعثي إليه بالماء حتى يراه ففعلت ذلك في اليوم الثاني فقال لي قل مثل قول عيسى فأعلمته أن الماء يدل على أنها حامل فأما تمييز الغلام من الجارية فذلك ما لا أقوله فجهد بي كل الجهد أن أجيبه إلى ذلك فلم أفعل صيانة لنفسي عن الاكتساب بالمخرقة فأدى قولي إليها فأمرت لي بألف درهم واحد وأمرت بملازمتها فلما وافت الري ولدت بها الهادي وصح عند المهدي أن أبا قريش عنين بعد أن امتحن بكل محنة فسر بذلك وأحظاه وتقدم عنده على جميع الخصيان وكان ذلك من أسباب الصنع لي فضممت إلى أمير المؤمنين موسى ودعيت متطببه وهو رضيع وفطيم ثم ولدت هارون الرشيد بالري أيضاً فكان مولده كان شؤماً على الهادي لأن الحظوة كلها أو أكثرها صارت له دونه فأضر بي ذلك في جاهي وما كنت فيه من كثرة الدخل إلى أن ترعرع موسى ففهم الأمر فكان ذلك مما زاد في جاهي وجميل رأيه في فكان ينيلني من أفضاله أكثر مما كانت الخيزران تنيلنيه‏.‏

وفتح اللّه على المهدي وقتل سنقار وطراحته شهريار أبا مهرويه وخلد وبسخنز أبا الحرث بن بسخنز والربعين وسبى ذراريهم فكان من ذلك السبي مهرويه وخلد وقرابتهما شاهك وكانت على مائدة شهريار وهي أم السندي ابن شاهك وكان منهم الحرث بن بسخنز وجميع هؤلاء الموالي الرازيين ثم أدرك الهادي وأفضت الخلافة إلى المهدي فاتصل بي الأمر وعظم قدري لأني صرت متطبب ولي العهد ثم ملك الهادي أمة العزيز فكانت أعز عليه من جلدة ما بين عينيه وهي أم جعفر وعبد اللّه وإسماعيل وإسحاق وعيسى المعروف بالجرجاني وموسى الأعمى وأم عيسى زوج المأمون وأم محمد وعبيد اللَّه ابنتيه فبناني موسى الهادي جميع ولدها وأعلم أمة العزيز أنه يتبرك بي فنلت منها أكثر من أملي مما كان من الهادي ثم دبر الهادي البيعة لابنه جعفر بن موسى فدعاني قبل البيعة بيوم فخلع علي وحملني على دابة من دواب رحله بسرجه ولجامه وأمر لي بمائة ألف حملت إلى منزلي وقال لا تبرح الدار باقي يومك وليلتك وأكثر نهار غدك حتى أبايع لابنك جعفر فتنصرف إلى منزلك وأنت أنبل الناس لأنك توليت تربية ابن خليفة صار ولي العهد ووَليَ وليُّ العهد الخلافة فربيت ابنه إلى أن صار ولي عهده وبلغ أمة العزيز الخبر ففعلت بي مثل الذي فعل الهادي من الصلة وحُمِّلت إلى منزلي ثياب صحاح ولم تحملني على دابة وأقمت في الدار بعيساباذ إلى أن طلعت الشمس من غد اليوم الذي نلت فيه ما نلت ثم جلس الهادي وقد أحضر جميع بني هاشم فأخذت عليهم البيعة لجعفر وأحلفوا عليها وعلى خلع الرشيد ثم آل زائدة فكان يزيد بن مزيد أول من خلع الرشيد وبايع جعفر بعده ثم شراحيل بن معن بن زائدة وأهل بيته ثم سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم ثم آل مالك وكان أول من بايع منهم عبد اللَّه ثم الصحابة وسائر مشايخ العرب ثم القواد فما انتصف النهار إلا وقد بايع أكثر القواد وكان في القواد هرثمة بن أعين ولقبه المشؤوم وكان المنصور قد قوّده على خمسمائة ولم يكن له حركة بعد أن قود فتوفي أكثر أصحابه ولم يثبت له مكان من توفي منهم فأحضروه وأمروه بالبيعة فقال له يا أمير المؤمنين لمن أبايع فقال له لجعفر بن أمير المؤمنين قال إن يميني مشغولة ببيعة أمير المؤمنين وشمالي مشغولة ببيعة هارون فأبايع بماذا فقال له تخلع هارون وتبايع جعفراً فقال يا أمير المؤمنين أنا رجل أدين بنصيحتك ونصيحة الأئمة منكم أهل البيت وباللّه لو تخوفت أن تحرقني على صدقي إياك بالنار لما حجزني ذلك عن صدقك إن البيعة يا أمير المؤمنين إنما هي أيمان وقد حلفت لهارون بمثل ما تستحلفني به لجعفر وإن خلعت اليوم هارون خلعت جعفر في غد وكذلك جميع من حلف لهارون على هذا فغدر به قال فاستشاط موسى من قوله وأمر بوجء عنقه وتسرعت جماعة من الموالي والقواد نحوه بالجررة والعمد فنهاهم الهادي عنه ثم عاوده الأمر بالبيعة فقال يا أمير المؤمنين قولي هذا قولي الأول فزبره الهادي وقال له اخرج إلى لعنة اللَّه لا بايعت ولا بايع أصحابك ألف سنة ثم أمر بإخراجه من الدار بعيساباذا وإسقاط قيادته وقال أطلقوه لينفد حيث أحب لاصحبه اللّه ولا كلأه ثم وجم مقدار نصف ساعة لا يأمر ولا ينهى ثم رفع رأسه وقال ليندون خادمه الحق الفاجر فقال له ألحقه فأصنع به ماذا فقال ترده على أمير المؤمنين قال فلحقه يندون فيما بين باب خراسان وباب بردان بالقرب من الموضع المعروف بباب النقب وهو يريد منزله على نهر المهدي فرده فلما دخل قال له يا حائك تبايع أهل بيت أمير المؤمنين فيهم عم جده وعم أبيه وعمومته وإخوته وسائر لحمته وتبايع وجوه العرب والموالي والقواد وتمسك أنت عن البيعة فقال هرثمة يا أمير المؤمنين وما حاجتك إلى بيعة الحائك بعد بيعة من ذكرت من أشراف الناس ألا إن الأمر على ما حكيت لك إنه لا يخلع اليوم أحد هارون ويبقى في غد لجعفر قال الطيفوري فالتفت الهادي إلى من حضر مجلسه فقال لهم شاهت الوجوه صدق واللَّه هرثمة وبر وغدرتم وأمر الهادي عند هذا الكلام لهرثمة بخمسين ألف درهم وأقطعه الموضع الذي لحقه فيه يندون فسمي ذلك الموضع عسكر هرثمة إلى هذه الغاية وانصرف الناس كلهم في أمر عظيم من أمر ذي قدر قد غمه ما لقيه به الخليفة ومما يتوقعه من البلاء إن حدث بالهادي حادث لمسارعتهم إلى خلع الرشيد ومن بطانته لجعفر قد كانوا أملوا خلافة صاحبهم والغنى بما قد قلد منهم فصاروا يتخوفون على نفس صاحبهم التلف وعلى أنفسهم أن سلموا من القتل والبلاء والفقر ودخل موسى الهادي على أمة العزيز فقالت له يا أمير المؤمنين ما أحسب أحداً عاين ولا سمع بمثل ما عاينا وسمعنا فإن أصبحنا في غاية الأمل لهذا الفتى وأمسينا على غاية الخوف عليه‏.‏

فقال إن الأمر لعلى ما ذكرت وأزيدك واحدة قالت وما هي يا أمير المؤمنين قال أمرت برد هرثمة لأضرب عنقه فلما مثل بين يدي حيل بيني وبينه واضطررت إلى أن وصلته وأقطعته وأنا على زيادة رفع مرتبته والتنويه باسمه فبكت أمة العزيز فقال لها أرجو أن يسرك اللَّه فتوهمت وتوهم جميع من يطيف بها أنه على اغتيال الرشيد بالسم فلم يمهل ولم تمض به ليال قلائل حتى توفي الهادي وولي الخلافة هارون الرشيد فواللَّه لقد أحسن غاية الإحسان في أمر جعفر وزاده نعماً إلى نعمه وزوجه أم محمد ابنته قال يوسف بن إبراهيم وحدثني أبو مسلم عن حميد الطائي المعروف بالطوسي - ولم يكن حميد طوسياً وكانت كورته في الديوان مرو وكذلك كورة طاهر مرو والطاهر ولي بوشنج وموسى بن أبي العابس الشاشي لم تكن كورته الشاش وكورته هراة ومحمد ابن أبي الفضل الطوسي كورته نسا وهو منسوب إلى طوس والسبب في نسب هؤلاء وعدة من أصحاب الدولة إلى غير كورهم أن منهم من كان مخرجه في كورة فنسب إلى الكورة التي فيها ضياعه ومنهم من ولي بلداً طالت فيه ولايته إياه فنسب إلى ذلك البلد - قال أبو مسلم اعتل أبو غانم يعني أباه علة صعبة فتولى علاجه منها الطيفوري المتطبب وكان في أبي غانم حدة شديدة تخرجه إلى قذف أصحابه والى الإقدام بالمكروه عليهم فإني لواقف على رأسه وأنا غلام في قبادر زبيرون إذ دخل عليه الطيفوري فجس عرقه ونظر إلى مائه ثم ناجاه بشيء لم أفهمه فقال له كذبت يا ماص بظر أمه فقال له الطيفوري أعض اللّه أكذبنا بكذا وكذا من أمه فقلت في نفسي ذهبت واللَّه نفس الطيفوري فقال أبو غانم يا ابن الكافرة لقد أقدمت ويلك كيف اجترأت علي بهذا فقال له واللَّه ما احتملت سيدي الهادي قط على لقائي بحرف خشن ولقد كان يقذفني فأرد عليه مثل قوله فكيف أحتمل لك وأنت كلب قذفي فحلف لي أبو مسلم أنه رأى أباه ضاحكاً باكياً يفهم في بعض أسرة وجهه الضحك وفي بعضها البكاء ثم قال له واللَّه إنك كنت ترد على أمير المؤمنين الهادي القذف الذي كان يقذفك به فقال له الطيفوري اللهم نعم فقال له فأسألك باللَّه لِمَ أحببت في عرض حميد ما أحببت وقذفته بما شئت من القذف متى قذفتك ثم بكى على الهادي بكاء كثيراً قال يوسف فسألت الطيفوري عما حدثني به أبو مسلم من ذلك فبكى حتى تخوفت عليه الموت مما تداخله من الجزع عند ذكر حميد وقال واللَّه ما عاشرت بعد الهادي أحر نفساً ولا أكرم طبعاً ولا أطيب عشرة ولا أشد إنصافاً من حميد إلا أنه كان صاحب جيش فكان يظهر ما يجب على أصحاب الجيوش إظهاره‏.‏

فإذا صار مع إخوانه كان كأنه من المنقطعين إليهم لا من المفضلين عليهم قال يوسف وحدثني الطيفوري أنه كان مع حميد الطوسي بقصر ابن هبيرة أيام تغلب صاحبنا على مدينة السلام وما والاها فقدِمت عليه جماعة من جبل طيء عليهم رئيس لهم يقدمونه على أنفسهم ويقرون له بالفضل والسؤدد عليهم فأذن له في الدخول عليه في مجلس عام قد احتشد لإظهار عدده فيه ثم قال لذلك الرئيس ماأقدمك يا ابن عم فقال له قدمت مدداً لك إذ كنت على محاربة هذا الدعي لما لا يجب له ولا يستحقه يعني صاحبنا فقال له حميد لست أقبل مدداً إلا من وثقت بصرامته وقوة قلبه واحتماله لما تصعب على أكثر الناس في نصرتي ولا بد من امتحانك فإن خرجت على المحنة قبلتك وإلا رددتك إلى أهللك فقال له الطائي فامتحني بما أحببت فأخرج حميد عموداً من تحت مصلاه ثم قال له ابسط ذراعك فبسط ذراعه فحمل حميد العمود على عاتقه ثم هوى به إلى ذراع الطائي فلما قرب العمود من ذراعه رفع يده فأظهر حميد غضباً عليه ثم قال له رددت يدي فترضاه الطائي ثم دعاه إلى معاودة امتحانه فأمره حميد بإظهار ذراعه ففعل فرفع حميد العمود ليضرب به ذراعه فلما قرب العمود من ذراع الطائي فعل مثل فعله في المرة الأولى فلما جذب ذراعه ولم يمكن حميداً من ضربها بالعمود أمر بسجنه بعد سحبه في مجلسه وأخذ دوابه ودواب أصحابه وطردهم من معسكره فانصرفوا من عنده رجالة بأسوأ حال قال الطيفوري فلمته على ما كان منه فاستضحك ثم قال لي قد أطلقت لك الضحك مني والاستهزاء بي وقذف عرضي متى تكلمت في الطب بحضرتك بشيء تنكره فأما قيادة الجيوش فذلك ما ليس لك فيه حظ فلا تنكر مخالفة رأيك رأيي ثم قال لي أنا رجل من يمن وكان الرسول صلى الله علية وسلم مضرياً والخلافة في أيدي مضر فكما أني أحب قومي فكذلك الخلفاء تحب قومها وإن أظهرت ميلاً إلى قومي في بعض الأوقات وانحرافاً عمن هو أمس بها رحماً مني فإني غير شاك في ميلها إليهم إذا حققت الحقائق ومعي من أبناء نزار بشر كثير وكان في استشعاري من قدم علي من قومي مفسدة لقلوب من قد امتحنته وعرفت بلاءه من النزارية ولست أدري لعل كل من أتاني من عشيرتي لا يساوي رجلاً واحداً من النزارية فأردت بما كان مني استجلاب قلوب من معي وأن ينصرف من أتاني من عشيرتي منذرين لا مبشرين لأنهم متى انصرفوا منذرين انقطعت عنا مادتهم ومتى انصرفوا مبشرين أتاني منهم من لا يسعه مال ما في أيدينا من السواد فعلمت أنه قد أصاب التدبير ولم يخطئ فيما بنى عليه أمره‏.‏

زكريا بن الطيفوري

قال يوسف بن إبراهيم حدثني زكريا بن الطيفوري قال كنت مع الأفشين في معسكره وهو في محاربة بابك فأمر بإحصاء جميع من في عسكره من التجار وحوانيتهم وصناعة رجل رجل منهم فرفع ذلك إليه فلما بلغت القراءة بالقارئ إلى موضع الصيادلة قال لي يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي أولى ماتقدم فيه فامتحنهم حتى نعرف منهم الناصح من غيره ومن له دين ومن لا دين له فقلت أعز اللَّه الأمير إن يوسف لقوة الكيميائي كان يدخل على المأمون كثيراً ويعمل بين يديه فقال له يوماً ويحك يا يوسف ليس في الكيمياء شيء فقال له بلى يا أمير المؤمنين وإنما آفة الكيمياء الصيادلة قال له المأمون ويحك وكيف ذلك فقال يا أمير المؤمنين إن الصيدلاني لا يطلب منه إنسان شيئاً من الأشياء كان عنده أو لم يكن إلا أخبره بأنه عنده ودفع إليه شيئاً من الأشياء التي عنده وقال هذا الذي طلبت فإن رأى أمير المؤمنين أن يضع اسماً لا يعرف ويوجه جماعة إلى الصيادلة في طلبه ليبتاعه فليفعل فقال له المأمون قد وضعت الاسم وهو سقطيثا - وسقطيثا ضيعة تقرب من مدينة السلام ووجه المأمون جماعة من الرسل يسألهم عن سقطيثا فكلهم ذكر أنه عنده وأخذ الثمن من الرسل ودفع إليهم شيئاً من حانوته فصاروا إلى المأمون بأشياء مختلفة فمنهم من أتى ببعض البزور ومنهم من أتي بقطعة من حجر ومنهم من أتى بوبر فاستحسن المأمون نصح يوسف لقوة عن نفسه وأقطعه ضيعة على النهر المعروف بنهر الكلبة فهي في أيدي ورثته ومنها معاشهم فإن رأى الأمير أن يمتحن هؤلاء الصيادلة بمثل محنة المأمون فليفعل فدعا الأفشين بدفتر من دفاتر الأسروشنية فأخرج منها نحواً من عشرين اسماً ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الأسماء فبعضهم أنكرها وبعضهم ادعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئاً من حانوته فأمر الأفشين بإحضار جميع الصيادلة فلما حضروا كتب لمن أنكر معرفة تلك الأسماء منشورات إذن لهم فيها بالمقام في عسكره ونفى الباقين عن العسكر ولم يأذن لأحد منهم في المقام ونادى المنادي بنفيهم وبإباحة دم من وجد منهم في معسكره وكتب إلى المعتصم يسأله البعثة إليه بصيادلة لهم أديان ومذهب جميل ومتطببين كذلك فاستحسن المعتصم ذلك ووجه

إسرائيل بن زكريا الطيفوري

متطبب الفتح بن خاقان كان مقدما في صناعة الطب جليل القدر عند الخلفاء والملوك كثيري الاحترام له وكان مختصاً بخدمة الفتح ابن خاقان بصناعة الطب وله منه الجامكية الكثيرة والإنعام الوافرة وكان المتوكل باللّه يرى له كثيراً ويعتمد عليه وله عند المتوكل المنزلة المكينة ومن ذلك مما حكاه إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب أن إسرائيل بن زكريا بن الطيفوري وجد على أمير المؤمنين المتوكل لما احتجم بغير إذنه فافتدى غضبه بثلاثة آلاف دينار وضيعة تغل له في السنة خمسين ألف درهم وهبها له وسجل له عليها وحكي عن عيسى بن ماسة قال رأيت المتوكل وقد عاده يوماً وقد غشي عليه فصير يده تحت رأسه مخدة ثم قال للوزير يا عبد اللَّه حياتي معلقة بحياته إن عدمته لا أعيش ثم اعتل فوجه إليه سعيد بن صالح حاجبه وموسى بن عبد الملك كاتبه يعودانه ونقلت من بعض التواريخ أن الفتح بن خاقان كان كثير العناية بإسرائيل بن الطيفوري فقدمه عند المتوكل ولم يزل حتى أنس به المتوكل وجعله في مرتبة بختيشوع وعظم قدره وكان متى ركب إلى دار المتوكل يكون موكبه مثل موكب الأمراء وأجلاء القواد وبين يديه أصحاب المقارع وأقطعه المتوكل قطيعة بسر من رأى وأمر المتوكل صقلاب وابن الخيبري بأن يركبا معه ويدور جميع سر من رأى حتى يختار المكان الذي يريده فركبا حتى اختار من الحيز خمسين ألف ذراع وضربا المنار عليه ودفع إليه ثلاثمائة ألف درهم للنفقة عليه‏.‏

يزيد بن زيد يزيد بن زيد بن يوحنا بن أبي خالد

متطبب المأمون كان جيد العلم حسن المعالجة موصوفاً بالفضل وكان قد خدم المأمون بصناعة الطب وخدم أيضاً إبراهيم بن المهدي وكان له منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير والعناية البالغة والجامكية الوافرة وكان يقال له أيضاً يزيد بور قال يوسف بن إبراهيم حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن ثمامة العبسي القعقاعي وهو أبو عثمان بن ثمامة صاحب الجبار اعتل من خلفة تطاولت به وكان شيخاً كبيراً قال أبو إسحاق فسألني الرشيد عن علته وأين بلغت به فأعلمته أني لا أعرف له خبراً فأظهر إنكاراً لقولي ثم قال رجل غريب من أهل الشرف قد رغب في مصاهرة أهله عبد الملك بن مروان وقد ولدت أخته خليفتين الوليد وسليمان ابني عبد الملك وقد رغب أبوك في مصاهرته فتزوج أخته ورغبت أنا أخوك في مثل ذلك منه فتزوجت ابنته وهو مع ذلك صحابي لجدك وأبيك ولأختك وأخيك فلا توجب على نفسك عيادته ثم أمرني بالمصير إليه لعيادته فنهضت وأخذت معي متطببي يزيد وصرت إليه فدخلت على رجل توهمت أنه في آخر حشاشة بقيت من نفسه ولم أر فيه للمسألة موضعاً فأمر يزيد متطببي بإحضار متطببه فحضر فسأله عن حاله فأخبره أنه يقوم في اليوم والليلة مائة مجلس وأقبل يزيد يسأل المتطبب عن باب باب من الأدوية التي تشرب وعن السفوفات والحقن فلم يذكر لذلك المتطبب شيئاً إلا أعلمه أنه قد عالجه به فلم ينجع فيه فوجم عند ذلك يزيد مقدار ساعة ثم رفع رأسه وقال قد بقي شيء واحد إن عمل به رجوت أن ينتفع به وإن لم ينجع فيه فلا علاج له قال أبو إسحاق فرأيت ثمامة قد قويت نفسه عندما سمع من يزيد ما سمع ثم قال وما ذلك الشيء الذي بقي متعت بك قال له شربة اصطمخيقون فقال ثمامة أحب أن أرى هذه الشربة حتى أشم رائحتها فأخرج يزيد من كمه منديلاً فيه أدوية وفيه شربة اصطمخيقون فأمر بها ثمامة فحلت ثم أتى بها فرمى بها في فيه وابتلعها فواللّه ما وصلت إلى جوفه حتى سمعت منه أصواتاً لم أشك في أني لم أبلغ باب داره إلا وقد مات فنهضت ومتطببي معي وما أعقل غماً وأمرت خادماً لي كان يحمل معي الاسطرلاب إذا ركبت بالمقام في داره وتعرف خبر ما يكون منه فتخلف فوافاني كتاب الخادم بعد الزوال يعلمني أنه قام من بعد طلوع الشمس إلى زوالها خمسين مرة فقلت تلفت واللَّه نفس ثمامة ثم وافى كتاب الخادم بعد غروب الشمس أنه قام منذ زوال الشمس إلى غروبها عشرين مجلساً ثم صار إلى الغلام مع طلوع الشمس فذكر أنه لم يكن منه منذ غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا ثلاثة مجالس ولم يكن منه إلى وقت طلوع الفجر شيء‏.‏

فركبت إليه بعد أن صليت الغداة فوجدته نائماً وكان لا ينام فانتبه لي فسألته عن خبره فأعلمني أنه لم يزل في وجع من جوفه مانع له النوم والقرار منذ أكثر من أربعين ليلة حتى أخذ تلك الشربة فلما انقطع فعل الشربة انقطع عنه ذلك الوجع وأنه لم يشته طعاماً منذ ذلك الوقت وأنه ما يبصرني في وقته من غلبة الجوع عليه وسأل الأذن في الأكل فأذن له يزيد في أكل أسفيدباجه قد طبخت من فروج كسكري سمين ثم اتباعها زيرباجة ففعل ذلك وصرت إلى الرشيد فأخبرته بما كان من أمرثمامة فأحضر المتطبب وقال له ويحك كيف أقدمت على إسقائه حب الاصطمخيقون فقال يا أمير المؤمنين هذا رجل كان في جوفه كيموس فاسد فلم يكن يدخل في جوفه دواء ولا غذاء إلا أفسده ذلك الكيموس وكان كلما فسد من تلك الأدوية والأغذية صار مادة لذلك الفساد فكانت العلة لهذا السبب تزداد فعلمت أن لا علاج له إلا بدواء قوي يقوى على قلع ذلك الكيموس وكان أقوى الأشياء التي يمكن أن يسقاها الاصطمخيقون فقلت له فيه الذي قلت ولم أقدم أيضاً على القول أنه يبرئه لا محالة وإنما قلت بقي شيء واحد فإن هو لم ينفعه فلا علاج له وإنما قلت ذلك لأني رأيت الرجل عليلاً قد أضعفته العلة وأذهبت أكثر قواه فلم آمن عليه التلف إن شربه وكنت أرجو له العافية بشربه إياه وكنت أعلم أنه إن لم يشربه أيضاً تلف فاستحسن الرشيد ما كان من قوله ووصله بعشرة آلاف درهم ثم عاد الرشيد ثمامه وقال له لقد أقدمت من شرب ذلك الدواء على أمر عظيم وخاصة إذ كان المتطبب لم يصرح لك بأن في شربه العافية فقال ثمامة يا أمير المؤمنين كنت قد يئست من نفسي وسمعت المتطبب يقول إن شرب هذا الدواء رجوت أن ينفعه فاخترت المقام على الرجاء ولو لحظة على اليأس من الحياة فشربته وكانت في ذلك خيرة من اللَّه عظيمة أقول وهذه الحكاية تناسب ما روي عن النبي # أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول اللَّه إن أخي قد غلب عليه الخوف وداويناه ولم ينقطع عنه بشيء فقال له عليه السلام أطعمه عسل النحل فراح وأطعمه إياه فزاد الإسهال فأتى إليه وقال يا رسول اللَّه كثر الإسهال به من وقت أطعمته العسل فقال أطعمه العسل فأطعمه فزاد الإسهال أكثر فشكا ذلك إلى النبي عليه السلام فقال أطعمه أيضاً العسل فأطعمه أيضاً في اليوم الثالث فتقاصر الإسهال وانقطع بالكلية فأخبر النبي عليه السلام بذلك فقال صدق اللَّه وكذبت بطن أخيك‏.‏

وإنما قال النبي عليه السلام له ذلك لكونه كان قد علم أن في خمل معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مر بها شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها‏.‏

والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال دائماً فلماتناول العسل جلا تلك الرطوبات وأحدرها فكثر الإسهال أولاً بخروجها وتوالى ذلك إلى أن نفدت تلك الرطوبات بأسرها فانقطع الإسهال وبرئ الرجل فقوله صدق اللَّه يعني بالعلم الذي أوجده اللَّه عز وجل لنبيه وعرفه به وقوله وكذبت بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال وكثرته بطريق العرض وليس هو مرض حقيقي فكانت بطنه كاذبة في ذلك عبدوس بن زيد قال أبو علي القباني عن أبيه أن القاسم بن عبيد اللَّه مرض في حياة أبيه مرضاً حاداً في تموز وحل به القولنج الصعب فانفرد بعلاجه عبدوس بن زيد وسقاه ماء أصول قد طبخ وطرح فيه أصل الكرفس والرازيانج ودهن الخروع وجعل فيه شيئاً من أيارج فيقرا فحين شربه سكن وجعه وأجاب طبعه مجلسين فأفاق ثم أعطاه من غد ذلك اليوم ماء شعير فاستظرف هذا منه وقال أبو علي القباني أيضاً أن أخاه إسحاق بن علي مرض وغلبت الحرارة على مزاجه والنحول على بدنه حتى أداه إلى الضعف ورد ما يأكله فسقاه عبدوس بن زيد هذه الأصول بالأيارج ودهن الخروع في حزيران أربعة عشر يوماً فعوفي وصلحت معدته وقال في مثل هذه الأيام تحم حمى حادة فإن كنت حياً خلصتك بإذن اللَّه وإن كنت ميتاً فعلامة عافيتك له دائر سنة أن تنطلق طبيعتك في اليوم السابع فإن انطلقت عوفيت ومع هذا فقد نقرت معدتك نقراً لو طرحت فيها الحجارة لطحنتها فلما انقضت السنة مرض عبدوس وحم أخي كما قال وكان مرضهما في يوم واحد فما زال عبدوس يراعي أخي ويسأل عن خبره إلى أن قيل له قد انطلقت طبيعته فقال قد تخلص ومات عبدوس في الغد من ذلك اليوم ولعبدوس بن زيد من الكتب كتاب التذكرة في الطب‏.‏

سهل الكوسج

كان سهل الكوسج أبو سابور بن سهل صاحب الأقراباذين المشهور من أهل الأهواز وكان ألحى وإنما لقب بالكوسج على سبيل التضاد وكان عالماً في الطب إلا أنه دون ابنه في العلم وكانت في لسانه لكنة خوزية وكان كثير الهزل فغلب هزله جده وكان متى اجتمع مع يوحنا بن ماسوية وجورجس بن بختيشوع وعيسى بن حكم وعيسى بن أبي خالد وزكريا بن الطيفوري ويعقوب صاحب البيمارستان والحسن بن قريش وعيسى المسلم وسهل بن جبير وهذه الطبقة من المتطببين قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج وكلهم كان يخاف لسانه لطول كان فيه وبذاء وكانت له السن على جماعتهم وكان انقطاعه إلى سلام الأبرش وكان سلام لا يفارق هرثمة بن أعين أيام محاصرته مدينة السلام فكان سهل هذا قد خصّ بهرثمة بن أعين حتى كان يكون معه في ليله ونهاره وسمره وكان بدعابته الكثيرة التي كانت فيه طيب العشرة قال يوسف بن إبراهيم ومن دعابات سهل الكوسج أنه تمارض في سنة تسع ومائتين وأحضر شهوداً يشهدهم على وصيته وكتب كتاباً أثبت فيه أسماء أولاده فأثبت أولهم جورجس بن ميخائيل وأمه مريم بنت بختيشوع أخت جبرائيل والثاني يوحنا ابن ماسويه والثالث والرابع والخامس سابور ويوحنا وخذاهويه ولد سهل المعروفين وذكر أنه أصاب أم جورجس وأم يوحنا بن ماسويه زنا وأحبلهما بجورجس ويوحنا قال يوسف ومن دعاباته أني حضرته عند أعين بن هرثمة بن أعين وقد دارت بينه وبين جورجس ملاحاة في حمى ربع قد كانت طالت بأعين فعرفه بمثل ما أشهد به في وصيته وكان في جورجس تلفت كثير إلى من عن يمينه وشماله من الناس وأخرجته الحدة إلى زمع أصابه فصاح سهل صرى وهك المسيه أخروا في أذنه آية خرسي أراد صرع - وحق المسيح اقرؤوا في أذنه آية الكرسي قال يوسف ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد دير الجاثليق والمواضع التي تخرج إليها النصارى في يوم الشعانين فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة أحسن من هيئته على دابة أفره من دابته ومعه غلمان له روقة فحسده على الظاهر من نعمته فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له إن ابني يعقني وقد أعجبته نفسه وربما أخرجه العجب بنفسه وبنعمته إلى جحود أبوي وإن أنت بطحته وضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين ديناراً ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى رجل وثق به صاحب المسلحة ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا إلى الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال هذا ابني يعقني ويستخف بي فجحد أن يكون ابنه فلم يكلمه صاحب المسلحة حتى بطح يوحنا وضربه عشرين درة ضرباً وجيعاً مبرحاً‏.‏

سابور بن سهل

كان ملازماً لبيمارستان جندي سابور ومعالجة المرضى به وكان فاضلاً عالماً بقوى الأدوية المفردة وتركيبها وتقدم عند المتوكل وكان يرى له وكذلك عند من تولى بعده من الخلفاء وتوفي في أيام المهتدي باللّه وكانت وفاة سابور بن سهل في يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائتين ولسابور بن سهل من الكتب كتاب الأقرا باذين الكبير المشهور جعله سبعة عشر باباً وهو الذي كان من المعمول عليه في البيمارستان ودكاكين الصيادلة وخصوصاً قبل ظهور الأقراباذين الذي ألفه أمين الدولة بن التلميذ كتاب قوى الأطعمة ومضارها ومنافعها كتاب الرد على حنين في كتابه في الفرق بين الغذاء والدواء المسهل القول في النوم واليقظة كتاب أبدال الأدوية‏.‏

كان متقدماً في صناعة الطب حسن العلاج خبيراً بتركيب الأدوية وله كتاب مشهور في الترياق وقد أجاد عمله وبالغ في تأليفه موسى بن إسرائيل الكوفي متطبب إبراهيم بن المهدي قال يوسف بن إبراهيم كان موسى هذا قليل العلم بالطب إذا قيس إلى من هو في دهره من مشايخ المتطببين إلا أنه كان أملأ لمجلسه منهم بخصال اجتمعت فيه منها فصاحة اللهجة ومعرفة بالنجوم وعلم بأيام الناس ورواية الأشعار وكان مولده فيما ذكر لي سنة تسع وعشرين ومائة ووفاته في سنة اثنتين وعشرين ومائتين فكان أبو إسحاق يحتمله لهذه الخلال ولأنه كانطيب العشرة جداً يدخل في كل ما يدخل فيه منادمو الملوك وكان قد خدم وهو حدث عيسى ابن موسى بن محمد ولي العهد قال يوسف بن إبراهيم حدثني موسى بن إسرائيل قال كان لعيسى بن موسى متطبب يهودي يقال له فرات بن شحاثا كان تياذوق المتطبب يقدمه على جميع تلامذته وكان شيخاً كبيراً قد خدم الحجاج بن يوسف وهو حدث قال وكان عيسى يشاور في كل أمر ينوبه هذا المتطبب قال موسى فلما عقد المنصور لعيسى على محاربة محمد بن عبد اللّه بن حسن العلوي وصار اللواء في داره قال للفرات ما تقول في هذا اللواء قال له المتطبب أقول إنه لواء الشحناء بينك وبين أهلك إلى يوم القيامة إلا أني أرى لك نقل أهلك من الكوفة إلى أي البلدات أحببت فإن الكوفة بلد شيعة من تحارب فإن فللت لم تكن لمن تخلف بها من أهلك بقيا وإن فللت وأصحبت من تتوجه إليه زاد ذلك في أضغانهم عليك فإن سلمت منهم حياتك لم يسلم منهم عقبك بعد وفاتك فقال له عيسى ويحك إن أمير المؤمنين غير مفارق للكوفة فلم أنقل أهلي عنها وهي معه في دار فقال له إن الفيصل في مخرجك فإن كانت الحرب لك فالخليفة مقيم بالكوفة وإن كانت الحرب عليك لم تكن الكوفة له بدار وسيهرب عنها ويخلف حرمه فضلاً عن حرمك قال موسى فحاول عيسى نقل عياله من الكوفة فلم يسوغه ذلك المنصور قال ولما فتح اللّه على عيسى ورجع إلى الكوفة وقتل إبراهيم بن عبيد اللَّه انتقل المنصور إلى مدينة السلام فقال له متطببه بادره بالانتقال معه إلى مدينته التي قد أحدثها واستأذن المنصور في ذلك فأعلمه أنه لا سبيل إليه وأنه قد درب استخلافه على الكوفة فأخبر بذلك عيسى متطببه فقال له المتطبب استخلافه إياك على الكوفة قد حل لعقدك عن العهد لأنه لو دبر تمام الأمر لك لولاك خراسان بلد شيعتك فأما أن يجعلك بالكوفة مع أعدائه وأعدائك وقد قتلت محمد بن عبد اللَّه فواللّه ما دبر فيك إلا قتلك وقتل عقبك ومن المحال أن يوليك خراسان بعد الظاهر منه فيك فسله توليتك الجزيرتين أو الشام فاخرج إلى أي الولايتين ولاك فأوطنها فقال له تكره لي ولاية الكوفة وأهلها من شيعة بني هاشم وترغب لي في ولاية الشام أو الجزيرتين وأهلها من شيعة بني أمية فقال له المتطبب أهل الكوفة وإن وسموا أنفسهم بالتشيع لبني هاشم فلست وأهلك من بني هاشم الذين يتشيعون لهم وإنما تشيعهم لبني أبي طالب وقد أصبحت من دمائهم ما قد أكسب أهل الكوفة بغضتك وأحل لهم عند أنفسهم الاقتياد منك وتشيع أهل الجزيرتين والشام ليس على طريق الديانة وإنما ذلك على طريق إحسان بني أمية إليهم وإن أنت أظهرت لهم مودة متى وليتهم فأحسنت إليهم كانوا لك شيعة ويدلك على ذلك محاربتهم مع عبد اللَّه ابن علي على ما قد نال من دمائهم لما تألفهم وتضمن لهم الإحسان إليهم فهم إليه لسلامتك من دمائهم أميل واستعفى عيسى من ولاية الكوفة وسأل تعويضه عنها فأعلمه المنصور أن الكوفة دار الخلافة وأنه لا يمكن أن تخلو من خليفة أو ولي عهد ووعد عيسى أن يقيم بمدينة السلام سنة وبالكوفة سنة وأنه إذا صار إلى الكوفة صار عيسى إلى مدينة السلام فأقام بها قال موسى فلما طلب أهل خراسان عقد البيعة للمهدي قال لمتطببه ما تقول يا فرات فقد دعيت إلى تقديم محمد بن أمير المؤمنين على نفسي فقال له فتدفع بماذا أرى أن تسمع وتطيع اليوم وبعد اليوم فقال له وما بعد اليوم قال إذا دعاك محمد بن أمير المؤمنين إلى خلع نفسك وتسليم الخلافة إلى بعض ولده أن تسارع فليست عندك منعة ولا يمكنك مخالفة القوم في شيء يريدونه منك قال موسى فمات المتطبب في خلافة المنصور فلما دعى المهدي عيسى إلى خلع نفسه من ولاية العهد وتسليم الأمر إلى الهادي قال عيسى بن موسى قاتلك اللّه يا فرات ما كان أجود رأيك وأعلمك بما تتفوه به كأنك كنت شاهداً ليومنا هذا قال موسى بن إسرائيل ولما رأيت فعل أبي السرايا بمنازل العباسيين قلت مثل ما قال عيسى بن موسى وقال يوسف بن إبراهيم لما بلغه وهو بمصر ما ركب الطالبيون وأهل الكوفة من العباسيين وقتل عبد اللَّه بن محمد بن داود مثل ما قال عيسى بن موسى وموسى المتطبب قال يوسف وحدثني موسى بن إسرائيل المتطبب أن عيسى بن موسى شكا إلى فرات متطببه ما يصيبه من النعاس مع مسامريه وأنه إن تعشَ معهم ثقلت معدته فنام وفاته السمر وأصبح ومعه ثقلة تمنعه من الغداء وإن لم يتعش معهم أضرت به الشهوة الكاذبة فقال له شكوت إلي مثل ما شكا الحجاج إلى أستاذي تياذوق فوصف له شيئاً أراد به الخير فصار شراً فقال له وما هو قال وصف له العبث بالفستق فذكر ذلك الحجاج لحظاياه فلم يبق له حظية إلا قشرت له جاماً من الفستق وبعثت به إليه وجلس مع مسامريه فأقبل يستف الفستق سفاً فأصابته هيضة كادت تأتي على نفسه فشكا ذلك إلى تياذوق فقال إنما أمرتك أن تعبث بالفستق وأردت بذلك الفستق الذي بقشريه جميعاً لتتولى أنت كسر الواحدة بعد الواحدة ومص قشرها المصلح لمعدة مثلك من الشباب الممرورين وإصلاح الكبد بما يتأدى إليها من طعم هذا الفستق وذهبت إلى أنك إذا أكلت ما في الفستقة من الثمرة وحاولت كسر أخرى لم يتم لك كسرها إلا وقد أسرعت الطبيعة في هضم ما أكلت من ثمرة الفستقة التي قبلها فأما ما فعلت فليس بعجيب أن ينالك معه أكثر مما أنت فيه وإن كنت تأخذ أيها الأمير الفستق على ما رأى أستاذي أن يؤخذ انتفعت به قال موسى فلزم عيسى بن موسى أخذ الفستق أكثر من عشرين سنة فكان يحمده‏.‏

ماسرجويه

متطبب البصرة وهو الذي نقل كتاب أهرن من السرياني إلى العربي وكان يهودي المذهب سريانياً وهو الذي يعنيه أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتابه الحاوي بقوله قال اليهود وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن ماسرجويه كان في أيام بني أمية وأنه تولى في الدولة المروانية تفسير كتاب أهرن بن أعين إلى العربية الذي وجده عمربن عبد العزيز رحمه اللّه في خزائن الكتب فأمر بإخراجه ووضعه في مصلاه واستخار اللَّه في إخراجه إلى المسلمين للانتفاع به فلما تم له في ذلك أربعون صباحاً أخرجه إلى الناس وبثه في أيديهم قال سليمان بن حسان حدثني أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بهذه الحكاية في مسجد الترمذي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وقال يوسف بن إبراهيم حدثني أيوب بن الحكم البصري المعروف بالكسروي صاحب محمد بن طاهر بن الحسين - وكان ذا أدب ومروءة وعلم بأيام الناس وأخبارهم قال كان أبو نواس الحسن بن هانئ يعشق جارية لامرأة من ثقيف تسكن الموضع المعروف بحكمان من أرض البصرة يقال لها جنان وكان المعروفان بأبي عثمان وأبي أمية وثقيف قريبين لمولاة الجارية فكان أبو نواس يخرج في كل يوم من البصرة يتلقى من يقدمه من ناحية حكمان فيسائلهم عن أخبار جنان قال فخرج يوماً وخرجت معه وكان أول طالع علينا ماسرجويه المتطبب فقال له أبو نواس كيف خلفت أبا عثمان ومية فقال ماسرجويه جنان صالحة كما تحب فأنشأ أبو نواس يقول أسأل القادمين من حكمان كيف خلفتم أبا عثمان وأبا مية المهذب والمأ - - مول والمرتجى لريب الزمان فيقولون لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان ما لهم لا يبارك اللّه فيهم كيف لم يغن عنهم كتماني قال يوسف وحدثني أيوب بن الحكم أنه كان جالساً عند ماسرجويه وهو ينظر في قوارير الماء إذ أتاه رجل من الخوز فقال له إني بليت بداء لم يبل أحد بمثله فسأله عن دائه فقال أصبح وبصري عليّ مظلم وأنا أجد مثل لحس الكلاب في معدتي فلا تزال هذه حالي حتى أطعم شيئاً فإذا طعمت سكن عني ما أجد إلى وقت انتصاف النهار ثم يعاودني ما كنت فيه فإذا عاودت الأكل سكن ما بي إلى وقت صلاة العتمة ثم يعاودني فلا أجد له دواء إلا معاودة الأكل فقال ماسرجويه على هذا الداء غضب اللَّه فإنه أساء لنفسه الاختيار حين قرنها بسفلة مثلك فقال له ما أفهم عنك فقال له ماسرجويه هذه صحة لا تستحقها أسأل اللَّه نقلها عنك إلى من هو أحق بها منك قال يوسف وحدثني أيوب بن الحكم الكسروي قال شكوت إلى ماسرجويه تعذر الطبيعة فسألني أي الأنبذة أشرب فأعلمته أني أدمن النبيذ المعمول من الدوشاب البستاني الكثير الداذي فأمرني أن آكل في كل يوم من أيام الصيف على الريق قثاءة صغيرة من قثاء بالبصرة يعرف بالخريبي قال فكنت أوتى بالقثاء وهو قثاء دقيق في دقة الأصابع وطول القثاءة منه نحو من فتر فآكل منه الخمس والست والسبع فكثر علي الإسهال فشكوت ذلك إليه فلم يكلمني حتى حقنني بحقنة كثيرة الشحوم والصموغ والخطمي والأرز الفارسي وقال لي كدت تقتل نفسك بإكثارك من القثاء على الريق لأنه كان يحدر من الصفراء ما يزيل عن الأمعاء من الرطوبات اللاصقة بها ما يمنع الصفراء من سحجها وإحداث الدوسنطاريا فيها ولماسرجويه من الكتب كناش كتاب في الغذاء كتاب في العين لويه بن بنان متطبب المعتصم لما استخلف أبو إسحاق محمد المعتصم باللّه وذلك في سنة ثمان عشرة ومائتين اختار لنفسه سلمويه الطبيب وأكرمه إكراماً كثيراً يفوق الوصف وكان يرد إلى الدواوين توقيعات المعتصم في السجلات وغيرها بخط سلمويه وكل ما كان يرد على الأمراء والقواد من خروج أمر وتوقيع من حضرة أمير المؤمنين فبخط سلمويه وولى أخا سلمويه إبراهيم بن بنان خزن بيوت الأموال في البلاد وخاتمه مع خاتم أمير المؤمنين ولم يكن أحد عنده مثل سلمويه وأخيه إبراهيم في المنزلة وكان سلمويه ابن بنان نصرانياً حسن الاعتقاد في دينه كثير الخير محمود السيرة وافر العقل جميل الرأي وقال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة قال أخبرني يوحنا بن ماسويه عن المعتصم أنه قال سلمويه طبيبي أكبر عندي من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في نفسي ونفسي أشرف من مالي وملكي ولما مرض سلمويه الطبيب أمر المعتصم ولده أن يعوده فعاده ثم قال أنا أعلم وأتيقن أني لا أعيش بعده لأنه كان يراعي حياتي ويدبر جسمي ولم يعش بعده تمام السنة وقال إسحاق بن حنين عن أبيه إن سلمويه كان أعلم أهل زمانه بصناعة الطب وكان المعتصم يسميه أبي فلما اعتل سلمويه عاده المعتصم وبكى عنده وقال تشير علي بعدك بما يصلحني فقال سلمويه يعز علي بك يا سيدي ولكن عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه وإذا شكوت إليه شيئاً فقد يصف فيه أوصافاً فإذا وصف فخذ أقلها أخلاطاً فلما مات سلمويه امتنع المعتصم من أكل الطعام يوم موته وأمر بأن تحضر جنازته الدار ويصلى عليه بالشمع والبخور على زي النصارى الكامل ففعل وهو بحيث يبصرهم ويباهي في كرامته وحزن عليه حزناً شديداً وكان المعتصم الهضم في جسمه قوي وكان سلمويه يفصده في السنة مرتين ويسقيه بعد كل مرة دواء مسهلاً ويعالجه بالحمية في أوقات فأراد يوحنا بن ماسويه أن يريه غير ما عهد فسقاه دواء قبل الفصد وقال أخاف أن تتحرك عليه الصفراء فعند ما شرب الدواء حمي دمه وحم جسمه وما زال جسمه ينقص والعلل تتزايد إلى أن نحل بدنه ومات بعد عشرين شهراً من وفاة سلمويه وكانت وفاة المعتصم في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين قال يوسف بن إبراهيم قال المعتصم لأبي إسحاق إبراهيم بن المهدي في أول مقدمه من بلد الروم وهو خليفة يا عم أمورك مضطربة عليك منذ أول أيام الفتنة لأنك بليت في أولها مثل ما شمل الناس ثم خصك بعد ذلك من خراب الضياع وتخرم حدودها لاستتارك سبع سنين من الخليفة الماضي ما لو لم يتقدمه شيء من المكروه لقد كانت فيه كفاية ثم ظهر من سوء رأي المأمون بعد ذلك فيك ما طمَّ على كل ما تقدم من المكروه النازل بك فزاد ذلك في أمرك وفكرت فيك فوجدتك تحتاج إلى أن يرد علي في يوم خبرك وما تحتاج إليه لمصالح أمورك ورأيت ذلك لا يتم إلا بتقليدي عن القيام برفع حوائجك إلى خادم خاص بي وقد وقع اختياري لك على خادمين لي يصل كل واحد منهما إلي في مجالس جدي وهزلي بل يصل إلي في مرقدي ومتوضئي وهما مسرور سمانه الخادم وسلمويه بن بنان فاختر أيهما شئت وقلده حوائجك فوقع اختياره على سلمويه‏.‏

وأحضره أمير المؤمنين فأمره أن يتولى إيصال رسائله إليه في جميع الأوقات قال يوسف فقربني أبو إسحاق بسلمويه وكنت لا أكاد أفارقه وكان خروج أمير المؤمنين عن مدينة السلام آخر خرجاته عن غير ذكر تقدم لخروج إلى ناحية من النواحي وكان الناس قد حضروا الدكة بالشماسية لحلية السروج في يوم الأربعاء لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة عشرين ومائتين فأخرجت الخيل ودعا بالجمازات فركبها ونحن لا نشك في رجوعه من يومه ثم أمر الموالي والقواد باللحاق به ولم يخرج معه من أهل بيته أحد إلا العباس بن المأمون وعبد الوهاب بن علي وخلف المعتصم الواثق بمدينة السلام إلى أن صلى بالناس يوم النحر سنة عشرين ومائتين ثم أمر بالخروج إلى القاطول فخرج فوجهني أبو إسحاق بحوائج له إلى باب أمير المؤمنين فتوجهت فلم يزل سيارة مرة بالقاطول ومدينة القاطول ومرة بدير بني الصقر وهو الموضع الذي سمي في أيام المعتصم والواثق بالإيتاخية وفي أيام المتوكل بالمحمدية ثم صار المعتصم إلى سر من رأى فضرب مضاربه فيها وأقام بها في المضارب فإني في بعض الأيام على باب مضرب المعتصم إذ خرج سلمويه بن بنان فأخبرني أن أمير المؤمنين أمره بالمضي إلى الدور والنظر إلى سوار تكين الفورغاني والتقدم إلى متطببه في معالجته من علة يجدها بما يراه سلمويه صواباً وحلف علي أن لا أفارقه حتى نصير إلى الدور ونرجع فمضيت معه فقال لي حدثني في غداة يومنا هذا نصر بن منصور بن بسام أنه كان يساير المعتصم باللّه في هذا البلد يعني بلد سر من رأى وهو أمير قال لي سلمويه قال لي نصر إن المعتصم أمير المؤمنين قال له يا نصر أسمعت قط بأعجب ممن اتخذ في هذا البلد بناء وأوطنه ليت شعري ما أعجب موطنه حزونة أرضه أو كثرة أخافيفه أم كثرة تلاعه وشدة الحر فيه إذا حمي الحصى بالشمس ما ينبغي أن يكون متوطن هذا البلد إلا مضطراً مقهوراً أو ردي التمييز‏.‏

قال لي سلمويه قال لي نصر بن منصور وأنا واللّه خائف أن يوطن أمير المؤمنين هذا البلد فإن سلمويه ليحدثني عن نصر إذ رمى ببصره نحو المشرق فرأى في موضع الجوسق المعروف بالمصيب أكثر من ألف رجل يضعون أساس الجوسق فقال لي سلمويه أحسب ظن نصر بن منصور قد صح وكان ذلك في رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين وصام المعتصم في الصيف في شهر رمضان من هذه السنة وغدى الناس فيه يوم الفطر واحتجم المعتصم بالقاطول يوم سبت وكان ذلك اليوم آخر يوم من صيام النصارى فحضر غداءه سلمويه بن بنان واستأذنه في المصير إلى القادسية ليقيم في كنيستها باقي يومه وليلته ويتقرب فيها يوم الأحد ويرجع إلى القاطول قبل وقت الغداء من يوم الأحد فأذن له في ذلك وكساه ثياباً كثيرة ووهب له مسكاً وبخوراً كثيراً فخرج منكسراً مغموماً وعزم علي بالمصير معه إلى القادسية فأجبته إلى ذلك وكانت عادتنا متى تسايرنا قطع الطريق إما بمناظرة في شيء من الآداب وإما بدعابة من دعابات المتأدبين فلم يجارني شيء من البابين جميعاً وأقبل على الفكرة وتحريك يده اليمنى وشفته تهمس من القول بما لا يعلنه فسبق إلى وهمي أنه رأى من أمير المؤمنين في أمر نفسه شيئاً أنكره ثم أزال ذلك الوهم عني إقدامه على الاستئذان في المصير إلى القادسية والثياب والطيب الذي جيء به فسألته عن سبب قراءته وفكرته فقال لي سمعتك تحكي عن بعض ملوك فارس قولاً في العقل وأنه وجب أن يكون أكثر ما في الإنسان عقله فأعده علي وخبرني باسم ذلك الملك قال له قال أنو شروان إذا لم يكن أكثر ما في الرجل عقله كان أكثر ما فيه برديه فقال قاتله اللَّه فما أحسن ما قال ثم قال أميرنا هذا يعني الواثق حفظه لما يقرأ ويقرأ عليه من الكتب أكثر من عقله وأحسبه قد وقع في الذي يكره وأنا أستدفع اللَّه في المكاره عنه وبكى فسألته عن السبب فقال أشرت على أمير المؤمنين بترك الشرب في عشية أمس ليباكر الحجامة في يومنا هذا على نقاء فجلس وأحضر الأمير هارون وابن أبي داؤد وعبد الوهاب ليتحدث معهم فاندفع هارون في عهد أردشير بن بابك وأقبل يسرد جميع ما فيه ظاهراً حتى أتى على العهد كله فتخوفت عليه حسد أبيه له على جودة الحفظ الذي لم يرزق مثله وتخوفت عليه إمساك أبيه ما حدّ أردشير بن بابك في عهده من ترك إظهار البيعة لولي عهده‏.‏

وتخوفت عليه ما ذكر أردشير في هذا الباب من ميل الناس نحو ولي العهد متى عرفوا مكانه وتخوفت عليه ما ذكر أردشير من أنه لا يؤمن اضطغان ولي العهد على أسباب والده متى علم أنه الملك بعد أبيه وأنا واللَّه عالم بأن أقل ما يناله في هذا الباب التضييق عليه في معاشه وأنه لا يظهر له بيعة أبداً فاغتمامي بهذا السبب فكان جميع ما تخوف سلمويه علي ما تخوف قال يوسف واستبطأ المعتصم أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي في بعض الأمور واستجفاه فكتب إليه كتاباً أمرني بقراءته على سلمويه ومناظرته فيه فإن استصوب الرأي في إيصاله ختمته وأوصلته وإن كره ذلك رددته على أبي إسحاق فقرأته على سلمويه فقال لي قل له قد جرى لك المقدار مع المأمون والمعتصم أعز اللَّه الباقي ورحم الماضي بما يوجب عليك شكر ربك وألاّ تنكرّ عليّ بالخليفتين تنكرهما في وقت من الأوقات لأنك تسميت باسم لم يتسم به أحد قط فكاثر الأحياء فإن كان المقدار استعطف عليك رحمك حتى صرت إلى الأمن من المكروه فليس ينبغي أن تتعجب من تنكر الخليفة وفي وقت من الأوقات أن طعن بعض أعدائك عليك بما كان منك فيظهر بالجفاء اليومين والثلاثة أو نحو ذلك ثم ينعطف عليك ويذكر ماسة رحمك وشابكتها فيؤول أمرك إلى ما تحب ولك أيضاً آفة يجب عليك التحرز منها وهي أنك تجلس مع الخليفة في مجلسه وفيه جماعة من أهله وقواده ووجوه مواليه فهو يجب أن يكون أجل الناس في عيونهم وأملأ لقلوبهم فلا يجري جار من القول إلا ظهرت لنفسك فيه قولاً يتبين نصرتك فيه عليه فلو كنت مثل ابن أبي داؤد أو مثل بعض الكتاب لكان الأمر فيه أسهل عليه لأنه ما كان لتلك الطبقة فهو للخليفة لأنهم من عبيده وما كان لرجل من أهله له السن والقعدد عليه فهو موجب لمن السن والقعدد له وذلك مزر بالخليفة وأنا أرى أن لا أوصل هذا الكتاب وأن يتغافل أعزه اللَّه حتى يتشوق إليه الخليفة فإذا صار إليه تحرز مما كرهته له ففي ذلك غنى عن العتاب والاستبطاء‏.‏

قال فانصرفت إلى أبي إسحاق بالكتاب ولم أوصله فوجدت سيما الدمشقي عند صاحبنا وقد أبلغه رسالة المعتصم بوصف شوقه إليه وبالأمر بالركوب إليه فأخبرته بما دار بيني وبين سلمويه وركب فاستعمل ما أشار به فلم ينكربعد ذلك منه شيئاً حتى فرق بينهما الموت قال يوسف وجرى بيني وبين سلمويه ذكر يوحنا بن ماسويه فأطنبت في وصفه وذكرت منه ما أعرف من اتساع علمه فقال سلمويه يوحنا آفة من آفات من اتخذه لنفسه واتكل على علاجه وكثرة حفظه للكتب وحسن شرحه ووصفه بما يلجم به المكروه ثم قال لي أول الطب معرفة مقدار الداء حتى يعالج مقدار ما يحتاج إليه من العلاج ويوحنا أجهل خلق اللَّه بمقدار الداء والدواء جميعاً فإن زاول محرور عالجه من الأدوية الباردة والأغذية المفرطة البرد وبما يزيل عنه تلك الحرارة ويعقب معدته وبدنه برداً ويحتاج له إلى المعالجة بالأدوية والأغذية الحارة ثم يفعل في ذلك كفعله في العلة الأولى من الإفراط ليزول عنه البرد ويعتل من حرارة مفرطة فصاحبه أبداً عليل إما من حرارة وإما من برودة والأبدان تضعف عن احتمال هذا التدبير وإنما الغرض في اتخاذ الناس المتطببين لحفظ صحتهم في أيام الصحة ولخدمة طبائعهم في أيام العلة ويوحنا لجهله بمقادير العلل والعلاج غير قائم بهذين البابين ومن لم يقم بهما فليس بمتطبب قال يوسف وأصابت إبراهيم بن بنان أخا سلمويه بن بنان هيضة من خوخ أكله فأكثر منه فكادت تأتي على نفسه فسقاه أخوه سلمويه شهرياراناً كثير السقمونيا فأسهله إسهالاً كثيراً زائداً على المقدار الذي يجب أن يكون ممن شرب مثل ما شرب إبراهيم من الشهرياران وانقطع مع انقطاع فعل الشهرياران فعل الهيضة فقلت له أحسبك امتثلت فيما فعلت بأخيك من إسقائه الدواء المسهل طريقة يزيد بور في ثمامة العبسي فقال ما استعملت له طريقة ولكني استعملت فكري كما استعمل فكره فنتج لي من الرأي ما نتج له قال يوسف وكنت يوماً عند سلمويه وقد أجرينا حديث أيام الفتنة بمدينة السلام أيام محمد الأمين فقال لي لقد نفعنا اللَّه في تلك الأيام بجوار بشر وبشير ابني السميدع وذلك أنا كنا معهما في كل حمى ثم قال لي هل لك أن تركب إلى بشير فتعوده فقد كنت يئست منه أول من أمس ثم أفرق أمس فأجبته إلى الركوب معه وركبنا فلما صرنا إل باب الدرب الذي كان بشير ينزله طلع علينا بولس بن حنون المتطبب الذي هو اليوم متطبب أهل فلسطين وهو منصرف من عند بشير فسأله عن خبره فأجابه بكلمة بالسريانية معناها بئس فقال له سلمويه ألم تخبرني أمس أنه قد أفرق فقال له بولس قد كان ذاك إلا أنه أكل البارحة دماغ جدي فعاوده الإسهال فعطف سلمويه رأس دابته وقال انصرف بنا فليس يبيت بشير في الدنيا فسألته عن السبب فذكر أنه رجل مبطون وأن أول آفته كانت في البطن فساد معدته فتطاولت أيامه في البطن بفساد المعدة إلى أن كان ذلك سبباً لفساد كبده وأن الدماغ الذي أكله سيعلق بمعدته ويغرّي ما بين غضونها فلا يدخلها غذاء ولا دواء إلا زلق انصرفنا ولم يعده سلمويه ولا عدته فما بات حتى توفي‏.‏

قال يوسف وصحبت بعد وفاة أبي إسحاق أبا دلف فصحبته وقد كان مبطوناً قبل صحبتي إياه بخمسة عشر شهراً وكان مجلس أبي دلف مجمعاً للمتطببين لأنه كان معه من المرتزقة جماعة منهم يوسف بن صليبا وسليمان بن داؤد بن بابان ويوسف القصير البصري ولا أحفظ نسبه وبولس بن حنون متطبب فلسطين وختن كان له من اللجاج والحسن بن صالح بن بهلة الهندي وكان يحضر مجلسه من المتطببين غير المرتزقين جماعة فربما اجتمع في مجلسه منهم عشرون رجلاً فكانوا على سبيل اختلاف في أصل علته فبعضهم كان يرى أن يسقيه الدرياق وبعضهم كان يرى أن يعالجه بالأدوية التي يقع فيها الأبيون مثل المتروديطوس وغيره وكلهم كان مجمعاً على معالجته بالحمية وبالقيء في كل بضع عشرة ليلة لأنه كان متى تقيأ صلحت حاله ثلاثة أيام أو نحوها فأقمت معه عشرة أشهر لا أذكر أني تشاغلت في يوم منها بأمر من أمور الأعمال التي أتقلدها فسلمت من رسول له يستنهضني للمسير إليه وللنظر فيما بين المتطببين من الاختلاف ثم أمر المعتصم حيدر بن كاوس بالعقد لأبي دلف على قزوين وزنجان ونواحيها وإبراهيم بن البحتري بتقليده خراج الناحية ومحمد بن عبد الملك بتقليده ضياعها فقلد أبو دلف ابنه معنا بن القاسم المعونة وقلدني الخراج والضياع وأمرنا بالخروج فأتيت سلمويه مودعاً ومشاوراً فقال لي انقلاعك من بلدك مع رجل منحل بدنه منذ خمسة وعشرين شهراً وجميع من يطيف به معك لا يجمعك وإياهم رحم وإنما هم أهل الجبل وأصبهان وأكثرهم صعاليك ولعلك قد استقصيت على بعضهم بالحضرة وحيث كنت تأمن على نفسك بما لا أحبه لك لأنه إن حدث بالرجل حادث كنت في أرض غربة أسيراً في أيدي من لا مجانسة بينك وبينهم وامتناعك على الرجل بعد أن أجبته إلى أن تتقدمه تسمج ولكن استأجله في الخروج بعد سبعة أيام‏.‏

وأشرف في هذه الأيام على مطعمه ومشربه حتى لا يصل إلى جوفه في هذا الأسبوع مأكول ومشروب إلا عرفت مبلغ وزنه على الحقيقة ووكل من يعرف وزن ما يخرج منه في هذا الأسبوع من ثقل وبول وأرفع وزن ذلك ليوم بعد يوم إليك وصر إلي بعد هذا الأسبوع بمبلغ وزن جميع ما دخل بطنه من الطعام والشراب وغير ذلك ووزن ما يخرج منه فعنيت بذلك غاية العنايةوتعرفته حتى صح عندي فوجدت ما خرج من بدنه قريباً من ضعف ما دخله من مطعم ومشرب فأعلمت ذلك سلمويه فقال لي لو كان خرج منه بوزن ما دخل بدنه لدل ذلك على سرعة تلفه فكيف ترى الحال كائنة والخارج منه مثل ضعف ما دخل بدنه الهرب من التلبيس بأمر هذا الرجل فإن الشوق قد جذبه فما لبث بعد هذا القول إلا بضع عشرة ليلة حتى توفي أبو دلف قال أبو علي القباني حدثني أبي قال كانت بين جدي الحسين بن عبد اللَّه وبين سلمويه المتطبب مودة فحدثني أنه دخل إليه يوماً إلى داره وكان في الحمام ثم خرج وهو مكمكم والعرق يسيل من جبينه وجاءه خادم بمائدة عليها دراج مشوي وشيء أخضر في زبدية وثلاث رقاقات كزمازك وفي سكرجة خل فأكل الجميع واستدعى ما مقداره درهمان شراباً فمزجه وشربه وغسل يديهبماء ثم أخذ في تغيير ثيابه البخور فلما فرغ أقبل يحادثني فقلت له قبل أن أجيبك إلى شيء عرفني ما صنعت فقال أنا أعالج السل منذ ثلاثين سنة لم آكل في جميعها إلا ما رأيت وهو دراج مشوي وهندبا مسلوقة مطجنة وهذا المقدار من الخبز وإذا خرجت من الحمام احتجت إلى مبادرة بما يسكنها كيلا تعطف على بدني فتأخذ من رطوبته فأشغلها بالغذاء ليكون عطفها عليه ثم أتفرغ لغيره إبراهيم بن فزارون متطبب غسان بن عباد وإبراهيم بن فزارون هو شيخ بني فزارون الكتّاب قال يوسف بن إبراهيم كان إبراهيم بن فزارون قد خرج مع غسان عباد إلى السند فحدثني أن غسان بن عباد مكث بأرض السند من يوم المهرجان يشتهي أن يأكل قطعة لحم باردة فما قدر على ذلك فسألته عن السبب فقال كنا نطجنه فلا يبرد حتى يُرْوحِ فيرمى به قال يوسف وأخبرني إبراهيم بن فزارون أنه ما أكل بأرض السند لحماً استطابه إلا لحوم الطواويس وأنه لم يأكل لحماً قط أطيب من لحم طواويس بلاد السند وحدثني إبراهيم بن عيسى بن المنصور المعروف بابن نزيهة عن غسان بن عباد في لحوم الطواويس بمثل ما حدثني إبراهيم بن فزارون قال يوسف وحدثني إبراهيم بن فزارون أنه رفع إلى غسان بن عباد أن في النهر المعروف بمهران بأرض السند سمكة تشبه الجدي وأنها تصاد ثم يطين رأسها وجميع بدنها إلى موضع مخرج الثفل منها ثم يجعل ما لم يطين منها على الجمر ويمسكها ممسك بيده حتى ينشوي منها ما كان موضوعاً على الجمر وينضج ثم يؤكل ما نضج أو يرمى به وتلقى السمكة في الماء ما لم ينكسر العظم الذي هو صلب السمكة فتعيش وينبت على عظمها اللحم وأن غسان أمر بحفر بركة في داره وملأها ماء وأمر بامتحان ما بلغه قال إبراهيم فكنا نؤتي كل يوم بعدة من هذا السمك فنشويه على الحكاية التي ذكرت لنا ونكسر من بعضه عظم الصلب ونترك بعضه لا نكسره فكان ما يكسر عظمه يموت وما لم يكسر عظمه يسلم وينبت عليه اللحم ويستوي الجلد إلا أن جلدة تلك السمكة تشبه جلد الجدي الأسود وما قشرناه من لحوم السمك التي شويناها ورددناها إلى الماء يكون على غير لون الجلدة الأولى لأنه يضرب إلى البياض‏.‏

قال يوسف وسألت إبراهيم بن فزارون عن قول من يزعم أن نهر مهران هو نهر النيل فقال لي رأيت نهر مهران وهو يصب في البحر المالح إلا أن علماء الهند والسند أعلموني أن مخرج النيل ومخرج نهر مهران من عين واحدة عظيمة فنهر مهران يشق أرض السند حتى يصب في بحرها المالح والنهر الآخر يشق أرض الهند وجميع أرض السودان حتى يخرج إلى أرض النوبة ثم يصب باقيه في أرض مصر فيرويها ثم يصب باقيه في بحر الروم قال يوسف وحدثني عنبسة بن إسحاق الضبي من أمر العين التي منها يخرج نهر مهران والنيل بمثل ما حدثني به إبراهيم وكان يحدثنا بحديث السمك في كل وقت أيوب المعروف بالأبرش كان له نظر في صناعة الطب ومعرفة بالنقل وقد نقل كتباً من مصنفات اليونانيين إلى السرياني وإلى العربي وهو متوسط النقل وما نقله في آخر عمره فهو أجود مما نقله قبل ذلك إبراهيم بن أيوب الأبرش قال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب حدثني عيسى بن ماسة قال رأيت إبراهيم بن أيوب الأبرش وقد عالج إسماعيل أخا المعتز وبرئ فكلمت أمه قبيحة المتوكل أن يجيزه فقال لها لا تجيزيه ليس عندك ما تعطيه حتى أعطيه أنا مثله وإبراهيم واقف بين أيديهما فأمرت قبيحة فأحضرت بدرة دراهم لإبراهيم وأمر المتوكل بإحضار مثل ذلك فأحضرت قبيحة بدرة أخرى فأمر بإحضار مثلها فلم يزالا يأمران بإحضار بدرة وبدرة حتى أحضرت ست عشرة بدرة فأومت قبيحة إلى جاريتها أن تمسك فقال لها إبراهيم سراً لا تقطعي وأنا أرد عليك فقالت له أملأ اللَّه عين الآخر فقال لها المتوكل واللّه لو أعطيته إلى الصباح لأعطيته مثل ذلك فحملت البدر إلى منزل إبراهيم وقال ثابت بن سنان بن ثابت أن الخلافة لما تأدت إلى المعتز باللَّه كان أخص المتطببين عنده إبراهيم بن الأبرش لمكانه من والدته قبيحة وكانت صلاته أبداً واصلة إليه وخلع أبو عبد اللّه المعتز باللَّه بسر من رأى وقبض عليه صالح بن وصيف يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس ومائتين وحبسه خمسة أيام ثم قتل وقت العصر من يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان من السنة المذكورة وله ثلاث وعشرون سنة‏.‏

قال يوسف بن إبراهيم كان المأمون يستخف يد جبرائيل الكحال ويذكر أنه ما رأى أبداً على عين أخف من يده واتخذ مراود ومكاحل ودستجا ودفعه إليه فكان أول من يدخل إليه في كل يوم عند تسليمه من صلاة الغداة فيغسل أجفانه ويكحل عينيه فإذا انتبه من قائلته فعل مثل ذلك وكان يجري عليه ألف درهم في كل شهر ثم سقطت منزلته بعد ذلك فسألته عن السبب في ذلك فأخبرني أن الحسين الخادم اعتل فلم يمكن ياسراً أخاه عيادته لاشتغاله بالخدمة إلى أن وافى ياسر باب الحجرة التي كان فيها المأمون وقد خرج جبرائيل من عنده بعد أن برد أجفانه وكحل عينيه فسأله ياسر عن خبر المأمون فأخبره أنه أغفى فتغنم ياسر ما أخبره به من نومه فصار إلى حسين فعاده وانتبه المأمون قبل انصراف ياسر من عند حسين ثم انصرف ياسر فسأله المأمون عن سبب تخلفه فقال ياسر أخبرت بنوم أمير المؤمنين فصرت إلى حسين فعدته فقال له المأمون ومن أخبرك برقادي فقال له ياسر جبرائيل الكحال قال جبرائيل فأحضرني المأمون ثم قال يا جبرائيل اتخذتك كحالاً لي أو عاملاً على الإخبار عني اردد علي مكاحلي وأميالي واخرج عن داري فأذكرته خدمتي فقال إن له لحرمة فليقتصر له على إجراء مائة وخمسين درهماً في كل شهر ولا يؤذن له في الدخول فلم يخدم المأمون بعده حتى توفي قال فثيون الترجمان إن ماسويه كان يعمل في دق الأدوية في بيمارستان جندي سابور وهو لا يقرأ حرفاً واحداً بلسان من الألسنة إلا أنه عرف الأمراض وعلاجها وصار بصيراً بانتقاء الأدوية فأخذه جبرائيل بن يختيشوع فأحسن إليه وعشق جارية لداود بن سرابيون فابتاعها جبرائيل بثمانمائة درهم ووهبها لماسويه ورزق منها ابنه يوحنا وأخاه ميخائيل وقال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة إن ماسويه أبا يوحنا كان تلميذاً في بيمارستان جندي سابور ثلاثين سنة فلما اتصل به محل جبرائيل من الرشيد قال هذا أبو عيسى قد بلغ السها ونحن في البيمارستان لا نتجاوزه فبلغ ذلك جبرائيل وكان البيمارستان إليه فأمر بإخراجه منه وقطع رزقه فبقي منقطعاً به فصار إلى مدينة السلام ليعتذر إلى جبرائيل ويخضع له فلم يزل على بابه دهراً طويلاً فلم يأذن له فكان إذا ركب دعا له واستعطفه فلا يكلمه فلما ضاق به الأمر صار إلى دار الروم بالجانب الشرقي فقال للقس اكرز لي في البيعة لعله أن يقع لي شيء فأنصرف إلى بلدي فإن أبا عيسى ليس يرضى عني ولا يكلمني فقال له القس أنت في البيمارستان منذ ثلاثين سنة ولا تحسن شيئاً من الطب فقال بلى واللَّه أطب وأكحل وأعالج الجراحات فأخرج له صندوقاً وأعطاه إياه ليداوي وأجلسه بباب الحرم عند قصر الفضل ابن الربيع وهو وزير الرشيد فلم يزل هناك يكسب الشيء بعد الشيء حتى حسنت حاله واشتكت عين خادم للفضل بن الربيع فنفذ إليه جبرائيل بكحالين فعالجوه بأصناف العلاج فلم ينتفع به واشتد وجعه حتى عدم النوم فلما اشتد أرقه وقلقه خرج من القصر هائماً من الضجر والقلق فرأى ماسويه فقال له يا شيخ ما تصنع هنا إن كنت تحسن شيئاً فعالجني وإلا فقم من ههنا فقال له يا سيدي أحسن وأجيد فقال له ادخل معي حتى تعالجني فدخل معه وقلب جفنه وكحله وسكب على رأسه وسعطه فنام الخادم وهدأ فلما أصبح أنفذ إلى ماسويه جونة فيها خبز سميد وجدي ودجاجة وحلوى ودنانير ودراهم وقاله له هذا لك في كل يوم والدراهم والدنانير رزقك مني في كل شهر فبكى ماسويه فرحاً فتوهم الرسول أنه قد استقله فقال له لا تغتم فإنه يزيدك ويحسن إليك فقال له يا سيدي رضيت منه بهذا أن يدرّه على الأيام فلما رجع عرّف الخادم ما كان منه فعجب منه وبرئ الخادم على يديه ولم يمض إلا أيام يسيرة حتى اشتكت عين الفضل فنفذ إليه جبرائيل الكحالين فلم يزالوا يعالجونه فلم ينتفع بهم فأدخل الخادم ماسويه إليه ليلاً فلم يزل يكحله إلى ثلث الليل ثم سقاه دواء مسهلاً فصلح به ثم حضر جبرائيل فقال له الفضل يا أبا عيسى إن هاهنا رجلاً يقال له ماسويه من أفره الناس وأعرفهم بالكحل فقال له ومن هذا لعله الذي يجلس بالباب فقال له نعم قال جبرائيل هذا كان أكاراً لي فلم يصلح للكروث فطردته وقد صار الآن طبيباً وما عالج الطب قط فإن شئت فأحضره وأنا حاضر وتوهم جبرائيل أنه يدخل ويقف بين يديه ويتذلل له فأمر الفضل بإحضاره فدخل وسلم وجلس بحذاء جبرائيل فقال له جبرائيل يا ماسويه أصرت طبيباً فقال له لم أزل طبيباً أنا أخدم البيمارستان منذ ثلاثين سنة تقول لي هذا القول ففزع جبرائيل أن يزيد في المعنى فبادر وانصرف في الحال وهو خجل وأجرى الفضل على ماسويه في كل شهر ستمائة درهم وعلوفة دابتين ونزل خمسة غلمان وأمره أن يحمل عياله من جندي سابور وأعطاه نفقة واسعة فحمل عياله ويوحنا ابنه حينئذ وهو صبي فما مضت إلا أيام حتى اشتكت عين الرشيد فقال له الفضل يا أمير المؤمنين طبيبي ماسويه من أحذق الناس بالكحل وشرح له قصته وما كان من أمر خادمه وأمر نفسه فأمر الرشيد بإحضاره فأحضر ماسويه فقال له تحسن شيئاً من الطب سوى الكحل فقال نعم يا أمير المؤمنين وكيف لا أحسن وأنا قد خدمت المرضى بالبيمارستان منذ ثلاثين سنة فأدناه منه ونظر عينيه فقال الحجام الساعة فحجمه على ساقيه وقطر في عينيه فبرئ بعد يومين فأمر بأن يجرى عليه ألفا درهم في الشهر ومعونة في السنة عشرون ألف درهم وعلوفة ونزل وألزمه الخدم مع جبرائيل وسائر من كان في الخدمة من المتطببين وصار نظيراً لجبرائيل بل كان في ذلك الوقت يحضر بحضوره ويصل بوصوله ودونه في الرزق لأن جبرائيل كان له في الشهر عشرة آلاف درهم ومعونة في السنة مائة ألف درهم وصلات دائمة وإقطاعات ثم أنه اعتلت بانو أخت الرشيد فلم يزل جبرائيل يعالجها بأنواع العلاج فلم تنتفع فاغتم بها فقال الرشيد ذات يوم قد كان ماسويه ذكر أنه خدم المرضى بالمارستان وأنه يعالج الطبائع فليدخل إلى عليلتنا لعل عنده فرجاً لها فأحضر جبرائيل وماسويه فقال له ماسويه عرفني حالها وجميع ما دبرتها به إلى وقتنا هذا فلم يزل جبرائيل يصف له ما عالجها به فقال ماسويه التدبير صالح والعلاج مستقيم ولكن أحتاج إلى أن أراها فأمر الرشيد أن يدخلا إليها فدخل وتأملها وجس عروقها بحضرة الرشيد وخرجوا من عنده وقال ماسويه للرشيد يا أمير المؤمنين يكون لك طول العمر والبقاء هذه تقضي بعد غد ما بين ثلاث ساعات إلى نصف الليل فقال جبرائيل كذب يا أمير المؤمنين إنها تبرأ وتعيش فأمر الرشيد بحبس ماسويه ببعض دوره في القصر وقال لأسبرنّ ما قاله وأنذرنا به فما رأينا بعلم الشيخ بأساً فلما حضر الوقت الذي حده ماسويه توفيت فلم يكن للرشيد همة بعد دفنها إلا أن أحضر ماسويه فسأله وأعجب بكلامه وكان أعجمي اللسان ولكنه كان بصيراً بالعلاج كثير التجارب فصيره نظيراً لجبرائيل في الرزق والنزل والعلوفة والمرتبة وعني بابنه يوحنا ووسع النفقة عليه فبلغ المرتبة المشهورة قال يوسف بن إبراهيم عدت جبرائيل بن بختيشوع بالعلث في سنة خمس عشرة ومائتين وقد كان خرج مع المأمون في تلك السنة حتى نزل المأمون في دير النساء فوجدت عنده يوحنا بن ماسويه وهو يناظره في علته وجبرائيل يستحسن استماعه وإجابته ووصفه فدعا جبرائيل بتحويل سنته وسألني النظر فيه وإخباره بما يدل عليه الحساب فنهض يوحنا عند ابتدائي بالنظر في التحويل فلما خرج من الحراقة قال لي جبرائيل ليست بك حاجة إلى النظر في التحويل لأني أحفظ جميع قولك وقول غيرك في هذه السنة وإنما أردت بدفعي التحويل إليك أن ينهض يوحنا فأسألك عن شيء بلغني عنه وقد نهض فأسألك بحق اللَّه هل سمعت يوحنا قط يقول أنه أعلم من جالينوس بالطب فحلفت له أني ما سمعته قط يدعي ذلك فما انقضى كلامنا حتى رأيت الحراقات تنحدر إلى مدينة السلام فانحدر المأمون في ذلك اليوم وكان يوم خميس ووافينا مدينة السلام غداة يوم السبت ودخل الناس كلهم إلى مدينة السلام خلا أبي العباس بن الرشيد فإنه أقام في الموضع المعروف بالقلائين من الجانب الغربي بمدينة السلام وهو بإزاء دار الفضل بن يحيى بباب الشماسية التي صار بعضها في خلافة المعتصم لأبي العباس بن الرشيد فكنت وجماعة ممن يريد المصير إلى أبي العباس ممن منازلهم في قنطرة البردان ونهر المهدي لا نجشم أنفسنا المصير إلى الجسر ثم المصير إلى القلائين لبعد الشقة فنصير إلى قصر الفضل بن يحيى ونقف بإزاء مضرب أبي العباس‏.‏

وكانت الزبيديات توافينا فتعبر بنا فاجتمعت ويوحنا بن ماسويه عند أبي العباس بعد موافاة المأمون مدينة السلام بثلاثة أيام وجمعتنا الزبيدية عند انصرافنا فسألني عن عهدي بجبرائيل فأعلمته أني لم أره منذ اجتمعنا بالعلث ثم قلت له قد شنعت عنده فقال بماذا فقلت له بلغه أنك تقول أنا أعلم من جالينوس فقال على من ادعى علي هذه الدعوة لعنة اللّه واللّه ما صدق مؤدي هذا الخبر ولا بر فسرى ذلك من قوله ما كان في قلبي وأعلمته أني أزيل عن قلب جبرائيل ما تأدى إليه من الخبر الأول فقال لي افعل نشدتك اللّه وقرر عنده ما أقول وهو ما كنت أقوله فحرف عنده فسألته عنه فقال إنما قلت لو أن بقراط وجالينوس عاشا إلى أن يسمعا قولي في الطب وصفاتي لسألا ربهما أن يبدلهما بجميع حواسهما من البصر والشم والذوق واللمس حساً سمعياً يضيفانه إلى ما معهما من حس السمع ليسمعا حكمي ووصفي فأسألك باللّه أما أديت هذا القول عني إليه فاستعفيته من إلقاء هذا الخبر عنه فلم يعفني فأديت إلى جبرائيل الخبر وقد كان أصبح في ذلك اليوم مفرقاً من علته فتداخله من الغيظ والضجر ما تخوفت عليه منه النكسة وأقبل يدعو على نفسه ويقول هذا جزاء من وضع الصنيعة في غير موضعها وهذا جزاء من اصطنع السفل وأدخل في مثل هذه الصناعة الشريفة من ليس من أهلها ثم قال هل عرفت السبب في يوحنا وأبيه فأخبرته أني لا أعرفهما فقال لي إن الرشيد أمرني باتخاذ بيمارستان وأحضرت دهشتك رئيس بيمارستان جندي سابور لتقليده البيمارستان الذي أمرت باتخاذه فامتنع من ذلك وذكر أن السلطان ليست له عليه أرزاق جارية وإنه إنما يقول بيمارستان جندي سابور وميخائيل ابن أخيه حسبة وتحمل علي بطيمانيوس الجاثليق في إعفائه وابن أخيه فأعفيتهما فقال لي أما إذ قد أعفيتني فإني أهدي إليك هدية ذات قدر يحسن بك قبولها وتكثر منفعتها لك في هذا البيمارستان فسألته عن الهدية فقال لي إن صبياً كان ممن يدق الأدوية عندنا ممن لا يعرف له أب ولا قرابة أقام في البيمارستان أربعين سنة وقد بلغ الخمسين سنة أو جاوزها وهو لا يقرأ حرفاً واحداً بلسان من الألسنة إلا أنه قد عرف الأدواء داء داء وما يعالج به كل داء وهو أعلم خلق اللّه بانتقاء الأدوية واختيار جيدها ونفي رديها فأنا أهديه لك فاضممه إلى من أحببت من تلامذتك ثم قلد تلميذك البيمارستان فإن أموره تخرج على أحسن من مخرجها لو قلدتني هذا البيمارستان فأعلمته أني قد قبلت الهدية وانصرف دهشتك إلى بلده وأنفذ إلي الرجل فأدخل علي في زي الرهبان وكشفته فوجدته على ما حكى لي عنه وسألته عن اسمه فأخبرني أن اسمه ماسويه وكنت في خدمة الرشيد وداؤد بن سرابيون مع أم جعفر وكان المنزل الذي ينزله ماسويه يبعد من منزلي ويقرب من منزل داؤد بن سرابيون وكان في داؤد دعابة وبطالة وكان في ماسويه ضعف من ضعف السفل فيستطيبه كل بطال فما مضى بماسويه إلا يسير حتى صار إلي وقد غير زيه ولبس الثياب البيض فسألته عن خبره فأعلمني أنه قد عشق جارية لداؤد بن سرابيون صقلبية يقال لها رسالة وسألني ابتياعها له فابتعتها له بثمانمائة درهم ووهبتها له فأولدها يوحنا وأخاه ثم رعيت لماسويه ابتياعي له رسالة وطلبه منها النسل وصيرت وُلْدَه كأنهم ولدُ قرابة لي وعنيت برفع أقدارهم وتقديمهم على أبناء أشراف أهل هذه المهنة وعلمائهم ثم رتبت ليوحنا وهو غلام المرتبة الشريفة ووليته البيمارستان وجعلته رئيس تلامذتي فكانت مثوبتي منه هذه الدعوى التي لا يسمع بها أحد إلا قذف من خرَّجه ونوّه باسمه وأطلق لسانه بمثل ما أطلقه به ولمثل ما خرج إليه هذه السفلة كانت الأعاجم تمنع جميع الناس عن الانتقال عن صناعات آبائهم وتحظِّر ذلك غاية الحظر واللّه المستعان‏.‏

 

يوحنا بن ماسويه

كان طبيباً ذكياً فاضلاً خبيراً بصناعة الطب وله كلام حسن وتصانيف مشهورة وكان مبجلاً حظياً عند الخلفاء والملوك قال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسه الطبيب قال أخبرني أبو زكريا يوحنا بن ماسويه أنه اكتسب من صناعة الطب ألف ألف درهم وعاش بعد قوله هذا ثلاث سنين أخر وكان الواثق مشغوفاً ضنيناً به فشرب يوماً عنده فسقاه الساقي شراباً غير صاف ولا لذيذ على ما جرت به العادة وهذا من عادة السقاة إذا قصر في برهم فلما شرب القدح الأول قال يا أمير المؤمنين أما المذاقات فقد عرفتها واعتدتها ومذاقة هذا الشراب فخارجة عن طبع المذاقات كلها فوجد أمير المؤمنين على السقاة وقال يسقون أطبائي وفي مجلسي مثل هذا الشراب وأمر ليوحنا بهذا السبب وفي ذلك الوقت بمائة ألف درهم ودعا بسمانة الخادم فقال له احمل إليه المال الساعة فلما كان وقت العصر سأل سمانة هل حمل مال الطبيب أم لا فقال لا بعد فقال يحمل إليه مائتا ألف درهم الساعة فلما صلوا العشاء سأل عن حمل المال فقيل له لم يحمل بعد فدعا بسمانة وقال احمل إليه ثلاثمائة ألف درهم فقال سمانة لخازن بيت المال احملوا مال يوحنا وإلا لم يبق في بيت المال شيء فحمل إليه من ساعته وقال سليمان بن حسان كان يوحنا بن ماسويه مسيحي المذهب سريانياً قلده الرشيد ترجمة الكتب القديمة مما وجد بأنقره وعمورية وسائر بلاد الروم حين سباها المسلمون ووضعه أميناً على الترجمة وخدم هارون والأمين والمأمون وبقي على ذلك إلى أيام المتوكل قال وكانت ملوك بني هاشم لا يتناولون شيئاً من أطعمتهم إلا بحضرته وكان يقف على رؤوسهم ومعه البراني بالجوارشنات الهاضمة المسخنة الطابخة المقوية للحرارة الغريزية في الشتاء وفي الصيف بالأشربة الباردة والجوارشنات وقال ابن النديم البغدادي الكاتب إن يوحنا بن ماسويه خدم بصناعة الطب المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل‏.‏

وقال يوسف بن إبراهيم كان مجلس يوحنا بن ماسويه أعمر مجلس كنت أراه بمدينة السلام لمتطبب أو متكلم أو متفلسف لأنه كان يجتمع فيه كل صنف من أصناف أهل الأدب وكان في يوحنا دعابة شديدة يحضر بعض من يحضر من أجلها وكان من ضيق الصدر وشدة الحدة على أكثر ما كان عليه جبرائيل بن بختيشوع وكانت الحدة تخرج منه ألفاظاً مضحكة وكان أطيب ما يكون مجلسه في وقت نظره في قوارير الماء وكنت وابن حمدون بن عبد الصمد بن علي الملقب بأبي العيرطرد وإسحاق بن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الملقب ببيض البغل قد توكلنا به بحفظ نوادره وأظهرت له التلمذة في قراءة كتب المنطق عليه وأظهرا له التلمذة بقراءتهما كتب جالينوس في الطب عليه قال يوسف فمما حفظت من نوادره في وقت نظره أن امرأة أتته فقالت له إن فلانة وفلانة وفلانة يَقْرأن عليك السلام فقال لها أنا بأسماء أهل قسطنطينية وعمورية أعلم مني بأسماء هؤلاء الذين سميتهن فأظهري بولك حتى أنظر لك فيه قال يوسف وحفظت عليه أن رجلاً شكى إليه علة كان شفاؤه منها الفصد فأشار به عليه فقال لم أعتد الفصد فقال له ولا أحسب أحداً اعتاده في بطن أمه وكذلك لم تعتد العلة قبل أن تعتل وقد حدثت بك فاختر ما شئت من الصبر على ما أحدثت لك الطبيعة من العلة أو اعتياد الفصد لتسلم منها قال يوسف وشكى إليه رجل بحضرتي جرباً قد أضر به فأمرهبفصد الأكحل من يده اليمنى فأعلمه أنه قد فعل فأمر بفصد الأكحل أيضاً من يده اليسرى فذكر أنه قد فعل فأمره بشرب المطبوخ فقال قد فعلت فأمره بشرب الأصمخيقون فأعلمه أنه قد فعل فأمره بشرب ماء الجبن أسبوعاً وشرب مخيض البقر أسبوعين فأعلمه أنه قد فعل فقال له لم يبق شيء مما أمر به المتطببون إلا وقد ذكرت أنك فعلته وبقي شيء مما لم يذكره بقراط ولا جالينوس وقد رأيناه يعمل على التجربة كثيراً فاستعمله فإني أرجو أن ينجح علاجك إن شاء اللّه فسأله ما هو فقال ابتع زوجي قراطيس وقطعهما رقاعاً صغاراً واكتب في كل رقعه رحم اللّه من دعا لمبتلى بالعافية وألق نصفها في المسجد الشرقي بمدينة السلام والنصف الآخر في المسجد الغربي وفرقها في المجالس يوم الجمعة فإني أرجو أن ينفعك اللَّه بالدعاء إذ لم ينفعك العلاج قال يوسف وصار إليه وأنا حاضر قسيس الكنيسة التي يتقرب فيها يوحنا وقال له قد فسدت علي معدتي فقال له استعمل جوارشن الخوزبي فقال قد فعلت فقال له يوحنا فاستعمل السقمونيا قال قد أكلت منه أرطالاً فأمره باستعمال المقداذيقون فقال قد شربت منه جرة قال له فاستعمل المروسيا فقال قد فعلت وأكثرت فغضب وقال له إن أردت قال يوسف واشتدت على يوحنا علة كان فيها حتى يئس منه أهله ومن عادة النصارى إحضار من يئس منه أهله جماعة من الرهبان والقسيسين والشمامسة يقرؤون حوله ففعل مثل ذلك بيوحنا فأفرق والرهبان حوله يقرؤون فقال لهم يا أولاد الفسق ما تصنعون في بيتي فقالوا له كنا ندعو ربنا في التفضل عليك بالعافية فقال لهم يوحنا قرص ورد أفضل من صلوات جميع أهل النصرانية منذ كانت إلى يوم القيامة اخرجوا من منزلي فخرجوا قال يوسف وشكى بحضرتي إلى يوحنا رجل من التجار جرباً به في أيام الشتاء فقال ليست هذه من أيام علاج ما تجد وإنما علاج دائك هذا في أيام الربيع فتنكب أكل المعفنات كلها وطري السمك ومالحه صغار ذلك وكباره وكل حريق من الأبزار والبقول وما يخرج من الضرع فقال له الرجل هذه أشياء لست أعطى صبراً على تركها فقال له يوحنا فإن كان الأمر على ما ذكرت فأدمن أكلها وحك بدنك فلو نزل المسيح لك خاصة لما انتفعت بدعائه لما تصف به نفسك من الشره قال يوسف وعاتبه النصارى على اتخاذ الجواري وقالوا له خالفت ديننا وأنت شماس فإما إن كنت على سنتنا واقتصرت على امرأة واحدة وكنت شماساً لنا وإما أخرجت نفسك من الشماسية واتخذت ما بدا لك من الجواري فقال إنما أمرنا في موضع واحد أن لا نتخذ امرأتين ولا ثوبين فمن جعل الجاثليق العاض بظر أمه أولى أن يتخذ عشرين ثوباً من يوحنا الشقي في اتخاذ أربع جوار فقولوا لجاثليقكم أن يلزم قانون دينه حتى نلزمه معه وإن خالفه خالفناه قال يوسف وكان بختيشوع بن جبرائيل يداعب يوحنا كثيراً فقال له يوماً في مجلس أبي إسحاق ونحن في عسكر المعتصم بالمدائن في سنة عشرين ومائتين أنت يا أبا زكريا أخي لأبي فقال يوحنا لأبي إسحاق اشهد أيها الأمير على إقراره فواللّه لأقاسمنه ميراثه من أبيه فقال له بختيشوع إن أولاد الزنا لا يرثون ولا يورثون وقد حكم دين الإسلام للعاهر بالحجر فانقطع يوحنا ولم يحر جواباً قال يوسف وكانت دار الطيفوري في دار الروم من الجانب الشرقي بمدينة السلام لصيقة دار يوحنا بن ماسويه وكان للطيفوري ابن قد علم الطب علماً حسناً يقال له دانيل ثم ترهب بعد ذلك فكان يدخل مدينة السلام عند تأدي الخبر إليه بعلة والده أو ما أشبه ذلك وكان ليوحنا طاووس كان يقف على الحائط الذي فيما بين داره ودار الطيفوري فقدم دانيل مدينة السلام ليلاً في الشهر المعروف بآب وهو شهر شديد الحر كثير الرمد فكان الطاووس كلما اشتد عليه الحر صاح فأنبه دانيل وهو في ثياب صوف من ثياب الرهبان فطرده مرات فلم ينفع ذلك فيه ثم رفع مرزبته فضرب بها رأس الطاووس فوقع ميتاً واستتر الخبر عن يوحنا إلى أن ركب ورجع فصادف عند منصرفه طاووسه ميتاً على باب داره فأقبل يقذف بالحدود من قتله فخرج إليه دانيل فقال لا تشتمن من قتله فإني أنا قتلته ولك علي مكانه عدة طواويس فقال له يوحنا بحضرتي ليس يعجبني راهب له سنام وطول ذكر إلا أنه قال ذلك بفحش فقال له دانيل وكذلك ليس يعجبني شماس له عدة نساء واسم رئيسة نسائه قراطيس - وهو اسم رومي لا عربي ومعنى قراطيس عند الروم القرنانة وليس تكون المرأة قرنانة حتى تنكح غير بعلها - فخجل يوحنا ودخل منزله مفعولاً‏.‏

قال يوسف وحدثني بمصر أحمد بن هارون الشرابي إن المتوكل على اللّه حدثه في خلافة الواثق أن يوحنا بن ماسويه كان مع الواثق على دكان كان للواثق في دجلة ومع الواثق قصبة فيها شص وقد ألقاها في دجلة ليصيد بها السمك فحرم الصيد فالتفت إلى يوحنا وكان على يمينه فقال قم يا مشؤوم عن يميني فقال له يوحنا يا أمير المؤمنين لا تتكلم بمحال يوحنا بن ماسويه الخوزي وأمه رسالة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة درهم أقبلت به السعادة إلى أن صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم وحتى غمرته الدنيا فنال منها ما لم يبلغه أمله فمن أعظم محال أن يكون هذا مشؤوماً ولكن إن أحب أمير المؤمنين أن أخبره بالمشؤوم من هو أخبرته فقال ومن هو فقال من ولدته أربع خلفاء ثم ساق اللّه إليه الخلافة فترك خلافته وقصورها وبساتينها وقعد في دكان مقدار عشرين ذراعاً في مثلها في وسط دجلة لا يأمن عصف الريح عليه فيغرقه ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم وهم صيادو السمك قال لي أحمد بن هارون قال لي المتوكل فرأيت الكلام قد أنجع فيه إلا أنه أمسك لمكاني قال يوسف وحدثني أحمد بن هارون أن الواثق قال في هذا ليوحنا وهو على هذه الدكان يا يوحنا ألا أعجبك من خلة قال وما هي قال إن الصياد ليطلب السمك مقدار ساعة فيصيد من السمكة ما تساوي الدينار أو ما أشبه ذلك وأنا أقعد مذ غدوة إلى الليل فلا أصيد ما يساوي درهماً فقال له يوحنا وَضَع أمير المؤمنين التعجب في غير موضعه إن رزق الصياد من صيد السمك فرزقه يأتيه لأنه قوته وقوت عياله ورزق أمير المؤمنين بالخلافة فهو غني عن أن يرزق بشيء من السمك ولو كان رزقه جعل في الصيد لوافاه رزقه منه مثل ما يوافي الصياد قال يوسف وحدثني إبراهيم بن علي متطبب أحمد بن طولون أنه كان في دهليز يوحنا بن ماسويه ينتظر رجوع يوحنا من دار السلطان فانصرف وقد أسلم في ذلك الوقت عيسى بن إبراهيم بن نوح بن أبي نوح كاتب الفتح بن خاقان قال إبراهيم فقمت إليه وجماعة من الرهبان فقال لنا اخرجوا يا أولاد الزنا من داري واذهبوا أسلموا فقد أسلم المسيح الساعة على يد المتوكل‏.‏

قال يوسف وقدم جرجة بن زكريا عظيم النوبة في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين إلى سر من رأى وأهدى إلى المعتصم هدايا فيها قردة فإني عند يوحنا في اليوم الثاني من شوال من هذه السنة وأنا أعاتبه على تخلفه عن حضور الدار في ذلك الوقت لأني رأيت سلمويه وبختيشوع والجريش المتطببين وقد وصلوا إذ دخل علينا غلام من الأتراك الخاصة ومعه قرد من القرود التي أهداها ملك النوبة لا أذكر أني رأيت أكبر منه جثة وقال له يقول لك أمير المؤمنين زوج هذا القرد من حماحم قردتك وكان ليوحنا قردة يسميها حماحم كان لا يصبر عنها ساعة فوجم لذلك ثم قال للرسول قل لأمير المؤمنين اتخاذي لهذه القردة غير ما توهمه أمير المؤمنين وإنما دبرت تشريحها ووضع كتاب على ما وضع جالينوس في التشريح يكون جمال وضعي إياه لأمير المؤمنين وكان في جسمها قلة تكون العروق فيها والأوراد والعصب دقاقاً فلم أطمع في اتضاح الأمر فيها مثل اتضاحه فيما عظم جسمه فتركتها لتكبر ويغلظ جسمها فأما إذ قد وافى هذا القرد فسيعلم أمير المؤمنين أني سأضع له كتاباً لم يوضع في الإسلام مثله ثم فعل ذلك بالقرد فظهر له منه كتاب حسن استحسنه أعداؤه فضلاً عن أصدقائه قال يوسف ودخل يوحنا على محمد بن أبي أيوب بن الرشيد وكانت به حمى مثلثة وهي التي تأخذ غباً فنظر إلى مائه وجس عرقه وسأله عن خبره كيف كان في أمسه ومبيته وصباحه إلى أن وافاه فأخبره بذلك فقال يوحنا حُمَّاك هذه من أسهل الحميات ما لم يخلط صاحبها لأن أقصى حقها سبعة أدوار وأكثر ذلك يترك في الدور الرابع وإن خلط فيها العليل انتقلت فربما تطاولت به العلة وربما تلفت نفسه فقال ابن أبي أيوب قف بي على ما رأيت فإني لا أخالفك فأمره أن يقتصر على لباب الخبز المغسول بالماء الحار ثلاث غسلات ثم يأكل اللباب إن كانت شهوته للطعام ضعيفة وعلى المزوَّرات من الطعام مثل الماس والقرع والسرمق والخيار وما أشبه ذلك إن كانت شهوته قوية وأن يرفع يده عن الطعام وهو يشتهيه فقال له محمد فهذا ما أمرت بأكله فدلني على ما لا آكل فقال له أول ما أنهاك عن أكله فيوحنا بن ماسويه ثم بغلة الجاثليق فإن حقه على أهل النصرانية واجب ثم الزنبريتان وهما السفينتان اللتان في الجسر في الجانب الشرقي فإن الجسر لا يصلح إلا بهما ثم نهض مغضباً وهو يدعو علي لأني كنت السبب في مصيره إلى محمد بن أبي أيوب قال يوسف واعتل محمد بن سليمان بن الهادي المعروف بابن مشغوف علة تطاولت به وكان أبو العباس بن الرشيد يلزم يوحنا تعاهده وكان محمد بن سليمان ربما يزيد في الحديث أشياء لا يخيل باطلها على سامعها فدخل إليه يوماً وأنا عنده فاستشاره فيما يأخذ فقال يوحنا قد كنت أشير عليك بما تأخذ في كل يوم وأنا أحسبك تحب الصحة والعافية فأما إذ صح عندي أنك تكره العافية وتحب العلة فلست استحل أن أشير عليك بشيء فقال له ابن مشغوف يا جاهل من يكره العافية ويحب العلة فقال له يوحنا أنت والبرهان على ذلك أن العافية في العالم تشبه الحق والسقم يشبه الكذب وأنت تتكلم أكثر دهرك بالكذب فيكون كذبك مادة لسقمك فمتى تبرأ أنت من علة متطاولة وأنت تمدها أكثر دهرك بالكذب الزائد فيها فالزم الصدق ثلاثة أيام ولا تكذب فيها فيوحنا بريء من المسيح إن لم تخرج من هذه العلة قبل انقضاء هذه الثلاثة أيام قال يوسف بن إبراهيم وكان ليوحنا بن ماسويه ابن يقال له ماسويه أمه بنت الطيفوري جد إسرائيل متطبب الفتح بن خاقان وكان ماسويه هذا أشبه خلق اللّه بأبيه في خلقه ولفظه وحركاته إلا أنه كان بليداً لا يكاد يفهم شيئاً إلا بعد مدة طويلة ثم ينسى ذلك في أسرع من اللحظ فكان يوحنا يظهر محبة ابنه تقيَّة من ألسنة الطيفوري وولده وكان أشد بغضاً له منه أسهل الكوسج الذي هتكه بادعائه أنه وضعه في فرج أمه‏.‏

قال يوسف واعتل في أول سنة سبع عشرة ومائتين صالح بن شيخ بن عميرة بن حيان بن سراقة الأسدي علة أشرف منها فأتيته عائداً فوجدته قد أفرق بعض الإفراق فدارت بيننا أحاديث كان منها أن عميرة جده أصيب بأخ له من أبويه ولم يخلف ولداً فعظمت عليه المصيبة ثم ظهر حبَل بجارية كانت له بعد وفاته فسري عنه بعض ما دخله من الغم وحولها إلى بيته وقدمها على حرم نفسه فوضعت ابنة فتبنى بها وقدمها على ذكور ولده وإناثهم فلما ترعرعت رغب لها في كفء يزوجها منه فكان لا يخطبها إليه خاطب إلا فرّغ نفسه للتفتيش عن حسبه والتفتيش عن أخلاقه فكان بعض من نزع إليه خاطباً لها ابن عم لخالد بن صفوان بن الأهتم التميمي وكان عميرة عارفاً بوجه الفتى وبنسبه فقال يا بني أما نسبك فلست أحتاج إلى التفتيش عنه وإنك لكفء لابنة أخي من جهة الشرف ولكنه لا سبيل إلى عقد عقدة النكاح على ابنتي دون معرفتي بأخلاق من أعقد العقدة له فإن سهل عليك المقام عندي وفي داري سنة أكشف فيها أخلاقك كما أكشف أحساب وأخلاق غيرك فأقم في الرحب والسعة وإن لم يسهل ذلك عليك فانصرف إلى أهلك فقد أمرنا بتجهيزك وحمل جميع ما تحتاج إليه معك إلى موافاتك بصرتك قال صالح بن شيخ حدثني أبي عن جدي أنه كان لا يبيت ليلة إلا أتاه عن ذلك الرجل أخلاق متناقضة فواصف له بأحسن الأمور وواصف له بأسمجها فاضطره تناقض أخباره إلى التكذيب بكلها وأن يترك الأمر على أن مادحه مايله وأن عائبه تحامل عليه فكتب إلى خالد أما بعد فإن فلاناً قدم علينا خاطباً لابنة أخيك فلانة بنت فلان فإن كانت أخلاقه تشاكل حسبه ففيه الرغبة لزوجته والحظ لولي عقد نكاحه فإن رأيت علي بما ترى العمل به في ابن عمك وابنة أخيك فإن المستشار مؤتمن فعلت إن شاء اللَّه فكتب إليه خالد قد فهمت كتابك وكان أبو ابن عمي هذا أحسن أهلي خلقاً وأسمجهم خلقاً وأحسنهم عمن أساء به صفحاً وأسخاهم كفاً إلا أنه مبتل بالعهار وسماجة الخلق وكانت أمه من أحسن خلق اللَّه وجهاً وأعفهم فرجاً إلا أنها من سوء الخلق والبخل وقلة العقل على ما لا أعرف أحداً على مثله وابن عمي هذا فقد تقبل من أبويه مساويهما ولم يتقبل شيئاً من محاسنهما فإن رغبت في تزويجه على ما شرحت لك من خبره فأنت وذاك وإن كرهته رجوت أن يخير اللّه لابنة أخينا إن شاء اللّه قال صالح فلما قرأ جدي الكتاب أمر بإعداد طعام للرجل فلما أدرك حمله على ناقة مهرية ووكل به من أخرجه من الكوفة فأعجبني هذا الحديث وحفظته وكان اختياري في منصرفي من عند صالح بن شيخ على دار هارون بن سليمان بن المنصور فدخلت عليه مسلماً وصادفت عنده ابن ماسويه فسألني هارون عن خبري وعمن لقيت فحدثته بما كان عند صالح بن شيخ فقال لقد كنت في معادن الأحاديث الطيبة الحسان وسألني هل حفظت عنه حديثاً فحدثته بهذا الحديث فقال يوحنا عليه وعليه إن لم يكن شبه هذا الحديث بحديثي وحديث ابني أكثر من شبه ابني بي بليت بطول الوجه وارتفاع قحف الرأس وعرض الجبن وزرقة العين ورزقت ذكاء وحفظاً لكل ما يدور في مسامعي وكانت بنت الطيفوري أحسن أنثى رأيتها أو سمعت بها إلا أنها كانت ورهاء بلهاء لا تعقل ما تقول ولا تفهم ما يقال لها فتقبل ابنها مسامجنا جميعاً ولم يرزق من محاسننا شيئاً ولولا كثرة فضول السلطان ودخوله فيما لا يعنيه لشرّحت ابني هذا حياً مثل ما كان جالينوس يشرح القرود والناس فكنت أعرف بتشريحه الأسباب التي كانت لها بلادته وأريح الناس من خلقته وأكسب أهلها بما أضع في كتابي في صفة تركيب بدنه ومجاري عروقه وأوراده وعصبه علماً ولكن السلطان يمنع من ذلك‏.‏

وكأني بأبي الحسين يوسف قد حدث الطيفوري وولده بهذا الحديث فألقى لنا شرا ومنازعات ليضحك مما يقع بيننا فكان الأمر على ما توهم واعتل ماسويه بن يوحنا بعد هذا بليال قلائل وقد ورد رسول المعتصم من دمشق أيام كان بها مع المأمون في إشخاص يوحنا إليه فرأى يوحنا فصده ورأى الطيفوري وابناه زكريا ودانيل خلاف ما رأى يوحنا ففصده يوحنا وخرج في اليوم الثاني إلى الشام ومات ماسويه في اليوم الثالث من مخرجه فكان الطيفوري وولده يحلفون في جنازته أن يوحنا تعمد قتله ويحتجون بما حدثتهم به من كلامه الذي كان في منزل هارون بن سليمان ونقلت من كتاب الهدايا والتحف لأبي بكر وأبي عثمان الخالديين قالا حدثنا أبو يحيى قال افتصد المتوكل فقال لخاصته وندمائه اهدوا إلي يوم فصدي فاحتفل كل واحد منهم في هديته وأهدى إليه الفتح بن خاقان جارية لم ير الراؤون مثلها حسناً وظرفاً وكمالاً فدخلت إليه ومعها جام ذهب في نهاية الحسن ودن بلور لم ير مثله فيه شراب يتجاوز الصفات ورقعة فيها مكتوب‏:‏ إذا خرج الإمام من الدواء وأعقب بالسلامة والشفاء وفض الخاتم المهدى إليه فهذا صالح بعد الدواء واستظرف المتوكل ذلك واستحسنه وكان بحضرته يوحنا بن ماسويه فقال يا أمير المؤمنين الفتح واللّه أطب مني فلا تخالف ما أشار به أقول ومن نوادر يوحنا بن ماسويه أن المتوكل على اللَّه قال له يوماً بعت بيتي بقصرين فقال له أخر الغداء يا أمير المؤمنين - أرادالمتوكل تعشيت فضرني لأنه تصحيفها فأجابه ابن ماسويه بما تضمن العلاج وعتب ابن حمدون النديم ابن ماسويه بحضرة المتوكل فقال له ابن ماسويه لو أن مكان ما فيك من الجهل عقلاً ثم قسم على مائة خنفساء لكانت كل واحدة منهن أعقل من أرسطوطاليس ووجدت في كتاب جراب الدولة قال دخل ابن ماسويه المتطبب إلى المتوكل فقال المتوكل لخادم له خذ بول فلان في قارورة وائتِ به إلى ابن ماسويه فأتى به فلما نظر إليه قال هذا بول بغل لا محالة فقال له المتوكل كيف علمت أنه بول بغل قال ابن ماسويه أحضرني صاحبه حتى أراه ويتبين كذبي من صدقي فقال المتوكل هاتوا الغلام فلما مثل بين يديه قال له ابن ماسويه أيش أكلت البارحة قال خبز شعير وماء قراح فقال ابن ماسويه هذا واللَّه طعام حماري اليوم ونقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن أبا عثمان الجاحظ ويوحنا بن ماسويه قال اجتمعا بغالب ظني على مائدة إسماعيل بن بلبل الوزير وكان في جملة ما قدم مضيرة بعد سمك فامتنع يوحنا من الجمع بينهما قال له أبو عثمان أيها الشيخ لا يخلو أن يكون السمك من طبع اللبن أو مضاداً له فإن كان أحدهما ضد الآخر فهو دواء له وإن كانا من طبع واحد فلنحسب أنا قد أكلنا من أحدهما إلى أن اكتفينا فقال يوحنا واللَّه مالي خبرة بالكلام ولكن كل يا أبا عثمان وانظر ما يكون في غد فأكل أبو عثمان نصرة لدعواه ففلج في ليلته فقال هذه واللّه نتيجة القياس المحال والذي ضلل أبا عثمان اعتقاده أن السمك من طبع اللبن ولو سامحناه في أنهما من طبع واحد لكان لامتزاجهما قوة ليست لأحدهما وقال الشيخ أحمد بن علي ثابت الخطيب البغدادي عن الحسين بن فهم قال قدم علينا محمد بن سلام صاحب طبقات الشعراء وهو الجمحي سنة اثنتين وعشرين ومائتين فاعتل علة شديدة فما تخلف عنه أحد وأهدى إليه أجلاء أطبائهم فكان ابن ماسويه ممن أهدى إليه فلما جسَّه ونظر إليه وقال ما أرى من العلة ما أرى من الجزع فقال واللَّه ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة ولو وقفت بعرفات وقفة وزرت قبر رسول اللّه # زورة وقضيت أشياء في نفسي لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل فقال له ابن ماسويه فلا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ما إن سلمك اللّه من هذه العوارض بلغك عشر سنين أخرى قال الحسين بن فهم فوافق كلامه قدراً فعاش عشر سنين بعد ذلك وحدث الصولي في كتاب الأوراق قال كان المأمون نازلاً على البدندون - نهر من أعمال طرسوس - فجلس يوماً وأخوه المعتصم عليه وجعلا أرجلهما فيه استبراداً له وكان أبرد الماء وأرقه وألذه فقال المأمون للمعتصم أحببت الساعة من أزاذ العراق آكله وأشرب من هذا الماء البارد عليه وسمع صوت حلقة البريد وأجراسه فقيل هذا يزيد بن مقبل بريد العراق فأحضر طبقاً من فضة فيه رطب أزاذ فعجب من تمنيه وما تم له فأكلا وشربا من الماء ونهضا وتودع المأمون وأقال ثم نهض محموماً وفصد فظهرت في رقبته نفخة كانت تعتاده ويراعيها الطبيب إلى أن تنضج وتفتح وتبرأ فقال المعتصم للطبيب وهو ابن ماسويه ما أطرف ما نحن فيه تكون الطبيب المفرد المتوحد في صناعتك وهذه النفخة تعتاد أمير المؤمنين فلا تزيلها عنه وتتلطف في حسم مادتها حتى لا ترجع إليه واللّه لئن عادت هذه العلة عليه لأضربن عنقك فاستطرق ابن ماسويه لقول المعتصم وانصرف فحدّث به بعض من يثق به ويأنس إليه فقال له تدري ما قصد المعتصم قال لا قال قد أمرك بقتله حتى لا تعود النفخة إليه وإلا فهو يعلم أن الطبيب لا يقدر على دفع الأمراض عن الأجسام وإنما قال لك لا تدعه يعيش ليعود المرض عليه فتعالل ابن ماسويه وأمر تلميذاً له بمشاهدة النفخة والتردد إلى المأمون نيابة عنه والتلميذ يجيئه كل يوم ويعرفه حال المأمون وما تجدد له فأمره بفتح النفخة فقال له أعيذك باللّه ما احمرت ولا بلغت إلى حد الجرح فقال له امض وافتحها كما أقول لك ولا تراجعني فمضى وفتحها ومات المأمون رحمه اللّه أقول إنما فعل ابن ماسويه ذلك لكونه عديماً للمروءة والدين والأمانة وكان على غير ملة الإسلام ولا له تمسك بدينه أيضاً كما حكى عنه يوسف بن إبراهيم في أخباره المتقدمة ومن ليس له دين يتمسك به ويعتقد فيه فالواجب أن لا يداينه عاقل ولا يركن إليه حازم وكانت وفاة يوحنا بن ماسويه بسر من رأى يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين في خلافة المتوكل ومن كلام يوحنا بن ماسويه أنه سئل عن الخير الذي لا شر معه فقال شرب القليل من الشراب الصافي ثم سئل عن الشر الذي لا خير معه فقال نكاح العجوز‏.‏

وقال أكل التفاح يرد النفس وقال عليك من الطعام بما حدث ومن الشراب بما عتق وليوحنا بن ماسويه من الكتب كتاب البرهان ثلاثون باباً كتاب البصيرة كتاب الكمال والتمام كتاب الحميات مشجر كتاب في الأغذية كتاب في الأشربة كتاب المنجح في الصفات والعلاجات كتاب في الفصد والحجامة كتاب في الجذام لم يسبقه أحد إلى مثله كتاب الجواهر كتاب الرجحان كتاب في تركيب الأدوية المسهلة وإصلاحها وخاصة كل دواء منها ومنفعته كتاب دفع مضار الأغذية كتاب في غير ما شيء مما عجز عنه غيره كتاب السر الكامل كتاب في دخول الحمام ومنافعها ومضرتها كتاب السموم وعلاجها كتاب الديباج كتاب الأزمنة كتاب الطبيخ كتاب في الصداع وعلله وأوجاعه وجميع أدويته والسدد والعلل المولدة لكل نوع منه وجميع علاجه ألفه لعبد اللّه بن طاهر كتاب الصدر والدوار كتاب لم امتنع الأطباء من علاج الحوامل في بعض شهور حملهن كتاب محنة الطبيب كتاب معرفة محنة الكحالين كتاب دخل العين كتاب مجسة العروق كتاب الصوت والبحة كتاب ماء الشعير كتاب المرة السوداء كتاب علاج النساء اللواتي لا يحبلن حتى يحبلن كتاب الجنين كتاب تدبير الأصحاء كتاب في السواك والسنونات كتاب المعدة كتاب القولنج كتاب النوادر الطبية كتاب التشريح كتاب في ترتيب سقي الأدوية المسهلة بحسب الأزمنة وبحسب الأمزجة وكيف ينبغي أن يسقى ولمن ومتى وكيف يعان الدواء إذا احتبس وكيف يمنع الإسهال إذا أفرط كتاب تركيب خلق الإنسان وأجزائه وعدد أعضائه ومفاصله وعظامه وعروقه ومعرفة أسباب الأوجاع ألفه للمأمون كتاب الأبدال فصول كتبها لحنين ابن إسحاق بعد أن سأله المذكور ذلك كتاب الماليخوليا وأسبابها وعلاماتها وعلاجها كتاب جامع الطب مما اجتمع عليه أطباء فارس والروم كتاب الحيلة للبرء‏.‏

ميخائيل بن ماسويه

متطبب المأمون وميخائيل هذا هو أخو يوحنا بن ماسويه قال يوسف بن إبراهيم مولى إبراهيم بن المهدي كان هذا المتطبب لا يمتع بالحديث ولا يحتج في شيء يقوله بحجة ولا يوافق أحداً من المتطببين على شيء أحدث من مائتي سنة فلم يكن يستعمل السكنجبين والورد المربى إلا بالعسل ولا يستعمل الجلاب المتخذ بماء الورد ولا يتخذه إلا من الورد المسلوق بالماء الحار ولا يتخذه بالسكر ولا يستعمل شيئاً لم يستعمله الأوائل ولقد سألته يوماً عن رأيه في الموز فقال لم أر له ذكراً في كتب الأوائل وما كانت هذه حاله لم أقدم على أكله ولا على طعامه للناس وكان المأمون به معجباً وله على جبرائيل بن بختيشوع مقدماً حتى كان يدعوه بالكنية أكثر مما يدعوه بالاسم وكان لا يشرب الأدوية إلا مما تولى تركيبه وإصلاحه له وكنت أرى جميع المتطببين بمدينة السلام يبجلونه تبجيلاً لم يكونوا يظهرونه لغيره قال يوسف وحضر في النصف من شوال سنة عشرين ومائتين دار إبراهيم بن المهدي مع جماعة من وجوه المتطببين وكانت شكلة عليلة فوجه المعتصم المتطببين إليها ليرجعوا إليه بخبرها وقد كانوا صاروا إليها قبل ذلك اليوم بيوم فنظروا إلى مائها وجسوا عرقها وعاودوا النظر في اليوم الثاني في أمرها فقالوا كلهم إنها أصبحت صالحة وأنهم لا يشكون في إفراقها فسبق إلى وهمي أنهم أو أكثرهم أحب أن يسر أبا إسحاق بما ذكروا من العافية فلما نهضوا اتبعتهم فسألت واحداً واحداً عما عنده من العلم بحالها فكلهم قال لي مثل مقالته لأبي إسحاق إلا سلمويه بن بنان فإنه قال لي هي اليوم أصعب حالاً منها أمس وقال لي ميخائيل قد ظهر أمس بالقرب من قلبها ورم لم نره في يومنا هذا افترى ذلك الورم ساخ في الأرض أو ارتفع إلى السماء انصرف فأعد لهذه المرأة جهازها فليست تبيت في الأحياء فتوفيت وقت صلاة العشاء الآخرة بعد أن ألقى إلي ميخائيل ما ألقى ساعات عشراً أو نحوها قال يوسف وحدثني ميخائيل بن ماسويه أنه لما قدم المأمون بغداد نادم طاهر بن الحسين فقال له يوماً وبين أيديهم نبيذ قطربلي يا أبا الطيب هل رأيت مثل هذا الشراب قال نعم قال مثله في اللون والطعم والرائحة قال نعم قال أين قال ببوشنج قال فاحمل إلينا منه فكتب طاهر إلى وكيله فحمل منه ورفع الخبر من النهروان إلى المأمون أن لطفاً وافى طاهراً من بوشنج فعلم الخبر وتوقع حمل طاهر له فلم يفعل فقال له المأمون بعد أيام يا أبا الطيب لم يواف النبيذ فيما وافى فقال أعيذ أمير المؤمنين باللَّه من أن يقيمني مقام خزي وفضيحة قال ولم قال ذكرت لأمير المؤمنين شراباً شربته وأنا صعلوك وفي قرية كنت أتمنى أن أملكها فلما ملكني اللّه يا أمير المؤمنين أكثر مما كنت أتمنى وحضر ذلك الشراب وجدته فضيحة من الفضائح قال فاحمل إلينا منه على كل حال فحمل منه فأمر أن يصير في الخزانة ويكتب عليه الطاهري ليمازحه به من إفراط رداءته فأقام سنتين واحتاج المأمون إلى أن يتقيأ فقالوا يتقيأ بنبيذ رديء فقال بعضهم لا يوجد في العراق أردأ من الطاهري وأخرج فوجد مثل

عيسى بن ماسة

من الأطباء الفضلاء في وقته وكان أحد المتميزين من أرباب هذه الصناعة له طريقة حسنة في علاج المرضى ولعيسى بن ماسة من الكتب كتاب قوى الأغذية كتاب من لا يحضره طبيب مسائل في النسل والذرية كتاب الرؤيا يخبر فيه بالسبب الذي امتنع به من معالجة الحوامل وغير ذلك كتاب في طلوع الكواكب التي ذكرها بقراط كتاب في الفصد والحجامة رسالة في استعمال الحمام‏.‏

حنين بن إسحاق هو أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي بفتح العين وتخفيف الباء والعباد بالفتح قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة والنسبة إليهم عبادي قال الشاعر يسقيكها من بني العباد رشا ** منتسب عيده إلى الأحد

وكان حنين بن إسحاق فصيحاً لسناً بارعاً شاعراً وأقام مدة في البصرة وكان شيخه في العربية الخليل بن أحمد ثم بعد ذلك انتقل إلى بغداد واشتغل بصناعة الطب قال يوسف بن إبراهيم أول ما حصل لحنين بن إسحاق من الاجتهاد والعناية في صناعة الطب هو أن مجلس يوحنا بن ماسويه كان من أعم مجلس يكون في التصدي لتعليم صناعة الطب وكان يجتمع فيه أصناف أهل الأدب قال يوسف وذلك أني كنت أعهد حنين بن إسحاق الترجمان يقرأ على يوحنا بن ماسويه كتاب فرق الطب الموسوم باللسان الرومي والسرياني بهراسيس وكان حنين إذ ذاك صاحب سؤال وذلك يصعب على يوحنا وكان يباعده أيضاً من قبله أن حنينا كان من أبناء الصيارفة من أهل الحيرة وأهل جندي سابور خاصة ومتطببوها ينحرفون عن أهل الحيرة ويكرهون أن يدخل في صناعتهم أبناء التجار فسأله حنين في بعض الأيام عن بعض ما كان يقرأ عليه مسألة مستفهم لما يقرأ فحرد يوحنا وقال ما لأهل الحيرة ولتعلم صناعة الطب صر إلى فلان قرابتك حتى يهب لك خمسين درهماً تشتري منها قفافاً صغاراً بدرهم وزرنيخاً بثلاثة دراهم واشتر بالباقي قلوساً كوفية وقادسية وزرنخ القادسية في تلك القفاف واقعد على الطريق وصح القلوس الجياد للصدقة والنفقة وبع القلوس فإنه أعود عليك من هذه الصناعة ثم أمر به فأخرج من داره فخرج حنين باكياً مكروباً وغاب عنا حنين فلم نره سنتين وكان للرشيد جارية رومية يقال لها خرشى وكانت ذات قدر عنده محلها منه محل الخوازن وكانت لها أخت أو بنت أخت ربما أتت الرشيد بالكسوة أو بالشيء مما خرشى خازنة عليه فافتقدها الرشيد في بعض الأوقات وسأل خرشى عنها فأعلمته أنها زوجتها من قرابة لها فغضب من ذلك وقال كيف أقدمت على تزويج قرابة لك أصل ابتياعك إياها من مالي فهي مال من مالي بغير إذني وأمر سلاماً الأبرش بتعرف أمر من تزوجها وبتأديبه فتعرف سلام الخبر حتى وقع على الزوج فلم يكلمه حين ظفر به حتى خصاه فبلي بالخصاء بعد أن علقت الجارية منه وولدت الجارية عند مخرج الرشيد إلى طوس وكانت وفاة الرشيد بعد ذلك فتبنت خرشى ذلك الغلام وأدبته بآداب الروم وقراءة كتبهم فتعلم اللسان اليوناني علماً كانت له فيه رياسة وهو إسحاق المعروف بابن الخصي فكنا نجتمع في مجالس أهل الأدب كثيراً فوجب لذلك حقه وذمامه واعتل إسحاق بن الخصي علة فأتيته عائداً فإني لفي منزله إذ بصرت بإنسان له شعرة قد جللته وقد ستر وجهه عني ببعضها وهو يتردد وينشد شعراً بالرومية لأوميرس رئيس شعراء الروم فشبهت نغمته بنغمة حنين‏.‏

وكان العهد بحنين قبل ذلك الوقت بأكثر من سنتين فقلت لإسحاق بن الخصي هذا حنين فأنكر ذلك إنكاراً يشبه الإقرار فهتفت بحنين فاستجاب لي وقال ذكر ابن رسالة الفاعلة إنه من المحال أن يتعلم الطب عبادي وهو بريء من دين النصرانية إنه رضي أن يتعلم الطب حتى يحكم اللسان اليوناني إحكاماً لا يكون في دهره من يحكمه إحكامه وما اطلع علي أحد غير أخي هذا ولو علمت أنك تفهمني لاستترت عنك لكني عملت على أن حيلتي قد تغيرت في عينك وأنا أسألك أن تستر أمري فبقيت أكثر من ثلاث سنين وإني لأظنها أربعاً لم أره ثم إني دخلت يوماً على جبرائيل بن بختيشوع وقد انحدر من معسكر المأمون قبل وفاته بمدة يسيرة فوجدت عنده حنيناً وقد ترجم له أقساماً قسمها بعض الروم في كتاب من كتب جالينوس في التشريح وهو يخاطبه بالتبجيل ويقول له يا ربن حنين وتفسيره ابن المعلم فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبرائيل في فقال لي لا تستكثرن ما ترى من تبجيلي في هذا الفتى فواللّه لئن مد له في العمر ليفضحن سرجس وسرجس هذا الذي ذكره جبرائيل هو الرأس عيني وهو أول ما نقل شيئاً من علوم الروم إلى اللسان السرياني وليفضحن غيره من المترجمين وخرج من عنده حنين وأقمت طويلاً ثم خرجت فوجدت حنيناً ببابه ينتظر خروجي فسلم علي وقال لي قد كنت سألتك ستر خبري والآن فأنا أسألك إظهاره وإظهار ما سمعت من أبي عيسى وقوله في فقلت له أنا مسود وجه يوحنا بما سمعت من مدح أبي عيسى لك فأخرج من كمه نسخة ما كان دفعه إلى جبرائيل وقال لي تمام سواد وجه يوحنا يكون بدفعك إليه هذه النسخة وسترك عنه علم من نقلها فإذا رأيته قد اشتد عجبه بها أعلمه أنه إخراجي ففعلت ذلك من يومي وقبل انتهائي إلى منزلي فلما قرأ يوحنا تلك الفصول وهي التي تسميها اليونان الفاعلات كثر تعجبه وقال أترى المسيح أوحى في دهرنا هذا إلى أحد فقلت له في جواب قوله ما أوحى في هذا الدهر ولا في غيره إلى أحد ولا كان المسيح إلا أحد من يوحى إليه فقال لي دعني من هذا القول ليس هذا الإخراج إلا إخراج مؤيد بروح القدس فقلت له هذا إخراج حنين بن إسحاق الذي طردته من منزلك وأمرته أن يشتري قلوساً فحلف بأن ما قلت له محال ثم صدق القول بعد ذلك وأفضل عليه إفضالاً كثيراً وأحسن إليه ولم يزل مبجلاً له حتى فارقت العراق في سنة خمس وعشرين ومائتين هذا جملة ما ذكره يوسف بن إبراهيم‏.‏

أقول ثم إن حنيناً لازم يوحنا بن ماسويه منذ ذلك الوقت وتتلمذ له واشتغل عليه بصناعة الطب ونقل حنين لابن ماسويه كتباً كثيرة وخصوصاً من كتب جالينوس بعضها إلى اللغة السريانية وبعضها إلى العربية وكان حنين أعلم أهل زمانه باللغة اليونانية والسريانية والفارسية والدراية فيهم مما لا يعرفه غيره من النقلة الذين كانوا في زمانه مع ما دأب أيضاً في إتقان العربية والإشتغال بها حتى صار من جملة المتميزين فيها ولما رأى المأمون المنام الذي أخبر به أنه رأى في منامه كأن شيخاً بهي الشكل جالس على منبر وهو يخطب ويقول أنا أرسطوطاليس انتبه من منامه وسأل عن أرسطو طاليس فقيل له رجل حكيم من اليونانيين فأحضر حنين بن إسحاق إذ لم يجد من يضاهيه في نقله وسأله نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى اللغة العربية وبذل له من الأموال والعطايا شيئاً كثيراً ونقلت من خط الحسن بن العباس المعروف بالصناديقي رحمه اللّه قال قال أبو سليمان سمعت يحيى بن عدي يقول قال المأمون رأيت فيما يرى النائم كأن رجلاً على كرسي جالساً في المجلس الذي أجلس فيه فتعاظمته وتهيبته وسألت عنه فقيل هو أرسطوطاليس فقلت أسأله عن شيء فسألته فقلت ما الحسن فقال ما استحسنته العقول فقلت ثم ماذا قال ما استحسنته الشريعة قلت ثم ماذا قال ما استحسنه الجمهور قلت ثم ماذا قال ثم لا ثم فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب فإن المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهر عليه المأمون فكتب إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ببلد الروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلماً صاحب بيت الحكمة وغيرهم فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل وقد قيل أن يوحنا بن ماسويه ممن نفذ إلى بلد الروم وأحضر المأمون أيضاً حنين بن إسحاق وكان فتي السن وأمره بنقل ما يقدرعليه من كتب الحكماء اليونانيين إلى العربي وإصلاح ما ينقله غيره فامتثل أمره‏.‏

ومما يحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربي مثلاً بمثل وقال أبو سليمان المنطقي السجتاني إن بني شاكر وهم محمد وأحمد والحسن كانوا يرزقون جماعة من النقلة منهم حنين بن إسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرة وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة وقال حنين بن إسحاق إنه سافر إلى بلاد كثيرة ووصل إلى أقصى بلاد الروم لطلب الكتب التي قصد نقلها وقال محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست سمعت إسحاق بن شهرام يحدث في مجلس عام أن ببلد الروم هيكلاً قديم البناء عليه باب لم ير قط أعظم منه بمصراعين من حديد كان اليونانيون في القديم عند عبادتهم الكواكب والأصنام يعظمونه ويدعون فيه قال فسألت ملك الروم أن يفتحه لي فامتنع من ذلك لأنه أغلق منذ وقت تنصرت الروم فلم أزل أراسله وأسأله شفاهاً عن حضوري مجلسه فتقدم بفتحه فإذا ذلك البيت من المرمر والصخور العظام ألواناً وعليه من الكتابات والنقوش ما لم أسمع بمثله كثرة وحسناً وفي هذا الهيكل من الكتب القديمة ما يحمل على عدة أجمال وكثر ذلك حتى قال ألف جمل بعض ذلك قد أخلق وبعضه على حاله وبعضه قد أكلته الأرضة قال ورأيت فيه من آلات القرابين من الذهب وغيره أشياء ظريفة قال وأغلق الباب بعد خروجي وامتن علي بما فعل معي وذلك كان في أيام سيف الدولة بن حمدان وزعم أن البيت على ثلاثة أيام من القسطنطينية والمجاورون لذلك البيت قوم من الصابئة والكلدانيين وقد أقرتهم الروم على مذاهبهم وتأخذ منهم الجزية أقول وكان كاتب حنين رجل يعرف بالأزرق وقد رأيت أشياء كثيرة من كتب جالينوس وغيره بخطه وبعضها عليه تنكيت بخط حنين بن إسحاق باليوناني وعلى تلك الكتب علامة المأمون وقال عبيد اللّه بن جبرائيل بن بختيشوع في مناقب الأطباء إن حنيناً لما قوي أمره وانتشر ذكره بين الأطباء واتصل خبره بالخليفة أمر بإحضاره فلما حضر أقطع إقطاعات حسنة وقرر له جار جيد وكان يشعره بزبور الروم وكان الخليفة يسمع بعلمه ولا يأخذ بقوله دواء يصفه حتى يشاور فيه غيره وأحب امتحانه حتى يزول ما في نفسه عليه ظناً منه أن ملك الروم ربما كان عمل شيئاً من الحيلة به فاستدعاه يوماً وأمر بأن يخلع عليه وأحضر توقيعاً فيه إقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر له حنين هذا الفعل ثم قال بعد أشياء جرت أريد أن تصف لي دواء يقتل عدواً نريد قتله ولم يمكن إشهاره ونريده سراً فقال حنين يا أمير المؤمنين إني لم أتعلم إلا الأدوية النافعة وما علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت ذلك فقال هذا شيء يطول ورغبه وهدده وهو لا يزيد على ما قاله إلى أن أمر بحبسه في بعض القلاع ووكل به من يوصل خبره إليه وقتاً بوقت ويوماً بيوم فمكث سنة في حبسه دأبه النقل والتفسير والتصنيف وهو غير مكترث بما هو فيه فلما كان بعد سنة أمر الخليفة بإحضاره وإحضار أموال يرغبه فيها وأحضر سيفاً ونطعاً وسائر آلات العقوبات فلما حضر قال هذا شيء قد كان ولا بد ما قلته لك فإن أنت فعلت فقد فزت بهذا المال وكان لك عندي أضعافه وإن امتنعت قابلتك بشر مقابلة وقتلتك شر قتلة فقال حنين قد قلت لأمير المؤمنين إني لم أحسن إلا الشيء النافع ولم أتعلم غيره فقال الخليفة فإني أقتلك قال حنين لي رب يأخذ بحقي غداً في الموقف الأعظم فإن اختار أمير المؤمنين أن يظلم نفسه فليفعل فتبسم الخليفة وقال له يا حنين طب نفساً وثق إلينا فهذا الفعل كان منا لامتحانك لأنا حذرنا من كيد الملوك وإعجابنا لننتفع بعلمك فقبل حنين الأرض وشكر له فقال له الخليفة يا حنين ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق عزيمتنا في الحالين فقال حنين شيئان يا أمير المؤمنين قال وما هما قال الدين والصناعة قال فكيف قال الدين يأمرنا بفعل الخير والجميل مع أعدائنا فكيف أصحابنا وأصدقائنا ويبعد ويحرم من لم يكن كذا والصناعة تمنعنا من الإضرار بأبناء الجنس لأنها موضوعة لنفعهم ومقصورة على مصالحهم ومع هذا فقد جعل اللّه في رقاب الأطباء عهداً مؤكداً بأيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالاً ولا ما يؤذي فلم أر أن أخالف هذين الأمرين من الشريعتين ووطنت نفسي على القتل فإن اللّه ما كان يضيع من بذل نفسه في طاعته وكان يثيبني فقال الخليفة إنهما لشريعتان جليلتان وأمر بالخلع فخلعت عليه وحمل المال بين يديه وخرج من عنده وهو أحسن الناس حالاً وجاهاً أقول وكان لحنين ولدان داؤد وإسحاق وصنف لهما كتباً طبية في المبادئ والتعليم ونقل لهما كتباً كثيرة من كتب جالينوس فأما داؤد فإني لم أجد له شهرة بنفسه بين الأطباء ولا يوجد له من الكتب ما يدل على براعته وعلمه وإن كان الذي يوجد له إنما هو كناش واحد وأما إسحاق فإنه اشتهر وتميز في صناعة الطب وله تصانيف كثيرة ونقل إسحاق من الكتب اليونانية إلى اللغة العربية كتباً كثيرة إلا أن جل عنايته كانت مصروفة إلى نقل الكتب الحكمية مثل كتب أرسطوطاليس وغيره من الحكماء‏.‏

وأما حنين أبوه فكان مهتماً بنقل الكتب الطبية وخصوصاً كتب جالينوس حتى أنه في غالب الأمر لا يوجد شيء من كتب جالينوس إلا وهي بنقل حنين أو بإصلاحه لما نقل غيره فإن رؤي شيء منها وقد تفرد بنقله غيره من النقلة مثل اسطاث وابن بكس والبطريق وأبي سعيد عثمان الدمشقي وغيرهم فإنه لا يعنى به ولا يرغب فيه كما يكون بنقل حنين وإصلاحه وإنما ذلك لفصاحته وبلاغته ولمعرفته أيضاً بآراء جالينوس ولتمهره فيها ووجدت بعض الكتب الست عشرة لجالينوس وقد نقلها من الرومية إلى السريانية سرجس المتطبب ونقلها من السريانية إلى العربية موسى بن خالد الترجمان فلما طالعتها وتأملت ألفاظها تبين لي بين نقلها وبين الست عشرة التي هي نقل حنين تباين كثير وتفاوت بين وأين الألكن من البليغ والثرى من الثريا وكان حنين أيضاً ماهراً في صناعة الكحل وله تصانيف مشهورة بالجودة فيها وحدثني الشيخ شهاب الدين عبد الحق الصقلي النحوي إن حنين بن إسحاق كان يشتغل في العربية مع سيبويه وغيره ممن كانوا يشتغلون على الخليل بن أحمد وهذا لا يبعد فإنهما كانا في وقت واحد على زمان المأمون وإننا نجد في كلامه وفي نقله ما يدل على فصاحته وفضله في العربية وعلمه بها حتى أن له تصانيف في ذلك وقال سليمان بن حسان إن حنيناً نهض من بغداد إلى أرض فارس وكان الخليل بن أحمد النحوي بأرض فارس فلزمه حنين حتى برع في لسان العرب وأدخل كتاب العين بغداد ثم اختير للترجمة واؤتمن عليها وكان المتخير له المتوكل على اللّه ووضع له كتَّاباً نحارير عالمين بالترجمة وكانوا يترجمون ويتصفح ما ترجموا كاصطفن بن بسيل وموسى بن خالد الترجمان قال وخدم حنين بالطب المتوكل على اللّه وحظيفي أيامه وكان يلبس زناراً وتعلم لسان اليونانيين بالاسكندرية وكان جليلاً في ترجمته وهو الذي أوضح معاني كتب أبقراط وجالينوس ولخصها أحسن تلخيص وكشف ما استغلق منها وأوضح مشكلها وله تواليف نافعة مثقفة بارعة وعمد إلى كتب جالينوس فاحتذى فيها حذو الاسكندرانيين وصنعها على سبيل المسألة والجواب فأحسن في ذلك وقال حنين بن إسحاق عن نفسه إن جميع ما قد كان يملكه من الكتب ذهب حتى لم يبق عنده منها ولا كتاب واحد ذكر ذلك في مقالته في فهرست كتب جالينوس وقال أبو علي القباني كان حنين في كل يوم عند نزوله من الركوب يدخل الحمام فيصب عليه الماء ويخرج فيلتف بقطيفة وقد أعد له هناب من فضة فيه رطل شراب وكعكة مثرودة فيأكلها ويشرب الشراب ويطرح نفسه حتى يستوفي عرقه وربما نام ثم يقوم ويتبخر ويقدم له طعامه وهو فروج كبير مسمن وقد طبخ زيرباجه ورغيف فيه مائتا درهم فيحسو من المرق ثم يأكل الفروج والخبز وينام فإذا انتبه شرب أربعة أرطال شراباً عتيقاً ولم يذق غير هذا طول عمره فإذا اشتهى الفاكهة الرطبة أكل التفاح الشامي والرمان والسفرجل وقال أحمد بن الطيب السرخسي في كتاب اللهو والملاهي قال حنين المتطبب وافاني في بعض الليالي أيام المتوكل رسل من دارالخليفة يطلبوني ويقولون الخليفة يريدك ثم وافت بعدهم طائفة ثم وافاني زرافة فأخرجني من فراشي ومضى بي ركضاً حتى أدخلني إلى الخليفة فقال يا سيدي هوذا حنين قال فقال ادفعوا إلى زرافة ما ضمنا له قال فدفع إليه ثلاثون ألف درهم ثم أقبل علي فقال أنا جائع فما ترى في العشاء فقلت له في ذلك قولاً فلما فرغ من أكله سألت عن الخبر فقيل لي أن مغنياً غناه صوتاً فسأله لمن هو فقال لحنين بن بلوع العبادي فأمر زرافة بإحضار حنين بن بلوع العبادي فقال له يا أمير المؤمنين لا أعرفه فقال لا بد منه وإن أحضرته فلك ثلاثون ألف درهم قال فأحضرني ونسي المتوكل السبب بما كان في رأسه من النبيذ وحضرت وقد جاع فأشرت عليه بأن يقطع النبيذ ويتعشى وينام ففعل أقول كان مولد حنين في سنة مائة وأربع وتسعين للهجرة وتوفي في زمان المعتمد على اللّه وذلك في يوم الثلاثاء أول كانون الأول من سنة ألف ومائة وثمان وثمانين للأسكندر وهو لست خلون من صفر سنة مائتين وأربع وستين للهجرة وكانت مدة حياته سبعين سنة وقيل إنه مات بالذرب‏.‏

وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن حنين بن إسحاق مات بالغم من ليلته في أيام المتوكل قال حدثني بذلك وزير أمير المؤمنين الحكم المستنصر باللّه قال قال كنت مع أمير المؤمنين المستنصر فجرى الحديث فقال أتعلمون كيف كان موت حنين بن إسحاق قلنا لا يا أمير المؤمنين قال خرج المتوكل على اللّه يوماً وبه خمار فقعد في مقعده فأخذته الشمس وكان بين يديه الطيفوري النصراني الطبيب وحنين بن إسحاق فقال له الطيفوري يا أمير المؤمنين الشمس تضر بالخمار فقال المتوكل لحنين ما عندك فيما قال فقال حنين يا أمير المؤمنين لا تضر بالخمار فلما تناقضا بين يديه طلب كشفهما عن صحة أحد القولين فقال حنين يا أمير المؤمنين الخمار حال للمخمور والشمس لا تضر بالخمار إنما تضر المخمور فقال المتوكل لقد أحرز من طبائع الالفاظ وتحديد المعاني ما فاق به نظراءه فوجم لها الطيفوري فلما كان في غد ذلك اليوم أخرج حنين من كمه كتاباً فيه صورة المسيح مصلوباً وصور ناس حوله فقال له الطيفوري يا حنين هؤلاء صلبوا المسيح قال نعم فقال له ابصق عليهم قال حنين لا أفعل قال الطيفوري ولم قال لأنهم ليسوا الذين صلبوا المسيح إنما هي صور فاشتد ذلك على الطيفوري ورفعه إلى المتوكل يسأله إباحة الحكم عليه بديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والأساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا اللعنة على حنين فلعن سبعين لعنة بحضرة الملأ من النصارى وقطع زناره وأمر المتوكل أن لا يصل إليه دواء من قبل حنين حتى يستشرف على عمله الطيفوري وانصرف حنين إلى داره فمات من ليلته فيقال مات غماً وأسفاً أقول هذه حكاية ابن جلجل وكذلك أيضاً وجدت أحمد بن يوسف بن إبراهيم قد ذكر في رسالته في المكافأة ما يناسب هذه الحكاية عن حنين والأصح في ذلك أن بختيشوع بن جبرائيل كان يعادي حنين بن إسحاق ويحسده على علمه وفضله وما هو عليه من جودة النقل وعلو المنزلة فاحتال عليه بخديعة عند المتوكل وتم مكره عليه حتى أوقع المتوكل به وحبسه ثم إن اللّه تعالى فرج عنه وظهر ما كان احتال به عليه بختيشوع بن جبرائيل وصار حنين حظياً عند المتوكل وفضله على بختيشوع وعلى غيره من سائر المتطببين ولم يزل على ذلك في أيام المتوكل إلى أن مرض حنين فيما بعد المرض الذي توفي فيه وذلك في سنة أربع وستين ومائتين وتبين لي جملة ما يحكى عن حنين من ذلك وصح عندي من رسالة وجدت حنين بن إسحاق قد ألفها فيما أصابه من المحن والشدائد من الذين ناصبوه العداوة من أشرار أطباء زمانه المشهورين وهذا نص قوله قال حنين بن إسحاق إنه لحقني من أعدائي ومضطهدي الكافرين بنعمتي الجاحدين لحقي الظالمين لي المتعدين علي من المحن والمصائب والشرور ما منعني من النوم وأسهر عيني وأشغلني عن مهماتي وكل ذلك من الحسد لي على علمي وما وهبه اللّه عزّ وجلّ لي من علو المرتبة على أهل زماني وأكثر أولئك أهلي وأقربائي فإنهم أول شروري وابتداء محني ثم من بعدهم الذين علمتهم وأقرأتهم وأحسنت إليهم وأرقدتهم وفضلتهم على جماعة أهل البلد من أهل الصناعة وقربت إليهم علوم الفاضل جالينوس فكافؤوني عوض المحاسن مساوئ بحسب ما أوجبته طباعهم وبلغوا بي إلى أقبح ما يكون من إذاعة أوحش الأخبار وكتمان جليل الأسرار حتى ساءت بي الظنون وامتدت إلي العيون ووضع علي الرصد حتى أنه كان يحصى علي ألفاظي ويكثر اتهامي بما دق منها مما ليس غرض فيه ما أومأوا إليه فأوقعوا بغضتي في نفوس سائر أهل الملل فضلاً عن أهل مذهبي وعملت لي المجالس بالتأويلات الرذلة‏.‏

ولما اتصل ذلك بي حمدت اللّه حمداً جديداً وصبرت على ما قد دفعت إليه فآلت القضية بي إلى أن بقيت بأسوأ ما يكون من الحال من الإضاقة والضر محبوساً مضيقاً علي مدة من الزمان لا تصل يدي إلى شيء من ذهب ولا فضة ولا كتاب وبالجملة ولا ورقة أنظر فيها ثم إن اللّه عزّ وجلّ نظر إليّ بعين رحمته فجدد لي نعمه وردني إلى ما كنت عارفاً به من فضله وكان سبب رد نعمتي إلي بعض من كان قد التزم عداوتي واختص بها ومن ها هنا صح ما قاله جالينوس إن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار فلعمري لقد كان ذلك أفضل الأعداء وأنا الآن مبتدئ بذكر ما جرى علي مما تقدم ذكره فأقول كيف لا أبغض ويكثر حاسدي ويكثر ثلبي في مجالس ذوي المراتب ويبذل في قتلي الأموال ويعز من شتمني ويهان من أكرمني كل ذلك بغير جرم لي إلى واحد منهم ولا جناية لكنهم لما رأوني فوقهم وعالياً عليهم بالعلم والعمل ونقلي إليهم العلوم الفاخرة من اللغات التي لا يحسنونها ولا يهتدون إليها ولا يعرفون شيئاً منها في نهاية ما يكون من حسن العبارة والفصاحة ولا نقص فيها ولا زلل ولا ميل لأحد من الملل ولا استغلاق ولا لحن باعتبار أصحاب البلاغة من العرب الذين يقومون بمعرفة وجوه النحو والغريب ولا يعثرون على سيئة ولا شكلة ولا معنى لكن بأعذب ما يكون عن اللفظ وأقربه إلى الفهم يسمعه من ليس صناعته الطب ولا يعرف شيئاً من طرقات الفلسفة ولا من ينتحل ديانة النصرانية وكل الملل فيستحسنه ويعرف قدره حتى إنهم قد يغرمون علي ما كان من الذي أنقل الأموال الكثيرة إذا كانوا يفضلون هذ النقل على نقل كل من قبلي وأيضاً فأقول ولا أخطئ أن سائر أهل الأدب وإن اختلفت مللهم محبون لي مائلون إلي مكرمون لي يأخذون ما أفيدهم بشكر ويجازوني بكل ما يصلون إليه من الجميل فأما هؤلاء الأطباء النصارى الذين أكثرهم تعلموا بين يدي نشأوا قدامي هم الذين يرومون سفك دمي على أنهم لا بد لهم مني فمرة يقولون من هو حنين إنما حنين ناقل لهذه الكتب ليأخذ على نقله الأجرة كما يأخذ الصناع الأجرة على صناعتهم ولا فرق عندنا بينه وبينهم لأن الفارس قد يعمل له الحداد بالسيف في المثل بدينار ويأخذ هو من أجله في كل شهر مائة دينار فهو خادم لأدائنا وليس هو عامل بها كما أن الحداد وإن كان يحسن صنعة السيف إلا أنه ليس يحسن يعمل به فما للحداد وطلب الفروسية كذلك هذا الناقل ماله والكلام في صناعة الطب ولم يحكم في عللها وأمراضها وإنما قصده في ذلك التشبيه بنا ليقال حنين الطبيب ولا يقال حنين الناقل والأجود له لو أنه لزم صناعته وأمسك عن ذكر صناعتنا لقد كان يكون أجدى عليه فيما كنا سنوصله إليه من أموالنا ونحسن إليه ما أمكننا وذلك يتم له بترك أخذ المجلس والنظر في قوارير الماء ووصف الأدوية ويقولون إن حنيناً ما يدخل إلى موضع من الدور الخاصة والعامة إلا يهزؤون به ويتضاحكون منه عند خروجه فكنت كلما سمعت شيئاً من هذا ضاق به صدري وهممت أن أقتل نفسي من الغيظ والزرد وما كان لي إليهم سبيل إذ كان الواحد لا يستوي له مقاومة الجامعة عند تظافرهم عليه لكني كنت أضمر وأعلم أن حسدهم هو الذي يدعوهم إلى سائر الأشياء وإن كان لا يخفى عليهم قبحها فإن الحسد لم يزل بين الناس على قديم الأيام حتى من يعتقد الديانة قد يعلم أن أول حاسد كان في الأرض قابيل في قتله لأخيه هابيل لما لم يقبل اللّه قربانه وقبل قربان هابيل وما لم يزل قديماً فليس بعجب أن أكون أنا أيضاً أحد من يؤذى بسببه وقد يقال كفى بالحاسد حسده ويقال إن الحاسد يقتل نفسه قبل عدوه ولقد أكثرت العرب ذكر الحسد في الشعر ونظموا فيه الأبيات منها قول بعضهم إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظاً بما يجد أنا الذي يجدوني في صدورهم لا أرتقي صعداً منها ولا أرد وقد قال قائل هذا وغيره في مثل هذا مما يطول ذكره مع قلة الفائدة فيه وهذا أيضاً مع أن أكثرهم إذا دهمهم الأمر في مرض صعب فإليّ يصير حتى يتحقق معرفته مني ويأخذ عني له صفة دوائه وتدبيره ويتبين الصلاح فيما أُمر به أن يعمل لا مرة ولا مراراً وهذا الذي يجيئني ويقتدي برأيي هو أشد الناس علي غيظاَ وأكثرهم لي ثلباً وليس أزيدهم على أن أحكم رب الكل بيني وبينهم وإنما سكوتي عنهم لأنهم ليس هم واحداً ولا اثنين ولا ثلاثة بل هم ستة وخمسون رجلاً جملتهم من أهل المذهب محتاجون إلي وأنا غير محتاج إليهم وأيضاً فإن إثرتهم مع كثرتهم قوية بخدمة الخلفاء وهم أصحاب المملكة وأنا فأضعف عنهم من وجهين أحدهما وحدتي والثانية إن الذين يعنون بي من الناس محتاجون إلى الأصل الذي يعنى بأعدائي الذي هو أمير المؤمنين ومع هذا كله لا أشكو إلى أحد ما أنا عليه وإن كان عظيماً بل أبوح بشكرهم في المحافل وعند الرؤساء فإن قيل لي إنهم يثلبونك وينتقصون بك في مجالسهم أدفع ذلك وأرى أني غير مصدق شيء مما يقال لي بل أقول إنا نحن شيء واحد تجمعنا الديانة والبلدة والصناعة فما أصدق أن مثلهم يذكر أحداً من الناس فضلاًعني بسوء فإذا سمعوا عني مثل هذا القول قالوا قد جزع وأعطى من نفسه الصمة وكلما ثلبوني زدت في الشكر لهم وأنا الآن ذاكر ها هنا آخر الآبار التي حفروها لي سوى ما كان لي معهم قديماً خاصة مع بني موسى والجالينوسيين والبقراطيين في أمر البهت الأول وهذه قصة المحنة الأخيرة القريبة وهي أن بختيشوع بن جبرائيل المتطبب عمل على حيلة تمت له علي وأمكنته مني إرادته في وذلك أنه استعمل قونة عليها صورة السيدة مار مريم وفي حجرها سيدنا المسيح والملائكة قد احتاطوا بهما وعملها في غاية ما يكون من الحسن وصحة الصورة بعد أن غرم عليها من المال شيئاً كثيراً ثم حملها إلى أمير المؤمنين المتوكل وكان هو المستقبل لها من يد الخادم الحامل لها وهو الذي وضعها بين يدي المتوكل فاستحسنها المتوكل جداً وجعل بختيشوع يقبلها بين يديه مراراً كثيرة فقال له المتوكل لم تقبلها فقال له يا مولانا إذا لم أقبل صورة سيدة العالمين فمن أقبل فقال له المتوكل وكل النصارى هكذا يفعلون فقال نعم يا أمير المؤمنين وأفضل مني لأني أنا قصرت حيث أنا بين يديك ومع تفضيلنا معشر النصارى فإني أعرف رجلاً في خدمتك وإفضالك وأرزاقك جارية عليه من النصارى يتهاون بها ويبصق عليها وهو زنديق ملحد لا يقر بالوحدانية ولا يعرف آخرة يستتر بالنصرانية وهو معطل مكذب بالرسل فقال له المتوكل من هذا الذي هذه صفته فقال له حنين المترجم فقال المتوكل أوجه أحضره فإن كان الأمر على ما وصفت نكلت به وخلدته المطبق مع ما أتقدم به في أمره من التضييق عليه وتجديد العذاب فقال أنا أحب أن يؤخر مولاي أمير المؤمنين إلى أن أخرج وأقيم ساعة ثم تأمر بإحضاره فقال إني أفعل ذلك فخرج بختيشوع من الدار وجاءني فقال يا أبا زيد أعزك اللّه ينبغي أن تعلم أنه قد أهدي إلى أمير المؤمنين قونة قد عظم عجبه بها وأحسبها من صور الشام وقد استحسنها جداً وإن نحن تركناها عنده ومدحناها بين يديه تولع بنا بها في كل وقت وقال هذا ربكم وأمه مصورين وقد قال لي أمير المؤمنين انظر إلى هذه الصورة ما أحسنها وايش تقول فيها فقلت له صورة مثلها يكون في الحمامات وفي البيع وفي المواضع المصورة وهذا مما لا نبالي به ولا نلتفت إليه فقال وليس هي عندك شيء قلت لا قال فإن تكن صادقاً فابصق عليها فبصقت وخرجت من عنده وهو يضحك ويعطعط بي وإنما فعلت ذلك ليرمي بها ولا يكثر الولع بنا بسببها ويميزنا دائماً ولا سيما إن حرد أحد من ذلك فإن الولع يكون أزيد والصواب إن دعا بك وسألك عن مثل ما سألني أن تفعل كما فعلت أنا فإني قد عملت على لقاء سائر من يدخل إليه من أصحابنا وأتقدم إليهم أن يفعلوا مثل ذلك فقبلت ما وصاني به وجازت علي سخريته وانصرف فما كان إلا ساعة حتى جاءني رسول أمير المؤمنين فأخذني إليه فلما دخلت عليه إذ القونة موضوعة بين يديه فقال لي يا حنين ترى ما أحسن هذه الصورة وأعجبها فقلت واللّه إنه لكما ذكر أمير المؤمنين فقال فأيش تقول فيها فقال أو ليس هي صورة ربكم وأمه فقلت معاذ اللّه يا أمير المؤمنين إن للّه تعالى صورة أو يصور ولكن هذا مثال في سائر المواضع التي فيها الصور فقال فهذه لا تنفع ولا تضر فقلت هو كذلك يا أمير المؤمنين فقال فإن كان الأمرعلى ما ذكرت فابصق عليها فبصقت عليها فللوقت أمر بحبسي ووجه إلى ثوذسيس الجاثليق فأحضره فلما دخل عليه ورأى القونة موضوعة بين يديه وقع عليها قبل أن يدعو له فاعتنقها ولم يزل يقبلها ويبكي طويلاً فذهب الخدم ليمنعوه فأمر بتركه فلما قبلها طويلاً على تيك الحالة أخذها بيده وقام قائماً فدعا لأمير المؤمنين وأطنب في دعائه فرد عليه وأمره بالجلوس فجلس وترك القونة في حجره‏.‏

فقال له المتوكل أي فعل هذا تأخذ شيئاً كان بين يدي وتتركه في حجرك عن غير إذني فقال له الجاثليق نعم يا أمير المؤمنين أنا أحق بهذه التي بين يديك وإن كان لأميرالمؤمنين أطال اللّه بقاءه أفضل الحقوق غير أن ديانتي لم تدعني أن أدع صورة ساداتي مرمية على الأرض وفي موضع لا يعرف مقدارها بل لعله أن يعرف لها قدره لأن هذه حقها أن تكون في موضع يعرف فيه حقها ويسرج بين يديها أفضل الأدهان من حيث لا تطفأ قناديلها مع ما يبخر به بين يديها من أطاييب البخور في أكثر الأوقات فقال أميرالمؤمنين فدعها في حجرك الآن فقال الجاثليق إني أسأل مولاي أمير المؤمنين أن يجود بها علي ويعمل على أنه قد يقطعني ما مقدار قيمته مائة ألف دينار في كل سنة حتى أقضي من حقها ما يجب علي ثم يسألني أمير المؤمنين ما أحب بعد ذلك فيما أرسل إلي بسببه فقال له قد وهبتها لك وأنا أريد أن تعرفني ما جزاء من بصق عليها عندك فقال له الجاثليق إن كان مسلماً فلا شيء عليه لأنه لا يعرف مقدارها لكن يعرّف ذلك ويلام ويوبخ على مقدار ما فعل حتى لا يعود إلى مثل ذلك مرة أخرى وإن كان نصرانياً وكان جاهلاً لا يفهم ولا معرفة عنده فيلام ويزجر بين الناس ويتهدد بالجروم العظيمة ويعذل حتى يتوب وبالجملة إن هذا فعل لا يقوم عليه إلا جاهل لا يعرف مقدار الديانة فإن كان عاقلاً وقد بصق عليها فقد بصق على مريم أم سيدنا وعلى سيدنا المسيح فقال له أمير المؤمنين فما الذي يجب على من فعل ذلك عندك فقال ما عندي يا أمير المؤمنين إذ كنت لا سلطان لي أن أعاقبه بسوط أو بعصا ولا لي حبس ضنك بل أحرمه وأمنعه من الدخول إلى البيع ومن القربان وأمنع النصارى من ملابسته وكلامه وأضيق عليه ولا يزال مرفوضاً عندنا إلى أن يتوب ويقلع عما كان عليه وينتقل ويتصدق ببعض ماله على الفقراء والمساكين مع لزوم الصوم والصلاة فحينئذ نرجع إلى ما قال كتابنا وهو إن لم تعفوا للخاطئين لم يغفر لكم خطاياكم فنحل حرم الجاني ونرجع إلى ما كنا عليه ثم إن أمير المؤمنين أمر الجاثليق بأن يأخذ القونة وقال له افعل بها ما تريد وأمر له معها ببدرة دراهم وقال له أنفق ما تأخذه على قونتك فلما خرج الجاثليق لبث قليلاً يتعجب منه ومن محبته لمعبوده وتعظيمه إياه ثم قال إن هذا الأمر عجيب‏.‏

ثم أمر بإحضاري فأحضرت إليه وأحضر السوط والحبال وأمر بي فشددت مجرداً بين يديه وضربت مائة سوط وأمر باعتقالي والتضييق علي ووجه فحمل جميع ما كان لي من رحل وأثاث وكتب وما شاكل ذلك وأمر بنقض منازلي إلى الماء وأقمت في داخل داره معتقلاً ستة أشهر في أسوأ ما يكون من الحال حتى صرت رحمة لمن رآني وكان أيضاً في كل يسير من الأيام يوجه يضربني ويجدد لي العذاب فلم أزل على ما شرحته إلى أن اعتل أمير المؤمنين وذلك في اليوم الخامس من الشهر الرابع من يوم حبسي وكانت علته صعبة جداً فأقعد ولم تمكنه الحركة وأيس منه وأيس هو أيضاً من نفسه ومع ذلك فإن أعدائي الأطباء عنده ليلاً ونهاراً ولا يزايلونه ساعة واحدة وهم يعالجونه ويداوونه ويسألونه في كل وقت في أمري ويقولون له لو أراحنا مولانا أمير المؤمنين من ذلك الزنديق الملحد لأراح منه الدنيا وانكشف عن الدين منه محنة عظيمة فلما طالت مسألتهم له في أمري وكثر ذكرهم لي بين يديه بكل سوء قال لهم فما الذي يسركم أن أفعل به قالوا تريح العالم منه وكان مع ذلك كل من سأل في أمري وتشفع في من أصدقائي يقول بختيشوع يا أمير المؤمنين هذا بعض تلاميذه وهو يعتقد اعتقاده فيقل المعين لي ويكثر المحرك علي وأيست من الحياة فقال لهم أمير المؤمنين وقد لجوا عليه في السؤال فإني أقتله في غد يومنا هذا وأريحكم منه فسر بذلك الجماعة وانصرفوا على ما يحبون فجاءني بعض الخدم وقال لي إنه جرى في أمرك العيش كذا وكذا فسألت اللّه عزّ وجلّ التفضل بما لم تزل أياديه إلي بأمثاله مع ما أنا فيه من كثرة الاهتمام وشغل القلب مما أخاف نزوله بي في غد بغير جرم أستوجبه ولا جناية جنيتها بل بحيلة من احتال علي وطاعتي من اغتالني وقلت اللهم إنك عالم براءتي فأنت أولى بنصرتي وطال بي الفكر إلى أن حملني النوم فإذا بهاتف يحركني ويقول لي قم فاحمد اللّه وأثن عليه فقد خلصك من أيدي أعدائك وجعل عافية أمير المؤمنين على يديك فطب نفساً فانتبهت مرعوباً ثم قلت كلما كثر ذكره في اليقظة لم تنكر رؤيته عند النوم فلم أزل أحمد اللّه وأثني عليه إلى أن جاء وجه الصبح فجاءني الخادم ففتح علي الباب ولم يكن وقته الذي يجيئني فيه فقلت هذا وقت منكر جاءني ما وعدت به البارحة‏.‏

وقد جاء وقت رضاء أعدائي وشماتتهم بي واستعنت باللّّه فما جلس الخادم إلا هنيهة إذ جاء غلامه ومعه مزين ثم قال تقدم يا مبارك ليؤخذ من شعرك فتقدمت فأخذ من شعري ثم مضى بي إلى الحمام فأمر بغسلي وتنظيفي والقيام علي بالطيب كما أمره مولاي أمير المؤمنين ثم خرجت من الحمام فطرح علي ثياباً فاخرة وردني إلى مقصورته إلى أن حضر سائر الأطباء عند أمير المؤمنين وأخذ كل واحد منهم موضعه فدعاني أمير المؤمنين وقال هاتوا حنيناً فلم تشك الجماعة أنه إنما دعاني لقتلي فأدخلت إليه فنظر إلي ولم يزل يدنيني إلى أن أجلسني بين يديه وقال لي قد غفرت لك ذنبك وأجبت السائل فيك فاحمد اللّه على حياتك وأشر علي بما ترى فقد طالت علتي فأخذت مجسته وأشرت بأخذ خيار شنبر منقى من قصبه وترنجبين لأنه شكا اعتقالاً مع ما كان يوجبه الصورة من استعمال هذا الدواء فقال الأطباء الأعداء نعوذ باللّه يا أمير المؤمنين من استعمال هذا الدواء إذ كان له غائلة ردية فقال لهم أمسكوا فقد أمرت أن آخذ ما يصفه لي ثم إنه أمر بإصلاحه فأصلح وأخذه لوقته ثم قال لي يا حنين اجعلني من كل ما فعلته بك من حل فشفيعك إلي قوي فقلت له مولاي أمير المؤمنين في حل من دمي فكيف وقد مَنَّ علي بالحياة ثم قال تسمع الجماعة ما أقوله فنصتوا إليه فقال اعلموا أنكم انصرفتم البارحة مساء على أني أبكر أقتل حنيناً كما ضمنت لكم فلم أزل أقلق إلى نصف الليل متوجعاً فلما كان ذلك الوقت أغفيت فرأيت كأني جالس في موضع ضيق وأنتم معشر الأطباء بعيدون عني بعداً كثيراً مع سائر خدمي وحاشيتي وأنا أقول لكم ويحكم ما تنظرون إلي في أي موضع أنا هذا يصلح لمثلي وأنتم سكوت لا تجيبوني عما أخاطبكم به فإذا أنا كذلك حتى أشرق علي في ذلك الموضع ضياء عظيم مهول حتى رعبت منه و إذا أنا برجل قد وافى جميل الوجه ومعه آخر خلفه عليه ثياب حسنة فقال السلام عليك فرددت عليه فقال لي تعرفني فقلت لا فقال أنا المسيح فقلقت وتزعزعت وقلت من هذا الذي معك فقال حنين بن إسحاق فقلت اعذرني فلست أقدر أن أقوم أصافحك فقال اعف عن حنين واغفر ذنبه فقد غفر اللّه له واقبل ما يشير به عليك فإنك تبرأ من علتك فانتبهت وأنا مغموم بما جرى على حنين مني ومفكر في قوة شفيعة إلي وأن حقه الآن علي واجب فانصرفوا ليلزمني كما أمرت وليحمل إلي كل واحد منكم عشرة آلاف درهم لتكون دية من سأل في قتله‏.‏

وهذا المال يلزم من حضر المجلس البارحة وسأل في قتله ومن لم يكن حاضراً فلا شيء عليه ومن لم يحمل ما أمرت بحمله من هذا المال لأضربن عنقه ثم قال لي اجلس أنت والزم رتبتك وخرج الجماعة فحمل كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فلما اجتمع سائر ما حملوه أمر بأن يضاف إليه مثله من خزانته فكان زائداً عن مائتي ألف درهم وأن يسلم إلي ففعل ذلك فلما كان آخر النهار وقد أقامه الدواء ثلاثة مجالس أحس بصلاح وخف ما كان يجد فقال يا حنين أبشر بكل ما تحب فقد عظمت رتبتك عندي وزادت طبقتك أضعاف ما كنت عليه عندي فسأعوضك أضعاف ما كان لك وأحوج أعداءك إليك وأرفعك على سائر أهل صناعتك ثم إنه أمر بإصلاح ثلاث دور من دوره التي لم أسكن قط منذ نشأت في مثلها ولا رأيت لأحد من أهل صناعتي مثلها وحمل إليها سائر ما كنت محتاجاً من الأواني والفرش والآلة والكتب وما يشاكل ذلك بعد أن أشهد لي بالدور وتوثق لي بشهادات العدول لأنها كانت خطيرة في قيمتها لأنها تقوم بألوف دنانير فلمحبته لي وميله إلي أحب أن تكون لي ولعقبي ولا تكون علي حجة لمعترض فلما فرغ مما أمر به من الحمل إلى الدور وجميع ما ذكر وتعليقها بأنواع الستور ولم يبق غير المضي إليها أمر بحمل المال الضعف الكثير بين يدي وحملني على خمسة أرؤس من خيار بغلاته الخاصة بمواكبها ووهب لي ثلاثة خدم روم وأمر لي في كل شهر بخمسة عشر ألف درهم وأطلق لي الفائت من رزقي في وقت حبسي فكان شيئاً كثيراً وحمل من جهة الخدم والحرم وسائر الحاشية والأهل ما لا يمكن أن يحصى من الأموال والخلع والإقطاع وحصلت وظائفي التي كنت آخذها خارج الدار من سائر الناس آخذها من داخل الدار وصرت المقدم على سائر الأطباء من أعواني وغيرهم وهذا تم لي لما لحقتني السعادة التامة وهذا ما جرى علي بعداوة الأشرار كما قال جالينوس إن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار ولعمري لقد لحق جالينوس محن عظيمة إلا أنها لم تكن تبلغ إلى ما بلغت بي أنا هذه المحن وإني لأعلم مراراً كثيرة أن أول من كان يعدو إلى باب داري في حاجة تكون له إلى أمير المؤمنين أو أن يسألني عن مرض قد حار فيه أحد أعدائي الذين قد عرفتك ما لحقني منهم‏.‏

وكنت وحق معبودي العلة الأولى أسارع في قضاء حوائجهم وأخلص لهم المودة ولم أكافئهم على شيء مما صنعوه بي ولا واحداً منهم أخذته بذلك فكان سائر الناس يتعجبون من حسن قضائي حوائجهم بعد ما كانوا يسمعونهم يقولون في عند الناس وخاصة عند مولاي أمير المؤمنين وصرت أنقل لهم الكتب على الرسم بغير عوض ولا جزاء وأسارع إلى جميع محابهم بعد أن كنت إذا نقلت لأحدهم كتاباً أخذت منه وزنه دراهم أقول وجدت من هذه الكتب كتباً كثيرة وكثيراً منها اقتنيته وهي مكتوبة مولد الكوفي بخط الأزرق كاتب حنين وهي حروف كبار بخط غليظ في أسطر متفرقة وورقها كل ورقة منها بغلظ ما يكون من هذه الأوراق المصنوعة يومئذ ثلاث ورقات أو أربع وذلك في تقطيع مثل ثلث البغدادي وكان قصد حنين بذلك تعظيم حجم الكتاب وتكثير وزنه لأجل ما يقابل به من وزنه دراهم وكان ذلك الورق يستعمله بالقصد ولا جرم أن لغلظه بقي هذه السنين المتطاولة من الزمان قال حنين وإنما ذكرت سائر ما تقدم ذكره ليعلم العاقل أن المحن قد تنزل بالعاقل والجاهل والشديد والضعيف والكبير والصغير وأنها وإن كانت لا شك واقعة بهذه الطبقات التي ذكرنا فما سبيل العاقل أن ييئس من تفضل اللّه عليه بالخلاص مما بلي به بل يثق وبحسن ثقته بخالقه ويزيد في تعظميه وتمجيده فالحمد للّه الذي منَّ علي بتجديد الحياة وأظهرني على أعدائي الظالمين لي وجعلني أفضلهم رتبة وأكثرهم حالاً حمداً جديداً دائماً وهذا جملة قول حنين بن إسحاق بلفظه ومن كلام حنين قال الليل نهار الأديب ولحنين بن إسحاق من الكتب كتاب المسائل وهو المدخل إلى صناعة الطب لأنه قد جمع فيه جملاً وجوامع تجري مجرى المبادئ والأوائل لهذا العلم وليس جميع هذا الكتاب لحنين بل إن تلميذه الأعسم حبيشاً تممه ولهذا قال ابن أبي صادق في شرحه له إن حنيناً جمع معاني هذا الكتاب في طروس ومسودات بيض منها البعض في مدة حياته ثم إن حبيش بن الحسن تلميذه وابن أخته رتب الباقي بعده وزاد فيه من عنده زوائد وألحقها بما أثبته حنين في دستوره ولذلك يوجد هذا الكتاب معنوناً بكتاب المسائل لحنين بزيادات حبيش الأعسم والذي يوجد في النسخ من هذا الكتاب أن زيادات حبيش من عند ذكره أوقات الأمراض الأربعة إلى آخر الكتاب‏.‏

وقال ابن أبي صادق إن زيادات حبيش إنما هي من الكلام في الترياق واستدل على ذلك بأنه قال ثم إن حنين بن إسحاق عمل مقالتين شرح فيهما ما قاله جالينوس في الترياق ولو كان قاله حنين لكان يقول ثم إني عملت مقالتين شرحت فيهما كذا وكذا وقيل أن حنيناً شرع في تأليف هذا الكتاب في أيام المتوكل وقد جعله رئيس الأطباء ببغداد كتاب العشر مقالات في العين وهذا الكتاب يوجد في نسخه اختلاف كثير وليس على مقالاته واحد فإن بعضها توجد مختصرة موجزة في المعنى الذي هي فيه والبعض الآخر قد طول فيه وزاد عما يوجبه تأليف الكتاب والسبب في ذلك أن كل مقالة منه كانت بمفردها من غير التئام لها مع غيرها وذلك لأن حنين يقول في المقالة الأخيرة من هذا الكتاب إني قد كنت ألفت منذ نيف وثلاثين سنة في العين مقالات مفردة نحوت فيها إلى أغراض شتى سألني تأليفها قوم بعد قوم قال ثم إن حبيشاً سألني أن أجمع له ذلك وهو تسع مقالات وأجعله كتاباً واحداً وأن أضيف له للتسع مقالات الماضية مقالة أخرى أذكر فيها كتبهم لعلل العين وهذا ذكر أغراض المقالات التي يضمها هذا الكتاب المقالة الأولى يذكر فيها طبيعة العين وتركيبها والمقالة الثانية يذكر فيها طبيعة الدماغ ومنافعه‏.‏

المقالة الثالثة يذكر فيها العصب الباصر والروح الباصر وفي نفس الإبصار كيف يكون‏.‏

والمقالة الخامسة يذكر فيها أسباب الأعراض الكائنة في العين‏.‏

المقالة السادسة في علامات الأمراض التي تحدث في العين‏.‏

المقالة السابعة يذكر فيها قوى جميع الأدوية عامة‏.‏

المقالة الثامنة يذكر فيها أجناس الأدوية للعين خاصة وأنواعها‏.‏

المقالة التاسعة يذكر فيها مداواة أمراض العين‏.‏

المقالة العاشرة في الأدوية المركبة الموافقة لعلل العين ووجدت مقالة أخرى حادية عشرة لحنين مضافة إلى هذاا لكتاب يذكر فيها علاج الأمراض التي تعرض في العين بالحديد كتاب في العين على طريق المسألة والجواب ثلاث مقالات ألفه لولديه داؤد وإسحاق وهو مائتان وتسع مسائل اختصار الستة عشر كتاباً لجالينوس على طريق المسألة والجواب اختصره أيضاً لولديه وأكثر ما ألفه من الكتب على طريق المسألة والجواب إنماغرضه بها إلى هذا القصد كتاب الترياق مقالتان اختصاركتاب جالينوس في الأدوية المفردة إحدى عشرة مقالة اختصره بالسرياني وإنما نقل منه إلى العربي الجزء الأول وهو خمس مقالات نقلها لعلي بن يحيى مقالة في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس وبعض ما لم يترجم كتبها إلى علي بن يحيى المنجم مقالة في ثبت الكتب التي لم يذكرها جالينوس في فهرست كتبه وصف فيها جميع وقال إن جالينوس يكون صنفها بعد وضعه الفهرست مقالة في اعتذاره لجالينوس فيما قاله في المقالة السابقة من كتاب آراء أبقراط وأفلاطن جمل مقالة جالينوس في أصناف الغلظ الخارج عن الطبيعة على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في الذبول على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في كتب أبقراط الصحيحة وغير الصحيحة جوامع كتاب جالينوس في الحث على تعلم الطب على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب المني لجالينوس على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط على طريق المسألة والجواب سبع مقالات وكان تأليفه له بالسرياني وإنما نقل منه إلى العربي المقالة الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأما الثلاث المقالات الباقية فنقلها إلى العربي عيسى بن صهر بخت ثمار تفسير جالينوس لكتاب تقدمة المعرفة على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في تدبير الأمراض الحادة على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في جراحات الرأس على طريق المسألة والجواب ثمار السبع عشرة مقالة الموجودة من كتاب جالينوس لكتاب أبيذيميا لأبقراط على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب قاطيطريون لأبقراط على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في الأهوية والأزمنة والبلدان على طريق المسألة والجواب شرح كتاب الهواء والماء والمساكن لأبقراط لم يتم شرح كتاب الغذاء لأبقراط ثمار المقالة الثالثة من تفسير جالينوس لكتاب طبيعة الإنسان لأبقراط ثمار كتاب أبقراط في المولدين لثمانية أشهر فصول استخرجها من كتاب أبيذيميا فصول استخرجها من كتاب الأهوية والبلدان ومما في كتاب الفصول من الكلام في الأهوية والبلدان بتفسير جالينوس مقالة في تدبير الناقهين ألفها لأبي جعفر محمد بن موسى رسالة في قرص العود رسالة إلى الطيفوري في قرص الورد كتاب إلى المعتمد فيما سأله عنه من الفرق بين الغذاء والدواء المسهل ثلاث مقالات كتاب قوى الأغذية ثلاث مقالات كتاب في كيفية إدراك الديانة مسائل في البول انتزعها من كتاب أبيذيميا لأبقراط مقالة في تولد الفروج بين فيها أن تولد الفروج إنما هو من بياض البيضة واغتذاؤه من المح الذي فيها مسائل استخرجها من كتب المنطق الأربعة‏.‏

مقالة في الدلائل وصف فيها أبواباً من الدلائل التي يستدل بها على معرفة كل واحد من الأمراض كتاب في النبض كتاب في الحميات كتاب في البول مستخرج من كتاب أبقراط وجالينوس كتاب في معرفة أوجاع المعدة وعلاجها مقالتان كتاب في حالات الأعضاء مقالة في ماء البقول كتاب في اليبس كتاب في حفظ الأسنان واللثة كتاب فيمن يولد لثمانية أشهر على طريق المسألة والجواب ألفه لأم ولد المتوكل كتاب في امتحان الأطباء كتاب في طبائع الأغذية وتدبير الأبدان كتاب في أسماء الأدوية المفردة على حروف المعجم كتاب في مسائله العربية كتاب في تسمية الأعضاء على ما رتبها جالينوس كتاب في تركيب العين مقالة في المد والجزر كتاب في أفعال الشمس والقمر كتاب في تدبير السوداويين كتاب في تدبير الأصحاء بالمطعم والمشرب كتاب في اللبن كتاب في تدبير المستسقين كتاب في أسرار الأدوية المركبة كتاب في أسرار الفلاسفة في الباه جوامع كتاب السماء والعالم كتاب في المنطق كتاب في النحو مقالة في خلق الإنسان وأنه من مصلحته والتفضل عليه جعل محتاجاً كتاب فيما يقرأ قبل كتب أفلاطن مقالة في تولد النار بين الحجرين كتاب الفوائد ومقالة في الحمام مقالة في الآجال مقالة في الدغدغة مقالة في ضيق النفس كتاب في اختلاف الطعوم كتاب في تشريح آلات الغذاء ثلاث مقالات تفسير كتاب النفخ لأبقراط تفسير كتاب حفظ الصحة لروفس تفسير كتاب الأدوية المكتومة لجالينوس يبين فيه شرح ما ذكره جالينوس في كل واحد من الأدوية رسالة في دلالة القدر على التوحيد رسالة إلى سلمويه بن بنان عما سأله من ترجمة مقالة جالينوس في العادات كتاب في أحكام الإعراب على مذهب اليونانيين مقالتان مقالة في السبب الذي من أجله صارت مياه البحر مالحة مقالة في الألوان كتاب قاطيغورياس على رأي ثامسطيوس مقالة مقالة في تولد الحصاة مقالة في اختيار الأدوية المحرقة كتاب في مياه الحمامات على طريق المسألة والجواب كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء وآداب المعلمين القدماء كناش اختصره من كتاب بولس مقالة في تقاسيم علل العين كتاب اختيار أدوية علل العين مقالة في الصراع كتاب الفلاحة مقالة في التركيب مما وافقه عليه الفاضلان أبقراط وجالينوس مقالة تتعلق بحفظ الصحة وغيرها كلام في الآثار العلوية مقالة في قوس قزح‏.‏

كتاب تاريخ العالم والمبدأ والأنبياء والملوك والأمم والخلفاء والملوك في الإسلام وابتدأ فيه من آدم ومن أتى من بعده وذكر ملوك بني إسرائيل وملوك اليونانيين والروم وذكر ابتداء الإسلام وملوك بني أمية وملوك بني هاشم إلى الوقت الذي كان فيه حنين بن إسحاق وهو زمان المتوكل على اللّه حل بعض شكوك جاسيوس الإسكندراني على كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس رسالة فيما أصابه من المحن والشدائد كتاب إلى علي بن يحيى جواب كتابه فيما دعاه إليه من دين الإسلام جوامع ما في المقالة الأولى والثانية والثالثة من كتاب أبيذيميا لأبقراط على طريق المسألة والجواب مقالة في كون الجنين جمع من أقاويل جالينوس وبقراط جوامع تفسير القدماء اليونانيين لكتاب أرسطوطاليس في السماء والعالم مسائل مقدمة لكتاب فرفوريوس المعروف بالمدخل وينبغي أن يقرأ قبل كتاب فرفوريوس شرح كتاب الفراسة لأرسطاطاليس كتاب دفع مضار الأغذية كتاب الزينة كتاب خواص الأحجار كتاب البيطرة كتاب حفظ الأسنان كتاب في إدراك حقيقة

 

إسحاق بن حنين

هو أبو يعقوب إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي كان يلحق بأبيه في النقل وفي معرفته باللغات وفصاحته فيها إلا أن نقله للكتب الطبية قليل جداً بالنسبة إلى ما يوجد من كثرة نقله من كتب أرسطوطاليس في الحكمة وشروحها إلى لغة العرب وكان إسحاق قد خدم من خدم أبوه من الخلفاء والرؤساء وكان منقطعاً إلى القاسم ابن عبيد اللّه وخصيصاً به ومتقدماً عنده يفضي إليه بأسراره ولإسحاق حكايات مستظرفة وأشعار قال إسحاق بن حنين شكا إلي رجل علة في أحشائه فأعطيته معجوناً وقلت له تناوله سحراً وعرفني خبرك بالعشي فجاءني غلامه برقعة من عنده فقرأتها وإذا فيها يا سيدي تناولت الدواء واختلفت لا عدمتك عشرة مجالس أحمر مثل الريق في اللزوجة وأخضر مثل السلق في البقلية ووجدت بعده مغساً في رأسي وهوساً في سرتي فرأيك في إنكار ذلك على الطبيعة بما تراه إن شاء اللّه قال فتعجبت منه وقلت ليس للأحمق إلا جواب يليق بق وكتبت إليه فهمت رقعتك وأنا أتقدم إلى الطبيعة بما تحب وأنفذ إليك الجواب إذا التقينا والسلام ولحق إسحاق في آخر عمره الفالج وبه مات وتوفي ببغداد في أيام المقْتدر باللّه وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ومائتين ومن أنا ابن الذين استودع الطب فيهم وسُمُّوا به طفل وكهل ويافع يبصرني أرستطَاليس بارعاً يقوّم مني منطق لا يُدافع وبقراط في تفصيل ما أثبت الألى لنا الضر والأسقام طب مضارع وما زال جالينوس يشفي صدورنا لما اختلفت فيه علينا الطبائع ويحيى بن ماسويه وأهرن قبله لهم كتب للناس فيها منافع رأى أنه في الطب نيلت فلم يكن لنا راحة من حفظها وأصابع ونقلت من خط ابن بطلان في رسالته المعروفة بدعوة الأطباء أن القاسم بن عبيد اللّه وزير المعتضد باللّه بلغه أن أبا إسحاق قد شرب دواء مسهلاً فأحب مداعبته وكان صديقاً له فكتب إليه أبنْ لي كيف أمسيت وكم كان من الحال وكم سارت بك الناقة نحو المنزل الخالي فكتب إليه إسحاق بن حنين بخير كنت مسروراً رضي الحال والبال فأما السير والناقة والمرتبع الخالي فإجلالُك أنسانِيه يا غاية آمالي ولإسحاق بن حنين من الكتب كتاب الأدوية المفردة كناش لطيف ويعرف بكناش الخف كتاب ذكر فيه ابتداء صناعة الطب وأسماء جماعة من الحكماء والأطباء كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان كتاب إصلاح الأدوية المسهلة اختصار كتاب إقليدس كتاب المقولات كتاب إيساغوجي وهو المدخل إلى صناعة المنطق إصلاح جوامع الإسكندرانيين لشرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط كتاب في النبض على جهة التقسيم مقالة في الأشياء التي تفيد الصحة والحفظ وتمنع من النسيان ألفها لعبد اللّه بن شمعون كتاب في الأدوية المفردة كتاب صنعة العلاج بالحديد كتاب آداب الفلاسفة ونوادرهم مقالة في التوحيد‏.‏

حبيش الأعسم

هو حبيش بن الحسن الدمشقي وهو ابن أخت حنين بن إسحاق ومنه تعلم صناعة الطب وكان يسلك مسلك حنين في نقله وفي كلامه وأحواله إلا أنه كان يقصر عنه وقال حنين بن إسحاق وقد ذكره في بعض المواضع إن حبيشاً ذكي مطبوع على الفهم غير أنه ليس له اجتهاد بحسب ذكائه بل فيه تهاون وإن كان ذكاؤه مفرطاً وذهنه ثاقباً وحبيش هو الذي تمم كتاب مسائل حنين في الطب الذي وضعه للمتعلمين وجعله مدخلاً إلى هذه الصناعة ولحبيش من الكتب كتاب إصلاح الأدوية المسهلة كتاب الأدوية المفردة كتاب الأغذية كتاب في الاستسقاء

يوحنا بن بختيشوع

كان طبيباً متميزاً خبيراً باللغة اليونانية والسريانية ونقل من اليوناني إلى السرياني كتباً كثيرة وخدم بصناعة الطب الموفق باللّه طلحة بن جعفر المتوكل وكان يعتمد عليه كثيراً ويسميه مفرج كربي حدث إبراهيم بن العباس بن طومار الهاشمي قال كان الموفق إذا جلس للشراب يقدم بين يديه صينية ذهب ومغسل ذهب وخرداذي بلور وكوز بلور ويجلس يوحنا بن بختيشوع عن يمينه ويقدم إليه مثل ذلك وكذلك بين يدي غالب الطبيب ثم يقدم إلى جميع الجلساء صواني مدهون وقناني زجاج ونارنج قال وسمعته وقد شكا إلى الموفق ما يجري عليه في ضياعه فتقدم الموفق إلى صاعد بأن يكتب له جميع ما يريد ثم إن يوحنا حضر بعد مدة مديدة فعدد على الموفق إحسانه إليه ومعروفه عنده وأن صاعداً يكدر إحسانه إليه ويكتب إلى العمال كتباً فيما يبطل عليه ضياعه وأملاكه فتقدم إليه الموفق بالانصراف إلى مضربه وأعلمه بكيفية الفكر في هذا ووجه الموفق إلى صاعد فأحضره وقال له أنت تعلم أنه ليس لي في هذه الدنيا من أستريح إليه وأعلم ما في سويداء قلبي وهو مفرج كربي غير يوحنا وأنت دائب الحيلة في تنغيص عيشي بشغل قلبه عن خدمتي فعل اللّه بك وفعل فلم يزل صاعد يحلف له حتى حل سيفه ومنطقته وقال له امض الساعة مع راشد إلى مضرب يوحنا ولا تدع جهداً في أن تتوصل إلى جميع ما يحبه وتوثق له وخذ خطة بأنك قد بلغت له كل ما أراده وانفذ إلي مع راشد قال فمضى وكنت أنا أحد من مضى معهما حتى دخلنا إلى مضرب يوحنا وإذا به قاعد على حصر سامان في قبة له فلما قرب منه صاعد قام له فسلم عليه وعلى راشد وعلي وجلسوا وجلست ثم قال صاعد وحلف له فقال له وما ينفعني وأنت تكتب بضد ما تظهر فأعاد اليمين ووثق له ثم دعا صاعد بمنديل وجعله في حجره وأخذ القرطاس والقلم وجعل يكتب ويخرط الخرائط حتى بلغ ما أراده يوحنا وأخذ خطه وشهادتي ومن حضر وأنفذها مع راشد إلى الموفق باللّه وما احتاج يوحنا بعد ذلك أن يستزيد في شيء من أموره وليوحنا بن بختيشوع من الكتب كتاب فيما يحتاج إليه الطبيب من علم النجوم‏.‏

بختيشوع بن يوحنا

كان عالماً بصناعة الطب حظياً من الخلفاء وغيرهم واختص بخدمة المقتدر باللّه وكان له من المقتدر الأنعام الكثير والإقطاعات من الضياع وخدم بعد ذلك الراضي باللّه فأكرمه وأجراه على ما كان باسمه في أيام أبيه المقتدر ومات بختيشوع بن يوحنا في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثلثمائة ببغداد عيسى بن علي كان طبيباً فاضلاً ومشتغلاً بالحكمة وله تصانيف في ذلك وكان قد قرأ صناعة الطب على حنين بن إسحاق وهو من أجل تلاميذه وكان عيسى بن علي يخدم أحمد بن المتوكل وهو المعتمد على اللّه وكان طبيبه قديماً ولما ولي الخلافة أحسن إليه وشرفه وحمله عدة دفعات على دواب وخلع عليه ولعيسى بن علي من الكتب كتاب المنافع التي تستفاد من أعضاء الحيوان كتاب السموم مقالتان عيسى بن يحيى بن إبراهيم كان أيضاً من تلامذة حنين بن إسحاق واشتغل عليه بصناعة الطب الحلاجي ويعرف بيحيى بن أبي حكيم كان من أطباء المعتضد وله من الكتب كتاب تدبير الأبدان النحيفة التي قد علتها الصفرة ألفه للمعتضد ابن صهار بخت واسمه عيسى من أهل جندي سابور وله من الكتاب كتاب قوى الأدوية المفردة ابن ماهان ويعرف بيعقوب السيرافي وله من الكتب كتاب السفر والحضر في الطب الساهر اسمه يوسف ويعرف بيوسف القس عارف بصناعة الطب وكان متميزاً في أيام المكتفي وقال عبيد اللّه بن جبرائيل عنه إنه كان به سرطان في مقدم رأسه وكان يمنعه من النوم فلقب بالساهر من أجل مرضه قال وصنف كناشاً يذكر فيه أدوية الأمراض وذكر في كناشة أشياء تدل على أنه كان به هذا المرض وللساهر من الكتب كناشه وهو الذي يعرف به وينسب إليه وهو مما استخرجه وجربه في أيام حياته وجعله مقسوماً إلى قسمين فالقسم الأول تجري أبوابه على غير ترتيب الأعضاء وهي ستة أبواب

 

الباب التاسع طبقات الأطباء النقلة

الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم

جورجس

وهو من أول من ابتدأ في نقل الكتب الطبية إلى اللسان العربي عندما استدعاه المنصور وكان كثير الإحسان إليه وقد ذكرت أخبار جورجس فيما تقدم

حنين بن إسحاق

كان عالماً باللغات الأربع غريبها ومستعملها العربية والسريانية واليونانية والفارسية ونقله في غاية من الجودة

إسحاق بن حنين

كان أيضاً عالماً باللغات التي يعرفها أبوه وهو يلحق به في النقل وكان إسحاق عذب العبارة فصيح الكلام وكان حنين مع ذلك أكثر تصنيفاً ونقلاً وقد تقدم ذكر إسحاق وأبيه

حبيش الأعسم

وهو ابن أخت حنين بن إسحاق وتلميذه ناقل مجود يلحق بحنين وإسحاق وقد تقدم أيضاً ذكره

عيسى بن يحيى بن إبراهيم

كان أيضاً تلميذاً لحنين بن إسحاق وكان فاضلاً أثنى عليه حنين ورضي نقله وقلده فيه وله مصنفات

قسطا بن لوقا البعلبكي

كان ناقلاً خبيراً باللغات فاضلاً في العلوم الحكمية وغيرها وسيأتي ذكره وأخباره فيما بعد إن شاء اللّه

أيوب المعروف بالأبرش

كان قليل النقل متوسطه وما نقله في آخر عمره يضاهي نقل حنين

ماسرجيس

كان ناقلاً من السرياني إلى العربي ومشهوراً بالطب‏.‏

وله من الكتب كتاب قوى الأطعمة ومنافعها ومضارها كتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها

عيسى بن ماسرجيس

كان يلحق بأبيه وله من الكتب كتاب الألوان كتاب الروائح والطعوم

شهدي الكرخي

من أهل الكرخ وكان قريب الحال في الترجمة

ابن شهدي الكرخي

كان مثل أبيه في النقل ثم إنه في آخر عمره فاق أباه ولم يزل متوسطاً وكان ينقل من السرياني إلى العربي ومن نقله كتاب الأجنة لأبقراط

الحجاج بن مطر

نقل للمأمون ومن نقله كتاب اقليدس ثم أصلح نقله فيما بعد ثابت بن قرة الحراني

ابن ناعمة

واسمه عبد المسيح بن عبد اللّه الحمصي الناعمي كان متوسط النقل وهو إلى الجودة أميل

زوربا بن مانحوه الناعمي الحمصي

كان قريب النقل وما هو في درجة من قبله

هلال بن أبي هلال الحمصي

كان صحيح النقل ولم يكن عنده فصاحة ولا بلاغة في اللفظ

فثيون الترجمان

وجدت نقله كثير اللحن ولم يكن يعرف علم العربية أصلاً

أبو نصربن ناري بن أيوب

كان قليل النقل ولم يعتد بنقله غيره من النقلة

بسيل المطران

نقل كتباً كثيرة وكان نقله أميل إلى الجودة اصطفن بن بسيل كان يقارب حنين بن إسحاق في النقل إلا أن عبارة حنين أفصح وأحلى

موسى بن خالد الترجمان

وجدت من نقله كتباً كثيرة من الستة عشر لجالينوس وغيرها وكان لا يصل إلى درجة حنين أو يقرب منها

اسطاث

كان من النقلة المتوسطين

حيرون بن رابطة

ليس له شهرة بجودة النقل

تدرس السنقل

وجدت له نقلاً من الكتب الحكمية لا بأس به

سرجس الرأسي

من أهل مدينة رأس العين نقل كتباً كثيرة وكان متوسطاً في النقل وكان حنين يصلح نقله فما وجد بإصلاح حنين فهو الجيد وما وجد غير مصلح فهو وسط

أيوب الرهاوي

ليس هو أيوب الأبرش المذكور أولاً ناقل جيد عالم باللغات إلا أنه بالسريانية خير منه بالعربية

يوسف الناقل

هو أبو يعقوب يوسف بن عيسى المتطبب الناقل ويلقب الناعس وهو تلميذ عيسى بن صهر بخت وكان يوسف الناقل من خوزستان وكانت في عبارته لكنة وليس نقله بكثير الجودة‏.‏

إبراهيم بن الصلت

كان متوسطاً في النقل يلحق بسرجس الرأسي

ثابت الناقل

كان أيضاً متوسطاً في النقل إلا أنه يفضل إبراهيم بن الصلت وكان مقلاً من النقل ومن نقله كتاب الكيموسين لجالينوس

أبو يوسف الكاتب

كان أيضاً متوسطاً في النقل ونقل عدة كتب من كتب أبقراط يوحنا بن بختيشوع نقل كتباً كثيرة إلى السرياني فأما إلى العربي فما عرف بنقله شيء منها

البطريق

كان في أيام المنصور وأمره بنقل أشياء من الكتب القديمة وله نقل كثير جيد إلا أنه دون نقل حنين بن إسحاق وقد وجدت بنقله كتباً كثيرة في الطب كتب أبقراط وجالينوس

يحيى بن البطريق

كان في جملة الحسن بن سهل وكان لا يعرف العربية حق معرفتها ولا اليونانية وإنما كان لطينياً يعرف لغة الروم اليوم وكتابتها وهي الحروف المتصلة لا المنفصلة اليونانية القديمة

قيضا الرهاوي

كان إذا كثرت على حنين الكتب وضاق عليه الوقت استعان به في نقلها ثم يصلحها بعد ذلك

منصور بن باناس

طبقته في النقل مثل قيضا الرهاوي وكان بالسريانية أقوى منه بالعربية عبد يشوع بن بهريز مطران الموصل كان صديقاً لجبرائيل بن بختيشوع وناقلاً له

أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي

أحد النقلة المجيدين وكان منقطعاً إلى علي بن عيسى

أبو إسحاق إبراهيم بن بكس

كان من الأطباء المشهورين وترجم كتباً كثيرة إلى لغة العرب ونقله أيضاً مرغوب فيه

أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس

كان أيضاً طبيباً مشهوراً وكان مثل أبيه في النقل فأما الذين كان هؤلاء النقلة ينقلون لهم خارجاً عن الخلفاء فمنهم

شيرشوع بن قطرب

من أهل جندي سابور وكان لا يزال يبر النقلة ويهدي إليهم ويتقرب إلى تحصيل الكتب منهم بما يمكنه من المال وكان يريد السرياني أكثر من العربي وهو أحد الخوز

محمد بن موسى المنجم

وهو أحد بني موسى بن شاكر الحساب المشهورين بالفضل والعلم والتصنيف في العلوم الرياضية وكان محمد هذا من أبر الناس بحنين بن إسحاق وقد نقل له حنين كثيراً من الكتب الطبية

علي بن يحيى المعروف بابن المنجم

أحد كتاب المأمون وكان نديماً له وعنده فضل ومال إلى الطب فنقلوا له كتباً كثيرة

ثادرس الأسقف

كان أسقفاً في الكرخ ببغداد وكان حريصاً على طلب الكتب متقرباً إلى قلوب نقلتها فحصل منها شيئاً كثيراً

محمد بن موسى بن عبد الملك

نقلت له كتب طبية وكان من جملة العلماء الفضلاء يلخص الكتب ويعتبر جيد الكلام فيها من رديه

عيسى بن يونس الكاتب

الحاسب من جملة الفضلاء بالعراق وكان كثير العناية بتحصيل الكتب القديمة والعلوم اليونانية

علي المعروف بالفيوم

اشتهر باسم المدينة التي كان عاملها وكانت النقلة يحصلون من جانبه ويمتارون من فضله

أحمد بن محمد المعروف بابن المدبر الكاتب

وكان يصل إلى النقلة من ماله وأفضاله شيء كثير جداً

إبراهيم بن محمد بن موسى الكاتب

وكان حريصاً على نقل كتب اليونانيين إلى لغة العرب ومشتملاً على أهل العلم والفضل وعلى النقلة خاصة

عبد اللّه بن إسحاق

وكان أيضاً حريصاً على نقل الكتب وتحصيلها

محمد بن عبد الملك الزيات

وكان يقارب عطاؤه للنقلة والنساخ في كل شهر ألفي دينار ونقل باسمه كتب عدة وكان أيضاً ممن نقلت له الكتب اليونانية وترجمت باسمه جماعة من أكابر الأطباء مثل يوحنا بن ماسويه وجبرائيل بن بختيشوع وبختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع وداؤد بن سرابيون وسلمويه بن بنان واليسع وإسرائيل بن زكريا بن الطيفوري وحبيش بن الحسن

 

 

الباب العاشر طبقات الأطبّاء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر

يعقوب بن إسحاق الكندي

فيلسوف العرب وأحد أبناء ملوكها وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكبر بن الحرث الأصغر بن معاوية بن الحرث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة بن عفير بن عدي بن الحرث ابن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان أبوه إسحاق بن الصباح أميراً على الكوفة للمهدي والرشيد وكان الأشعث بن قيس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان قبل ذلك ملكاً على جميع كندة وكان أبوه قيس بن معدي كرب ملكاً على جميع كندة أيضاً عظيم الشأن وهو الذي مدحه الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة - بقصائدة الأربع الطوال التي أولاهن لعمرك ما طول هذا الزمن والثانية رحلت سمية غدوة أجمالها والثالثة أأزمعت من آل ليلى ابتكارا والرابعة أتهجر غانية أم تلم وكان أبوه معدي كرب بن معاوية ملكاً على بني الحرث الأصغر بن معاوية في حضرموت وكان أبوه معاوية بن جبلة ملكاً بحضرموت أيضاً على بني الحرث الأصغر وكان معاوية بن الحرث الأكبر وأبوه الحرث الأكبر وأبوه ثور ملوكاً على معبد بالمشقر واليمامة والبحرين وكان يعقوب بن إسحاق الكندي عظيم المنزلة عند المأمون والمعتصم وعند ابنه أحمد وله مصنفات جليلة ورسائل كثيرة جداً في جميع العلوم‏.‏

وقال سليمان بن حسان إن يعقوب بن إسحاق الكندي شريف الأصل بصري - كان جده ولي الولايات لبني هاشم - ونزل البصرة وضيعته هنالك وانتقل إلى بغداد وهناك تأدب وكان عالماً بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم ولم يكن في الإسلام فيلسوف غيره احتذى في تواليفه حذو أرسطوطاليس وله تواليف كثيرة في فنون من العلم وخدم الملوك فباشرهم بالأدب وترجم من كتب الفلسفة الكثير وأوضح منها المشكل ولخص المستصعب وبسط العويص وقال أبو معشر في كتاب المذكرات لشاذان حذاق الترجمة في الإسلام أربعة حنين بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق الكندي وثابت بن قرة الحراني وعمر بن الفرخان الطبري وقال ابن النديم البغدادي الكاتب المعروف بابن أبي يعقوب في كتاب الفهرست كان أبو معشر وهو جعفر بن محمد البلخي من أصحاب الحديث أولاً ومنزله في الجانب الغربي بباب خراسان ببغداد يضاغن الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة فدس عليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شره عن الكندي بنظره في هذا العلم لأنه من جنس علوم الكندي ويقال إنه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وكان فاضلاً حسن الإصابة وضربه المستعين أسواطاً لأنه أصاب في شيء خبره بكونه قبل وقته فكان يقول أصبت فعوفيت وكان مولده بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان وتوفي أبو معشر وقد جاوز المائة سنة وقال أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم في كتاب حسن العقبى حدثني أبو كامل شجاع بن أسلم الحاسب قال كان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر في أيام المتوكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم في معرفة فأشخصا سند بن علي إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل ووجها إلى داره فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها في خزانة سميت الكندية ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف بالجعفري فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغني الذي عمل المقياس الجديد بمصر وكانت معرفته أوفى من توفيقه لأنه ما تم له عمل قط فغلط في فوهة النهر المعروف بالجعفري وجعلها أخفض من سائره فصار ما يغمر الفوهة لا يغمر سائر النهر فدافع محمد وأحمد ابنا موسى في أمره واقتضاهما المتوكل فسعى بهما إليه فيه فأنفذ مستحثاً في إحضار سند بن علي من مدينة السلام فوافى فلما تحقق محمد وأحمد ابنا موسى أن سند بن علي قد شخص أيقنا بالهلكة ويئسا من الحياة فدعا المتوكل بسند وقالما ترك هذان الرديان شيئاً من سوء القول إلا وقد ذكراك عندي به وقد أتلفا جملة من مالي في هذا النهر فاخرج إليه حتى تتأمله وتخبرني بالغلط فيه فإني قد آليت على نفسي إن كان الأمر على ما وصف لي أني أصلبهما على شاطئه وكل هذا بعين محمد وأحمد ابني موسى وسمعهما فخرج وهما معه فقال محمد بن موسى لسند يا أبا الطيب إن قدرة الحُر تُذهب حفيظته وقد فرغنا إليك في أنفسنا التي هي أنفس أعلاقنا وما ننكر أنا أسأنا والاعتراف يهدم الاقتراف فتخلصنا كيف شئت‏.‏

قال لهما واللّه إنكما لتعلمان ما بيني وبين الكندي من العداوة والمباعدة ولكن الحق أولى ما أتبع أكان من الجميل ما أتيتماه إليه من أخذ كتبه واللّه لا ذكرتكما بصالحة حتى تردا عليه كتبه فتقدم محمد بن موسى في حمل الكتب إليه وأخذ خطه باستيفائها فوردت رقعة الكندي بتسلمها عن آخرها فقال قد وجب لكما علي ذمام بَردّ كتب هذا الرجل ولكما ذمام بالمعرفة التي لم ترعياها في والخطأ في هذا النهر يستتر أربعة أشهر بزيادة دجلة وقد أجمع الحساب على أن أمير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى وأنا أخبره الساعة أنه لم يقع منكما خطأ في هذا النهر إبقاء على أرواحكما فإن صدق المنجمون أفلتنا الثلاثة وإن كذبوا وجازت مدته حتى تنقص دجلة وتنصب أوقع بنا ثلاثتنا فشكر محمد وأحمد هذا القول منه واسترقهما به ودخل على المتوكل فقال له ما غلطا وزادت دجلة وجرى الماء في النهر فاستتر حاله وقتل المتوكل بعد شهرين وسلم محمد وأحمد بعد شدة الخوف مما توقعا وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد في كتاب طبقات الأمم عن الكندي عندما ذكر تصانيفه وكتبه قال ومنها كتبه في علم المنطق وهي كتب قد نفقت عن الناس نفاقاً عاماً وقلما ينتفع بها في العلوم لأنها خالية من صناعة التحليل التي لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل في كل مطلوب إلا بها وأما صناعة التركيب وهي التي قصد يعقوب في كتبه هذه إليها فلا ينتفع بها إلا من كانت عنده مقدمات عتيدة فحينئذ يمكنه التركيب ومقدمات كل مطلوب لا توجد إلا بصناعة التحليل ولا أدري ما حمل يعقوب على الإضراب عن هذه الصناعة الجليلة هي جهل مقدارها أو ضَنَّ على الناس بكشف وأي هذين كان فهو نقص فيه وله بعد هذا رسائل كثيرة في علوم جمة ظهرت له فيها آراء فاسدة ومذاهب بعيدة عن الحقيقة أقول هذا الذي قد قاله القاضي صاعد عن الكندي فيه تحامل كثير عليه وليس ذلك مما يحط من علم الكندي ولا مما يصد الناس عن النظر في كتبه والانتفاع بها وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست كان من تلامذة الكندي ووراقيه حسنويه ونفطويه وسلمويه وآخر على هذ الوزن ومن تلامذته أحمد بن الطيب وأخذ عنه أبو معشر أيضاً قال أبو محمد عبد اللّه بن قتيبة في كتاب فرائد الدر قال بعضهم أنشدت يعقوب بن إسحاق الكندي‏:‏ وفي أربع مني حلت منك أربع فما أنا أدري أيها هاج لي كربي أوجهك في عيني أم الطعم في فمي أم النطق في سمعي أم الحب في قلبي فقال واللّه لقد قسمها تقسيماً فلسفياً أقول ومن كلام الكندي قال في وصيته وليتق اللّه تعالى المتطبب ولا يخاطر فليس عن الأنفس عوض وقال وكما يحب أن يقال له أنه كان سبب عافية العليل وبرئه كذلك فليحذر أن يقال أنه كان سبب تلفه وموته وقال العاقل يظن أن فوق علمه علماً فهو أبداً يتواضع لتلك الزيادة والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس لذلك ومن كلامه مما أوصى به لولده أبي العباس نقلت ذلك من كتاب المقدمات لابن بختويه - قال الكندي يا بني الأب رب والأخ فخ والعم غم والخال وبال والولد كمد والأقارب عقارب وقول لا يصرف البلا وقول نعم يزيل النعم وسماع الغناء برسام حاد لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغتم فيعتل فيموت والدينار محموم فإن صرفته مات والدرهم محبوس فإن أخرجته فر والناس سخرة فخذ شيئهم واحفظ شيئك ولا تقبل ممن قال اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار بلاقع أقول وإن كانت هذه وصية الكندي فقد صدق ما حكاه عنه ابن النديم البغدادي في كتابه فإنه قال إن الكندي كان بخيلاً ومن شعر يعقوب بن إسحاق الكندي قال الشيخ أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري اللغوي في كتاب الحكم والأمثال أنشدني أحمد بن جعفر قال أنشدني أحمد بن الطيب السرخسي قال أنشدني يعقوب بن إسحاق الكندي لنفسه‏:‏ وضائل سوادك واقبض يديك وفي قعر بيتك فاستجلس وعند مليكك فابغ العلو وبالوحدة اليوم فاستأنس فإن الغنى في قلوب الرجال وإن التعزز بالأنفس وكائِنْ ترى من أخي عسرة غني وذي ثروة مفلس ومن قائم شخصه ميت على أنه بعد لم يرمس فإن تطعم النفس ما تشتهي تقيك جميع الذي تحتسي وليعقوب بن إسحاق الكندي من الكتب كتاب الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد كتاب الفلسفة الداخلة والمسائل المنطقية والمعتاصة وما وافق الطبيعيات رسالة في أنه لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات كتاب الحث على تعلم الفلسفة رسالة في كمية كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل علم الفلسفة مما لا غنى في ذلك عنه منها وترتيبها وأغراضه فيها كتاب في قصد أرسطوطاليس في المقولات إياها قصد والموضوعة لها رسالته الكبرى في مقياسه العلم كتاب أقسام العلم الأنسي كتاب في ماهية العلم وأقسامه كتاب في أن أفعال البارئ كلها عدل لا جور فيها كتاب في ماهية الشيء الذي لا نهاية له وبأي نوع يقال للذي لا نهايةله رسالة في الإبانة أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلا نهاية وإن ذلك إنما هو في القوة كتاب في الفاعلة والمنفعلة من الطبيعيات الأول كتاب في عبارات الجوامع الفكرية كتاب في مسائل سئل عنها في منفعة الرياضيات كتاب في بحث قول المدعي أن الأشياء الطبيعية تفعل فعلاً واحداً بإيجاب الخلقة رسالة في الرفق في الصناعات رسالة في رسم رقاع إلى الخلفاء والوزراء رسالة في قسمة القانون رسالة في ماهية العقل والإبانة عنه رسالة في الفاعل الحق الأول التام والفاعل الناقص الذي هو في المجاز رسالة إلى المأمون في العلة والمعلول اختصار كتاب إيساغوجي لفرفوريوس مسائل كثيرة في المنطق وغيره وحدود الفلسفة كتاب في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيها كتاب في المدخل المنطقي باختصار وإيجاز رسالة في المقولات العشر رسالة في الإبانة عن قول بطليموس في أول كتابه في المجسطي عن قول أرسطوطاليس في أنالوطيقا‏.‏

رسالة في الاحتراس من خدع السوفسطائية رسالة بإيجاز واختصار في البرهان المنطقي رسالة في الأسماء الخمسة اللاحقة لكل المقولات رسالة في سمع الكيان رسالة في عمل آلة مخرجة الجوامع رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقي خمس مقالات رسالة إلى أحمد بن المعتصم في كيفية استعمال الحساب الهندي أربع مقالات رسالة في الإبانة عن الأعداد التي ذكرها أفلاطن في السياسة رسالة في تأليف الأعداد رسالة في التوحيد من جهة العدد رسالة في استخراج الخبيء والضمير رسالة في الزجر والفأل من جهة العدد رسالة في الخطوط والضرب بعدد الشعير رسالة في الكمية المضافة رسالة في النسب الزمانية رسالة في الحيل العددية وعلم إضمارها رسالة في أن العالم وكل ما فيه كروي الشكل رسالة في الإبانة على أنه ليس شيء من العناصر الأولى والجرم الأقصى غير كروي رسالة في أن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جميع الأشكال البسيطة رسالة في الكريات رسالة في عمل السمت على الكرة رسالة في أن سطح ماء البحر كروي رسالة في تسطيح الكرة رسالة في عمل الحلق الست واستعمالها رسالته الكبرى في التأليف رسالة في ترتيب النغم الدالة على طبائع الأشخاص العالية وتشابه التأليف رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى رسالة في الإيقاع رسالة في خير صناعة الشعراء رسالة في الأخبار عن صناعة الموسيقى مختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود ألفه لأحمد بن المعتصم رسالة في أجزاءجبرية الموسيقى رسالة في أن رؤية الهلال لا تضبط بالحقيقة وإنما القول فيها بالتقريب رسالة في مسائل سئل عنها من أحوال الكواكب رسالة في جواب مسائل طبيعية في كيفيات نجومية سأله أبو معشر عنها رسالة في الفصلين رسالة فيما ينسب إليه كل بلد من البلدان إلى برج من البروج وكوكب من الكواكب رسالة فيما سئل عنه من شرح ما عرض له من الاختلاف في صور المواليد رسالة فيما حكى من أعمار الناس في الزمن القديم وخلافها في هذا الزمن رسالة في تصحيح عمل نمو دارات المواليد والهيلاج والكدخداه رسالة في إيضاح علة رجوع الكواكب رسالة في الإبانة أن الاختلاف الذي في الأشخاص العالية ليس علة الكيفيات الأول‏.‏

رسالة في سرعة ما يرى من حركة الكواكب إذا كانت في الأفق وإبطائها كلما علت رسالة في الشعاعات رسالة في فصل ما بين السير وعمل الشعاع رسالة في علل الأوضاع النجومية رسالته المنسوبة إلى الأشخاص العالية المسماة سعادة ونحاسة رسالة في علل القوى المنسوبة إلى الأشخاص العالية الدالة على المطر رسالة في علل أحداث الجو رسالة في العلة التي لها يكون بعض المواضع تكاد لا تمطر رسالة إلى زرنب تلميذه في أسرار النجوم وتعليم مبادئ الأعمال رسالة في العلة التي ترى من الهالات للشمس والقمر والكواكب والأضواء النيرة أعني النيرين رسالة في اعتذاره في موته دون كماله لسني الطبيعة التي هي مائة وعشرون سنة كلام في الجمرات رسالة في النجوم رسالة في أغراض كتب إقليدس رسالة في إصلاح كتب إقليدس رسالة في اختلاف المناظر رسالة في عمل شكل المتوسطين رسالة في تقريب وتر الدائرة رسالة في تقريب وتر التسع رسالة في مساحة إيوان رسالة في تقسيم المثلث والمربع وعملهما رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح اسطوانة مفروضة رسالة في شروق الكواكب وغروبها بالهندسة رسالة في قسمة الدائرة إلى ثلاثة أقسام رسالة في إصلاح المقالة الرابعة عشرة والخامسة عشرة من كتاب إقليدس رسالة في البراهين المساحية لما يعرض من الحسبانات الفلكية رسالة في تصحيح قول أبسقلاس في المطالع رسالة في اختلاف مناظر المرآة رسالة في صنعة الأصطرلاب بالهندسة رسالة في استخراج خط نصف النهار وسمت القبلة بالهندسة رسالة في عمل الرخامة بالهندسة رسالة في أن عمل الساعات على صفيحة تنصب على السطح الموازي للأفق خير من غيرها رسالة في استخراج الساعات على نصف كرة بالهندسة رسالة في السوائح مسائل في مساحة الأنهار وغيرها رسالة في النسب الزمانية كلام في العدد كلام في المرايا التي تحرق رسالة في امتناع وجود مساحة الفلك الأقصى المدبر للأفلاك رسالة في أن طبيعة الفلك مخالفة لطبائع العناصر الأربعة وأنه طبيعة خامسة رسالة في ظاهريات الفلك رسالة في العالم الأقصى رسالة في سجود الجرم الأقصى لباريه رسالة في الرد على المنانية في العشر مسائل في موضوعات الفلك رسالة في الصور‏.‏

رسالة في أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلا نهاية رسالة في المناظر الفلكية رسالة في امتناع الجرم الأقصى من الاستحالة رسالة في صناعة بطليموس الفكلية رسالة في تناهي جرم العالم رسالة في ماهية الفلك واللون اللازم اللازوردي المحسوس من جهة السماء رسالة في ماهية الجرم الحامل بطباعه للألوان من العناصر الأربعة رسالة في البرهان على الجسم السائر وماهية الأضواء والأظلام رسالة في المعطيات رسالة في تركيب الأفلاك رسالة في الأجرام الهابطة من العلو وسبق بعضها بعضاً رسالة في العمل بالآلة المسماة الجامعة رسالة في كيفية رجوع الكواكب المتحيرة رسالة في الطب البقراطي رسالة في الغذاء والدواء المهلك رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء رسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية رسالة في كيفية إسهال الأدوية وانجذاب الأخلاط رسالة في علة نفث الدم رسالة في تدبير الأصحاء رسالة في أشفية السموم رسالة في علة بحارين من الأمراض الحادة رسالة في تبيين لعضو الرئيس من جسم الإنسان والإبانة عن الألباب رسالة في كيفية الدماغ رسالة في علة الجذام وأشفيته رسالة في عضة الكلب والكَلِب رسالة في الأعراض الحادثة من البلغم وعلة موت الفجأة رسالة في وجع المعدة والنقرس رسالة إلى رجل في علة شكاها إليه في بطنه ويده رسالة في أقسام الحميات رسالة في علاج الطحال الجاسي من الأمراض السوداوية رسالة في أجساد الحيوان إذا فسدت رسالة في تدبير الأطعمة رسالة في صنعة أطعمة من غير عناصرها رسالة في الحياة كتاب الأدوية الممتحنة كتاب الأقراباذين رسالة في الفرق بين الجنون العارض من مس الشياطين وبين ما يكون من فساد الأخلاط رسالة في الفراسة رسالة في إيضاح العلة في السمائم القاتلة السمائية وهو على المقال المطلق الوباء رسالة في الحيلة لدفع الأحزان جوامع كتاب الأدوية المفردة لجالينوس رسالة في الإبانة عن منفعة الطب إذا كانت صناعة النجوم مقرونة بدلائلها رسالة في اللثغة للأخرس رسالة في تقدمة المعرفة بالاستلال بالأشخاص العالية على المسائل رسالة في مدخل الأحكام على المسائل‏.‏

رسالته الأولى والثانية والثالثة إلى صناعة الأحكام بتقاسيم رسالة في الأخبار عن كمية ملك العرب وهي رسالته في اقتران التحسين في برج السرطان رسالة في قدر منفعة صناعة الأحكام ومن الرجل المسمى منجماً باستحقاق رسالته المختصرة في حدود المواليد رسالة في تحويل سني المواليد رسالة في الاستدلال بالكسوفات على الحوادث رسالة في الرد على الثنوية رسالة في نقض مسائل الملحدين رسالة في تثبيت الرسل عليهم السلام رسالة في الاستطاعة وزمان كونها رسالة في الرد على من زعم أن للأجرام في هويتها في الجو توقفات رسالة في بطلان قول من زعم أن بين الحركة الطبيعية والعرضية سكون رسالة في أن الجسم في أول إبداعه لا ساكن ولا متحرك ظن باطل رسالة في التوحيد بتفسيرات رسالة في أوائل الجسم رسالة في افتراق الملل في التوحيد وإنهم مجمعون على التوحيد وكل قد خالف صاحبه رسالة في المتجسد رسالة في البرهان كلام له مع ابن الراوندي في التوحيد كلام رد به على بعض المتكلمين رسالة إلى محمد بن الجهم في الإبانة عن وحدانية الله عزّ وجل وعن تناهي جرم الكل رسالة في الأكفار والتضليل رسالة في أن النفس جوهر بسيط غير داثر مؤثر في الأجسام رسالة في ما للنفس ذكره وهي في عالم العقل قبل كونها في عالم الحس رسالة في خبر اجتماع الفلاسفة على الرموز العشقية رسالة في علة النوم والرؤيا وما يرمز به النفس رسالة في أن ما بالإنسان إليه حاجة مباح له في العقل قبل أن يحظر رسالته الكبرى في السياسة رسالة في التنبيه على الفضائل رسالة في نوادر الفلاسفة رسالة في خبر فضيلة سقراط رسالة في محاورة جرت بين سقراط وأرسواس رسالة في خبر موت سقراط رسالة فيما جرى بين سقراط والحرانيين رسالة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد في الكائنات الفاسدات رسالة في العلة التي لها قيل أن النار والهواء والماء والأرض عناصر تجمع الكائنة الفاسدة وهي وغيرها يستحيل بعضها إلى بعض رسالة في اختلاف الأزمنة التي تظهر فيها قوى الكيفيات الأربع الأولى رسالة في خبر العقل رسالة في النسب الزمانية رسالة في علة اختلاف أنواع السنة رسالة في ماهية الزمان وماهية الدهر والحين والوقت رسالة في العلة التي لها يبرد أعلى الجو ويسخن ما قرب من الأرض رسالة في الأثر الذي يظهر في الجو ويسمى كوكباً‏.‏

رسالة في الكوكب الذي ظهر ورصده أياماً حتى اضمحل رسالة في الكواكب ذي الذؤابة رسالة في العلة الحادث بها البرد في آخر الشتاء في الإبان المسمى أيام العجوز رسالة في علة كون الضباب والأسباب المحدثة له رسالة فيما رصد من الأثر العظيم في سنة اثنتين وعشرين ومائتين للهجرة رسالة في الآثار العلوية رسالة إلى ابنه أحمد في اختلاف مواضع المساكن من كرة الأرض وهذه الرسالة شرح فيها كتاب المساكن لثاوذوسيوس رسالة في علة حدوث الرياح في باطن الأرض المحدثة كثير الزلازل والخسوف رسالة في علة اختلاف الأزمان في السنة وانتقالها بأربعة فصول مختلفة كلام في عمل السمت رسالة في أبعاد الأجرام رسالة في استخراج بعد مركز القمر من الأرض رسالة في استخراج آلة عَملِها يستخرج بها أبعاد الأجرام رسالة في عمل آلة يعرف بها بعد المعاينات‏.‏

الباب التاسع طبقات الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم جورجس وهو من أول من ابتدأ في نقل الكتب الطبية إلى اللسان العربي عندما استدعاه المنصور وكان كثير الإحسان إليه وقد ذكرت أخبار جورجس فيما تقدم حنين بن إسحاق كان عالماً باللغات الأربع غريبها ومستعملها العربية والسريانية واليونانية والفارسية ونقله في غاية من الجودة إسحاق بن حنين كان أيضاً عالماً باللغات التي يعرفها أبوه وهو يلحق به في النقل وكان إسحاق عذب العبارة فصيح الكلام وكان حنين مع ذلك أكثر تصنيفاً ونقلاً وقد تقدم ذكر إسحاق وأبيه‏.‏

حبيش الأعسم وهو ابن أخت حنين بن إسحاق وتلميذه ناقل مجود يلحق بحنين وإسحاق وقد تقدم أيضاً ذكره‏.‏

عيسى بن يحيى بن إبراهيم كان أيضاً تلميذاً لحنين بن إسحاق وكان فاضلاً أثنى عليه حنين ورضي نقله وقلده فيه وله مصنفات‏.‏

قسطا بن لوقا البعلبكي كان ناقلاً خبيراً باللغات فاضلاً في العلوم الحكمية وغيرها وسيأتي ذكره وأخباره فيما بعد إن شاء اللّه‏.‏

أيوب المعروف بالأبرش ماسرجيس كان ناقلاً من السرياني إلى العربي ومشهوراً بالطب‏.‏

وله من الكتب كتاب قوى الأطعمة ومنافعها ومضارها كتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها‏.‏

عيسى بن ماسرجيس كان يلحق بأبيه وله من الكتب كتاب الألوان كتاب الروائح والطعوم‏.‏

شهدي الكرخي من أهل الكرخ وكان قريب الحال في الترجمة‏.‏

ابن شهدي الكرخي كان مثل أبيه في النقل ثم إنه في آخر عمره فاق أباه ولم يزل متوسطاً وكان ينقل من السرياني إلى العربي ومن نقله كتاب الأجنة لأبقراط‏.‏

الحجاج بن مطر ابن ناعمة واسمه عبد المسيح بن عبد اللّه الحمصي الناعمي كان متوسط النقل وهو إلى الجودة أميل‏.‏

زوربا بن مانحوه الناعمي الحمصي كان قريب النقل وما هو في درجة من قبله‏.‏

هلال بن أبي هلال الحمصي كان صحيح النقل ولم يكن عنده فصاحة ولا بلاغة في اللفظ‏.‏

فثيون الترجمان وجدت نقله كثير اللحن ولم يكن يعرف علم العربية أصلاً‏.‏

أبو نصربن ناري بن أيوب كان قليل النقل ولم يعتد بنقله غيره من النقلة‏.‏

بسيل المطران نقل كتباً كثيرة وكان نقله أميل إلى الجودة‏.‏

كان يقارب حنين بن إسحاق في النقل إلا أن عبارة حنين أفصح وأحلى‏.‏

موسى بن خالد الترجمان وجدت من نقله كتباً كثيرة من الستة عشر لجالينوس وغيرها وكان لا يصل إلى درجة حنين أو يقرب منها‏.‏

اسطاث كان من النقلة المتوسطين‏.‏

حيرون بن رابطة ليس له شهرة بجودة النقل‏.‏

تدرس السنقل وجدت له نقلاً من الكتب الحكمية لا بأس به‏.‏

سرجس الرأسي من أهل مدينة رأس العين نقل كتباً كثيرة وكان متوسطاً في النقل وكان حنين يصلح نقله فما أيوب الرهاوي ليس هو أيوب الأبرش المذكور أولاً ناقل جيد عالم باللغات إلا أنه بالسريانية خير منه بالعربية‏.‏

يوسف الناقل هو أبو يعقوب يوسف بن عيسى المتطبب الناقل ويلقب الناعس وهو تلميذ عيسى بن صهر بخت وكان يوسف الناقل من خوزستان وكانت في عبارته لكنة وليس نقله بكثير الجودة‏.‏

إبراهيم بن الصلت كان متوسطاً في النقل يلحق بسرجس الرأسي‏.‏

ثابت الناقل كان أيضاً متوسطاً في النقل إلا أنه يفضل إبراهيم بن الصلت وكان مقلاً من النقل ومن نقله كتاب الكيموسين لجالينوس‏.‏

أبو يوسف الكاتب كان أيضاً متوسطاً في النقل ونقل عدة كتب من كتب أبقراط‏.‏

نقل كتباً كثيرة إلى السرياني فأما إلى العربي فما عرف بنقله شيء منها‏.‏

البطريق كان في أيام المنصور وأمره بنقل أشياء من الكتب القديمة وله نقل كثير جيد إلا أنه دون نقل حنين بن إسحاق وقد وجدت بنقله كتباً كثيرة في الطب كتب أبقراط وجالينوس‏.‏

يحيى بن البطريق كان في جملة الحسن بن سهل وكان لا يعرف العربية حق معرفتها ولا اليونانية وإنما كان لطينياً يعرف لغة الروم اليوم وكتابتها وهي الحروف المتصلة لا المنفصلة اليونانية القديمة‏.‏

قيضا الرهاوي كان إذا كثرت على حنين الكتب وضاق عليه الوقت استعان به في نقلها ثم يصلحها بعد ذلك‏.‏

منصور بن باناس طبقته في النقل مثل قيضا الرهاوي وكان بالسريانية أقوى منه بالعربية‏.‏

مطران الموصل كان صديقاً لجبرائيل بن بختيشوع وناقلاً له‏.‏

أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي أحد النقلة المجيدين وكان منقطعاً إلى علي بن عيسى‏.‏

أبو إسحاق إبراهيم بن بكس كان من الأطباء المشهورين وترجم كتباً كثيرة إلى لغة العرب ونقله أيضاً مرغوب فيه‏.‏

أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس كان أيضاً طبيباً مشهوراً وكان مثل أبيه في النقل‏.‏

فأما الذين كان هؤلاء النقلة ينقلون لهم خارجاً عن الخلفاء فمنهم شيرشوع بن قطرب من أهل جندي سابور وكان لا يزال يبر النقلة ويهدي إليهم ويتقرب إلى تحصيل الكتب منهم بما يمكنه من المال وكان يريد السرياني أكثر من العربي وهو أحد الخوز‏.‏

محمد بن موسى المنجم وهو أحد بني موسى بن شاكر الحساب المشهورين بالفضل والعلم والتصنيف في العلوم الرياضية وكان محمد هذا من أبر الناس بحنين بن إسحاق وقد نقل له حنين كثيراً من الكتب الطبية‏.‏

علي بن يحيى المعروف بابن المنجم أحد كتاب المأمون وكان نديماً له وعنده فضل ومال إلى الطب فنقلوا له كتباً كثيرة‏.‏

ثادرس الأسقف كان أسقفاً في الكرخ ببغداد وكان حريصاً على طلب الكتب متقرباً إلى قلوب نقلتها فحصل منها شيئاً كثيراً وصنف له قوم من الأطباء النصارى كتباً لها قدر وجعلوها باسمه‏.‏

محمد بن موسى بن عبد الملك نقلت له كتب طبية وكان من جملة العلماء الفضلاء يلخص الكتب ويعتبر جيد الكلام فيها من رديه‏.‏

عيسى بن يونس الكاتب الحاسب علي المعروف بالفيوم اشتهر باسم المدينة التي كان عاملها وكانت النقلة يحصلون من جانبه ويمتارون من فضله‏.‏

أحمد بن محمد المعروف بابن المدبر الكاتب وكان يصل إلى النقلة من ماله وأفضاله شيء كثير جداً‏.‏

إبراهيم بن محمد بن موسى الكاتب وكان حريصاً على نقل كتب اليونانيين إلى لغة العرب ومشتملاً على أهل العلم والفضل وعلى النقلة خاصة‏.‏

عبد اللّه بن إسحاق وكان أيضاً حريصاً على نقل الكتب وتحصيلها محمد بن عبد الملك الزيات وكان يقارب عطاؤه للنقلة والنساخ في كل شهر ألفي دينار ونقل باسمه كتب عدة وكان أيضاً ممن نقلت له الكتب اليونانية وترجمت باسمه جماعة من أكابر الأطباء مثل يوحنا بن ماسويه وجبرائيل بن بختيشوع وبختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع وداؤد بن سرابيون وسلمويه بن بنان واليسع وإسرائيل بن زكريا بن الطيفوري وحبيش بن الحسن‏.‏

الباب العاشر طبقات الأطبّاء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر عقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب وأحد أبناء ملوكها وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكبر بن الحرث الأصغر بن معاوية بن الحرث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة بن عفير بن عدي بن الحرث ابن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وكان أبوه إسحاق بن الصباح أميراً على الكوفة للمهدي والرشيد وكان الأشعث بن قيس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان قبل ذلك ملكاً على جميع كندة وكان أبوه قيس بن معدي كرب ملكاً على جميع كندة أيضاً عظيم الشأن وهو الذي مدحه الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة - بقصائدة الأربع الطوال التي أولاهن والثانية رحلت سمية غدوة أجمالها‏.‏

والثالثة أأزمعت من آل ليلى ابتكارا‏.‏

والرابعة أتهجر غانية أم تلم‏.‏

وكان أبوه معدي كرب بن معاوية ملكاً على بني الحرث الأصغر بن معاوية في حضرموت وكان أبوه معاوية بن جبلة ملكاً بحضرموت أيضاً على بني الحرث الأصغر وكان معاوية بن الحرث الأكبر وأبوه الحرث الأكبر وأبوه ثور ملوكاً على معبد بالمشقر واليمامة والبحرين‏.‏

وكان يعقوب بن إسحاق الكندي عظيم المنزلة عند المأمون والمعتصم وعند ابنه أحمد وله مصنفات جليلة ورسائل كثيرة جداً في جميع العلوم‏.‏

وقال سليمان بن حسان إن يعقوب بن إسحاق الكندي شريف الأصل بصري - كان جده ولي الولايات لبني هاشم - ونزل البصرة وضيعته هنالك وانتقل إلى بغداد وهناك تأدب وكان عالماً بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم ولم يكن في الإسلام فيلسوف غيره احتذى في تواليفه حذو أرسطوطاليس وله تواليف كثيرة في فنون من العلم وخدم الملوك فباشرهم بالأدب وترجم من كتب الفلسفة الكثير وأوضح منها المشكل ولخص المستصعب وبسط العويص‏.‏

وقال أبو معشر في كتاب المذكرات لشاذان حذاق الترجمة في الإسلام أربعة حنين بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق الكندي وثابت بن قرة الحراني وعمر بن الفرخان الطبري وقال ابن النديم البغدادي الكاتب المعروف بابن أبي يعقوب في كتاب الفهرست كان أبو معشر وهو جعفر بن محمد البلخي من أصحاب الحديث أولاً ومنزله في الجانب الغربي بباب خراسان ببغداد يضاغن الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة فدس عليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شره عن الكندي بنظره في هذا العلم لأنه من جنس علوم الكندي ويقال إنه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وكان فاضلاً حسن الإصابة وضربه المستعين أسواطاً لأنه أصاب في شيء خبره بكونه قبل وقته فكان يقول أصبت فعوفيت وكان مولده بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان وتوفي أبو معشر وقد جاوز المائة سنة وقال أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم في كتاب حسن العقبى حدثني أبو كامل شجاع بن أسلم الحاسب قال كان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر في أيام المتوكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم في معرفة فأشخصا سند بن علي إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل ووجها إلى داره فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها في خزانة سميت الكندية ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف بالجعفري فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغني الذي عمل المقياس الجديد بمصر وكانت معرفته أوفى من توفيقه لأنه ما تم له عمل قط فغلط في فوهة النهر المعروف بالجعفري وجعلها أخفض من سائره فصار ما يغمر الفوهة لا يغمر سائر النهر فدافع محمد وأحمد ابنا موسى في أمره واقتضاهما المتوكل فسعى بهما إليه فيه فأنفذ مستحثاً في إحضار سند بن علي من مدينة السلام فوافى فلما تحقق محمد وأحمد ابنا موسى أن سند بن علي قد شخص أيقنا بالهلكة ويئسا من الحياة فدعا المتوكل بسند وقالما ترك هذان الرديان شيئاً من سوء القول إلا وقد ذكراك عندي به وقد أتلفا جملة من مالي في هذا النهر فاخرج إليه حتى تتأمله وتخبرني بالغلط فيه فإني قد آليت على نفسي إن كان الأمر على ما وصف لي أني أصلبهما على شاطئه وكل هذا بعين محمد وأحمد ابني موسى وسمعهما فخرج وهما معه فقال محمد بن موسى لسند يا أبا الطيب إن قدرة الحُر تُذهب حفيظته وقد فرغنا إليك في أنفسنا التي هي أنفس أعلاقنا وما ننكر أنا أسأنا والاعتراف يهدم الاقتراف فتخلصنا كيف شئت قال لهما واللّه إنكما لتعلمان ما بيني وبين الكندي من العداوة والمباعدة ولكن الحق أولى ما أتبع أكان من الجميل ما أتيتماه إليه من أخذ كتبه واللّه لا ذكرتكما بصالحة حتى تردا عليه كتبه فتقدم محمد بن موسى في حمل الكتب إليه وأخذ خطه باستيفائها فوردت رقعة الكندي بتسلمها عن آخرها فقال قد وجب لكما علي ذمام بَردّ كتب هذا الرجل ولكما ذمام بالمعرفة التي لم ترعياها في والخطأ في هذا النهر يستتر أربعة أشهر بزيادة دجلة وقد أجمع الحساب على أن أمير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى وأنا أخبره الساعة أنه لم يقع منكما خطأ في هذا النهر إبقاء على أرواحكما فإن صدق المنجمون أفلتنا الثلاثة وإن كذبوا وجازت مدته حتى تنقص دجلة وتنصب أوقع بنا ثلاثتنا فشكر محمد وأحمد هذا القول منه واسترقهما به ودخل على المتوكل فقال له ما غلطا وزادت دجلة وجرى الماء في النهر فاستتر حاله وقتل المتوكل بعد شهرين وسلم محمد وأحمد بعد شدة الخوف مما توقعا‏.‏

وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد في كتاب طبقات الأمم عن الكندي عندما ذكر تصانيفه وكتبه قال ومنها كتبه في علم المنطق وهي كتب قد نفقت عن الناس نفاقاً عاماً وقلما ينتفع بها في العلوم لأنها خالية من صناعة التحليل التي لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل في كل مطلوب إلا بها وأما صناعة التركيب وهي التي قصد يعقوب في كتبه هذه إليها فلا ينتفع بها إلا من كانت عنده مقدمات عتيدة فحينئذ يمكنه التركيب ومقدمات كل مطلوب لا توجد إلا بصناعة التحليل ولا أدري ما حمل يعقوب على الإضراب عن هذه الصناعة الجليلة هي جهل مقدارها أو ضَنَّ على الناس بكشف وأي هذين كان فهو نقص فيه وله بعد هذا رسائل كثيرة في علوم جمة ظهرت له فيها آراء فاسدة ومذاهب بعيدة عن الحقيقة‏.‏

أقول هذا الذي قد قاله القاضي صاعد عن الكندي فيه تحامل كثير عليه وليس ذلك مما يحط من علم الكندي ولا مما يصد الناس عن النظر في كتبه والانتفاع بها‏.‏

وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست كان من تلامذة الكندي ووراقيه حسنويه ونفطويه وسلمويه وآخر على هذ الوزن ومن تلامذته أحمد بن الطيب وأخذ عنه أبو معشر أيضاً‏.‏

قال أبو محمد عبد اللّه بن قتيبة في كتاب فرائد الدر قال بعضهم أنشدت يعقوب بن إسحاق الكندي وفي أربع مني حلت منك أربع فما أنا أدري أيها هاج لي كربي أوجهك في عيني أم الطعم في فمي أم النطق في سمعي أم الحب في قلبي أقول ومن كلام الكندي قال في وصيته وليتق اللّه تعالى المتطبب ولا يخاطر فليس عن الأنفس عوض وقال وكما يحب أن يقال له أنه كان سبب عافية العليل وبرئه كذلك فليحذر أن يقال أنه كان سبب تلفه وموته وقال العاقل يظن أن فوق علمه علماً فهو أبداً يتواضع لتلك الزيادة والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس لذلك‏.‏

ومن كلامه مما أوصى به لولده أبي العباس نقلت ذلك من كتاب المقدمات لابن بختويه - قال الكندي يا بني الأب رب والأخ فخ والعم غم والخال وبال والولد كمد والأقارب عقارب وقول لا يصرف البلا وقول نعم يزيل النعم وسماع الغناء برسام حاد لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغتم فيعتل فيموت والدينار محموم فإن صرفته مات والدرهم محبوس فإن أخرجته فر والناس سخرة فخذ شيئهم واحفظ شيئك ولا تقبل ممن قال اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار بلاقع‏.‏

أقول وإن كانت هذه وصية الكندي فقد صدق ما حكاه عنه ابن النديم البغدادي في كتابه فإنه قال إن الكندي كان بخيلاً‏.‏

ومن شعر يعقوب بن إسحاق الكندي قال الشيخ أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري اللغوي في كتاب الحكم والأمثال أنشدني أحمد بن جعفر قال أنشدني أحمد بن الطيب أناف الذنابى على الأرؤس فغمض جفونك أو نكس وضائل سوادك واقبض يديك وفي قعربيتك فاستجلس وعند مليكك فابغ العلو وبالوحدة اليوم فاستأنس فإن الغنى في قلوب الرجال وإن التعززبالأنفس وكائِنْ ترى من أخي عسرة غني وذي ثروة مفلس ومن قائم شخصه ميت على أنه بعد لم يرمس فإن تطعم النفس ما تشتهي تقيك جميع الذي تحتسي وليعقوب بن إسحاق الكندي من الكتب كتاب الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد كتاب الفلسفة الداخلة والمسائل المنطقية والمعتاصة وما وافق الطبيعيات رسالة في أنه لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات كتاب الحث على تعلم الفلسفة رسالة في كمية كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل علم الفلسفة مما لا غنى في ذلك عنه منها وترتيبها وأغراضه فيها كتاب في قصد أرسطوطاليس في المقولات إياها قصد والموضوعة لها رسالته الكبرى في مقياسه العلم كتاب أقسام العلم الأنسي كتاب في ماهية العلم وأقسامه كتاب في أن أفعال البارئ كلها عدل لا جور فيها كتاب في ماهية الشيء الذي لا نهاية له وبأي نوع يقال للذي لا نهايةله رسالة في الإبانة أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلا نهاية وإن ذلك إنما هو في القوة كتاب في الفاعلة والمنفعلة من الطبيعيات الأول كتاب في عبارات الجوامع الفكرية كتاب في مسائل سئل عنها في منفعة الرياضيات كتاب في بحث قول المدعي أن الأشياء الطبيعية تفعل فعلاً واحداً بإيجاب الخلقة رسالة في الرفق في الصناعات رسالة في رسم رقاع إلى الخلفاء والوزراء رسالة في قسمة القانون رسالة في ماهية العقل والإبانة عنه رسالة في الفاعل الحق الأول التام والفاعل الناقص الذي هو في المجاز رسالة إلى المأمون في العلة والمعلول اختصار كتاب إيساغوجي لفرفوريوس مسائل كثيرة في المنطق وغيره وحدود الفلسفة كتاب في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيها كتاب في المدخل المنطقي باختصار وإيجاز رسالة في المقولات العشر رسالة في الإبانة عن قول بطليموس في أول كتابه في المجسطي عن قول أرسطوطاليس في أنالوطيقا رسالة في الاحتراس من خدع السوفسطائية رسالة بإيجاز واختصار في البرهان المنطقي رسالة في الأسماء الخمسة اللاحقة لكل المقولات رسالة في سمع الكيان رسالة في عمل آلة مخرجة الجوامع رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقي خمس مقالات رسالة إلى أحمد بن المعتصم في كيفية استعمال الحساب الهندي أربع مقالات رسالة في الإبانة عن الأعداد التي ذكرها أفلاطن في السياسة رسالة في تأليف الأعداد رسالة في التوحيد من جهة العدد رسالة في استخراج الخبيء والضمير رسالة في الزجر والفأل من جهة العدد رسالة في الخطوط والضرب بعدد الشعير رسالة في الكمية المضافة رسالة في النسب الزمانية رسالة في الحيل العددية وعلم إضمارها رسالة في أن العالم وكل ما فيه كروي الشكل رسالة في الإبانة على أنه ليس شيء من العناصر الأولى والجرم الأقصى غير كروي رسالة في أن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جميع الأشكال البسيطة رسالة في الكريات رسالة في عمل السمت على الكرة رسالة في أن سطح ماء البحر كروي رسالة في تسطيح الكرة رسالة في عمل الحلق الست واستعمالها رسالته الكبرى في التأليف رسالة في ترتيب النغم الدالة على طبائع الأشخاص العالية وتشابه التأليف رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى رسالة في الإيقاع رسالة في خير صناعة الشعراء رسالة في الأخبار عن صناعة الموسيقى مختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود ألفه لأحمد بن المعتصم رسالة في أجزاءجبرية الموسيقى رسالة في أن رؤية الهلال لا تضبط بالحقيقة وإنما القول فيها بالتقريب رسالة في مسائل سئل عنها من أحوال الكواكب رسالة في جواب مسائل طبيعية في كيفيات نجومية سأله أبو معشر عنها رسالة في الفصلين رسالة فيما ينسب إليه كل بلد من البلدان إلى برج من البروج وكوكب من الكواكب رسالة فيما سئل عنه من شرح ما عرض له من الاختلاف في صور المواليد رسالة فيما حكى من أعمار الناس في الزمن القديم وخلافها في هذا الزمن رسالة في تصحيح عمل نمو دارات المواليد والهيلاج والكدخداه رسالة في إيضاح علة رجوع الكواكب رسالة في الإبانة أن الاختلاف الذي في الأشخاص العالية ليس علة الكيفيات الأول رسالة في سرعة ما يرى من حركة الكواكب إذا كانت في الأفق وإبطائها كلما علت رسالة في الشعاعات رسالة في فصل ما بين السير وعمل الشعاع رسالة في علل الأوضاع النجومية رسالته المنسوبة إلى الأشخاص العالية المسماة سعادة ونحاسة رسالة في علل القوى المنسوبة إلى الأشخاص العالية الدالة على المطر رسالة في علل أحداث الجو رسالة في العلة التي لها يكون بعض المواضع تكاد لا تمطر رسالة إلى زرنب تلميذه في أسرار النجوم وتعليم مبادئ الأعمال رسالة في العلة التي ترى من الهالات للشمس والقمر والكواكب والأضواء النيرة أعني النيرين رسالة في اعتذاره في موته دون كماله لسني الطبيعة التي هي مائة وعشرون سنة كلام في الجمرات رسالة في النجوم رسالة في أغراض كتب إقليدس رسالة في إصلاح كتب إقليدس رسالة في اختلاف المناظر رسالة في عمل شكل المتوسطين رسالة في تقريب وتر الدائرة رسالة في تقريب وتر التسع رسالة في مساحة إيوان رسالة في تقسيم المثلث والمربع وعملهما رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح اسطوانة مفروضة رسالة في شروق الكواكب وغروبها بالهندسة رسالة في قسمة الدائرة إلى ثلاثة أقسام رسالة في إصلاح المقالة الرابعة عشرة والخامسة عشرة من كتاب إقليدس رسالة في البراهين المساحية لما يعرض من الحسبانات الفلكية رسالة في تصحيح قول أبسقلاس في المطالع رسالة في اختلاف مناظر المرآة رسالة في صنعة الأصطرلاب بالهندسة رسالة في استخراج خط نصف النهار وسمت القبلة بالهندسة رسالة في عمل الرخامة بالهندسة رسالة في أن عمل الساعات على صفيحة تنصب على السطح الموازي للأفق خير من غيرها‏.‏

رسالة في استخراج الساعات على نصف كرة بالهندسة رسالة في السوائح مسائل في مساحة الأنهار وغيرها رسالة في النسب الزمانية كلام في العدد كلام في المرايا التي تحرق رسالة في امتناع وجود مساحة الفلك الأقصى المدبر للأفلاك رسالة في أن طبيعة الفلك مخالفة لطبائع العناصر الأربعة وأنه طبيعة خامسة رسالة في ظاهريات الفلك رسالة في العالم الأقصى رسالة في سجود الجرم الأقصى لباريه رسالة في الرد على المنانية في العشر مسائل في موضوعات الفلك رسالة في الصور رسالة في أنه لا يمكن أن يكون جرم العالم بلا نهاية رسالة في المناظر الفلكية رسالة في امتناع الجرم الأقصى من الاستحالة رسالة في صناعة بطليموس الفكلية رسالة في تناهي جرم العالم رسالة في ماهية الفلك واللون اللازم اللازوردي المحسوس من جهة السماء رسالة في ماهية الجرم الحامل بطباعه للألوان من العناصر الأربعة رسالة في البرهان على الجسم السائر وماهية الأضواء والأظلام رسالة في المعطيات رسالة في تركيب الأفلاك رسالة في الأجرام الهابطة من العلو وسبق بعضها بعضاً رسالة في العمل بالآلة المسماة الجامعة رسالة في كيفية رجوع الكواكب المتحيرة رسالة في الطب البقراطي رسالة في الغذاء والدواء المهلك رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء رسالة في الأدوية المشفية من الروائح المؤذية رسالة في كيفية إسهال الأدوية وانجذاب الأخلاط رسالة في علة نفث الدم رسالة في تدبير الأصحاء رسالة في أشفية السموم رسالة في علة بحارين من الأمراض الحادة رسالة في تبيين العضو الرئيس من جسم الإنسان والإبانة عن الألباب رسالة في كيفية الدماغ رسالة في علة الجذام وأشفيته رسالة في عضة الكلب والكَلِب رسالة في الأعراض الحادثة من البلغم وعلة موت الفجأة رسالة في وجع المعدة والنقرس رسالة إلى رجل في علة شكاها إليه في بطنه ويده رسالة في أقسام الحميات رسالة في علاج الطحال الجاسي من الأمراض السوداوية رسالة في أجساد الحيوان إذا فسدت رسالة في تدبير الأطعمة رسالة في صنعة أطعمة من غير عناصرها رسالة في الحياة كتاب الأدوية الممتحنة كتاب الأقراباذين رسالة في الفرق بين الجنون العارض من مس الشياطين وبين ما يكون من فساد الأخلاط رسالة في الفراسة رسالة في إيضاح العلة في السمائم القاتلة السمائية وهو على المقال المطلق الوباء رسالة في الحيلة لدفع الأحزان جوامع كتاب الأدوية المفردة لجالينوس رسالة في الإبانة عن منفعة الطب إذا كانت صناعة النجوم مقرونة بدلائلها رسالة في اللثغة للأخرس رسالة في تقدمة المعرفة بالاستلال بالأشخاص العالية على المسائل‏.‏

رسالة في مدخل الأحكام على المسائل رسالته الأولى والثانية والثالثة إلى صناعة الأحكام بتقاسيم رسالة في الأخبار عن كمية ملك العرب وهي رسالته في اقتران التحسين في برج السرطان رسالة في قدر منفعة صناعة الأحكام ومن الرجل المسمى منجماً باستحقاق رسالته المختصرة في حدود المواليد رسالة في تحويل سني المواليد رسالة في الاستدلال بالكسوفات على الحوادث رسالة في الرد على الثنوية رسالة في نقض مسائل الملحدين رسالة في تثبيت الرسل عليهم السلام رسالة في الاستطاعة وزمان كونها رسالة في الرد على من زعم أن للأجرام في هويتها في الجو توقفات رسالة في بطلان قول من زعم أن بين الحركة الطبيعية والعرضية سكون رسالة في أن الجسم في أول إبداعه لا ساكن ولا متحرك ظن باطل رسالة في التوحيد بتفسيرات رسالة في أوائل الجسم رسالة في افتراق الملل في التوحيد وإنهم كلام له مع ابن الراوندي في التوحيد كلام رد به على بعض المتكلمين رسالة إلى محمد بن الجهم في الإبانة عن وحدانية الله عزّ وجل وعن تناهي جرم الكل رسالة في الأكفار والتضليل رسالة في أن النفس جوهر بسيط غير داثر مؤثر في الأجسام رسالة في ما للنفس ذكره وهي في عالم العقل قبل كونها في عالم الحس رسالة في خبر اجتماع الفلاسفة على الرموز العشقية رسالة في علة النوم والرؤيا وما يرمز به النفس رسالة في أن ما بالإنسان إليه حاجة مباح له في العقل قبل أن يحظر رسالته الكبرى في السياسة رسالة في التنبيه على الفضائل رسالة في نوادر الفلاسفة رسالة في خبر فضيلة سقراط رسالة في محاورة جرت بين سقراط وأرسواس رسالة في خبر موت سقراط رسالة فيما جرى بين سقراط والحرانيين رسالة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد في الكائنات الفاسدات رسالة في العلة التي لها قيل أن النار والهواء والماء والأرض عناصر تجمع الكائنة الفاسدة وهي وغيرها يستحيل بعضها إلى بعض رسالة في اختلاف الأزمنة التي تظهر فيها قوى الكيفيات الأربع لأولى رسالة في خبر العقل‏.‏

رسالة في النسب الزمانية رسالة في علة اختلاف أنواع السنة رسالة في ماهية الزمان وماهية الدهر والحين والوقت رسالة في العلة التي لها يبرد أعلى الجو ويسخن ما قرب من الأرض رسالة في الأثر الذي يظهر في الجو ويسمى كوكباً رسالة في الكوكب الذي ظهر ورصده أياماً حتى اضمحل رسالة في الكواكب ذي الذؤابة رسالة في العلة الحادث بها البرد في آخر الشتاء في الإبان المسمى أيام العجوز رسالة في علة كون الضباب والأسباب المحدثة له رسالة فيما رصد من الأثر العظيم في سنة اثنتين وعشرين ومائتين للهجرة رسالة في الآثار العلوية رسالة إلى ابنه أحمد في اختلاف مواضع المساكن من كرة الأرض وهذه الرسالة شرح فيها كتاب المساكن لثاوذوسيوس رسالة في علة حدوث الرياح في باطن الأرض المحدثة كثير الزلازل والخسوف رسالة في علة اختلاف الأزمان في السنة وانتقالها بأربعة فصول مختلفة كلام في عمل السمت رسالة في أبعاد الأجرام رسالة في استخراج بعد مركز القمر من الأرض رسالة في استخراج آلة عَملِها يستخرج بها أبعاد الأجرام رسالة في عمل آلة يعرف بها بعد المعاينات رسالة في عرفة أبعاد قلل الجبال رسالة إلى أحمد بن محمد الخراساني فيما بعد الطبيعة وإيضاح تناهي جرم العالم رسالة في تقدمة الأخبار رسالة في تقدمة المعرفة بالأحداث رسالة في تقدمة الخبر رسالة في تقدمة المعرفة والاستدلال بالأشخاص السماوية رسالة في أنواع الجواهر والأشباه رسالة في نعت الحجارة والجواهر ومعادنها وجيدها ورديها وأثمانها رسالة في تلويح الزجاج رسالة فيما يصبغ فيعطي لوناً رسالة في أنواع الحديد والسيوف وجيدها ومواضع انتسابها رسالة إلى أحمد بن المعتصم باللّه فيما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تنثلم ولا تكل رسالة في الطائر الأنسى رسالة في تمريخ الحمام رسالة في الطرح على البيض رسالة في أنواع النخل وكرائمه رسالة في عمل القمقم الصياح رسالة في العطر وأنواعه رسالة في كيمياء العطر رسالة في الأسماء المعماة رسالة في التنبيه على خدع الكيميائيين رسالة في الأثرين المحسوسين في الماء رسالة في المد والجزر رسالة في أركاب الخيل رسالته الكبيرة في الأجسام الغائصة في الماء رسالة في الأجرام الهابطة‏.‏

رسالة في شعار المرآة رسالة في اللفظ وهي ثلاثة أجزاء أول وثاني وثالث رسالة في الحشرات مصور عطاردي رسالة في جواب أربع عشرة مسألة طبيعيات سأله عنها بعض إخوانه رسالة في جواب ثلاث مسائل سئل عنها رسالة في قصة المتفلسف بالسكوت رسالة في علة الرعد والبرق والثلج والبرد والصواعق والمطر رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم رسالة في الإبانة أن الاختلاف الذي في الأشخاص العالية ليس علة الكيفيات الأولى كماهي علة ذلك في التي تحت الكون والفساد ولكن علة ذلك حكمة مبدع الكل عزّ وجل رسالة في قلع الآثار من الثياب وغيرها رسالة إلى يوحنا بن ماسويه في النفس وأفعالها رسالة في ذات الشعبتين رسالة في علم الحواس رسالة في صفة البلاغة رسالة في قدر المنفعة بأحكام النجوم كلام في المبدع الأول رسالة في صنعة الأحبار والليق رسالة إلى بعض إخوانه في رموز الفلاسفة في المجسمات رسالة في عناصر الأخبار كتاب في الجواهر الخمسة رسالة إلى أحمد بن المعتصم في تجويز إجابة الدعاء من الله عزّ وجلّ لمن دعا به رسالة في الفلك والنجوم ولم قسمت دائرة فلك البروج على اثني عشر قسماً وفي تسميتهم السعود والنحوس وبيوتها وأشرافها وحدودها بالبرهان الهندسي‏.‏

أحمد بن الطيب السرخسي

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مروان السرخسي ممن ينتمي إلى الكندي وعليه قرأ ومنه أخذ وكان متفنناً في علوم كثيرة من علوم القدماء والعرب حسن المعرفة جيد القريحة بليغ اللسان مليح التصنيف والتأليف أوحداً في علم النحو والشعر وكان حس العشرة مليح النادرة خليعاً ظريفاً وسمع الحديث أيضاً وروى شيئاً منه‏.‏

ومن ذلك روى أحمد بن الطيب السرخسي قال حدثنا عمرو بن محمد الناقل قال أخبرنا سليمان بن عبيد اللّه عن بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن عمران القصير عن أنس بن مالك قال قال رسول اللّه إذا اكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فعليهم الديار‏.‏

وروى أحمد بن الطيب أيضاً عن أحمد بن الحرث عن أبي الحسن علي بن محمد المدائني عن عبد اللّه المبارك عن عبد العزيز بن أبي سالم عن مكحول قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذاباً يوم القيامة من سب نبياً أو صحابة نبي أو أئمة المسلمين وتولى أحمد بن الطيب في أيام المعتضد الحسبة ببغداد وكان أولاً معلماً للمعتضد ثم نادمه وخص به وكان يفضي إليه بأسراره ويستشيره في أمور مملكته وكان الغالب على أحمد بن الطيب علمه لا عقله وكان سبب قتل المعتضد إياه اختصاصه به فإنه أفضى إليه بسر يتعلق بالقاسم بن عبيد الله وبدر غلام المعتضد فأفشاه وأذاعه بحيلة من القاسم عليه مشهورة فسلمه المعتضد إليهما فاستصفيا ماله ثم أودعاه المطامير فلما كان في الوقت الذي خرج فيه المعتضد لفتح آمد وقتال أحمد ابن عيسى بن شيخ أفلت من المطامير جماعة من الخوارج وغيرهم والتقطهم مؤنس الفحل وكان إليه الشرطة وخلافة المعتضد على الحضرة وأقام أحمد في موضعه ورجا بذلك السلامة فكان قعوده سبباً لمنيته وأمر المعتضد القاسم بإثبات جماعة ممن ينبغي أن يقتلوا ليستريح من تعلق القلب بهم فأثبتهم ووقع المعتضد بقتلهم فأدخل القاسم اسم أحمد في جملتهم فيما بعد فقتل وسأل عنه المعتضد فذكر له القاسم قتله وأخرج إليه الثبت فلم ينكره ومضى بعد أن بلغ السماء رفعة في سنة وكان قبض المعتضد على أحمد بن الطيب في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتله في الشهر المحرم من سنة ست وثمانين ومائتين‏.‏

ولأحمد بن الطيب السرخسي من الكتب اختصار كتاب إيساغوجي لفرفوريوس اختصار كتاب قاطيغورياس اختصار كتاب بارير ميناس اختصار كتاب أنا لوطقيا الأولى اختصار كتاب أنالوطقيا الثانية كتاب النفس كتاب الأغشاش وصناعة الحسبة الكبير كتاب غش الصناعات والحسبة الصغير كتاب نزهة النفوس ولم يخرج باسمه كتاب اللهو والملاهي ونزهة المفكرة الساهي في الغناء والمغنين والمنادمة والمجالسة وأنواع الأخبار والملح صنفه للخليفة وقال أحمد بن الطيب في كتابه هذا إنه صنف هذا الكتاب وقد مر له من العمر إحدى وستون سنة كتاب السياسة الصغير كتاب المدخل إلى صناعة النجوم كتاب الموسيقى الكبير مقالتان ولم يعمل مثله كتاب الموسيقى الصغير كتاب المسالك والممالك كتاب الأرثماطيقي في الأعداد والجبر والمقابلة كتاب المدخل إلى صناعة الطب نقض فيه على حنين بن إسحاق كتاب المسائل كتاب فضائل بغداد وأخبارها كتاب الطبيخ ألفه على الشهور والأيام للمعتضد كتاب زاد المسافر وخدمة الملوك مقالة من كتاب أدب الملوك كتاب المدخل إلى علم الموسيقى كتاب الجلساء والمجالسة رسالة في جواب ثابت بن قرة فيما سأل عنه مقالة في البهق والنمش والكلف رسالة في السالكين وطرائفهم واعتقادهم كتاب منفعة الجبال رسالة في وصف مذاهب الصابئين كتاب في أن المبدعات في حال الإبداع لا متحركة ولا ساكنة كتاب في ماهية النوم والرؤيا كتاب في العقل كتاب في وحدانية اللّه تعالى كتاب في وصايا فيثاغورس كتاب في ألفاظ سقراط كتاب في العشق كتاب في برد أيام العجوز كتاب في كون الضباب كتاب في الفأل كتاب في الشطرنج العالية كتاب أدب في النفس إلى المعتضد كتاب في الفرق بين نحو العرب والمنطق كتاب في أن أركان الفلسفة بعضها على بعض وهو كتاب الاستيفاء كتاب في أحداث الجو كتاب الرد على جالينوس في المحل الأول رسالة إلى ابن ثوابة رسالة في الخضابات المسودة للشعر وغير ذلك كتاب في أن الجزء ينقسم إلى ما لا نهاية له كتاب في أخلاق النفس كتاب سيرة الإنسان كتاب إلى بعض إخوانه في القوانين العامة الأولى في الصناعة الديالقطيقية أي الجدلية على مذهب أرسطوطاليس اختصار كتاب سوفسطيقا لأرسطوطاليس كتاب القيان‏.‏

أبو الحسن ثابت بن قرة الحراني

كان من الصابة المقيمين بحران ويقال الصابئون نسبتهم إلى صاب - وهو طاط بن النبي إدريس عليه السلام - وثابت هذا هو ثابت بن قرة ابن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم بن كرايا بن مارينوس بن سالايونوس وكان ثابت ابن قرة صيرفياً بحران ثم استصحبه محمد بن موسى لما انصرف من بلد الروم لأنه رآه فصيحاً وقيل إنه قرأ على محمد بن موسى فتعلم في داره فوجب حقه عليه فوصله بالمعتضد وأدخله في جملة المنجمين وهو أصل ما تجدد للصابة من الرئاسة في مدينة السلام وبحضرة الخلفاء ولم يكن في زمن ثابت بن قرة من يماثلة في صناعة الطب ولا في غيره من جميع أجزاء الفلسفة وله تصانيف مشهورة بالجودة وكذلك جاء جماعة كثيرة من ذريته ومن أهله يقاربونه فيما كان عليه من حسن التخرج والتمهر في العلوم

ولثابت أرصاد حسان للشمس تولاها ببغداد وجمعها في كتاب بيّن فيه مذهبه في سنة الشمس وما أدركه بالرصد في موضع أوجها ومقدار سنيها وكمية حركاتها وصورة تعديلها وكان جيد النقل إلى النقل العربي حسن العبارة وكان قوي المعرفة باللغة السريانية وغيرها وقال ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة إن الموفق لمّا غضب على ابنه أبي العباس المعتضد باللّه حبسه في دار إسماعيل بن بلبل وكان أحمد الحاجب موكلاً به وتقدم إسماعيل بن بلبل إلى ثابت بن قرة بأن يدخل إلى أبي العباس ويؤنسه وكان عبد اللّه بن أسلم ملازماً لأبي العباس فأنس أبو العباس بثابت بن قرة أنساً كثيراً وكان ثابت يدخل إليه إلى الحبس في كل يوم ثلاث مرات يحادثه ويسليه ويعرفه أحوال الفلاسفة وأمر الهندسة والنجوم وغير ذلك فشغف به ولطف منه محله فلما خرج من حبسه قال لبدر غلامه يا بدر أي رجل أفدنا بعدك فقال من هو يا سيدي فقال ثابت بن قرة ولما تقلد الخلافة أقطعه ضياعاً جليلة وكان يجلسه بين يديه كثيراً بحضرة الخاص والعام ويكون بدر غلام الأمير قائماً والوزير وهو جالس بين يدي الخليفة‏.‏

قال أبو إسحاق الصابئ الكاتب إن ثابتاً يمشي مع المعتضد في الفردوس - وهو بستان في دار الخليفة للرياضة - وكان المعتضد قد اتكأ على يد ثابت وهما يتماشيان ثم نتر المعتضد يده من يد ثابت بشدة ففزع ثابت فإن المعتضد كان مهيباً جداً فلما نتر يده من يد ثابت قال له يا أبا الحسن - وكان في الخلوات يكنيه وفي الملأ يسميه - سهوت ووضعت يدي على يدك واستندت عليها وليس هكذا يجب أن يكون فإن العلماء يعلون ولا يُعلون‏.‏

ونقلت من كتاب الكنايات للقاضي أبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني قال حدثني أبو الحسن هلال بن المحسن بن إبراهيم قال حدثني جدي أبو إسحاق الصابئ قال حدثني عمي أبو الحسين ثابت بن إبراهيم قال حدثني أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي قال سألت أبا الحسن ثابت بن قرة عن مسألة بحضرة قوم فكره الإجابة عنها بمشهدهم وكنت حديث السن فدافعني عن الجواب فقلت متمثلاً ألا ما لليل لا ترى عند مضجعي بليل ولا يجري بها لي طائر فلما كان من غد لقيني في الطريق وسرت معه فأجابني عن المسألة جواباً شافياً وقال زجرت الطير يا أبا محمد فأخجلني فاعتذرت إليه وقلت واللّه يا سيدي ما أردتك بالبيتين ومن بديع حسن تصرف ثابت بن قرة في المعالجة ما حكاه أبو الحسن ثابت بن سنان قال حكى أحد أجدادي عن جدنا ثابت بن قرة أنه اجتاز يوماً ماضياً إلى دار الخليفة فسمع صياحاً وعويلاً فقال مات القصاب الذي كان في هذا الدكان فقالوا له أي واللّه يا سيدنا البارحة فجأة وعجبوا من ذلك فقال ما مات خذوا بنا إليه فعدل الناس معه إلى الدار فتقدم إلى النساء بالإمساك عن اللطم والصياح وأمرهن بأن يعملن مزوّرة وأومأ إلى بعض غلمانه بأن يضرب القصاب على كعبه بالعصا وجعل يده في مجسه وما زال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال حسبك واستدعى قدحاً وأخرج من شستكه في كمه دواء فدافه في القدح بقليل ماء وفتح فم القصاب وسقاه إياه فأساغه ووقعت الصيحة والزعقة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميت فتقدم ثابت بغلق الباب والاستيثاق منه وفتح القصاب عينه وأطعمه مزوّرة وأجلسه وقعد عنده ساعة وإذا بأصحاب الخليفة قد جاؤوا يدعونه فخرج معهم والدنيا قد انقلبت والعامة حوله يتعادون إلى أن دخل دار الخلافة‏.‏

ولما مثل بين يدي الخليفة قال له يا ثابت ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك قال يا مولاي كنت أجتاز على هذا القصاب وألحظه يشرح الكبد ويطرح عليها الملح ويأكلها فكنت أستقذر فعله أولاً ثم أعلم أن سكتة ستلحقه فصرت أراعيه وإذ علمت عاقبته انصرفت وركّبت للسكتة دواء استصحبته معي في كل يوم فلما اجتزت اليوم وسمعت الصياح قلت مات القصاب قالوا نعم مات فجأة البارحة فعلمت أن السكتة لحقته فدخلت إليه ولم أجد له نبضاً فضربت كعبه إلى أن عادت حركة نبضه وسقيته الدواء ففتح عينيه وأطعمته مزوّرة والليلة يأكل رغيفا بدراج وفي غد يخرج من بيته‏.‏

أقول وكان مولد ثابت بن قرة في سنة إحدى عشرة ومائتين بحران في يوم الخميس الحادي والعشرين من صفر وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائتين وله من العمر سبع وسبعون سنة وقال ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة كانت بين أبي أحمد يحيى بن المنجم النديم وبين جدي أبي الحسن ثابت بن قرة رحمه اللّه مودة أكيدة ولما مات جدي في سنة ثمان وثمانين ومائتين رثاه أبو أحمد بأبيات هي هذه ألا كل شيء ما خلا اللّه مائت ومن يغترب يرجى ومن مات فائت أرى من مضى عنا وخيم عندنا كسفر ثووا أرضاً فسار وبائت نعينا العلوم الفلسفيات كلها خبا نورها إذ قيل قد مات ثابت وكانوا إذا ضلوا هداهم لنهجها خبير بفصل الحكم للحق ناكت ولما أتاه الموت لمن يغن طبه ولا ناطق مما حواه وصامت ولا أمتعته بالغنى بغتة الردى ألا رب رزق قابل وهو فائت فلو أنه يسطاع للموت مدفع لدافعه عنه حماة مصالت ثقاة من الإخوان يَصْفون وده وليس لما يقضي به اللّه لافت أبا حسن لا تبعدن وكلنا لهلكك مفجوع له الحزن كابت أآمل أن تجلى عن الحق شبهة وشخصك مقبور وصوتك خافت وقد كان يسرو حسن تبيينك العمى وكل قؤول حين تنطق ساكت كأنك مسؤولاً من البحر غارف ومستبدئاً نطقاً من الصخر ناحت فلم يتفقدني من العلم واحد هراق إناء العلم بعدك كابت وكم من محب قد أفدت وإنه لغيرك ممن رام شأوك هافت عجبت لأرض غيّبتك ولم يكن ليثبت فيها مثلك الدهر ثابت وكان من تلامذة ثابت بن قرة عيسى بن أسيد النصراني وكان ثابت يقدمه ويفضله وقد نقل عيسى بن أسيد من السرياني إلى العربي بحضرة ثابت ويوجد له كتاب جوابات ثابت لمسائل عيسى بن أسيد‏.‏

ومن كلام ثابت بن قرة قال ليس على الشيخ أضر من أن يكون له طباخ حاذق وجارية حسناء لأنه يستكثر من الطعام فيسقم ومن الجُماع فيهرم‏.‏

وقال راحة الجسم في قلة الطعام وراحة النفس في قلة الآثام وراحة القلب في قلة الاهتمام وراحة اللسان في قلة الكلام‏.‏

ولأبي الحسن ثابت بن قرة الحراني من الكتب كتاب في سبب كون الجبال مسائله الطبية كتاب في النبض كتاب وجع المفاصل والنقرس جوامع كتاب باريمينياس جوامع كتاب أنالوطيقا الأولى اختصار المنطق نوادر محفوظة من طوبيقا كتاب في السبب الذي من أجله جعلت مياه البحر مالحة اختصار كتاب ما بعد الطبيعة مسائلة المشوقة إلى العلوم كتاب في أغاليط السوفسطائيين كتاب في مراتب العلوم كتاب في الرد على من قال أن النفس مزاج جوامع كتاب الأدوية المفردة لجالينوس جوامع كتاب المرة السوداء لجالينوس جوامع كتاب سوء المزاج المختلف لجالينوس جوامع كتاب الأمراض الحادة لجالينوس جوامع كتاب الكثرة لجالينوس جوامع كتاب تشريح الرحم لجالينوس جوامع كتاب جالينوس في المولودين لسبعة أشهر جوامع ما قاله جالينوس في كتابه في تشريف صناعة الطب كتاب أصناف الأمراض كتاب تسهيل المجسطي كتاب المدخل إلى المجسطي كتاب كبير في تسهيل المجسطي لم يتم وهو أجود كتبه في ذلك كتاب في الوقفات التي في السكون الذي بين حركتي الشريان المتضادتين مقالتان صنف هذا الكتاب سريانياً لأنه أومأ فيه إلى الرد على الكندي ونقله إلى العربي تلميذ له يعرف بعيسى بن أسيد النصراني وأصلح ثابت العربي وذكر قوم أن الناقل لهذا الكتاب حبيش بن الحسن الأعسم وذلك غلط وقد رد أبو أحمد الحسين بن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن كرنيب على ثابت في هذا الكتاب بعد وفاة ثابت بما لا فائدة فيه ولا طائل وهذا الكتاب أنفذه لما صنفه إلى إسحاق بن حنين فاستحسنه استحساناً عظيماً وكتب في آخره بخطه يقرظ أبا الحسن ثابتاً ويدعوه له ويصفه جوامع كتاب القصد لجالينوس جوامع تفسير جالينوس لكتاب أبقراط في الأهوية والمياه والبلدان كتاب في العمل بالكرة كتاب في الحصى المتولد في الكلى والمثانة كتاب في البياض الذي يظهر في البدن كتاب في مسائلة الطبيب للمريض كتاب في سوء المزاج المختلف كتاب في تدبير الأمراض الحادة‏.‏

رسالة في الجدري والحصبة اختصار كتاب النبض الصغير لجالينوس كتاب في قطع الأسطوانة كتاب في الموسيقى رسالة إلى علي بن يحيى المنجم فيما أمر بإثباته من أبواب علم الموسيقى رسالة إلى بعض إخوانه في جواب ما سأله عنه من أمور الموسيقا كتاب في أعمال ومسائل إذا وقع خط مستقيم على خطين ومقالة أخرى له في ذلك كتاب في المثلث القائم الزوايا كتاب في الأعداد المتحابة كتاب في الشكل القطاع كتاب في حالة الفلك كناشه المعروف بالذخيرة ألفه لولده سنان بن ثابت جوابه لرسالة أحمد بن الطيب إليه كتاب في التصرف في أشكال القياس كتاب في تركيب الأفلاك وخلقتها وعددها وعدد حركات الجهات لها والكواكب فيها ومبلغ سيرها والجهات التي تتحرك إليها كتاب في جوامع المسكونة كتاب القرسطيون رسالة في مذهب الصابئين ودياناتهم كتاب في قسمة الأرض كتاب في الهيئة كتاب في الأخلاق كتاب في مقدمات إقليدس كتاب في أشكال إقليدس كتاب في أشكال المجسطي كتاب في استخراج المسائل الهندسية كتاب رؤية الأهلة بالجنوب كتاب رؤية الأهلة من الجداول رسالة في سنة الشمس رسالة الحجة المنسوبة إلى سقراط كتاب في إبطاء الحركة في فلك البروج وسرعتها وتوسطها بحسب الموضع الذي يكون فيه من الفلك الخارج المركز جواب ما سئل عنه عن البقراطيين وكم مبلغ عددهم مقالة في عمل شكل مجس ذي أربع عشرة قاعدة تحيط به كرة معلومة مقالة في الصفرة العارضة للبدن وعدد أصنافها وأسبابها وعلاجها مقالة في وجع المفاصل مقالة في صفة كون الجنين كتاب في علم ما في التقويم بالممتحن كتاب في الأطلال كتاب في وصف القرص كتاب في تدبير الصحة كتاب في محنة حساب النجوم كتاب تفسير الأربعة رسالة في اختيار وقت لسقوط النطفة جوامع كتاب النبض الكبير لجالينوس كتاب الخاصة في تشريف صناعة الطب وترتيب أهلها وتعزيز المنقوصين منهم بالنفوس والأخبار أن صناعة الطب أجل الصناعات كتب به إلى الوزير أبي القاسم عبيد اللّه بن سليمان رسالة في كيف ينبغي أن يسلك إلى نيل المطلوب من المعاني الهندسية فيها ذكر آثار ظهرت في الجو وأحوال كانت في الهواء مما رصد بنو موسى وأبو الحسن ثابت بن قرة اختصار كتاب جالينوس في قوى الأغذية ثلاث مقالات مسائل عيسى بن أسيد لثابت بن قرة وأجوبتها الثابت كتاب البصر والبصيرة في علم العين وعللها ومداواتها المدخل إلى كتاب إقليدس وهو في غاية الجودة كتاب المدخل إلى المنطق اختصار كتاب حيلة البرء لجالينوس شرح السماع الطبيعي مات وما تممه كتاب في المربع وقطره كتاب فيما يظهر في القمر من آثار الكسوف وعلاماته كتاب في علة كسوف الشمس والقمر عمل أكثره ومات وما تممه كتاب إلى ابنه سنان في الحث على تعلم الطب والحكمة جوابان عن كتابي محمد بن موسى بن شاكر إليه في أمر الزمان كتاب في مساحة الأشكال المسطحة وسائر البسط والأشكال كتاب في أن سبيل الأثقال التي تعلق على عمود واحد منفصلة هي سبيلها إذا جعلت ثقلاً واحداً مثبوتاً في جميع العمود على تساو كتاب في طبائع الكواكب وتأثيراتها مختصر في الأصول من علم الأخلاق كتاب في آلات الساعات التي تسمى رخامات كتاب في إيضاح الوجه الذي ذكر بطليموس أن به استخرج من تقدمه مسيرات القمر الدورية وهي المستوية كتاب في صفة استواء الوزن واختلافه وشرائط ذلك جوامع كتاب نيقوماخس في الأرثماطيقي مقالتان أشكال له في الحيل جوامع المقالة الأولى من الأربع لبطليموس جوابه عن مسائل سأله عنها أبو سهل النوبختي كتاب في قطع المخروط المكافي كتاب في مساحة الأجسام المكافية كتاب في مراتب قراءة العلوم اختصار كتاب أيام البحران لجالينوس ثلاث مقالات اختصار الأسطقسات لجالينوس كتاب في أشكال الخطوط التي يمر عليها ظل المقياس مقالة في الهندسة ألفها لإسماعيل ابن بلبل جوامع كتاب جالينوس في الأدوية المنقية جوامع كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس كتاب في العروض كتاب فيما أغفله ثاون في حساب كسوف الشمس والقمر مقالة في حساب خسوف الشمس والقمر كتاب في الأنواء ما وجد من كتابه في النفس مقالة في النظر في أمر النفس كتاب في الطريق إلى اكتساب الفضيلة كتاب في النسبة المؤلفة رسالة في العدد الوفق رسالة في تولد النار بين حجرين كتاب في العمل بالممتحن وترجمته ما استدركه على حبيش في الممتحن كتاب في مساحة قطع الخطوط كتاب في آلة الزمر كتب عدة له في الأرصاد عربي وسرياني كتاب في تشريح بعض الطيور وأظنه مالك الحزين كتاب في أجناس ما تنقسم إليه الأدوية صنفه بالسرياني كتاب في أجناس ما توزن به الأدوية بالسرياني كتاب في هجاء السرياني وإعرابه مقالة في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية إصلاحه للمقالة الأولى من كتاب أبلونيوس في قطع النسب المحدودة وهذا الكتاب مقالتان أصلح ثابت الأولى إصلاحاً جيداً وشرحها وأوضحها وفسرها والثانية لم يصلحها وهي غير مفهومة مختصر في علم النجوم مختصر في علم الهندسة جوابات عن مسائل سأله عنها المعتضد كلام في السياسة جواب له عن سبب الخلاف بين زيج بطليموس وبين الممتحن جوابات له عن عدة مسائل سأل عنها سند بن علي رسالة في حل رموز كتاب السياسة لأفلاطن اختصار القاطيغورياس ومما وجد لثابت بن قرة الحراني الصابي بالسريانية فيما يتعلق بمذهبه رسالة في الرسوم والفروض والسنن رسالة في تكفين الموتى ودفنهم رسالة في اعتقاد الصابئين رسالة في الطهارة والنجاسة رسالة في السبب الذي لأجله ألغز الناس في كلامهم رسالة فيما يصلح من الحيوان للضحايا وما لا يصلح رسالة في أوقات العبادات رسالة في ترتيب القراءة في الصلاة صلوات الابتهال إلى اللّه عزّ وجلّ‏.‏

كان يلحق بأبيه في معرفته بالعلوم واشتغاله بها وتمهره في صناعة الطب وله قوة بالغة في علم الهيئة وكان في خدمة المقتدر باللّه والقاهر وخدم أيضاً بصناعة الطب الراضي باللّه وقال ابن النديم البغدادي الكاتب في كتاب الفهرست إن القاهر باللّه أراد سنان بن ثابت بن قرة على الإسلام فهرب ثم أسلم وخاف من القاهر فمضى إلى خراسان وعاد وتوفي ببغداد مسلماً وكانت وفاته بعلة الذرب في الليلة التي صبيحتها يوم الجمعة مستهل ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة‏.‏

وقال ثابت بن سنان في تاريخه أذكر وقد وقع الوزير علي بن عيسى بن الجراح إلى والدي سنان بن ثابت في أيام تقلده الدواوين من قبل المقتدر باللّه وتدبير المملكة في أيام وزارة حامد بن العباس في سنة كثرت فيها الأمراض جداً وكان والدي إذ ذاك يتقلد البيمارستانات ببغداد وغيرها توقيعاً يقول فيه فكرت مد اللّه في عمرك في أمر من الحبوس وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تناله الأمراض وهم معوقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم وتُحمل إليهم الأدوية والأشربة ويطوفون في سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة ويتقدم بأن تقام لهم المزوّرات لمن يحتاج إليها منهم وورد توقيع آخر إليه فيه فكرت في من السواد من أهله فإنه لا يخلو أن يكون فيه مرضى لا يشرف عليه متطبب لخلو السواد من الأطباء فتقدم مد الله في عمرك بإنفاذ متطببين وخزانة للأدوية والأشربة يطوفون في السواد ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة إليه ويعالجون من فيه من المرضى ثم ينتقلون إلى غيره ففعل والدي ذلك إلى أن انتهى أصحابه إلى سورا والغالب على أهلها اليهود فكتب إلى أبي الحسن علي بن عيسى يعرفه ورود كتابة من أصحابه من السواد يذكرون فيه كثرة المرضى وأن أكثر مَن حول نهر الملك يهود وأنهم استأذنوا في المقام عليهم وعلاجهم وأنه لم يعلم ما يجيبهم به لأنه لا يعرف رأيه فيهم وأعلمه أن رسم البيمارستان أن يعالج فيه الملي والذمي ويسأله أن يرسم له في ذلك ما يعمل عليه فوقع له توقيعاً نسخته فهمت ما كتبت به أكرمك اللّه وليس بيننا خلاف في أن معالجة أهل الذمة والبهائم صواب ولكن الذي يجب تقديمه والعمل به معالجة الناس قبل البهائم والمسلمين قبل أهل الذمة‏.‏

فإذا أفضل عن المسلمين ما لا يحتاجون إليه صرف في الطبقة التي بعدهم فاعمل أكرمك اللّه على ذلك واكتب إلى أصحابك به ووصهم بالتنقل في القرى والمواضع التي فيها الأوباء الكثيرة والأمراض الفاشية وإن لم يجدوا بذرقة توقفوا عن المسير حتى تصلح لهم الطريق ويصح السبيل فإنه إذا فعلوا ذا غنوا عن السور إن شاء اللّه تعالى ‏"‏ قال ثابت بن سنان وكانت النفقة عن البيمارستان الذي لبدر المعتضدي بالمحرم من ارتفاع وقف سجاح أم المتوكل على اللّه وكان الوقف في يد أبي الصقر وهب ابن محمد الكلوذاني وكان قسط من ارتفاع هذا الوقف يصرف إلى بني هاشم وقسط منه إلى نفقة البيمارستان وكان أبو الصقر يرّوج على بني هاشم مالهم يؤخر ما يصرف إلى نفقة البيمارستان ويضيقه فكتب والدي إلى أبي الحسن علي بن عيسى يشكو إليه هذه الحال ويعرفه ما يلحق المرضى من الضرر بذلك وقصور ما يقام لهم من الفحم والمؤن والدثار وغير ذلك عن مقدار حاجتهم فوقع على ظهر رقعته إلى أبي الصقر توقيعاً نسخته أنت أكرمك اللّه تقف على ما ذكره وهو غلط جداً والكلام فيه معك خاصة فيما يقع منك يلزمك وما أحسبك تسلم من الإثم فيه وقد حكيت عني في الهاشميين قولاً لست أذكره وكيف تصرفت الأحوال في زيادة المال أو نقصانه ووفوره أو قصوره لا بد من تعديل الحال فيه بين أن تأخذ منه وتجعل للبيمارستان قسطاً بل هو أحق بالتقديم على غيره لضعف من يلجأ إليه وعظيم النفع به فعرفني أكرمك اللّه ما النكتة في قصور المال ونقصانه في تخلف نفقة البيمارستان هذه الشهور المتتابعة وفي هذا الوقت خاصة مع الشتاء واشتداد البرد فاحتل بكل حيلة لما يطلق لهم ويعجل حتى يدفأ من في البيمارستان من المرضى والممرورين بالدثار والكسوة والفحم ويقام لهم القوت ويتصل لهم العلاج والخدمة وأجبني بما يكون منك في ذلك وأنفذ لي عملاً يدلني على حجتك واعن بأمر البيمارستان فضل عناية إن شاء اللّه تعالى‏.‏

قال ثابت بن سنان إنه لما كان في أول يوم من المحرم سنة ست وثلثمائة فتح والدي سنان بن ثابت بيمارستان السيدة الذي اتخذه لها بسوق يحيى وجلس فيه ورتب المتطببين وقبل المرضى وهو كان بناه على دجلة وكانت النفقة عليه في كل شهر ستمائة دينار قال وفي هذه السنة أيضاً أشار والدي على المقتدر باللّه بأن يتخذ بيمارستاناً ينسب إليه فأمر باتخاذه فاتخذه له في باب الشام وسماه البيمارستان المقتدري وأنفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار قال ثابت بن سنان ولما كان في سنة تسع عشرة وثلثمائة اتصل بالمقتدر أن غلطاً جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل فأمر إبراهيم بن محمد بن بطحا بمنع سائر المتطببين من التصرف إلا من امتحنه والدي سنان بن ثابت وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له من الصناعة فصاروا إلى والدي وامتحنهم وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجل ونيفاً وستين رجلاً سوى من استغنى عن محنته باشتهاره بالتقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان وقال أيضاً ثابت بن سنان لما مات الراضي باللّه استدعى الأمير أبو الحسين بَحكْمَ والدي سنان بن ثابت وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط ولم يكن يطمع في ذلك منه في أيام الراضي باللّه لملازمته بخدمته فانحدر إليه والدي فأكرمه ووصله وقال له أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني وتفقده والنظر في مصالحه وفي أمر آخر هو أهم إلي من أمر بدني وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك وفضلك ودينك ومحبتك فقد غمني غلبة الغضب والغيظ علي‏.‏

وإفراطهما بي حتى أخرج إلى ما أندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل وأنا أسألك أن تتفقد ما أعلمه وإذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه وتذكره لي وتنبهني عليه ثم ترشدني إلى علاجه ليزول عني فقال له والدي السمع والطاعة لما أمر به الأمير أنا أفعل ذلك ولكن يستمع الأمير مني بالعاجل جملة علاج ما أنكره من نفسه إلى أن يجيئه التفصيل في أوقاته اعلم أيها الأمير أنك قد أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين وأنك مالك لكل ما تريده قادر على أن تفعله أي وقت أردته لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه ولا لأن بينك وبين ما تهواه أي وقت أردته وأنك متى أردت شيئاً بلغته أي وقت شئت لا يفوتك أمر تريده‏.‏

واعلم أن الغضب والغيظ والحرد تحدث في الإنسان سكراً أشد من سكر النبيذ بكثير فكما أن الإنسان يعمل في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا ويندم عليه إذا حدث به ويستحيي منه كذلك يحدث له وقت السكر من الحرد والغيظ بل أشد فلما يبتدئ بك الغضب وتحس بأنه قد ابتدأ يسكرك قبل أن يشتد ويقوى ويتفاقم ويخرج الأمر عن يدك فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة عليه إلى غد واثقاً بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله في غد وقد قيل من يخف فوتاً حلم فإنك إذا فعلت ذلك وبت ليلتك وسكنت فورة غضك فإنه لا بد لفورة الغضب من أن تبوخ وتسكن وأن تصحو من السكر الذي أحدثه لك الغضب وقد قيل إن أصح ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله واستقبل نهاره فإذا صحوت من سكرك فتأمل الأمر الذي أغضبك وقدم أمر اللّه عزّ وجلّ أولاً والخوف منه وترك التعرض لسخطه ولا تشف غيظك بما يؤثمك فقد قيل ما شفى غيظه من أثم بربه واذكر قدرة اللّه عليك وأنك محتاج إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك وهو وقت لا تملك لنفسك فيه شراً ولا نفعاً ولا يقدر لك عليه أحد من المخلوقين ولا يكشف ما قد أظلك غيره عزّ وجلّ واعلم أن البشر يغلطون ويخطئون وأنك مثلهم تغلط وتخطئ وإن كان لا يجسر أحد على أن لا يوافقك على ذلك فكما تحب أن يغفر اللّه لك كذلك غيرك يؤمل عطفك وعفوك وفكر بأي ليلة بات المذنب قلقاً لخوفه منك وما يتوقعه من عقوبتك ويخافه من سطوتك واعرف مقدار ما يصل إليه السرور وزوال الرعب عنه بعفوك ومقدار الثواب الذي يحصل لك من ذلك واذكر قول اللّه تعالى‏:‏ ‏)‏وليعفوا وليصفحوا‏(‏ ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفور رحيم فإن كان ما أغضبك مما يجوز فيه العفو ويكفي فيه العتاب والتوبيخ والعذل والتهديد متى وقعت معاودة فلا تتجاوز ذلك واعف واصفح فإنه أحسن بك وأقرب إلى اللّه تعالى واللّه سبحانه يقول ‏"‏ وإن تعفوا أقرب للتقوى ‏"‏ وليس يظن بك المذنب ولا غيره أنك عجزت عن التقويم والعقوبة ولا قصرت بك القدرة وإن كان مما لا يحتمل العفو عاقبت حينئذ على قدر الذنب ولم تتجاوزه إلى ما يوقع الدين ويفسد به أمرك ويقبح عند الناس ذكرك فإنما يشتد عليك تكلف ذلك أول دفعة وثانية وثالثة ثم يصير عادة لك وخلفاً وسجية ويسهل عليك‏.‏

فاستحسن بحكم ذلك ووعد أن يفعله وما زالت أخلاقه تصلح ووالدي ينبهه على شيء شيء مما ينكره منه من أخلاقه وأفعاله ويرشده إلى طريق إزالته إلى أن لانت أخلاقه وكفّ عن كثير مما كان يسرع إليه من القتل والعقوبات الغليظة واستحلى واستطاب ما كان يشير عليه من استعمال العدل والإنصاف ورفع الظلم والجور ويستصوبه ويعمل به فإنه كان يبين له أن العدل أربح للسلطان من الظلم بكثير وأنه يحصل له به دنيا وآخرة وأن مواد الظلم وإن كثرت وتعجلت سريعة الفساد والفناء والانقطاع ممحوقة لا يبارك فيها وتحدث حوادث تتجرمها ثم تعود بخراب الدنيا وفساد الآخرة ومواد العدل تنمي وتزيد وتدوم وتتصل ويبارك فيها وتعود بصلاح الدنيا وعمارتها وحصول الآخرة والفوز فيها وحسن الذكر ما بقي الدهر فتبين ذلك وعرف صحته وابتدأ بالعمل به وعمل بواسط في وقت المجاعة دار ضيافة وببغداد بيمارستاناً يعالج فيه الفقراء ويعللون وأنفق في ذلك جملة ورفّه الرعية وأرفقها وعدل فيها وأنصف في معاملاتها وأحسن إليها ورأى ما يجب إلا أن مدته في ذلك لم تطل وقتل عن قرب وللّه أمر هو بالغه‏.‏

ولأبي سعيد سنان بن ثابت بن قرة من الكتب - وهو مما نقل من خط أبي علي المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابئ - رسالة في تاريخ ملوك السريانيين رسالة في الاستواء رسالة في سهيل رسالة إلى بحكم رسالة إلى ابن رايق رسالة إلى أبي الحسن علي بن عيسى رحمه اللّه تعالى الرسائل السلطانيات والإخوانيات السيرة وهي في أجزاء تعرف بكتاب الناجي صنفه لعضد الدولة وتاج الملة تشتمل على مفاخره ومفاخر الديلم وأنسابهم وذكر أصولهم وأسلافهم رسالة في النجوم رسالة في شرح مذهب الصابئين رسالة في قسمة أيام الجمعة على الكواكب السبعة كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن هلال ورجل آخر رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر رسالة في أخبار آبائه وأجداده وسلفه‏.‏

ونقل إلى العربي نواميس هرمس والسور والصلوات التي يصلي بها الصابئون إصلاحه لكتاب في الأصول الهندسية وزاد في هذا الكتاب شيئاً كثيراً مقالة أنفذها إلى الملك عضد الدولة في الأشكال ذوات الخطوط المستقيمة التي تقع في الدائرة وعليها استخراجه للشيء الكثير من المسائل الهندسية إصلاحه لعبارة أبي سهل الكوهي في جميع كتبه لأن أبا سهل سأله ذلك وإصلاحه وتهذيبه لشيء نقله من كتاب يوسف القس من السرياني إلى العربي من كتاب أرشميدس في المثلثات‏.

 

 

أبو الحسن ثابت بن سنان

بن ثابت بن قرة كان طبيباً فاضلاً يلحق بأبيه في صناعة الطب وقال في التاريخ الذي عمله - وهذا التاريخ ذكر فيه الوقائع والحوادث التي جرت في زمانه وذلك من أيام المقتدر باللّه إلى أيام المطيع للّه - إنه كان وولده في خدمة الراضي باللّه وقال بعد ذلك أيضاً عن نفسه إنه خدم بصناعة الطب المتقي بن المقتدر باللّه وخدم أيضاً المستكفي باللّه والمطيع للّه قال وفي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة قلدني الوزير الخاقاني البيمارستان الذي اتخذه ابن الفرات بدرب المفضل وقال أيضاً في تاريخه إنه لما سُلِّم أبو علي بن مقلة إلى الوزير عبد الرحمن بن عيسى من جهة الراضي باللّه في سنة أربع وعشرين وثلثمائة حمله إلى داره في يوم الخميس لثلاث ليالٍ خلون من جمادى الآخرة وضُرب أبو علي بن مقلة بالمقارع في دار الوزير عبد الرحمن وأخذ خطه بألف ألف دينار وكان الذي تولى ذلك منه بنان الكبير من الحجرية ثم سلم إلى أبي العباس الحصيني ووكل به ما كردوبنان الكبير ورد الحصيني مناظرته إلى أبي القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه الإسكافي المعروف بأبي نعرة ومطالبته إلى الدستواني فجرت عليه منه من المكاره والتعليق والضرب والدهق أمر عظيم والذي شاهدت أنا من أمره أن أبا العباس الحصيني كلفني يوماً الدخول إليه لمعرفة خبره من شيء تشكاه وقال إن كان يحتاج إلى الفصد فتقدم إلى من يفصده بحضرتك فدخلت إليه فوجدته مطروحاً على حصير خَلِق على بارية ومخدة وسخة خليعة تحت رأسه وهو عريان بسراويل فوجدت بدنه من رأسه إلى أطراف أصابع رجليه كلون الباذنجان سواء ليس منه عقد سليم ووجدت به ضيق نفس شديد لأن الدستواني كان قد دهق صدره فعرفت الحصيني أنه شديد الحاجة إلى الفصد فقال لي يحتاج إلى أن يلحقه كد في المطالبة فكيف نعمل به قلت لا أدري إلا أنه إن ترك ولم يفصد مات وإن فصد ولحقه مكروه بعده تلف فقال لأبي القاسم بن أبي نعرة الإسكافي ادخل إليه وقل له إن كنت تظن أنه يلحقك ترفيه إذا افتصدت فبئس ما تظن فافتصد وضع في نفسك أن المطالبة لا بد منها ثم قال لي أحب أن تدخل إليه معه فاستعفيته من ذلك فلم يعفني فدخلت معه وأدى الرسالة بحضرتي فقال إذا كان الأمر على هذا فلست أريد أن أفتصد وأنا بين يدي اللّه فعدنا إليه وعرفناه ما قال فقال لي أي شيء عندك وما الذي ترى قلت الذي أرى أن يفصد وأن يرفه فقال افعل فعدت إليه وفصد بحضرتي ورفه يومه وخف ما به ويتوقع المكروه من غد وهو برعب طائر العقل فاتفق سبب للحصيني أحوجه إلى الاستتار في ذلك اليوم وبقي ابن مقلة مرفهاً ليس أحد يطالبه وكفي أمر عدوه من حيث لم يحتسب ورجعت نفسه إليه وحضر ابن فراية فضمن ما عليه وتسلمه وقد كان أدى قبل ذلك إلى الحصيني نيفاً وخمسين ألف دينار وأشهر عليه العدول بأنه قد باع جميع ضياعه وضياع أولاده وأسبابه من السلطان وقال في موضع آخر من كتابه هذا إنه لما قطعت يد ابن مقلة استدعاني الراضي باللّه في آخر النهار وأمرني بالدخول إليه وعلاجه فصرت إليه يوم قطع يده فوجدته محبوساً في القلاية التي في صحن الشجرة والباب مقفل عليه ففتح الخادم الباب عنه ودخلت إليه فوجدته جالساً على قاعدة من بعض أساطين القلاية ولونه كلون الرصاص الذي هو جالس عليه وقد ضعف جداً وهو في نهاية القلق من ضربان ساعده ورأيت له في القلاية قبة خيش نصبت له وعليها طاقان من الخيش وفيهما مصلى ومخاد طبري وحول المصلى أطباق كثيرة بفاكهة حسنة فلما رآني بكى وشكى حاله وما نزل به وما هو فيه من الضربان ووجدت ساعده قد ورم ورماً شديداً وعلى موضع القطع خرقة غليظة قردواني كحلية مشدودة بخيط قنبي فخاطبته بما يجب وسكنت منه وحللت الخيط ونحيت الخرقة فوجدت تحتها على موضع القطع سرجين الدواب فأمر بأن ينفض عنه فنفض وإذا رأس الساعد أسفل القطع مشدود بخيط قنب وقد غاص في ذراعه لشدة الورم وقد ابتدأ ساعده يسود وعرفته أن سبيل الخيط أن يحل وأن يجعل موضع السرجين كافور ويطلى ذراعه بالصندل وماء الورد والكافور‏.‏

فقال يا سيدي افعل ما رأيت فقال الخادم الذي معي احتاج أن أستأذن مولانا في ذلك ودخل ليستأذن وخرج ومعه مخزنة كبيرة مملوءة كافوراً وقال قد أذن لك مولانا أن تعمل ما ترى وأمر بأن ترفق به وتوفر العناية عليه وتلزمه إلى أن يهب اللّه عافيته فحللت الخيط وفرغت المخزنة في موضع القطع وطليت ساعده فعاش واستراح وسكن الضربان وسألته هل اغتذى فقال وكيف ينساغ لي طعام فتقدمت بإحضار طعام فأحضر وامتنع من الأكل فرفقت به ولقمته بيدي فحصل له نحو عشرين درهماً خبزاً ومن لحم فروج نحو ذلك وحلف أنه لا يقدر أن يبلع شيئاً آخر وشرب ماء بارداً وعاشت روحه وانصرفت وقفل الباب عليه و بقي وحده‏.‏

ثم أدخل عليه من غد خادم أسود يخدمه وحبس معه وترددت إليه أياماً كثيرة وعرض له في رجله اليسرى علة النقرس ففصدته وكان يتألم من يده اليمنى التي قطعت ومن رجله اليسرى ولا ينام الليل من شدة الألم ثم عوفي وكنت إذا دخلت إليه يبتدئ بالمسألة عن خبر ابنه أبي الحسين فإذا عرفته سلامته سكن غاية السكون ثم ناح على نفسه وبكى على يده وقال يد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاث خلفاء وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص وتذكر وأنت تقول لي أنت في آخر نكبة وأن الفرج قريب قلت بلى فقال قد ترى ما حل بي فقلت ما بقي بعد هذا شيء والآن ينبغي أن نتوقع الفرج فإنه قد عمل بك ما لا يعمل بنظير لك وهذا انتهاء المكروه ولا يكون بعد الانتهاء إلا الانحطاط فقال لا تفعل فإن المحنة تشبثت بي تشبثاً ينقلني من حال إلى حال إلى أن تؤديني إلى التلف كما تتشبث حمى الدق بالأعضاء فلا تفارق صاحبها حتى تؤديه إلى الموت ثم تمثل بهذا البيت إذا ما مات بعضك فابك بعضاً فبعض الشيء من بعض قريب فكان الأمر كما قال‏.‏

ولما قرب بحكم من بغداد نُقل ابن مقلة من ذلك الموضع إلى موضع أغمض منه فلم يُوقف له على خبر وحُجبت عنه ثم قطع لسانه وبقي في الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يعالجة ولا من يخدمه حتى بلغني أنه كان يستسقي الماء لنفسه بيده يجتذب الحبل بيده اليسرى ويمسكه بفمه ولحقه شقاء عظيم إلى أن مات‏.‏

وكان ثابت بن سنان المذكور خال هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب البليغ ولثابت بن سنان بن ثابت بن قرة من الكتب كتاب التاريخ ذكر فيه الوقائع والحوادث التي جرت في زمانه وذلك في سنة خمس وتسعين ومائتين إلى حين وفاته ووجدته بخطه وقد أبان فيه عن فضل‏.‏

وكانت وفاة ثابت بن سنان في شهور سنة ثلاث وستين وثلثمائة‏.‏

أبو إسحاق إبراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة

كان كاملاً في العلوم الحكمية فاضلاً في الصناعة الطبية متقدماً في زمانه حسن الكتابة وافر الذكاء مولده في سنة ست وتسعين ومائتين وكانت وفاته في يوم الأحد النصف من المحرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة ببغداد وكانت العلة التي مات فيها ورم في كبده‏.‏

أبو إسحاق إبراهيم بن زهرون الحراني

كان طبيباً مشهوراً وافر العلم في صناعة الطب جيد الأعمال حسن المعاملة وكانت وفاته في ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة تسع وثلثمائة ببغداد‏.‏

أبو الحسن الحراني

هو أبو الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني كان طبيباً فاضلاً كثير الدراية وافر العلم بارعاً في الصناعة موفقاً في المعالجة مطلعاً على أسرار الطب وكان مع ذلك ضنيناً بما يحسن‏.‏

نقلت من خط ابن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد قال كان قد أسكت الوزير أبو طاهر بن بقية في داره الشاطئه على الجسر ببغداد وقد حضر الأمير معز الدولة بختيار والأطباء مجمعون على أنه قد مات فتقدم أبو الحسن الحراني وكنت أصحبه يومئذ فقال أيها الأمير إذا كان قد مات فلن يضره الفصاد فهل تأذن في فصده قال له افعل يا أبا الحسن ففصده فرشح منه دم يسير ثم لم يزل يقوى الرشح إلى أن صار الدم يجري فأفاق الوزير فلما خلوت به سألته عن الحال وكان ضنيناً بمايقول فقال إن من عادة الوزير أن يستفرغ في كل ربيع دماً كثيراً من عروق المعدة وفي هذا الفصل انقطع عنه فلما فصدته ثابت الطبيعة من خناقها‏.‏

قال عبد الله بن جبرائيل لما دخل عضد الدولة رحمه اللّه إلى بغداد كان أول من لقيه من الأطباء أبو الحسن الحراني وكان شيخاً مسناً وسنان وكان أصغر من أبي الحسن وكانا عالمين فاضلين وكانا جميعاً يسعران المرضى ويمضيان إلى دار السلطان فحسن ثناؤه عليهما ولما دخلا إلى عضد الدولة قال من هؤلاء قالوا الأطباء قال نحن في عافية وما بنا حاجة إليهم فانصرفا خجلين فلما خرجا من الدهليز قال سنان لأبي الحسن يجمل أن ندخل إلى هذا الأسد ونحن شيخا بغداد فيفترسنا قال له أبو الحسن فما الحيلة قال نرجع إليه وأنا أقول ما عندي وننظر أيش الجواب قال افعل فاستأذنا ودخلا فقال سنان أطال اللّه بقاء مولانا الملك موضوع صناعتنا حفظ الصحة لا مداواة المرضى والملك أحوج الناس إليه فقال له عضد الدولة صدقت وقرر لهما الجاري السني وصارا ينوبان مع أطبائه‏.‏

قال عبيد اللّه بن جبرائيل ولهما أحاديث كثيرة حسنة منها حديث قلاّء الكبود وذلك أنه كان بباب الأزج إنسان يقلي الكبود فكانا إذا اجتازا عليه دعا لهما وشكرهما وقام لهما حتى ينصرفا عنه فلما كان في بعض الأيام اجتازا فلم يرياه فظنا أنه قد شغل عنهما ومن غد سألا عنه فقيل لهما إنه الآن قد مات فعجبا من ذلك وقال أحدهما للآخر له علينا حق يوجب علينا قصده ومشاهدته فمضيا جميعاً وشاهداه فلما نظرا إليه تشاورا في فصده وسألا أهله أن يؤخروه ساعة واحدة ليفكروا في أمره ففعلوا ذلك وأحضروا فصاداً ففصده فصدة واسعة فخرج منه دم غليظ وكان كلما خرج الدم خف عنه حتى تكلم وسقياه ما يصلح وانصرفا عنه ولما كان في اليوم الثالث خرج إلى دكانه فكان هذا من المعجز لهما فسئلا عن ذلك فقالا سببه أنه كان إذا قلى الكبود يأكل منها وبدنه ممتلئ دماً غليظاً وهو لا يحس حتى فاض من العروق إلى الأوعية وغمر الحرارة الغريزية وخنقها كما يخنق الزيت الكثير الفتيلة التي تكون في السراج فلما بدروه بالفصد نقص الدم وخف عن القوة الحملُ الثقيل وانتشرت الحرارة وعاد الجسم إلى الصحة وهذا الامتلاء قد يكون من البلغم أيضاً وقد ذكر أسبابه الفاضل جالينوس في كتابه في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة قال عبيد اللّه بن جبرائيل ومن أحسن ما سمعت عن أبي الحسن الحراني أنه دخل إلى قرابة الشريف الجليل محمد بن عمر رحمه اللّه وكان إنساناً نبيل القدر قد عارضه ضيق نفس شديد صعب فأخذ نبضه وأشار بما يستعمله فشاوره في الفصد فقال له لا أراه وإن كان يخفف المرض تخفيفاً بيناً وانصرف وجاءه أبو موسى المعروف ببقة الطبيب وأبصر نبضه وقارورته وأشار بالفصد فقال له الشريف قد كان عندي أبو الحسن الحراني الساعة وشاورته في الفصد فذكر أنه لا يراه صواباً فقال بقة أبو الحسن أعرف وانصرف فجاءه بعض الأطباء الذين هم دون هذه الطبقة فقال يفصد سيدنا فإنه في الحال يسكن وقوى عزمه على الفصد ولم يبرح حتى فصده فعندما فصده خف عنه ما كان يجده خفاً بيناً ونام وسكن عنه واغتذى وهو في عافية فعاد إليه أبو الحسن الحراني آخر النهار فوجده ساكناً قاراً فقال له لما رآه في تلك الحال قد فصدت فقال كيف كنت أفعل ما لم تأمرني به قال ما هو هذا السكون إلا للفصد فقال له الشريف لما علمت بهذا لم لا تفصدني قال له أبو الحسن الحراني إذ قد فصد سيدنا فليبشر بحمى ربع سبعين دوراً ولو أن أبقراط وجالينوس عنده ما تخلص إلاَّ بعد انقضائها واستدعى دواة ودرجاً ورتب تدبيره لسبعين نوبة ودفعه إليه وقال هذا تدبيرك فإذا انقضى ذلك جئت إليك وانصرف فما مضى حتى جاءت الحمى وبقيت كما قال فما خالف تدبيره حتى برئ‏.‏

قال عبيد اللّه بن جبرائيل ومن أخباره أنه كان للحاجب الكبير غلام وكان مشغوفاً به واتفق أن الحاجب صنع دعوة كبيرة كان فيها أجلاء الدولة ولما اشتغل بأمر الدعوة حم الغلام حمى حادة فورد على قلب الحاجب من ذلك مورداً عظيماً وقلق قلقاً كثيراً واستدعى أبا الحسن الحراني فقال له يا أبا الحسن أريد الغلام يخدمني في غداة غد تعمل كل ما تقدر عليه وأنا أكافئك بما يضاهي فعلك فقال له يا حاجب إن تركت الغلام يستوفي أيام مرضه عاش وإلا فيمكنني من ملازته أن يقوم في غد لخدمتك ولكن إذا كان في العام المقبل في مثل هذا اليوم يحم حمى حادة ولو كان من كان عنده من الأطباء لم تنجع فيه مداواته ويموت إما في البُحران الأول أو الثاني فانظر أيهما أحب إليك فقال له الحاجب أريد أن يخدمني في غداة غد وإلى العام المقبل فرج ظناً منه أن هذا القول من الأحاديث المدفوعة فلازمه أبو الحسن ولما كان في غد أفاق وقام في الخدمة وأعطى الحاجب لأبي الحسن خلعة سنية ومالاً كثيراً وصار يكرمه غاية الإكرام فلما كان في العام المقبل في مثل اليوم الذي حم فيه الغلام عاودته الحمى فأقام محموماً سبعة أيام ومات فعظم في نفس الحاجب وجماعة من الناس قول أبي الحسن وكبر لديهم محله وكان هذا منه كالمعجز‏.‏

وقال هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين النوبختي قال حدثني الشريف أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى أنه أراد ابتياع جارية عاقلة من دور بني خاقان بأحد عشر ألف درهم وكان الوسيط في ذلك أبو المسيب فهد بن سليمان فقال لأبي المسيب أحب أن تستثير لي في أمرها أبا الحسن الحراني بعد أن تكلفه مشاهدتها فمضى إليه وسأله الركوب معه إلى دار القوم ليرى الجارية وكانت متشكية وشاهدها أبو الحسن الحراني وأخذ مجسها وتأمل قارورتها ثم قال له سراً إن كانت أكلت البارحة من سماقي أو حصرمية وقثاء أو خيار فاشترها وإلا فلا تعترض لها فسألنا عما أكلته في ليلتها فقيل لنا بعض ما قاله أبو الحسن فابتاعها فعجبنا من ذلك وعجب من سمع وقال المحسن بن إبراهيم كان أولاد أبي جعفر بن القاسم بن عبيد اللّه يشنعون على أبي الحسن الحراني عمنا بأنه قتل أباهم فسألت أبا إسحاق إبراهيم بن هلال والدي عن ذلك فقال كان أبو جعفر عدواً لأبي الحسن عمي وعازماً على قتله لأمور نقمها عليه وقد قبض عليه وحبسه فاتفق أن اعتل أبو جعفر علته التي مات فيها فأشير عليه بمشاورة أبي الحسن وهو في حبسه فقال لا أثق به ولا أسكن إليه مع ما يعلمه من سوء رأيي فيه وعول على غيره من الأطباء فدخل بعض إخوان أبي الحسن إليه وشرح له ما يدبر به أبو جعفر في مرضه فقال أبو الحسن وكان يأتمنه أنت تعرف رأي هذا الرجل في ومتى استمر على هذا التدبير هلك بلا محالة وكفينا كفاية عاجلة فأحب أن تمنعه مشاورتي وتصوبه على رأيه في العدول عني واشتدت العلة بأبي جعفر ومضى لسبيله بعد قبض القاهر باللّه عليه بعشرة أيام‏.‏

وقال المحسن أيضاً أصابتني حمى حادة كان هجومها علي بغتة فحضر أبو الحسن عمنا وأخذ مجسي ساعة ثم نهض ولم يقل شيئاً فقال له والدي ما عندك يا عمي في هذه الحمى فقال له سرا لا تسألني عن ذلك إلى أن يجوزه خمسين يوماً فواللّه لقد فارقتني في اليوم الثالث والخمسين‏.‏

وحكى أبو علي بن مكنجا النصراني الكاتب قال لما وافى عضد الدولة في سنة أربع وستين وثلثمائة إلى مدينة السلام استدعاني أبو منصور نصر بن هارون وكان قد ورد معه إذ ذاك وسألني عن أطباء بغداد فاجتمعت مع عبد يشوع الجاثليق وسألته عنهم فقال ها هنا جماعة لا يعول عليهم والمنظور إليه منهم أبو الحسن الحراني وهو رجل عاقل لا مثل له في صناعته وهو قليل التحصيل وأبو الحسن صديقي وأنا أبعثه إلى الخدمة وأوافقه عليها وأشير عليه بالملازمة لها وخاطب الجاثليق أبا الحسن على فصد أبي منصور نصر بن هارون ففصده وتقدم إليه بأن يحضر دار عضد الدولة ويتأمل حاله وما يدبر به أمره فتلقى ذلك بالسمع والطاعة وشرط أن يعرف صورته في مأكله ومشربه وبواطن أمره وطالع أبو منصور عضد الدولة بالصورة وحضر أبو الحسن الدار وعرف جميع ما سأل عنه وتردد أياماً ثم انقطع واجتمع مع الجاثليق فعاتبه على انقطاعه وعرفه وقوع الإنكار له فقال له لا فائدة في مضيي ولست أراه صواباً لنفسي وللملك أطباء فضلاء عقلاء علماء وقد عرفوا من طبعه وتدبيره ما يستغني به عن غيرهم في ملازمته وخدمته فألح الجاثليق عليه وسأله عن علة ما هو عليه في هذا الفعل والاحتجاج فيه بمثل هذا العذر فقال له هذا الملك متى أقام بالعراق سنة فسد عقله ولست أوثر أن يجري ذلك على يدي وأنا مدبره وطبيبه ومتى أنهى الجاثليق هذا القول عني جحدته وحلفت باللّه والبراءة من ديني ما قلته وكان عليك في ذلك ما تعلمه فأمسك الجاثليق وكتم هذا الحديث فلما عاد عضد الدولة إلى العراق في الدفعة الثانية كان الأمر على ما أنذر به فيه‏.‏

وتوفي أبو الحسن الحراني في الحادي عشر من ذي القعدة سنة خمس وستين وثلثمائة للهجرة ببغداد وكان مولده بالرقة ليلة يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين ومائتين‏.‏

ولأبي الحسن الحراني من الكتب إصلاح مقالات من كناش يوحنا بن سرابيون جوابات مسائل سئل عنها‏.‏

ابن وصيف الصابئ

كان طبيباً عالماً بعلاج أمراض العين ولم يكن في زمانه أعلم منه في ذلك ولا أكثر مزاولة قال سليمان بن حسان حدثني أحمد بن يونس الحراني قال حضرت بين يدي أحمد بن وصيف الصابئ وقد أحضر سبعة أنفس لقدح أعينهن وفي جملتهم رجل من أهل خراسان أقعده بين يديه ونظر إلى عينيه فرأى ماء متهيأ للقدح فسامه على ذلك فطلب إليه فيه واتفق معه على ثمانين درهماً وحلف أنه لا يملك غيرها فلما حلف الرجل اطمأن وضمه إلى نفسه ورفع يده على عضده فوجد بها نطاقاً صغيراً فيه دنانير فقال له ابن وصيف ما هذا فتلون الخراساني فقال ابن وصيف حلفت باللّه حانثاً وأنت ترجو رجوع بصرك إليك واللّه لا عالجتك إذ خادعت ربك فطلب إليه فيه فأبى أن يقدحه وصرف إليه الثمانين درهماً ولم يقدح عينه‏.‏

غالب طبيب المعتضد

شهر بخدمة المعتضد باللّه وكان أولاً عند الموفق طلحة بن المتوكل لأنه خدمه منذ أيام المتوكل واختص به وارتضع سائر أبناء المتوكل من لبن أولاد غالب فكان يسر بهم فلما تمكن الموفق من الأمر أقطعه ونوله وأغناه وكان له مثل الوالد ينادمه ويغلفه بيده وعالج الموفق من سهم كان أصابه في ثندوته وبرأ فأعطاه مالاً كثيراً وأقطعه وخلع عليه وقال لغلمانه من أراد إكرامي فليكرمه وليصل غالباً فوجه إليه مسرور بعشرة آلاف دينار ومائة ثوب ووجه إليه سائر الغلمان مثل ذلك وصار إليه مال عظيم ولما قبض على صاعد وعبدون أخذ لعبدون عدة غلمان نصارى مماليك فمن أسلم منهم أجري له رزق وترك ومن لم يسلم منهم بعثه إلى غالب وكان عدد من أنفذ إليه سبعين غلاماً أزمة وغيرها فلما ورد عليه معهم رسول من قبل الحاجب قال غالب أي شيء أعمل بهؤلاء وركب من وقته إلى الموفق فقال هؤلاء يستغرقون مال ضيعتي مع رزقي فضحك الموفق وتقدم إلى إسماعيل زيادة في إقطاعه الحرسيات وكانت ضياعاً جليلة تغل سبعة آلاف دينار وأجرها له بخمسين آلاف درهم في السنة‏.‏

وبعد الموفق طلحة خدم لولده المعتضد بالله أبي عباس أحمد وكان مكينا عنده حظياً في أيامه وكان المعتضد يحسن الظن به ويعتمد على مداواته قال ثابت بن سنان ابن ثابت إن غالبا الطبيب توفي مع المعتضد بالله بآمد وكان كبيراً عنده وكان سعيد ابن غالب مع المعتضد بالله بآمد وكان يأنس اليه ويقدمه على جميع المتطببين واتصل الخبر بوفاة غالب بالمعتضد قبل وقوف سعيد ابنه على ذلك فلما دخل سعيد عليه ابتدأه المعتضد وعزاه وقال له يا سعيد طول البقاء لك لما تم عليك فانصرف سعيد الى مضربه كئيباً حزيناً فأتبعه المعتضد بخفيف السمرقندي وبنان الرصاصي وبسرخاب الكسوة وكانوا أجل خدم السلطان وجلسوا معه طويلاً وعرف الخبر فلم يبق أحد من أهل الدولة إلا صار إلى سعيد بن غالب وعزاه بأبيه من الوزير القاسم بن عبيد الله ومؤنس الخادم ومن بعدهما من الأستاذين والأمراء والقواد والأولياء على طبقاتهم ثم أنفذ اليه المعتضد وقت الظهر بجون طعام وتقدم إليه أن لا يبرح أو يطعمه ويطعم دانيل كاتب مؤنس وسعدون كاتب يانس وكانا صهريه على أختيه ففعل ذلك ولم يزل يحضره في كل يوم ويشاغله بالحديث ويصرفه ويتبعه بجون الطعام مدة سبعة أيام ورد إليه ما كان إلى أبيه من أمر الجراية والتلامذة وأقر في يده إقطاعاته وضياعه ولم يزل ذلك له ولولده إلى آخر عمره

أبو عثمان سعيد بن غالب

كان طبيباً عارفاً حسن المداواة مشهوراً في صناعة الطب خدم المعتضد باللّه وحظي عنده وكان كثير الإحسان إليه والإنعام عليه وتوفي أبو عثمان سعيد بن غالب في يوم الأحد لست بقين

عبدوس

كان طبيباً مشهوراً ببغداد حسن المعالجة جيد التدبير ويعرف كثيراً من الأدوية المركبة وله تجارب حميدة وتصرفات بليغة في صناعة الطب قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه حكي عن داؤد بن ديلم وعن عبدوس المتطببين قال لما غلظت علة المعتضد وكان من استسقاء وفساد مزاج من علل يتنقل منها وخاف على نفسه أحضرنا وجميع الأطباء فقال لنا أليس تقولون إن العلة إذا عُرفت عرف دواؤها فإذا أعطي العليل ذلك ا لدواء صلح قلنا له بلى قال فعلتي عرفتموها ودواءها أم لم تعرفوها قلنا قد عرفناها قال فما بالكم تعالجوني ولست أصلح وظننا أنه قد عزم على الإيقاع بنا فسقطت قوانا فقال له عبدوس يا أمير المؤمنين نحن على ما قلنا في هذا الباب إلا أن في الأمر شيئاً وهو أنا لا نعرف مقدار أجزاء العلة فنقابلها من الدواء بمثل أجزائها وإنما نعمل في هذا على الحدس ونبتدئ بالأقرب فالأقرب ونحن ننظر في هذا الباب ونقابل العلة بما ينجع فيها إن شاء اللّه تعالى‏.‏

قال فأمسك عنا وخلونا فتشاورنا على أن نرميه بالعابة وهي التنور فأحميناه له ورميناه فيه فعرق وخف ما كان به لدخول العلة إلى باطن جسمه ثم ارتقت إلى قلبه فمات بعد أيام وخلصنا مما كنا أشرفنا عليه وكانت وفاة المعتضد ليلة الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين‏.‏

ولعبدوس من الكتب كتاب التذكرة في الطب‏.‏

صاعد بن بشر بن عبدوس

ويكنى أبا منصور كان في أول أمره فاصداً في البيمارستان ببغداد ثم إنه بعد ذلك اشتغل في صناعة الطب وتميز حتى صار من الأكابر من أهلها والمتعينين من أربابها نقلت من خط المختار بن حسن بن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال إن أول من فطن لهذه الطريق ونبه عليها ببغداد وأخذ المرضى في المداواة بها وأطرح ماسواها الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب رحمه اللّه فإنه أخذ المرضى بالفصد والتبريد والترطيب ومنع المرضى من الغذاء فأنجح تدبيره وتقدم في الزمان بعد أن كان فاصداً في البيمارستان وانتهت الرياسة إليه فعول الملوك في تدبيرهم عليه فرفع عن البيمارستان المعاجين الحارة والأدوية الحادة ونقل تدبير المرضى إلى ماء الشعير ومياه البزور من ذلك ما حكاه لي بميافارقين الرئيس أبو يحيى ولد الوزير أبي القاسم المغربي قال عرض للوزير بالأنبار قولنج صعب أقام لأجله في الحمام واحتقن عدة حقن وشرب عدة شربات فلم ير صلاحاً فأنفذنا رسولاً إلى صاعد فلما جاء ورآه على تلك الحال ولسانه قد قصر من العطش وشرب الماء الحار والسكر وجسمه يتوقد من ملازمة الحمام ومداواة المعاجين الحارة والحقن الحادة استدعى كوز ماء مثلوج فأعطاه الوزير فتوقف عن شربه ثم إنه جمع بين الشهوة وترك المخالفة وشربه فقويت في الحال نفسه ثم استدعى فاصداً ففصده وأخرج له دماً كثير المقدار وسقاه ماء البذور ولعاباً وسكنجبيناً ونقله من حجرة الحمام إلى الخيش وقال إن الوزير أدام اللّه عافيته سينام من بعد الفصد ويعرق وينتبه فيقوم عدة مجالس وقد تفضل اللّه بعافيته ثم تقدم بصرف الخدم لينام فقام الوزير إلى مرقده وقد وجد خفاً من بعد الفصد فنام مقدار خمس ساعات وانتبه يصيح بالفراش فقال صاعد للفراش إذا قام من الصيحة فقل له يعاود النوم حتى لا ينقط العرق فلما خرج الفراش من عنده قال وجدت ثيابه كأنها قد صبغت بماء الزعفران وقد قام مجلساً ونام ثم لا زال الوزير يتردد دفعات إلى آخر النهار مجالس عدة ومن بعدها غذاه بمزوّرة وسقاه ثلاثة أيام ماء الشعير فبرأ برأ تاماً فكان الوزير أبداً يقول طوبى لمن سكن بغداد داراً شاطئه وكان طبيبه أبو منصور وكاتبه أبو علي بن ونقلت أيضاً من خط ابن بطلان إن صاعد الطبيب عالج الأجل المرتضى رضي اللّه عنه من لسب عقرب بأن ضمد المكان بكافور فسكن عنه الألم في الحال‏.‏

ونقلت من خط أبي سعيد الحسن بن أحمد بن علي في كتاب ورطة الأجلاء من هفوة الأطباء قال كان الوزير علي بن بلبل ببغداد وكان له ابن أخت فلحقته سكتة دموية وخفي حاله على جميع الأطباء ببغداد وكان بينهم صاعد بن بشر حاضراً فسكت حتى أقر جميع الأطباء بموته ووقع اليأس من حياته وتقدم الوزير في تجهيزه واجتمع الخلق في العزاء والنساء في اللطم والنياح ولم يبرح صاعد بن بشر من مجلس الوزير فعند ذلك قال الوزير لصاعد بن بشر الطبيب هل لك حاجة فقال له نعم يا مولانا إن رسمت وأمرت لي ذكرت ذلك فقال له تقدم وقل ما يلج في صدرك فقال صاعد هذه سكتة دموية ولا مضرة في إرسال مبضع واحد وننظر فإن نجح كان المراد وإن تكن الأخرى فلا مضرة فيه ففرح الوزير وتقدم بإبعاد النساء وأحضر ما وجب من التمريخ والنطول والبخور والنشوق واستعمل ما يجب ثم شد عضد المريض وأقعد حضن بعض الحاضرين وأرسل المبضع بعد التعليق على الواجب من حاله فخرج الدم ووقعت البشائر في الدار ولم يزل يخرج الدم حتى تمم ثلثمائة درهم من الدم فانفتحت العين ولم ينطق بعد فشد اليد الأخرى ونشقه ما وجب تنشيقه ثم فصده ثانياً وأخرج مثلها من الدم وأكثر فتكلم ثم أسقي وأطعم ما وجب فبرئ من ذلك وصح جسمه وركب في الرابع إلى الجامع ومنه إلى ديوان الخليفة ودعا له ونثر عليه من الدراهم والدنانير الكثيرة وحصل لصاعد بن بشر الطبيب مال عظيم وحشمه الخليفة والوزير وقدمه وزكاه وتقدم على جميع من كان في زمانه‏.‏

أقول ووجدت صاعد بن بشر قد ذكر في مقالته في مرض المراقيا ما عاينه في ذلك الزمان من أهوال وجدها ومخاوف شاهدها ما هذا نصه قال وأنه عرض لنا من تضايق الزمان علينا والتشاغل بالتماس الأمر الضروري ولما قد شملنا من الخوف والحذر والفزع واختلاف السلاطين وما قد بلينا به مع ذلك من التنقل في المواضع وضياع كتبنا وسرقتها ولما قد أظلنا من الأمور المذعرة المخوفة التي لا نرجو في كشفها إلا الله تقدس اسمه‏.‏

هذا ما ذكره وما كان في أيامه إلا اختلاف ملوك الإسلام بعضهم مع بعض وكان الناس سالمين في أنفسهم آمنين من القتل والسبي فكيف لو شاهد ما شاهدناه ونظر ما نظرناه في زماننا من التتار الذين أهلكوا العباد وأخربوا البلاد وكونهم إذا أتوا إلى مدينة فما لهم همٌّ إلا قتل جميع من فيها من الرجال وسبي الأولاد والنساء ونهب الأموال وتخريب القلاع والمدن لكان استصغر ما ذكره واستقل ما عاينه وحقره ولكن ما طامة إلا فوقها طامة أعظم منها ولا حادثة إلا وغيرها تكبر عنها وللّه الحمد على السلامة والعافية‏.‏

ديلم

كان من الأطباء المذكورين ببغداد المتقدمين في صناعة الطب وكان يتردد إلى الحسن بن مخل وزير المعتمد ويخدمه ووجدت في بعض التواريخ أن المعتمد على اللّه وهو أحمد بن المتوكل أراد أن يفتصد فقال للحسن بن مخلد اكتب لي جميع من في خدمتنا من الأطباء حتى أتقدم بأن تصل كل واحد منهم على قدره فكتب الأسماء وأدخل فيها اسم ديلم المتطبب وكان ديلم يخدم الحسن بن مخلد فوقع تحت الأسماء بالصلات فقال ديلم إني لجالس في منزلي حتى وافى رسول بيت المال ومعه كيس فيه ألف دينار فسلمه إليّ وانصرف فلم أدر ما السبب فيه فبادرت بالركوب إلى الحسن بن مخلد وهو حينئذ الوزير فعرفته ذلك فقال لي افتصد أمير المؤمنين وأمرني بأن أكتب أسماء الأطباء ليتقدم بصلاتهم فأدخلت اسمك معهم فخرج لك ألف دينار‏.‏

داؤد بن ديلم

كان من الأطباء المتميزين ببغداد المجيدين في المعالجة وخدم المعتضد باللّه وخص به فكانت التوقيعات تخرج بخط ابن ديلم لمحله منه ومكانته وكان يتردد إلى دور المعتضد وله منه الإحسان الكثير والإنعام الوافر وكانت وفاة داؤد بن ديلم يوم السبت لخمس خلون من المحرم سنة تسع وعشرين وثلثمائة ببغداد‏.‏

أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي

كان من الأطباء المذكورين ببغداد ونقل كتباً كثيرة إلى العربية من كتب الطب وغيره وكان منقطعاً إلى علي بن عيسى وقال ثابت ابن سنان المتطبب أن أبا الحسن علي بن عيسى الوزير في سنة اثنتين وثلثمائة اتخذ البيمارستان بالحربية وأنفق عليه من ماله وقلده أبا عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي متطببه مع سائر البيمارستانات ببغداد ومكة والمدينة ومن كلام أبي عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي قال الصبر قوة من قوى العقل وبحسب قوة العقل تكون قوة الصبر‏.‏

ولأبي عثمان الدمشقي من الكتب مسائل جمعها من كتاب جالينوس في الأخلاق مقالة في النبض مشجرة وهي جوامعه لكتاب النبض الصغير لجالينوس‏.‏

الرقّي هو أبو بكر محمد بن الخليل الرقي

كان فاضلاً في الصناعة الطبية عارفاً بأصولها وفروعها جيد التعليم حسن المعالجة وهو أول من وجدناه فسر مسائل حنين ابن إسحاق في الطب وكان تفسيره لهذا الكتاب في سنة ثلاثين وثلثمائة‏.‏

قال عبيد اللّه بن جبرائيل وقيل عنه أنه ما كان يفسر إلا سكران وكان في هذا نادراً قال وقد شاهدت إنساناً كان يتعاطى الشعر وكان إذا أراد عمله احتال في تحصيل نبيذ فيشربه ويجلس فيعمل حينئذ الشعر وسبب ذلك أن الدماغ يكون مائلاً إلى البرد فإذا أسخنه ببخار النبيذ تحرك وقوي على الفعل‏.‏

وللرقّي من الكتب شرح مسائل حنين في الطب

قويري واسمه إبراهيم

ويكنى أبا إسحاق فاضل في العلوم الحكمية وهو ممن أخذ عنه علم المنطق وكان مفسراً وعليه قرأ أبو بشر متى بن يونان وكُتُب قويري مطّرحة مجفوة لأن عباراته كانت عفطية غلقة‏.‏

ولقويري من الكتب كتاب تفسير قاطيغورياس مشجر كتاب باريمينياس مشجر كتاب أنالوطيقا الأولى مشجر كتاب أنالوطيقا الثانية مشجر‏.‏

وهو أبو أحمد الحسين بن أبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن زيد الكاتب ويعرف بابن كرنيب وكان من جلة المتكلمين ويذهب مذهب الفلاسفة الطبيعيين وكان في نهاية الفضل والمعرفة والاطلاع بالعلوم الطبيعية القديمة‏.‏

ولأبي أحمد بن كرنيب من الكتب كتاب الرد على أبي الحسن ثابت بن قرة في نفيه وجوب السكونين بين كل حركتين متساويتين مقالة في الأجناس والأنواع وهي الأمور العامية كتاب كيف يعلم ما مضى من النهار من ساعة من قبل الارتفاع‏.‏

أبو يحيى المروزي

كان طبيباً مشهوراً بمدينة السلام متميزاً في الحكمة وقرأ عليه أبو بشر متى بن يونان وكان فاضلاً ولكنه كان سريانياً وجميع ما له من الكتب في المنطق وغيره بالسريانية متى بن يونان كان أبو بشر متى بن يونان من أهل ديرقنى ممن نشأ في أسكول مرماري قرأ على قويري وعلى روفيل وبنيامين ويحيى المروزي وعلى أبي أحمد بن كرنيب وله تفسير من السرياني إلى العربي وإليه انتهت رئاسة المنطقيين في عصره وكان نصرانياً وتوفي ببغداد يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وثلثمائة‏.‏

ولمتى من الكتب مقالة في مقدمات صدر بها كتاب أنالوطيقا كتاب المقاييس الشرطية شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس‏.‏

يحيى بن عدي

وأبو زكريا يحيى بن حميد بن زكريا المنطقي وإليه انتهت الرئاسة ومعرفة العلوم الحكمية في وقته قرأ على أبي بشر متى وعلى أبي نصر الفارابي وعلى جماعة أخر وكان أوحد دهره ومذهبه من مذاهب النصارى اليعقوبية وكان جيد المعرفة بالنقل وقد نقل من اللغة السريانية إلى اللغة العربية وكان كثير الكتابة ووجدت بخطه عدة كتب‏.‏

قال محمد بن إسحاق النديم البغدادي في كتاب الفهرست قال لي يحيى بن عدي يوماً في الوراقين وقد عاتبته على كثرة نسخه فقال لي من أي شيء تعجب في هذا الوقت من صبري قد نسخت بخطي نسختين من التفسير للطبري وحملتهما إلى ملوك الأطراف وقد كتبت من كتب المتكلمين ما لا يحصى ولعهدي بنفسي وأنا أكتب في اليوم والليلة مائة ورقة وأقل‏.‏

وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فاتك حدثني شيخي أبو الحسين المعروف بابن الآمدي أنه سمع من أبي علي إسحاق بن زرعة يقول إن أبا زكريا يحيى بن عدي وصى إليه أن يكتب على قبره حين حضرته الوفاة وهو في بيعة مرتوما بقطيعة الدقيق هذين البيتين رب ميت قد صار بالعلم حيا ومبقّى قد مات جهلاً وعيّاً فاقتنوا العلم كي تنالوا خلوداً لا تعدو الحياة في الجهل شيّاً وليحيى بن عدي من الكتب رسالة في نقض حجج أنفذها الرئيس في نصرة قول القائلين بأن الأفعال خلق للّه واكتساب للعبد تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس مقالة في البحوث الأربعة مقالة في سياسة النفس مقالة في أهمية صناعة المنطق وماهيتها وأوليتها مقالة في المطالب الخمسة للرؤوس الثمانية كتاب في منافع الباه ومضاره وجهة استعماله بحسب اقتراح الشريف أبي طالب ناصر بن إسماعيل صاحب السلطان المقيم في القسطنطينية‏.‏

أبو علي بن زرعة

هو أبو علي عيسى بن إسحاق بن زرعة بن مرقس بن زرعة بن يوحنا أحد المتقدمين في علم المنطق وعلوم الفلسفة والنقلة المجودين ومولده ببغداد في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وثلثمائة ونشأ بها وكان كثير الصحبة والملازمة ليحيى بن عدي‏.‏

نقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال إن أول من فطن لهذه الطريق ونبه عليها ببغداد وأخذ المرضى في المداواة بها واطرح ما سواها الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب رحمه اللّه فإنني سمعته يقول أول ما خطر لي النقل في الفالج الذي عرض لشيخنا أبي علي بن زرعة رحمه الله وذلك أن أبا علي كان رجلاً منحف الجسم حاد الخاطر محداثاً مليح المجلس ملازماً للتدريس والنقل والتصنيف محباً للبوارد المحرفات والمطجنات ومليح الأسماك وما عمل من البوارد بالخردل ثم أنه حرص في آخر عمره على عمل مقالة في بقاء النفس فأقام نحواً من سنة يفكر فيها ويسهر لها حرصاً على عملها وكان أيضاً مفتوناً بالتجارة إلى بلد الروم وله فيها أضداد من تجار السريان قد سعوا به دفعات إلى السلطان وصودر على أموال ولحقته عدة نكبات فالتام عليه حرارة المزاج الأصلي وفساد الأغذية وكد الخاطر بالتصنيف ومداراة السلاطين فعرضت له مرضة حادة واختلاط أبحر فيها بفالج كما يبحر المرضى بأورام ونحوها‏.‏

وكان الناس يعظمونه للعلم فاجتمع إليه مشايخ الأطباء كابن بكس وابن كشكرايا وتلميذ سنان وابن كزورا والحراني فمضوا في تدبيره بحسب المسطور في الكنانيش وأنا أقول من حيث لا قدرة على مجاهرتهم بالمخالفة لتقدمهم في الزمان واللّه إنهم لمخطئون لأنه فالج تابع لمرض حاد لشخص حار المزاج ثم إنهم سئموا من تدبيره فنقلته إلى المرطبات فخف قليلاً وشارف الصلاح وبعد زمان مات في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة من فرط ما دب به من الحار اليابس بالجمود الحادث في مؤخر الدماغ عن خلط سوداوي ولأبي علي بن زرعة من الكتب اختصار كتاب أرسطوطاليس في المعمور من الأرض كتاب أغراض كتب أرسطوطاليس المنطقية مقالة في معاني كتاب إيساغوجي مقالة في معاني قطعة من المقالة الثالثة من كتاب السماء مقالة في العقل رسالة في علة استنارة الكواكب مع أنها والكرات الحاملة لها من جوهر واحد بسائط رسالة أنشأها إلى بعض أوليائه في سنة سبع وثمانين وثلثمائة‏.‏

أقول وفي هذه الرسالة معان يرد بها على اليهود ووجدت لبشر بن بيشى المعروف بابن عنايا الإسرائيلي رسالة يرد فيها على عيسى بن إسحاق بن زرعة وقد أجاب فيها عن رسالته هذه‏.‏

هو أبو ماهر موسى بن يوسف بن سيار من الأطباء المشهورين بالحذق وجودة المعرفة بصناعة الطب ولموسى بن سيار من الكتب مقالة في الفصد الزيادة التي زادها على كناش الخف لإسحاق بن حنين‏.‏

علي بن العباس المجوسي من الأهواز وكان طبيباً مجيداً متميزاً في صناعة الطب وهو الذي صنف الكتاب المشهور الذي يعرف بالملكي صنفه للملك عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة أبي علي حسن بن بويه الديلمي وهو كتاب جليل مشتمل على أجزاء الصناعة الطبية علمها وعملها‏.‏

وكان علي بن العباس المجوسي قد اشتغل بصناعة الطب على أبي ماهر موسى بن سيار وتتلمذ له‏.‏

ولعلي بن العباس المجوسي من الكتب كتاب الملكي في الطب عشرون مقالة

عيسى طبيب القاهر

كان القاهر باللّه وهو أبو منصور محمد بن المعتضد يعتمد على طبيبه هذا عيسى ويركن إليه ويفضي إليه بأسراره وتوفي عيسى طبيب القاهر باللّه سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ببغداد وكان كُفّ قبل موته بسنتين قال ثابت بن سنان في تاريخه وأعلمني أن مولده كان في النصف من جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين ومائتين‏.‏

دانيال المتطبب

قال عبيد اللّه بن جبرائيل كان دانيال المتطبب لطيف الخلقة ذميم الأعضاء متوسط العلم له إنسة بالمعالجة وكانت فيه غفلة وتبدد وكان قد استخصه معز الدولة لخدمته فدخل عليه يوماً فقال له يا دانيال فقال لبيك أيها الأمير قال أليس عندكم أن السفرجل إذا أكل قبل الطعام أمسك الطبع وإذا أكل بعد الطعام أسهل قال بلى قال فأنا أكلته بعد الطعام عصمني قال له دانيالليس هذا الطبع للناس فلكمه معز الدولة بيده في صدره وقال له قم تعلم أدب خدمة الملوك وتعال فخرج من بين يديه ونفث الدم ولم يزل كذلك مدة مديدة حتى مات‏.‏

قال عبيد اللّه وهذه من غلطات العلماء التي تهلك وإلا مثل هذا لا يخفى لأن هناك معداً ضعيفة لا يمكنها دفع ما فيها فإذا وردها السفرجل قواها وأعانها على دفع ما فيها فتجيب الطبيعة وقد شاهدت إنساناً إذا أراد القيء شرب الشراب المحلى أو سكنجبين السفرجل فتقيأ مهما أراد قال وحكى والدي جبرائيل أنه كان الأمير أبو منصور مهذب الدولة رحمه اللّه إذا شرب شراب السفرجل أسهله وهذه أمور أسبابها معروفة وإنما كانت غلطة من دانيال حتى هلك‏.‏

إسحاق بن شليطا كان هذا طبيباً بغدادياً له يد في الطب تقدم بها إلى أن انتقل إلى خدمة المطيع للّه واختص به إلى أن مات في حياة المطيع وخلف على موضعه أبو الحسين عمر بن عبد اللّه الدحلي وقد كان إسحاق مشاركاً في طب المطيع لثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الحراني الصابئ‏.‏

أبو الحسين عمر بن الدحلي

كان متطبباً للمطيع لله وكان شديد التمكن منه والاختصاص به قال عبيد اللّه بن جبرائيل حدثني من أثق به إنه كان لا يحتشمه في شيء جملة ولما صرف المطيع للّه أبا محمد الصلحي كاتبه توسط أبو الحسين بن الدحلي لأبي سعيد وهب بن إبراهيم حتى تقلد كتبة الخليفة وبقي مدة ثم شرع أبو الحسين صهر أبي بشر البقري فتقلده وكان أبو سعيد وهب بقي إلى أن صارت الخلافة إلى الطائع وقبض عليه وبقي في الحبس إلى أن دخل بختيار وعضد الدولة إلى بغداد وهرب الخليفة وخرج من الحبس عند كسر أبواب الحبوس‏.‏

كان متقدماً يختص بخدمة بختيار وكان يكرمه ويعزه أمراً عظيماً‏.‏

قال عبيد الله بن جبرائيل ومن أخباره معه أنه رمدت عين بختيار في بعض الأوقات فقال له يا أبا نصر ليس واللّه تبرح من عندي أو تبرئ عيني وأريدها تبرأ في يوم واحد وأبرمه قال فسمعت أبا نصر يتحدث أنه قال له إن أردت أن تبرأ فتقدم إلى الفراشين والغلمان أن يأتمروني دونك في هذا اليوم وأخلفك ومن خالفني في أمري قتلته ففعل بختيار ذلك فأمر أبو نصر أن يحضروا إجانة مملوءة عسل الطبرزد فلما حضرغمس يدي بختيار في العسل ثم بدأ يداوي عينيه بالأشياف الأبيض الأبيض وما يصلح الرمد وجعل بختيار يصيح بالغلمان فلا يجيبه أحد ولم يزل كذلك يكحله إلى آخر النهار فبرئ وكان هو السفير بين بختيار والخليفة وإذا خرجت الخلع فعلى يديه تخرج وله فيها السهم الأوفر‏.‏

أبو الحسين بن كشكرايا كان طبيباً عالماً مشهوراً بالفضل والإتقان لصناعة الطب وجود المزاولة لأعمالها وكان في خدمة الأمير سيف الدولة بن حمدان ولما بنى عضد الدولة البيمارستان المنسوب إليه ببغداد استخدمه فيه وزاد حاله وكان أبو الحسين بن كشكرايا كثير الكلام يحب أن يخجل الأطباء بالمساءلة والتهجم وكان له أخ راهب وله حقنة تنفع من قيام الأغراس والمواد الحادة ويعرف بصاحب الحقنة وكان أبو الحسين بن كشكرايا قد اشتغل بصناعة الطب على سنان بن ثابت بن قرة وكان من أجل تلامذته‏.‏

ولأبي الحسين بن كشكرايا من الكتب كناشه المعروف بالحاوي كناش آخر باسم من وضعه إليه‏.‏

أبو يعقوب الأهوازي

كان مشكوراً في صناعة الطب جميل الطريقة وكان من جملة الأطباء الذين جعلهم عضد الدولة في البيمارستان الذي أنشأه ببغداد ويعرف به‏.‏

ولأبي يعقوب الأهوازي من الكتب مقالة في أن السكنجبين البزوري أحر من الترياق نظيف القس الرومي كان خبيراً باللغات وكان ينقل من اليوناني إلى العربي وكان يعد من الفضلاء في صناعة الطب واستخدمه عضد الدولة في البيمارستان الذي أنشأه ببغداد وكان عضد الدولة يتطير منه وكان الناس يولعون به إذا دخل إلى مريض حتى حكي في بعض الأوقات أن عضد الدولة أنفذه إلى بعض القواد في مرض كان عرض له فلما خرج من عند القائد استدعى بثقته وأنفذه إلى حاجب عضد الدولة يستعلم منه نية الملك فيه ويقول إن كان ثم تغير نية فليأخذ له الإذن بالانصراف والبعد فقد قلق لما جرى فسأل الحاجب عن ذلك وسببه فقال الغلام ما أعرف أكثر من أنه جاءه نظيف الطبيب وقال له يا مولانا الملك أنفذني لعيادتك فمضى الحاجب وأعاد بحضرة الملك عضد الدولة هذا الحديث فضحك وأمره أن يمضي إليه ويعلمه بحسن نيته فيه وإن ذلك أشغل قلبه به فأنفذه إليه ليعوده وحملت إليه خلع سنية فسكنت بها نفسه وزال عنه ما كان أضمر من شغل القلب وكان دائماً يولع به بسببها‏.‏

أبو سعيد اليمامي

كان مشهوراً بالفضل والمعرفة متقناً لصناعة الطب جيداً في أصولها وفروعها حسن التصنيف‏.‏

ولأبي سعيد اليمامي من الكتب شرح مسائل حنين مقالة في امتحان الأطباء وكيفية التمييز بين طبقاتهم‏.‏

أبو الفرج بن أبي سعيد اليمامي

كان فاضلاً في الصناعة الطبية متميزاً في العلوم الحكمية اجتمع بالشيخ الرئيس ابن سينا وجرت بينهما مسائل كثيرة في صناعة الطب وغيرها ولأبي الفرج بن أبي سعيد اليمامي من

أبو الفرج يحيى بن سعيد بن يحيى

كان طبيباً مشهوراً عالماً بصناعة الطب جيداً في أعمالها نقلت من خط ابن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال حدثني الشيخ الفاضل أبو الفرج يحيى بن سعيد بن يحيى الطبيب بأنطاكية قال وهذا السيد في زماننا علم في العلم مقدم في الديانة والمروءة وله تصانيف جليلة قال قال ورد من القسطنطينية غلام للملك رومي شاب به سوء مزاج حار وجَسَأ في طحاله وسحنته حائلة لغلبة الصفراء وكان ماؤه أحمر في أكثر الأوقات وبه عطش فسقاه طبيب دواء مسهلاً ثم فصده وسقاه دواء مقيئاً فساءت حاله وأدخله طبيب رومي الحمام ولطخ جميع جسمه بالنورة ولطخه بعد ذلك بعسل نحل وألزم معدته ضماداً حاراً فاحتد مزاجه وكثر عطشه وبطلت شهوته وعرض له في الحال فالج في الشق الأيمن فسقي ماء الشعير كثيراً فصلحت حاله من الاسترخاء في تمام الأربعين ثم وقف طبعه فحقن فقام دفعات وجاءه دم أسود غليظ فلم يجد له نفعاً ثم انقطعت شهوته واستولى عليه القيام والسهر فمات في الستين‏.‏

هو الفيلسوف الإمام العالم أبو الفرج عبد اللّه بن الطيب وكان كاتب الجاثليق ومتميزاً في النصارى ببغداد ويقرئ صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه ووجدت شرحه لكتاب جالينوس إلى أغلوتن وقد قرئ عليه وعليه الخط بالقراءة في البيمارستان العضدي في يوم الخميس الحادي عشر من شهر رمضان سنة ست وأربعمائة وهو من الأطباء المشهورين في صناعة الطب وكان عظيم الشأن جليل المقدار واسع العلم كثير التصنيف خبيراً بالفلسفة كثير الاشتغال فيها وقد شرح كتباً كثيرة من كتب أرسطوطاليس في الحكمة وشرح أيضاً كتباً كثيرة من كتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وكانت له مقدرة قوية في التصنيف وأكثر ما يوجد من تصانيفه كانت تنقل عنه إملاء من لفظة وكان معاصراً للشيخ الرئيس بن سينا وكان الشيخ الرئيس يحمد كلامه في الطب وأما في الحكمة فكان يذمه‏.‏

ومن ذلك قال في مقالته في الرد علىه ما هذا نصه إنه كان يقع إلينا كتب يعملها الشيخ أبو الفرج بن الطيب في الطب ونجدها صحيحة مرضية خلاف تصانيفه التي في المنطق والطبيعيات وما يجري معها‏.‏

وحدثني الشيخ موفق الدين يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني أن رجلين من بلاد العجم كانا قد قصدا بغداد للاجتماع بأبي الفرج بن الطيب والقراءة عليه والاشتغال عنده ولما وصلا دخلا بغداد وسألا عن منزل أبي الفرج فقيل لهما إنه في الكنيسة للصلاة فتوجها نحوه ودخلا الكنيسة فلما قيل لهما إنه ذلك الشيخ وكان ابن الطيب في ذلك الوقت لابساً ثوب صوف وهو مكشوف الرأس وبيده مبخرة بسلاسل وفيها نار وبخور وهو يدور بها في نواحي الكنيسة ويبخر تأملاه وتحدثا بالفارسية وبقيا يديمان النظر إليه ويتعجبان منه أنه على هذه الهيئة ويفعل هذا الفعل وهو من أجل الحكماء وسمعته في أقاصي البلاد بالفلسفة والطب وفهم عنهما ماهما فيه ولما فرغ وقت الصلاة وخرج الناس من الكنيسة خرج أبو الفرج بن الطيب ولبس ثيابه المعتاد لبسها وقدمت له البغلة فركب والغلمان حوله وتبعاه أولئك العجم إلى داره وعرفاه أنهما قاصدان إليه من بلاد العجم للاشتغال وأن يكونا من جملة تلامذته فاستحضرهما في مجلسه وسمعا كلامه ودروس المشتغلين عليه ثم قال لهما كنتما حججتما قط قالا لاَ فماطلهما بالقراءة إلى أوان الحج وكان الوقت قريباً منه فلما نودي للحج قال لهما إن كنتما تريدان أن تقرأا علي وأن أكون شيخكما فحجا وإذا جئتما مع السلامة إن شاء اللّه يكون كل ما تريدان مني في الاشتغال علي فقبلا أمره وحجا ولما عاد الحاج جاءا إليه من أثر الحج وهما أقرعان وقد غلب الشحوب عليهما من حر الشمس والطريق فسألهما عن مناسك الحج وما فعلا فيها فذكرا له سورة الحال وقال لهما لما رأيتما الجمار بقيتما عراة موشحين وبأيديكم الحجارة وأنتما تهرولان وترميان بها قالا نعم فقال هكذا الواحب إن الأمور الشرعية تؤخذ نقلاً لا عقلاً وما كان قصده بذلك وأنه أمرهما بالحج إلا حين يتبين لهما أن الحال التي رأياه عليها وتعجبا من فعله أن ذلك راجع إلى الأوامر الشرعية وهي فإنما تؤخذ من أربابها متسلمة ممتثلة في سائر الملل ثم اشتغلا عليه بعد ذلك إلى أن تميزا وكانا من أجل تلاميذه وقال أبو الخطاب محمد بن محمد أبي طالب في كتاب الشامل في الطب إن أبا الفرج بن الطيب أخذ عن ابن الخمار وخلف من التلاميذ أبا الحسن بن بطلان وابن بدرج والهروي وبني حيون وأبا الفضل كتيفات وابن أثردى وعبدان وابن مصوصا وابن العليق قال وكان في عصر أبي الفرج من الأطباء صاعد بن عبدوس وابن تفاح وحسن الطبيب وبنو سنان والنائلي وعنه أخذ ابن سينا وأبو سعيد الفضل بن عيسى اليمامي وذكر لي أنه من تلامذته ابن سينا وعيسى بن علي بن إبراهيم بن هلال الكاتب وأظنه يكنى بكس وعلي بن عيسى الكحال وأبو الحسين البصري ورجاء الطبيب من أهل خراسان وزهرون ولأبي الفرج بن الطيب من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب باريمينياس لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا لأرسطوطاليس تفسير كتاب أنالوطيقا الثانية لأرسطوطاليس تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس تفسير سوفسطيقا أرسطوطاليس تفسير كتاب الخطابة لأرسطوطاليس تفسير كتاب الشعر لأرسطوطاليس تفسير كتاب الحيوان لأرسطوطاليس تفسير كتاب أبيديميا لأبقراط تفسير كتاب الفصول لأبقراط تفسير كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط تفسير كتاب الأخلاط لأبقراط تفسير كتاب الفرق لجالينوس تفسير كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس تفسير كتاب النبض الصغير لجالينوس تفسير كتاب أغلوتن لجالينوس تفسير كتاب الأسطقسات لجالينوس تفسير كتاب المزاج لجالينوس تفسير كتاب القوى الطبيعية لجالينوس تفسير كتاب التشريح الصغير لجالينوس تفسير كتاب العلل والأعراض لجالينوس تفسير كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة لجالينوس تفسير كتاب النبض الكبير لجالينوس تفسير كتاب الحميات لجالينوس تفسير كتاب أيام البحران لجالينوس تفسير كتاب حملة البرء لجالينوس تفسير كتاب تدابير الأصحاء لجالينوس ثمار الستة عشر كتاباً لجالينوس وهو اختصار الجوامع شرح ثمار مسائل حنين بن إسحاق أملاه سنة خمس وأربعمائة كتاب النكت والثمار الطبية والفلسفية تفسير كتاب إيساغوجي لفرفوريوس مقالة في القوى الطبيعية مقالة في العلة لم جعل لكل خلط دواء يستفرغه ولم لم يجعل للدم دواء يستفرغه مثل سائر الأخلاط تعاليق في العين مقالة في الأحلام وتفصيل الصحيح منها من السقيم على مذهب الفلسفة مقالة في عراف أخبر بما ضاع وذكر الدليل على صحته بالشرع والطب والفلسفة مقالة أملاها في جواب ما سئل عنه من إبطال الاعتقاد في الأجزاء التي لا تنقسم وهذا السؤال سأله إياه ظافر بن جابر السكري ووجد بخط ظافر بن جابر السكري على هذه المقالة ما هذا مثاله قال هذه الكراسة بخط سيدنا الأستاذ الأجل أبي نصر محمد بن علي برزج تلميذ الشيخ أبي الفرج أملاها الشيخ أبو الفرج - أطال اللّه بقاءه ونكب أعداءه - عليه ببغداد وكان السبب في ذلك ظافر بن جابر بن منصور السكري الطبيب وهي الدستور بعينها شرح كتاب منافع الأعضاء لجالينوس مقالة مختصرة في المحبة شرح الإنجيل‏.‏

ابن بطلان

هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان نصراني من أهل بغداد وكان قد اشتغل على أبي الفرج عبد اللّه بن الطيب وتتلمذ له وأتقن عليه قراءة كثير من الكتب الحكمية وغيرها ولازم أيضاً أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الطبيب واشتغل عليه وانتفع به في صناعة الطب وفي مزاولة أعمالها‏.‏

وكان ابن بطلان معاصراً لعلي بن رضوان الطبيب المصري وكانت بين ابن بطلان وابن رضوان المراسلات العجيبة والكتب البديعة الغربية ولم يكن أحد منهم يؤلف كتاباً ولا يبتدع رأياً إلا ويرد الآخر عليه ويسفه رأيه فيه وقد رأيت أشياء من المراسلات التي كانت فيما بينهم ووقائع بعضهم في بعض وسافر ابن بطلان من بغداد إلى ديار مصر قصداً منه إلى مشاهدة علي بن رضوان والاجتماع به وكان سفره من بغداد في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ولما وصل في طريقه إلى حلب أقام بها مدة وأحسن إليه معز الدولة ثمال بن صالح بها وأكرمه إكراماً كثيراً وكان دخوله الفسطاط في مستهل جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر باللّه من الخلفاء المصريين وجرت بين ابن بطلان وابن رضوان وقائع كثيرة في ذلك الوقت ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة وقد تضمن كثيراً من هذه الأشياء كتاب ألفه ابن بطلان بعد خروجه من ديار مصر واجتماعه بابن رضوان ولابن رضوان كتاب في الرد عليه وكان ابن بطلان أعذب ألفاظاً وأكثر ظرفاً وأميز في الأدب وما يتعلق به ومما يدل على ذلك ما ذكره في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وكان ابن رضوان أطب وأعلم بالعلوم الحكمية وما يتعلق بها وكان ابن رضوان أسود اللون ولم يكن بالجميل الصورة وله مقالة في ذلك يرد فيها على غيره بقبح الخلقة وقد بين فيها بزعمه أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلاً وكان ابن بطلان أكثر ما يقع في علي بن رضوان من هذا القبيل وأشباهه فلما تبدى للقوابل وجهه نكصن على أعقابهن من الندم وقلن وأخفين الكلام تستراً ألا ليتنا كنا تركناه في الرحم وكان يلقبه بتمساح الجن وسافر ابن بطلان من ديار مصر إلى القسطنطينية وأقام بها سنة وعرضت في زمنه أوباء كثيرة‏.‏

ونقلت من خطه فيما ذكره من ذلك ما هذا مثاله قال ومن مشاهير الأوباء في زماننا الذي عرض عند طلوع الكوكب الأثاري في الجوزاء من سنة ست وأربعين وأربعمائة فإن في تلك السنة دفن في كنيسة لوقا بعد أن امتلأت جميع المدافن التي في القسطنطينية أربعة عشر ألف نسمة في الخريف فلما توسط الصيف في سنة سبع وأربعين لم يوف النيل فمات في الفسطاط والشام أكثر أهلها وجميع الغرباء إلا من شاء اللّه وانتقل الوباء إلى العراق فأتى عل أكثر أهله واستولى عليه الخراب بطروق العساكر المتعادية واتصل ذلك بها سنة أربع وخمسين وأربعمائة وعرض للناس في أكثر البلاد قروح سوداوية وأورام الطحال وتغير ترتيب نوائب الحميات واضطرب نظام البحارين فاختلف علم القضاء في تقدمة المعرفة‏.‏

وقال أيضاً بعد ذلك ولأن هذا الكوكب الأثاري طلع في برج الجوزاء وهو طالع مصر أوقع الوباء في الفسطاط بنقصان النيل في وقت ظهوره في سنة خمس وأربعين وأربعمائة وصح إنذار بطليموس القائل الويل لأهل مصر إذا طلع أحد ذوات الذوائب وأنجهم في الجوزاء ولما نزل زحل برج السرطان تكامل خراب العراق والموصل والجزيرة واختلت ديار بكر وربيعة ومضر وفارس وكرمان وبلاد المغرب واليمن والفسطاط والشام واضطربت أحوال ملوك الأرض وكثرت الحروب والغلاء والوباء وصح حكم بطليموس في قوله إن زحل والمريخ متى اقترنا في السرطان زلزل العالم ونقلت أيضاً من خط بن بطلان فيما ذكره من الأوباء العظيمة العارضة للعلم بفقد العلماء في زمانه قال ما عرض في مدة بضع عشرة سنة بوفاة الأجل المرتضى والشيخ أبي الحسن البصري والفقيه أبي الحسن القدوري وأقضى القضاة الماوردي وابن الطيب الطبري على جماعتهم رضوان اللّه ومن أصحاب علوم القدماء أبو علي بن الهيثم وأبو سعيد اليمامي وأبو علي بن السمح وصاعد الطبيب وأبو الفرج عبد اللّه بن الطيب ومن متقدمي علوم الأدب والكتابة علي بن عيسى الربعي وأبو الفتح النيسابوري ومهيار الشاعر وأبو العلاء بن نزيك وأبو علي بن موصلايا والرئيس أبو الحسن الصابئ وأبو العلاء المعري فانطفأت سرج العلم وبقيت العقول بعدهم في الظلمة أقول ولابن بطلان أشعار كثيرة ونوادر ظريفة وقد ضمن منها أشياء في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وفي غيرها من كتبه وتوفي ابن بطلان ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولداً ولذلك يقول ولا أحد أن مت يبكي لميتتي سوى مجلسي في الطب والكتب باكيا ولابن بطلان من الكتب كتاب الأديرة والرهبان كتاب شراء العبيد وتقليب المماليك والجواري كتاب تقويم الصحة مقالة في شرب الدواء المسهل مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته وسقي الأدوية المسهلة وتركيبها مقالة إلى علي بن رضوان عند وروده الفسطاط في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة جواباً عما كتبه إليه مقالة في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء في الكنانيش والاقراباذينات وتدرجهم في ذلك بالعراق وما والاها على استقبال سنة سبع وسبعين وثلثمائة وإلى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وصنف ابن بطلان هذه المقالة بانطاكية في سنة خمس وخمسين وأربعمائة وكان في ذلك الوقت قد أهل لبناء بيمارستان أنطاكية مقالة في الاعتراض على من قال أن الفرخ أحر من الفروج بطريق منطقية ألفها بالقاهرة في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة كتاب المدخل إلى الطب كتاب دعوة الأطباء ألفها للأمير نصير الدولة أبي نصر أحمد بن مروان ونقلت من خط ابن بطلان وهو يقول في آخرها فرغت من نسخها أنا مصنفها بوانيس الطبيب المعروف بالمختار بن الحسن بن عبدون بدير الملك المتيح قسطنطين بظاهر القسطنطينية في آخر أيلول من سنة خمس وستين وثلثمائة وألف هذا قوله ويكون ذلك بالتاريخ الإسلامي من سنة خمسين وأربعمائة كتاب دعوة الأطباء كتاب دعوة القسوس مقالة في مداواة صبي عرضت له حصاة‏.‏

الفضل بن جرير التكريتي

كان كثير الاطلاع في العلوم فاضلاً في صناعة الطب حسن العلاج وخدم بصناعة الطب للأمير نصير الدولة بن مروان وللفضل بن جرير التكريتي من الكتب مقالة في أسماء الأمراض واشتقاقاتها كتبها إلى بعض إخوانه وهو يوحنا بن عبد المسيح‏.‏

أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي كان كأخيه في العلم والفضل والتميز في صناعة الطب وكان موجوداً في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وليحيى بن جرير التكريتي من الكتب كتاب الاختبارات في علم النجوم كتاب في الباه ومنافع الجماع ومضاره رسالة كتبها لكافي الكفاة أبي نصر محمد بن محمد بن جهير في منافع الرياضة وجهة استعمالها‏.‏

ابن دينار

كان بميا فارقين في أيام الأمير نصر الدولة بن مروان وكان فاضلاً في صناعة الطب جيد المداواة خبيراً بتأليف الأدوية ووجدت له أقراباذيناً بديع التأليف بليغ التصنيف حسن الاختبار مرضى الأخبار وابن دينار هذا هو الذي ألف الشراب المنسوب إليه المعروف بشراب الديناري المتداول استعماله بين الأطباء وغيرهم وذلك مذكور في كتابه هذا يقول إنه الذي ألفه ولابن دينار من الكتب كتاب الاقراباذين‏.‏

إبراهيم بن بكس

كان ماهراً في علم الطب ونقل كتباً كثيرة إلى العربي ثم كف بصره وكان مع ذلك يحاول صناعة الطب ويزاولها بحسب ما هو عليه وكان يدرس صناعة الطب في البيمارستان العضدي لما بناه عضد الدولة وكان له منه ما يقوم بكفايته‏.‏

ولإبراهيم بن بكس من الكتب كناشه كتاب الاقراباذين الملحق بالكناش مقالة بأن الماء القراح أبرد من ماء الشعير مقالة في الجدري‏.‏

علي بن إبراهيم بن بكس

كان طبيباً فاضلاً بصناعة الطب مشهوراً بها جيد المعرفة بالنقل وقد نقل كتباً كثيرة إلى العربي قسطا بن لوقا البعلبكي قال سليمان بن حسان إنه مسيحي النحلة طبيب حاذق نبيل فيلسوف منجم عالم بالهندسة والحساب قال وكان في أيام المقتدر باللّه وقال ابن النديم البغدادي الكاتب إن قسطا كان بارعاً في علوم كثيرة منها الطب والفلسفة والهندسة والأعداد والموسيقى لا مطعن عليه فصيحاً في اللغة اليونانية جيد العبارة بالعربية وتوفي بأرمينية عند بعض ملوكها ومن ثم أجاب أبا عيسى بن المنجم عن رسالته في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وثم عم كتاب الفردوس في التاريخ أقول ونقل قسطا كتباً كثيرة من كتب اليونانيين إلى اللغة العربية وكان جيد النقل فصيحاً باللسان اليوناني والسرياني والعربي وأصلح نقولا كثيرة وأصله يوناني وله رسائل وكتب كثيرة في صناعة الطب وغيرها وكان حسن العبارة جيد القريحة وقال عبيد الله بن جبرائيل إن قسطا اجتذبه سنحاريب إلى أرمينية وأقام بها وكان بأرمينية أبو الغطريف البطريق من أهل العلم والفضل فعمل له قسطا كتباً كثيرة جليلة نافعة شريفة المعاني مختصرة الألفاظ في أصناف من العلوم ومات هناك فدفن وبني عليه قبة وأكرم قبره كإكرام قبور الملوك ورؤساء الشرائع ولقسطا بن لوقا من الكتب كتاب في أوجاع النقرس كتاب في الروائح وعللها رسالة إلى أبي محمد الحسن بن مخلد في أحوال الباه وأسبابه على طريق المسألة والجواب كتاب في الأعداء ألفه للبطريق فتى أمير المؤمنين كتاب جامع في الدخول إلى علم الطب إلى أبي إسحاق ابراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر كتاب في النبيذ وشربه في الولائم كتاب في الإسطقسات كتاب في السهر ألفه لأبي الغطريف البطريق مولى أمير المؤمنين كتاب في العطش ألفه لأبي الغطريف مولى أمير المؤمنين كتاب في القوة والضعف كتاب في الأغذية على طريق القوانين الكلية ألفه لبطريق البطارقة أبي غانم العباس بن سنباط كتاب في النبض ومعرفة الحميات وضروب البحرانات كتاب في علة الموت فجأة ألفه لأبي الحسن محمد بن أحمد كاتب بطريق البطارقة كتاب في معرفة الخدر وأنواعه وعلله وأسبابه وعلاجه ألفه لقاضي القضاة أبي محمد الحسن بن محمد كتاب في أيام البحران في الأمراض الحادة كتاب في الأخلاط الأربعة وما تشترك فيه مختصر كتاب في الكبد وخلقتها وما يعرض فيها من الأمراض رسالة في المروحة وأسباب الريح كتاب في مراتب قراءة الكتب الطبية كتبه إلى أبي الغطريف البطريق كتاب في تدبير الأبدان في سفر الحج ألفه لأبي محمد الحسن بن مخلد كتاب في دفع ضرر السموم كتاب في المدخل إلى علم الهندسة على طريق المسألة والجواب ألفه لأبي الحسن علي بن يحيى مولى أمير المؤمنين كتاب آداب الفلاسفة كتاب في الفرق بين الحيوان الناطق وغير الناطق كتاب في تولد الشعر كتاب في الفرق بين النفس والروح كتاب في الحيوان الناطق كتاب في الجزء الذي لا يتجزأ كتاب في حركة الشريان كتاب في النوم والرؤيا كتاب في العضو الرئيس من البدن كتاب في البلغم كتاب في الدم كتاب في المرة الصفراء كتاب في المرة السوداء كتاب في شكل الكرة والاسطوانة كتاب في الهيئة وتركيب الأفلاك كتاب في حساب التلاقي على جهة الجبر والمقابلة كتاب في ترجة ديوفنطس في الجبر والمقابلة كتاب في العمل بالكرة الكبيرة النجومية كتاب في الآلة التي ترسم عليها الجوامع وتعمل منها النتائج كتاب في المتعة كتاب في المرايا المحرقة كتاب في الأوزان والمكاييل كتاب السياسة ثلاث مقالات كتاب العلة في اسوداد الخيش وتغيره من الرش كتاب في القرسطون كتاب في الاستدلال بالنظر إلى أصناف البول كتاب المدخل إلى المنطق كتاب مذهب اليونانيين رسالة في الخضاب كتاب في شكوك كتاب إقليدس كتاب الفصد وهو أحد وتسعون باباً ألفه لأبي إسحاق ابراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر كتاب المدخل إلى علم النجوم كتاب الحمام كتاب الفردوس في التاريخ رسالة في استخراج مسائل عدديات من المقالة الثالثة من إقليدس تفسير ثلاث مقالات ونصف من كتاب برفنطس في المسائل العددية كتاب في عبارة كتب المنطق وهو المدخل إلى كتاب أيساغوجي كتاب أيساغوجي كتاب في البخار رسالة إلى أبي علي بن بنان بن الحرث مولى أمير المؤمنين فيما سأل عنه من علل اختلاف الناس في أخلاقهم وسيرهم وشهواتهم واختياراتهم مسائل في الحدود على رأي الفلاسفة‏.‏

هو أبو فاضل في العلوم الحكمية متميز فيها خبير بصناعة الطب جيد في أصولها وفروعها ولمسكويه من الكتب كتاب الأشربة كتاب الطبيخ كتاب تهذيب الأخلاق

أحمد بن أبي الأشعث

هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث كان وافر العقل سديد الرأي محباً للخير كثير السكينة والوقار متفقها في الدين وعمر عمراً طويلاً له تلاميذ كثيرة وكان فاضلاً في العلوم الحكمية متميزاً فيها وله تصانيف كثيرة في ذلك تدل على ما كان عليه من العلم وعلو المنزلة وله كتاب في العلم الإلهي في نهاية الجودة وقد رأيته بخطه رحمه اللّه تعالى وكان عالماً بكتب جالينوس خبيراً بها متطلعاً على أسرارها وقد شرح كثيراً من كتب جالينوس وهو الذي فصل كل واحد من الكتب الست عشر التي لجالينوس إلى جمل وأبواب وفصول وقسمها تقسيماً لم يسبقه إلى ذلك أحد غيره وفي ذلك معونة كثيرة لمن يشتغل بكتب الفاضل جالينوس فإنه يسهل عليه كل ما يلتمسه منها وتبقى له أعلام تدله على ما يريد مطالعته من ذلك ويتعرف به كل قسم من أقسام الكتاب وما يشتمل عليه وفي أي غرض هو وفصّل أيضاً كذلك كثيراً من كتب أرسطوطاليس وغيره وجلة مصنفات أحمد بن أبي الأشعث في صناعة الطب وغيرها ونقلت من كتاب عبيد اللّه بن جبرائيل بن بختيشوع قال ذكر لي من خبر أحمد ابن الأشعث رحمه اللّه أنه لم يكن منذ ابتدأ عمره يتظاهر بالطب بل كان متصرفاً وصودر وكان أصله من فارس فخرج من بلده هارباً ودخل الموصل بحالة سيئة من العري والجوع واتفق أنه كان لناصر الدولة ولد عليل في حالة من قيام الدم والأغراس وكان كلما عالجته الأطباء ازداد مرضه فتوصل إلى أن دخل عليه وقال لأمه أنا اعالجه وبدأ يريها غلط الأطباء في التدبير فسكنت إليه وعالجه فبرأ وأعطي وأحسن إليه وأقام بالموصل إلى آخر عمره واتخذ له تلاميذ عدة إلا أن الخاص به والمتقدم عنده كان أبو الفلاح وبرع في صناعة الطب‏.‏

أقول كانت وفاة أحمد بن أبي الأشعث رحمه اللّه في سنة ثلثمائة ونيف وستين للهجرة وكان له عدة أولاد والذي وجدته مشهوراً منهم في صناعة الطب محمد ولأحمد بن أبي الأشعث من الكتب كتاب الأدوية المفردة ثلاث مقالات وكان السبب الباعث له على تصنيفه قوم من تلامذته سألوه ذلك وهذا نص كلامه في صدر الكتاب قال سألني أحمد بن محمد البلدي أن أكتب هذا الكتاب وقديماً سألني محد بن ثواب فتكلمت في هذا الكتاب بحسب طبقتهما وكتبته إليهما وبدأت به في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة وهما في طبقة من تجاوز تعلم الطب ودخلا في جملة من يتفقه فيما علم من هذه الصناعة ويفرع ويقيس ويستخرج وإى من في طبقتهما من تلامذتي ومن إئتمَّ بكتبي فإن من أراد قراءة كتابي هذا وكان قد تجاوز حد التعليم إلى حد التفقه فهو الذي ينتفع به ويحظى بعلمه ويقدر أن يستخرج منه ما هو فيه بالقوة مما لم أذكره وأن يفرع على ما ذكرته ويشيد وهذا قولي لجمهور الناس دون ذوي القرائح الأفراد التي يمكنها تفهم هذا وما فوقه بقوة النفس الناطقة فيهم فإن هؤلاء تسهل عليهم المشقة في العلم ويقرب لديهم ما يطول على غيرهم كتاب الحيوان كتاب العلم الإلهي مقالتان فرغ من تأليفه في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثلثمائة كتاب في الجدري والحصبة والحميقاء مقالتان كتاب في السرسام والبرسام ومداواتهما ثلاث مقالات صنفه لتلميذه محمد بن ثواب الموصلي أملاه عليه إملاء من لفظه وكتبه عنه بخطه وذكر تاريخ الإملاء والكتابة في رجب سنة خمس وخمسين وثلثمائة كتاب في القولنج وأصنافه ومداواته والأدوية النافعة منه مقالتان كتاب في البرص والبهق ومداواتهما مقالتان كتاب في الصرع وكتاب آخر في الصرع كتاب في الاستسقاء كتاب في ظهور الدم مقالتان كتاب الماليخوليا كتاب تركيب الأدوية مقالة في النوم واليقظة كتبها إلى أحمد بن الحسين بن زيد بن فضالة البلدي بحسب سؤاله على لسان عزور بن الطيب اليهودي البلدي كتاب الغادي والمغتذي مقالتان فرغ من تأليفه بقلعة برقى من أرمينية في صفر سنة ثمان وأربعين وثلثمائة كتاب أمراض المعدة ومداواتها شرح كتاب الفرق لجالينوس مقالتان فرغ منه في رجب سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة شرح كتاب الحميات لجالينوس‏.‏

محمد بن ثواب الموصلي

هو أبو عبد اللّه بن ثواب بن محمد ويعرف بابن الثلاج من أهل الموصل فاضل في صناعة الطب خبير بالعلم والعمل وشيخه في صناعة الطب أحمد بن أبي الأشعث لازمه واشتغل عليه وتميز وكتب بخطه كتباً كثيرة‏.‏

أحمد بن محمد البلدي

هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى من مدينة بلد وكان خبيراً بصناعة الطب حسن العلاج والمداواة وكان من أجل تلامذة أحمد بن أبي الأشعث لازمه مدة سنين واشتغل عليه وتميز ولأحمد بن محمد البلدي من الكتب كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن يوسف المعروف بابن كلس وزير العزيز باللّه في الديار المصرية‏.‏

ابن قوسين

كان طبيباً مشهوراً في زمانه وله دراية بصناعة الطب ومقامه بالموصل وكان يهودياً وأسلم وعمل مقالة في الرد على اليهود ولابن قوسين من الكتب مقالة في الرد على اليهود‏.‏

 

 

علي بن عيسى

وقيل عيسى بن علي الكحال كان مشهوراً بالحذق في صناعة الكحل متميزاً فيها وبكلامه يقتدى في أمراض العين ومداواتها وكتابه المشهور بتذكرة الكحالين هو الذي لا بد لكل من يعاني صناعة الكحل أن يحفظه وقد اقتصر الناس عليه دون غيره من سائر الكتب التي قد ألفت في هذا الفن وصار ذلك مستمراً عندهم وكلام علي بن عيسى في أعمال صناعة الكحل أجود من كلامه فيما يتعلق بالأمور العلمية وكانت وفاته سنة وأربعمائة ولعلي بن عيسى من الكتب كتاب تذكرة الكحالين ثلاث مقالات‏.‏

ابن الشبل البغدادي

هو أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن يوسف بن شبل مولده ومنشؤه ببغداد وكان حكيماً فيلسوفاً ومتكلماً فاضلاً وأديباً بارعاً وشاعراً مجيداً وكانت وفاته ببغداد سنة أربع وسبعين وأربعمائة‏.‏

ومن شعر قاله في الحكمة وهذه القصيدة من جيد شعره وهي تدل على قوة اطلاع بربك أيها الفلك المدار أقصد ذا المسير أم اضطرار مدارك قل لنا في أي شيء ففي أفهامنا منك ابتهار وفيك نرى الفضاء وهل فضاء سوى هذا الفضاء به تدار وعندك ترفع الأرواح أم هل مع الأجساد يدركها البوار وموج ذا المجرة أم فرند على لجج الدروع له أوار وفيك الشمس رافعة شعاعاً بأجنحة قوادمها قصار وطوقٌ في النجوم من الليالي هلالك أم يد فيها سوار وشهب ذا الخواطف أم ذبال عليها المرخ يقدح والعفار وترصيع نجومك أم حباب تؤلف بينه اللجج الغزار تمد رقومها ليلاً وتطوى نهاراً مثل ما طوى الإزار فكم بصقالها صدي البرايا وما يصدى لها أبداً غرار تباري ثم تخنس راجعات وتكنس مثل ما كنس الصوار ودهر ينثر الأعمار نثراً كما للغصن بالورد انتثار ودنيا كلما وضعت جنيناً غذاه من نوائبها ظؤار هي العشواء ما خبطت هشيم هي العجماء ما جرحت جبار فمن يوم بلا أمس ليوم بغير غد إليه بنا يسار ومن نفسين في أخذ ورد لروع المرء في الجسم انتشار وكم من بعد ما ألفت نفوس حسوماً عن مجاثمها تطار ألم تك بالجوارح آنسات فكم بالقرب عاد لها نفار فإن يك آدم أشقى بنيه بذنب ماله منه اعتذار ولم ينفعه بالأسماء علم وما نفع السجود ولا الجوار فاخرج ثم أهبط ثم أودي فترب الساقيات له شعار فأدركه بعلم اللّه فيه من الكلمات للذنب اغتفار ولكن بعد غفران وعفو يُعَيَّر ما تلا ليلاً نهار تُعاقب في الظهور وما ولدنا ويُذبح في حشا الأم الحوار وننتظر الرزايا والبلايا وبعد فبالوعيد لنا انتظار ونخرج كارهين كما دخلنا خروج الضب أحوجه الوجار فماذا الامتنان على وجود لغير الموجدين به الخيار وكانت أنعما لو أن كوناً نخير قبله أو نستشار أهذا الداء ليس له دواء وهذا الكسر ليس له انجبار تحير فيه كل دقيق فهم وليس لعمق جرحهم انسبار إذا التكوير غال الشمس عنا وغال كواكب الليل انتثار وبدلنا بهذي الأرض أرضاً وطوح بالسموات انفطار وأذهلت المراضعُ عن بنيها لحيرتها وعطلت العشار وغشى البدر من فرق وذعر خسوف للتوعد لا سرار وسيرت الجبال فكن كثباً مهيلات وسجرت البحار وما أرض عصته ولا سماء ففيم يغول أنجمها انكدار وقد وافته طائعة وكانت دخاناً ما لفاتره شرار قضاها سبعة والأرض مهداً دحاها فهي للأموات دار فما لسمو ما أعلا انتهاء ولا لسمو ما أرسى قرار ولكن كل ذا التهويل فيه لذي الألباب وعظ وازدجار وقال يرثي أخاه أحمد غاية الحزن والسرور انقضاء ما لحى من بعد ميت بقاء لا لبيد بأربد مات حزناً وسلت عن شقيقها الخنساء مثل ما في التراب يبلى فالح - - زن يبلى من بعده والبكاء غير أن الأموات زالوا وأبقوا غصصاً لا يسيغه الأحياء إنما نحن بين ظفر وناب من خطوب أسودهن ضِراء نتمنى وفي المنى قصر العمر فنغدو بما نسر نساء راجع جودها عليها فمهما يهب الصبح يسترد المساء ليت شعري حلماً تمر بنا الأيام أم ليس تعقل الأشياء من فساد يجنيه للعالم الكو - - ن فما للنفوس منه اتقاء قبّح اللّه لذة لأذانا نالها الأمهات والآباء نحن لولا الوجود لم نألم الفقد فإيجادنا علينا بلاء وقليلاً ما تصحب المهجة الجسم ففيهم الأسى وفيم العناء ولقد أيد الإله عقولاً حجة العود عندها الإبداء غير دعوى قوم على الميت شيئاً أنكرته الجلود والأعضاء وإذا كان في العيان خلاف كيف بالغيب يستبين الخفاء ما دهانا من يوم أحمد إلا ظلمات ولا استبان ضياء يا أخي عاد بعدك الماء سما وسموماً ذاك النسيم الرخاء والدموع الغزار عادت من الأ - - نفاس ناراً تثيرها الصعداء أين ما كنت تنتضي من لسان في مقام للمواضي انتضاء كيف أرجو شفاء وما بي دون سكناي في ثراك شفاء أين ذاك الرواج والمنطق المو - - نق أين الحياء أين الإباء إن محا حسنك التراب فما للدمع يوماً من صحن خدي انمحاء أو تبن لم يبن قديم وداد أو تمت لم يمت عليك الثناء شطر نفسي دفنت والشطر باق يتمنى ومن مناه الفناء إن تكن قدمته أيدي المنايا فإلى السابقين تمضي البطاء يدرك الموت كل حي ولو أخفته عنه في برجها الجوزاء ليت شعري وللبلى كل ذي الخلق بماذا تميز الأنبياء موت ذا العالم المفضل بالنطق وذا السارح البهيم سواء لا غوي لفقده تبسم الأرض ولا للتقي تبكي السماء كم مصابيح أوجه أطفأتها تحت أطباق رمسها البيداء وقال أيضاً وكأنما الإنسان فيه غيره متكوناً والحسن فيه معار متصرفاً وله القضاء مصرّف ومكلفاً وكأنه مختار طوراًتصوبه الحظوظ وتارة خطأ تحيل صوابه الأقدار تعمى بصيرته ويبصر بعدما لا يسترد الفائت استبصار فتراه يؤخذ قلبه من صدره ويرد فيه وقد جرى المقدار فيظل يضرب بالملامة نفسه ندماً إذا لعبت به الأفكار لا يعرف الإفراط في إيراده حتى يبينه له الإصدار وقال أيضاً إذا أخنى الزمان على كريم أعار صديقه قلب العدو وقال أيضاً تلق بالصبر ضيف الهم ترحله إن الهموم ضيوف أكلها المهج فالخطب ما زاد إلا وهو منتقص والأمر ما ضاق إلاّ وهو منفرج تسل عن كل شيء بالحياة فقد يهون بعد بقاء الجوهر العرض يعوض اللّه مالاً أنت متلفه وما عن النفس أن أتلفتها عوض وقال أيضاً وعلى قدر عقله فاعتب المرء وحاذر براً يصير عقوقا كم صديق بالعتب صار عدواً وعدو بالحلم صار صديقا وقال أيضاً ليكفيكم ما فيكم من جوى نلق فمهلاً بنا مهلاً ورفقاً بنا رفقا وحرمة ودي لا سلوت هواكم ولا رمت منه لا فكاكا ولا عتقا سأزجر قلباً رام في الحب سلوة وأهجره إن لم يمت بكم عشقا عذبت الهوى يا صاح حتى ألفته فأضناه لي أشفى وأفناه لي أبقى فلا الصبر موجود ولا الشوق بارح ولا أدمعي تطفي اللهيب ولا ترقا أخاف إذا ما الليل مد سدوله على كبدي حرقاً ومن مقلتي غرقا أيجمل أن أجزى عن الوصل بالجفا وينعم طرفي والفؤاد بكم يشقى وقال أيضاً إن تكن تجزع من دمعي إذا فاض فصنه أو تكن أبصرت يوماً سيدا يعفو فكنه أنا لاأصبرعمن لا يحل الصبر عنه كل ذنب في الهوى يغفرلي ما لم أخنه وقال أيضاً ثقلت زجاجات أتتنا فرغا حتى إذا ملئت بصرف الراح خفت فكادت أن تطير بما حوت وكذا الجسوم تخف بالأرواح وقال أيضاً قالوا القناعة عز والكفاف غنى والذل والعار حرص النفس والطمع صدقتم من رضاه سد جوعته إن لم يصبه بماذا عنه يقتنع وقال أيضاً احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سر ومال ما استطعت ومذهب وقال أيضاً قالوا وقد مات محبوب فجعت به وبالصبا وأرادوا عنه سلواني ثانيه في الحسن موجود فقلت لهم من أين لي في الهوى الثاني صبا ثاني وقال أيضاً وفي اليأس إحدى الراحتين لذي الهوى على إن إحدى الراحتين عذاب أعف وبي وجد وأسلو وبي جوى ولو ذاب مني أعظم وإهاب وآنف أن تعتاق همي خريدة بلحظ وأن يروي صداي رضاب فلا تنكري عز الكريم على الأذى فحين تجوع الضاربات تهاب وقال أيضاً بنا إلى الدير من درتا صبابات فلا تلمني فما تغني الملامات لا تبعدن وإن طال الزمان به أيام لهو عهدناه وليلات فكم قضيت لبانات الشباب بها غنما وكم بقيت عندي لبانات ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة فانعم ولذ فإن العيش تارات لعله إن دعا داعي الحمام بنا نقضي وأنفسنا منا رويات بم التعلل لولا ذاك من زمن إحياؤه باعتياد الهمّ أموات دارت تحيي فقابلنا تحيتها وفي حشاها لفزع المزج روعات عذراء أخفى لنا بدور صورتها لم يبق من روحها إلا حشاشات مدت سرادق برق من أبارقها على مقابلها منها بلالات فلاح في أذرع الساقين أسورة تبراً وفوق نحور الشرب جامات قد وقّع الدهر سطراً في صحيفته لا فارقت شارب الخمر المسرات خذ ما تعجل واترك ما وعدت به فعل اللبيب فللتأخير آفات وللسعادة أوقات ميسرة تعطي السرور وللأحزان أوقات

ابن بختويه

هو أبو الحسين عبد اللّه بن

عيسى بن بختويه كان طبيباً وخطيباً من أهل واسط لديه معرفة وكلامه في صناعة الطب كلام مطلع على تصانيف القدماء وله نظر فيها ودراية لها وكان والده أيضاً طبيباً‏.‏

ولأبي الحسين بن بختويه من الكتب كتاب المقدمات ويعرف أيضاً بكنز الأطباء ألفه لولده في سنة عشرين وأربعمائة كتاب الزهد في الطب كتاب القصد إلى معرفة الفصد‏.‏

أبو العلاء صاعد بن الحسن من الفضلاء في صناعة الطب والمتميزين من أهلها وكان ذكياً بليغاً ومقامه بمدينة الرحبة وله من الكتب كتاب التشويق الطبي صنفه بمدينة الرحبة في رجب سنة أربع وستين وأربعمائة زاهد العلماء هو أبو سعيد منصور بن عيسى وكان نصرانياً نسطورياً وأخوه مطران نصيبين المشهور بالفضل وخدم زاهد العلماء بصناعة الطب نصير الدولة بن مروان الذي ألف له ابن بطلان دعوة الأطباء وكان نصير الدولة محترماً لزاهد العلماء معتمداً عليه في صناعته محسناً إليه وزاهد العلماء هو الذي بنى بيمارستان ميافارقين وحدثني الشيخ سديد الدين بن رقيقة الطبيب إن سبب بناء بيمارستان ميافارقين هو أن نصير الدولة بن مروان لما كان بها مرضت ابنة له وكان يرى لها كثيراً فآلى على نفسه أنها متى برئت أن يتصدق بوزنها دراهم فلما عالجها زاهد العلماء وصلحت أشار على نصير الدولة أن يجعل جملة هذه الدراهم التي يتصدق بها تكون في بناء بيمارستان ينتفع الناس به ويكون له بذلك أجر عظيم وسمعة حسنة قال فأمره ببناء البيمارستان وأنفق عليه أموالاً كثيرة وقف له أملاكاً تقوم بكفايته وجعل فيه من الآلات وجميع ما يحتاج إليه شيئاً كثيراً جداً فجاء لا مزيد عليه في الجودة‏.‏

ولزاهد العلماء من الكتب كتاب البيمارستانات كتاب في الفصول والمسائل والجوابات وهي جزآن الأول يتضمن ما أثبته الحسن بن سهل مما وجده في خزانته رقاع وكراريس وأدراج وغير ذلك من المسائل والجوابات والجزء الثاني على جهة الفصول والمسائل وجوابات أجاب عنها في مجلس العلم المقرر في البيمارستان الفارقي كتاب في المنامات والرؤيا كتاب فيما يجب على المتعلمين لصناعة الطب تقديم علمه كتاب في أمراض العين ومداواتها‏.‏

المقبلي

هو أبو نصر محمد بن يوسف المقبلي فاضل في صناعة الطب من المتميزين فيها والأعيان من أربابها وللمقبلي من الكتب مقالة في الشراب تلخيص كتاب المسائل لحنين بن إسحاق‏.‏

النيلي

هو أبو سهل سعيد بن عبد العزيز النيلي مشهور بالفضل عالم بصناعةالطب جيد التصنيف متفنن في العلوم الأدبية بارع في النظم والنثر ومن شعره ومعيري من سقم عينيه سقماً دمت مضنى به ودمت معيراً اسقني الراح تشف لوعة قلب بات مذ بنت للهموم سميرا هي في الكاس خمرة فإذا ما أفرغت في الحشا استخالت سرورا وللنيلي من الكتب اختصار كتاب المسائل لحنين تلخيص شرح جالينوس لكتاب الفصول مع نكت من شرح الرازي‏.‏

إسحاق بن علي الرهاوي

كان طبيباً متميزاً عالماً بكلام جالينوس وله أعمال جيدة في صناعة الطب ولإسحاق بن علي الرهاوي من الكتب كتاب أدب الطبيب كناش جمعه من عشر مقالات لجالينوس المعروفة بالميام في تركيب الأدولة بحسب أمراض الأعضاء من الرأس إلى القدم جوامع جمعها من أربعة كتب جالينوس التي رتبها الاسكندرانيون في أوائل كتبه وهي كتاب الفرق وكتاب الصناعة الصغيرة وكتاب النبض الصغير وكتابه إلى أغلوتن وجعل هذه الجوامع على طريق الفصول وأوائل فصولها إلى حروف المعجم‏.‏

سعيد بن هبة اللّه

هو أبو الحسن سعيد بن هبة الّله بن الحسين من الأطباء المتميزين في صناعة الطب وكان أيضاً فاضلاً في العلوم الحكمية مشتهراً بها وكان في أيام المقتدي بأمر اللّه وخدمه بصناعة الطب وخدم أيضاً ولده المستظهر باللّه‏.‏

وقال أبو الخطاب محمد بن محمد بن أبي طالب في كتاب الشامل في الطب إن الطب انتهى في عصرنا إلى أبي الحسن سعيد بن هبة اللّه بن الحسين وولد في ليلة السبت الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وأربعمائة وقرأ على أبي العلاء بن التلميذ وعلى أبي الفضل كتيفات وعلى عبدان الكاتب وألف كتباً كثيرة طبية ومنطقية وفلسفية وغير ذلك ومات ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وأربعمائة وعاش ستاً وخمسين سنة وخلف من التلاميذ جماعة موجودين‏.‏

وحدثني الحكيم رشيد الدين أبو سعيد بن يعقوب النصراني أن أبا الحسن سعيد ابن هبة اللّه كان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي وأنه كان يوماً في البيمارستان وقد أتى إلى قاعة الممرورين لتفقد أحوالهم ومعالجتهم وإذا بامرأة قد أتت إليه واستفتته فيما تعالج به ولداً لها فقال ينبغي أن تلازميه بتناول الأشياء المبردة المرطبة فهزأ به بعض من كان مقيماً في تلك القاعة من الممرورين وقال هذه صفة يصلح أن تقولها لأحد تلامذتك ممن يكون قد اشتغل بالطب وعرف أشياء من قوانينه وأما هذه المرأة فأي شيء تدري ما هو من الأشياء المبردة المرطبة وإنما سبيله أن تصف لها شيئاً معيناً تعتمد عليه ثم قال له بعد ذلك ولا ألومك في قولك هذا فإنك قد فعلت ما هو أعجب منه فسأله عن ذلك فقال صنفت كتاباً مختصراً وسميته المغني في الطب ثم إنك صنفت كتاباً آخر في الطب بسيطاً يكون على قدر أضعاف كثيرة من ذلك الكتاب الأول وسميته الإقناع وكان الواجب أن يكون الأمر على خلاف ما فعلته من التسمية فاعترف بذلك لمن حضره وقال واللّه لو أمكنني تبديل اسم كل واحد منهما بالآخر لفعلت وإنما قد تناقل الناس الكتابين وعرف كل واحد منهما بما سميته به‏.‏

أقول وكان أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه موجوداً في سنة تسع وثمانين وأربعمائة لأني وجدت خطه في ذلك التاريخ على كتابه التلخيص النظامي وقد قرأه عليه أبو البركات ولسعيد بن هبة اللّه من الكتب كتاب المغني في الطب صنفه للمقتدي بأمر اللّه مقالة في صفات تراكيب الأدوية المحال عليها في كتاب المغني كتاب الإقناع كتاب التلخيص النظامي كتاب خلق الإنسان كتاب في اليرقان مقالة في ذكر الحدود والفروق مقالة في تحديد مبادئ الأقاويل الملفوظ بها وتعديدها جوابات عن مسائل طبية سئل عنها‏.‏

هو يحيى بن عيسى بن علي بن جزلة وكان في أيام المقتدي بأمر اللّه وقد جعل باسمه كثيراً من الكتب التي صنفها وكان من المشهورين في علم الطب وعمله وهو تلميذ أبي الحسن سعيد بن هبة اللّه ولابن جزلة أيضاً نظر في علم الأدب وكان يكتب خطاً جيداً منسوباً وقد رأيت بخطه عدة كتب من تصانيفه وغيرها تدل على فضله وتعرب عن معرفته وكان نصرانياً ثم أسلم وألف رسالة في الرد على النصارى وكتب بها إلى إليا القس ولابن جزلة من الكتب كتاب تقويم الأبدان وصنفه للمتقدي بأمر اللّه كتاب منهاج البيان في ما يستعمله الإنسان وصنفه أيضاً للمقتدي بأمر اللّه كتاب الإشارة في تلخيص العبارة وما يستعمل من القوانين الطبية في تدبير الصحة وحفظ والبدن لخصه في كتاب تقويم الأبدان رسالة في مدح الطب وموافقته الشرع والرد على من طعن عليه رسالة كتب بها لما أسلم إلى إليا القس وذلك في سنة ست وستين وأربعمائة‏.‏

أبو الخطاب

هو محمد بن محمد بن أبي طالب مقامه ببغداد وقرأ صناعة الطب على أبي الحسن سعيد بن هبة اللّه وكان متميزاً في الطب وعمله ورأيت خطه على كتاب من تصنيفه قد قرئ عليه وهو كثير اللحن يدل على أنه لم يشتغل بشيء من العربية وكان تاريخه لذلك في تاسع شهر رمضان سنة خمسمائة ولأبي الخطاب من الكتب كتاب الشامل في الطب جعله على طريق المسألة والجواب في العلم والعمل وهو يشتمل على ثلاث وستين مقالة

ابن الواسطي

كان طبيباً للمشتظهر باللّه وكان عنده رفيع المنزلة فاتفق أن أبا سعيد بن المعوج تولى صاحب ديوان واستقر عليه قرية مبلغها ثلاثة آلاف دينار فوزن منها ألفي دينار وبقي عليه ألف دينار فسأل أنظاره بها سنة إلى أن يصل المستغل فلما حل المبلغ نكبت الغلة والثمرة ولم يحصل له من ملكه ما يصرفه في ذلك‏.‏

وكان حاجبه وخاصته مظفر بن الدواتي فأشار إليه بالمضي إلى ابن الواسطي الطبيب ويقصده في داره ويسأله أن يخاطب الخليفة المستظهر باللّه في إنظاره إلى سنة أخرى إلى أن تدخل الغلة‏.‏

فلما نهض من الديوان أشار إلى أصحابه بالعود وأنه يريد أن يمضي إلى داره فلما عادوا مضى هو والحاجب مظفر بن الدواتي فحيث وصل استأذن عليه فخرج وقبل يده وقال اللّه اللّه يا فلما دخل جلس بين يديه فأشار ابن المعوج إلى الحاجب مظفر وقال له تصرف الجماعة للخلوة وتعود أنت بمفردك فلما صاروا بالدهليز قال له تصون الباب ففعل فلما عاد قال له أتقول للحكيم فيماذا أتينيا فقال له الحاجب إن مولانا جاء إليك يعرفك أنه كان قد استقر عليه قرية مبلغها ثلاثة آلاف دينار وأنه صح منها ألفا دينار وتخلف عليه ألف دينار وكان سأل الخليفة إنظاره إلى أوان الغلة فلم يتحصل له من ملكه في هذه السنة شيء وقد أنفذ الديوان وضايق على ذلك وقد رهن كتب داره على خمسمائة دينار وهو يسألك أن تسأل الخليفة أن يؤخر إلى سنة أخرى بالباقي إلى حين أوان الغلة فقال السمع والطاعة أخدم وأبالغ وأقول ما يتعين فنهض من عنده فلما كان من الغد عند نهوضه من الديوان صرف الحاشية على العادة وقال يا مظفر نمضي إليه فإن كان قد خاطب الخليفة سمعنا الجواب وإن لم يكن خاطبه فيكون على سبيل الإذكار فمضى إليه واستأذن عليه فأذن له وخرج إلى الباب وقبل يده مثل ودعا له فلما دخل وجلس أخرج له خط الخليفة بوصول الخمسمائة دينار وقال له هذه كتب الدار التي رهنها مولانا يقبلها من الخادم وكان قد استفكها من ماله فشكره وقبض الكتب والخط وانصرف‏.‏

فلما جاوز الدهليز صاح بالحاجب مظفر وأخرج له منشفة فيها جبة خارا وبقيار قصب وقميص تحتاني أنطاكي ولباس دمياطي وفيه تكة ابريسم وصرة فيها خمسون ديناراً وقال له أريد من إنعام مولانا يلبس هذه الثياب وأراها عليه وهذه الخمسون ديناراً برسم الحمام وأعطى الحاجب جبة عتابي وعشرين ديناراً وأعطى الدواتي جبة عتابي وخمسة دنانير وأعطى الركابي دينارين وقال اسأل مولانا أن يشرف الخادم بقبول ذلك فمضى الحاجب بالجميع إلى ابن المعوج وشرح له الحال فقبله منه‏.‏

أبو طاهر بن البرخشي

هو موفق الدين أبو طاهر أحمد بن محمد بن العباس يعرف بابن البرخشي من أهل واسط فاضل في الصناعة الطبية كامل في الفنون الأدبية وقد رأيت من خطه ما يدل على رزانة عقله وغزارة فضله وكان في أيام المسترشد باللّه حدثني شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي قال حدثني أحمد بن بدر الواسطي قال كان الحكيم أبو طاهر أحمد محمد البرخشي بواسط يعالج مريضاً به أحد أنواع الاستسقاء فطال به المرض ولم ينجع فيه علاج وعبر حد الحمية فسهل له في استعمال مهما طلبته النفس ومالت إليه الطبيعة من المآكل والأغذية فأطلق المريض يده ثم أكل ما تهيأ له فلما كان في بعض الأيام اجتاز به إنسان يبيع الجراد المسلوق في الماء والملح فمالت إليه نفس المريض فطلبه ثم اشترى منه وأكل فعرض له من ذلك إسهال مفرط وانقطع الحكيم عنه لما رأى به من الإفراط في الإسهال ثم أفاق منه بعد أيام وأخذ المزاج في الصلاح وابتدأ به البرء وتدرجت حاله إلى كمال الصحة والحكيم قد أيس من صلاحه فلما علم الحال أتاه وسأله عما استعمل ومم وجد الخف فقال لا أعرف إلا أنني منذ أكلت الجراد المسلوق شرعت في العافية ففكر الحكيم في ذلك طويلاً ثم قال ليس هذا من فعل الجراد ولا من خاصته وسأل المريض عن بائع الجراد فقال لا أعلم بمكانه ولكني إن رأيته عرفته فشرع الحكيم في البحث والسؤال عن كل من يبيع الجراد وهو يحضره إلى المريض واحداً بعد واحد إلى أن عرف صاحبه الذي اشترى منه فقال له الحكيم أتعرف الموضع الذي صدت منه الجراد الذي أكل منه هذا المريض قال نعم قال امض بنا إليه فمضيا جميعاً إلى المكان وإذا هناك حشيشة يرعاها الجراد فأخذ الحكيم من تلك الحشيشة ثم كان يداوي بها من الاستسقاء وأبرأ بها جماعة من هذا المرض وذلك معروف مشهور بواسط‏.‏

أقول وهذه هي حكاية قديمة قد جرى ذكرها وإن تلك الحشيشة التي كان الجراد يرعاها هي المازريون وقد ذكرها أيضاً القاضي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة‏.‏

وكان أبو طاهر بن البرخشي حياً بواسط في سنة ستين وخمسمائة وكان عنده أدب بارع وناولني من كفه مثل خصره ومثل محب ذاب في طول هجره وقال خلالي قلت كل حميدة سوى قتل صب حار فيك بأسره وقال في إنسان سوء حج من بعض قرى واسط لما حججت استبشرت واسط وقولياثا وفتى مرشد وانتقل الويل إلىمكة وركنها والحجر الأسود وقال أيضاً وقد رأى إنساناً يكتب كتاباً إلى صديق له فكتب في صدره العالم لما انمحت سنن المكارم والعلى وغدا الأنام بوجه جهل قاتم ورضوا بأسماء ولا معنى لها مثل الصديق تكاتبوا بالعالم وكتب إليه نجم الدين أبو الغنائم محمد بن علي بن المعلم الهرثي الشاعر الواسطي وقد أبل من مرض وألزمه الحمية ومنعه الغذاء صبحت فخراً بالمنى واغتدى قدرك فوق النجم مرفوعا يا منقذي من حلقات الردى حاشاك أن تقتلني جوعا فكتب ابن البرخشي إليه الجواب تبعت مرسومك يا ذا العلى لا زال مرسومك متبوعا أوجب تأخيراً الغذا يومنا وفي غد نستدرك الجوعا اصبر فما أقصرها مدة وإن تلكأت فأسبوعا فأجابه هو يا عالماً أين ثوى رحله جرى من العلم ينابيعا لم عندك الأعمار موصولة يضحى ويمسي الرزق مقطوعا واللّه إن بت ولم يجدني شعري يا ذا الفضل منفوعا ليخلعن الجوع مني الحيا وأوسعن العلم تقطيعا

ابن صفية

هو أبو غالب بن صفية وكان نصرانياً وقال بعض العراقيين إن أبا المظفر يوسف المستنجد باللّه كان خليفة صارماً متيقظاً فتاكاً وكان وزيره أبو المظفر يحيى بن هبيرة ثم توفي فاستوزر شرف الدين بن البلدي وكان يجري مجراه وكان في الدولة أمراء أكابر كان متقدم الجماعة قطب الدين قايماز وكان أصله أرمنيا وقد عظم شأنه وعلا مكانه واستولى على البلاد وتحكم في الدولة ولم يبق له ضد ولا مناو وعمد إلى أكابر أمراء الدولة فزوجهم ببناته وكان بينه وبين الوزير مما تراه ويخوفه من استطالة قطب الدين ومن يجري معه من الأمراء فاطلع الطبيب على بعض الأحوال وأراد التقرب عند الأمير قطب الدين فنقل إليه الحديث واستمر الحال على ذلك فلما مرض الخليفة عزم في القبض على قطب الدين وجماعته واطلع ابن صفية على ذلك فمضى على قطب الدين وعرفه الحال وقال له قد جرى من الوزير كذا وكذا فتغد به قبل أن يتعشى بك فأخذ قطب الدين يعمل فكرته ورأيه في التدبير في مكايد الوزير وثقل الخليفة في المرض واشتغل عما كان قد دبره مع الوزير في القبض على الأمراء فأجمع قطب الدين رأيه على قتل الخليفة ثم يتفرغ لهلاك الوزير فأسفر رأيه على أنه قرر مع ابن صفية الطبيب أن يصف للخليفة الحمام فدخل الحكيم إلى الخليفة وأشار بالحمام والخليفة يعلم من نفسه الضعف فأبى ذلك فدخل قطب الدين وبعض الجماعة وقال يا مولانا الحكيم قد أشار الحمام فقال قد رأينا أن نؤخره فغلبوا على رأيه وأدخلوه الحمام وقد كان أوقد عليه ثلاثة أيام بلياليهن وردوا عليه باب الحمام ساعة فمات وأظهروا الحزن العظيم وأتوا إلى ولده أبي محمد الحسن فاستخلفوه على ما أرادوا وبايعوه ولقب بالمستضيء بأمر اللّه وأقام مدة وفي نفسه شيء مما فعلوا وكان قد استوزر عضد الدين أبا الفرج ابن رئيس الرؤساء وكان ابن صفية الطبيب على حاله ملازم الخدمة فشرع الخليفة في الاستبداد بالأمور مع وزيره وكان قطب الدين قايماز وابن صفية مهما اطلع عليه من الأحوال نقله إلى قطب الدين وهو متردد إلى الدار ولا يمنع لكونه طبيب الخدمة فاستحضره الخليفة ليلاً وقال له يا حكيم عندي من أكره رؤيته وأريد إبعاده بوجه لطيف غير شفيع فقال له نرتب له شربة قوية بالغة يشربها وقد حصل الخلاص من كما تؤثر فمضى وركب شربة كما وصف وأحضرها ليلاً ودخل بها إلى عند الخليفة ففتحها ونظر إليها وقال يا حكيم استف هذه الشربة حتى نجرب فعلها فتلوى من ذلك وقال اللّه اللّه يا مولانا في فقال له الطبيب متى تعدى حده وتجاوز طوره وقع في مثل هذا وليس لك من هذا خلاص إلا السيف فاستف الحكيم الشربة التي ركبها وفر من الهلاك إلى الهلاك ثم خرج من دار الخليفة وكتب إلى الأمير قطب الدين بشعره بالحال ويقول له والانتقال من أمري إلى أمركم ثم هلك‏.‏

وأما قطب الدين فعزم أن يوقع بالخليفة فرد اللّه سبحانه كيده إليه ونهبت أمواله وهرب من بغداد بنفسه ومضى إلى الشام إلى الملك الناصر صلاح الدين فلم يقبله وعاد على طريق البرية إلى الموصل فمرض في الطريق ثم دخل الموصل فمات بها أقول وضد هذه الحكاية ما حدثني به شمس الدين محمد بن الحسن بن الكريم البغدادي عن بعض المشايخ ببغداد قال كان السلطان محمد بن محمود خوارزمشاه قد حضر بغداد في سنة خمسمائة فمرض وهو بعسكره ظاهر البلد ومرض الخليفة المقتفي أبو عبد اللّه محمد بن المستظهر ببغداد فأنفذ السلطان يلتمس الرئيس أمين الدولة بن التلميذ فأخرج إلى ظاهر المدينة فكان يداويه بظاهر بغداد ويداوي الخليفة ببغداد فقال له وزير السلطان أيها الرئيس إني قد كنت عند السلطان وذكرت له من فضلك وأدبك ورآستك وقد أمر لك بعشرة آلاف دينار فقال له يا مولانا قد أمر لي من بغداد بإثني عشر ألف دينار أفيأذن لي في قبولها السلطان يا مولانا أنا رجل طبيب لا أتجاوز وظائف الأطباء وما يلزمهم ولا أعرف إلا ماء الشعير والنقوع وشراب البنفسج النيلوفر ومتى أخرجت عن هذا لا أعرف شيئاً‏.‏

وكان الوزير قد عرض له في حديثه بما معناه أنه يدبر في إتلاف الخليفة وقدر اللّه سبحانه برء الخليفة والسلطان ووقع بينهما على ما اقترحه الخليفة وهذا كان من عقل الرئيس أمين الدولة ودينه وأمانته فإنه كان يقول لا ينبغي للطبيب أن يداخل الملوك في أسرارهم ولا يتجاوز كما تقدم ذكره ماء الشعير والنقوع والشراب فمتى جاوز هذا تلف وكان سبب هلاكه وكان ينشد وإذا أنبت المهيمن للنمل جناحاً أطارها للتردي ولكل امرئ من الناس حد وهلاك الفتى جواز الحد هو الأجل موفق الملك أمين الدولة أبو الحسن هبة اللّه بن أبي العلاء صاعد بن إبراهيم بن التلميذ أوحد زمانه في صناعة الطب وفي مباشرة أعمالها ويدل على ذلك ما هو مشهور من تصانيفه وحواشيه على الكتب الطبية وكثرة من رأيناه ممن قد شاهده وكان ساعور البيمارستان العضدي ببغداد إلى حين وفاته وكان في أول أمره قد سافر إلى بلاد العجم وبقي بها وهو في الخدمة سنيناً كثيرة وكان جيد الكتابة يكتب خطاً منسوباً وقد رأيت كثيراً من خطه وهو في نهاية الحسن والصحة وكان خبيراً باللسان السرياني والفارسي متبحراً في اللغة العربية وله شعر مستطرف حسن المعاني إلا أن أكثر ما يوجد له البيتان أو الثلاثة وأما القصائد فلم أجد له منها إلا القليل وكان أيضاً يترسل وله ترسل كثير جيد وقد رأيت له من ذلك مجلداً ضخماً كله يحتوي على إنشاء ومراسلات وأكثر أهله كتّاب وكان والد أمين الدولة وهو أبو العلاء صاعد طبيباً فاضلاً مشهوراً وكان أمين الدولة وأوحد الزمان أبو البركات في خدمة المستضيء بأمر اللّه وكان أبو البركات أفضل من ابن التلميذ في العلوم الحكمية وله فيها كتب جليلة ولو لم يكن له إلا كتابه المعروف بالمعتبر لكفى فأما ابن التلميذ فكان أكثر تبصره بصناعة الطب واشتهر بها وكان بينهما شنآن وعداوة إلا أن ابن التلميذ كان أوفر عقلاً وأخير طباعاً من أبي البركات ومن ذلك أن أوحد الزمان كان قد كتب رقعة يذكر فيها عن ابن التلميذ أشياء يبعد جداً أن تصدر عن مثله ووهب لبعض الخدم شيئاً واستسره أن يرميها في بعض طرق الخليفة من حيث لا يعلم بذلك أحد وهذا مما يدل على شر عظيم بعد ذلك رجع إلى رأيه وأشير عليه أن يبحث ويستأصل عن ذلك وأن يستقر من الخدم من يتهمه بهذا الفعل ولما فعل ذلك انكشف له أن أوحد الزمان كتبها للوقيعة بابن التلميذ فحنق عليه حنقاً عظيماً ووهب دمه وجميع ماله وكتبه لأمين الدولة بن التلميذ ثم أن أمين الدولة كان عنده من كرم الطباع وكثرة الخيرية أنه لم يتعرض له بشيء وبعد أوحد الزمان بذلك عن الخليفة وانحطت منزلته ومن مطبوع ما لأمين الدولة فيه قوله لنا صديق يهودي حماقته إذا تكلم تبدو فيه من فيه يتيه والكلب أعلى منه منزلة كأنه بعد لم يخرج من التيه ولبعضهم في أمين الدولة وأوحد الزمان أبو الحسن الطبيب ومقتفيه أبو البركات في طرفي نقيض فهذا بالتواضع في الثريا وهذا بالتكبر في الحضيض ونقلت من خط الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي فيما حكاه عن الأجل أمين الدولة بن التلميذ قال كان أمين الدولة حسن العشرة كريم الأخلاق عنده سخاء ومروءة وأعمال في الطب مشهورة وحدوس صائبه منها أنه أحضرت إليه امرأة محمولة لا يعرف أهلها في الحياة هي أم في الممات وكان الزمان شتاء فأمر بتجريدها وصب الماء المبرد عليها صباً متتابعاً كثيراً ثم أمر بنقلها إلى مجلس دفيء قد بخر بالعود والند ودثرت بأصناف الفراء ساعة فعطست وتحركت وقعدت وخرجت ماشية مع أهلها إلى منزلها قال ودخل إليه رجل منزف يعرق دماً في زمن الصيف فسأل تلاميذه وكانوا قدر خمسين نفساً فلم يعرفوا المرض فأمره أن يأكل خبز شعير مع باذنجان مشوي ففعل ذلك ثلاثة أيام فبرأ فسأله أصحابه عن العلة فقال إن دمه قد رق ومسامه قد تفتحت وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدم وتكثيف المسام قال ومن مروءته أن ظهر داره كان يلي النظامية فإذا مرض فقيه نقله إليه وقام في مرضه عليه فإذا أبل وهب له دينارين وصرفه ومما حكاه أيضاً عن أمين الدولة بن التلميذ وكأنه قد تجاوز في هذه الحكاية قال وكان أمين الدولة لا يقبل عطية إلا من خليفة أو سلطان فعرض لبعض الملوك النائية داره مرض مزمن فقيل له ليس لك إلا ابن التلميذ وهو لا يقصد أحداً فقال أنا أتوجه إليه فلما وصل أفرد له ولغلمانه دوراً وأفاض عليه من الجرايات قدر الكفاية ولبث مدة فبرئ الملك وتوجه إلى بلاده وأرسل إليه مع بعض التجار أربعة آلاف دينار وأربعة تخوت عتابي وأربعة مماليك وأربعة أفراس فامتنع من قبولها وقال علي يميناً أن لا أقبل من أحد شيئاً فقال التاجر هذا مقدار كثير قال لما حلفت ما استثنيت وأقام شهراً يراوده ولا يزداد إلا إباءً فقال له عند الوداع ها أنا أسافر ولا أرجع إلى صاحبي وأتمتع بالمال فتتقلد منته وتفوتك منفعته ولا يعلم أحد بأنك رددته فقال ألست أعلم في نفسي أني لم أقبله فنفسي تشرف بذلك عَلِم الناس أو جهلوا‏.‏

وحدثني الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني الشيخ موفق الدين أسعد بن الياس بن المطران قال حدثني أبي حدثني إسماعيل بن رشيد قال حدثني أبو الفرج بن توما وأبو الفرج المسيحي قالا كان الأجل أمين الدولة بن التلميذ جالساً ونحن بين يديه إذ استأذنت عليه امرأة ومعها صبي صغير فأدخلت عليه فحين رآه بدرها فقال أن صبيك هذا به حرقة البول وهو يبول الرمل فقالت نعم قال فيستعمل كذا وكذا وانصرفت قالا فسألناه عن العلامة الدالة على أن به ذلك وأنه لو أن الآفة في الكبد أو الطحال لكان اللون من الاستدلال مطابقاً فقال حين دخل رأيته يولع بإحليله ويحكه ووجدت أنامل يديه مشققة قاحلة فعلمت أن الحكمة لأجل الرمل وأن تلك المادة الحادة الموجبة للحكة والحركة ربما لا مست أنامله عند ولوعه بالقضيب فتقحل وتشقق فحكمت بذلك وكان موافقاً‏.‏

ومن نوادر أمين الدولة وحسن إشاراته إنه كان يوماً عند المستضيء بأمر اللّه وقد أسن أمين الدولة فلما نهض للقيام توكأ على ركبتيه فقال له الخليفة كبرت يا أمين الدولة فقال نعم يا أمير المؤمنين وتكسرت قواريري ففكر الخليفة في قول أمين الدولة وعلم أنه لم يقله إلا لمعنى قد قصده وسأل عن ذلك فقيل له إن الإمام المستنجد باللّه كان قد وهبه ضيعة تسمى قوارير وبقيت في يده زماناً ثم من مدة ثلاث سنين حط الوزير يده عليها فتعجب الخليفة من حسن أدب أمين الدولة وأنه لم ينه أمرها إليه ولا عرض بطلبها ثم أمر الخليفة بإعادة الضيعة إلى أمين الدولة وأن لا يعارض في شيء من ملكه‏.‏

ومن نوادره إن الخليفة كان قد فوض إليه رئاسة الطب ببغداد ولما اجتمع إلىه سائر الأطباء ليرى ما عند كل واحد منهم من هذه الصناعة كان من جملة حضره شيخ له هيئة ووقار وعنده سكينة فأكرمه أمين الدولة وكانت لذلك دربة ما بالمعالجة ولم يكن عنده من علم صناعة الطب إلا التظاهر بها فلما انتهى الأمر إليه قال له أمين الدولة ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده من هذه الصناعة فقال يا سيدنا وهل شيء مما تكلموا فيه إلا وأنا أعلمه وقد سبق إلى فهي أضعاف ذلك مرات كثيرة فقال له أمين الدولة فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة فقال الشيخ يا سيدنا إذا صار الإنسان إلى هذه السن ما يبقى يليق به إلا أن يسأل كم له من التلاميذ ومن هو المتميز فيهم وأما المشايخ الذين قرأت عليهم فقد ماتوا من زمان طويل فقال له أمين الدولة يا شيخ هذا شيء قد جرت العادة به ولا يضر ذكره ومع هذا فما علينا أخبرني أي شيء قد قرأته من الكتب الطبية وكان قصد أمين الدولة أن يتحقق ما عنده فقال سبحان اللّه العظيم صرنا إلى حد ما يسأل عن الصبيان وأي شيء قد قرأته من الكتب يا سيدنا لمثلي ما يقال إلا أي شيء صنفته في صناعة الطب وكم لك فيها من الكتب والمقالات ولا بد إنني أعرفك بنفسي ثم إنه نهض إلى أمين الدولة ودنا منه وقعد عنده وقال له فيما بينهما يا سيدي إعلم أنني قد شخت وأنا أوسم بهذه الصناعة وما عندي منها إلا معرفة اصطلاحات مشهورة في المداواة وعمري كله أتكسب بها وعندي عائلة فسألتك باللّه ياسيدنا مشي حالي ولا تفضحني بين هؤلاء الجماعة فقال أمين الدولة على شريطة وهي أنك لا تهجم على مريض بما تعلمه ولا تشير بفصد ولا بدواء مسهل إلا لما قرب من الأمراض فقال الشيخ هذا مذهبي منذ كنت ما تعديب السكنجبين والجلاب ثم إن أمين الدولة قال له معلناً والجماعة تسمع يا شيخ اعذرنا فإننا ما كنا نعرفك والآن قد عرفناك استمر فيما أنت فيه فإن أحداً ما يعارضك ثم إنه عاد بعد ذلك فيما هو فيه مع الجماعة وقال لبعضهم على من قرأت هذه الصناعة وشرع في امتحان فقال يا سيدنا أنا من تلامذة هذا الشيخ الذي قد عرفته وعليه كنت قد قرأت صناعة الطب ففطن أمين الدولة بما أراد من التعريض بقوله وتبسم ثم امتحنه بعد ذلك‏.‏

وكان لأمين الدولة بن التلميذ أصحاب وجماعة يترددون إليه فلما كان في بعض الأيام أتى إليه ثلاثة منجم ومهندس وصاحب أدب فسألوا عن أمين الدولة غلامه قنبر فذكر له أن سيده ليس في الدار وأنه لم يأت في ذلك الوقت فراحوا ثم إنهم عادوا في وقت آخر وسألوه عنه فذكر لهم مثل قوله الأول وكان لهم ذوق من الشعر فتقدم المنجم وكتب على الحائط عند باب الدار قد بلينا في دار أسعد قوم بمدبر ثم كتب المهندس بعده بقصير مطول وطويل مقصر ثم تقدم صاحب الأدب وكان عنده مجون فكتب كم تقولون قنْبراً دحرجوا رأس قنْبرَ ومضوا فلما جاء أمين الدولة قال له قنبر يا سيدي جاء ثلاثة إلى ها هنا يطلبونك ولما لم يجدوك كتبوا هذا على الحائط فلما قرأه أمين الدولة قال لمن معه يوشك أن يكون هذا البيت الأول خط فلان المنجم وهذا البيت الثاني خط فلان المهندس وهذا الثالث خط فلان صاحبنا فإن كل بيت يدل على شيء مما يعانيه صاحبه وكان الأمر كما حدسه أمين الدولة سواء وكانت دار أمين الدولة هذه يسكنها ببغداد في سوق العطر مما يلي بابه المجاور لباب الغربة من دار الخلافة المعظمة بالمشرعة النازلة إلى شاطئ دجلة‏.‏

وقال أمين الدولة بن التلميذ فكرت يوماً في أمر المذاهب فرأيت هاتفاً في النوم وهو ينشدني أعوم في بحرك علي أرى فيه لما أطلبه قعرا فما أرى فيه سوى موجة تدفعني عنها إلى أخرى وحدثني سعد الدين بن أبي السهل البغدادي العواد وكان قد عمر قال رأيت أمين الدولة بن التلميذ واجتمعت به وكان شيخاً ربع القامة عريض اللحية حلو الشمائل كثير النادرة قال وكان يحب صناعة الموسيقى وله ميل إلى أهلها‏.‏

وحدثني سديد الدين محمود بن عمرو رحمه اللّه قال حدثني الإمام فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني وكان صديقاً لأمين الدولة وعاشره مدة قال كان الأجل أمين الدولة بن التلميذ من المتميزين في العربية وكان يحضر مجلسه في صناعة الطب خلق كثير يقرؤون عليه وكان اثنان من النحاة يلازمان مجلسه ولهما منه الإنعام والإفتقاد فكان من يجده من المشتغلين عليه يلحن كثيراً في قراءته أو هو ألكن يترك أحد ذينك النحويين يقرأ عنه وهو يسمع ثم يأمر ذلك التلميذ أيضاً بأن يقرر للنحوي شيئاً يعطيه إياه عن قراءته عنه وكان لأمين الدولة ولد ولم يكن مدركاً لصناعة الطب وكان في سائر أحواله بعيداً عما كان عليه أمين الدولة ولأمين الدولة فيه أشكو إلى اللّه صاحباً شكساً تسعفه النفس وهو يعسفها فنحن كالشمس والهلال معاً تكسبه النور وهو يكسفها وكان أمين الدولة يؤنب ولده أيضاً بهذا البيت والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع وحدثني الشيخ الإمام رضي الدين الطبيب الرحبي رحمه اللّه قال اجتمعت في بغداد بابن أمين الدولة فلما جرى بيننا حديث قال في سياقة كلامه إن في السماء من الجانب الجنوبي مثقباً تطلع فيه الأدخنة وتنزل منه الأرواح وبدت منه أشياء كثيرة من هذا القبيل ظهر بها أن ليس عنده شيء من تحقيق العلم ولا له فطرة سليمة‏.‏

وحدثني الشيخ السني البعلبكي الطبيب قال راح من عندنا من دمشق ثلاثة من أطباء النصارى إلى بغداد سماهم فلما أقاموا بها سمعوا بابن أمين الدولة فقالوا سمعة والده عظيمة والمصلحة أننا نروح إليه ونسلم عليه ونخدمه ونكون قد اجتمعنا به قبل السفر إلى الشام فقصدوا داره ودخلوا إليه وسلموا وعرفوه أنهم نصارى وإن قصدهم التشرف برؤيته فأكرمهم وأجلسهم عنده قال السني فحدثوني أنه تبين لهم سخافة عقل وضعف رأي وذلك أنه من جملة ما حدثهم أنه قال يقولون أن الشام مليح ودمشق طيبة وأنا قد عزمت أن أبصرها إلا أنني أعمل من حيث العلم والهندسة شيئاً أكون إذا سافرت إليها يكون بسهولة ولا أجد كلفة قالوا فقلنا له يا سيدنا كيف تعمل فقال أما تعلمون أن الشام منخفض عن إقليم بغداد وأنه مستقل عنه وذلك مذكور في علم الهيئة وارتفاع المواضع بعضها عن بعض فقلنا نعم يا سيدنا فقال أستعمل عجلاً من الخشب ببكر كبار ويكون فوقهم دفوف مبسوطة مسمرة واجعل فوقهم جميع ما أحتاج إليه وإذا أطلقنا العجل تروح بالبكر بسرعة في الانحدار ولا نزال كذلك إلى أن نصل إلى دمشق بأهون سعي قالوا فتعجبنا من غفلته وجهله ثم قال واللّه ما تروحون حتى أضيفكم وتأكلون عندي طعاماً وصاح بالفراش فأحضر سفرة فاخرة ومد عليها رقاقاً رفيعاً أبيض لا يكون شيء أحسن منه كأنه النصافي البغدادية وهناباً فيه خل وهندباً منقاة جعلها حواليه ثم قال بسم اللّه كلوا قالوا فأكلنا شيئاً يسيراً إذ هو على خلاف عادتنا في الأكل ثم رفع يديه وقال يا غلام هات الطست فأحضر طستاً مفضضاً وقطعة صابون رقى كبيرة وسكب عليه الماء وهو يغسل يديه فأرغى الصابون ثم مسح به فمه ووجهه ولحيته حتى بقيت عيناه ووجهه ملآن من ذلك الصابون وهو أبيض ونظر إلينا قالوا وكان منا فلان لم يتمالك أن ضحك وزاد عليه وقام فخرج من عنده فقال ما لهذا فقلنا له يا سيدنا هذا فيه خفة عقل وهذه عادته فقال لو أقام عندنا داويناه فتعجبنا منه ثم ودعناه وانصرفنا ونحن نسأل اللّه العافية مما كان فيه من الجهل وحدث بعض العراقيين أن أمين الدولة مات لصديق له ولد وكان ذا أدب وعلم ولم يعزه أمين الدولة فلما اجتمع به بعد ذلك عتب عليه إذ لم يعزه عن ولده للمودة التي بينها فقال أمين الدولة لا تلمني في هذا فواللّه أنا أحق بالتعزية منك إذ مات ولدك وبقي مثل ولدي ووجدت كلاماً لأمين الدولة في ضمن رسالة كتبها إلى ولده وكان يعرف برضي الدولة أبي نصر قال والتفت بذهنك عن هذه الترهات إلى تحصيل مفهوم تتميز به وخذ نفسك من الطريقة بما كررت تنبيهك عليه وإرشادك إليه واغتنم الإمكان واعرف قيمته وتشاغل بشكر اللّه تعالى عليه وفز بحظ نفيس من العلم تثق من نفسك بأن عقلته وملكته لأقرأته ورويته فإن بقية الحظوظ تتبع هذا الحظ المذكور وتلزم صاحبه ومن طلبها من دونه فإما أن لا يجدها وإما أن لا يعتمد عليها إذا وجدها ولا يثق بدوامها وأعوذ باللّه أن ترضى لنفسك إلا بما يليق بمثلك أن يتسامى إليه بعلو همته وشدة أنفته وغيرته على نفسه ومما قد كررت عليك الوصاة به أن لا تحرص على أن تقول شيئاً لا يكون مهذباً في معناه ولفظه ويتعين عليك إيراده فأما معظم حرصك فتصرفه إلى أن تسمع ما تستفيده لا ما يلهيك ويلذ للأغمار وأهل الجهالة نزهك اللّّه عن طبقتهم فإن الأمر كما قال أفلاطن الفضائل مرة الورد حلوة الصدر والرذائل حلوة الورد مرة الصدر وقد زاد أرسطو طاليس في هذا المعنى فقال إن الرذائل لا تكون حلوة الورد عند ذي فطرة فائقة بل يؤذيه تصور قبحها أذى يفسد عليه ما يستلذه غيره منها وكذلك يكون صاحب الطبع الفائق قادراً بنفسه على معرفة ما يتوخى وما يجتنب كالتام الصحة يكفي حسه في تعريفه النافع والضار فلا ترض لنفسك حفظك اللّه إلا بما تعلم أنه يناسب طبقة أمثالك وأغلب خطرات الهوى بعزمات الرجال الراشدين واطح بنفسك إليها تتركك في طاعة عقلك فإنك تسر بنفسك وتراها في كل يوم مع اعتماد ذلك في رتبة علية ومرقاة من سماء في السعادة‏.‏

وكانت وفاة أمين الدولة ببغداد في الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ستين وخمسمائة وله من العمر أربع وتسعون سنة ومات نصرانياً وخلف نعماً كثيرة وأموالاً جزيلة وكتباً لا نظير لها في الجودة فورث جميع ذلك ولده وبقي مدة ثم إن ولد أمين الدولة خنق في دهليز داره الثلث الأول من الليل وأخذ ماله ونقلت كتبه على اثني عشر جملاً إلى دار المجد بن الصاحب وكان ابن أمين الدولة قد أسلم قبل موته وقيل إنه كان شيخاً قد ناهز الثمانين سنة ووجدت في أثناء كتاب كتبه السيد النقيب الكامل بن الشريف الجليل إلى أمين الدولة بن التلميذ وهو يمتدحه فيه بهذه القصيدة أمين الدولة أسلم للأيادي علي رغم المناوي والمعادي وللمعروف تنشره إذا ما طواه تناوب النوب الشداد فأنت المرءُ تُلفى حين تدعى جواداً بالطريف وبالتلاد وصولاً للخليل على التنائي ودوداً لا يحول عن الوداد سديد الرأي والأقوال تأبى نهاه أن يميل عن السداد ساشكر ما صنعت من الأيادي إليّ على التداني والبعاد وأثني والثناء عليك حق بما أوليتني في كل نادي وهل شكري على مر الليالي ينال مدى ولائي واعتقادي دعوتك والزمان به حران فأمسى وهو لي سهل القياد اديه فيسمعني وقدماً تجانب لي أصم عن المنادي أرى الأشواق نحوك في فؤادي كمثل النار في حجر الزناد متى ولعت به ذكراك كادت لحر الوجد تلفظني بلادي تحن ركائبي وأحن شوقاً إذا خطر اللقاء على فؤادي وأطمع في الرقاد رجاء زور يلم وأين طرفي والرقاد سأبعثها تثير البيد وخداً وتعتسف الظلام بغير هادي لو ان النجم جاراها دليلاً تحير أو شكا طول السهاد تلفت بي إلى الزوراء زوراً كما التفتت إلى الماء الصوادي ولو أن الزمان جرى ومن لي بان يجري الزمان على مرادي وأمكنني المزار لما عدتني وحقك عن زيارتك العوادي فمن لي أن تسيرني المطايا إليك ولو سريت بغير زاد أقول لصاحب لم يدر جهلاً أغيي ما تحاول أم رشادي إذا واليت فانظر من توالي وإن عاديت فانظر من تعادي إذا ما قِيسَ فصرَّ عنه قس وقس ما علمنا في إياد وإن جاورته جاورت عيثاً يذوب نداه في العام الجماد أو استنجدته أعداك منه أخو عزم على الأيام عادي جواد بالذي تحوي يداه إذا نودي ألا هل من جواد يجيبك قبل أن تدعو نداه ويكفي كل حادثة بنادي أخو كرم يقل العتب فيه وإفضال تقر به الأعادي وأخلاق كمثل الراح شيبت بمشمول من الصفو البراد بأدنى سعيه حاز المعالي وأخفق غيره بعد اجتهاد وفي الغايات أن لز المذاكي تبَين المقرفات من الجياد أبا الحسن استمع مني ثناء حلا فخلا من المعنى المعاد كأنفاس الرياض سرت عليها صبا فتعطرت غب العهاد أنادي فيه باسمك والقوافي تؤرج لا بسُعدي أو سعاد ودمت على الزمان وكل شيء على مر الزمان إلى نفاد وقال الشريف أبو يعلى محمد بن الهبارية العباسي من قصيدة يمدح بها الأجل أمين الدولة بن التلميذ يقول فيها يا بني التلميذ لو وافيتكم لم تكن نفسي بأهلي شغفه وتسليت بكم عن صبيتي وغدا وسطي ثقيل المنصفه إنما طلقت كرمان بكم أنكم لي عوض ما أشرفه برئيس الحكماء المرتجى إنه لي جنة مخترفه عوقتني عن عميد الملك دنياي ودنياي ظلوم مجحفه لو رآني هبة اللّه أبو الحسن الأوحد كانت متحفة فهو من نخلة دهري طلعة حلوة الطعم وكلٌّ حشفه غدت الدنيا ومن فيها معاً لعلاه بالعلي معترفه فأماني الورى كلهم من أيادي جوده مغترفه وبأبراد معالي ظله من تصاريف الردى ملتحفه فهو غدر الدهر بل إحسانه والبرايا يبسات قشفه لو تمكنت لكانت جملتي في زوايا داره معتكفه سن في دنيا المعالي سنناً أصبحت معجبة مستظرفه فيه تفتخر الدنيا التي أصبحت من غيره مستنكفه سيدي كم غمة جليتها فغدت ظلمتها منكشفه وأياد جمة أوليتها بيد ما برحت مرتشفه نثرت منك بروق لم تكن حين شمناها بروقاً مخلفه وتراءى منك بر شكره معجز كل لسان وشفه إنما أحبو بني التلميذ بالمدح إذ كلهم ذو معرفة فابن يحيى منه محيي الندى زاد في الجود على مَن خلفه وهو في الفضل له الفضل على كل من أنكره أو عرفه حقق الكنية من والده كرما فيه وطبعاً ألفه يا رئيس الحكماء استجلها من بنات الفكر بكرا مترفه إنني أنفذت نخلي قاصداً اشكتي دهراً قليل النصفه وبإنعامك قد عللتها أنه يجلو الخطوب المغدقه فابق للمجد ثمالاً ما رغت لغباً جسرة سار موجفه كم لكم من نعمة تالدة تترجى أختها المطرفة جددوا إيرادها يا سادتي بأياد منكم مؤتنفه وكتب أبو إسماعيل الطغرائي إلى أمين الدولة بن التلميذ يا سيدي والذي مودته عندي روح يحيا بها الجسد من ألم الظهر أستغيث وهل يألم ظهر إليك يستند وكان محمد بن جكينا قد مرض وزاره أمين الدولة فقال فيه ابن جكينا قصدت ربعي فتعالى به قدري فدتك النفس من قاصد فما رأى العالم من قبلها بحراً مشى قط إلى وارد وكان بعض الشعراء ببغداد أتى إلى أمين الدولة وشكى حاله واستوصفه فوصف ما يصلح أتيته أشتكي وبي مرض إلى التداوي والرفد محتاج فقلت إذ برني وأبراني هذا طبيب عليه زرباج ومن كلام أمين الدولة بن التلميذ حدثني سديد الدين بن رقيقة قال حدثني فخر الدين المارديني قال كان يقول لنا أمين الدولة لا تقدِّروا إن أكثر الأمراض تحيطون بها خبرة فإن منها ما يأتيكم من طريق السماوة وكان يقول أيضاً متى رأيت شوكة في البدن ونصفها ظاهر فلا تشترط أنك تقلعها فإنها ربما انكسرت‏.‏

ومن كلامه قال ينبغي للعاقل أن يختار من اللباس ما لا تحسده عليه العامة ولا تحقره فيه الخاصة ومن شعر الأجل أمين الدولة بن التلميذ وهو مما أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي مما سمعه من والده قال أنشدني أمين الدولة بن التلميذ لنفسه حبي سعيداً جوهرا ثابت وحبه لي عرض زائل به جهاتي ألست مشغولة وهو إلى غيري بها مائل وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه إذا وجد الشيخ في نفسه نشاطاً فذلك موت خفي ألست ترى أن ضوء السراج له لهب قبل أن ينطفي تعس القياس فللغرام قضية ليست على نهج الحجى تنقاد منها بقاء الشوق وهو بعرفنا عرض وتفنى دونه الأجساد وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه في الوزير الدركزيني قالوا فلان قد وزر فقلت كلا لا وزر واللّه لو حكمت فيه جعلته يرعى البقر وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه قال الأنام وقد رأوه مع الحداثة قد تصدر من ذا المجاوز قدره قلت المقدم بالمؤخر وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه قد قلت للشيخ الجليل الأريحي أبي المظفر ذكرّ فلان الدين بي قال المؤنثْ لا يذكر وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه لغزا في السمك لبس الجواشن خوف الردى وعلين فوق الرؤوس الخوذ سق النفس بالعلم نحو الكمال تواف السعادة من بابها ولا ترج ما لم تسبب له فإن الأمور بأسبابها وقال أيضاً لولا حجاب أمام النفس يمنعها عن الحقيقة فيما كان في الأزل لأدركت كل شيء عزّ مطلبه حتى الحقيقة في المعلول والعلل وقال أيضاً العلم للرجل اللبيب زيادة ونقيصة للأحمق الطياش مثل النهار يزيد أبصار الورى نوراً ويغشى أعين الخفاش وقال أيضاً بزجاجتين قطعت عمري وعليهما عولت دهري بزجاجة ملئت بحبر وزجاجة ملئت بخمر فبذي أثبَّت حكمتي وبذي أزيل هموم صدري وقال أيضاً وقال أيضاً إذا كنت محموداً فإنك مرمد عيون الورى فأكحلهم بالتواضع وقال أيضاً‏:‏ لا تحقرن عدواً لان جانبه ولو يكون قليل البطش والجلد فللذبابة في الجرح الممدّ يدٌ تنال ما قصرت عنه يد الأسد وقال أيضاً‏:‏ نفس الكريم الجواد باقية فيه وإن مس جلده لعجف والحرحر وإن ألم به الضر ففيه العفاف والأنف والنذل لا يهتدي لمكرمة لأن ذاك المزاج منحرف فالقطر سم إن احتواه فم الصل ودر إن ضمه الصدف وقال أيضاً‏:‏ كانت بلهنية الشبيبة سكرة فصحوت فاستأنفت سيرة مجمل وقعدت أرتقب الفناء كراكب عرف المحل فبات دون المنزل فقلت أبعدتم قياساً ذاك حبيب وذا موكل وقال أيضاً وأرى عيوب العالمين ولا أرى عيباً لنفسي وهو مني قريب كالطرف يستجلي الوجوه ووجهه منه قريب وهو عنه مغيب وقال أيضاً أجدَّك إن من شيم الليالي العنيفة أن تجور على اللهيف كمثل الخلط أغلب ما تراه يصب أذاه في العضو الضعيف وقال أيضاً كأس يُطفي لهب الأوام ثان يعين هاضم الطعام وللسرور ثالث المدام والعقل ينفيه مزيد جام وقال أيضاً يامن رماني عن قوس فرقته بسهم هجر غلا تلافيه أرض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه عاتبت إذ لم يزر خيالك والنوم بشوقي إليه مسلوب فزارني منعماً وعاتبني كما يقال المنام مقلوب وقال أيضاً لسيف جفونك فضل على مواضي السيوف التي في الجفون فتلك مع القتل لا تستطيع رجع النفوس بدفع المنون وعيناك يقتلني شزرها وأحيا بإيماضها في سكون وقال أيضاً تمت محاسنه سوى كلف حلو المواقع زانه بشر وسموا به لألآء غرته عمداً ليعلم أنه بَدْرُ وقال أيضاً لا تحسبنَّ سواد الخال عن خلل من الطبيعة أو إحداثه غلطا وإنما قلم التصوير حين جرى بنون حاجبه في خده نقطا وقال أيضاً قل لي إلى من عدلت عنه وليس أهل الهوى سواه فظل من حيث ليس يدري يأمر بالعشق من نهاه وقال أيضاً يا من لبست عليه أثواب الضنا صفراً مشهَّرة بحمر الأدمع أدرك بقية مهجة لو لم تدوم شوقاً إليك نفيتها عن أضلعي وقال أيضاً أنت شغلي في كل حال فنومي بخيال ويقظتي بادِّكار طال ليلي بطول هجرك لا دا - - م وشوقي إلى الليالي القصار وقال أيضاً براني الهوى بري المدى فأذابني صدودك حتى صرت أنحل من أمس ولست أرى حتى أراك وإنما يبين هباء الذر في أفق الشمس وقال أيضاً وغزال فاق الغزالة حسناً فاتر الطرف ذي جفون مراض لئن تعوضت عن وصلي بمطرف فلا تظنن أني غير معتاض إني بعزة نفس أنت تعرفها لسابق سلوة السالي بإعراض وقال أيضاً قد كنت أعتد حيناً لقياك أنفس ربح فقد بدت عن سلو سماء عقلي تصحي مالي أهيم بحسن يكون علة قبح وقال أيضاً لو كان يحسن غصن البان مشيتها تأوداً لمشاها غير محتشم في صدرها كوكبا نور أقلهما ركنان لم يدنوا من كف مستلم صانتهما في حرير من غلائلها فنحن في الحل والركنان في الحرم وقال أيضاً عانقتها وظلام الليل منسدل ثم انتبهت ببرد الحلي في الغلس فبت أحميه خوفاً أن ينبهها وأتقي أن أذيب العقد بالنفس رب هجر يكون أدعى إلى الوصل ووصل أدعى إلى الهجران وقال أيضاً وكان عذار عندها عذر وصلها فشاب فصار العذر في صدها عندي فاعجب بأمر أمسى داعية الهوى يحول فيضحي اليوم داعية الصد وقال لغزاً في السحاب وهاجم ليس له من عدوى مستبدل بكل مثوى مثوى بكاؤه وضحكه في معنى إذا بكى أضحك أهل الدنيا وقال أيضاً لغزاً في الميزان ما واحد مختلف الأهواء يعدل في الأرض وفي السماء يحكم بالقسط بلا رياء أعمى يرى الرشاد كل رائي أخرس لا من علة وداء يغني عن التصريح بالأيماء يجيب إن ناداه ذو امتراء بالرفع والخفض عن النداء وقال أيضاً لغزاً في الدرع وقيت بها نفسي فكانت كأنها هي الشمس محبوباً بها الكوكب الفرد وقال أيضاً لغزاً في الإبرة وكاسبة رزقاً سواها يحوزه وليس لها حمد عليه ولا أجر مفرقة للشمل والجمع دأبها وخادمة للناس تخدمها عشر إذا خطرت جرت فضول ذيولها سجية ذي كبر وليس بها كبر ترى الناس طراً يلبسون الذي نضت تعمهم جوداً وليس لها وفر لها البيت بعد العز غير مدافع إلى بأسه تعزى المهندة البتر أضر بها مثلي نحول بجسمها وإن لم يرعها مثل ما راعني هجر وقال أيضاً لغزاً في الظل وشيء من الأجسام غير مجسم له حركات تارة وسكون يتم أواني كونه وفساده وفي وقت محياه المحاق يكون إذا بانت الأنوار بأن لناظر وأما إذا بانت فليس يبين وقال أيضاً مما يكتب على حصير وقال أيضاً في معناه رب وصل شهدته فتمتعت عناقاً بالعاشقين جميعا وجداني للود أهلاً وللسر مكاناً وللصديق مطيعا وقال أيضاً في مدخنة البخور إذا الهجر أضرم نار الهوى فقلبي يضرم للهجر نار أبوح بأسراري المضمرات تبدو سراراً وتبدو جهارا إذا ما طوى خبري صاحب أبي طيب عرفي إلا انتشارا وقال أيضاً فيها كل نار للشوق تضرم بالهجر وناري تشب عند الوصال فإذا الصد راعني سكن الوجد ولم يخطر الغرام ببالي وقال أيضاً فيها يشكون المحبون الجوى عند التفرق والزيال وأشد ما أصلى بنا والشوق أوقات الوصال يبدي عياني لمن تأملني نار محب ونشر محبوب وقال أيضاً في مغسل الشرب إذا ما خطبت الود بين معاشر فكن لهم مثلي تعد أخا صدق إذا استأثروا من كل كاس بصفوها رضيت بما أبقوه من مشرب رنق وقال أيضاً لا تدع ربك أن يعذب عاشقاً لقبيح صورتها بغير وصالها وقال أيضاً أكثرت حسو البيض كيما يستديم قيام أيرك ما لا يقوم ببيضتيك فلا يقوم ببيض غيرك وقال أيضاً يهجو إنساناً بالعين مدور العين فاتخذه لتل غرس وثل عرش لو رمقت عينه الثريا أخرجها في بنات نعش وقال أيضاً يا دار لا تنكري مني التفات فتى فراق أحبابه أجرى مدامعه وقال أيضاً خليل نأى عني فبدلت بعده مقيم الجوى من صفو عيش وطيبه أغار عليه صرف دهر فغاله وعما قليل سوف يلحقني به وقال أيضاً لا تعجبوا من حنين قلبي إليهم واعذروا غرامي فالقوس مع كونها جماداً تئن من فرقة السهام وقال أيضاً كيف أُلذ العيش في بلدة سكان قلبي غير سكانها لو أنها الجنة قد أزلفت أرْضَها إلا برضوانها وقال أيضاً يرثي كم ذا الوقوف على غرور أماني أأخذت من دنياك عقد أمان هل عيشة بعد الرضى مرضية كلا ولو كانت خلود جنان إن السماء لفقده لحزينة فرياحها نفس الكئيب العاني تبعوك إذا صلوا عليك ولم تزل كالنجم تهديهم بكل مكان كنت المقدم في الصفوف لجولة الاقران أو لتلاوة القرآن لا تبعدن وما البعيد بمن نأى حياً ولكن البعيد الداني وقال أيضاً يرثي الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور دبيس الأسدي لما قتل لِيَبْك ابنَ منصور عُفاة نواله إذا عصفت بالريح نكباء حرجف ويذكرَهم من ردهم بعبوسه فتى كان يلقاهم ببشر ويسعف ولما سما فوق السماء بهمة يغض لها طرف الحسود ويطرف رمته الليالي بل رمتنا برزئه كبدر الدجى في ليلة التم يخسف عليك سلام لا تزال قلوبنا على حزن ما هبت الريح توقف ولا برحت عين السماء بوبلها على جدث واراك تهمي وتذرف وقال يهنئ بخلعة لئن شرفت مناسبها وجلت لقد زفت إلى كفء شريف إلى من زانها وأزان منها كسالفة المليحة والشنوف فرجي في الكسرة ال - - خبز ولو كانت قطاعه لا تقل لي ساعة تصب - - ر ما لي صبر ساعه فخواي اليوم ما يقب - - ل في الخبز شفاعة فكتب إليه أمين الدولة بن التلميذ الجواب هكذا أضياف مثلي يتشكَّون المجاعه غير إني ليس عندي لمضر من شفاعه فتعلل بسويق فهو خير من قطاعه بحياتي قل كما تر سمه سمعاً وطاعه وأهدى إلى الوزير ابن صدقه كتاب المحاضرات للراغب وكتب معه لما تعذر أن أكون ملازماً لجناب مولانا الوزير الصاحب ورغبت في ذكري بحضرة مجده أذكرته بمحاضرات الراغب وكان أبو القاسم بن الفضل قد عتب على أمين الدولة بن التلميذ عتباً مريباً فأجابه أمين الدولة بأن خلع عليه قميصاً مصمتاً أسود وكتب إليه أتاني كتاب لم يزدني بصيرة بسؤدد مهديه إليّ وفضله فقلت وقد أخجلتني بابتدائه أبى الفضل إلا أن يكون لأهله وكتب إلى الوزير سعد الملك نصير الدين في صدر كتاب لا زال جدك بالإقبال موصولاً وجد ضدك بالإذلال مغلولا ولا عدمت من الرحمن موهبة تعيد ربعك بالعافين مأهولا فنعم منطلق الكفين أنت إذا أضحى اللئيم عن المعروف مغلولا تجود بالمال لا تسأل يداه وأن تسأل فصاحته بذ الورى قيلا لا يستريح إلى العلات معتذرا إذا الضنين رأى للبخل تأويلا يبادر الجود سبقاً للسؤال يرىتعجيله بعد بذل الوجه تأجيلا لا غرو أن كسف شمس الضحى وبدت فأكثر الناس تبجيلاً وتهليلا فأنت سيفٌ غياث الدين أغمده صونا وعاد الأعداء مسلولا فلا خلا الدست من غيث إذا قنطوا ظل نداه لدى الرواد مبذولا ما نشر أنفاس الرياض مريضة عوادها طل الندى وقطار بدميثة ميثاء حلّى وجهها وحبا عليها حنْوه وعرار كفلت بثروتها مؤبدة بها وكفى صداها جدول مدرار بكت السماء فأضحكتها مثل ما أبكي فتضحك بي الغداة نوار وإذا تعارضها ذكاء تشعشعت فتمازج النوار والنوار مشت الصبا بفروعها مختالة فصبا المشوق وغيره استعبار وإذا تغنى الطير في أرجائها أبدي بلابل صدره التذكار يوماً بأطيب من جوارك شاهداً أو غائباً تدنو بك الأخبار وكتب إليه جمال الملك أبو القاسم علي بن أفلح في أثناء كتاب إني وحقك منذ ارتحلت نهاري حنين وليلي أنين وما كنت أعرف قبلي امرءاً بجسم يقيم وقلب يبين يقول الخلي إذا ما رأى ولوعي بذكراك لا تستكين وإني وحبك مذ بنت عنك قلبي حزين ودمعي هتون وأخلف ظني صبر مُعين وشاهد شكواي دمع مَعين فلله أيامنا الخاليات لو رد سالف دهر حنين وإني لأرعى عهود الصفاء ويكلؤها لك ود مصون واحفظ ودك عن قادح وود الأكارم علق ثمين ولم لا يكون ونحن اليدا - - ن أنت بفضلك منها اليمين إذا قلت أسلوك قالوا الغرا - - م هيهات ذلك ما لا يكون وهل لي في سلوة مطمع وصبري خؤون وودي أمين وكتب في صدر كتاب إلى العزيز أبي نصر بن محمد بن حامد مستوفي الممالك لعمر أبيك الخير ليس لواحد من الناس إلا حامد لابن حامد كأنهم دانوا الإله بشكرهم علاه ولكن لا كشكر ابن ساعد هم خيروا عنه فاثنوا بصالح وعندي بما أثنيت خير المشاهد وكتب إلى موفق الدين أبي طاهر الحسن بن محمد لما اجتاز بساوة ودخل إلى دار كتبها التي وقفها المذكور المكتوب إليه وفقت للخير إذ عممت به طلابه يا موفق الدين أزلفت للناس جنة جمعت عيون فضل أشهى من العين فيها ثمار العقول دانية قطوفها حلوة الأفانين لا زلت تسمو بكل صالح بمسعدي قدرة وتمكين ويرحم اللّه كل مستمع شيع دعوتي بتأمين ولأمين الدولة بن التلميذ من الكتب أقراباذنيه العشرين باباً وشهرته وتداول الناس له أكثر من سائر كتبه أقراباذينه الموجز البيمارستاني وهو ثلاثة عشر باباً المقالة الأميلية في الأدوية البيمارستانية اختيار كتاب الحاوي للرازي اختيار كتاب مسكويه في الأشربة اختصار شرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط اختصار شرح جالينوس لكتاب تقدمة المعرفة لأبقراط تتمة جوامع الاسكندرانيين لكتاب حيلة البرء لجالينوس شرح مسائل حنين بن إسحاق على جهة التعليق شرح أحاديث نبوية تشتمل على طب كناش مختصر الحواشي على كتاب القانون للرئيس ابن سينا الحواشي على كتاب المائة للمسيحي التعاليق على كتاب المنهاج وقيل أنها لعلي بن هبة اللّه بن أثردي البغدادي مقالة في الفصد كتاب يشتمل على توقيعات ومراسلات تعاليق استخرجها من كتاب المائة للمسيحي مختار من كتاب أيدال الأدوية لجالينوس

 

أبو الفرج يحيى بن التلميذ

هو الأجل الحكيم معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ كان متعيناً في العلوم الحكمية متقناً للصناعة الطبية متحلياً بالأدب بالغاً فيه أعلى الرتب وكذلك أيضاً كان لأمين الدولة بن التلميذ جماعة من الأنساب كل منهم متعلق بالفضائل والآداب وقد رأيت بخط الأجل معتمد الملك يحيى بن التلميذ ما يدل على فضله وعلو قدره ونبله وكان من المشايخ المشهورين في صناعة الطب وله تلاميذ عدة وقال الشريف أبو العلاء محمد بن الهبارية العباسي من قصيدة يمدح الحكيم أبا الفرج يحيى بن صاعد بن التلميذ وكان ابن الهبارية قد أتاه إلى أصبهان فحصل له من الأمراء والأكابر مالاً جزيلاً يقول فيها‏:‏ وجميع ما حصلته وجمعته منهم وكنت له بشعري كاسبا نعمى أبي الفرج بن صاعد الذي ما زال عني في المكاسب نائبا هو لا عدمت علاه حصل كل ما أملته ومري فكنت الحالبا أحيا مطامعي التي ماتت فتى أحيا الفتوة والمروءة دائبا ما زال ينعشني نداه حاضراً وينوب عني في المطالب غائبا في باب سيف الدولة بن بهائها وكذا نصير الدين كان مخاطبا كاتبته بحوائجي وهززته فوجدته فيها الحسام القاضبا وكذاك في باب الأغر وغيره في الخطب كنت له بذاك مخاطبا ما زال يغرسني يداه ولم أزل بعلاه ما بين البرية خاطبا ومنها‏:‏ لا تحوجن أخاك لا بل عبدك القن ابن عبدك أن يروم أجانبا فلأنت أولى بي لما عودتني عمن غدا لي في الأصول مناسبا لا زلت أثني بالذي أوليتني وعلى المديح محافظاً ومواظبا وبقيت لي ذخراً ومت متعاً بالمجد للإبراد منه ساحبا ثقة الخلافة سيد الحكماء معتمد الملوك الفيلسوف الكاتبا وفداك من نوب الزمان وصرعه قوم يريدون الزمان معايبا ومن شعر أبي الفرج يحيى بن التلميذ نقلت من كتاب زينة الدهر لعلي بن يوسف ابن أبي المعالي سعد بن علي الحظيري قال وجدت بخط الأجل الحكيم معتمد الملك يحيى بن التلميذ لنفسه لغزاً في الإبرة وفاغرة فماً في الرجل منها ولكن لا تسيغ به طعاماً ومخطفة الحشا في الرأس منها لسان لا تطيق به الكلاما تصول بشوكة تبدو وسم وما من ذاقه يرد الحمام تجر ورائها أبداً أسيراً كما قادت يد الحادي الزماما منيعاً ذا قوى لكن تراه بقبضتها ذليلاً مستضاما فتلقيه بمحبسها مقيما طوال الدهر لا يأبى المقاما أيا عجباً لها سوداء خلقا تريك خلائقا بيضاً كراما غدت عريانة من كل لبس وفاضل ذيلها يكسو الأناما قال وجدت بخطه في دار جديدة بناها سيف الدولة صدقة وقعت فيها نار يوم الفراغ منها‏:‏ فقفت عوائدك الكرام وسابقت تستقبل الأضياف بالنيران ومن شعر أبي الفرج يحيى بن التلميذ أيضاً قال لغزاً في القوس وما ذو ق امة ذات اعوجاج تئن وتنحني عند الهياج لها المكر الخفي مع التمطي كمكر الراح في القدح الزجاج وقال أيضاً‏:‏ علق الفؤاد على خلو حبها علق الذبالة في الحشا المصباح لا يستطاع الدهر فرقة بينهم إلا لحين تفرق الأشباح وقال أيضاً‏:‏ فراقك عندي فراق الحياة فلا تجهزن على مدنف علقتك كالنار في شمعها فما أن تفارق أو تنطفي وقال أيضاً‏:‏ بدا إلينا أرج القادم فبرّد الغلة من حائم روّح عن قلبي على نأيه وقد يلذ الطيف للحالم فموتنا خروجه وبعثنا خروجه أوحد الزمان أبو البركات هبة اللّه بن علي ملكا البلدي لأن مولده ببلد ثم أقام ببغداد كان يهودياً وأسلم بعد ذلك وكان في خدمة المستنجد باللّه وتصانيفه في نهاية الجودة وكان له اهتمام بالغ في العلوم وفطرة فائقة فيها وكان مبدأ تعلمه صناعة الطب أن أبا الحسن سعيد بن هبة اللّه بن الحسين كان من المشايخ المتميزين في صناعة الطب وكان له تلاميذ عدة يتناوبونه في كل يوم للقراءة عليه ولم يكن يقرئ يهودياً أصلاً وكان أبو البركات يشتهي أن يجتمع به وأن يتعلم منه وثقل عليه بكل طريق فلم يقدر على ذلك فكان يتخادم للبواب الذي له ويجلس في دهليز الشيخ بحيث يسمع جميع ما يقرأ عليه وما يجري معه من البحث وهو كلما سمع شيئاً تفهمه وعلقه عنده‏.‏

فلما كان بعد مدة سنة أو نحوها جرت مسألة عند الشيخ وبحثوا فيها فلم يتجه لهم عنها جواب وبقوا متطلعين إلى حلها فلما تحقق ذلك منهم أبو البركات دخل وخدم الشيخ وقال يا سيدنا عن أمر مولانا أتكلم في هذه المسألة فقال قل إن كان عندك فيها شيء فأجاب عنها بشيء من كلام جالينوس وقال يا سيدنا هذا جرى في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني في ميعاد فلان وعلق بخاطري من ذلك اليوم فبقي الشيخ متعجباً من ذكائه وحرصه واستخبره عن الموضع الذي كان يجلس فيه فأعلمه به فقال من يكون بهذه المثابة ما نستحل أن نمنعه من العلم وقربه من ذلك الوقت وصار من أجل تلاميذه ومن نوادر أوحد الزمان في المداواة أن مريضاً ببغداد كان قد عرض له علة الماليخوليا وكان يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه أبداً فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة ويمشي برفق ولا يترك أحداً يدنو منه حتى لا يميل الدن أو يقع عن رأسه وبقي بهذا المرض مدة وهو في شدة منه وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به وأنهى أمره إلى أوحد الزمان ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية فقال لأهله إذا كنت في الدار فأتوني به ثم أن أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل إليه وشرع في الكلام معه وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما أنه يسارع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يرد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه وأوصى غلاماً آخر وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس صاحب الماليخوليا أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض ولما كان أوحد الزمان في داره وأتاه المريض شرع في الكلام معه وحادثه وأنكر عليه حمله الدن وأشار إلى الغلام الذي عنده من غير علم المريض فأقبل إليه وقال واللّه لا بد لي أن أكسر هذا الدن وأريحك منه ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب بها فوق رأسه بنحو ذراع وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح فكانت له جلبة عظيمة وتكسر قطعاً كثيرة فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إياه ولم يشك أنه الذي كان على رأسه بزعمه وأثر فيه الوهم أثراً برئ من علته تلك وهذا باب عظيم في المداواة وقد جرى أمثال ذلك لجماعة من الأطباء المتقدمين مثل جالينوس وغيره في مداواته بالأمور الوهمية وقد ذكرت كثيراً من ذلك في غير هذا الكتاب وحدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد ابن إلياس المطران قال حدثني الأوحد بن التقي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الودود الطبيب قال حدثني أبو الفضل تلميذ أبي البركات المعروف بأوحد الزمان قال كنا في خدمة أوحد الزمان في معسكر السلطان ففي يوم جاءه رجل به داحس إلا أن الورم كان ناقصاً وكان يسيل منه صديد قال فحين رأى ذلك أوحد الزمان بادر إلى سلامية أصبعه فقطعها قال فقلنا له يا سيدنا لقد أجحفت في المداواة وكان يغنيك أن تداويه بما يداوي به غيرك وتبقي عليه إصبعه لمناه وهو لا ينطق بحرف قال ومضى ذلك اليوم وجاء في اليوم الثاني رجل آخر مثل ذلك سواء فأومأ إلينا بمداواته وقال إفعلوا في هذا ما ترونه صواباً قال فداويناه بما يداوي به الداحس فاتسع المكان وذهب الظفر وتعدى الأمر إلى ذهاب السلامية الأولى من سلاميات الإصبع وما تركنا دواء إلا وداويناه به ولا علاجاً إلا وعالجناه ولا لطوخاً إلا ولطخناه ولا مسهلاً إلا وسقيناه وهو مع ذلك يزيد ويأكل الإصبع أسرع أكل وآل أمره إلى القطع فعلمنا أن فوق كل ذي علم عليم قال وفشا المرض في تلك السنة وغفل جماعة منهم عن القطع فتأدى أمر بعضهم إلى اليد وبعضهم إلى هلاك أنفسهم ونقلت من خط الشيخ موفق الدين عبد اللطيف البغدادي فيما ذكره عن ابن الدهان المنجم قال قال كان الشيخ أبو البركات قد عمي في آخر عمره وكان يملي على جمال الدين بن فضلان وعلى ابن الدهان المنجم وعلى يوسف والد الشيخ موفق الدين عبد اللطيف وعلى المهذب بن النقاش كتاب المعتبر‏.‏

وقيل إن أوحد الزمان كان سبب إسلامه أنه دخل يوماً إلى الخليفة فقام جميع من حضر إلا قاضي القضاة فإنه كان حاضراً ولم ير أنه يقوم مع الجماعة لكونه ذمياً فقال يا أمير المؤمنين إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى أني على غير ملته فأنا أسلم بين يدي مولانا ولا أتركه ينتقصني بهذا وأسلم‏.‏

وحدثني الشيخ سعد الدين أبو سعيد بن أبي السهل البغدادي العواد وكان في أول أمره يهودياً أنه كان يسكن ببغداد في محلة اليهود قريباً من دار أوحدالزمان وإنه لم يحقه كثيراً بل كان وهو صغير يدخل إلى داره وقال وكان لأوحد الزمان بنات ثلاث ولم يخلف وحدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد المعروف بابن الكريدي قال كان أوحد الزمان وأمين الدولة بن التلميذ بينهما معاداة وكان أوحد الزمان لما أسلم يتنصل كثيراً من اليهود ويلعنهم ويسبهم فلما كان في بعض الأيام في مجلس بعض الأعيان الأكابر وعنده جماعة وفيهم أمين الدولة بن التلميذ وجرى ذكر اليهود فقال أوحد الزمان لعن اللّه اليهود فقال أمين الدولة نعم وأبناء اليهود فوجم لها أوحد الزمان وعرف أنه عناه بالإشارة ولم يتكلم ومن كلام أوحد الزمان حدثني بدر الدين أبو العز يوسف بن مكي قال حدثني مهذب الدين بن هبل قال سمعت أوحد الزمان يقول الشهوات أجر تستخدم بها النفوس في عمارة عالم الطبيعة لتذهل عما يلزمها من التعب ويلحقها من الكلال فأعلمها في ذلك أخسها وأزهدها أحسها ولأوحد الزمان من الكتب كتاب المعتبر وهو من أجلّ كتبه وأشهرها في الحكمة مقالة في سبب ظهور الكواكب ليلاً واختفائها نهاراً ألفها للسلطان المعظم غياث الدين أبي شجاع محمد بن ملك شاه إختصار التشريح إختصره من كلام جالينوس ولخصه بأوجز عبارة كتاب الأقراباذين ثلاث مقالات مقالة في الدواء الذي ألفه المسمى برشعثا استقصى فيه صفته وشرح أدويته مقالة في معجون آخر ألفه وسماه أمين الأرواح رسالة في العقل ماهيته‏.‏

هو بديع الزمان

 

أبو القاسم هبة اللّه بن الحسين بن أحمد البغدادي

من الحكماء الفضلاء والأدباء النبلاء طبيب عالم وفيلسوف متكلم وغلبت عليه الحكمة وعلم الكلام والرياضي وكان متقناً لعلم النجوم والرصد وكان البديع الاصطرلابي صديقاً لأمين الدولة بن التلميذ وحكي أنه اجتمع على أمين الدولة بأصبهان في سنة عشرة وخمسمائة وحدثني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي قال كان البديع الاصطرلابي أوحد زمانه في علم الاصطرلاب وعمله وإتقان صنعته فعرف بذلك أقول وكان والد مهذب الدين أبي نصر من طبرستان وهو المعروف بالبرهان المنجم وكان علامة وقته في أحكام النجوم وله حكايات عجيبة في ذلك وقد ذكرت أشياء منها في كتاب إصابات المنجمين وكان قد اجتمع بالبديع الاصطرلابي وصاحبه مدة وللبديع الاصطرلابي نظم جيد حسن المعاني‏.‏

ومن شعر البديع الاصطرلابي وهو مما أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد ابن محمد بن إبراهيم الحلبي قال أنشدني والدي قال أنشدني البديع الاصطرلابي لنفسه يا ابن الذين مضوا على دين الهدى والطاعنين مقاعد الإعدام فوجوههم قبل العلى وأكفهم سحب الندى ومنابر الأقلام وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه كالبحر يمطره السحاب وماله مَنٌّ عليه لأنه من مائه وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه قام إلى الشمس بآلاته لينظر السعد من النحس فقلت أين الشمس قال الفتى في الثور قلت الثور في الشمس وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه قيل لي قد عشقته أمرد الخد وقد قيل إنه نكريش قلت فرخ الطاووس أحسن ما كا - - ن إذا ما علا عليه الريش وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه هل عثرت أقلام خط العذار في مشقها فالخال نقط العثار أم استدار الخط لما غدت نقطته مركز ذاك المدار وريقة الخمر فهل ثغره در حباب نظمته العقار وقال أيضاً وذو هيئة يزهو بخال مهندس أموت به في كل وقت وأبعث وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه جواباً عن قصيدة كتبها إليه القيسراني أولها ‏)‏أعرب الفضل من بديع الزمان عن معان عزت على يونان ما تلاها لما تلاها ولكن فاتها حائزاً خصال الرهان قال مهذب الدين أبو نصر محمد فرد على جوابها قصيدة لم يبق على ذكري منها شيء سوى هذه الأبيات أيها السيد الذي أطراني بمديح كالدار قد أطغاني والذي زاد في محلي وقدري وأذلَّ الشاني بتعظيم شاني فتعنفقت أي باني كما قا - - ل مجيب الطباع سهل الجنان وترشحت للجواب فأعيا - - ني وانسل هارباً شيطاني مجبلاً مجبلاً يقول اتق اللّه فمالي بما ترم اليدان أتظن الوهاد مثل الروابي أم تخال الهجين مثل الهجان أم تجاري طرفاً يفوت مدى الطر - - ف إذا ما تجاريا في مكان ومن شعر البديع الاسطرلابي أيضاً قال في غلام معذر كن كيف شئت فإنني قد صغت قلباً من حديد وقعدت أنتظر الكسو - - ف وليس ذلك من بعيد وقال أيضاً تقسم قلبي في محبة معشر بكل فتى منهم هواي منوط كان فؤادي مركز وهم له محيط وأهوائي إليه خطوط وقال أيضا وشادن في حبه سنَّة قدْ جعلت حبي له فرضا أرضى بأن أجعل خدي له إذا مشى منتعلا أرضا وقال أيضاً أذاقني خمرة المنايا لما اكتسى خضرة العذار وقد تبدى السواد فيه وكارتي بعد في العيار وقال أيضاً هجرت النكاريش ثم انثنيت أعنف من بات يهواهم وقال أيضاً تاه على الناس بإغرائه أي فاحذروني أنني ملسن إن كان في أقواله معربا فإنه في فعله يلحن وقال أيضاً يهجو مستيقظ فإذا استضيف به يصير من النيام وتراه في عدد الطغا - - م إذا رأى مضغ الطعام تبدو مصائبه العظا - - م أو أن تجريد العظام وقال يهجو أيضاً وفاصد مبضعه مشرع كأنه جاء إلى حرب فصد بلا نفع فما حاصل غير دم يخرج من ثقب لو مر في الشارع من خارج لمات من في داخل الدرب خذه إذا جاشت عليك العدا فوحده يغنيك عن حرب وقال أيضاً وقد جاء بالعراق وفر كثير - يعني بالوفر الثلج وقال في مغسل الشراب وهو جردان إني إذا ما حضرت في ملأ عددت من بعض آلة الفرح إذا تصدرت في مجالسهم تنغصوا لي بفاضل القدح وللبديع الاسطرلابي من الكتب اختصار ديوان أبي عبد اللّه الحسين بن الحجاج زيج سماه المعرب المحمودي ألفه للسلطان محمود أبي القاسم بن محمد‏.‏

أبو القاسم هبة اللّه بن الفضل بغدادي المولد والمنشأ وكان يعاني صناعة الطب ويباشر أعمالها ويعد من جملة الموصوفين بها وكان أيضاً يكحل إلا أن الشعر كان أغلب عليه وكان كثير النوادر خبيث اللسان وله ديوان شعر وكان بينه وبين الأمير أبي الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي الشاعر المسمى حيص بيص شنآن وتهاتر وكانا قد يصطلحان وقتاً ثم يعودان إلى ما كانا فيه وسبب تسمية الحيص بيص بهذا أنه كان العسكر ببغداد قد همّ بالخروج إلى السلطان السلجوقي وذلك في أيام المقتفي لأمر اللّه فكان الناس من ذلك في حديث كثير وحركة زائدة فقال ما لي أرى الناس في حيص بيص فلقب بذلك وكان الذي ألصق به هذا النعت أبو القاسم هبة اللّه بن الفضل وكان الحيص بيص يقصد في كلامه أبداً وفي رسائله الفصاحة البليغة والألفاظ الغريبة من اللغة ومن ذلك حدثني بعض العراقيين أن الحيص بيص كان قد نقه من مرض عاده فيه أبو القاسم بن الفضل فوصف له أكل الدراج فمضى غلامه واشترى دراجاً واجتاز على باب أمير وبه غلمان ترك أصاغر يلعبون فخطف أحدهم الدراج من الغلام ومضى فأتى الغلام إليه فأخبره الخبر فقال له ائتني بدواة وبيضاء فأتاه بهما فكتب لو كان مبتر دراجه فتخاء كاسر وقف بها السغب بين التدوين والتمطر فهي تعقي وتسف وكان بحيث تنقب أخفاف الإبل لوجب الأغذاذ إلى نصرته فكيف وهو ببحبوحة كرمك والسلام ثم قال لغلامه امض بها وأحسن السفارة في وصلتها إلى الأمير فمضى ودفعها لحاجبه فدعا الأمير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأّها ثم فكر ليعبر له عن المعنى فقال له الأمير ما هو فقال مضمون الكلام إن غلاماً من غلمان الأمير أخذ دراجاً من غلامه فقال اشتر له قفصاً مملوءاً دراجاً فاحمله إليه ففعل وحدثني شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه أن الحيص بيص الشاعر ببغداد كان قد كتب إلى أمين الدولة بن التلميذ ورقة يقصد فيها أن ينفذ إليه شياف أبار وهي أزكنك أيها الطب اللب الآسي النطاسي النفيس النقريس أرجنت عندك أم خنور وسكعت عنك أم هوير إني مستأخذ أشعر في حنادري رطساً ليس كاسب شبوة ولا كنخر المنصحة ولا كنكز الحضب بل كسفع الزخيخ فأنا من التباشير إلى الغباشير لا أعرف ابن سمير من ابن جمير ولا أحْسِنُ صفوان من همام بل آونة أرجحن شاصيا وفينة أحبنطي مقلوليا وتارة أعرنزم وطوراً واسلنقي كل فعل مع أح وأخ وحس وتهم قرونتي أن أرفع عقيرتي بيعاط عاط إلى هياط ومياط وهالي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار ولا أحيص ولا أكيص ولا أغرندي ولا أسرندي لوقته فتبادرني بشياف الآبار النافع لعلتي الناقع لغلتي قال فلما قرأ أمين الدولة الورقة نهض لوقته وأخذ حفنة شياف آبار وقال لبعض أصحابه أوصله إياها عاجلاً ولا نتكلف قراءة ورقة ثانية وكتب الحيص بيص إلى المقتفي لأمر اللّه سبع رقاع عند طلبه بعقوباً منه الأولى أنها لطايا ولاء حملت سفر ثناء غرد بها حادي رجاء والمنزل الفناء‏.‏

الثانية أجري جياد حمد في ساحات مجد إجراء ممطر نهد من غير باعثة وجهد منتجعاً غب الغاية كرماء‏.‏

الثالثة جد يا أمير المؤمنين بوفر دثر لا بكي ولا نزر لمفصح شعر يمم لجة بحر يرتاد عتاد دهر فالقافية سحر والسامع حبر والعطاء غمر‏.‏

الرابعة إن الموصل واليغاران هما إقطاع ملكين سلجووقيين وكانتا جائزتين لشاعرين طائيين من إمامين مرضيين أحدهما معتصم باللّه والآخر متوكل على اللّه والبناء الأشرف أعظم وعطاؤه الخامسة خامسة من الخدم في انتجاع شابيب الكرم من القدس الأعظم حلوان قافية تجري كناجية بمخترق بادية تهدي سفراً وتسهل وعراً والرأي بنجح آمالها أحرى‏.‏

السادسة إن وراء الحجاب المسدل لا يهم طود وخضم يم مخرس خطب وقاتل جدب جل فبهر وعز فقهر ونال فغمر صلوات اللّه عليه ما هبت الريح ونبت الشيح‏.‏

السابعة يا أمير المؤمنين مائة بيت شعر أو سبع رقاع نثر أتذاد عن النجح ذياد الحائمات كلا أن الأعراق لبوية والمكارم عباسية والفطنة لوذعية وكفى بالمجد محاسباً ماذا أقول إذا الرواة ترنموا بفصيح شعري في الإمام العادل واستحسن الفصحاء شأن قصيدة لأجل ممدوح وأفصح قائل وترنحت أعطافهم فكأنما في كل قافية سلافة بابل ثم انثنوا غب القريض وضمنه يتساءلون عن الندى والنائل هب يا أمير المؤمنين بأنني قص الفصاحة ما جواب السائل وكانت وفاة أبي القاسم بن الفضل في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ومن شعر أبي القاسم هبة اللّه أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم الحلبي قال أنشدني بديع الدين أبو الفتح منصور بن أبي القاسم بن عبد اللّه بن عبد الدائم الواسطي المعروف بابن سواد العين قال في العسكر المنصور نحن عصابة مرذولة أخسس بنا من معشر خذ عقلنا من عقدنا فيما ترى من خسة ورقاعة وتهور تكريت تعجزنا ونحن بجهلنا نمضي لنأخذ ترمذاً من سنجر أما الحويزي الدعي فإنه دلو يشوب تكبراً بتمسخر يكنى أبا العباس وهو بذلة حكمت عليه وأسجلت بمعمر في كف والده وفي أقدامه آثار نيل لا يزال وعصفر يمشي إلى حجر القيان بنشطة ويدب في المحراب نحو المنبر وحديثه في الحق أو في باطل لم يخله من وحشة وتمهزر وإذا رأى البركيل يرعد خيفة ذي الهاشمية أصلها من خيبر نسب إلى العباس ليس شبيهه في الضعف غير الباقلاء الأخضر والحيص بيص مبارز بقناته وأنا بشعشعتي طبيب العسكر هذاك لا يُخشى لتقل بعوضة وأنا فلا أرجى لبرء مدبر وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع أبو الفتح الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه يمدح سيف الدولة أبا عبد اللّه محمد بن الأنباري كاتب الإنشاء ببغداد يا من هجرت فما تبالي هل ترجع دولة الوصال ما أطمع يا عذاب قلبي أن ينعم في هواك بالي الطرف من الصدود باك والجسم كما ترين بالي والقلب كما عهدت صاب باللوعة والغرام صالي والشوق بخاطري مقيم ما يؤذن عنه بارتحال يا من نكأت صميم قلبي بالحزن وصورة الخبال هيهات وقد سلبت غمضي أن أظفر منك بالخيال لو شئت وقفت عند حدٍ لا يسمح منك في الدلال ما ضرك أن تعلليني في الوصل بموعد محال أهواكِ وأنت حظ غيري يا قاتلتي فما احتيالي والقتل لظاهري شعار أن أنت عززت باختيال واللوَّم فيك يزجروني عن حبك ما لهم ومالي ا # لعشق به الشغاف أضحى عن ذكر سواك في اشتغال والنار وإن خبت لظاها في الصدر تشب باشتعال يا ملزمي السلو عنهما الصب أنا وأنت سالي والقول بتركها صواب ما أحسنه لو استوى لي دعني وتغزلي بخود ترنو وتُغن عن غزال حوراء لطرفها سهام أمضى وأمضّ من نبال في القلب لوقعها جراح لا برء لها من اغتيال فارحم قلقا بها وقيذا واعذره فما العذار خالي ما يجمل أن تلوم صبا إن هام بربة الجمال إياك وخلني وويلي في الوجد مسلماً لحالي إن كنت تعده صلاحاً دعني فهداي في ضلالي في طاعتها بلا اختياري قد صح بعشقها اختلالي لم أحظ بطائل لديها إلا بزخارف المحال كم قد نكلت عقيب عهد فالقلب لذاك في نكال كما غرني الخداع منها في القاع علي ظمأ الزلال هلاَّ صدقت كأريحي من أكرم معشر وآل راجية لديه في جناب بالأنعم سابغ الظلال ما الغيث يسح من يديه كالغيث يسح في الفعال كالغيث يسح في الفعال من موئله ذرى سديد من موئله ذرى سديد الدولة ذي الندى المدال لا تطمع أن تنال منه بالضيم مرادها الليالي والغدر لعله حمام قد رقن له بلا اعتدال تسقيه يد النجاح منها ما شاء ببادر زلال في ربع مهنأ العطايا في الأزمة مسبل العزالي ما زال ولا يزال طبعاً يعطي كرماً ولا يبالي يعطي كرماً ولا يبالي لا يعحبه ملام ناه لا يعحبه ملام ناه في الذب عن العلى بمال فالسؤدد شمله جميع في دار مفرق النوال من يلق محمداً بمدح يحمده بأحسن الخلال والوجد بغادة رداح فالأعظم منه كالخلال والجود بكف ذي سماح من خير مناقب الرجال مولاي نداء مستجير يدعوك لدائه العضال يا أكرم منعم عليه في دفع مآربي اتكالي دبر محني لعل جرحي يجبره نداك باندمال كم أوقفني غريم سوء في حال وقوفه حيالي كالمفلس من يهود هطرى في قبضة عامل الجوالي ما أكحل بالهجاء لكن بالقصد لكفك اشتغالي فالعرض أرده سميناً والكيس محالف الهزال من دبر هكذا مزاجا بالحذق لصورة الكمال الصبغ إذا أتاه عفواً وافاه برزقه الحلال يا خير مؤل إليه شددت بمدائحي رحالي لم يقضك خاطري حقوقاً مذ أصبح ظاهر الكلال إن أثن عليك أبد عجزاً عن نعت معظم الجلال أوصافك في الفخار جازت في الكثرة عدة الرمال فالخط طوالها قصار عن خطك ساعة النزال كم راع بك القنا يراع في كفك واسع المجال أقلامك أسهم قواض والنقش لهن كالنصال تقضي ثعل لها بفخر والقارة ساعة النضال تملى فقراً من المعاني سددن مفاقر المعالي ينفثن على الصباح ليلاً ناهيك بسحرها الحلال كتب ضمنت بلا اشتراط تمزيق كتائب جلال هاروت إذا أتته ولى لا يخطر بابلاً ببال فيها سبح على لجين أسنى قيماً من اللآلي في النشر كأوجه العذارى غلفن بفاخر الغوالي الفاظك للوعول حطت مستنزلة من الفلال بالكيد تقتل الأعادي في السلم لها بلا قتال كم رضت من الورى جموحاً للعقل فعاد في عقال لا زلت موفق المساعي بالجد مشفع بالسؤال تنقاد لك الأمور طوعا يا خير بقية الرجال يا أكرم والد لنجل يتلوه مهذب الخلال لا زال مشرقاً منيراً في ظلك دائم الكمال ما عادك بالسرور عيد ترعاه بأحسن اشتمال في أسبغ نعمة وعيش بالطيبة دائم التوالي لا زال علاك في ثبات لا يسلمه إلى زوالي عن أخلص نية بصدق في طول بقائك ابتهالي ما يلتبس الصحيح يوماً تاللّه عليك بالمحال وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه لا أمدح اليأس ولكنه أروح للقلب من المطمع أفلح من أبصر عشب المنى يرعى فلم يرع ولم يرتع وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه يا معشر الناس النفير النفير قد جلس الهردب فوق السرير وصار فينا آمراً ناهياً وكنت أرجو أنه لا يصير فكلما قلت قذى ينجلي وظلمة عما قليل تنير وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه وقال في الحيص بيص الشاعر وكانت قد نبحت عليه كلبة مجرية فقتل جرواً لها بالسيف يا أيها الناس إن الحيص بيص أتى بفعلة أورثته الخزي في البلد هو الجبان الذي أبدى شجاعته على جريّ ضعيف البطش والجلد فأنشدت أمه من بعدما احتسبت دم الأبليق عند الواحد الصمد أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يدي أصابتني ولم ترد كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه يا ابن المرخم صرت فينا حاكماً خرف الزمان تراه أم جن الفلك إن كنت تحكم بالنجوم فربما أما شريعة أحمد من أين لك وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع الواسطي قال أنشدني المذكور لنفسه يهجو البديع الاصطرلابي لا غرو أن دهي الحجيج وإن رموا منه بنكبه حج البديع وعرسه وفتاه فانظر أي عصبة ومن شعر أبي القاسم هبة اللّه بن الفضل أيضاً قال يهجو أمين الدولة بن التلميذ هذا تواضعك المشهور عن ضعة قد صرت فيه بفضل اللؤم متهم قعدت عن أمل الراجي وقمت له هذا وثوب على القصاد لا لهم وقال أيضاً غزال قط لا يهوى سوى المطبوعة التبر ولا يعجبه المطبو - - ع من نظمي ولا نثري وقال أيضاً أحسنت يا عسكر دين الهدى - - منهزماً في خمسمائة ألف كأنه الحبال في سيره - - يزداد إقداماً إلى خلف وقال أيضاً ألا قل ليحيى وزير الأنام محوت الشريعة محو السطور كسرت الصحاح بتصحيحها وأصبحت تضربها في الجذور وما أن قصدت لتهذيبها ولكن لتهذي بها في الصدور فقلت سيفتح الأقفال شعري ويدخلها فإن البرد لص وقال يمدح الدواء المعروف ببر شعثا لما ألف تركيبه أوحد الزمان تجرعت برشعثا وحالي أشعث فما نزلت بي بعده علة شعثا ولو بعد عيسى جاز إحياء ميت لأصبح يحيا كل ميت ببرشعثا وقال أيضاً هذا يقول استرحنا وذا يقول عصينا ويكذبان ويهذي الذي يصدق منا وقال أيضاً كم ترددت مراراً وتجرعت مراره ثم لما وفق اللّه ووقعت بكاره لم يكن فيها من الحنطة ما تقرض فاره وقال أيضاً أمدحه طوراً وأهذي به طوراً ولا أطمع في رفده يا خائف الهجو على نفسه كن في أمان اللّه من مسه أنت بهذا العرض بين الورى مثل الخرا يمنع من نفسه وقال أيضاً كلما قلت قد تبغدد قومي تحمصصوا ليس إلا ستر يشا - - ل وباب مجصص والغواشي على الرؤ - - وس عليها المقرنص وأنا الكلب كل يو - - م لقرد أبصبص كلما صفق الزما - - ن لهم قمت أرقص فمتى أسمع الندا - - ء وقد جاء مخلص ولأبي القاسم هبة اللّه من الكتب تعاليق طبية مسائل وأجوبتها في الطب ديوان شعره العنتري هو أبو المؤيد محمد بن المجلي بن الصائغ الجزري كان طبيباً مشهوراً وعالماً مذكوراً حسن المعالجة جيد التدبير وافر الفضل فيلسوفاً متميزاً في علم الأدب وله شعر كثير في الحكمة وغيرها‏.‏

وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر رحمه اللّّه إن العنتري كان في أول أمره يكتب أحاديث عنتر العبسي فصار مشهوراً بنسبته إليه‏.‏

ومن كلامه في الحكمة قال بني تعلم العلوم فلو لم تنل من الدنيا إلا الغنى عمن يستعبدك بحق أو بباطل وقال بني إن الحكمة العقلية تريك العالم يقادون بأزمة الجهل إلى الخطأ والصواب وقال الجاهل عبد لا يعتق رقه إلا بالمعرفة وقال الحكمة سراج النفس فمتى عدمتها عميت النفس عن الحق وقال الجاهل سكران لا يفيق إلا بالمعرفة وقال الحكمة غذاء النفس وجمالها والمال غذاء الجسد وجماله فمتى اجتمعا للمرء زال نقصه وتم كماله ونعم باله وقال الحكمة دواء من الموت الأبدي‏.‏

وقال كون الشخص بلا علم كالجسد بلا روح وقال الحكمة شرف من لا شرف له قديم وقال الأدب أزين للمرء من نسبه وأولى بالمرء من حسبه وأدفع عن عرضه من ماله وأرفع لذكره من جماله‏.‏

وقال من أحب أن ينوه باسمه فليكثر من العناية بعلمه‏.‏

وقال العالم المحروم أشرف من الجاهل المرزوق وقال عدم الحكمة هو العقم العظيم‏.‏

وقال الجاهل يطلب المال والعالم يطلب الكمال وقال الغم ليل القلب والسرور نهاره‏.‏

وشرب السم أهون من معاناة الهم ومن شعر أبو المؤيد محمد بن المجلي بن الصائغ المعروف بالعنتري أنشدني إياه الحكيم سديد الد ين محمود بن عمر بن رقيقة قال أنشدني مؤيد الدين ولد العنتري قال أنشدني والدي لنفسه احفظ بني وصيتي واعمل بها فالطب مجموع بنص كلامي قدم على طب المريض عناية في حفظ قوته مع الأيام بالشبه تحفظ صحة موجودة والضد فيه شفاء كل سقام أقلل نكاحك ما استطعت فإنه ماء الحياة يراق في الأرحام واجعل طعامك كل يوم مرة واحذر طعاماً قبل هضم طعام لا تحقر المرض اليسير فإنه كالنار يصبح وهي ذات ضرام وإذا تغير منك حال خارج فاحتل لرجعة حل عقد نظام لا تهجرن القيء واهجر كل ما كيموسه سبب إلى الأسقام إن الحمى عون الطبيعة مسعد شاف من الأمراض والآلام وخذ الدواء إذا الطبيعة كررت بالاحتلام وكثرة الأحلام وإذا الطبيعة منك نقت باطناً فدواء ما في الجلد بالحمام إياك تلزم أكل شيء واحد فتقود طبعك للأذى بزمام وتزيد في الأخلاط إن نقصت به زادت فنقص فضلها بقوام والطب جملته إذا حققته حل وعقد طبيعة الأجسام ولِعَقلِ تدبير المزاج فضيلة يشفى المريض بها وبالأوهام أقول وهذه القصيدة تنسب أيضاً إلى الشيخ الرئيس بن سينا وتنسب إلى المختار ابن الحسن بن بطلان والصحيح أنها لمحمد بن المجلي لما قدمته من إنشاد سديد الدين محمود بن عمر لي مما أنشده مؤيد الدين بن العنتري لوالده مما سمعه منه ووجدت العنتري أيضاً ذكرها في كتابه المسمى بالنور المجتنى وقال إنها له وقال أيضاً أنشدنيها سديد الدين وجودي به من كل نوع مركبٍ من العالم المعقول والمتركِّب فذهني مشكاة ونفسي زجاجة تضيء بمصباح الحجا المتلهِّب ونوري من النور الإلهي دائماً يصب على ذاتي بغير تسكُّب وقال أيضاً إذا أن غدا والنفس منه كجنة يغرد في أرجائها كل طائر تدبرت السبع الطباق وفارقت على شرف منها سجون العناصر وقال أيضاً وكأننا ممتزج لم يزل من عالم النيِّر والمُظْلِم فبعضنا يختارها داره وبعضنا يرقى إلى الأنجم وقال أيضاً الحق ينكره الجهول لأنه عدم التصور فيه والتصديقا فهو العدو لكل ما هو جاهل فإذا تصوره يعود صديقا وقال أيضاً لو كنت تعلم كل ما علم الورى جمعاً لكنت صديق كل العالم لكن جهلت فصرت تحسب كل من يهوى خلاف هواك ليس بعالم استحي أن العقل أصبح ضاحكاً مما تقول وأنت مثل النائم لو كنت تسمع ما سمعت وعالِماً ما قد علمت خجلت خجلة نادم وقال أيضاً أبلغ العالمين عني بأني كل علمي تصور وقياس قد كشفت الأشياء بالفعل حتى ظهرت لي وليس فيها التباس وعرفت الرجال بالعلم لما عرف العلم بالرجال الناس وقال أيضاً قالوا رضيت وأنت أعلم ذا الورى بحقائق الأشياء عن باريها تجتاب أبواب الخمول فقلت عن كره ولست بجاهل راضيها لي همة مأسورة لي صادفت سعداً بغير عوائق تثنيها ضاق الفضاء بها فلا يسطيعها لعلوها الأفلاك أن تحويها ما للمقاصد جمة ومقاصدي ناط القضاء بها الفضا والتيها أطوي الليالي بالمنى وصروفها تنشرنني أضعاف ما أطويها إني على نوب الزمان لصابر إما سيفنى العمر أو يفنيها أما الذي يبقى فقد أحرزته والفانيات فما أفكر فيها فقد يسود الفتى من غير سابقة للأصل بالعلم حتى يبلغ الشهبا غذ العلوم بتذكار تزد أبداً فالنار تخمد مهما لم تجد حطبا إني أرى عدم الإنسان أصلح من عمر به لم ينل علماً ولا نسبا قضى الحياة فلما مات شيعه جهل وفقر فقد قضَّاهما نصبا وقال أيضاً كن غنياً إن استطعت وإلا كن حكيماً فما عدا ذين غفل إنما سؤدد الفتى المال والعلم وما ساد قط فقر وجهل وقال أيضاً اقسم العمر ثلاثاً واستمع يا بني النصح مني والرشادا فاطلب الحكمة في أوله واحرز العلم وجب فيه البلادا واكسب الأموال في الثاني وكل واشرح الراح ولا تبغ الفسادا وترقب آخر العمر فإن جاءك الموت فقد نلت المرادا وإن اعتاقك في إحداهما طارق الموت فقد حزت الجهادا بني تعلم حكمة النفس إنها طريق إلى رشد الفتى ودليل ولا تطلب الدنيا فإن كثيرها قليل وعما رقدة فتزول فمن كان في الدنيا حريصاً فإنه يظل كئيب القلب وهو ذليل ومن يترك الدنيا وأصبح راهباً فما للأذى يوماً إليه سبيل وقال أيضاً نفسي تطالبني بما في طبعها والعقل يزجرها عن الشهوات والنفس تعلم أن ذلك واجب والطبع يجذبها إلى العادات والطبع يقصر عن مراد كليهما فكلاهما وقف على الحسرات والنفس من خمر الحياة وسكرها ستفيق بين عساكر الأموات وقال أيضاً لا تدنين فتى يودك ظاهراً حباً وضد وداده في طبعه واهجر صديقك إن تنكر وده فالعضو يحسم داؤه في قطعه وقال أيضاً وقال أيضاً عدّل مزاجك ما استطعت ولا تكن كمسوّف أودى به التخليط واحفظ عليك حرارة برطوبة تبقى فتركك حفظها تفريط واعلم بأنك كالسراج بقاؤه ما دام في طرف الذبال سليط وقال أيضاً ثقلة الجسم يستمد غذاه طلباً منه للبقا والدوام هو لما رأى التحلل طبعاً أخلف المثل بالغذا والطعام وقال أيضاً ومخطف الخصر زارنا سحراً في غنج عينيه سحر هاروت يحمل تفاحة موردة كدرة رُصِّعت بياقوت كأنها النجم في توقده قارن بدرَ السماء في حوت وقال أهدى إليّ بالرحبة بشر بن عبد اللّه الكاتب طبقا من تفاح لم أشاهد مثله حمرة وندا فكتبت إليه وقد كان طلب مني تشبيهاً في التفاح فقلت له إذا حضر عملت فيه تشبيهاً فنفذ ذلك فكتبت إليه راح تريح من الهموم وطبعها ينفي السقام وينعش الأرواحا أهدي الرئيس وفي نداه سجية تهدي النفائس غدوة ورواحا طبقاً من التفاح إني لم أزل أهوى الثمار وأعشق التفاحا إن الطبيعة والمزاج تشاركا في الكون لما أوجداه سماحا صاغاه كالكافور لكن جلده قد ألبساه من النجيع وشاحا فكأنه من لون حبي قابس وكأنه من نشر بشر فاحا وقال في النارنج سقياني من مخدرات الدنان بنت كرم حمراء كالأرجوان وأدرها في مجلس أرهجته نغمات النايات والعيدان وكأن الكؤوس فيه نجوم أطلعتها أيدي البدور الحسان وابتدت بعد قطعها فلك السعد جميعاً تغيب في الأبدان وكأن النارنج بين الندامى أكرا مثلت من الزعفران ينتقل الرمان في أثرها مخافة من ضرر السكر كأنه وهو خبير به يكسر الياقوت بالدر وقال أيضاً وبابلي اللحاظ كالقمر أصبح في الأرض فتنة البشر أولاه فيض الجمال أجمعه والحسن والظرف واهب الصور خشيت من عقرب به قمر فكيف بالعقربين في قمر وقال أيضاً ومهفهف يغشى العيون غريقه في لج ماء الحسن منه وموجه قلم الطبيعة خطه والمشتري يملي عليه عطارد من أوجه وقال في غلمان يسبحون بدجلة وسرب غيد بشاطئ دجلة خرجوا عن الثياب وألقوا سائر الكلف كأنهم وسط لج الماء أجمعهم در تجرد في بحر عن الصدف وقال في غلام في الحمام سكب الماء فوق جسم حكى الفضة حتى اكتسى غلالة ورد وقال وكتبها إلى صديق جاء شعبان منذراً بالصيام فاسقياني راحاً بماء الغمام خندريساً كأنها الشمس لوناً وضياء أسفى من الأوهام واسقني من يمين أغيد ريم من بني الترك مثل بدر التمام فكأن الصهباء في الحسن والسا قي بها والحباب فوق المدام شمس ظهر في كف بدر عليها سمط در حكى نجوم الظلام سيما والربيع بالورد عاف يومه يشتري بسبعين عام وقال أيضاً كتبت وبي من لاعج الشوق والأسى إليك جوى يوهي القوى والقوادما ولولا الرجا أن يجمع اللّه بيننا كأحسن ما كنا أتيتك قادما ولكنني أدعو إلى الواحد الذي يرى كل شيء أن يردك سالما وقال أيضاً قض الزمان ولا تبع طمعاً نقداً بوعد ترتجيه غدا واشرب بها صفراء صافية تنفي الهموم وتسلب الكمدا راحاً إذا بزلت بآنية قذفت على حافاتها الزبدا فالعاقل الفطن اللبيب إذا نال المنى في منزل قعدا إني لأهوى شرب صافية مقطوبة في الكأس من بردى من كف من يهوى الفؤاد بها تسعى بها والليل قد بردا تسقي ندامى كالنجوم غدوا بيض الوجوه تخالها بردا ما نلتقي إلا حليف حجى يلقي العلوم وشادياً غردا وقال أيضاً سلام كأنفاس الرياض بعالج يبلغه ريح الصبا أرض جلق إلى ساكن فيها وفي القلب مثله مقيماً به عقلاً إلى حين نلتقي إلى جنة الدنيا جميعاً وليتني أنخت بها يوماً من الدهر أينقي سلام من الشعرى اليماني دائماً إلى تربها الشامية المتألق وإن مزق الدهر المعاند شملنا فإن ودادي ليس بالمتمزق وبدلني بالصد منك فحالتي كحالة مأسور بغربة موثق ومن نكد الدهر الغشوم وصرفه يجاور رغماً فيلسوف لأحمق وقال أيضاً يا حجة الدين سر باللّه معتصماً ولا تكن لفراق حم ذا أسف فللكواكب عذر في تنقلها عن البيوت لكي تحتل بالشرف الدر لولا نحور الغيد ما خرجت به المقادير أحياناً من الصدف فاقبل إلى ملك ما نال غايته وما حواه ملوك الأرض في السلف هو الهيولى وأنت الجسم تقبل أصناف المعالي قبولاً غير مختلف وقال استدعاني الرضا وزير الجزيرة في ليلة ممطرة فكتبت إليه مع الغلام قل للوزير أدام اللّه نعمته في دولة أمرها في الحضر والبادي بعثت في طلبي والغيث منسكب والوحل قد كف سير الرائح الغادي دعني من المطل الذي لا ينقضي أبداً وسقم القلب بالتعليل قل لي نعم أو لا بغير توقف فاليأس أروح لي من التطويل لأكون من طمعي الكذوب كمن رأى أضغاث أحلام بلا تأويل وقال يهجو علي بن مسهر الشاعر ما ولدت سعلاء من جن عبقر بأقبح شخص من علي بن مسهر له هامة صلعاء من فوق قامة مقوسة حدباء في دور خنصر بها جُعَل ما بين فكيه كامن يزج الخرا من فيه في كل محضر ولما شكى داء قديماً بدبره إلي وداء من فم منه أبخر فقلت دواء الدبر طعنة أجرد عريض القفا عريان أقرع أعور تناك به من بين فخذي موسوس به جنة كالعير هوج أيُّر وما يشتكي فوك الخبيث دواؤه بمسواك جعس مجه حجر خيبري وكلْ من جوارشن البطون فإنه لدائك أشفى من جوارشن قيصر فقلت من أعظم الرزايا قفل على منزل خراب أحسن ما كنت في عباة ملفوفة الرأس في جراب وقال يمتدح فضيلة الشرع إن الشريعة ألفت بصلاحها للعالم المتضادد المتمازج الشرع أصلح كل غاو مارد وأمات شرة كل جان مارج لولا الشريعة ما تجمع واستوى شمل الورى ومنوا بشر هائج إن الشريعة حكمة ومنافع لمداخل ومصالح لمخارج والعقل نور اللّه إلا أنه للعالم المحسوس غير ممازج فمتى اكتفيت بفعل عقل داخل فسدت أمورك كلها من خارج الأنبياء كواكب تهدي إلى سبل الهدى لذوي السرى والدالج وقال حين ترك الخمر وتاب عنه وعن المدح بالشعر نار الحميا ونار الفكر مذ نهكا جسمي تركت الحميا خشية النار والكأس بالطبع تصدي عقل شاربها والسكر يسلب منه حكمة الباري وعوضت عنها النفس كاسات حكمة تعللتها فازددت شوقاً إلى الساقي وللعنتري من الكتب كتاب النور المجتنى من روض الندماء وتذكار الفضلاء الحكماء ونزهة الحياة الدنيا رتبه على فصول السنة وضمنه أشعاراً وفوائد حسنة لجماعة من الأدباء ولنفسه أيضاً وأبان فيه عن فضل كتاب الجمانة في العلم الطبيعي والإلهي كتاب الأقراباذين وهو أقراباذين كبير استقصى فيه ذكر الأدوية المركبة وأجاد في تأليفه رسالة الشعرى اليمانية إلى الشعرى الشامية كتبها إلى عرفة النحوي بدمشق جواباً عن رسالة كتبها إليه من دمشق رسالة حركة العالم يهنئ بها وزيراً استدعي إلى وزارة بلد آخر وهو حجة الدين مروان لما وزره أتابك زنكي بن آق سنقر رسالة الفراق ما بين الدهر والكفر والإيمان رسالة العشق الإلهي والطبيعي‏.‏

أبو الغنائم هبة اللّه بن علي بن الحسين بن اثردى

من أهل بغداد متميز في الحكمة فاضل في صناعة الطب مشهور بالجودة في العلم والعمل ولأبي الغنائم هبة اللّه بن علي بن اثردى من الكتب تعاليق طبية وفلسفية مقالة في أن اللذة في النوم في أي وقت توجد منه وألف هذه المقالة لأبي نصر التكريتي طبيب الأمير ابن مران علي بن هبة اللّه بن اثردى هو أبو الحسن علي بن هبة اللّه بن علي بن اثردى من أهل بغداد طبيب فاضل مشهور بالتقدم في صناعة الطب وجودة المعرفة لها حسن المعالجة جيد التصنيف‏.‏

ولعلي بن هبة اللّه بن اثردى من الكتب شرح كتاب دعوة الأطباء ألفه لأبي العلاء محفوظ ابن المسيحي المتطبب‏.‏

سعيد بن اثردى

هو أبو الغنائم سعيد بن هبة اللّه بن اثردى من الأطباء المشهورين ببغداد وكان ساعور البيمارستان العضدي ومتقدماً في أيام المقتفي بأمر اللّه‏.‏

أبو علي الحسن بن علي بن اثردى

فاضل في صناعة الطب جيد الأعمال حسن المعالجة وكان من المشكورين ببغداد

جمال الدين علي بن اثردى

هو جمال الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم سعيد بن هبة اللّه بن علي بن اثردى فاضل في صناعة الطب عال بها متميز في علمها وعملها كان همام الدين العبدي الشاعر قد استعار من جمال الدين علي بن اثردى كتاب مسائل حنين فقال يمدحه ويشعره بأن المسائل العارية قد حياك رقراق الحيا عني وخفاف النسيم فلأنت ذو الخُلْق الكريم وأنت ذو الخَلْق الوسيم غَدِقُ الأنامل بالندى لَبِقُ الشمائل بالنعيم ما افتر إلا فرّ جيش دُجْنَّةِ الليل البهيم نضر الفكاهة كالحما م جرى على زهر الجميم ويسير أوقات الثرا ء كثير أفراح النديم لا بالملول ولا الجدو ل ولا الجهول ولا المليم بل يشفع القول اللطيف بوافر الطول الجسيم ناد الورى مستصرخاً هل من صديق أو حميم حمال أعباء القرين منيع أكناف الحريم وادع الكرام ولن يجيب سوى أبي الحسن الحكيم سمعاً جمال الدين قو ل مصاحب الود السليم والوصلة العظمى حميد ولاية النبأ العظيم إنا ليجمعنا الولاء على صراط مستقيم وقال أيضاً يمدحه سل لم جفا جفني الوسن بعد بعاد من ظعن ومن نأى بالصبر لم غادر في قلبي الحزن وقل لمن خال الهوى قل لي على البعد وطن لم يبعد الوجد الذي خلفه البين ولن ولن ترى جوانحي ساكنة بعد سكن يا من يظن الحب من أيسر أحداث الزمن الحب ما صير ثو ب المرء للمرء كفن لا ما أسال مدمعاً أو جعل السر علن أما وممشوق القوا م ناعس الطرف أغن مفتتن به فتى لولا هواه ما افتتن أحن شوقاً وجوى فليته اشتاق وحن ولا أزال سائلاً عنه فهل يسأل عن هيهات أين ذو خلا من ذي غرام وشجن أخو الهوى ليس له من أسهم الوجد جنن تكاد تجري نفسه لولا ارتباط بالبدن وكيف لا أعشق معسول العطاء واللسن للمجد ما جاد به وللسماح ما خزن فسمحه ذكاؤه وللسماحات فطن لا ثلَّ عرش سعده ولا وهى ولا وهن أحمده لا طالباً منه على الحمد ثمن ولا وداد من نأى عن الظباء والضبن

فخر الدين المارديني

هو الإمام فخر الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد الساتر الأنصاري كان أوحد زمانه وعلامة وقته في العلوم الحكمية قوي الذكاء فاضل النفس جيد المعرفة بصناعة الطب محاولاً لأعمالها كثير التحقيق نزيه النفس محباً للخير متقناً للغة متفنناً في العربية مولده في ماردين وأجداده من القدس وكان أبوه قاضياً ولما فتح نجم الدين الغازي بن أرتق القدس بعث جده عبد الرحمن إلى ماردين وقطن بها هو وأولاده وكان شيخ فخر الدين المارديني في الحكمة نجم الدين بن صلاح وهو نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن السري وكان عجمياً من همذان استدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق وكان ابن الصلاح فاضلاً في الحكمة جيد المعرفة بها خبيراً بدقائقها وأسرارها وله تصانيف في الحكمة وأقام في آخر عمره بدمشق وتوفي رحمه اللّه ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق وقرأ فخر الدين المارديني صناعة الطب على أمين الدولة بن التلميذ وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة عن فخر الدين الماردين أنه قرأ كتاب القانون لابن سينا على أمين الدولة بن التلميذ وباحثه فيه وبالغ في تصحيحه وتحريره معه وكان ابن التلميذ يقرأ عليه صناعة المنطق ومما قرأ عليه في ذلك كتاب المختصر الأوسط للجرجاني لابن سينا وأقام فخر الدين بن عبد السلام المارديني في مدينة حيني سنين كثيرة وكان في خدمة نجم الدين بن أرتق قال سديد الدين محمود بن عمر وكان قد صحب فخر الدين المارديني في مدينة حيني وقرأ عليه صناعة الطب ولازمه مدة طويلة ولم يكن يفارقه في سفره ولا حضره إن الشيخ فخر الدين المارديني رحمه اللّه وصل إلى دمشق وكنت معه في سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأقرأ بها صناعة الطب وكان له مجلس عام للتدريس وكان من جملة من اشتغل عليه ولازمه مدة مقامه بدمشق الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وقرأ عليه الشيخ مهذب الدين بعض كتاب القانون لابن سينا وصححه معه ولم يزل الشيخ فخر الدين المارديني مقيماً بدمشق إلى آخر شهر شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة فإنه توجه قاصداً إلى بلده ولما عزم على السفر أتاه الشيخ مهذب الدين وسأله إن كان يمكنه أن يقيم بدمشق ليتمم عليه قراءة كتاب القانون وأن يكون يوصل إلى وكيله برسم النفقة في كل شهر ثلثمائة درهم ناصرية فلم يفعل وقال العلم لا يباع أصلاً بل من كان معي فإنني أشغله أين كنت ولم يمكن مهذب الدين التوجه معه ولما سافر فخر الدين المارديني من دمشق وكان في طريقه بحلب نفذ إليه الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين واستحضره وأعجبه كلامه فطلب أن يقيم عنده فاعتذر إليه ولم يقبل منه الملك الظاهر ذلك وأطلق له مالاً كثيراً وأنعم عليه وكان عظيم المنزلة عنده وبقي في خدته نحو سنتين ثم سافر إلى ماردين‏.‏

أقول وتوفي فخر الدين المارديني رحمه اللّه يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وتسعين وخمسمائة بآمد وله من العمر اثنتان وثمانون سنة ووقف جميع كتبه في ماردين في المشهد الذي وقفه حسام الدين بن أرتق وكان حسام الدين هذا فاضلاً حكيماً فيلسوفاً وقد وقف أيضاً في مشهده كتباً حكمية والكتب التي وقفها الشيخ فخر الدين هي من أجود الكتب وهي نسخه التي كان قد قرأ أكثرها على مشايخه وحررها وقد بالغ في تصحيحها وإتقانها‏.‏

وحدثني سديد الدين محمود بن عمر وكان حاضراً عند الشيخ فخر الدين المارديني وقت موته قال لم يزل الشيخ فخر الدين لما أحس بالموت يذكر اللّه تعالى ويمجده ولم يفتر عن ذلك إلى حين قضى وكان آخر شيء سمعناه منه اللّهم إني آمنت بك وبرسولك صدق أن اللّه يستحي من عذاب الشيخ‏.‏

ولفخر الدين المارديني من الكتب شرح قصيدة الشيخ الرئيس بن سينا التي أولها هبطت إليك من المحل الأرفع وكان شرحه لهذه القصيدة لما سأله الأمير عزّ الدين أبو القاسم الخضر بن أبي غالب نصر

أبو نصر بن المسيحي

هو أبو نصر سعيد بن أبي الخير بن عيسى بن المسيحي من المتميزين في صناعة الطب والأفاضل من أهلها والأعيان من أربابها حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي قال مرض الخليفة الناصر لدين اللّه في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة مرضاً شديداً وكان المرض بالرمل وعرض له في المثانة حصاة كبيرة مفرطة في الكبر واشتد به الألم وطال المرض وكان طبيبه أبو الخير المسيحي وكان شيخاً حسناً مسناً وقد خدمه مدة طويلة وكان خبيراً متقناً للصناعة ومات وقد قارب المائة سنة فامتد به المرض وضجر من المعالجات فأشار بأن تشق المثانة لإخراج الحصاة فسأل عن حذاق الجرائحين فأخبر برجل منهم يقال له ابن عكاشة من ساكني الكرخ بجانب بغداد الغرب فأحضر وشاهد العضو العليل وأمره ببطه فقال أحتاج أن أشاور مشايخ الأطباء في هذا فقال له من تعرف ببغداد من صالحي هذه الصناعة فقال يا مولانا أستاذي وشيخي أبو نصر بن المسيحي ليس في البلاد بأسرها من يماثله فقال له الخليفة اذهب إليه ومره بالحضور فلما حضر خدم وقبّل الأرض أمره بالجلوس فجلس ساعة ولم يكلمه ولم يأمره بشيء حتى سكن روعه فلما آنس منه ذلك قال له يا أبا نصر مثل نفسك أنك قد دخلت إلى بيمارستان وأنت تباشر به مريضاً قد ورد من بعض الضياع وأريد أن تباشر مداواتي وتعالجني في هذا المرض كما تفعل بمن هذه صفته فقال السمع والطاعة ولكني أحتاج أن أعرف من هذا الطبيب المتقدم مبادئ المرض وأحواله وتغيراته وما عالج به منذ أول المرض وإلى الآن‏.‏

فأحضر الشيخ أبو الخير وأخذ يذكر له ابتداءات المرض وتغيرات أحواله وما عالج به في أول الأمر إلى آخر وقت فقال التدبير صالح والعلاج مستقيم فقال الخليفة هذا الشيخ أخطأ ولا بد لي من صلبه فقام أبو نصر المسيحي وقبل الأرض وقال يا مولانا بحق نعمة اللّه عليك وبمن مضى من أسلافك الطاهرين لا تسن على الأطباء هذه السنة وأما الرجل فلم يخطئ في التدبير ولكن لسوء حظه لم ينته المرض فقال قد عفوت عنه ولكن لا يعود يدخل علي فانصرف ثم أخذ أبو نصر في مداواته فسقاه ودهن العضو بالأدهان الملينات وقال له إن أمكن نلاطف الأمر بحيث نخرج هذه الحصاة من غير بط فهو المراد وإن لم تخرج فذلك لا يفوتنا فلم يزل كذلك يومين وفي ليلة اليوم الثالث رمى الحصاة فقيل إنه كان وزنها سبعة مثاقيل وقيل خمسة وقيل إنها كانت على مقدار أكبر نواة تكون من نوى الزيتون وبرأ وتتابع الشفاء ودخل الحمام فأمر أن يدخل أبو نصر إلى دار الضرب ويحمل الذهب مهما قدر أن يحمله ففعل به ذلك ثم أتته الخلع والدنانير من أم الخليفة ومن ولديه الأميرين محمد وعلي والوزير نصير الدين أبي الحسن بن مهدي العلوي الرازي ومن سائر كبار الأمراء بالدولة فأما أم الخليفة وأولاده والوزير والشرابي نجاح فكانت الدنانير من كل واحد منهم ألف دينار وكذلك من أكابر الأمراء والباقين على قدر أحوالهم فأخبرت أنه حصل من العين الدنانير عشرين ألف دينار ومن الثياب والخلع جملة وافرة وألزم الخدمة وفرضت له الجامكية السنية والراتب والإقامة ولم يزل مستمراً في الحكمة إلى أن مات الناصر‏.‏

قال وحدثني بعض الأطباء أن ابن عكاشة الجرائحي كان قد نذر عليه أنه يتصدق في بيعة سوق الثلاثاء بالربع مما يحصل له وأنه حمل إلى البيعة مائتين وخمسين ديناراً وصرف أبو الخير المسيحي من الخدمة وقد كانت منزلته قبل هذا جليلة عنده ومحله مرتفع ووصله هبات وصلات عظيمة فمن جملتها أنه أعطاه خزانة كتب الأجل أمين الدولة بن التلميذ وكان مرض الناصر مراراً وبرأ على يده فحصل له فيها جمل وافرة ثم توفي الشيخ أبو الخير في أيام الناصر فقيل له إنه قد توفي وترك ولداً متخلفاً وجملة عظيمة من المال فقال لا يعترض ولده فيما ورثه من أبيه فما خرج عنا لا يعود إلينا‏.‏

ولأبي نصر بن المسيحي من الكتب كتاب الاقتضاب على طريق المسألة والجواب في الطب كتاب انتخاب الاقتضاب‏.‏

هو صاعد بن هبة اللّه بن توما نصراني من أهل بغداد وكان من الأطباء المتميزين والأكابر المتعينين حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي أنه كان طبيب نجم الدولة أبي اليمن نجاح الشرابي وارتقت به الحال إلى أن صار وزيره وكاتبه ثم دخل إلى الناصر وكان يشارك من يحضر من أطبائه في أوقات أمراضه ثم حظي عنده الحظوة التامة وسلم إليه عدة جهات يخدم بها وكان بين يديه فيها عدة دواوين وكتاب وقتل في سنة عشرين وستمائة وكان سببه أنه أحضر جماعة من الأجناد الذين كانت معايشهم تحت يده وأنه خاطبهم بما فيه بعض المكروه فكمن له منهم اثنان ليلاً فقتلاه بالسكاكين واعترضت تركته فأمر الخليفة بأن يحمل ما فيها من المال إلى الخزانة ويبقى القماش والملك لولده قال فأخبرني بعض البغداديين أنه حمل من داره إلى الخزانة من الدنانير العين ثمانمائة ألف وثلاثة عشر ألف دينار وبقي الأثاث والأملاك بما يقارب تتمة ألف ألف دينار فترك لولده أقول ووجدت الصاحب جمال الدين بن القفطي قد حكى من أحوال صاعد بن توما المذكور ما هذا نصه قال كان حكيماً طيباً حسن العلاج كثير الإصابة ميمون المعاناة في الأكثر له سعادة تامة في هذا الشأن وكان من ذوي المروءات والأمانات تقدم في أيام الناصر إلى أن كان بمنزلة الوزراء واستوثقه على حفظ أموال خواصه وكان يودعها عنده ويرسله في أمور خفية إلى وزرائه ويظهر له في كل وقت وكان حسن الوساطة جميل المحضر قضيت على يديه حاجات واستكفيت بوساطته شرور وسالمته الأيام مدة طويلة ولم ير له غير شاكر وناشر وكان الإمام الناصر في آخر أياه قد ضعف بصره وأدركه سهو في أكثر أوقاته لأحزان تواترت على قلبه ولما عجز عن النظر في القصص والإنهائات استحضر امرأة من النساء البغداديات تعرف بست نسيم وقربها وكانت تكتب خطاً قريباً من خطه وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة والرقاع وشاركها في ذلك خادم اسمه تاج الدين رشيق ثم تزايد الأمر بالناصر فصارت المرأة تكتب الأجوبة بما تراه فمرة تصيب ومرة تخطئ ويشاركها رشيق في مثل ذلك واتفق أن كتب الوزير القمي المدعو بالمؤيد مطالعة وحلها وعاد جوابها وفيه اختلال بين فتوقف الوزير وأنكر ثم استدعى الحكيم صاعد بن توما وأسر إليه ما جرى وسأله عن تفصيل الحال فعرفه ما الخليفة عليه من عدم البصر والسهو الطارئ في أكثر الأوقات وما تعتمده المرأة والخادم من الأجوبة فتوقف الوزير عن العمل بأكثر الأمور الواردة عليه وتحقق الخادم والمرأة ذلك وقد كانت لهما أغراض يريدان تمشيتها لأجل الدنيا واغتنام الفرصة في نيلها فحدسا أن الحكيم هو الذي دله على ذلك فقرر رشيق مع رجلين من الجند في الخدمة أن يغتالا الحكيم ويقتلاه وهما رجلان يعرفان بولدي قمر الدولة من الأجناد الواسطية وكان أحدهما في الخدمة والآخر بطالا فرصدا الحكيم في بعض الليالي إلى أن أتى إلى دار الوزير وخرج عنها عائداً إلى دار الخلافة وتبعاه إلى أن وصل باب درب الغلة المظلمة ووثبا عليه بسكينيهما فقتلاه وكان بين يديه مشعل وغلام وانهزم الحكيم لما وقع إلى الأرض بحرارة الضرب إلى أن وصل إلى باب خربة الهراس والقاتلان تابعان له فبصرهما واحد وصاح خذوهم فعادا إليه وقتلاه وجرحا النفاط الذي بين يدي الحكيم وحمل الحكيم إلى منزله ميتاً ودفن بداره في ليلته ونفذ من البدرية من حفظ داره وكذلك من دار الوزير لأجل الودائع التي كانت عنده للحرم والحشم الخاص وبحث عن القاتلين فأمر بالقبض عليهما وتولى القبض والبحث إبراهيم بن جميل بمفرده وحملهما إلى منزله ولما كان في بكرة تلك الليلة أخرجا إلى موضع القتل وشق بطناهما وصلبا على باب المذبح المحاذي لباب الغلة التي جرح بها الحكيم وكان موت الحكيم وقتله في ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشرين وستمائة‏.‏

 

 

أبو الحسين صاعد بن هبة اللّه بن المؤمل

كان نصرانياً وأصله من الحظيرة ونزل إلى بغداد وكان اسمه أيضاً مارى وهو من أسماء الكنيسة عند النصارى فإنهم يسمون أولادهم عند الولادة بأسماء فإذا عمدوهم سموهم عند المعمودية باسم من أسماء الصالحين منهم وكان أبو الحسين هذا طبيباً فاضلاً وخدم بالدار العزيزة الناصرية الإمامية وتقرب قرباً كثيرة وكسب بخدمته وصحبته الأموال وكانت له الحرمة الوافرة والجاه العظيم وكان قد قرأ الأدب على أبي الحسن علي بن عبد الرحيم العصار وعلى أبي محمد عبد اللّه بن أحمد بن الخشاب النحوي وعلى شرف الكتاب بن حيا وغيرهم وله معرفة تامة بالمنطق والفلسفة وأنواع الحكمة وكان فيه كبر وحمق وتيه وعجرفة وينسب إلى ظلم مفرط ولم يزل على أمره ينسخ بخطه كتب الحكمة ويتصرف فيما هو بصدده من الطب وعلى حالته في القرب إلى أن مات في يوم العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ببغداد ودفن ببيعة النصارى بها ابن المارستانية هو أبو بكر عبيد اللّه بن أبي الفرج علي بن نصر بن حمزة عرف بابن المارستانية‏.‏

حدثني شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي الكاتب إن ابن المارستانية كان فاضلاً في صناعة الطب وأعمالها وسمع شيئاً من الحديث وكان عنده تميز وأدب وعمل خطباً قال وكان يعرضها على شيخنا أبي البقاء عبد اللّه بن الحسين العكبري وكان يستجيدها وتولى النظر بالبيمارستان العضدي ثم قبض عليه وحبس به سنتين ثم أفرج عنه وعمل تاريخاً لمدينة السلام سماه ديوان الإسلام الأعظم وكتب منه كثيراً ولم يتممه وندب من الديوان في صفر سنة تسع وتسعين وخمسمائة للرسالة إلى تفليس وخلع عليه خلعة سوداء وطيلسان وتوجه إلى هناك فأدى الرسالة وعاد إلى بغداد فتوفي قبل وصوله بموضع يعرف بجرخ بند في ليلة ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة فدفن هناك‏.‏

ابن سدير

هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد اللّه من أهل المدائن يعرف بابن سدير - وسدير لقب لأبيه - وكان طبيباً عالماً بصناعة الطب والمداواة ويقول الشعر وكان في دماثة ودعابة وتوفي بالمدائن فجأة في العشر الأخير من رمضان سنة ستة وستمائة‏.‏

ومن شعر ابن سدير قال الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن سعيد بن يحيى بن الدبيثي الواسطي في كتابه أنشدني ابن سدير لنفسه أيا منقذي من معشر زاد لؤمهم فأعيا دوائي واستكان له طبي إذا اعتل منهم واحد فهو صحتي وإن ظل حياً كدت أقضي به نحبي أداويهم إلا من اللؤم إنه ليعيي علاق الحاذق الفطن الطب هو أبو الحسن علي بن أحمد بن هبل البغدادي ويعرف أيضاً بالخلاطي كان أوحد وقته وعلامة زمانه في صناعة الطب وفي العلوم الحكمية متميزاً في صناعة الأدب وله شعر حسن وألفاظ بليغة وكان متقناً لحفظ القرآن ولد ببغداد في باب الأزج بدرب ثمل في ثالث وعشرين ذي القعدة من خمس عشرة وخمسمائة ونشأ ببغداد وقرأ الأدب والطب وسمع بها من أبي القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي ثم صار إلى الموصل واستوطنها إلى حين وفاته وحدثني عفيف الدين أبو الحسن علي بن عدنان النحوي الموصلي قال كان الشيخ مهذب الدين بن هبل من بغداد وأقام بالموصل ثم بخلاط عند شاه أرمن صاحب خلاط وبقي عنده مدة وحصل من جهته من المال العين مبلغاً عظيماً وقبل رحيله من خلاط بعث جملة ما له من المال العين إلى الموصل إلى مجاهد الدين قيماز الزيني وديعة عنده وكان ذلك نحو مائة وثلاثين ألف دينار ثم أقام ابن هبل بماردين عند بدر الدين لؤلؤ وعمِيَ مهذب الدين بن هبل بماء نزل في عينيه عن ضربة وكان عمره إذ ذاك خمساً وسبعين سنة ثم توجه إلى الموصل وحصلت له زمانة فلزم منزله بسكة أبي نجيح وكان يجلس على سرير ويقصده كل أحد من المشتغلين عليه بالطب وغيره‏.‏

أقول وكان أيضاً يسمع الحديث ومن ذلك حدثني الحكيم بدر الدين أبو العز يوسف بن أبي محمد بن المكي الدمشقي المعروف بابن السنجاري قال حدثنا مهذب الدين أبو الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن هبل البغدادي المعروف بالخلاطي أخبرنا الشيخ الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الأشعث السمرقندي أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكناني أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ابن أبي نصر وأبو القاسم تمام محمد الرازي والقاضي محمد بن أحمد بن هرون الغساني المعروف بابن الجندي وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن أبي العقب وأبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد اللّه بن يحيى القطان قالوا أخبرنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر بن عبد اللّه بن صفوان البصري حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلىالله عليه وسلم الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة‏.‏

وكان شيخ مهذب الدين بن هبل في صناعة الطب أوحد الزمان وكان بن هبل في أول أمره قد اجتمع بعبد اللّه بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي وقرأ عليه شيئاً من النحو وتردد أيضاً إلى النظامية وقرأ الفقه ثم اشتهر بعد ذلك بصناعة الطب وفاق بها أكثر أهل زمانه من الأطباء ودفن بظاهرها بباب الميدان بمقبرة المعافى بن عمران بالقرب من القرطبي أيا أثلات بالعراق ألفتها عليك سلام لا يزال يفوح لقد كنت جلداً ثاوياً بفنائها فقد عاد مكتوم الفؤاد يبوح فما أحسن الأيام في ظل أنسها قبيل طلوع الشمس حين تلوح وقد غرد القمري في غسق الدجى وراعى حمام في الأصول ينوح ذكرت ليال بالصراط وطيبها نطير لها شوقاً ونحن جموح وقال أيضاً أيا دوحة هام الفؤاد بذكرها عليك سلام اللّه يا دوحة الأنس رمتني النوى بالبعد منك وقربها وقد كنت جاراً لاصقاً لك بالأمس فيا ليت أني بعد بُعد أحبتي نقلت كريماً راضي النفس بالرمس وإلا فليت الدهر يمكن منهم بقبضي حبال الوصل بالأنمل الخمس إذا جال طرفي في العراق وجوه كأني نظرت الأفق من مطلع الشس تبدل تقليبي اليراع مع القنا بتقليب مطبوع بلفب بالفلس وقال أيضاً لقد سبتني غداة الخيف غانية قد حازت الحسن في دل بها وصبا قامت تميس كخوط البان غازلة مع الأصائل ريحي شمأل وصبا يكاد من دقةٍ خصر تدل به يشكو إلى ردفها من ثقله وصَبَا لو لم يكن أقحوان الثغر مبسمها ما هام قلبي بحبيها هوى وصبا ولمهذب الدين بن هبل من الكتب كتاب المختار في الطب وهو كتاب جليل يشتمل على علم وعمل كتاب الطب الجمالي صنفه لجمال الدين محمد الوزير المعروف بالجواد وكان تصنيفه للمختار سنة ستين وخمسمائة بالموصل‏.‏

شمس الدين بن هبل

هو شمس الدين أبو العباس أحمد بن مهذب الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن علي بن هبل مولده في يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة انشقاق الصبح قبل طلوع الشمس وكان مشتغلاً بصناعة الطب متميزاً في الأدب وجيهاً في الدولة وسافر إلى بلاد الروم وأكرمه صاحب الروم الملك الغالب كيكاوس بن كيخسرو إكراماً كثيراً وبقي عنده وكان لشمس الدين بن هبل ولدان من أعيان الفضلاء وأكابرهم وهما في وقتنا هذا مقيمان بمدينة الموصل‏.‏

كمال الدين بن يونس

هو كمال الدين أبو عمران موسى بن يونس بن محمد بن منعة علامة زمانه وأوحد أوانه وقدوة العلماء وسيد الحكماء قد أتقن الحكمة وتميز في سائر العلوم وكان عظيماً في العلوم الشرعية والفقه وكان مدرّساً في المدرسة بالموصل ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك وله مصنفات في نهاية الجودة ولم يزل مقيماً بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة اللّه‏.‏

حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال وكان ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل وهو الذي يسمونه العجم جست أي الشطار فلما أحضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال علم مليح ما قصر فيه مؤلفه وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه ثم إنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه وقيل أن كمال الدين بن يونس كان يعرف علم السيمياء من ذلك حدثني أيضاً القاضي نجم الدين بن الكريدي قال حدثني القاضي جلال الدين البغدادي تلميذ كمال الدين بن يونس وكان الجلال مقيماً عند ابن يونس في المدرسة - قال كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور ملك الفرنج - وكان متفنناً في العلوم - رسول الموصل إلى ابن يونس يعرفه بذلك ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه وجعل له مجلساً بأبهة لأجل الرسول وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف وما عنده خبر من أحوال الدنيا فقال نعم حكى جلال الدين قال فكنت عنده وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة فبعث من الفقهاء من تلقاه فلما حضر عند الشيخ نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب له الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأينا من ساعة من تلك الأبهة والحشمة فتبسم وقال يا بغدادي هو علم‏.‏

وقال جلال الدين وكان للشيخ كمال الدين عند بدر الدين لؤلؤ حاجة فركب عند الصبح ليلقاه فيها وكانت عادة بدر الدين أن يركب الخيل والبغال السريعة المشي فلما قدموا في السحر فرساً وركبه لم ينبعث في المشي فنزل عنه وركب غيره فلم يقدر على المشي خطوة فبقي متحيراً في أمره وإذا بالشيخ قد وصل إليه وقال له عن حاجته فقضاها له ثم قال ما كان الفرس امتنعت من المشي إلاحتى تقدم فقال يا مولانا هذا من همة المشايخ وعاد وسار بدر الدين لؤلؤ وتبعه العسكر‏.‏

حدثني نجم الدين حمزة بن عابد الصرخدي أن نجم الدين القمراوي وشرف الدين المتاني - وقمراومتان هما قريتان من قرى صرخد قال كانا قد اشتغلا بالعلوم الشرعية والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما وكانا قد سافرا إلى البلاد في طلب العلم ولما جاءا إلى الموصل قصدا الشيخ كمال الدين بن يونس وهو في المدرسة يلقي الدرس فسلما وقعدا مع الفقهاء ولما جرت مسائل فقهية تكلما في ذلك وبحثا في الأصول وبان فضلهما على أكثر الجماعة فأكرمهما الشيخ وأدناهما ولما كان آخر النهار سألاه أن يريهما كتاباً له كان قد ألفه في الحكمة وفيه لغز فامتنع وقال هذا كتاب لم أجد أحداً يقدر على حله وأنا ضنين به فقالا له نحن قوم غرباء وقد قصدناك ليحصل لنا الفوز بنظرك والوقوف على هذا الكتاب ونحن بائتون عندك في المدرسة وما نريد نطالعه سوى هذه الليلة وبالغداة يأخذه مولانا وتلطفا له حتى أنعم لهما وأخرج الكتاب فقعدا في بيت من بيوت المدرسة ولم يناما أصلاً في تلك الليلة بل كل واحد منهما يملي على الآخر وهو يكتب حتى فرغا من كتابته وقابلاه ثم كررا النظر فيه مرات ولم يتبين لهما حله إلى آخر وقت وقد طلع النهار فظهر لهما حل شيء منه من آخره واتضح أولاً فأولا حتى انحل لهما اللغز وعرفاه فحملا الكتاب إلى الشيخ وهو في الدرس فجلسا وقالا يا مولانا ما طلبنا إلا كتابك الكبير الذي فيه اللغز الذي يعسر حله وأما هذا الكتاب فنحن نعرف معانيه من زمان واللغز الذي فيه علمه عندنا قديم وإن شئت أوردناه فقال قولا حتى أسمع فتقدم النجم القمراوي وتبعه الآخر وأوردا جميع معانيه من أول الكتاب إلى آخره وذكرا حل اللغز بعبارة حسنة فصيحة فعجب منهما وقال من أين تكونان قالا من الشام قال من أي موضع منه قالا من حوران فقال لا أشك أن أحدكما النجم القمراوي والآخر الشرف المتاني قالا نعم فقام لهما الشيخ وأضافهما عنده وأكرمهما غاية الإكرام واشتغلا عليه مدة ثم سافرا‏.‏

أقول وكان عمي رشيد الدين بن خليفة وهو في أول شبيبته قصد السفر إلى الموصل ليجتمع بالشيخ كمال الدين بن يونس ويشتغل عليه لما بلغه من علمه وفضله الذي لم يلحقه فيه أحد وتجهز للسفر فلما علمت بذلك والدته جدتي بكت وتضرعت إليه أن لا يفارقها وكان يأخذ بقلبها فلم يمكنه مخالفتها وأبطل الرواح إليه ولكمال الدين بن يونس أولاد بمدينة الموصل قد أتقنوا الفقه وسائر العلوم وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين ومن شعر كمال الدين بن يونس قال ما كنت ممن يطيع عذالي ولا جرى هجره على بالي وقال حتى ومتى لي وعدكم لي زور مطل واف ونائل منزور في قلبي حب حبكم مبذور زوروا فعسى يثمر وصلاً زوروا ولكمال الدين بن يونس من الكتب كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القرآن شرح كتاب التنبيه في الفقه مجلدان وكتاب مفردات ألفاظ القانون كتاب في الأصول كتاب عيون المنطق كتاب لغز في الحكمة كتاب الأسرار السلطانية في النجوم‏.‏

 

الباب الحادي عَشَر طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم

تيادورس

كان نصرانياً وله معرفة جيدة بصناعة الطب ومحاولة لأعمالها وبنى له سابور ذو الأكتاف البيع في بلده ويقال أن الذي بنى له البيع بهرام جور ولتيادورس من الكتب كناش

برزويه

قيل إنه كان عالماً بصناعة الطب موسوماً بها متميزاً في زمانه فاضلاً في علوم الفرس والهند وأنه هو الذي جلب كتاب كليلة ودمنة من الهند إلى أنوشروان بن قباذ ابن فيروز ملك الفرس وترجمه له من اللغة الهندية إلى الفارسية ثم ترجمه في الإسلام عبد اللّه بن المقفع الخطيب من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية‏.‏

أقول وهذا كتاب كما قد عظمت شهرته أنه في إصلاح الأخلاق وتهذيب النفوس لا نظير له في معناه وكان عبد اللّه بن المقفع فارسياً أيضاً وكان كاتب أبي جعفر المنصور وترجم أيضاً من كتب أرسطوطاليس كتاب قاطيغورياس وكتاب باريمينياس وكتاب أنالوطيقا وترجم مع ذلك المدخل إلى كتاب المنطق المعروف بإيساغوجي فرفوريوس الصوري وعبارته في الترجمة عبارة سهلة قريبة المأخذ ولابن المقفع أيضاً تواليف حسان منها رسالته في الأدب والسياسة ومنها رسالته المعروفة باليتيمة في طاعة السلطان‏.‏

ربن الطبري

قال الصاحب جمال الدين بن القفطي في كتابه إن هذا ربن الطبري كان يهودياً طبيباً منجماً من أهل طبرستان وكان متميزاً في الطب عالماً بالهندسة وأنواع الرياضة وحل كتباً حكمية من لغة إلى لغة أخرى قال وكان والده علي بن ربن طبيباً مشهوراً انتقل من طبرستان إلى العراق وسكن سر من رأى وربن هذا كان له تقدم في علم اليهود - والربن والربين والراب أسماء لمقدمي شريعة اليهود وسئل أبو معشر عن مطارح الشعاع فذكرها وساق الحديث إلى أن قال إن المترجمين لنسخ المجسطي المخرجة من لغة يونان ما ذكروا الشعاع ولا مطارحه ولا يوجد ذلك إلا في النسخة التي ترجمها ابن المتطبب الطبري ولم يوجد في النسخ القديمة مطرح شعاع بطليموس ولم يعرفه ثابت ولا حنين القلوسي ولا الكندي ولا أحد من هؤلاء التراجمة الكبار ولا أحد من ولد نوبخت‏.‏

ابن ربن الطبري

هو أبو الحسن علي بن سهل بن ربن الطبري وقال ابن النديم البغدادي الكاتب علي بن ربل باللام وقال عنه أنه كان يكتب للمازيار بن قارن فلما أسلم على يد المعتصم قربه وظهر فصله بالحضرة وأدخله المتوكل في جملة ندمائه وكان بموضع من الأدب وهو معلم الرازي صناعة الطب وكان مولده ومنشؤه بطبرستان‏.‏

ومن كلامه قال الطبيب الجاهل مستحث الموت ولابن ربن الطبري من الكتب كتاب فردوس الحكمة وجعله سبعة أنواع والأنواع تحتوي على ثلاثين مقالة والمقالات تحتوي على ثلثمائة وستين بابا كتاب أرفاق الحياة كتاب تحفة الملوك كتاب كناش الحضرة كتاب منافع الأطعمة والأشربة والعقاقير كتاب حفظ الصحة كتاب في الحجامة كتاب في ترتيب الأغذية‏.‏

أبو بكر محمد بن زكريا الرازي

مولده ومنشؤه بالري وسافر إلى بغداد وأقام بها مدة وكان قدومه إلى بغداد وله من العمر نيف وثلاثون سنة وكان من صغره مشتهياً للعلوم العقلية مشتغلاً بها وبعلم الأدب ويقول الشعر وأما صناعة الطب فإنما تعلمها وقد كبر وكان المعلم له في ذلك علي بن ربن الطبري وقال أبو سعيد زاهد العلماء في كتابه في البيمارستانات سبب تعلم أبي بكر محمد بن زكريا الرازي صناعة الطب أنه عند دخوله مدينة السلام بغداد دخل إلى البيمارستان العضدي ليشاهده فاتفق له أن ظفر برجل شيخ صيدلاني البيماريستان فسأله عن الأدوية ومن كان المظهر لها في البدء فأجابه بأن قال إن أول ما عرف منها كان حي العالم وكان سببه أفلولن سليلة أسقليبيوس وذلك أن أفلولن كان به ورم حار في ذراعه مؤلم ألماً شديداً فلما أشفي منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر فأمر غلمانه فحملوه إلى شاطئ نهر كان عليه النبات وأنه وضعه عليه تبرداً به فخف ألمه بذلك استطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعل مثل ذلك فبرأ فلما رأى الناس سرعة برئه وعلموا أنه إنما كان بهذا الدواء سموه حياة العالم وتداولتهُ الألسنُ وخففته فسمي حي العالم فلما سمع الرازي ذلك أعجب به ودخل تارة أخرى إلى هذا البيمارستان فرأى صبياً مولوداً بوجهين ورأس واحد فسأل الأطباء عن سبب ذلك فأخبر به فأعجبه ما سمع ولم يزل يسأل عن شيء شيء ويقال له وهو يعلق بقلبه حتى تصدى لتعلم الصناعة وكان منه جالينوس العرب هذه حكاية أبي سعيد وقال بعضهم إن الرازي كان في جملة من اجتمع على بناء هذا البيمارستان العضدي وإن عضد الدولة استشاره في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه المارستان وإن الرازي أمر بعض الغلمان أن يعلق في كل ناحية من جانبي بغداد شقة لحم ثم اعتبر التي لم يتغير ولم يسهك فيها اللحم بسرعة فأشار بأن يبنى في تلك الناحية وهو الموضع الذي بني فيه البيمارستان وحدثني كمال الدين أبو القاسم بن أبي تراب البغدادي الكاتب أن عضد الدولة لما بنى البيمارستان العضدي المنسوب إليه قصد أن يكون فيه جماعة من الأطباء وأعيانهم فأمر أن يحضروا له ذكر الأطباء المشهورين حينئذ ببغداد وأعمالها فكانوا متوافرين على المائة فاختار منهم نحو خمسين بحسب ما علم من جودة أحوالهم وتمهرهم في صناعة الطب فكان الرازي منهم ثم إنه اقتصر من هؤلاء أيضاً على عشرة فكان الرازي منهم ثم اختار من العشرة ثلاثة فكان الرازي أحدهم ثم إنه ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم فجعله ساعور البيمارستان العضدي‏.‏

أقول والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زماناً من عضد الدولة بن بويه وإنما كان تردده إلى البيمارستان من قبل أن يجدده عضد الدولة وللرازي كتاب في صفات البيمارستان وفي كل ما كان يجده من أحوال المرضى الذين كانوا يعالجون فيه‏.‏

وقال عبيد اللّه بن جبرئيل إنه لما عمر عضد الدولة البيمارستان الجديد الذي على طرف الجسر من الجانب الغربي من بغداد كانت الأطباء الذين جمعهم فيه من كل موضع وأمر الراتب منه أربعة وعشرون طبيباً وكان من جملته أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن بكس وكان دأبه أن يدرس فيه الطب لأنه كان محجوباً وكان منهم أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان وأبو يعقوب الأهوازي وأبو عيسى بقية والقس الرومي وبنو حسنون وجماعة طبائعيون قال عبيد اللّه وكان والدي جبرئيل قد أصعد مع عضد الدولة من شيراز ورتب في جملة الطبائعيين في البيمارستان وفي جملة الأطباء الخواص قال وكان في البيمارستان مع هؤلاء من الكحالين الفضلاء أبو نصر بن الدحلي ومن الجرائحيين أبو الخير وأبو الحسن بن تفاح وجماعته ومن المجبرين المشار إليهم أبو الصلت وقال سليمان بن حسان إن الرازي كان في ابتداء نظره يضرب بالعود ثم إنه أكب على النظر في الطب والفلسفة فبرع فيهما براعة المتقدمين وقال القاضي صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم إن الرازي لم يوغل في العلم الإلهي ولافهم غرضه الأقصى فاضطرب لذلك رأيه وتقلد آراء سخيفة وانتحل مذاهب خبيثة وذم أقواماً لم يفهم عنهم ولا اهتدى لسبيلهم وقال محمد بن إسحاق النديم المعروف بأبي الفرج بن أبي يعقوب في كتاب الفهرست إن الرازي كان ينتقل في البلدان وبينه وبين منصور بن إسماعيل صداقة وألف له كتاب المنصوري قال وأخبرني محمد بن الحسن الوراق قال قال لي رجل من أهل الري شيخ كبير سألته عن الرازي فقال كان شيخاً كبير الرأس مسفطه وكان يجلس في مجلسه ودونه التلاميذ ودونهم تلاميذهم ودونهم تلاميذ أخر فكان يجيء الرجل فيصف ما يجد لأول من يلقاه فإن كان عندهم علم وإلا تعداهم إلى غيرهم فإن أصابوا وإلا تكلم الرازي في ذلك وكان كريماً متفضلاً باراً بالناس حسن الرأفة بالفقراء والأعلاء حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم ولم يكن يفارق المدارج والنسخ ما دخلت عليه قط إلا رأيته ينسخ إما يسود أو يبيض وكان في بصره رطوبة لكثرة أكله الباقلاء وعمي في آخر عمره وكان يقول إنه قرأ الفلسفة على البلخي قال محمد بن إسحاق النديم وكان البلخي من أهل بلخ يطوف البلاد ويجول الأرض حسن المعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة وقد يقال إن الرازي ادعى كتبه في ذلك ورأيت بخطه شيئاً كثيراً في علوم كثيرة مسودات ودساتير لم يخرج منها إلى الناس كتاب تام وقيل إن بخراسان كتبه موجودة قال كان في زمان الرازي رجل يعرف بشهيد بن الحسين ويكنى أبا الحسن يجري مجرى فلسفته في العلم ولكن لهذا الرجل كتب مصنفة وبينه وبين الرازي مناظرات ولكل واحد منهما نقوض على صاحبه أقول وكان الرازي ذكياً فطناً رؤوفاً بالمرضى مجتهداً في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه مواظباً للنظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها وكذلك في غيرها من العلوم بحيث أنه لم يكن له دأب ولا عناية في جل أوقاته إلا في الاجتهاد والتطلع فيما قد دونه الأفاضل من العلماء في كتبهم حتى وجدته يقول في بعض كتبه أنه كان لي صديق نبيل يسامرني على قراءة كتب بقراط وجالينوس وللرازي أخبار كثيرة وفوائد متفرقة فيما حصل له من التمهر في صناعة الطب وفيما تفرد به في مداواة المرضى وفي الاستدلال على أحوالهم من تقدمة المعرفة وفيما خبره من الصفات والأدوية التي لم يصل إلى علمها كثير من الأطباء وله في ذلك حكايات كثيرة وقعت له قد تضمنها كثير من كتبه وقد ذكر من ذلك جملاً في باب مفرد من كتابه الحاوي وفي كتابه في سر الطب ومما حكي عنه من بدائع وصفه وجودة استدلاله قال القاضي أبو علي المحسن بن علي بن أبي جهم التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة حدثني محمد بن علي بن الخلال البصري أبو الحسين أحد أمناء القضاة قال حدثني بعض أهل الطب الثقاة أن غلاماً من بغداد قدم الري وهو ينفث الدم وكان لحقه ذلك في طريقه فاستدعى أبا بكر الرازي الطبيب المشهور بالحذق صاحب الكتب المصنفة فأراه ما ينفث ووصف ما يجد فأخذ الرازي مجسته ورأى قارورته واستوصف حاله منذ بدأ ذلك به فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة ولم يعرف العلة فاستنظر الرجل ليتفكر في الأمر فقامت على العليل القيامة وقال هذا يأس لي من الحياة لحذق المتطبب وجهله بالعلة فازداد ما به وولد الفكر للرازي أن أعاد عليه فسأله عن المياه التي شربها في طريقه فأخبره أنه قد شرب من مستنقعات وصهاريج فقام في نفس أبي بكر محمد بن زكريا الرازي المتطبب الرأي بحدة الخاطر وجودة الذكاء أن علقة كانت في الماء فحصلت في معدته وأن ذلك النفث للدم من فعلها فقال له إذا كان في غد جئتك فعالجتك ولم أنصرف أو تبرأ ولكن بشرط تأمر غلمانك أن يطيعوني فيك بما آمرهم به فقال نعم وانصرف الرازي فتقدم فجمع له ملء مركنين كبيرين من طحلب أخضر فأحضرهما من غد معه وأراه إياهما وقال له ابلع جميع ما في هذين المركنين فبلع الرجل شيئاً يسيراً ثم وقف فقال ابلع فقال لا أستطيع فقال للغلمان خذوه فأنيموه على قفاه ففعلوا به ذلك وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه وأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبساً شديداً ويطالبه ببلعه شاء أم أبى ويتهدده بالضرب إلى أن بلّعه كارهاً أحد المركنين بأسره والرجل يستغيث فلا ينفعه مع الرازي شيء إلى أن قال الساعة اقذف فزاد الرازي فيما يكبسه في حلقه فذرعه القيء فقذف وتأمل الرازي قذفه فإذا فيه علقة وإذا هي لما وصل إليها الطحلب قرمت إليه بالطبع وتركت موضعها والتفت على الطحلب فلما قذف الرجل خرجت مع الطحلب ونهض الرجل قال القاضي التنوخي وحدثني أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد الرازي المعروف بابن حمدون قال حدثني أبو بكر أحمد بن علي الرازي الفقيه قال سمعت أبا بكر بن قارن الرازي الطبيب وكان محذقاً في الطب قال أبو بكر بن حمدون وقد رأيت هذا الرجل وكان يحسن علوماً كثيرة منها الحديث ويرويه ويكتبه الناس عنه ويوهونه ولم أسمع هذا منه قال القاضي التنوخي ولم يتفق لي مع كثرة ملاقاة أبي بكر الرازي أن أسمع هذا الخبر منه قال ابن قارن الرازي وكان تلميذاً لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب في الطب سمعت أبا بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب بعد رجوعه من عند أمير خراسان لما استدعاه فعالجه من علة صعبة قال اجتزت في طريقي بنيسابور بيقام وهي النصف من طريق نيسابور إلى الري فاستقبلني رئيسها فأنزلني داره وخدمني أتم خدمة وسألني أن أقف على ابن له به استسقاء فأدخلني إلى دار قد أفردها له فشاهدت العليل فلم أطمع في برئه فعللت القول بمشهد من العليل فلما انفردت أنا بأبيه سألني أن أصدقه فصدقته وآيسته من حياة ابنه وقلت له مكنه من شهواته فإنه لا يعيش وخرجت من خراسان وعدت منها بعد اثني عشر شهراً فاجتزت به فاستقبلني الرجل بعد عودتي فلما لقيته استحييت منه غاية الحياء ولم أشكك في وفاة ابنه وإني كنت نعيته إليه وخشيت من تثقله بي فأنزلني داره فلم أجد عنده ما يدل على ذلك وكرهت مسألته عن ابنه لئلا أجدد عليه حزناً فقال لي يوماً تعرف هذا الفتى وأومأ إلى شاب حسن الوجه والصحة كثير الدم والقوة قائم مع الغلمان يخدمنا فقلت لا فقال هذا ولدي الذي آيستني منه عند مضيك إلى خراسان فتحيرت وقلت عرفني سبب برئه فقال لي إنه بعد قيامك من عنده فطن أنك آيستني منه فقال لي لست أشك أن هذا الرجل وهو أوحد في الطب في عصره هذا قد آيسك مني والذي أسألك أن تمنع هؤلاء الغلمان يعني غلماني الذين كنت أخدمه إياهم فإنهم أترابي وإذا رأيتهم معافين وقد علمت أني ميت تجدد في قلبي حمى تعجل لي الموت فأرحني من هذا بأن لا أراهم وأفرد لخدمتي فلانة دايتي ففعلت ما سأل وكان يحمل إلى الداية في كل يوم ما تأكله وإليه ما يطلب على غير حمية فلما كان بعد أيام حمل إلى الداية مضيرة لتأكل فتركتها بحيث يقع عليها نظر ولدي ومضت في شغل لها فذكرت أنها لما عادت وجدت ابني قد أكل أكثر مما كان في الغضارة وبقي في الغضارة شيء يسير مغير اللون قالت العجوز فقلت له ما هذا فقال لا تقربي الغضارة وجذبها إليه وقال رأيت أفعى عظيماً وقد خرج من موضع ودب إليها فأكل منها ثم قذف فصار لونها كما ترين فقلت أنا ميت ولا أود أن يلحقني ألم شديد ومتى أظفر بمثل هذا وأكلت من الغضارة ما استطعت لأموت عاجلاً وأستريح فلما لم أستطع زيادة أكل رجعت إلى موضعي وجئت أنت قالت ورأيت المضيرة على يده وفمه فصحت فقال لا تعملي شيئاً أو تدفني الغضارة بما فيها لئلا يأكلها إنسان فيموت أو حيوان فيلسع إنساناً فيقتله ففعلت ما قال وخرجت إلي فلما عرفتني ذلك ذهب علي أمري ودخلت إلى ابني فوجدته نائماً فقلت لا توقظوه حتى ننظر ما يكون من أمره فانتبه آخر النهار وقد عرق عرقاً شديداً وهو يطلب المستحم فأنهض إليه فاندفع بطنه وقام من ليلته ومن غد أكثر من مائة مجلس فازداد يأسنا منه وقل الطعام بعد أن استمر أياماً وطلب فراريج فأكل ولم تزل قوته تثوب إليه وقد كان بطنه التصق بظهره وقوي طمعنا في عافيته فمنعناه من التخليط فتزايدت قوته إلى أن صار كما ترى فعجبت من ذلك وذكرت أن الأوائل قالت إن المستسقي إذا أكل من لحم حية عتيقة مزمنة لها مئون سنين برأ ولو قلت لك إن هذا علاجه لظننت أني أدافعك ومن أين نعلم كم سنوحيه إذا وجدناها فسكت عنك‏.‏

أقول وللرازي أمثال هذا من الحكايات أشياء كثيرة جداً مما جرى له وقد ذكرت من ذلك جملة وافرة في كتاب حكايات الأطباء في علاجات الأدواء وكان أكثر مقام الرازي ببلاد العجم وذلك لكونها موطنه وموطن أهله وأخيه وخدم بصناعة الطب الأكابر من ملوك العجم وصنف هنالك كتباً كثيرة في الطب وغيره وصنف كتابه المنصوري للمنصور بن إسماعيل بن خاقان صاحب خراسان وما وراء النهر وكذلك صنف كتابه الذي سماه الملوكي لعلي ابن صاحب طبرستان وكان الرازي أيضاً مشتغلاً بالعلوم الحكمية فائقاً فيها وله في ذلك تصانف كثيرة يستدل بها على جودة معرفته وارتفاع منزلته وكان في أول أمره قد عني بعلم السمياء والكمياء وما يتعلق بهذا الفن وله تصانيف أيضاً في ذلك ونقلت من خط بلمظفر بن معرف قال كان الرازي يقول أنا لا أسمي فيلسوفاً إلا من كان قد علم صنعة الكمياء لأنه قد استغنى عن التكسب من أوساخ الناس وتنزه عما في أيديهم ولم يحتج إليهم‏.‏

وحدثني بعض الأطباء أن الرازي كان قد باع لقوم من الروم سبائك ذهب وساروا بها إلى بلادهم ثم إنهم بعد ذلك بسنين عدة وجدوها وقد تغير لونها بعض التغير وتبين لهم زيفها فجاؤوا بها إليه وألزم بردها وقال غيره إن الوزير كان أضافه الرازي فأكل عنده أطعمة لذيذة لا يمكن أن يأكل بأطيب منها ثم إن الوزير تحيل بعد ذلك حتى اشترى إحدى الجواري التي تطبخ الأطعمة عند الرازي ظناً منه أن تطبخ مثل ذلك الطعام فلما صنعت له أطعمة لم يجدها كما وجدها عند الرازي فلما سألها عن ذلك ذكرت له أن الطبيخ واحد بل إننا كنا نجد القدور التي عند الرازي جميعاً ذهباً وفضة فسبق إلى وهمه حينئذ أن جودة الأطعمة إنما هي من ذلك وأن الرازي قد حصلت له معرفة الكيمياء فاستحضر الوزير الرازي وسأله أن يعرفه ما قد حصل له من معرفة الكيمياء فلما لم يذكر له الرازي شيئاً من ذلك وأنكر معرفته خنقه سراً بوتر وقيل إن الرازي كان في أول أمره صيرفياً ومما يحقق ذلك أنني وجدت نسخة من المنصوري قديمة قد سقط آخرها واحترق أكثرها من عتقها وهي مترجمة بذلك الخط على هذا المثال كناش المنصوري تأليف محمد بن زكريا الرازي الصيرفي وأخبرني من هي عنده أنها خط الرازي وكان الرازي معاصراً لإسحاق بن حنين ومن كان معه في ذلك الوقت وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه فقيل له لو قدحت فقال لا قد نظرت من الدنيا حتى مللت فلم يسمح بعينيه للقدح وقال أبو الخير الحسن بن سوار بن بابا وكان قريب العهد منه إن الرازي توفي في سنة نيف وتسعين ومائتين أو ثلثمائة وكسر قال والشك مني‏.‏

ونقلت من خط بلمظفر بن معرف أن الرازي توفي في سنة عشرين وثلثمائة وقال عبيد اللّه بن جبرئيل كان أبو بكر محمد بن زكريا الرازي له المنزلة الجليلة بالري وسائر بلاد الجبل قال وعاش إلى أن لحقه ابن العميد أستاذ الصاحب بن عباد وهو كان سبب إظهار كتابه المعروف بالحاوي لأنه كان حصل بالري بعد وفاته فطلبه من أخت أبي بكر وبذل لها دنانير كثيرة حتى أظهرت له مسودات الكتاب فجمع تلاميذه الأطباء الذين كانوا بالري حتى رتبوا الكتاب وخرج على ما هو عليه من الاضطراب‏.‏

ومن كلام أبي بكر محمد بن زكريا الرازي قال وقال الأطباء الأميون والمقلدون والأحداث الذين لا تجربة لهم ومن قلت عنايته وكثرت شهواته قتالون‏.‏

وقال ينبغي للطبيب أن لا يدع مساءلة المريض عن كل ما يمكن أن تتولد عنه علته من داخل ومن خارج ثم يقضي بالأقوى‏.‏

وقال ينبغي للمريض أن يقتصر على واحد ممن يوثق به من الأطباء فخطؤه في جنب صوابه يسير جداً‏.‏

وقال من تطبب عند كثيرين من الأطباء يوشك أن يقع في خطأ كل واحد منهم‏.‏

وقال متى كان اقتصار الطبيب على التجارب دون القياس وقراءة الكتب خذل‏.‏

وقال لا ينبغي أن يوثق بالحسن العناية في الطب حتى يبلغ الأشد ويجرب‏.‏

وقال ينبغي أن تكون حالة الطبيب معتدلة لا مقبلاً على الدنيا كلية ولا معرضاً عن الآخرة كلية فيكون بين الرغبة والرهبة‏.‏

وقال بانتقال الكواكب الثابتة في الطول والعرض تنتقل الأخلاق والمزاجات وقال باختلاف عروض البلدان تختلف المزاجات والأخلاق والعادات وطباع الأدوية والأغذية حتى يكون ما في الدرجة الثانية من الأدوية في الرابعة وما في الرابعة في الثانية وقال ما اجتمع الأطباء عليه وشهد عليه القياس وعضدته التجربة فليكن أمامك وبالضد ومن شعر أبي بكر محمد بن زكريا الرازي قال لعمري ما أدري وقد آذن البلى بأجل ترحال إلى أين ترحالي وأين محل الروح بعد خروجه من الهيكل المنحل والجسد البالي ولأبي بكر محمد بن زكريا الرازي من الكتب كتاب الحاوي وهو أجل كتبه وأعظمها في صناعة الطب وذلك أنه جمع فيه كل ما وجده متفرقاً في ذكر الأمراض ومداواتها من سائر الكتب الطبية للمتقدمين ومن أتى بعدهم إلى زمانه ونسب كل شيء نقله فيه إلى قائله هذا مع أن الرازي توفي ولم يفسح له في الأجل أن يحرر هذا الكتاب كتاب البرهان مقالتان الأولى سبعة عشر فصلاً والثانية اثنا عشر فصلاً كتاب الطب الروحاني ويعرف أيضاً بطب النفوس غرضه فيه إصلاح أخلاق النفس وهو عشرون فصلاً كتاب في أن للإنسان خالقاً متقناً حكيماً وفيه دلائل من التشريح ومنافع الأعضاء تدل على أن خلْق الإنسان لا يمكن أن يقع بالاتفاق كتاب سمع الكيان عرضه فيه أن يكون مدخلاً إلى العلم الطبيعي ومسهلاً للمتعلم لحوق المعاني المتفرقة في الكتب الطبيعية كتاب إيساغوجي وهو المدخل إلى المنطق جمل معاني قاطيغورياس جمل معاني باريمينياس جمل معاني أنالوطيقا الأولى إلى تمام القياسات الحملية كتاب هيئة العالم غرضه أن يبين أن الأرض كروية وأنها في وسط الفلك وهو ذو قطبين يدور عليهما وإن الشمس أعظم من الأرض والقمر أصغر منها وما يتبع ذلك من هذا المعنى كتاب فيمن استعمل تفضيل الهندسة من الموسومين بالهندسة ويوضح فيه مقدارها ومنفعتها ويرد على من رفعها فوق قدرها مقالة في السبب في قتل ريح السموم لأكثر الحيوان كتاب فيما جرى بينه وبين سيسن المناني يريه خطأ موضوعاته وفساد ناموسه في سبع مباحث كتاب في اللذة غرضه فيه أن يبين أنها داخلة تحت الراحة مقالة في العلة التي لها صار الخريف ممرضاً والربيع بالضد على أن الشمس في هذين الزمانين في مدار واحد صنفها لبعض الكتاب كتاب في الفرق بين الرؤيا المنذرة وبين سائر ضروب الرؤيا كتاب الشكوك والمناقضات التي في كتب جالينوس كتاب في كيفية الإبصار يبين فيه أن الإبصار ليس يكون بشعاع يخرج من العين وينقض فيه أشكالاً من كتاب إقليدس في المناظر كتاب في الرد على الناشئ في مسائله العشر التي رام بها نقض الطب كتاب في علل المفاصل والنقرس وعرق النسا وهو اثنان وعشرون فصلاً كتاب آخر صغير في وجع المفاصل‏.‏

الاثنا عشر كتاباً في الصنعة الأول كتاب المدخل التعليمي الثاني كتاب المدخل البرهاني الثالث كتاب الإثبات الرابع كتاب التدبير الخامس كتاب الحجر السادس كتاب الإكسير عشرة أبواب السابع كتاب شرف الصناعة وفضلها الثامن كتاب الترتيب التاسع كتاب التدابير العاشر كتاب الشواهد ونكت الرموز الحادي عشر كتاب المحبة الثاني عشر كتاب الحيل كتاب الأحجار يبين فيه الإيضاح عن الشيء الذي يكون في هذا العمل كتاب الأسرار كتاب سر الأسرار كتاب التبويب كتاب رسالة الخاصة كتاب الحجر الأصفر كتاب رسائل الملوك كتاب الرد على الكندي في إدخاله صناعة الكيمياء في الممتنع كتاب في أن الحمية المفرطة والمبادرة إلى الأدوية والتقليل من الأغذية لا يحفظ الصحة بل يجلب الأمراض مقالة من أن جهال الأطباء يشددون على المرضى في منعهم من شهواتهم وإن لم يكن الإنسان كثير مرض جهلاً وجزافاً كتاب سيرة الحكماء مقالة في أن الطين المتنقل به فيه منافع ألفها لأبي حازم القاضي مقالة في الجدري والحصبة أربعة عشر باباً مقالة في الحصى في الكلى والمثانة كتاب إلى من لا يحضره طبيب وغرضه إيضاح الأمراض وتوسع في القول ويذكر فيه علة علة وأنه يمكن أن يعالج بالأدوية الموجودة ويعرف أيضاً بكتاب طب الفقراء كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان يذكر فيه أدوية لا يحتاج الطبيب الحاذق معها إلى غيرها إذا ضم إليها ما يوجد في المطابخ والبيوت كتاب في الرد على الجاحظ في نقض صناعة الطب كتاب في تناقض قول الجاحظ في كتابه في فضيلة الكلام وما غلط فيه على الفلاسفة كتاب التقسيم والتشجير يذكر فيه تقاسيم الأمراض وأسبابها وعلاجها بالشرح والبيان وعلى سبيل تقسيم وتشجير كتاب الطب الملوكي في العلل وعلاج الأمراض كلها بالأغذية ودس الأدوية في الأغذية حيث لا بد منها وما لا يكرهه العليل كتاب في الفالج كتاب في اللقوة كتاب في هيئة العين كتاب في هيئة الكبد كتاب في هيئة الأنثيين كتاب في هيئة القلب كتاب في هيئة الصماخ كتاب في هيئة المفاصل أقراباذين كتاب في الانتقاد والتحرير على المعتزلة كتاب في الخيار المر كتاب في كيفية الاغتذاء وهو جوامع ذكر الأدوية المعدنية كتاب في أثقال الأودية المركبة كتاب في خواص الأشياء كتاب كبير في الهيولى كتاب في سببب وقوف الأرض وسط الفلك على استدارة كتاب في نقض الطب الروحاني على ابن اليمان كتاب في أن العالم لا يمكن أن يكون إلا على ما نشاهده كتاب في الحركة وأنها ليست مرئية بل معلومة مقالة في أن للجسم تحريكاً من ذاته وأن الحركة مبدأ طبيعي قصيدة في المنطقيات قصيدة في العلم الإلهي قصيدة في العظة اليونانية كتاب الكرى ومقادير مختصرة‏.‏

كتاب في إيضاح العلة التي بها تدفع الهوام بالتغذي ومرة بالتدبير كتاب في الجبر وكيف يسكن ألمه وما علاقة الحر فيه والبرد مقالة في الأسباب المميلة لقلوب أكثر الناس عن أفاضل الأطباء إلى أخسائهم مقالة فيما ينبغي أن يقدم من الأغذية والفواكه وما يؤخر منها مقالة في الرد على أحمد بن الطيب السرخسي فيما رد به على جالينوس في أمر الطعم المر كتاب في الرد على المسمعي المتكلم في رده على أصحاب الهيولى كتاب في المدة وهي الزمان وفي الخلاء والملأ وهما المكان مقالة أبان فيها خطأ جرير الطبيب في إنكاره مشورته على الأمير أحمد بن إسماعيل في تناول التوت الشامي على أثر البطيخ في حاله وإيضاح عذره فيها كتاب في نقض كتاب أنابو إلى فرفوريوس في شرح مذاهب أرسطوطاليس في العلم الإلهي كتاب في العلم الإلهي كتاب في الهيولى المطلقة والجزئية كتاب إلى أبي القاسم البلخي والزيادة على جوابه وجواب هذا الجواب كتاب في العلم الإلهي على رأي أفلاطون كتاب في الرد على أبي القاسم البلخي فيما ناقض به في المقالة الثانية من كتابه في العلم الإلهي كتاب في محنة الذهب والفضة والميزان الطبيعي كتاب في الثبوت في الحكمة كتاب في عذر من اشتغل بالشطرنج كتاب في حكمة النرد كتاب في حيل النمس كتاب في أن للعالم خالقاً حكيماً كتاب في الباه يبين فيه الأمزاج ومنافع الباه ومضاره كتاب الزيادة التي زادها في الباه كتاب المنصوري ألفه للأمير منصور بن إسحاق بن إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان وتحرى فيه الاختصار والإيجاز مع جمعه لجمل وجوامع ونكت وعيون من صناعة الطب علمها وعملها وهو عشر مقالات المقالة الأولى في المدخل إلى الطب وفي شكل الأعضاء وخلقها المقالة الثانية في تعرّف مزاج الأبدان وهيئتها والأخلاط الغالبة عليها واستدلالات وجيزة جامعة من الفراسة المقالة الثالثة في قوى الأغذية والأدوية المقالة الرابعة في حفظ الصحة المقالة الخامسة في الزينة المقالة السادسة في تدبير المسافرين المقالة السابعة جمل وجوامع في صناعة الجبر والجراحات والقروح المقالة الثامنة في السموم والهوام المقالة التاسعة في الأمراض الحادثة من القرن إلى القدم المقالة العاشرة في الحميات وما يتبع ذلك مما يحتاج إلى معرفته في تحديد علاجها مقالة أضافها إلى كتاب المنصوري وهي في الأمور الطبيعية كتاب الجامع ويسمى حاصر صناعة الطب وغرضه في هذا الكتاب جمع ما وقع إليه وأدركه من كتاب طب قديم أو محدث إلى موضع واحد في كل باب وهو ينقسم اثني عشر قسماً القسم الأول في حفظ الصحة وعلاج الأمراض والوثي والجبر والعلاجات القسم الثاني في قوى الأغذية والأدوية وما يحتاج إليه من التدبير في الطب القسم الثالث في الأدوية المركبة فيه ذكر ما يحتاج إليه منها على سبيل الأقراباذين القسم الرابع فيما يحتاج إليه من الطب في سحق الأدوية وإحراقها وتصعيداتها وغسلها واستخراج قواها وحفظها ومقدار بقاء كل دواء منها وما أشبه ذلك القسم الخامس في صيدلية الطب فيه صفة الأدوية وألوانها وطعومها وروائحها ومعادنها وجيدها ورديها ونحو ذلك من علل الصيدلة القسم السادس في الأبدال يذكر فيه ما ينوب عن كل دواء أو غذاء إذا لم يوجد القسم السابع في تفسير الأسماء والأوزان والمكاييل التي للعقاقير وتسمية الأعضاء والأدواء باليونانية والسريانية والفارسية والهندية والعربية على سبيل الكتب المسماة بشقشماهي القسم الثامن في التشريح ومنافع الأعضاء القسم التاسع في الأسباب الطبيعية من صناعة الطب غرضه فيه أن يبين أسباب العلل بالأمر الطبيعي القسم العاشر في المدخل إلى صناعة الطب وهو مقالتان الأولى منهما في الأشياء الطبيعية والثانية في أوائل الطب القسم الحادي عشر جمل علاجات وصفات وغير ذلك القسم الثاني عشر فيما استدركه من كتب جالينوس ولم يذكرها حنين ولا هي في فهرست جالينوس‏.‏

أقول هذا التقسيم المذكور ها هنا ليس هو لكتابه المعروف بالحاوي ولا هو تقسيم مرضي ويمكن أن هذه كانت مسودات كتاب وجدت للرازي بعد موته وهي مجموعة على هذا الترتيب فحسبت أنها كتاب واحد وإلى غايتي هذه ما رأيت نسخة لهذا الكتاب ولا وجدت من أخبر أنه رآه كتاب الفاخر في الطب أقول وإنما أثبت هذا الكتاب في جملة كتبه لكونه قد نسب إليه واشتهر أنه له وبالجملة فإنه كتاب جيد قد استوعب فيه مؤلفه ذكر الأمراض ومداواتها واختيار معالجتها على أتم ما يكون وأفضله وجمهور ما فيه منقول من كتاب التقسيم والتشجير للرازي ومن كناش ابن مرابيون وكل ما فيه من كلام الرازي فأوله قال محمد ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية على هذا الكتاب وأنه للرازي قال الذي كثيراً ما يذكره الرازي في كتاب الفاخر قال محمد هو المعروف بالحسن طبيب المقتدر كان طبيباً ببغداد ماهراً في علم الطب وكان بيته بيت الطب وكان له ثلاثة إخوة أحدهم كحال حاذق يعرف بسليمان وآخر طبيب ليس في رتبته يعرف بهرون والثالث صيدلاني كبير الصيت ببغداد في الحرفة له كناش عجيب في تجاريبه لكنه قليل الوجود إلا ببغداد المحروسة كتاب في العلة التي صار لها متى انقطع من البدن شيء حتى يتبرأ منه أنه لا يلتصق به وإن كان صغيراً ويلصق به من الجراحات العظيمة القدر غير المتبرئة مما هو أعظم من ذلك كثيراً رسالة في الماء المبرد على الثلج والمبرد من غير أن يطرح فيه الثلج والذي يغلى ثم يبرد في الجليد والثلج كتاب في العلة التي لها صار السمك الطري معطشاً رسالة في أنه لا يوجد شراب غير مسكر يفي بجميع أفعال الشراب المسكر المحمود في البدن كتاب في علامات إقبال الدولة كتاب في فضل العين على سائر الحواس رسالة في أن غروب الشمس وسائر الكواكب عنا وطلوعها علينا ليس من أجل حركة الأرض بل من حركة الفلك كتاب في المنطق يذكر فيه جميع ما يحتاج إليه منه بألفاظ متكلمي الإسلام كتاب في فسخ ظن من يتوهم أن الكواكب ليست في نهاية الاستدارة وغير ذلك كتاب في أنه لا يتصور أن لا دربة له بالبرهان أن الأرض كروية وأن الناس حولها رسالة يبحث فيها عن الأرض الطبيعية طين هي أم حجر داخل سمع الكيان كتاب يوضح فيه أن التركيب نوعان وغير ذلك مقالة في العادة وأنها تكون طبيعية مقالة في المنفعة في أطراف الأجفان دائماً مقالة في العلة التي من أجلها تضيق النواظر في النور وتتسع في الظلمة مقالة في العلة التي لها تزعم الجهال أن الثلج يعطش مقالة في العلة التي لها يحرق الثلج ويقرح كتاب أطعمة المرضى مقالة فيما استدركه من الفصل في الكلام في القائلين بحدوث الأجسام وعلى القائلين بقدمها كتاب في أن العلل اليسيرة بعضها أعسر تعرفاً وعلاجاً وغير ذلك كتاب العلة التي لها تذم العوام الأطباء الحذاق رسالة في العلل المشكلة وعذر الطبيب وغير ذلك رسالة في العلل القاتلة لعظمها والقاتلة لظهورها بغتة مما لا يقدر الطبيب على صلاحها وعذره في ذلك كتاب في أن الطبيب الحاذق ليس هو من قدر على إبراء جميع العلل فإن ذلك ليس في الوسع ولا في صناعة أبقراط وأنه قد يستحق أن يشكر الطبيب ويمدح وأن تعظم صناعة الطب وتشرف وإن هو لم يقدر على ذلك بعد أن يكون متقدماً لأهل بلده وعصره رسالة في أن الصانع المتعرف بصناعته معدوم في جل الصناعات لا في الطب خاصة والعلة التي من أجلها صار ينجح جهال الأطباء والعوام والنساء في المدن في علاج بعض الأمراض أكثر من العلماء وعذر الطبيب في ذلك كتاب الممتحن في الطب على سبيل كناش كتاب في أن النفس ليست بجسم كتاب في الكواكب السبعة في الحكمة رسالة إلى الحسن بن إسحاق بن محارس القمي كتاب في النفس المغترة كتاب في النفس الكبيرة مقالة في العلة التي من أجلها يعرض الزكام لأبي زيد البلخي في فصل الربيع عند شمه الورد رسالة في محنة الطبيب وكيف ينبغي أن يكون حاله في نفسه وبدنه وسيرته وأدبه رسالة في مقدار ما يمكن أن يستدرك من أحكام النجوم على رأي الفلاسفة الطبعيين ومن لم يقل منهم أن الكواكب أحياء وما يمكن أن يستدرك على رأي من قال إنها أحياء كتاب في العلة التي لها صار يحدث النوم في رؤوس بعض الناس شبيهاً بالزكام كتاب في الشكوك التي على برقلس كتاب في تفسير كتاب أفلوطرخس لكتاب طيماوس رسالة في علة خلق السباع والهوام كتاب في إتمام ما ناقض به القائلين بالهيولى كتاب في أن المناقضة التي بين أهل الدهر وأهل التوحيد في سبب أحداث العالم‏.‏

إنما جاز من نقصان السمة في أسباب الفعل بعضه على التمادية وبعضه على القائلين بقدم العالم كتاب في نقضه على علي بن شهيد البلخي فيما ناقضه به في أمر اللذة كتاب في الرياضة كتاب في النقض على الكيال في الإمامة نقض كتاب التدبير اختصار كتاب حيلة البرء لجالينوس اختصار كتاب النبض الكبير لجالينوس تلخيص كتاب العلل والأعراض لجالينوس تلخيص كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس كتاب الانتقاد على أهل الاعتزال كتاب في نقض كتاب البلخي لكتاب العلم الإلهي والرد عليه كتاب في أنه يجوز أن يكون سكون واجتماع ولا يجوز أن يكون حركة واجتماع لم يزل رسالة في أن قطر المربع لا يشارك الضلع من غير هندسة كتاب في الإشفاق على أهل التحصيل من المتكلمين بالفلسفة وغرضه يبين مذهب الفلاسفة في العلم الإلهي لمعنى القارئ بذلك عن المتحرك إليه كتاب في السيرة الفاضلة وسيرة أهل المدينة الفاضلة كتاب في وجوب الدعاء والدعاوى كتاب الحاصل وغرضه فيه ما يحمل من العلم الإلهي من طريق الأخذ بالحرص وطريق البرهان رسالة لطيفة في العلم الإلهي كتاب منافع الأغذية ودفع مضارها وهو مقالتان يذكر في الأولى منهما ما يدفع به ضرر الأطعمة في كل وقت ومزاج وحال وفي الثانية قولان استعمال الأغذية ودفع التخم ومضارها ألفه للأمير أبي العباس أحمد بن علي كتاب إلى علي بن شهيد البلخي في تثبيت المعاد غرضه فيه النقد على من أبطل المعاد ويثبت أن معاداً كتاب علة جذب حجر المغنطيس للحديد وفيه كلام كثير في الخلاء كتاب كبير في النفس كتاب صغير في النفس كتاب ميزان العقل كتاب في الشراب المسكر وهو مقالتان مقالة في السكنجبين ومنافعه ومضاره كتاب في القولنج مقالة في القولنج الحار وهو المعروف بكتاب القولنج الصغير كتاب في تفسير كتاب جالينوس لفصول أبقراط كتاب في الابنة وعلاجها وتبيينها كتاب في نقض كتاب الوجود لمنصور بن طلحة كتاب فيما يرومه من إظهار ما يدعي من عيوب الأولياء أقول وهذا الكتاب إن كان قد ألف واللّه أعلم فربما أن بعض الأشرار المعادين للرازي قد ألفه ونسبه إليه ليسيء من يرى ذلك الكتاب أو يسمع به الظن بالرازي وإلا فالرازي أجل من أن يحاول هذا الأمر وأن يصنف في هذا المعنى وحتى إن بعض من يذم الرازي بل يكفره كعلي بن رضوان المصري وغيره يسمون ذلك الكتاب كتاب الرازي في مخاريق الأنبياء‏.‏

كتاب في آثار الإمام الفاضل المعصوم كتاب في استفراغ المحمومين قبل النضج كتاب الإمام والمأموم المحقين كتاب خواص التلاميذ كتاب شروط النظر كتاب الآراء الطبيعية كتاب خطأ غرض الطبيب أشعار في العلم الإلهي صفة مداد معجون لا نظير له نقل كتاب الآس لجابر إلى الشعر رسالة في التركيب رسالة في كيفية النحو رسالة في العطش وازدياد الحرارة لذلك كتاب في جمل الموسيقى كتاب في الأوهام والحركات النفسانية كتاب في العمل بالحديد والجبر كتاب فيما يعتقده رأياً كتاب في ما أغفلته الفلاسفة كتاب السر في الحكمة كتاب منافع الأعضاء كتاب الكافي في الطب كتاب في المتنقل كتاب الأقراباذين المختصر كتاب في البرء يوضح فيه أن التركيب نوعان إما تركيب أجسام مختلفة وإما تركيب الأجسام المتشابهة الأجزاء وأنه ليس واحد على الحقيقة الأخرى كتاب إلى أبي القاسم بن دلف في الحكمة كتاب إلى علي بن وهبان فيه باب واحد في الشمس كتاب إلى ابن أبي الساج في الحكمة كتاب إلى الداعي الأطروش في الحكمة كتاب سر الأسرار في الحكمة كتاب سر الطبيب كتاب في شرف الفصد عند الاستفراغات الامتلائية رداءة وكمية وفضله على سائر الاستفراغات والإبانة على أن الفصد لا يمنعه عند الاحتياج إليه شيء البتة ألفه للأمير أبي علي أحمد بن إسماعيل بن أحمد كتاب المرشد ويسمى كتاب الفصول رسالة في أن العلل المستكملة التي لا يقدر الأعلاء أن يعبروا عنها ويحتاج الطبيب إلى لزوم العليل وإلى استعمال بعض التجربة لاستخراجها والوقوف عليها وتحير الطبيب كتاب مختصر في اللبن كلام جرى بينه وبين المسعودي في حدوث العالم كتاب المدخل إلى الطب مقالة في المذاقات مقالة في البهق والبرص كتاب زينة الكتاب كتاب برء ساعة ألفه للوزير أبي القاسم بن عبد اللّه مقالة في البواسير والشقاق في المقعدة كلام في الفروق بين الأمراض مقالة في الحرقة الكائنة في الإحليل والمثانة كتاب طب الفقراء رسالة إلى الوزير أبي الحسن علي بن عيسى بن داؤد بن الجراح القنائي في الأعلال الحادثة على ظاهر الجسد رسالة إلى تلميذه يوسف بن يعقوب في أدوية العين وعلاجها ومداواتها وتركيب الأدوية لما يحتاج إليه من ذلك كتاب صيدلة الطب كتاب في جواهر الأجسام كتاب في سيرته مقالة في الزكام والنزلة وامتلاء الرأس ومنع النزلة إلى الصدر والريح التي تسد المنخرين ومنع التنفس مقالة في إبدال الأدوية المستعملة في الطب والعلاج وقوانينها وجهة استعمالها كتاب صفة البيمارستان مقالة في الأغذية مختصر مقالة فيما سئل عنه في أنه لم صار من قل جماعه من الإنسان طال عمره ألفها للأمير أبي العباس أحمد بن علي مقالة في العلة التي لها إذا أكلت الحيوانات سخنت أبدانها ما خلا الإنسان فإنه يجد عند أكله فتوراً مقالة في الكيفيات رسالة في الحمام ومنافعه ومضاره كتاب في الدواء المسهل والمقيء مقالة في علاج العين بالحديد

 

أبو الحسن أحمد بن محمد الطبري

من أهل طبرستان فاضل عالم بصناعة الطب وكان طبيب الأمير ركن الدولة ولأحمد بن محمد الطبري من الكتب الكناش المعروف بالمعالجات البقراطية وهو من أجل الكتب وأنفعها وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أتم ما يكون وهو يحتوي على مقالات كثيرة‏.‏

أبو سليمان السجستاني

هو أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي كان فاضلاً في العلوم الحكمية متقناً لها مطلعاً على دقائقها واجتمع بيحيى بن عدي ببغداد وأخذ عنه وكان لأبي سليمان لا تحسدن على تظاهر نعمة شخصاً تبيت له المنون بمرصد أو ليس بعد بلوغه آماله يفضي إلى عدم كأن لم يوجد لو كنت أحسد ما تجاوز خاطري حسد النجوم على بقاء مرصد وقال أيضاً الجوع يدفع بالرغيف اليابس فعلام أكثر حسرتي ووساوسي والموت أنصف حين ساوى حكمه بين الخليفة والفقير البائس وقال أيضاً لذة العيش في بهيمية اللذة لا ما يقوله الفلسفيّ حكم كأس المنون أن يتساوى في حساها الغبي والألمعيّ ويحل البليد تحت ثرى الأر - - ض كما حل تحتها اللوذعيّ أصبحا رمة تزايل عنها فصلها الجوهري والعرضيّ وتلاشى كيانها الحيواني وأودى تمييزها المنطقيّ فاسأل الأرض عنهما إن أزال الشك والمرية الجواب الخفيّ ولأبي سليمان السجستاني من الكتب مقالة في مراتب قوى الإنسان وكيفية الإنذارات التي تنذر بها النفس فيما يحدث في عالم الكون كلام في المنطق مسائل عدة سئل عنها وجواباته لها تعاليق حكمية وملح ونوادر مقالة في أن الأجرام العلوية طبيعتها طبيعة خامسة وأنها ذات أنفس وإن النفس التي لها هي النفس الناطقة‏.‏

أبو الخير الحسن بن سوار

ابن بابا بن بهنام المعروف بابن الخمار لفظة فارسية مركبة من كلمتين وهي به خير ونام اسم أي اسم الخير وكان أبو الخير الحسن نصرانياً عالماً بأصول صناعة الطب وفروعها خبيراً بغوامضها كثير الدراية لها ماهراً في العلوم الحكمية وله مصنفات جليلة في صناعة الطب وغيرها وكان خبيراً بالنقل وقد نقل كتباً كثيرة من السرياني إلى العربي ووجدت بخطه شيئاً من ذلك وقد أجاد فيها وقرأ الحكمة على يحيى بن عدي وكان في نهاية الذكاء والفطنة ومولده في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة وقال أبو الخطاب محمد بن أبي طالب في كتاب الشامل في الطب إن أبا الخير الحسن بن سوار كان موجوداً في سنة ثلاثين وثلثمائة وقد ذكر أبو الحسن علي بن رضوان عنه في كتاب حل شكوك الرازي على جالينوس ما هذا نصه قال كما فعل في عصرنا هذا الحسن بن بابا المعروف بابن الخمار فإنه وصل بالطب إلى أن قيل له محمود الملك للأرض وكان الملك محمود عظيماً جداً وذلك أن هذا الرجل كان فيلسوفاً حسن التعقل حسن المعرفة وقال عنه أنه كان حسن السياسة لفقهاء الناس ورؤساء العوام والعظماء والملوك وذلك أنه كان إذا دعاه من أظهر العبادة والزهد مشى إليه راجلاً وقال له جعلت هذا المشي كفارة لمروري إلى أهل الفسق والجبابرة فإذا دعاه السلطان ركب إليه في زي الملوك والعظماء حتى أنه ربما حجبه في هذه الحال ثلثمائة غلام تركي بالخيول الجياد والهيئة البهية ووفى صناعته حقها بالتواضع للضعفاء وبالتعاظم على العظماء وهكذا كان طريق بقراط وجالينوس وغيرهما من الحكماء فمنهم من تواضع ولزم الزهد والتصاون ومنهم من أظهر من حكمته ما ظهرت به محاسن الحكمة‏.‏

قال أبو الفرج بن هندو في كتاب مفتاح الطب إنه رأى في بلاد العجم جماعة كانوا ينفون من صناعة الطب قال وقد كان زعيم الفرقة النافية للطب يعادي أستاذي أبا الخير بن الخمار الفيلسوف ويغري العامة بإيذائه فاشتكى الزعيم رأسه واستفتى أبا الخير في دوائه فقال ينبغي أن يضع تحت رأسه كتابه الفلاني الذي نفى فيه فعل الطب ليشفيه اللّه ولم يداوه ولأبي الخير بن سوار بن بابا من الكتب مقالة في الهيولى كتاب الوفاق بين رأي الفلاسفة والنصارى ثلاث مقالات كتاب تفسير إيساغوجي مشروع كتاب تفسير إيساغوجي مختصر مقالة في الصديق والصداقة مقالة في سيرة الفيلسوف مقالة في الآثار المخيلة في الجو الحادثة عن البخار المائي وهي الهالة والقوس والضباب على طريق المسألة والجواب مقالة في السعادة مقالة في الإفصاح عن رأي القدماء في الباري تعالى وفي الشرائع ومورديها مقالة في امتحان الأطباء صنفها للأمير خوارزمشاه أبي العباس مأمون بن مأمون كتاب في خلق الإنسان وتركيب أعضائه أربع مقالات كتاب تدبير المشايخ وقد ذكر في أوله أن حنين بن إسحاق كان قد ألف ذلك بالسرياني وجمع من كلام جالينوس وروفس في تدبير المشايخ ما الحاجة داعية إلى معرفته مع زيادات ذكر أنه زادها من عنده وصير ذلك على طريق المسألة والجواب وأن أبا الخير بسط القول وأوضحه من غير مسألة وجواب وجعله ستة وعشرين باباً كتاب تصفح ما جرى بين أبي زكريا يحيى بن عدي وبين أبي إسحاق إبراهيم بن بكوس في سورة النار وتبين فساد ما ذهب إليه أبو سليمان محمد بن طاهر في صور الأسطقسات مقالة في المرض المعروف بالكاهني وهو الصرع تقاسيم إيساغوجي وقاطيغورياس لالينوس الإسكندراني مما نقله من السرياني إلى العربي الحسن بن سوار بن بابا وشرحه على طريق الحواشي نقلت ذلك من الدستور من خط الحسن بن سوار‏.‏

هو الأستاذ السيد الفاضل أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية والأمور الطبية والفنون الأدبية له الألفاظ الرائقة والأشعار الفائقة والتصانيف المشهورة والفضائل المذكورة وكان أيضاً كاتباً مجيداً وخدم بالكتابة وتصرف وكان اشتغاله بصناعة الطب والعلوم الحكمية على الشيخ أبي الخير الحسن بن سوار بن بابا المعروف بابن الخمار وتتلمذ له وكان من أجل تلاميذه وأفضل المشتغلين عليه قال أبو منصور الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر في وصف أبي المفرج بن هندو قال هو مع ضربه في الأداب والعلوم بالسهام الفائزة وملكه رقَّ البلاغة والبراعة فرد الدهر في الشعر وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد ونظم الفرائد في القلائد مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة وتذكير الذين يسمعون ويرون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون قال أبو منصور الثعالبي وكان قد اتفق لي معنى بديع لم أقدّر أني سبقت إليه وهو قولي آخر هذه الأبيات قلبي وجداً مشتعل على الهموم مشتمل وقد كستني في الهوى ملابس الصب الغزل إنسانة فتانة بدر الدجى منها خجل إذا زنت عيني بها فبالدموع تغتسل يقولون لي ما بال عينك مذ رأت محاسن هذا الظبي أدمُعها هطل فقلت زنت عيني بطلعة وجهه فكان لها من صوب أدمعها غسل فعرفت أن السبق له ومن شعر أبي الفرج بن هندو قال قوض خيامك من أرض تضام بها وجانب الذل إن الذل يجتنب وارحل إذا كانت الأوطان منقصة فمندل الهند في أوطانه حطب وقال أيضاً أطال بين البلاد بحوالي قصور مالي وطول آمالي إن رحت عن بلدة غدوت إلى أخرى فما تستقر أحمالي كأنني فكرة الموسوس لا تبقى مدى لحظة على حال وقال في الحث على الحركة والسعي خليلي ليس الرأي ما تريان فشأنكما أني ذهبت لشاني خليلي لولا أن في السعي رفعة لما كان يوماً يدأب القمران ولكن دمعي أن كتبت مشوش كتابي وما نفع الكتاب المشوش وقال أيضاً في النهي عن اتخاذ العيال والأمر بالوحدة ما للمعيل وللمعالي إنما يسمو إليهن الوحيد الفارد فالشمس تجتاب السماء فريدة وأبو بنات النعش فيها راكد وقال في الصبر تصبر إذا الهم أسرى إليك فلا الهم يبقى ولا صاحبه وقال أيضاً قالوا اشتغل عنهم يوماً بغيرهم وخادع النفس إن النفس تنخدع قد صيغ قلبي على مقدار حبهم فما لحب سواهم فيه متسع قال أيضاً عارض ورد الغصون وجنته فاتفقا في الجمال واختلفا يزداد بالقطف ورد وجنته وينقص الورد كلما قطفا وقال أيضاً قولا لهذا القمر البادي مالك إصلاحي وإفسادي وقال أيضاً تمنيت من أهوى فلما لقيته بهت فلم أملك لساناً ولا طرفا وأطرقت إجلالاً ومهابة وحاولت أن يخفى الذي بي فلم يخفا وقد كان في قلبي دفاتر عتبه فلما التقينا ما فهمت ولا حرفا وقال أيضاً عابوه لما التحى فقلنا عبتم وغبتم عن الجمال هذا غزال ولا عجب تولد المسك في الغزال وقال أيضاً في العذار أوحى لعارضه العذار فما أبقى على ورعي ولا نُسكي فكأن نملأ قد دببن به غمست أكارعهن في مسك وقال أيضاً قالوا صحا قلب المحب وما صحا ومحا العذار سنا الحبيب وما محا ما ضره شعر العذار وإنما وافى يسلسل حسنه أن يبرحا خط يكنيه حوالي خده قلم الإله بنقش مسك أذفر وقال أيضاً يا من حياه كاسمه حسن إن نمت عني فليس لي وسن قد كنت قبل العذار في محن حتى تبدى فزادت المحن يا شعرات جميعها فتن يتيه في كنه وصفها الفطن ما عيروا من عذاره سفهاً قد كان غصناً فأورق الغصن وقال في ذم العذار كفى فؤادي عذاره حرقه فكف عيناً بدمعها غرقه ما خط حرف من العذار به إلا محا من جماله ورقه وقال في الشراب أرى الخمر ناراً والنفوس جواهراً فإن شربت أبدت طباع الجواهر فلا تفضحن النفس يوماً بشربها إذا لم تثق منها بحسن السرائر وقال أيضاً أوصى الفقيه العسكري بأن أكف عن الشراب وقال لبعض الرؤساء وقد انصبت الخمر على كمه في مجلس الشراب انصبت الخمر على كمه تلثم منه كمه خدمه لو لم ترد خدمته بالتي قد فعلت ما خصصت كمه وقال وكتبها على عود رأيت العود مشتقاً من العود بإتقان فهذا طيب آناف وهذا طيب آذان وقال أيضاً ودوحة أنس أصبحت ثمراتها أغاريد تجنيها ندامى وجلاس تغنى عليها الطير وهي رطيبة فلما عست غنى على عودها الناس وقال في الآذريون رب روض خلت آذر يونه لما توقد ذهباً أشعل مسكاً في كوانين زبرجد وقال في عز الكمال فإذا رأيت الفضل فاز به الفتى فاعلم بأن هناك نقصاً خافيا وقال في الشكوى ضعت بأرض الري في أهلها ضياع حرف الراء في اللثغه صرت بها بعد بلوغ المنى يعجبني أن أبلغ البلغه وقال أيضاً لنا ملك ما فيه للملك آلة سوى أنه يوم السلاح متوج أقيم لإصلاح الورى وهو فاسد وكيف استواء الظل والعود أعوج وقال أيضاً عجبت لقولنج هذا الأمير وأنّى ومن أين قد جاءه وفي كل يوم له حقنة تفرّغ بالزب أمعاءه وقال في مدح الجرب وملح وظرف بهيج مسرتي جرب بكفي إذا ما عد في الكرب العظام تجنبني اللئام لذاك حتى كفيت به مصافحة اللئام وقال في مراجعة الشعر بعد تركه إياه وكنت تركت الشعر آنف من خنا وأكبر عن مدح وأزهد عن غزل تزل القوافي عن لساني كأنها يفاع يزل السيل منه على عجل فأصبح شعر الأعشيين من العشا لديه وشعر الأخطلين من الخطل ولأبي الفرج بن هندو من الكتب المقالة الموسومة بمفتاح الطب الفها لإخوانه من المتعلمين وهي عشرة أبواب المقالة المشوقة في المدخل إلى علم الفلسفة - كتاب الكلم الروحانية من الحكم اليونانية ديوان شعره رسالة هزلية مترجمة بالوساطة بين الزناة واللاطة‏.‏

الحسن الفسوي

كان طبيباً معروفاً من أرض فارس من مدينة فسا متميزاً في الطب والقيام به والتقدم بسببه خدم الدولة البويهية واختص منها بخدمة الملك بهاء الدين عضد الدولة وصحبه في أسفاره وتقدر عنده ولما مرض أمير الأمراء أبو منصور بويه بن بهاء الدولة في رجب سنة ثمان وتسعين وثلثمائة مع والده بالبصرة وعزم بهاء الدولة على التوجه من البصرة إلى تستر للصيد والفرجة وكان شديد الإشفاق على ولده من هذا المرض كثير الاحتراس منه خائفاً من جانبه مانعاً للجند من لقائه وهو مع أبيه كالمحصور يمنعه من جميع مراده واتفق أن حم هذا الولد في رجب حمى أضعفت قوته قبل اليوم الذي أراد بهاء الدولة المسير فيه فقال الأثير لبهاء الدولة أمير الأمراء محموم ولا فضل فيه لحركة والرأي تركه فقال لا يحمل من فوره ويخرج قولاً واحداً فقال له هو إذا انزعج هلك ومدة مقامه بعدنا لا تطول فلم يرجع إلى مقال الأثير وتقدم إلى الحسن الطبيب الفسوي هذا بالمضي إليه والعودة يخبره لثقته بما يقول فمضى إليه وشاهده وعاد وقال الصواب في تركه وتأخيره فنزل وأشعر الملك سراً بخطر مرضه وعرفه أعراضه وآيسه من حياته فحينئذٍ تقدم بتركه واستمرت عليه الحمى وأشياء أخرى حدثت له فتوفي في يوم الأحد ثاني شعبان سنة ثمان وتسعين وثلثمائة‏.‏

أبو منصور الحسن بن نوح القمري

كان سيد وقته وأوحد زمانه مشهوراً بالجودة في صناعة الطب محمود الطريقة في أعمالها فاضلاً في أصولها وفروعها وكان رحمه اللّه حسن المعالجة جيد المداواة متميزاً عند الملوك في زمانه كثيري الاحترام له حدثني الشيخ الإمام شمس الدين عبد الحميد بن عيسى بن الخسروشاهي أن الشيخ الرئيس بن سينا كان قد لحق هذا وهو شيخ كبير وكان يحضر مجلسه ويلازم دروسه وانتفع به في صناعة الطب ولأبي منصور الحسن بن نوح القمري من الكتب كتاب غنى ومنى وهو كناش حسن وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أفضل ما يكون ولخص فيه جملاً من أقوال المتعينين في صناعة الطب وخصوصاً ما ذكره الرازي تفرقاً في كتبه كتاب علل العلل‏.‏

أبو سهل المسيحي

هو أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني طبيب فاضل بارع في صناعة الطب علمها وعملها فصيح العبارة جيد التصنيف وكان حسن الخط متقناً للعربية وقد رأيت بخطه كتابه في إظهار حكمة اللّه تعالى في خلق الإنسان وهو في نهاية الصحة والإتقان والإعراب والضبط وهذا الكتاب من أجل كتبه وأنفعها فإنه قد أتى فيه بجمل ما ذكره جالينوس وغيره في منافع الأعضاء بأفصح عبارة وأوضحها مع زيادات نفيسة من قبله تدل على فضل باهر وعلم غزير ولذلك يقول في أول كتابه هذا وليس يعرف فضيلة ما أوردناه على ما أوردوا إلا من قابل بين كلامنا هذا وكلامهم مع دراية وإنصاف منه فإن من لا يدري ما يعتبره لم يصلح للحكم فيه ومن لا إنصاف فيه لم يحكم للأفضل ولم يؤثره فمن اعتبر من يصلح للاعتبار وهو العالم المنصف بعناية واستقصاء منه ما أوردناه وما أوردوا رأى كيف صححنا ما أوردوه وهذبناه وأتممناه وسهلناه ورتبناه ترتيباً أفضل لجملة الكلام ولكل فصل منه وأسقطنا من هذا الصنف من العلم ما ليس منه ثم زدنا من عندنا معاني دقيقة عجيبة كانت قد خفيت عليهم للطفها وجلالة رتبتها وكيف جعلنا البيانات من الأشياء المتقدمة على الأشياء المتأخرة بالعكس مما فعلوه ليكون بياناً للشيء بمباديه وأسبابه فيكون برهاناً حقيقياً‏.‏

وسمعت من الشيخ الإمام الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه وهو يقول إنني لم أجد أحداً من الأطباء النصارى المتقدمين والمتأخرين أفصح عبارة ولا أجود لفظاً ولا أحسن معنى من كلام أبي سهل المسيحي وقيل إن المسيحي هو معلم الشيخ الرئيس صناعة الطب وإن كان الشيخ الرئيس بعد ذلك تميز في صناعة الطب ومهر فيها وفي العلوم الحكمية حتى صنف كتباً للمسيحي وجعلها باسمه وقال عبيد اللّه بن جبرئيل إن المسيحي كان بخراسان وكان متقدماً عند سلطانها وإنه مات وله من العمر أربعون سنة ومن كلام المسيحي قالنومة بالنهار بعد أكلة خير من شربة دواء نافع ولأبي سهل المسيحي من الكتب كتاب المائة في الطب وهو من أجود كتبه وأشهرها ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية عليه قال يجب أن يعتمد على هذا الكتاب فإنه كثير التحقيق قليل التكرار واضح العبارة منتخب العلاج كتاب إظهار حكمة اللّه تعالى في خلق الإنسان كتاب في العلم الطبيعي كتاب الطب الكلي مقالتان مقالة في الجدري اختصار كتاب المجسطي كتاب

الشيخ الرئيس بن سينا

هو أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن علي بن سينا وهو إن كان أشهر من أن يذكر وفضائله أظهر من أن تسطر فإنه قد ذكر من أحواله ووصف من سيرته ما يغني غيره عن وصفه ولذلك إننا نقتصر من ذلك على ما قد ذكره هو عن نفسه نقله عنه أبو عبيد الجوجزاني قال قال الشيخ الرئيس إن أبي كان رجلاً من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور واشتغل بالتصرف وتولى العمل في أثناء أيامه بقربة يقال لها خرميثن من ضياع بخارى وهي من أمهات القرى وبقربها قرية يقال لها أفشنة وتزوج أبي منها بوالدتي وقطن بها وسكن وولدت منها بها ثم ولدت أخي ثم انتقلنا إلى بخارى وأحضرت معلم القرآن ومعلم الأدب وأكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى كان يقضى مني العجب وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين وبعد من الإسماعيلية وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم وكذلك أخي وكانوا ربما تذاكروا بينهم وأنا أسمعه وأدرك ما يقولونه ولا تقبله نفسي وابتدأوا يدعونني أيضاً إليه ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهند وأخذ يوجهني إلى رجل كان يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حتى أتعلمه منه ثم جاء إلى بخارى أبو عبد اللّه النائلي وكان يدعى المتفلسف وأنزله أبي دارنا رجاء تعلمي منه وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى إسماعيل الزاهد وكنت من أجود السالكين وقد ألفت طرق المطالبة ووجوه الاعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به ثم ابتدأت بكتاب إيساغوجي على النائلي ولما ذكر لي حد الجنس أنه هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع في جواب ما هو فأخذت في تحقيق هذا الحد بما لم يسمع بمثله وتعجب مني كل العجب وحذر والدي من شغلي بغير المعلم وكان أي مسألة قالها لي أتصورها خيراً منه حتى قرأت ظواهر المنطق عليه وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبرة ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح حتى أحكمت علم المنطق وكذلك كتاب إقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أو ستة عليه ثم توليت بنفسي حل بقية الكتاب بأسره ثم انتقلت إلى المجسطي ولما فرغت من مقدماته وانتهيت إلى الأشكال الهندسية قال لي النائلي تول قراءتها وحلها بنفسك ثم اعرضها عليّ لأبين لك صوابه من خطئه وما كان الرجل يقوم بالكتاب وأخذت أحل ذلك الكتاب فكم من شكل ما عرفه إلى وقت ما عرضته عليه ومفهمته إياه ثم فارقني النائلي متوجهاً إلى كركانج واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من الفصوص والشروح من الطبيعي والإلهي وصارت أبواب العلم تنفتح علي ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة فلا جرم أني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضلاء الطب يقرأون علي علم الطب وتعهدت المرضى فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف وأنا مع ذلك اختلف إلى الفقه وأناظر فيه وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة ثم توفرت على العلم والقراءة سنة ونصفاً فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها ولا اشتغلت النهار بغيره وجمعت بين يدي ظهوراً فكل حجة كنت أنظر فيها أثبت مقدمات قياسية ورتبتها في تلك الظهور ثم نظرت فيما عساها تنتج وراعيت شروط مقدماته حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة وكلما كنت أتحير في مسألة ولم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الجامع وصليت وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق وتيسر المتعسر وكنت أرجع بالليل إلى داري واضع السراج بين يدي وأشتغل بالقراءة والكتابة فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إلي قوتي ثم أرجع إلى القراءة ومهما أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها حتى أن كثيراً من المسائل اتضح لي وجوهها في المنام وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنساني وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن لم أزدد فيه إلى اليوم حتى أحكمت على المنطق والطبيعي والرياضي ثم عدلت إلى الإلهي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس علي غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا المقصود به وأيست من نفسي وقلت هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه علي فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة من هذا العلم فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص أبيعكه بثلاثة دراهم وصاحبه محتاج إلى ثمنه واشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان لي محفوظاً على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت في ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً للّه تعالى وكان سلطان بخارى في ذلك الوقت نوح بن منصور واتفق له مرض أتلج الأطباء فيه وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة فأجروا ذكري بين يديه وسألوه إحضاري فحضرت وشاركتهم في مداواته وتوسمت بخدمته فسألته يوماً الأذن لي في دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من كتب الطب فأذن لي فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض في بيت منها كتب العربية والشعر وفي آخر الفقه وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد فطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت ما احتجب إليه منها ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط وما كنت رأيته من قبل ولا رأيته أيضاً من بعد فقرأت تلك الكتب وظفرت بفوائدها وعرفت مرتبة كل رجل في علمه فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ ولكنه اليوم معي أنضج وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء وكان في جواري رجل يقال له أبو الحسين العروضي فسألني أن أصنف له كتاباً جامعاً في هذا العلم فصنفت له المجموع وسميته به وأتيت فيه على سائر العلوم سوى الرياضي ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمري وكان في جواري أيضاً رجل يقال له أبو بكر البرقي خوارزمي المولد فقيه النفس متوحد في الفقه والتفسير والزهد مائل إلى هذه العلوم فسألني شرح الكتب له فصنفت له كتاب الحاصل والمحصول في قريب من عشرين مجلدة وصنفت له في الأخلاق كتاباً سميته كتاب البر والإثم وهذان الكتابان لا يوجدان إلا عنده فلم يعر أحداً ينسخ منهما ثم مات والدي وتصرفت بي الأحوال وتقلدت شيئاً من أعمال السلطان ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخاري والانتقال إلى كركانج وكان أبو الحسين السهلي المحب لهذه العلوم وزيراً وقدمت إلى الأمير بها وهو علي بن مأمون وكنت على زي الفقهاء إذ ذاك بطيلسان وتحت الحنك وأثبتوا لي مشاهرة دارة بكفاية مثلي ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ومنها إلى باورد ومنها إلى طوس ومنها إلى شقان ومنها إلى سمنيقان ومنها إلى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إلى جرجان وكان قصدي الأمير قابوس فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه في بعض القلاع وموته هناك ثم مضيت إلى دهستان ومرضت بها مرضاً صعباً وعدت إلى جرجان فاتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل لما عظمت فليس مصر واسعي لما غلا ثمني عدمت المشتري قال أبو عبيد الجوزجاني صاحب الشيخ الرئيس فهذا ما حكى لي الشيخ من لفظه ومن هاهنا شاهدت أنا من أحواله وكان بجرجان رجل يقال له أبو محمد الشيرازي يحب هذه العلوم وقد اشترى للشيخ داراً في جواره وأنزله بها وأنا اختلف إليه في كل يوم أقرأ المجسطي وأستملي المنطق فأملى علي المختصر الأوسط في المنطق وصنف لأبي محمد الشيرازي كتاب المبدأ والمعاد وكتاب الأرصاد الكلية وصنف هناك كتباً كثيرة كأول القانون ومختصر المجسطي وكثيراً من الرسائل ثم صنف في أرض الجبل بقية كتبه وهذا فهرست كتبه كتاب المجموع مجلدة الحاصل والمحصول عشرون مجلدة الإنسان عشرون مجلدة البر والإثم مجلدتان الشفاء ثماني عشرة مجلدة القانون أربع عشرة مجلدة الأرصاد الكلية مجلدة كتاب النجاة ثلاث مجلدات الهداية مجلدة القولنج مجلدة لسان العرب عشر مجلدات الأدوية القلبية مجلدة الموجز مجلدة بعض الحكمة المشرقية مجلدة بيان ذوات الجهة مجلدة كتاب المعاد مجلدة كتاب المبدأ والمعاد مجلدة كتاب المباحثات مجلدة ومن رسائله القضاء والقدر الآلة الرصدية غرض قاطيغورياس المنطق بالشعر القصائد في العظمة والحكمة في الحروف تعقب المواضع الجدلية مختصر إقليدس مختصر في النبض بالعجمية الحدود الأجرام السماوية الإشارة إلى علم المنطق أقسام الحكمة في النهاية واللانهاية عهد كتبه لنفسه حي بن يقظان في أن أبعاد الجسم غير ذاتية له خطب الكلام في الهندبا في أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهرياً وعرضياً في أن علم زيد غير علم عمرو رسائل له إخوانية وسلطانية مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء كتاب الحواشي على القانون كتاب عيون الحكمة كتاب الشبكة والطير‏.‏

انتقل إلى الري واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة وعرفوه بسبب كتب وصلت معه تتضمن تعريف قدره وكان يمجد الدولة إذ ذاك غلبة السوداء فاشتغل بمداواته وصنف هناك كتاب المعاد وأقام بها إلى أن قصد شمس الدولة بعد قتل هلال ابن بدر بن حسنويه وهزيمة عسكر بغداد ثم اتفقت أسباب أوجبت الضرورة لها خروجه إلى قزوين ومنها إلى همدان واتصاله بخدمة كذبانويه والنظر في أسبابها ثم اتفق معرفة شمس الدولة وإحضاره مجلسه بسبب قولنج كان قد أصابه وعالجه حتى شفاه اللّه وفاز من ذلك المجلس بخلع كثيرة ورجع إلى داره بعد ما أقام هناك أربعين يوماً بلياليها وصار من ندماء الأمير ثم اتفق نهوض الأمير إلى قرمسين لحرب عناز وخرج الشيخ في خدمته ثم توجه نحو همدان منهزماً راجعاً ثم سألوه تقلد الوزارة فتقلدها ثم اتفق تشويش العسكر عليه وإشفاقهم منه على أنفسهم فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس وأغاروا على أسبابه وأخذوا جميع ما كان يملكه وسألوا الأمير قتله فامتنع منه وعدل إلى نفيه عن الدولة طلباً لمرضاتهم فتوارى في دار الشيخ أبي سعد بن دخدوك أربعين يوماً فعاد الأمير شمس الدولة القولنج وطلب الشيخ فحضر مجلسه فاعتذر الأمير إليه بكل الاعتذار فاشتغل بمعالجته وأقام عنده مكرماً مبجلاً وأُعيدت الوزارة إليه ثانياً ثم سألته أنا شرح كتب أرسطوطاليس فذكر أنه لا فراغ له إلى ذلك في ذلك الوقت ولكن إن رضيت مني بتصنيف كتاب أورد فيه ما صح عندي من هذه العلوم بلا مناظرة مع المخالفين ولا اشتغال بالرد عليهم فعلت ذلك فرضيت به فابتدأ بالطبيعيات من كتاب سماه كتاب الشفاء وكان قد صنف الكتاب الأول من القانون وكان يجتمع كل ليلة في داره طلبة العلم وكنت أقرأ من الشفاء وكان يقرىء غيري من القانون نوبة فإذا فرغنا حضر المغنون على اختلاف طبقاتهم وهيئ مجلس الشراب بآلاته وكنا نشتغل به وكان التدريس بالليل لعدم الفراغ بالنهار خدمة للأمير فقضينا على ذلك زمناً ثم توجه شمس الدين إلى طارم لحرب الأمير بها وعاوده القولنج قرب ذلك الموضع واشتد عليه وانضاف إلى ذلك أمراض أخر جلبها سوء تدبيره وقلة القبول من الشيخ فخاف العسكر وفاته فرجعوا به طالبين همدان في المهد فتوفي في الطريق في المهد ثم بويع ابن شمس الدولة وطلبوا استيزار الشيخ فأبى عليهم وكاتب علاء الدولة سراً يطلب خدمته والمصير إليه والانضمام إلى جوانبه وأقام في دار أبي غالب العطار متوارياً وطلبت منه إتمام كتاب الشفاء فاستحضر أبا غالب وطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما وكتب الشيخ في قريب من عشرين جزءاً على الثمن بخطه رؤوس المسائل وبقي فيه يومين حتى كتب رؤوس المسائل كلها بلا كتاب يحضره ولا أصل يرجع إليه بل من حفظه وعن ظهر قلبه ثم ترك الشيخ تلك الأجزاء بين يديه وأخذ الكاغد فكان ينظر في كل مسألة ويكتب شرحها فكان يكتب كل يوم خمسين ورقة حتى أتى على جميع الطبيعيات والإلهيات ما خلا كتابي الحيوان والنبات وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزءاً ثم اتهمه تاج الملك بمكاتبته علاء الدولة فأنكر عليه ذلك وحث في طلبه فدل عليه بعض أعدائه فأخذوه وأدوه إلى قلعة يقال لها فردجان وأنشأ هناك قصيدة منها وبقي فيها أربعة أشهر ثم قصد علاء الدولة همدان وأخذها وانهزم تاج الملك ومر إلى تلك القلعة بعينها ثم رجع علاء الدولة عن همدان وعاد تاج الملك وابن شمس الدولة إلى همدان وحملوا معهم الشيخ إلى همدان ونزل في دار العلوي واشتغل هناك بتصنيف المنطق من كتاب الشفاء وكان قد صنف بالقلعة كتاب الهدايات ورسالة حي بن يقظان وكتاب القولنج وأما الأدوية القلبية فإنما صنفها أول وروده إلى همدان وكان قد تقضى على هذا زمان وتاج الملك في أثناء هذا يمنيه بمواعيد جميلة ثم عنّ للشيخ التوجه إلى أصفهان فخرج متنكراً وأنا وأخوه وغلامان معه في زي الصوفية إلى أن وصلنا إلى طبران على باب أصفهان بعد أن قاسينا شدائد في الطريق فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدين وخواصه وحمل إليه الثياب والمراكب الخاصة وأنزل في محلة يقال لها كونكنبد في دار عبد اللّه بن بابي وفيها من الآلات والفرش ما يحتاج إليه وحضر مجلس علاء الدولة فصادف في مجلسه الإكرام والإعزاز الذي يستحقه مثله ثم رسم علاء الدولة ليالي الجمعات مجلس النظر بين يديه بحضرة سائر العلماء على اختلاف طبقاتهم والشيخ من جملتهم فما كان يطاق في شيء من العلوم اشتغل بأصفهان في تتميم كتاب الشفاء ففرغ من المنطق والمجسطي وكان قد اختصر أوقليدس والأرثماطيقي والموسيقى وأورد في كل كتاب من الرياضيات زيادات رأى أن الحاجة إليها داعية أما في المجسطي فأورد عشرة أشكال في اختلاف القطر وأورد في آخر المجسطي في علم الهيئة أشياء لم يسبق إليها وأورد في أوقليدس شبهاً وفي الارثماطيقي خواص حسنة وفي الموسيقى مسائل غفل عنها الأولون وتم الكتاب المعروف بالشفاء ما خلا كتابي النبات والحيوان فإنه صنفهما في السنة التي توجه فيها علاء الدولة إلى سابور خواست في الطريق وصنف أيضاً في الطريق كتاب النجاة واختص بعلاء الدولة وصار من ندمائه إلى أن عزم علاء الدولة على قصد همدان وخرج الشيخ في الصحبة فجرى ليلة بين يدي علاء الدولة ذكر الخلل الحاصل في التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة فأمر الأمير الشيخ الاشتغال برصد هذه الكواكب وأطلق له من الأموال ما يحتاج إليه وابتدأ الشيخ وولاني اتخاذ آلاتها واستخدام صناعها حتى ظهر كثير من المسائل فكان يقع الخلل في أمر الرصد لكثرة الأسفار وعوائقها وصنف الشيخ بأصفهان الكتاب العلائي كان من عجائب أمر الشيخ إني صحبته وخدمته خمساً وعشرين سنة فما رأيته إذا وقع له كتاب مجدد ينظر فيه على الولاء بل كان يقصد المواضع الصعبة منه والمسائل المشكلة فينظر ما قاله مصنفه فيها فيتبين مرتبته في العلم ودرجته في الفهم وكان الشيخ جالساً يوماً من الأيام بين يدي الأمير وأبو منصور الجبائي حاضر فجرى في اللغة مسألة تكلم الشيخ فيها بما حضره فالتفت أبو منصور إلى الشيخ يقول إنك فيلسوف وحكيم ولكن لم تقرأ من اللغة ما يرضي كلامك فيها فاستنكف الشيخ من الكلام وتوفر على درس كتب اللغة ثلاث سنين استهدى كتاب تهذيب اللغة من خراسان من تصنيف أبي منصور الأزهري فبلغ الشيخ في اللغة طبقة قلما يتفق مثلها وأنشأ ثلاث قصائد ضمنها ألفاظاً غريبة من اللغة وكتب ثلاثة كتب أحدها على طريقة ابن العميد والآخر على طريقة الصابي والآخر‏.‏

لى طريقة الصاحب وأمر بتجليدها وإخلاق جلدها ثم أوعز الأمير فعرض تلك المجلدة على أبي منصور الجبائي وذكر أنا ظفرنا بهذه المجلدة في الصحراء وقت الصيد فيجب أن تتفقدها وتقول لنا ما فيها فنظر فيها أبو منصور وأشك عليه كثير مما فيها فقال له الشيخ أن ما تجهله من هذا الكتاب فهو مذكور في الموضع الفلاني من كتب اللغة سماه لسان العرب لم يصنف في اللغة مثله ولم ينقله في البياض حتى توفي فبقي على مسودته لا يهتدي أحد إلى ترتيبه‏.‏

وكان قد حصل للشيخ تجارب كثيرة فيما باشره من المعالجات عزم على تدوينها في كتاب القانون وكان قد علقها على أجزاء فضاعت قبل تمام كتاب القانون من ذلك أنه صدع يوماً فتصور أن مادة تريد النزول إلى حجاب رأسه وأنه لا يأمن ورماً ينزل فيه فأمر بإحضار ثلج كثير ودقة ولفه في خرقة وتغطية رأسه بها ففعل ذلك حتى قوي الموضع وامتنع عن قبول تلك المادة وعوفي ومن ذلك أن امرأة مسلولة بخوارزم أمرها أن لا تتناول شيئاً من الأدوية سوى الجلنجبين السكري حتى تناولت على الأيام مقدار مائة منه وشفيت المرأة ان الشيخ قد صنف بجرجان المختصر الأصغر في المنطق وهو الذي وضعه بعد ذلك في أول النجاة ووقعت نسخة إلى شيراز فنظر فيها جماعة من أهل العلم هناك فوقعت لهم الشبه في مسائل منها فكتبوها على جزء وكان القاضي بشيراز من جملة القوم فأنفذ بالجزء إلى أبي القاسم الكرماني صاحب إبراهيم بن بابا الديلمي المشتغل بعلم التناظر وأضاف إليه كتاباً إلى الشيخ أبي القاسم وأنفذهما على يدي ركابي قاصد وسأله عرض الجزء على الشيخ واستيجاز أجوبته فيه وإذا الشيخ أبي القاسم دخل على الشيخ عند اصفرار الشمس في يوم صائف وعرض عليه الكتاب والجزء فقرأ الكتاب ورده عليه وترك الجزء بين يديه وهو ينظر فيه والناس يتحدثون ثم خرج أبو القاسم وأمرني الشيخ بإحضار البياض وقطع أجزاء منه فشددت خمسة أجزاء كل واحد منها عشرة أوراق بالربع الفرعوني وصلينا العشاء وقدم الشمع فأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأنا بتناول الشراب وابتدأ هو بجواب تلك المسائل وكان يكتب ويشرب إلى نصف الليل حتى غلبني وأخاه النوم فأمر بالانصراف فعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى وبين يديه الأجزاء الخمسة فقال خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له استعجلت في الأجوبة عنها لئلا يتعوق الركابي فلما حملته إليه تعجب كل العجب وصرف الفيج وأعلمهم بهذه الحالة وصار هذا الحديث تاريخاً بين الناس ووضع في حال الرصد آلات ما سبق إلها وصنف فيها رسالة وبقيت أنا ثماني سنين مشغولاً بالرصد وكان غرضي تبين ما يحكيه بطليموس عن قصته في الأرصاد فتبين لي بعضها وصنف الشيخ كتاب الإنصاف واليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود إلى اصفهان نهب عسكره رحل الشيخ وكان الكتاب في جملته وما وقف له على أثر‏.‏

وكان الشيخ قوي القوى كلها وكانت قوة المجامعة من قواه الشهوانية أقوى وأغلب وكان كثيراً ما يشتغل به فأثر في مزاجه وكان الشيخ يعتمد على قوة مزاجه حتى صار أمره في السنة التي حارب فيها علاء الدولة تاش فراش على باب الكرخ إلى أن الشيخ قولنج ولحرصه على برئه إشفاقاً من هزيمة يدفع إليها ولا يتأتى له المسير فيها مع المرض حقن نفسه في يوم واحد ثمان كرات فتقرح بعض أمعائه وظهر به سحج وأحوج إلى المسير مع علاء الدين فأسرعوا نحو ايذج فظهر به هناك الصرع الذي يتبع علة القولنج ومع ذلك كان يدبر نفسه ويحق نفسه لأجل السحج ولبقية القولنج فأمر يوماً باتخاذ دانقين من بزر الكرفس في جملة ما يحتقن به وخلطه بها طلباً لكسر الرياح فصد بعض الأطباء الذي كان يتقد هو إليه بمعالجته وطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم لست أدري أعمداً فعله أم خطأ لأنني لم أكن معه فازداد السحج به من حدة ذلك البزر وكان يتناول المثرود بطوس لأجل الصرع فقام بعض غلمانه وطرح شيئاً كثيراً من الافيون فيه وناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم في مال كثير من خزانته فتمنوا هلاكه ليأمنوا عاقبة أعمالهم ونقل الشيخ كما هو إلى أصفهان فاشتغل بتدبير نفسه وكان من الضعف بحيث لا يقدر على القيام فلم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي وحضر مجلس علاء الدولة ولكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المجامعة ولم يبرأ من العلة كل البرء فكان ينتكس ويبرأ كل وقت ثم قصد علاء الدولة همدان فسار معه الشيخ فعاودته في الطريق تلك العلة إلى أن وصل إلى همدان وعلم أن قوته قد سقطت وأنها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول المدبر الذي كان يدبر بدني قد عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة وبقي على هذا أياماً ثم انتقل إلى جوار ربه وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة وكان موته في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وكانت ولادته في سنة خمس وسبعين وثلثمائة هذا آخر ما ذكره أبو عبيدة من أحوال الشيخ الرئيس وقبره تحت السور من جانب القبة من همدان وقيل أنه نقل إلى أصفهان ودفن في موضع على باب كونكنبد ولما مات ابن سينا من القولنج الذي عرض له قال فيه بعض أهل زمانه رأيت ابن سينا يعادي الرجال وبالحبس مات أخس الممات وقوله بالحبس يريد انحباس البطن من القولنج الذي أصابه والشفاء والنجاة يريد الكتابين من تأليفه وقصد بهما الجناس في الشعر‏.‏

ومن كلام الشيخ الرئيس وصية أوصى بها بعض أصدقائه وهو أبو سعيد بن أبي الخير الصوفي قال ليكن اللّه تعالى أول فكر له وآخره وباطن كل اعتبار وظاهره ولتكن عين نفسه مكحولة بالنظر إليه وقدمها موقوفة على المثول بين يديه مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى وإذا انحط إلى قراره فلينزه الله تعالى في اثاره فإنه باطن ظاهر تجلى لك شيء بكل شيء ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فإذا صارت هذه الحال له ملكه انطبع فيها نقش الملكوت وتجلى له قدس اللاهوت فألف الأنس الأعلى وذاق اللذة القصوى وأخذ عن نفسه من هو بها أولى وفاضت عليه السكينة وحقت عليه الطمأنينة وتطلع إلى العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله مستوهن لحيله مستخف لثقله مستحسن به لعقله مستضل لطرقه وتذكر نفسه وهي بها لهجة وببهجتها بهجه فتعجب منها ومنهم تعجبه منه وقد ودعها وكان معها كأنه ليس معها وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة وأمثل السكنات الصيام وانفع البر الصدقة وأزكى السر الاحتمال وأبطل السهي المراءاة ولن تخلص النفس عن الدرن ما التفتت إلى ما قيل وقال ومناقشة وجدال وانفعلت بحال من الأحوال وخير العمل ما صدر عن خالص نية وخير النية ما ينفرج عن جناب علم والحكمة أم الفضائل ومعرفة اللّه أول الأوائل إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ثم يقبل على هذه النفس المزينة بكمالها الذاتي فيحرسها عن التلطخ بما يشينها من الهيئات الانقيادية للنفوس الموادية التي إذا بقيت في النفوس المزينة كان حالها عند الانفصال كحالها عند الاتصال إذ جوهرها غير مشاوب ولا مخالط وإنما يدنسها هيئة الانقياد لتلك الصواحب بل يفيدها هيئات الاستيلاء والسياسة والاستعلاء والرياسة وكذلك يهجر الكذب قولاً وتخيلاً حتى تحدث للنفس هيئة صدوقة فتصدق الأحلام والرؤيا وأما اللذات فيستعملها على إصلاح الطبيعة وإبقاء الشخص أو النوع أو السياسة أما المشروب فإنه يهجر شربه تلهياً بل تشفياً وتداوياً ويعاشر كل فرقة بعادته ورسمه ويسمح بالمقدور والتقدير من المال ويركب لمساعدة الناس كثيراً مما هو خلاف طبعة ثم لا يقصر في الأوضاع الشرعية ويعظم السنن الإلهية والمواظبة على التعبدات البدنية ويكون دوام عمره إذا خلا وخلص من المعاشرين تطريه الزينة في النفس والفكرة في الملك الأول وملكه وكيس النفس عن عيار الناس من حيث لا يقف عليه الناس عاهد اللّه أنه يسير بهذه السيرة ويدين بهذه الديانة واللّه ولي الذين آمنوا وهو هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع محجوبة عن كل مقلة عارف وهي التي سفرت ولم تتبرقع وصلت على كره إليك وربما كرهت فراقك وهي ذات تفجع أنفت وما أنست فلما واصلت ألفت مجاورة الخراب البلقع وأظنها نسيت عهوداً بالحمى ومنازلاً بفراقها لم تقنع حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها في ميم مركزها بذات الأجرع علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت بين المعالم والطلول الخضع تبكي إذا ذكرت دياراً بالحمى بمدامع تهمي ولما تقطع وتظل ساجعة على الدمن التي درست بتكرار الرياح الأربع إذ عاقها الشرك الكثيف وصدها قفص عن الأوج الفسيح الأربع حتى إذا قرب المسير إلى الحمى ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع سجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت ما ليس يدرك بالعيون الهجع فهبوطها إن كان ضربة لازب لتكون سامعة بما لم تسمع وتعود عالمة بكل خفية في العالمين فخرقها لم يرقع وهي التي قطع الزمان طريقها حتى لقد غربت بغير المطلع فكأنه برق تألق للحمى ثم انطوى فكأنه لم يلمع وقال في الشيب والحكمة والزهد أما أصبحت عن ليل التصابي وقد أصبحت عن ليل الشباب تنفس في عذارك صبح شيب وعسعس ليله فكم التصابي شبابك كان شيطاناً مريداً فرجم من مشيبك بالشهاب وأشهب من بزاة الدهر خوّى على فودي فألمأ بالغراب عفا رسم الشباب ورسم دار لهم عهدي بها مغنى رباب فذاك ابيضَّ من قطرات دمعي وذاك اخضرّ من قَطْر السحاب فذا ينعي إليك النفس نعياً وذالكم نشورٌ للروابي عرفت عقوقها فسلوت عنها بأشراك تعوق عن اضطراب بليت بعالم يعلو أذاه سوى صبري ويسفل عن عتابي وسيل للصواب خلاط قوم وكم كان الصواب سوى الصواب أخالطه ونفسي في مكان من العلياء عنهم في حجاب ولست بمن يلطخه خلاط متى اغبرت أناث عن تراب إذا ما لحت الأبصار نالت خيالاً واشمأزت عن لباب وقال أيضاً يا ربع نكّرك الأحداث والقدم فصار عينك كالآثار تتهم كإنما رسمك السر الذي لهم عندي ونؤيك صبري الدارس الهدم كأنما سفعة الأثفيّ باقية بين الرياض كطاجونية جثم أو حسرة بقيت في القلب مظلمة عن حاجة ما قضوها إذ هم أمم ألا بكاه سحاب دمعه همع بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم أما ترى شيبتي تنبيك ناطقة بأن حدي الذي استدلقته ثلم الشيب يوعد والآمال واعدة والمرء يغتر والأيام تنصرم مالي أرى حكم الأفعال ساقطة وأسمع الدهر قولاً كله حكم مالي أرى الفضل فضلاً يستهان به قد أكرم النقص لما استنقص الكرم جوّلت في هذه الدنيا وزخرفها عيني فألفيت داراً ما بها أرم كجيفة دودت فالدود منشؤه فيها ومنها له الأرزاء والطعم سيان عندي إن بروا وأن فجروا فليس يجري على أمثالهم قلم لا تحسدنهم إن جد جدهم فالجد يجدي ولكن ما له عصم ليسوا وإن نعموا عيشاً سوى نعم وربما نعمت في عيشها النعم الوجدان غنى العادمون نهى ليس الذي وجدوا مثل الذي عدموا خلقت فيهم وأيضاً قد خلطت بهم كرهاً فليس غنى عنهم ولا لهم أسكنت بينهم كالليث في أجم رأيت ليثاً له في جنسه أجم أمثل عنجهة شوكاء يلحق بي أمثل شغبر حش عرضه زيم فذا عجوز ولكن بعدما قعدت وذاك جود مساع الملك متهم إني وإن كانت الأقلام تخدمني كذاك يخدم كفي الصارم الخدم قد أشهد الروع مرتاحاً فأكشفه إذا تناكر عن تياره البهم الضرب محتدم والطعن منتظم والدم مرتكم والبأس مغتلم والحق يافوخه من نقعهم قتر والإفك قسطاسه من سفكهم قتم والبيض والسمر حمر تحت عثيره والموت يحكم والأبطال تختصم وأعدل القسم في حربي وحربهم منهم لنا غنم منا لهم عرم أما البلاغة فاسألني الخبير بها أن اللسان قديماً والزمان فم لا يعلم العلم غيري معلماً علماً لأهله أنا ذاك المعلم العلم كانت قناة علوم الحق عاطلة حتى جلاها بشرحي البند والعلم نبيد أرواحهم بالرعب نقذفه فيهم وأجسادهم بالقضب تلتحم ولو بكت عزماتي دونها الحشم ولم يعم سبيلي نحوها العمم وكانت البيض ظلفاً للعمود له وقد تباغل عرض الخيل والحكم وظن أن ليس تحجيل سوى شعر وأن للخيل في ميلادها اللجم وغشيت صفحات الأرض معدلة فالأسد تنفر عن مرى به غتم لكنها بقعة حف الشقاء بها فكل صاغ إليها صاغر سدم وقال أيضاً هو الشيب لا بد من وخطه فقرضه واخضبه أو غطه أأقلقك الطل من وبله وجرعت من البحر في شطه وكم منك سرك غصن الشباب وريقاً فلا بد من حطه فلا تجزعن لطريق سلكت كم أنبت غيرك في وسطه ولا تجشعن فما أن ينال من الرزق كل سوى قسطه وكم حاجة بذلك نفسها ففوتها الحرص من فرطه إذا ما أحال أخو زلة على الغدر فاعجل على بسطه وما يتعب النفس تمييزه فلا تعجلن إلى خلطه ووقر أخا الشيب وألح الشباب إذا ما تعسف في خبطه ولا تبغ في العذل وأقصد فكم كتبت قديماً على خطه وكم عاند النصح ذو شيبة عناد القتاد لدى خرطه تراه سريعاً إلى مطمع كما أنشط البكر عن نشطه وكم رام ذو ملل حاشم ليغصب حلمي فلم أعطه وذي حسد أسقطته لقى فما يأنف الدهر من لقطه يحاول حطي عن رتبتي قد ارتفع النجم عن حطه يظل على دهره ساخطاً وكم يضحك الدهر من سخطه وقال أيضاً قفا نجزي معاهده قليلاً نغيث بدمعنا الربع المحيلا إذا ما استعرض الدنيا اعتباراً تنحي الحرص عنها مستقيلا خليلي أبلغ العذال أني هجرت تجملي هجراً جميلاً وأني من أناس ما أحلنا على عزم فاعقبنا نزولا مآقينا وأيدينا إذا ما همين رأيتنا نعصي العذولا وقفت دموعَ عيني دون سعدي على الأطلال ما وجدت مسيلا على جفني لدمعي فرض دمع أقمت له به قلبي كفيلا عقدت لها الوفاء وأن عقدي والعقد الذي لن يستحيلا وكم أخت لها خطبت فؤادي فما وجدت إلى عذري سبيلا أعاذل لست في شيء فأسهب مدى الملوين أو أقصر قليلا فلم ير مثلها قلبي ألوفا ولم تر مثلها أذني ملولا وعذل الشيب أولى لي لواني أطقت وأن جهدت له قبولا أجل قد كررت هذي الليالي على ليلي زماناً لن يزولا أتنكر ذرءة لما علتني تزين كزينة الأثر النصولا يقول مبذر ليغض مني يعد علو ذي كرم سفولا متى وسعت لقصدي الأرض حتى أبرز أو أنيل به جزيلا يقول به انخراق الكف جداً وكم خرق وقعت به منيلا فجل خلل الأصابع منك واجهد عسى أن لا تطوف ولا تنولا بفحش أن مالك فوق مالي نفائس ما تصان بما أذيلا حكاك غباء ما أفناه بذلي يباع ببعض ما تحوي كميلا يحذرك الأحبة وقع كيدي فلست بذاك مذعوراً مهولا سقطت عن اعتقادي فيك سوءاً فطب نفساً ولا تفرق قبيلا فأما أن أرعك بغير قصدي فقد ما روع الفيل الافيلا وقال أيضاً أوليتني نعمة مذ صرت تلحظني كافي الكفاة بعيني مجمل النظر كذا اليواقيت فيما قيل نشأتها من حسن تأثير عين الشمس في القمر وشكا إليه الوزير أبو طالب العلوي آثار بئر بدا على جبهته ونظم شكواه شعراًنفذه إليه وهو صنيعة الشيخ مولانا وصاحبه وغرس إنعامه بل نشء نعمته فامنن عليه بحسم اداء مغتنماً شكر النبي له مع شكر عترته فأجاب الشيخ الرئيس عن أبياته ووصف في جوابه ما كان به برؤه من ذلك فقال اللّّه يشفي وينفي ما بجبهته من الأذى ويعافيه برحمته أما العلاج فاسهال يقدمه ختمت آخر أبياتي بنسخته وليرسل العلق المصاص يرشف من دم القذال ويغني عن حجامته واللحم يهجره إلا الخفيف ولا يدني إليه شراباً من مدامته والوجه يطليه ماء الورد معتصراً فيه الخلاف مدافاً وقت هجعته ولا يضيق منه الزر مختنقاً ولا يصيحن أيضاً عن سخطته هذا العلاج ومن يعمل به سيرى آثار خير ويكفي أمر علته وقال أيضاً خير النفوس العارفات ذواتها وحقيق كميات ماهياتها وبم الذي حلت ومم تكونت أعضاء بنيتها على هيئاتها نفس النبات ونفس حس ركبا هلا كذاك سماته كسماتها هذب النفس بالعلوم لترقى وذر الكل فهي للكل بيت إنما النفس كالزجاجة والعلم سراج وحكمة اللّه زيت فإذا أشرقت فإنك حي وإذا أظلمت فإنك ميت وقال أيضاً صبها في الكاس صرفا غلبت ضوء السراج ظنها في الكاس نارا فطفاها بالمزاج وقال أيضاً قم فاسقنيها قهوة كدم الطلا يا صاح بالقدح الملا بين الملا خمراً تظل لها النصارى سجدا ولها بنو عمران أخلصت الولا لو أنها يوماً وقد ولعت بهم قالت أسلت بربكم قالوا بلى وقال أيضاً نزل اللاهوت في ناسوتها كنزول الشمس في أبراج يوح قال فيها بعض من هام بها مثل ما قال النصارى في المسيح شربنا على الصوت القديم قديمة لك قديم أول هي أول ولو لم تكن في حيز قلت أنها هي العلة الأولى التي لا تعلل وقال أيضاً عجباً لقوم يحسدون فضائلي ما بين غيابي إلى عذالي عتبوا على فضلي وذموا حكمتي واستوحشوا من نقصهم وكمالي إني وكيدهم وما عتبوا به كالطود يحقر نطحة الأوعال وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه هانت عليه ملامة الجهال وقال أيضاً أساجية الجفون أكل خود سجاياها استعرن من الرحيق هي الصهباء مخبرها عدو وإن كانت تناغي عن صديق وقال أيضاً أكاد أجن فيما قد أجن فلم ير ما أرى إنس وجن رميت من الخطوب بمصميات نوافذ لا يقوم بها مجن وإن عرضت خطوب معضلات تواروا واستكانوا واستكنّوا وقال أيضاً أشكو إلى اللّه الزمان فصرفه أبلى جديد قواي وهو جديد محن إلي توجهت فكأنني قد صرت مغناطيس وهي حديد وقال أيضاً تنهنه وحاذر أن ينالك بغتة حسام كَلامي أو كِلام حسامي وقال أيضاً أن هذه الأبيات إذا قيلت عند رؤية عطار وقت شرفه فأنها تفيد علماً وخيراً بإذن اللّه تعالى‏:‏ عطارد قد واللّه طال ترددي مساء وصبحاً كي أراك فأغنما فها أنت فامددني قوى أدرك المنى بها والعلوم الغامضات تكرما ووقني المحذور والشر كله بأمر مليك خالق الأرض والسما ومما ينسب إلى الشيخ الرئيس بن سينا قصيدة فيما يحدث من الأمور والأحوال عند قران المشتري وزحل في برج الجدي بيت زحل وهو أنحس البروج لكونه بيت زحل نحس الفلك النحس الأكبر وأول القصيدة احذر بني من القران العاشروجملة ما قيل في هذه القصيدة من أحوال التتر وقتلهم للخلق وخرابهم للقلاع جرى وقد رأيناه في زماننا ومن أعجب ما أتى فيها عن التتر يفنيهم الملك المظفر وكان كذلك أفناهم الملك المظفر قطز لما وصل من الديار المصرية بعساكر الإسلام وكانت الكسرة على التتر منه في وادي كنعان كما ذكر وذلك في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وكذلك أشياء أخر من ذلك كثيرة صحت الأحكام بها في هذه القصيدة مثل القول عن خليفة بغداد وكذا الخليفة جعفر البيت والبيت الذي يليه بعده تمحى خلافته وملكت التتر بغداد كما ذكر وكان ذلك في أول سنة سبع وخمسين وستمائة وكان الاعتماد بما في هذه القصيدة من كتاب الجفر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام واللّه أعلم أن يكون الشيخ الرئيس قال هذه القصدة أو غيره وقد عن لي أن أذكر القصدة ها هنا سواء كانت لابن سينا أو لغيره وهي‏:‏ احذر بني من القران العاشر وانفر بنفسك قبل نفر النافر لا تشغلنك لذة تلهو بها فالموت أولى بالظلوم الفاجر واسكن بلاداً بالحجاز وقم بها واصبر على جور الزمان الجائر ولا تركنن إلى البلاد فإنها سيعمها حد الحسام الباتر خزر العيون تراهم في ذلة كم قد أبادوا من مليك قاهر ما قصدهم إلا الدماء كأنما ثار لهم من كل ناه آمر وخراب ما شاد الورى حتى ترى قفراً عمارتهم برغم العامر أما خراسان تعود منابتا للعشب ليس لأهلها من جابر وكذا الخوارزم وبلخ بعدها تضحي وليس بربعها من صافر والديلمان جبالها ودحالها ورها ستخرب بعد أخذ نشاور والري يسفك فيه دم عصابة من آل أحمد لا بسيف الكافر وتفر سفاك الدما منهم كما فر الحمام من العقاب الكاسر فهو الخوارزمي يكسر جيشه في نصف شهر من ربيع الآخر ويموت من كمد على ما ناله من ملكه في لج بحر زاخر وتذل عترته وتشقى ولده لظهور نجم للذؤابة زاهر ويكون في نصف القران ظهوره لكن سعادته كلمح الناظر وديار بكر سوف يقتل بعضهم بالسيف بين أصاغر وأكابر وترى بآذربيج بدو خيامه نصبت لجاجاً من عدو كافر تفنى عساكره ويفنى جيشه متمزقاً في كل قفر واعر والويل ما تلقى النصارى منهم بالذل بين أصار وأكابر والويل إن حلوا ديار ربيعة ما بين دجلتها وبين الجازر ويدوخون ديار بابل كلها من شهرزور إلى بلاد السامر وخلاط ترجع بعد بهجة منظر قفراً تداوس باختلاف الحافر هذا وتغلق أربل من دونهم تسعاً وتفتح في النهار العاشر وبطون نينوه ويؤخذ مالها ودوابها من معشر متجاور ولربما ظهرت عساكر موصل تبغي الأمان ن الخؤون الغادر فتراهم نزلا بشاطئ دجلة ومضوا إلى بلد بغير تفاتر وترى إلى الثرثار نهباً واقعاً ودماً يسيل وهتك ستر ساتر يسقون من ماء الفرات خيولهم من كل ظام فوق صهوة ضامر تلقاهم حلب بجيش لو سرى في البحر أظلم بالعجاج الثائر وإذا مضى حد القران رأيتهم يردون جلق وهي ذات عساكر يفنيهم الملك المظفر مثل ما فنيت ثمود في الزمان الغابر ويبيدهم نجل الإمام محمد بحسامه الماضي الغرار الباتر ولربما أبقى الزمان عصابة منهم فيهلكهم حسام الناصر والترك تفني الفرس لا يبقى لهم أثر كذا حكم المليك القادر في أرض كنعان تظل جسومهم مرعى الذئاب وكل نسر طائر وتجول عباد الصليب عليهم بالسيف ذات ميامن ومياسر يا ريع بغداد لا تحويه من جثث محلقة ورأس طائر وكذا الخليفة جعفر سيظل في أرض وليس لسبلها من خاطر وكذا العراق قصورها وربوعها تلك النواحي والمشيد العامر فترى الحصون الشامخات مهدة لم يبق فيها ملجأ لمسافر وتر قراها والبلاد تبدلت بعد الأنيس بكل وحش نافر وأنشدني بعض التجار من أهل العجم قصيدة لابن سينا في هذا المعنى على قافية الراء الساكنة وأولها‏:‏ إذا شرق المريخ من أرض بابل واقترن النحسان فالحذر الحذر ولا بد أن تجري أمور عجيبة ولا بد أن تأتي بلادكم التتر ولم يكن يحفظ إلا بعض القصيدة على غير الصواب فما نقلتها عنه وللشيخ الرئيس من الكتب كما وجدناه غير ما هو مثبت فيما تقدم من كلام أبي عبيد الجوزجاني كتاب اللواحق يذكر أنه شرح الشفاء كتاب الشفاء جمع جميع العلوم الأربعة فيه وصنف طبيعياته وإلهياتها في عشرين يومان بهمدان كتاب الحاصل والمحصول صنفه ببلده للفقيه أبي بكر البرقي في أول عمره في قريب من عشرين مجلدة ولا يوجد ألا نسخة الأصل كتاب البر والإثم صنفه أيضاً للفقيه أبي بكر البرقي في الأخلاق مجلدتان ولا يوجد إلا عنده كتاب الأنصاف عشرون مجلدة شرح فيه جميع كتب أرسطوطاليس وأنصف فيه بين المشرقيين والمغربيين ضاع في نهب السلطان مسعود كتاب المجموع ويعرف بالحكمة العروضية صنفه وله إحدى وعشرون سنة لأبي الحسن العروضي من غير الرياضيات كتاب القانون في الطب صنفه بعضه بجرجان وبالرس وتممه بهمدان وعول على أن يعمل له شرحاً وتجارب كتاب الأوسط الجرجاني في المنطق صنفه بجرجان لأبي محمد الشيرازي كتاب المبدأ والمعاد في النفس صنفه له أيضاً بجرجان ووجدت في أول هذا الكتاب أنه صنفه للشيخ أبي أحمد محمد إبراهيم الفارسي كتاب الأرصاد الكلية صنفها أيضاً بجرجان لأبي محمد الشيرازي كتاب المعاد صنفه بالري للملك مجد الدولة كتاب لسان العرب في اللغة صنفه باصفهان ولم ينقله إلى البياض ولم يوجد له نسخة ولا مثله ووقع إلي بعض هذا الكتاب وهو غريب التصنيف كتاب دانش مايه العلائي بالفارسية صنفه لعلاء الدين بن كاكويه بإصفهان كتاب النجاة صنفه في طريق سابور خواست وهو في خدمة علاء الدولة كتاب الإشارات والتنبيهات وهي آخر ما صنف في الحكمة وأجوده وكان يضن بها كتاب الهداية في الحكمة صنفه وهو محبوس بقلعة فردجان لأخي عليه يشتمل على الحكمة مختصراً كتاب القولنج صنفه بهذه القلعة أيضاً ولا يوجد تاماً رسالة حي بن يقظان صنفها بهذه القلعة أيضاً رمزاً عن العقل الفعال كتاب الأدوية القلبية صنفها بهمدان وكتب بها إلى الشريف السعيد أبي الحسن علي بن الحسين الحسيني مقالة في النبض بالفارسية مقالة في مخارج الحروف وصنفها بإصفهان للجبائي رسالة إلى أبي سهل المسيحي في الزاوية صنفها بجرجان مقالة في القوى الطبيعية إلى أبي سعد اليمامي رسالة الطبر مرموزة تصنيف فيما يوصله إلى علم الحق كتاب الحدود مقالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعبة كتاب عيون الحكمة يجمع العلوم الثلاثة مقالة في عكوس ذوات الجهة الخطب التوحيدية في الإلهيات كتاب الموجز الكبير في المنطق وأما الموجز الصغير فهو منطق النجاة القصيدة المزدوجة في المنطق صنفها للرئيس أبي الحسن سهل بن محمد السهلي بكركانج مقالة في تحصيل السعادة وتعرف الحجج الغر مقالة في القضاء والقدر صنفها في طريق أصفهان عند خلاصه وهربه إلى أصفهان مقالة في الهندبا مقالة في الإشارة إلى علم المنطق مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم رسالة في السكنجبين مقالة في اللانهاية كتاب تعاليق علقه عنه تلميذه أبو منصور بن زيلا مقالة في خواص خط الاستواء المباحثات بسؤال تلميذه أبي الحسن بهمنيار بن المرزبان وجوابه له عشر مسائل أجاب عنها لأبي الريحان البيروني جواب ست عشرة مسألة لأبي الريحان مقالة في هيئة الأرض من السماء وكونها في الوسط كتاب الحكمة المشرقية لا يوجد تاماً مقالة في تعقب المواضع الجدلية المدخل إلى صناعة الموسيقى وهو غير الموضوع في النجاة مقالة في الأجرام السماوية كتاب التدارك لأنواع خطأ التدبير سبع مقالات ألفه لأبي الحسن أحمد بن محمد السهلي مقالة في كيفية الرصد ومطابقته مع العلم الطبيعي مقالة في الأخلاق رسالة إلى الشيخ أبي الحسن سهل بن محمد السهلي في الكيمياء مقالة في آلة رصدية صنعها بأصفهان عند رصده لعلاء الدولة مقالة في غرض قاطيغورياس الرسالة الأضحوية في المعاد صنفها للأمير أبي بكر محمد بن عبيده معتصم الشعراء في العروض صنفه ببلاده وله سبع عشرة سنة مقالة في حد الجسم الحكمة العرشية وهو كلام مرتفع في الإلهيات عهد له عاهد اللّه به لنفسه مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو كتاب تدبير الجند والمماليك والعساكر وأرزاقهم وخراج الممالك مناظرات جرت له في النفس مع أبي علي النيسابوري خطب وتمجيدات وأسجاع جواب تضمن الاعتذار فيما نسب إليه من الخطب مختصر أوقليدس أظنه المضمون إلى النجاة مقالة الأرثماطيقي عشر قصائد وأشعار في الزهد وغيره يصف فيها أحواله رسائل بالفارسية والعربية ومخاطبات ومكاتبات وهزليات تعاليق مسائل حنين في الطب قوانين ومعالجات طبية مسائل عدة طبية عشرون مسألة سأله عنها بعض أهل العصر مسائل ترجمها بالتذاكير جواب مسائل كثيرة رسالة له إلى علماء بغداد يسألهم الإنصاف بينه وبين رجل همداني يدعي الحكمة جواب لعدة مسائل كلام له في تبين ماهية الحروف شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس ويقال أنه من الإنصاف مقالة في النفس تعرف بالفصول مقالة في إبطال أحكام النجوم كتاب الملح في النحو فصول إلهية في إثبات الأول فصول في النفس وطبيعيات رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي في الزهد مقالة في أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء في فنون العلوم تعليقات استفادها أبو الفرج الطبيب الهمداني من مجلسه وجوابات له مقالة ذكرها في تصانيفه أنها في الممالك وبقاع الأرض مختصر في أن الزاوية التي من المحيط والمماس لا كمية لها أجوبة لسؤالات سأله عنها أبو الحسن العامري وهي أربع عشرة مسألة كتاب الموجز الصغير في المنطق كتاب قيام الأرض في وسط السماء ألفه لأبي الحسين بن أحمد بن محمد السهلي كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق كلام في الجوهر والعرض كتاب تأويل الرؤيا مقالة في الرد على مقالة الشيخ أبي الفرج بن الطيب رسالة في العشق ألفها لأبي عبيد اللّه الفقيه رسالة في القوى الإنسانية وإدراكاتها قول في تبين ما الحزن وأسبابه مقالة إلى أبي عبيد اللّه الحسين بن سهل بن محمد السهلي في أمر مشوب

 

ألايلاقي

هو السيد أبو عبد اللّه محمد بن يوسف شرف الدين شريف النسب فاضل في نفسه خبير بصناعة الطب والعلوم الحكمية وهي من جملة تلاميذ الشيخ الرئيس والآخذين عنه وقد اختصر كتاب القانون وأجاد في تأليفه وللأيلاقي من الكتب باختصار كتاب القانون لابن سينا

أبو الريحان البيروني

هو الأستاذ أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني منسوب إلى بيرون وهي مدينة في السند كان مشتغلاً بالعلوم الحكمية فاضلاً في علم الهيئة والنجوم وله نظر جيد في صناعة الطب وكان معاصر الشيخ الرئيس وبينهما محادثات ومراسلات وقد وجدت للشيخ الرئيس أجوبة مسائل سأله عنها أبو الريحان البيروني وهي تحتوي على أمور مفيدة في الحكمة وأقام أبو الريحان البيروني بخوارزم ولأبي الريحان البيروني من الكتب كتاب الجماهير في الجواهر وأنواعها وما يتعلق بهذا المعنى ألفه للملك المعظم شهاب الدولة أبي الفتح مودود بن مسعود بن محمود كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية كتاب الصيدلة في الطب استقصى فيها معرفة ماهيات الأدوية ومعرفة أسمائها واختلاف آراء المتقدمين وما تكلم كل واحد من الأطباء وغيرهم فيه وقد رتبه على حروف المعجم كتاب مقاليد الهيئة كتاب تسطيح الكرة كتاب العمل بالأصطرلاب كتاب القانون المسعودي ألفه لمسعود بن محمود بن سبكتكين وحذا فيه حذو بطليموس كتاب التفهيم في صناعة التنجيم مقالة في تلافي عوارض الزلة في كتاب دلائل القبلة رسالة في تهذيب الأقوال مقالة في استعمال الأصطرلاب الكروي كتاب الأطلال كتاب الزيج المسعودي ألفه للسلطان مسعود بن محمود ملك غزنة اختصار كتاب بطليموس القلوذي وتوفي في عشر الثلاثين والأربعمائة ابن مندويه الاصفهاني هو أبو علي أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه من الأطباء المذكورين في بلاد العجم وخدم هنالك جماعة من ملوكها ورؤسائها وكانت له أعمال مشهورة مشكورة في صناعة الطب وكان من البيوتات الأجلاء بأصفهان وكان أبو عبد الرحمن بن مندويه فاضلاً في علم الأدب وافر الدين وله أشعار حسنة من ذلك قال ويحرز أموالاً رجال اشحة وتشغل عما خلفهن وتذهل لعمرك ما الدنيا بشيء ولا المنى بشيء ولا الإنسان معلل وقال أيضاً ويمسي المرء ذا أجل قريب وفي الدنيا له أمل طويل ويعجل بالرحيل وليس يدرس إلى ماذا يقر به الرحيل ولأبي علي بن مندويه الأصفهاني من الكتب رسائل عدة من ذلك أربعون رسالة مشهورة إلى جماعة من أصحابه في الطب وهي رسالة إلى أحمد بن سعد في تدبير الجسد رسالة إلى عباد بن عباس في تدبير الجسد رسالة إلى أبي الفضل العارض في تدبير الجسد رسالة إلى أبي القاسم أحمد بن علي بن بحر في تدبير المسافر رسالة إلى حمزة بن الحسن في تركيب طبقات العين رسالة إلى أبي الحسن الوارد في علاج انتشار العين رسالة إلى عباد بن عباس في وصف انهضام الطعام رسالة إلى أحمد بن سعد في وصف المعدة والقصد لعلاجها رسالة إلى مستفسر في تدبير جسده وعلاج دائه رسالة إلى أبي جعفر أحمد بن محمد بن الحسن في القولنج في أيام صحته فيتدافع عنه بعون اللّه تعالى رسالة إلى أبي محمد بن أبي جعفر في تدبير ضعف الكلى لمن يستبشع الحقنة رسالة إلى أبي الفضل في علاج المثانة رسالة إلى الأستاذ الرئيس في علاج شقاق البواسير رسالة في أساب الباه رسالة في الإبانة عن السبب الذي يولد في الأذن القرقرة عند اتقاد النار في خشب التين رسالة إلى الوثاي في علاج وجع الركبة رسالة إلى أبي الحسن بن دليل في علاج الحكة العارضة للمشيخة رسالة في فعل الأشربة في الجسد رسالة في وصف مسكر الشراب ومنافعه ومضاره رسالة إلى حمزة بن الحسن في أن الماء لا يغذو رسالة في نعت النبيذ ووصف أفعاله ومنافعه ومضاره رسالة إلى ابنه في علاج بثور خرجت بجسده بماء الجبن وهو صغير رسالة في منافع الفقاع ومضاره رسالة إلى أبي الحسين أحمد بن سعيد في الخنديقون والبقاع وجوابه إليه رسالة إلى بعض إخوانه في التمر الهندي رسالة إلى بعض إخوانه في الكافور رسالة إلى حمزة بن الحسن في النفس والروح على رأي اليونانيين رسالة أخرى إلى حمزة بن الحسن في الاعتذار عن اعتلال الأطباء رسالة في الرد على كتاب نقص الطب المنسوب إلى الجاحظ رسالة إلى حمزة بن الحسن في الرد على من أنكر حاجة الطبيب إلى علم اللغة رسالة إلى المتقلدين علاج المرضى ببيمارستان أصفهان رسالة إلى أبي الحسن بن سعيد في البحث عما ورد من أبي حكيم إسحاق بن يوحنا الطبيب الأهوازي في شأن علته رسالة إلى يوسف بن يزداد المتطبب في إنكاره دخول لعاب بزر الكتان في أدوية الحقنة رسالة أبي محمد عبد اللّه بن إسحاق الطبيب ينكر عليه ضروباً من العلاج رسالة أخرى إلى أبي محمد المتطبب في علة الأمير المتوفي شيرزيل بن ركن الدولة رسالة أخرى إلى أبي محمد المديني في شأن التكميد بالجاورس رسالة أخرى لأبي مسلم محمد بن بحر عن لسان أبي محمد الطبيب المديني رسالة في علة الأهزل أحمد بن إسحاق البرجي وذكر الغلط الجاري من يوسف بن اصطفن المتطبب رسالة في أوجاع الأطفال كناش كتاب المدخل إلى الطب كتاب الجامع المختصر من علم الطب وهو عشر مقالات كتاب المغاث في الطب كتاب في الشراب كتاب الأطعمة والأشربة كتاب نهاية الاختصار في الطب كتاب الكافي في الطب ويعرف أيضاً بكتاب القانون الصغير‏.‏

ابن أبي صادق هو أبو القاسم عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن أبي صادق النيسابوري طبيب فاضل بارع في العلوم الحكمية كثير الدراية للصناعة الطبية له حرص بالغ في التطلع على كتب جالينوس وما أودعه فيه من غوامض صناعة الطب وأسرارها شديد الفحص عن أصولها وفروعها وكان فصيحاً بليغ الكلام وما فسره من كتب جالينوس فهو في نهاية الجودة والإتقان كما وجدنا تفسيره كتاب منافع الأعضاء لجالينوس فإنه أجهد نفسه فيه وأجاد في تلخيص معانيه وهو أيضاً يقول وإضافة إليه مما وجدته من الزيادات في مصنفات جالينوس ومصنفات غيره من المحصلين في هذا الباب ورتبنا كل مقالة تعليماً تعليماً وألحقنا بأواخر كل منها ما يتبين به من تشريح عضو عضو يتضمن منافعه تلك المقالة ليسهل على من أراد تشريح أي عضو كان أو منافع أي جزء من أجزائه وجدانه وكان فراغه من هذا الكتاب في سنة تسع وخمسين وأربعمائة وحدثني بعض الأطباء أن ابن أبي صادق كان قد اجتمع بالشيخ الرئيس بن سينا وقرأ عليه وكان من جملة تلامذته والآخذين عنه وهذا لا استبعده بل هو أقرب إلى الصحة فإن ابن أبي صادق لحق زمان ابن سينا وكان في بلاد العجم وسمعة ابن سينا كانت عظيمة وكذلك غزارة علمه وكثرة تلامذته وكان أكبر من ابن أبي صادق قدراً وسناً ولابن أبي صادق من الكتب شرح كتاب المسائل في الطب لحنين بن إسحاق اختصار شرحه الكبير لكتاب المسائل لحنين شرح كتاب الفصول لإبقراط ووجد خطه على هذا الشرح بتاريخ سنة ستين وأربعمائة على قراءة من قرأه عليه شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط شرح كتاب منافع الأعضاء لجالينوس ووجدت الأصل من هذا الكتاب تاريخ الفراغ منه في سنة تسع وخمسين وأربعمائة موقعاً عليه بخط ابن أبي صادق ما هذا مثاله بلغت المقابلة وصح إن شاء اللّه تعالى وبه الثقة وكتب أبو القاسم بخطه حل شكوك الرازي على كتب جالينوس كتاب التاريخ

طاهر بن إبراهيم السجري

هو الشيخ أبو الحسين طاهر بن إبراهيم بن محمد بن طاهر السجري كان طبيباً فاضلاً عالماً بصناعة الطب متميزاً فيها خبيراً بأعمالها وله من الكتب كتاب إيضاح منهاج محجة العلاج ألفه للقاضي أبي الفضل محمد بن حموية كتاب في شرح البول والنبض تقسيم كتاب الفصول لأبقراط

ابن خطيب الري

هو الإمام فخر الدين أبو عبد اللّه محمد بن العمر بن الحسين الرازي أفضل المتأخرين وسيد الحكماء المحدثين قد شاعت سيادته وانتشرت في الآفاق مصنفاته وتلامذته وكان إذا ركب يمشي حوله ثلثمائة تلميذ فقهاء وغيرهم وكان خوارزمشاه يأتي إليه وكان ابن الخطيب شديد الحرص جداً في سائر العلو الشرعية والحكمية جيد الفطرة حاد الذهن حسن العبارة كثير البراعة قوي النظر في صناعة الطب ومباحثها عارفاً بالأدب وله شعر بالفارسي والعربي وكان عبل البدن ربع القامة كبير اللحية وكان في صوته فخامة وكان يخطب ببلده الري وفي غيرها من البلاد ويتكلم على المنبر بأنواع من الحكمة وكان الناس يقصدونه من البلاد ويهاجرون إليه من كل ناحية على اختلاف مطالبهم في العلوم وتفننهم فيما يشتغلون به فكان كل منهم يجده عند النهاية القصوى فيما يرومه منه وكان الإمام فخر الدين قد قرأ الحكمة على مجد الدولة الجيلي بمراغة وكان مجد الدين هذا من الأفاضل العظماء في زمانه وله تصانيف جليلة وحكى لنا القاضي شمس الدين الخوئي عن الشيخ فخر الدين أنه قال واللّه أنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل فإن الوقت والزمان عزيز وحدثني محيي الدين قاضي مرند قال لما كان الشيخ فخر الدين بمرند أقام بالمدرسة التي كان أبي مدرسها وكان يشتغل عنه بالفقه ثم اشتغل بعد ذلك لنفسه بالعلوم الحكمية وتميز حتى لم يوجد في زمانه آخر يضاهيه واجتمعت به أيضاً بهمدان وهراة واشتغلت عليه قال وكان لمجلسه جلالة عظية وكان يتعاظم حتى على الملوك وكان إذا جلس للتدريس يكون قريباً منه جماعة من تلاميذه الكبار مثل زين الدين الكشي والقطب المصري وشهاب الدين النيسابوري ثم يليهم بقية التلاميذ وسائر الخلق على قدر مراتبهم فكان من يتكلم في شيء من العلوم يباحثونه أولئك التلاميذ الكبار فإن جرى بحث مشكل أو معنى غريب شاركهم الشيخ فيما هم فيه وتكلم في ذلك المعنى بما يفوق الوصف وحدثني شمس الدين محمد الوتار الموصلي قال كنت ببلد هراة وستمائة وقد قصدها الشيخ فخر الدين بن الخطيب من بلد باميان وهو في أبهة عظية وحشم كثير فلما ورد إليه تلقاه السلطان بها وهو حسين بن خرمين وأكرمه إكراماً كثيراً ونصب له بعد ذلك منبراً وسجادة في صدر الديوان من الجامع بها ليجلس في ذلك الموضع ويكون له يوم مشهور يراه فيه سائر الناس ويسمعون كلامه وكنت في ذلك اليوم حاضراً مع جملة الناس والشيخ فخر الدين في صدر الإيوان وعن جانبيه يمنة ويسرة صفان من مماليكه الترك متكئين على السيوف وجاء فيه السلطان حسين بن خرمين صاحب هراة فسلم وأمره الشيخ بالجلوس قريباً منه وجاء إليه أيضاً السلطان محمود ابن أخت شهاب الدين الغوري صاحب فيروزكوه فسلم وأشار إليه الشيخ بالجلوس في موضع آخر قريباً منه من الناحية الأخرى وتكلم الشيخ في النفس بكلام عظيم وفصاحة بليغة قال وبينما نحن في ذلك الوقت وإذا بحمامة في دائر الجامع ووراءها صقر يكاد أن يقتنصها وهي تطير في جوانبه إلى أن أعيت فدخلت الإيوان الذي فيه الشيخ ومرت طائرة بين الصفين إلى أن رمت بنفسها عنده وبخت فذكر لي شرف الدين بن عنين أنه عمل عراً على البديه ثم نهض لوقته واستأذنه في أن يورد شيئاً قد قاله في المعنى فأمره الشيخ بذلك فقال جاءت سليمان الزمان بشجوها والموت يلمع من جناحي خاطف من نبأ الورقاء أن محلكم حرز وأنك ملجأ للخائف فطرب لها الشيخ فخر الدين واستدناه وأجلسه قريباً منه وبعث إليه بعد ما قام من مجلسه خلعة كاملة ودنانير كثيرة وبقي دائماً محسناً إليه قال لي شمس الدين الوتار لم ينشد قدامي لابن خطيب الري سوى هذبن البيتين وإنما بعد ذلك زاد فيها أبياتاً أخر هذا قوله وقد وجدت الأبيات المزادة في ديوانه على هذا المثال يا ابن الكرام المطعمين إذا استوى في كل مخمصة وثلج خاشف العاصمين إذا النفوس تطايرت بين الصوارم والوشيج الراعف من نبأ الورقاء أن محلكم حرم وأنك ملجأ للخائف وفدت إليك وقد تدانى حتفها فحبوتها ببقائها المستأنف ولو أنها تحبى لمال لانثنت من راحتيك بنائل متضاعف قرم لواه القوت حتى ظله بإزائه يجري بقلب راجف أقول ومما حكاه شرف الدين بن عنين أنه حصل من جهة فخر الدين بن خطيب الري وبجاهه في بلاد العجم نحو ثلاثين ألف دينار ومن شعره فيه قوله وسيرها إليه من نيسابور إلى هراة ريح الشمال عساك أن تتحملي خدمي إلى الصدر الإمام الأفضل وقفي بواديه المقدس وانظري نور الهدى متألقاً لا يأتلي من دوحة فخرية عمرية طابت مغارس مجدها المتأثل مكية الأنساب زاك أصلها وفروعها فوق السماك الأعزل واستمطري جدوى يديه فطالما خلف الحيا في كل عام ممحل نعم سحائبها تعود كما بدت لا يعرف الوسمي منها والولي بحر تصدر للعلوم ومن رأى بحراً تصدر قبله في محفل ومشمر في اللّه يسحب للتقى والدين سربال العفاف المسبل ماتت به بدع تمادى عمرها دهراً وكاد ظلامها لا ينجلي فعلا به الإسلام أرفع هضبة ورسا سواه في الحضيض الأسفل ويحار بطليموس لو لاقاه من برهانه في كل شكل مشكل فلو أنهم جمعوا لديه تيقنوا أن الفضيلة لم تكن للأول وبه يبيت الحلم معتصماً إذا هزت رياح الطيش ركني يذبل يعفو عن الذنب العظيم تكرماً ويجود مسؤولاً وأن لم يسأل أرضى الإله بفضله ودفاعه عن دينه وأقر عين المرسل يا أيها المولى الذي درجاته ترنو إلى فلك الثوابت من عل ما منصب إلا وقدرك فوقه فبمجدك السامي يهني ما تلي فمتى أراد اللّه رفعة منصب أفضى إليك فنال أشرف منزل لا زال ربعك للوفود محطة أبداً وجودك كهف كل مؤمل وحدثني نجم الدين يوسف بن شرف الدين علي بن محمد الاسفزاري قال كان الشيخ الإمام ضياء الدين عمر والد الإمام فخر الدين من الري وتفقه واشتغل بعلم الخلاف والأصول حتى تميز تميزاً كثيراً وصار قليل المثل وكان يدرس بالري ويخطب في أوقات معلومة هنالك ويجتمع عنده خلق كثير لحسن ما يورده وبلاغته حتى اشتهر بذلك بين الخاص والعام في تلك النواحي وله والآخر وهو الأكبر سناً كان يلقب بالركن وكان هذا الركن قد شدا شيئاً من الخلاف والفقه والأصول إلا أنه كان أهوج كثير الاختلال فكان أبداً لا يزال يسير خلف أخيه فخر الدين ويتوجه إليه في أي بلد قصده ويشنع عليه ويسفه المشتغلين بكتبه والناظرين في أقواله ويقول ألست أكبر منه وأعلم منه وأكثر معرفة بالخلاف والأصول فما للناس يقولون فخر الدين فخر الدين ولا أسمعهم يقولون ركن الدين وكان ربما صنف بزعمه شيئاً ويقول هذا خير من كلام فخر الدين ويثلبه والجماعة يعجبون منه وكثير منهم يصفونه ويهزأون به وكان الإمام فخر الدين كلما بلغه شيء من ذلك صعب عليه ولم يؤثر أن أخاه بتلك الحالة ولا أحد يسمع قوله وكان دائم الإحسان إليه وربما سأله المقام في الري أو في غيره وهو يفتقده ويصله بكل ما يقدر عليه فكان كلما سأله ذلك يزيد في فعله ولا ينتقل عن حاله ولم يزل كذلك لا ينقطع عنه ولا يسكت عما هو فيه إلى أن اجتمع فخر الدين بالسلطان خوارزمشاه وأنهى إليه حال أخيه وما يقاسي منه والتمس منه أن يتركه في بعض المواضع ويوصي عليه أنه لا يمكن من الخروج والانتقال عن ذلك الموضع وأن يكون له ما يقوم بكفايته وكل ما يحتاج إليه فجعله السلطان في بعض القلاع التي له وأطلق له إقطاعاً يقوم له في كل سنة بما مبلغه ألف دينار ولم يزل مقيماً هنالك حتى قضى اللّه فيه أمره‏.‏

قال وكان الإمام فخر الدين علامة وقته في كل العلوم وكان الخلق يأتون إليه من كل ناحية ويخطب أيضاً بالري وكان له مجلس عظيم التدريس فإذا تكلم بذ القائلين وكان عبل البدن باعتدال عظيم الصدر والرأس كث اللحية ومات وهو في سن الكهولة أشمط شعر اللحية وكان كثيراً ما يذكر الموت ويؤثره ويسأل اللّه الرحمة ويقول إنني حصلت من العلوم ما يمكن تحصيله بحسب الطاقة البشرية وما يبيت أؤثر إلا لقاء اللّه تعالى والنظر إلى وجهه الكريم‏.‏

قال وخلف فخر الدين ابنين الأكبر منهما يلقب بضياء الدين وله اشتغال ونظر في العلوم والآخر وهو الصغير لقبه شمس الدين وله فطرة فائقة وذكاء خارق وكان كثيراً ما يصفه الإمام فخر الدين بالذكاء ويقول إن عاش ابني هذا فإنه يكون أعلم مني وكانت النجابة تتبين فيه من الصغر ولما توفي الإما فخر الدين بقيت أولاده في هراة ولقب ولده الصغير بعد ذلك فخر الدين بلقب أبيه وكان الوزير علاء الملك العلوي متقلداً الوزارة للسلطان خوارزمشاه وكان علاء الملك فاضلاً متقناً العلوم والأدب والشعر بالعربية والفارسية وكان قد تزوج بابنة الشيخ فخر الدين ولما جرى أن جنكز خان ملك التتر قهر خوارزمشاه وكسره وقتل أكثر عسكره وفقد خوارزمشاه توجه علاء الملك قاصداً إلى جنكز خان ومعتصماً به فلما وصل إليه أكرمه وجعله عنده من جملة خواصه وعندما استولى التتر على بلاد العجم وخربوا قلاعها ومدنها وكانوا يقتلون في كل مدينة جميع من بها ولم يبقوا على أحد تقدم علاء الملك إلى جنكز خان وقد توجهت فرقة من عساكره إلى مدينة هراة ليخربوها ويقتلوا من بها فسأله أن يعطيه أماناً لأولاد الشيخ فخر الدين بن خطيب الري وأن يجيئوا بهم مكرمين إليه فوهب لهم ذلك وأعطاهم أماناً ولما ذهب أصحابه إلى هراة وشارفوا أخذها نادوا فيها بأن لأولاد فخر الدين بن الخطيب الأمان فليعزلوا ناحية في مكان ويكون هذا الأمان معهم وكان في هراة دار الشيخ فخر الدين هي دار السلطنة كان خوارزمشاه قد أعطاها له وهي من أعظم دار تكون وأكبرها وأبهاها وأكثرها زخرفة واحتفالاً فلما بلغ أولاد فخر الدين ذلك أقاموا بها مأمونين والتحق بهم خلق كثير من أهاليهم وأقربائهم وأعيان الدولة وكبراء البلد وجماعة كثيرين من الفقهاء وغيرهم ظناً منهم أن يكونوا في أمان لاتصالهم بأولاد فخر الدين ولكونهم خصيصين به وفي دارهم وكانوا خلقاً عظيماً فلما دخل التتر البلد وقتلوا من وجدوه بها وانتهوا إلى الدار نادوا بأولاد فخر الدين أن يروهم فلما شاهدوهم أخذوهم عندهم وهم ضياء الدين وشمس الدين أختهم ثم شرعوا بسائر من كان في الدار فقتلواهم عن آخرهم بالسيف وتوجهوا بأولاد الشيخ فخر الدين من هراة إلى سمرقند لأن ملك التتر جنكز خان كان في ذلك الوقت بها وعنده علاء الملك قال ولست أعلم ما تم لهم بعد ذلك أقول وكان أكثر مقام الشيخ فخر الدين بالري وتوجه أيضاً إلى بلدة خوارزم ومرض بها وتوفي في عقابيله ببلدة هراة وأملى في شدة مرضه وصية على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر بن علي الإصفهاني وذلك في يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر المحرم سنة ست وستمائة وامتد مرضه إلى أن توفي يوم العيد غرة شوال من السنة المذكورة وانتقل إلى جوار ربه رحمه اللّه تعالى وهذه نسخة الوصية بسم اللّه الرحمن الرحيم يقول العبد الراجي رحمة ربه الواثق بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسين الرازي وهو في آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة وهو الوقت الذي يلين فيه كل قاس ويتوجه إلى مولاه كل ابق إني أحمد تعالى بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات مشاهدتهم بل أقول كل ذلك من نتائج الحدوث والإمكان فأحمده بالمحامد التي تستحقها الوهيته ويستوجبها لكمال الموهبة عرفتها أو لم أعرفها لأنه لا مناسبة للتراب مع جلال رب الأرباب وأصلي على الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين وجميع عباد اللّه الصالحين ثم أقول بعد ذلك اعلموا اخواني في الدين وأخداني في طلب اليقين إن الناس يقولون الإنسان إذا مات انقطع تعلقه عن الخلق وهذا العام خصوص من وجهين الأول أنه إذا بقي منه عمل صالح صار ذلك سبباً للدعاء والدعاء له أثر عند اللّه والثاني ما يتعلق بمصالح الأطفال والأولاد والعورات وأداء المظالم والجنايات أما الأول فاعلموا أني كنت رجلاً محباً للعلم فكنت أكتب في كل شيء شيئاً لا أقف على كمية وكيفية سواء كان حقاً أو باطلاً أو غثاً أو سميناً إلا أن الذي نظرته في الكتب المعتبرة لي إن هذا العالم المحسوس تحت تدبير مدبر منزه عن مماثلة المتحيزات والأغراض وموصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية للّه تعالى ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات وما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشي وتضمحل في تلك المضايق العميقة والمناهج الخفية فلهذا أقول كلما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم والأزلية والتدبير والفعالية فذاك هو الذي أقول به وألقى اللّه تعالى به وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض فكل ما ورد في القرآن والأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحد فهو كما هو والذي لم يكن كذلك أقول يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلك ما مر به قلمي أو خطر ببالي فاستشهد علمك وأقول إن علمت مني إني أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بي ما أنا أهله وإن علمت مني إني ما سعيت إلا في تقرير ما اعتقدت أنه هو الحق وتصورت أنه الصدق فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي فذاك جهد المقل وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في الزلة فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينتقص بخطأ المجرمين وأقول ديني متابعة محمد سيد المرسلن وكتابي هو القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما اللّهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات ويا راحم العبرات ويا قيام المحدثات والممكنات أنا كنت حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت أنا عند ظن العبد بي وأنت قلت أمن يجيب المضطر إذا دعاه وأنت قلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم وأنا المحتاج اللئيم وأعلم أنه ليس لي أحد سواك ولا أجد محسناً سواك وأنا معترف بالزلة والقصور والعيب والفتور فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمناً من عذابك قبل الموت وعند الموت وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت وخفف عني نزول الموت ولا تضيق علي بسبب الآلام والأسقام فأنت أرحم الراحمين وأما الكتب العلمية التي صنفتها أو استكثرت من إيراد السؤالات على المتقدمين فيها فمن نظر في شيء منها فإن طابت له تلك السؤالات فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والإنعام وإلا فليحذف القول السيء فإني ما أردت إلا تكثير البحث وتشحيذ الخاطر واعتمادي فيه على اللّه تعالى وأما المهم الثاني وهو إصلاح أمر الأطفال والعورات فاعتمادي فيه على اللّه تعالى ثم على نائب اللّه محمد اللّهم اجعله قرين محمد الأكبر في الدين والعلو إلا أن السلطان الأعظم لا يمكنه أن يشتغل بإصلاح مهمات الأطفال فرأيت الأولى أن أفوض وصاية أولادي إلى فلان وأمرته بتقوى اللّه تعالى فإن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وسرد الوصية إلى آخرها ثم قال وأوصيه ثم أوصيه ثم أوصيه بأن يبالغ في تربية ولدي أبي بكر فإن آثار الذكاء والفطنة ظاهرة عليه ولعل اللّه تعالى يوصله إلى خير وأمرته وأمرت كل تلامذتي وكل من عليه حق إني إذا مت يبالغون في إخفاء موتي ولا يخبرون أحداً به ويكفنوني ويدفنوني على شرط الشرع ويحملونني إلى الجبل المصاقب لقرية مزداخان ويدفنوني هناك وإذا وضعوني في اللحد قرأوا علي ما قدروا عليه من آيات القرآن ثم ينثرون التراب علي وبعد الإتمام يقولون يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه وهذا منتهى وصيتي في هذا الباب واللّه تعالى الفعال لما يشاء وهو على ما يشاء قدير وبالإحسان جدير‏.‏

ومن شعر فخر الدين بن الخطيب أنشدني بديع الدين البندهي مما سمعه من الشيخ فخر الدين بن خطيب الري لنفسه فمن ذلك قال نهاية اقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في عقلة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وكم قد رزينا من رجال ودولة فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال فزالوا والجبال جبال وأنشدني أيضاً قال أنشدني المذكور لنفسه فلو قنعت نفسي بميسور بلغة لما سيقت في المكرمات رجالها ولو كانت الدنيا مناسبة لها لما استحقرت نقصانها وكمالها ولا أرمق الدنيا بعين كرامة ولا أتوقى سوءها واختلالها وذلك لأني عارف بفنائها ومستيقن ترحالها وانحلالها أروم أموراً يصغر الدهر عندها وتستعظم الأفلاك طراً وصالها كون يرى وفساد جاء يتبعه اللّه أعلم ما في خلقه عبث نظر إلى قوله عز وجل ‏"‏ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ‏"‏ وأنشدني بعض الفقهاء للشيخ فخر الدين بن الخطيب في مخدومه علاء الدين علي خوارزم شاه حين كسر الغوري قال الدين ممدود الرواق موطد والكفر محلول النطاق مبدد بعد علاء الدين والملك الذي أدنى خصائصه العلى والسودد شمس يشق جبينه حجب السما والليل قاري الدجنة أسود هو في الجحافل أن أثير غبارها أسد ولكن في المحافل سيد فإذا تصدر للسماح فإنه في ضمن راحته الخضم المزبد وإذا تمنطق للكفاح رأيته في طي لأمته الهزبر الملبد وبالجهد أدرك ما أراد من العلى لا يدرك العلياء من لا يجهد أبقت مساعي أتسز بن محمد سنناً تخيرها النبي محمد أأعد أنعاماً علي عزيزة والكثر لا يحصى فلست أعدد من نسل سابور ودارى نجره صِيد الملوك وذاك عندي أصيد خوارزم شاه جهان عشت فلا يرى لك في الزمان على الجياد مفند أفنيت أعداء الإله يسفل الماضي شباه على العداة مهند أمروزتو ملك الزمان بأسره لا شيء مثل علاك أنت الأوحد أشبهت ضحاك البلاد بسطوة ترجى وتخشى جرخ تو وتسعد أقول وللشيخ فخر الدين أيضاً أشعاراً كثيرة بالفارسي ودوبيت ولفخر الدين بن الخطيب من الكتب كتاب التيسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب اثنتا عشرة مجلدة بخطه الدقيق سوى الفاتحة فإنه أفرد لها كتاب تفسير الفاتحة مجلدة تفسير سورة البقرة على الوجه العقلي لا النقلي مجلد شرح وجيز الغزالي لم يتم حصل منه العبادات والنكاح في ثلاث مجلدات كتاب الطريقة العلائية في الخلاف أربع مجلدات كتاب لوامع البينات في شرح أسماء اللّه تعالى والصفات كتاب المحصول في علم أصول الفقه كتاب في إبطال القياس شرح كتاب المفصل للزمخشري في النحو لم يتم شرح نهج البلاغة لم يتم كتاب فضائل الصحابة كتاب مناقب الشافعي كتاب نهاية العقول في دراية الأصول مجلدان كتاب المحصل مجلد كتاب المطالب العالية ثلاث مجلدات لم يتم وهو آخر ما ألف كتاب الأربعين في أصول الدين كتاب المعالم وهو آخر مصنفاته من الصغار كتاب تأسيس التقديس مجلد ألفه للسلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب فبعث له عنه ألف دينار كتاب القضاء والقدر رسالة الحدوث كتاب تعجيز الفلاسفة بالفارسية كتاب البراهين البهائية بالفارسية كتاب اللطائف الغيائة كتاب شفاء العيى والخلاف كتاب الخلق والبعث كتاب الخمسين في أصول الدين كتاب عمدة الأنظار وزينة الأفكار كتاب الأخلاق كتاب الرسالة الصاحبية كتاب الرسالة المحمدية كتاب عصمة الأنبياء كتاب الملخص كتاب المباحث المشرقية كتاب الأنارات في شرح الإشارات كتاب لباب الإشارات شرح كتاب عيون الحكمة الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية ألفها بالفارسية لكمال الدين محمد بن ميكائيل ووجدت شيخنا الإمام العالم تاج الدين محمد الأرموي قد نقلها إلى العربية في سنة خمس وعشرين وستمائة بدمشق رسالة الجواهر الفرد كتاب الرعاية كتاب في الرمل كتاب مصادرات إقليدس كتاب في الهندسة كتاب نفثة المصدور كتاب في ذم الدنيا كتاب الاختبارات العلائية كتاب الاختبارات السماوية كتاب إحكام الأحكام كتاب الموسوم في السر المكتوم كتاب الرياض المونقة رسالة في النفس رسالة في النبوات كتاب الملل والنحل منتخب كتاب دنكاوشا كتاب مباحث الوجود كتاب نهاية في الإيجاز في دراية الإعجاز كتاب مباحث الجدل كتاب مباحث الحدود كتاب الآيات البينات رسالة في التنبيه على بعض الأسرار المودعة في بعض سور القرآن العظيم كتاب الجامع الكبير لم يتم ويعرف أيضاً بكتاب الطب الكبير كتاب في النبض مجلد شرح كليات القانون لم يتم وألفه للحكيم ثقة الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم السرخسي كتاب التشريح من الرأس إلى الحلق لم يتم كتاب الأشربة مسائل في الطب كتاب في الزبدة كتاب الفراسة‏.‏

القطب المصري

هو الإمام قطب الدين إبراهيم بن علي بن محمد السلمي وكان أصله مغربياً وإنما انتقل إلى مصر وأقام بها مدة ثم سافر بعد ذلك إلى بلاد العجم واشتغل على فخر الدين بن خطيب الري واشتهر هناك وكان من أجل تلامذة ابن الخطيب وأميزهم وصنف كتباً كثيرة في الطب والحكمة وشرح الكليات بأسرها من كتاب القانون لابن سينا ووجدته في كتابه هذا يفضل المسيحي وابن الخطيب على الشيخ أبي علي بن سينا وهذا نص قوله قال والمسيحي أعلم بصناعة الطب من الشيخ أبي علي فإن مشايخنا يرجحونه على جمع عظيم ممن هم أفضل من أبي علي في هذا الفن وقال أيضاً وعبارة المسيحي أوضح وأبين مما قاله الشيخ وغرضه في كتبه تقييد العبارة من غير فائدة وقال في تفصيل ابن الخطيب على الشيخ الرئيس فهذا مما تنخل من كلام الإمامين العظيمين الإمام المتقدم والإمام المتأخر عنه زماناً الراجح عليه علماً وعملاً واعتقاداً ومذهباً وقتل القطب المصري بمدينة نيسابور وذلك عندما استولى التتر على بلاد العجم وقتلوا أهلها فكان من جملة القتلى بنيسابور‏.‏

وللقطب المصري من الكتب شرح الكليات من كتاب القانون للشيخ الرئيس ابن سينا

 

 

الباب الثاني عشر طبقات الأطبّاء الذين كانوا من الهند

كنكه الهندي

حكيم بارع من متقدمي حكماء الهند وأكابرهم وله نظر في صناعة الطب وقوى الأدوية وطبائع المولدات وخواص الموجودات وكان من أعلم الناس بهيئة العالم وتركيب الأفلاك وحركات النجوم وقال أبو معشر جعفر بن محمد ابن عمر البلخي في كتاب الألوف إن كنكه هو المقدم في علم النجوم عند جميع العلماء من الهند في سالف الدهر ولكنكه من الكتب كتاب النموذار في الأعمار كتاب أسرار المواليد كتاب القرانات الكبير كتاب القرانات الصغير كتاب الطب وهو يجري مجري كناش كتاب في التوهم كتاب في أحداث العالم والدور في القران‏.‏

صنجهل

كان من علماء الهند وفضلائهم الخبيرين بعلم الطب والنجوم ولصنجهل من الكتب كتاب المواليد الكبير وكان من بعد صنجهل الهندي جماعة من بلاد الهند ولهم تصانيف معروفة في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم مثل باكهر راحه صكة داهر انكرزنكل جبهر اندي جاري كل هؤلاء أصحاب تصانيف وهم من حكماء الهند وأطبائهم ولهم الأحكام الموضوعة في علم النجوم والهند تشتغل بمؤلفات هؤلاء فيما بينهم ويقتدون بها ويتناقلونها وقد نقل كثير منها إلى اللغة العربية ووجدت الرازي قد نقل في كتابه الحاوي وفي غيره عن كتب جماعة من الهند مثل كتاب شرك الهندي وهذا الكتاب فسره عبد اللّه بن علي من الفارسي إلى العربي لأنه أولاً نقل من الهندي إلى الفارسي وعن كتاب سسرد وفيه علامات الأدواء ومعرفة علاجها وأدويتها وهو عشر مقالات أمر يحيى بن خالد بتفسيره وكتاب بدان في علامات أربعمائة وأربعة أدواء ومعرفتها بغير علاج وكتاب سندهشان وتفسيره كتاب صورة النجح وكتاب فيما اختلف فيه الهند والروم في الحار والبارد وقوى الأدوية وتفصيل السنة وكتاب تفسير أسماء العقار بأسماء عشرة وكتاب أسانكر الجامع وكتاب علاجات الحيالى للهند وكتاب مختصر في العقاقير للهند وكتاب نوفشل فيه مائة داء ومائة دواء وكتاب روسي الهندية في علاجات النساء وكتاب السكر للهند وكتاب رأي الهندي في أجناس الحيات وسمومها وكتاب التوهم في الأمراض والعلل لأبي قبيل الهندي‏.‏

ومن المشهورين أيضاً من أطباء الهند شاناق وكانت له معالجات وتجارب كثيرة في صناعة الطب وتفنن في العلوم وفي الحكمة وكان بارعاً في علم النجوم حسن الكلام متقدماً عند ملوك الهند ومن كلام شاناق قال في كتابه الذي سماه منتحل الجوهر يا أيها الوالي اتق عثرات الزمان واخش تسلط الإمام ولوعة غلبة الدهر اعلم أن الأعمال جزاء فاتق عوائق الدهر والأيام فإن لها غدرات فكن منها على حذر والأقدار مغيبات فاستعد لها والزمان منقلب فاحذر دولته لئيم الكرة فخف سطوته سرع الغرة فلا تأمن دولته واعلم أن من لم يداو نفسه من سقام الآثام في أيام حياته فما أبعده من الشفاء في دار لا دواء لها ومن أذل حواسه واستبعدها فيما تقدم من خير لنفسه أبان فضله وأظهر نبله ومن لم يضبط نفسه وهي واحدة لم يضبط حواسه وهي خمس فإذا لم يضبط حواسه مع قلتها وذلتها صعب عليه ضبط الأعوان مع كثرته وخشونة جانبهم فكانت عامة الرعية في أقاصي البلاد وأطراف المملكة أبعد من الضبط ولشاناق من الكتب كتاب السموم خمس مقالات فسره من اللسان الهندي إلى اللسان الفارسي منكه الهندي وكان المتولي لنقله بالخط الفارسي رجل يعرف بأبي حاتم البلخي فسره ليحيى بن خالد بن برمك ثم نقل للمأمون على يد العباس بن سعيد الجوهري مولاه وكان المتولي قراءته على المأمون كتاب البيطرة كتاب في علم النجوم

جودر

حكيم فاضل من حكماء الهند وعلمائه متميز في أيامه وله نظر في الطب وتصانيف في العلوم الحكمية وله من الكتب كتاب المواليد وهو قد نقل إلى العربي‏.‏

منكه الهندي

كان عالماً بصناعة الطب حسن المعالجة لطيف التدبير فيلسوفاً من جملة المشار إليهم في علوم الهند متقناً للغة الهند ولغة الفرس وهو الذي نقل كتاب شاناق الهندي في السموم من اللغة الهندية إلى الفارسي وكان في أيام الرشيد هارون وسافر من الهند إلى العراق في أيامه واجتمع به وداواه ووجدت في بعض الكتب أن منكه الهندي كان في جملة إسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي وكان ينقل من اللغة الهندية إلى الفارسية والعربية ونقلت من كتاب أخبار الخلفاء والبرامكة إن الرشيد اعتل علة صعبة فعالجه الأطباء فلم يجد من علته إفاقة فقال له أبو عمر الأهجمي بالهند طبيب يقال له منكه وهو أحد عبادهم وفلاسفتهم فلو بعث إليه أمير المؤمنين فلعل أن يهب له الشفاء على يده قال فوجه الرشيد من حمله ووصله بصلة تعينه على سفره فقدم وعالج الرشيد فبرأ من علته بعلاجه فأجرى عليه رزقاً واسعاً وأموالاً كافية قال فبينما منكه ماراً في الخلد إذا هو برجل من المائنين قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة وقام يصف دواءٌ عنده فقال في صفته هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب وحمى الربع ولوجع الظهر والركبتين والخام والبواسير والرياح ووجع المفاصل ووجع العينين ولوجع البطن والصداع والشقيقة ولتقطير البول والفالج والارتعاش ولم يدع علة في البدن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاؤها فقال منكه لترجمانه ما يقول هذا فترجم له ما سمع فتبسم منكه وقال على كل حال ملك العرب جاهل وذلك أنه إن كان الأمر على ما قال هذا فلم حملني من بلدي وقطعني عن أهلي وتكلف الغليظ من مؤونتي وهو يجد هذا نصب عينه وبإزائه وإن كان الأمر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله فإن الشريعة قد أباحت دم هذا ومن أشبهه لأنه أن قُتل ما هي إلا نفسٌ تحيا بفنائها أنفسُ خلقٍ كثير وإن تُرك وهذا الجهل قتَلَ في كل يوم نفساً والحري أن يقتل اثنين أو ثلاثة وأربعة في كل يوم وهذا فساد في الدين ووهن في المملكة

صالح بن بهلة الهندي

متميز من علماء الهند وكان خبيراً بالمعالجات التي لهم وله قوة وإنذارات في تقدمة المعرفة وكان بالعراق في أيام الرشيد هارون قال أبو الحسن يوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن الداية حدثني أحمد بن رشيد الكاتب مولى سلام الأبرش إن مولاه حدثه إن الموائد قدمت بين يدي الرشيد في بعض الأيام وجبرائيل ابن بختيشوع غائب فقال لي أحمد قال أبو سلمة يعني مولاه فأمرني أمير المؤمني بطلب جبرائيل ليحضر أكله على عادته في ذلك فلم أدع منزلاً من منازل الولد ومن كان يدخل إليه جبرائيل من الحرم إلا طلبته فيه ولم أقع له على أثر فأعلمت أمير المؤمنين بذلك فطفق يلعنه ويقذفه إذ دخل عليه جبرائيل والرشيد على تلك الحال من قذفه ولعنه فقال له لو اشتغل أمير المؤمنين بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح وترك ما فيه من تناولي بالسب كان أشبه فسأله عن خبر إبراهيم فأعلمه أنه خلف وبه رمق ينقضي بآخره وقت صلاة العتمة فاشتد جزع الرشيد لما أخبره به وأقبل على البكاء وأمر برفع الموائد فرفعت وكثر ذلك منه حتى رحمه مما نزل به جميع من حضر فقال جعفر بن يحيى يا أمير المؤمنين أن طب جبرائيل طب رومي وصالح بن بهلة الهندي في العلم بطريقة أهل الهند في الطب مثل جبرائيل في العلم بمقالات الروم فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجيهه إلى إبراهيم بن صالح لنفهم عنه ما يقول مثل ما فهمنا عن جبرائيل فعل فأمر الرشيد جعفراً بإحضاره وتوجيهه والمصير به إليه ورده بعد منصرفه من عنده ففعل ذلك جعفر ومضى صالح إلى إبراهيم حتى عاينه وجس عرقه وصار إلى جعفر وسأله عما عنده من العلم فقال لست أخبر بالخبر غير أمير المؤمنين فاستعمل جعفر مجهوده بصالح أن يخبره بجلة من الخبر فلم يجبه إلى ذلك ودخل جعفر على الرشيد فأخبره بحضور صالح وامتناعه عن إخباره بما عاين فأمر بإحضار صالح فدخل ثم قال يا أمير المؤمنين أنت الإمام وعاقد ولاية القضاء للحكام ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه وأنا أشهدك يا أمير المؤمنين وأشهد على نفسي من حضرك أن إبراهيم ابن صالح إن توفي في هذه الليلة أو في هذه العلة إن كل مملوك لصالح بن بهلة أحرار لوجه اللّه وكل دابة له فحبيس في سبيل اللّه وكل مال له فصدقة على المساكين وكل امرأة له فطالق ثلاثاً بتاتاً فقال له الرشيد حلفت ويحك يا صالح على غيب فقال صالح كلا يا أمير المؤمنين إنما الغيب ما لا علم لأحد به ولا دليل له عليه ولم أقل ما قلت إلا بعلم واضح ودلائل بينة قال أحمد بن رشيد قال لي أبو سلمة فسري عن الرشيد ما كان يجد وطعم وأحضر له الشراب فشرب ولما كان وقت صلاة العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام يخبر بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد فاسترجع وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إياه إلى صالح بن بهلة وأقبل يلعن الهند وطبهم ويقول وأسوءتاه من اللّه أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت وأنا أشرب النبيذَ ثم دعا برطل من النبيذ بالماء وألقى فيه شيئاً من ملح وأخذ يشرب يتقيأ حتى قذف ما كان في جوفه من طعام وشراب وبكر إلى دار إبراهيم فقصد خدمه بالرشيد إلى رواق على مجالس لإبراهيم على يمين الرواق ويساره فراشان بكراسيهما ومتكئاتهما ومساندهما وفيما بين الفراشين نمارق فاتكأ الرشيد على سيفه ووقف وقال لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة من الأهل على أكثر من البسط ارفعوا هذه الفرش والنمارق ففعل ذلك الفراشون وجلس الرشيد على البساط فصارت سنة لبني العباس من ذلك اليوم ولم تكن قبله ووقف صالح بن بهلة بين يدي الرشيد فلم يناطقه أحد إلى أن سطعت روائح المجامر فصاح عند ذلك صالح اللّه اللّه يا أمير المؤمنين أن تحكم علي بطلاق زوجتي فتنزعها وتزوجها غيري وأنا رب الفرج المستحق له وتنكحها من لا تحل له واللّه اللّه أن تخرجني من نعمتي ولم يلزمني حنث واللّه اللّه أن تدفن ابن عمك حياً فواللّه يا أمير المؤمنين ما مات فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه وهتف بهذا القول مرات فإذن له بالدخول على إبراهيم وحده قال أحمد قال لي أبو سلمة فاقبلنا نسمع صوت ضرب بدن بكف ثم انقطع عنا ذلك الصوت ثم سمعنا تكبيراً فخرج إلينا صالح وهو يكبر ثم قال قم يا أمير المؤمنين حتى أريك عجباً فدخل إليه الرشيد وأنا ومسرور الكبير وأبو سليم معه فأخرج صالح إبرة كانت معه فأدخلها بين ظفر إبهام يده اليسرى ولحمه فجذب إبراهيم بن صالح يده وردها إلى بدنه فقال صالح يا أمير المؤمنين هل يحس الميت بالوجع فقال الرشيد لا فقال له صالح لو شئت أن يكلم أمير المؤمنين الساعة لكلمه فقال له الرشيد فأنا أسألك أن تفعل ذلك فقال يا أمير المؤمنين أخاف إن عالجته وأفاق وهو في كفن فيه رائحة الحنوط أن ينصدع قلبه فيموت موتاً حقيقياً فلا يكون لي في إحيائه حيلة ولكن يا أمير المؤمنين تأمر بتجريده من الكفن ورده إلى المغتسل وإعادة الغسل عليه حتى تزول رائحة الحنوط عنه ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال صحته وعلته ويطيب بمثل ذلك الطيب ويحول إلى فراش من فرشه التي كان يجلس وينام عليها حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين فإنه يكلمه من ساعته قال أحمد قال أبو سلمة فوكلني الرشيد بالعمل بما حده صالح ففعلت ذلك ثم صار الرشيد وأنا ومسرور وأبو سليم وصالح إلى الموضع الذي فيه إبراهيم ودعا صالح بكندس ومنفخة من الخزانة ونفخ من الكندس في أنفه فمكث مقدار ثلث ساعة ثم اضطرب بدنه وعطس وجلس قدام الرشيد وقبل يده وسأله عن قصته فذكر أنه كان نائماً لا يذكر أنه نام مثله قط طيباً إلا أنه رأى في منامه كلباً قد أهوى إليه فتوقاه بيده فعض إبهام يده اليسرى عضة انتبه وهو يحس وجعها وأراه إبهامه التي كان صالح أدخل فيها الإبرة وعاش إبراهيم بعد ذلك دهراً ثم تزوج العباسة بنت المهدي وولي مصر وفلسطين وتوفي بمصر وقبره بها‏.‏

الباب الثالث عشر طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب

وأقاموا بها

اسحاق بن عمران

طبيب مشهور وعالم مذكور ويعرف باسم ساعة وقال سليمان ابن حسان المعروف بابن جلجل إن إسحاق بن عمران مسلم النحلة وكان بغدادي الأصل ودخل إفريقية في دولة زيادة اللّه بن الأغلب التميمي وهو استجلبه وأعطاه شروطاً ثلاثة لم يف له بأحدها بعث إليه عند وروده عليه راحلة أقلته وألف دينار لنفقته وكتاب أمان بخط يده متى أحب الانصراف إلى وطنه انصرف وبه ظهر الطب بالمغرب وعرفت الفلسفة وكان طبيباً حاذقاً متميزاً بتأليف الأدوية المركبة بصيراً بتفرقة العلل أشبه الأوئل في علمه وجودة قريحته استوطن القيروان حيناً وألف كتباً منها كتابه العروف بنزهة النفس وكتابه في داء المالنخوليا لم يسبق مثله وكتابه في الفصد وكتاب في النبض‏.‏

ودارت له مع زيادة الله بن الأغلب محنة أوجبت الوجدة بينهما حتى صلبه ابن الأغلب وكان إسحاق قد استأذنه في الانصراف إلى بغداد فلم يأذن له وكان إسحاق يشاهد أكل ابن الأغلب فيقول له كل هذا ودع هذا حتى ورد على ابن الأغلب حدث يهودي اندلسي فاستقربه وخف عليه وأشهده أكله فكان إسحاق إذا قال له اترك هذا لا تأكله قال الإسرائيلي يصعبه عليك وكان بابن الأغلب علة النسمة وهي ضيق النفس فقد بين يديه لبناً مريباً فهم بأكله فنهاه أسحق وسهل عليه الإسرائيلي فوافقه بالأكل فعرض له في الليل ضيق النفس حتى أشرف على الهلاك فأرسل إلى إسحاق وقيل له هل عندك من علاج فقال قد نهيته فلم يقبل مني ليس عندي علاج فقيل لإسحاق هذه خمسمائة مثقال وعالجه فأبى حتى بلغ إلى ألف مثقال فأخذها وأمر بإحضار الثلج وأمره بالأكل منه حتى تملأ ثم قيأه فخرج جميع اللبن قد تجبن ببرد الثلج فقال إسحاق أيها الأمير لو دخل هذا اللبن إلى أنابيب رئتك ولحج فيها أهلكك بضيقة النفس لكني أجهدته وأخرجته قبل وصوله فقال زيادة اللّه باع إسحاق روحي في البدء اقطعوا رزقه فلما قطع عنه الرزق خرج إلى وضع فسيح من رحاب القيروان ووضع هنالك كرسياً ودواة وقراطيس فكان يكتب الصفات كل يوم بدنانير فقيل لزيادة اللّه عرضت لإسحاق الغني فأمر بضمه إلى السجن فتبعه الناس هنالك ثم أخحرجه بالليل إلى نفسه وكانت له معه حكايات ومعاتبات احنقته عليه لفرط جوره وسخف رأيه فأمر بفصده في ذراعيه جميعاً وسال دمه حتى مات ثم أمر به فصلب ومكث مصلوباً زماناً طويلاً حتى عشش في جوفه طائر وكان مما قال لزيادة اللّه في تلك الليلة واللّه أنك لتدعى بسيد العرب وما أنت لها بسيد ولقد سقيتك منذ دهر دواء ليفعلن في عقلك وكان زيادة اللّه مجنوناً فتمخل ومات ولإسحاق بن عمران من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب العنصر والتمام في الطب مقالة في الاستسقاء مقالة وجيزة كتب بها إلى سعيد بن توفيل المتطبب في الإبانة عن الأشياء التي يقال أنها تشفي السقام وفيها يكون البرء مما أراد إتحافه به من نوادر الطب ولطائف الحكمة كتاب نزهة النفس كتاب في المالنخوليا كتاب في الفصد كتاب في النبض مقالة في علل القولنج وأنواعه وشرح أدويته وهي الرسالة التي كتب بها إلى العباس وكيل إبراهيم بن الأغلب كتاب في البول من كلام ابقراط وجالينوس وغيرهما كتاب جمع فيه أقاويل جالينوس في الشراب مسائل له مجموعة في الشراب على معنى ما ذهب إليه ابقراط وجالينوس في المقالة الثالثة من كتاب تدبير الأمراض الحادة وما ذكر فيها من الخمر كلام له في بياض المعدة ورسوب البول وبياض المني‏.‏

كان طبيباً فاضلاً بليغاً عالماً مشهوراً بالحذق والمعرفة جيد التصنيف عالي الهمة ويكنى أبا يعقوب وهو الذي شاع ذكره وانتشرت معرفته بالإسرائيلي وهو من أهل مصر وكان يكحل من أوليته ثم سكن القيروان ولازم إسحاق بن عمران وتتلمذ له وخدم الإمام أبا محمد عبيد اللّه المهدي صاحب إفريقية بصناعة الطب وكان إسحاق بن سليمان مع فضله في صناعة الطب بصيراً بالمنطق متصرفاً في ضروب المعارف وعمر عمراً طويلاً إلى أن نيف على مائة سنة ولم يتخذ امرأة ولا أعقب ولداً وقيل له أيسرّك أن لك ولداً قال أما إذا صار لي كتاب الحميات فلا يعني أن بقاء ذكره بكتاب الحميات أكثر من بقاء ذكره بالولد‏.‏

ويروى أنه قال لي أربعة كتب يحيي ذكري أكثر من الولد وهي كتاب الحميات وكتاب الأغذية والأدوية وكتاب البول وكتاب الأسطقسات وتوفي قريباً من سنة عشرين وثلثمائة‏.‏

وقال أحمد بن إبراهيمم بن أبي خالد المعروف بابن الجزار في كتاب أخبار الدولة يعني ابتداء دولة الإمام أبي محمد عبيد اللّه المهدي الذي ظهر من المغرب حدثني إسحاق بن سليمان المتطبب قال لما قدمت من مصر على زيادة اللّه بن الأغلب وجدته مقيماً بالجيوش في الأريس فرحلت إليه فلما بلغه قدومي وقد كان بعث في طلبي وأرسل إلي بخمسمائة دينار وتقويت بها على السفر فأدخلت إليه ساعة وصولي فسلمت بالإمرة وفعلت ما يجب أن يفعل للملوك من التعبد فرأيت مجلسه قليل الوقار والغالب عليه حب اللهو وكل ما حرك الضحك فابتدأني بالكلام ابن خنيس المعروف باليوناني فقال لي تقول أن الملوحة تجلو قلت نعم قال وتقول أن الحلاوة تجلو قلت نعم قال لي فالحلاوة هي الملوحة والملوحة والملوحة هي الحلاوة فقلت إن الحلاوة تجلو بلطف وملاءمة والملوحة تجلو بعنف فتمادى على المكابرة وأحب المغالطة فلما رأيت ذلك قلت له تقول أنت حي قال نعم قلت والكلب حي قال نعم قلت فأنت الكلب والكلب أنت فضحك زيادة اللّه ضحكاً شديداً فعلمت أن رغبته في الهزل أكثر من رغبته في الجد قال إسحاق فلما وصل أبو عبد اللّه داعي المهدي إلى رقادة أدناني وقرب منزلتي وكانت به حصاة في الكلى وكنت أعالجه بدواء فيه العقارب المحرقة فجلست ذات يوم مع جماعة من كتامة فسألوني عن صنوف من العلل فكلما أجبتهم فلم يفقهوا قولي فقلت لهم إنما أنتم بقر وليس معكم من الإنسانية إلا الاسم فبلغ الخبر إلى أبي عبد اللّه فلما دخلت إليه قال لي تقابل إخواننا المؤمنين من كتامة بما لا يجب وباللّه الكريم لولا أنك عذرك بأنك جاهل بحقهم وبقدر ما صار إليهم من معرفة الحق وأهل الحق لأضربن عنقك قال لي إسحاق فرأيت رجلاً شأنه الجد فيما قصد إليه وليس للهزل عنده سوق ولإسحاق بن سليمان من الكتب كتاب الحميات خمس مقالات ولم يوجد في هذا المعنى كتاب أجود منه ونقلت من خط أبي الحسن علي بن رضوان عليه ما هذا مثاله أقول أنا علي بن رضوان الطبيب أن هذا الكتاب نافع وجمع رجل فاضل وقد عملت بكثير مما فيه فوجدته لا مزيد عليه وباللّه التوفيق والمعونة كتاب الأدوية المفردة والأغذية كتاب البول اختصار كتابه في البول كتاب الأسطقسات كتاب الحدود والرسوم كتاب بستان الحكيم وفيه مسائل من العلم الإلهي كتاب المدخل إلى المنطق كتاب المدخل إلى صناعة الطب كتاب في النبض كتاب في الترياق كتاب في الحكمة وهو أحد عشر ميمراً‏.‏

ابن الجزار

هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد ويعرف بابن الجزار من أهل القيروان طبيب ابن طبيب وعمه أبو بكر طبيب وكان ممن لقي إسحاق بن سليمان وصحبه وأخذ عنه وكان ابن الجزار من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم حسن الفهم لها وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن أحمد بن أبي خالد كان قد أخذ لنفسه مأخذاً عجيباً في سمته وهديه وتعدده ولم يحفظ عنه بالقيروان زلة قط ولا أخلد إلى لذة وكان يشهد الجنائز والعرائس ولا يأكل فيها ولا يركب قط إلى أحد من رجال إفريقية ولا إلى سلطانهم إلا إلى أبي طالب عم معد وكان له صديقاً قديماً فكان يركب إليه يوم جمعة لا غير وكان ينهض في كل عام إلى رابطة على البحر المستنير وهو موضع مرابطة مشهور البركة مذكور في الأخبار على ساحل البحر الرومي فيكون هنالك طول أيام القيظ ثم ينصرف إلى إفريقية وكان قد وضع على باب داره سقيفة أقعد فيها غلاماً له يسمى برشيق أعد بين يديه جميع المعجونات والأشربة والأدوية فإذا رأى القوارير بالغداة أمر بالجواز إلى الغلام وأخذ الأدوية منه نزاهة بنفسه أن يأخذ من أحد شيئاً قال ابن جلجل حدثني عنه من أثق به قال كنت عنده في دهليزه وقد غص بالناس إذ أقبل ابن أخي النعمان القاضي وكان حدثنا جليلاً بإفريقية يستخلفه القاضي إذا منعه مانع عن الحكم فلم يجد في الدهليز موضعاً يجلس فيه إلا مجلس أبي جعفر فخرج أبو جعفر فقام له ابن أخي القاضي على قدم فما أقعده ولا أنزله وأراه قارورة ماء كانت معه لابن عمه ولد النعمان واستوفى جوابه عليها وهو واقف ثم نهض وركب وما كدح ذلك في نفسه وجعل يتكرر إليه بالماء في كل يوم حتى برئ العليل قال قال الذي حدثني فكنت عنده ضحوة نهار إذ أقبل رسول النعمان القاضي بكتاب شكره فيه على ما تولى من علاج ابنه ومعه منديل بكسوة وثلثمائة مثقال فقرأ الكتاب وجاوبه شاكراً ولم يقبض المال ولا الكسوة فقلت له يا أبا جعفر رزق ساقه اللّه إليك قال لي واللّه لا كان لرجال معد قبلي نعمة وعاش أحمد بن الجزار نيفاً وثمانين سنة ومات عتياً بالقيروان ووجد له أربعة وعشرون ألف دينار وخمسة وعشرون قنطاراً من كتب طبية وغيرها وكان قد هم بالرحلة إلى الأندلس ولم ينفذ ذلك وكان في دولة معد وقال كشاجم يمدح أبا جعفر أحمد بن الجزار ويصف كتابه المعروف بزاد المسافر أبا جعفر أبقيت حياً وميتاً مفاخر في طهر الزمان عظاما رأيت على زاد المسافر عندنا من الناظرين العارفين زحاما فأيقنت أن لو كان حياً لوقته يحنا لما سمى التمام تماما سأحمد أفعالاً لأحمد لم تزل مواقها عند الكرام كراما ولابن الجزار من الكتب كتاب في علاج الأمراض ويعرف بزاد المسافر مجلدان كتاب في الأدوية المفردة ويعرف باعتماد كتاب في الأدوية المركبة ويعرف بالبغية كتاب العدة لطول المدة وهو أكبر كتاب وجدناه له في الطب وحكى الصاحب جمال الدين القفطي أنه رأى له بقفط كتاباً كبيراً في الطب اسمه قوت المقيم وكان عشرين مجلداً كتاب التعريف بصحيح التاريخ وهو تاريخ مختصر يشتمل على وفيات علماء زمانه وقطعة جميلة من أخبارهم رسالة في النفس وفي ذكر اختلاف الأوائل فيها كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها كتاب طب الفقراء رسالة في إبدال الأدوية كتاب في الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها رسالة في التحذر من إخراج الدم من غير حاجة دعت إلى إخراجه رسالة في الزكام وأسبابه وعلاجه رسالة في النوم واليقظة مجربات في الطب مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه كتاب الخواص كتاب نصائح الأبرار كتاب المختبرات كتاب في نعت الأسباب المولدة للوباء في مصر وطريق الحيلة في دفع ذلك وعلاج ما يتخوف منه رسالة إلى بعض إخوانه في الاستهانة بالموت رسالة في المقعدة وأوجاعها كتاب المكلل في الأدب كتب البلغة في حفظ الصحة مقالة في الحمامات كتاب أخبار الدولة يذكر فيه ظهور المهدي بالمغرب كتاب الفصول في سائر العلوم والبلاغات‏.‏

ابن السمينة

ومن أطباء الأندلس يحيى بن يحيى المعروف بابن السمينة من أهل قرطبة قال القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف في طبقات الأمم أنه كان بصيراً بالحساب والنجوم والطب متصرفاً في العلوم متفنناً في ضروب المعارف بارعاً في علم النحو واللغة والعروض ومعاني الشعر والفقه والحديث والأخبار والجدل وكان معتزلي المذهب ورحل إلى المشرق ثم انصرف وتوفي سنة خمس عشرة وثلثمائة‏.‏

المعروف بالمرحيطي من أهل قرطبة وكان في زمن الحكم وقال القاضي صاعد في كتاب التريف في طبقات الأمم أنه كان إمام الرياضيين بالأندلس في وقته وأعلم من كان قبله بعلم الأفلاك وحركات النجوم وكانت له عناية بأرصاد الكواكب وشغف بتفهم كتاب بطليموس المعروف بالمجسطي وله كتاب حسن في تمام علم العدد المعروف عندنا بالمعاملات وكتاب اختصر فيه تعديل الكواكب من زيج البتاني وعنى بزيج محمد بن موسى الخوارزمي وصرف تاريخ الفارسي إلى التاريخ العربي ووضع أوساط الكواكب فيه لأول تاريخ الهجرة وزاد فيه جداول حسنة على أنه اتبعه على خطئه فيه ولم ينبه على مواضع الغلط منه وقد نبهت على ذلك في كتابي المؤلف في إصلاح حركات الكواكب والتعريف بخطأ الراصدين‏.‏

وتوفي أبو القاسم مسلمة بن أحمد قبل مبعث الفتنة في سنة ثمان وتسعين وثلثمائة وقد أنجب تلاميذ جلة لم ينجب عالم بالأندلس مثلهم فمن أشهرهم ابن السمح وابن الصفار والزهراوي والكرماني وابن خلدون ولأبي القاسم مسلمة بن أحمد من الكتب كتاب المعاملات اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني‏.‏

ابن السمح

هو أبو القاسم أصبغ بن محمد بن السمح المهندس الغرناطي وكان في زمن الحكم قال القاضي صاعد أن ابن السمح كان محققاً لعلم العدد والهندسة متقدماً في علم هيئة الأفلاك وحركات النجوم وكانت له مع ذلك عناية بالطب وله تآليف حسان منها كتاب المدخل إلى الهندسة في تفسير كتاب أقليدس ومنها كتاب ثمار العدد المعروف بالمعاملات ومنها كتاب طبيعة العدد ومنها كتابه الكبير في الهندسة يقضي فيه أجزاءها من الخط المستقيم والمقوس والمنحني ومنها كتابان في الآلة المساة بالأسطرلاب أحدهما في التعريف بصورة صنعتها وهو مقسوم على مقالتين والآخر في العمل بها والتعريف بجوامع ثمرتها وهو مقسم على مائة وثلاثين باباً ومنها زيجه الذي ألفه على أحد مذاهب الهند المعروف بالسند هند وهو كتاب كبير مقسم على جزأين أحدهما في الجداول والأخر في رسائل الجداول قال القاضي صاعد وأخبرني عنه تلميذه أبو مروان سليمان بن محمد بن عيسى بن الناشي المهندس أنه توفي بمدينة غرناطة قاعدة ملك الأمير حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت لرجب سنة ست وعشرين وأربعمائة وهو ابن ست وخمسين سنة شمسية ولابن السمح من الكتب كتاب المدخل إلى الهندسة كتاب المعاملات كتاب طبيعة العدد كتاب كبير في الهندسة يقضي فيها أجزاءها من الخط المستقيم والمقوس والمنحني كتاب التعريف بصورة صنعة الأسطرلاب مقالتان كتاب العمل بالأسطرلاب والتعريف بجوامع ثمرته زيج على أحد مذاهب الهند المعروف بالسند هند وهو كتاب كبير مقسم على جزئين أحدهما في الجداول والآخر في رسائل الجداول‏.‏

ابن الصفار

هو أبو القاسم أحمد بن عبد اللّه بن عمر كان أيضاً متحققاً بعلم العدد والهندسة والنجوم وقعد في قرطبة لتعليم ذلك وله زيج مختصر على مذهب السند هند وكتاب في العمل بالأسطرلاب موجز حسن العبارة قريب المأخذ وكان من جملة تلامذة أبي القاسم مسلمة بن أحمد المرحيطي وخرج ابن الصفار عن قرطبة بعد أن مضى صدر من الفتنة واستقر بمدينة دانية قاعدة الأمير مجاهد العاري من ساحل بحر الأندلس الشرقي وتوفي بها رحمه اللّه وقد أنجب من أهل قرطبة جماعة وكان له أخ يسمى محمداً مشهور بعمل الأسطرلاب لم يكن بالأندلس قبله أجمل صنعاً لها منه ولابن الصفار من الكتب زيج مختصر على مذهب السند هند كتاب في العمل بالأسطرلاب‏.‏

أبو الحسن علي بن سليمان الزهرواي

كان عالماً بالعدد والهندسة معتنياً بعلم اطب وله كتاب شريف في المعاملات على طريق البرهان وهو الكتاب المسمى بكتاب الأركان وكان قد أخذ كثيراً من العلوم الرياضية عن أبي القاسم مسلمة بن أحمد المعروف بالمرحيطي وصحبه مدة ولأبي الحسن علي بن سليمان الزهرواي من الكتب كتاب في العاملات على طريق البرهان وهو الكتاب المسمى بكتاب الأركان‏.‏

الكرماني

هو أبو الحكم عمرو بن أحمد بن علي الكرماني من أهل قرطبة أحد الراسخين في علم العدد والهندسة قال القاضي صاعد أخبرني عن الكرماني تلميذه الحسين بن محمد بن الحسين بن يحيى المهندس المنجم أنه ما لقي أحداً يجاريه في علم الهندسة ولا يشق غباره في فك غامضها وتبين مشكلها واستيفاء أجزائها ورحل إلى ديار المشرق وانتهى منها إلى حران من بلاد الجزيرة وعني هناك بطلب الهندسة والطب ثم رجع إلى الأندلس واستوطن مدينة سرقسطة من ثغرها وجلب معه الرسائل المعروفة برسائل إخوان الصفاء ولا نعلم أحداً أدخلها الأندلس قبله وله عناية بالطب ومجريات فاضلة فيه ونفوذ مشهور في الكي والقطع والشق والبط وغير ذلك من أعمال الصناعة الطبية قال ولم يكن بصيراً بعلم النجوم التعليمي ولا بصناعة المنطق أخبرني عنه بذلك أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي الإسرائيلي وكان خبيراً به ومحله في العلوم النظرية المحل الذي لا يجارى فيه عندنا بالأندلس وتوفي أبو الحكم الكرماني رحمه اللّه بسرقسطة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وقد بلغ تسعين سنة أو جاوزها بقليل‏.‏

ابن خلدون

هو أبو مسلم عمر بن أحمد بن خلدون الحضرمي من أشراف أهل إشبيلية ومن جملة تلامذة أبي القاسم مسلمة بن أحمد أيضاً وكان متصرفاً في علوم الفلسفة مشهوراً بعلم الهندسة والنجوم والطب مشبهاً بالفلاسفة في إصلاح أخلاقه وتعديل سيرته وتقويم طريقته وتوفي في بلده سنة تسع وأربعين وأربعمائة وكان من أشهر تلامذة أبي مسلم بن خلدون أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه المعروف بابن الصفار المتطبب‏.‏

أبو جعفر أحمد بن خميس بن عامر بن دميح

من أهل طليطلة أحد المعتنين بعلم الهندسة والنجوم والطب وله مشاركة في علوم اللسان

حمدين بن أبان

كان في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط وكان طبيباً حاذقاً مجرباً وكان صهر بني خالد وله بقرطبة أصول ومكاسب وكان لا يركب الدواب إلا من نتاجه ولا يأكل إلا من زرعه ولا يلبس إلا من كتان ضيعته ولا يستخدم إلا بتلاده من أبناء عبيده‏.‏

جواد الطبيب النصراني

كان في أيام الأمير محمد أيضاً وله اللعوق المنسوب إلى جواد وله دواء الراهب والشرابات والسفوفات المنسوبة إليه وإلى حمدين وبني حمدين كلها شجارية

خالد بن يزيد بن رومان النصراني

كان بارعاً في الطب ناهضاً في زمانه فيه وكان بقرطبة وسكنه عند بيعة سبت أخلج وكانت داره الدار المعروفة بدار ابن السطخيري الشاعر وكسب بالطب مبلغاً جليلاً من الأموال والعقار وكان صانعاً بيده عالماً بالأدوية الشجارية وظهرت منه في البلد منافع وكتب إليه نسطاس بن جريج الطبيب المصري رسالة في البول وأعطب خالد ابناً سماه يزيد ولم يبرع في الطب براعة أبيه كان في أيام الأمير عبيد اللّه وأول دولة الأمير عبد الرحمن الناصر وكان يصنع بيده ويفصد العروق وكان على باب داره ثلاثون كرسياً لقعود الناس

عمران بن أبي عمرو

كان طبيباً نبيلاً خدم الأمير عبد الرحمن بالطب وهو الذي ألف له حب الأنيسون وكان عالماً فهماً ولعمران بن أبي عمرو من الكتب كناش‏.‏

محمد بن فتح طملون

كان مولى لعمران بن أبي عمرو وبرع في الطب براعة علا بها من كان في زمانه ولم يخدم بالطب وطلب ليلحق فاستعفى من ذلك واستعان على الأمير حتى عفي ولم يكن أحد من الأشراف في وقته إلا وهو يحتاج إليه قال ابن جلجل حدثني أبو الأصبغ بن حوى قال كنت عند الوزير عبد اللّه بن بدر وقد عرض لابنه محمد قرح شمل بدنه وبين يديه جماعة من الأطباء فيهم طملون فتكلم كل واحد منهم في تلك القروح وطملون ساكت فقال له الوزير ما عندك في هذا فإني أراك ساكتاً فقال عندي مرهم ينفع هذه القروح من يومه فمال إلى كلامه وأمره بإحضار المرهم فأحضره وطلى على القروح فجفت من ليلتها فوصله عبد اللّه بن بدر بخمسين ديناراً

الحراني

الذي ورد من المشرق كان في أيا الأمير محمد بن عبد الرحمن وكانت عنده مجربات حسان بالطب فاشتهر بقرطبة وحاز الذكر فيها قال ابن جلجل رأيت حكاية عند أبي الأصبغ الرازي بخط أمير المؤمنين المستنصر وهي أن هذا الحراني أدخل الأندلس معجوناً كان يبيع الشربة منه بخمسين ديناراً لأوجاع الجوف فكسب به مالاً فاجتمع خمسة من الأطباء مثل حمدين وجواد وغيرهما وجمعوا خمسين ديناراً واشتروا منه شربة من ذلك الدواء وانفرد كل واحد منهم بجزء يشمه ويذوقه ويكتب ما تأدى إليه منه بحسه ثم اجتمعوا واتفقوا على ما حدسوه وكتبوا ذلك ثم نهضوا إلى الحراني وقالوا له قد نفعك اللّه بهذا الدواء الذي انفردت به ونحن أطباء اشترينا منك شربة وفعلنا كذا وكذا وتأدى إلينا كذا وكذا وكذا فإن يكن ما تأدى إلينا حقاً فقد أصبنا وإلا فاشركنا في علمه فقد انتفعت فاستعرض كتابهم فقال ما أعديتم من أدويته دواء لكن لم تصيبوا تعديل أوزانه وهو الدواء المعروف بالمغيث الكبير فأشركهم في علم وعرف حينئذ بالأندلس‏.‏

 

أحمد وعمر ابنا يونس بن أحمد الحراني

رحلا إلى المشرق في دولة الناصر في سنة ثلاثين وثلثمائة وأقام نالك عشرة أعوام ودخلا بغداد وقرأا فيها على ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابئ كتب جالينوس عرضاً وخدما ابن وصيف في عمل علل العين وانصرفا إلى الأندلس في دولة المستنصر باللّه وذلك في سنة إحدى وخمسين وثلثمائة وغزوا معه غزواته إلى سنة اثنتين وانصرفا وألحقهما في خدمته بالطب واسكنهما مدينة الزهراء واستخلصها لنفسه دون غيرهما ممن كان في ذلك الوقت من الأطباء ومات عمر بعلة المعدة ورمت له فلحقه ذبول من أجلها ومات وبقي أحمد مستخلصاً وأسكنه المستنصر في قصره بمدينة الزهراء وكان لطيف المحل عنده أميناً مؤتمناً يطلعه على العيال والكرائم وكان رجلاً حليماً صحيح العقل عالماً بما شاهد علاجه ورآه عياناً بالمشرق وتوجه عند المستنصر باللّه لأن المستنصر كان نهماً في الأكل وكان يحدث له في أكله تخمة لكثرة ما كان يتناول من الأكل وكان صنع له الجوارشنات الجادة العجيبة وكان وافقه في ذلك موافقة وأفاد مالاً عظيماً وكان ألكن اللسان رديء الخط لا يقيم هجاء حروف كتابه وكان بصيراً بالأدوية المفردة وصانعاً للأشربة والمعجونات ومعالجاً لما وقف عليه‏.‏

قال ابن جلجل ورأيت له اثني عشر صبياً صقالبة طباخين للأشربة صنّاعين للمعجونات ما بين يديه وكان قد استأذن أمير المؤمنين المستنصر أن يعطي منها ما احتاج من المساكين والمرضى فأباح له ذلك وكان يداوي العين مداواة نفيسة وله بقرطبة آثار في ذلك وكان يواسي بعلمه صديقه وجاره والمساكين والضعفاء وولاه هشام المؤيد باللّه خطة الشرطة وخطة السوق ومات بحمى الربع وعلة الإسهال وخلف عما قيمته أزيد من مائة ألف دينار

اسحاق الطبيب

والد الوزير ابن إسحاق مسيحي النحلة وكان مقيماً بقرطبة وكان صانعاً بيده مجرباً يحكى له منافع عظيمة وآثار عجيبة وتحنك فاق به جميع أهل دهره وكان في أيام الأمير عبد اللّه الأموي‏.‏

يحيى بن إسحاق

كان طبيباً ذكياً عالماً بصيراً بالعلاج صانعاً بيده وكان في صدر دولة عبد الرحمن الناصر لدين اللّه واستوزره وولي الولايات والعمالات وكان قائد بطليوس زماناً وكان له من أمير المؤمنين الناصر محل كبير كان ينزله منزلة الثقة ويتطلع على الكرائم والخدم وألف في الطب كتاباً يشتمل على خمسة أسفار ذهب فيها مذهب الروم وكان يحيى قد أسلم وأما أبوه إسحاق فكان نصرانياً كما تقدم ذكره قال ابن جلجل حدثني عن يحيى بن إسحاق ثقة أنه كان عنده غلام للحاجب موسى أو للوزير عبد الملك قال قال بعثني إليه مولاي بكتاب فأنا قاعد عند داره بباب الجوز إذ أقبل رجل بدوي على حمار وهو يصيح فأقبل حتى وقف بباب الدار فجعل يتضرع ويقول أدركوني وتكلموا إلى الوزير بخبري إذ خرج إلى صراخ الرجل ومعه جواب كتابه فقال للرجل ما بالك يا هذا فقال له أيها الوزير ورم في إحليلي منعني البول منذ أيام كثيرة وأنا في الموت فقال له اكشف عنه قال فكشف عنه فإذا هو وارم فقال لرجل كان أقبل مع العليل اطلب لي حجراً أملس فطلبه فوجده وأتاه به فقال ضعه في كفك وضع عليه الإحليل قال فقال المخبر لي فلما تمكن إحليل الرجل من الحجر جمع الوزير يده وضرب على الإحليل ضربة غشي على الرجل منها ثم اندفع الصديد يجري فما استوفى الرجل جري صديد الورم حتى فتح عينيه ثم بال البول في أثر ذلك فقال له اذهب فقد برئت من علتك وأنت رجل عائث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها لحجت في عين الإحليل فورم لها وقد خرجت في الصديد فقال له الرجل قد فعلت هذا وأقر بذلك وهذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة حسناء‏.‏

وقال ابن جلجل وله نادر محفوظ في علاج الناصر قال عرض للناصر وجع في أذنه والوزير يومئذ قائد بطليوس فعولج منه فل يفتر فأمر الناصر في الخروج فيه فرانقا فلما وصل إليه الفرانق استنطقه عن الحاجة التي أوجبت الخروج فيه فقال له أمير المؤمنين عرض له في أذنه وجع أعيا الأطباء فعرج في طريقه إلى أديار النصارى وسأل عن عالم هناك فوجد رجلاً مسناً فسأله هل عندك من تجربة لوجع الأذن فقال الشيخ الراهب دم الحمار حاراً فوصل إلى أمير المؤمنين وعالجه بدم الحمار حاراً كما يسفح وبراً وهذا بحث واستقصاء ودؤوب على التعليم وليحيى بن إسحاق من الكتب كتاب كبير في الطب‏.‏

سليمان أبو بكر بن تاج

كان في دولة الناصر وخدمه بالطب وكان طبيباً نبيلاً وعالج أمير المؤمنين الناصر من رمد عرض له من يومه بشيافه وطلب منه نسخته بعد ذلك فأبى أن يمليها وعالج سععاً صاحب البريد من ضيق النفس بلعوق فبرأ من يومه بعد أن أعيا علاجه الأطباء وكان يعالج وجع الخاصرة بحب من حبه فيبرأ الوقت وكان ضنيناً بنسخ الأدوية وله نوادر في الطب كثيرة وكان أديباً فاضلاً حسن المحاضرة والمذاكرة وأدركه في آخر أيامه مرض القروح في أحليله فلم يمكنه دواؤه وعرّفه اللّه القادر عجزه فقطع إحليله وولاّه أمير المؤمنين الناصر قضاء شذونة‏.‏

ابن أم البنين

سمي بالأعرف وكان من أهل مدينة قرطبة وخدم أمير المؤمنين الناصر بصناعة الطب وكان ينادمه وكانت معه فطنة في الطب وله نوادر أنذر بها وكان معجباً بنفسه وكان الناصر ربما استثقله لذلك وربما اضطر إليه لجودة فطنته

سعيد بن عبد ربه

هو أبو عثمان سعيد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن محمد بن سالم مولى الأمير هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل بالأندلس وهو ابن أخي أبي عمرو وأحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر صاحب كتاب العقد وكانت وفاة عمه هذا أحمد بن محمد بن عبد ربه في شهر جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين ومولده في سنة ست وأربعين ومائتين لعشر خلون من شهر رمضان وكان سعيد ابن عبد ربه طبيباً فاضلاً وشاعراً محسناً وله في الطب رجز جليل محتو على جملة حسنة منه دل به على تمكنه من العلم وتحققه لمذاهب القدماء وكان له مع ذلك بصر بحركات الكواكب وطبائعها ومهاب الرياح وتغير الأهوية وكان مذهبه في مداواة الحميات أن يخلط بالمبردات شيئاً من وله في ذلك مذهب جميل ولم يخدم بالطب سلطاناً وكان بصيراً بتقدمة المعرفة وتغيير الأهوية ومهب الرياح وحركة الكواكب قال ابن جلجل حدثني عنه سليمان بن أيوب الفقيه قال قال اعتللت بحمة فطاولتني وأشرفت منها إذ مر بأبي وهو ناهض إلى صاحب المدينة أحمد بن عيسى فقام إليه وقضى واجب حقه بالسلام عليه وسأله عن علتي واستخبر أبي عما عولجت به فسفه علاج من عالجني وبعث إلى أبي بثمان عشرة حبة من حبوب مدورة وأمر أن أشرب منها كل يوم حبة فما استوعبتها حتى أقلعت الحمى وبرئت برأ تاماً وعمي سعيد في آخر أيامه ومن شعر سعيد بن عبد ربه أنه افتصد يوماً فبعث إلى عمه أحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر الأديب راغباً إليه في أن يحضر عنده مؤانساً له فلم يجبه عمه إلى ذلك وأبطأ عنه فكتب إليه لما عدمت مؤانساً وجليساً نادمت بقراطاً وجالينوسا وجعلت كتبهما شفاء تفردي وهما الشفاء لكل جرح يوسا ووجدت علمها إذا حصلته يذكي ويحيى للجسوم نفوسا فلما وصل الشعر إلى عمه جاوبه بأبيات منها ألفيت بقراطاً وجالينوسا لا يأكلان ويرزآن جليسا فجعلتهم دون الأقارب جنة ورضيت منهم صاحبا وأنيسا وقال سعيد بن عبد ربه أيضاً في آخر عمره وكان جميل المذهب منقبضاً عن الملوك أمن بعد غوصي في علوم الحقائق وطول ابنساطي في مواهب خالقي وفي حين إشرافي على ملكوته أرى طالباً رزقاً إلى غير رازقي وأيام عُمر المرء متعة ساعة تجيء حثيثاً مثل لمحة بارق وقد أذنت نفسي بتقويض رحلها وأسرع في سوقي إلى الموت سائقي وإني وإن أوغلت أو سرت هارباً من الموت في الآفاق فالموت لاحقي ولسعيد بن عبد ربه من الكتب كتاب الأقراباذين تعاليق ومجربات في الطب أرجوزة في الطب‏.‏

عمر بن حفص بن برتق

كان طبيباً فاضلاً قارئاً للقرآن مطرب الصوت وكان له رحلة إلى القيروان إلى أبي جعفر بن الجزار لزمه ستة أشهر لا غير وهو أدخل إلى الأندلس كتاب زاد المسافر ونبل بالأندلس وخدم بالطب الناصر وكان نجم بن طرفة البيازرة قد استخلصه لنفسه وقام به وأغناه وشاركه في كل دنياه ولم يطل عمره‏.‏

كان متقدماً في صناعة الطب وخدم بها الناصر وألف له حب الأنيسون وكان شيخاً وسيماً بهياً سريا معظماً عند الرؤساء‏.‏

محمد بن تمليح

كان رجلاً ذا وقار وسكينة ومعرفة بالطب والنحو واللغة والرواية وخدم الناصر بصناعة الطب وكان المقيم برئاسته أحمد بن إلياس القائد وولاه الناصر خطبة الردّ وقضاء شذونة وله في الطب تأليف حسن الأشكال وأدرك صدراً من دولة الحكم المستنصر باللّه وكان حظياً عنده وخدمه بصناعة الطب قال القاضي صاعد وولاه النظر في بنيان الزيادة من قبلي الجامع بقرطبة فتولى ذلك وكملت تحت إشرافه وأمانته ورأيت اسمه مكتوباً بالذهب وقطع الفسيفساء على حائط المحراب بها وإن ذلك البنيان كمل على يديه عن أمر الخليفة الحكم في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ولمحمد بن تمليح من الكتب كتاب في الطب‏.‏

أبو الوليد بن الكتاني

هو أبو الوليد محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني كان عالماً بهياً سرياً حلو اللسان محبوباً من العامة والخاصة لسخائه بعلمه ومواساته بنفسه ولم يكن يرغب في المال ولا جمعه وكان لطيف

أبو عبد اللّه بن الكتاني

هو أبو عبد اللّه محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني كان أخذ الطب عن عمه محمد بن الحسين وطبقته وخدم به المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر ثم انتقل في صدر الفتنة إلى مدينة سرقسطة واستوطنها وكان بصيراً بالطب متقدماً فيه ذا حظ من المنطق والنجوم وكثير من علوم الفلسفة قال القاضي صاعد أخبرني عنه الوزير أبو المطرف 7عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد اللخمي إنه كان دقيق الذهن ذكي الخاطر جيد الفهم حسن التوحيد والتسبيح وكان ذا ثروة وغنى واسع وتوفي قريباً من سنة عشرين وأربعمائة وهو قد قارب ثمانين سنة قال وقرأت في بعض تآليفه أنه أخذ صناعة المنطق عن محمد بن عبدون الجبلي وعمر بن يونس بن أحمد الحراني وأحمد بن حفصون الفيلسوف وأبي عبد اللّه محمد بن إبراهيم القاضي النحوي وأبي عبد اللّه محمد بن مسعود البجائي ومحمد بن ميمون المعروف بمركوس وأبي القاسم فيد بن نجم وسعيد بن فتحون السرقسطي المعروف بالحمار وأبي الحرث الأسقف تلميذ ربيع بن زيد الأسقف الفيلسوف وأبي مرين البجائي ومسلمة بن أحمد المرحيطي‏.‏

كان طبيباً عالماً جيد القريحة حسن الفطنة دقيق النظر بصيراً بالمنطق مشرفاً على كثير من علوم الفلسفة وكان متصلاً بالحاجب جعفر الصقلبي ومستولياً على خاصته فأوصله بالحكم المستنصر باللّه وخدمه بالطب إلى أن توفي جعفر فأسقط حينئذ من ديوان الأطباء وبقي مخمولاً إلى أن توفي ومات بعلة الإسهال‏.‏

أبو بكر أحمد بن جابر

كان شيخاً فاضلاً في الطب حليماً عفيفاً وخدم المستنصر باللّه بالطب وأدرك صدراً من دولة المؤيد وكان أولاد الناصر جميعهم يعتمدون على تعظيمه وتبجيله ومعرفة حقه وكان وجيهاً عندهم مؤتمناً وكذلك عند الرؤساء وكان أديباً فهماً وكتب بخطه كتباً كثيرة في الطب والمجامع والفلسفة وعمر زماناً طويلاً‏.‏

أبو عبد اللّه الملك الثقفي

كان طبيباً أديباً عالماً بكتاب إقليدس وبصناعة المساحة وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب وكان أعرج وله في الطب نوادر وولاه المستنصر أو الناصر خزانة السلاح وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه ومات بعلة الاستسقاء كان من شيوخ الأطباء وأخيارهم مؤتمناً مشهوراً بأعمال اليد وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب‏.‏

محمد بن عبدون الجبلي العذري

رحل إلى المشرق سنة سبع وأربعين وثلثمائة ودخل البصرة ولم يدخل بغداد وأتى مدينة فسطاط مصر ودبر مارستانها ومهر بالطب ونبل فيه وأحكم كثيراً من أصوله وعانى صناعة المنطق عناية صحيحة وكان شيخه فيها أبو سليمان محمد بن طارهر بن بهرا السجستاني البغدادي ورجع إلى الأندلس سنة ستين وثلثمائة وخدم بالطب المستنصر باللّه والمؤيد باللّه وكان قبل أن يتطبب مؤدباً بالحساب والهندسة وله في التكسير كتاب حسن قال القاضي صاعد وأخبرني أبو عثمان سعيد بن محمد بن البعوض الطليطلي أنه لم يلق في قرطبة أيام طلبه فيها من يلحق بمحمد بن عبدون الجبلي في صناعة الطب ولا يجاريه في ضبطها وحسن دربته فيها وأحكامه لغوامضها‏.‏

ولمحمد بن عبدون من الكتب كتاب في التكسير

عبد الرحمن بن إسحاق بن الهيثم

من أعيان أطباء الأندلس وفضلائها وكان من أهل قرطبة وله من الكتب كتاب الكمال والتمام في الأدوية المسهلة والمقيئة كتاب الاقتصار والإيجاد في خطأ ابن الجزار في الاعتماد كتاب الاكتفاء بالدواء من خواص الأشياء صنفه للحاجب القائد أبي عامر محمد بن أبي عامر كتاب السمائم‏.‏

ابن جلجل

هو أبو داود بن حسان يعرف بابن جلجل وكان طبيباً فاضلاً خبيراً بالمعالجات جيد التصرف في صناعة الطب وكان في أيام هشام المؤيد باللّه وخدمه بالطب وله بصيرة واعتناء بقوى الأدوية المفردة وقد فسر أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربي وأفصح عن مكنونها وأوضح مستغلق مضمونها وهو يقول في أول كتابه هذا إن كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام في الدولة العباسية في أيام جعفر المتوكل وكان المترجم له اصطفن بن بسيل الترجمان من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وتصفح ذلك حنين بن إسحاق المترجم فصحح الترجمه وأجازها فما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسماً في اللسان العربي فسره بالعربية وما لم يعلم له في اللسان العربي اسماً تركه في الكتاب على اسمه اليوناني اتكالاً منه على أن يبعث اللّه بعده من يعرف ذلك ويفسره باللسان العربي إذ التسمية لا تكون بالتواطؤ من أهل كل بلد على أعيان الأدوية بما رأوا وأن يسموا ذلك إما باشتقاق وإما بغير ذلك من تواطئهم في التسمية فاتكل اصطفن على شخوص يأتون بعده ممن قد عرف أعيان الأدوية التي لم يعرف هو لها اسماً في وقته فيسميها على قدر ما سمع في ذلك الوقت فيخرج إلى المعرفة‏.‏

قال ابن جلجل وورد هذا الكتاب إلى الأندلس وهو على ترجمة اصطفن منه ما عرف له اسماً بالعربية ومنه ما لم يعرف له اسماً فانتفع الناس بالمعروف منه بالمشرق والأندلس إلى أيام الناصر عبد الرحمن بن محمد وهو يومئذ صاحب الأندلس فكاتبه أرمانيوس الملك مالك قسطنطينية في سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وهاداه بهدايا لها قدر عظيم فكان في جملة هديته كتاب دسقوريدس مصور الحشائش بالتصوير الرومي العجيب وكان الكتاب مكتوباً بالإغريقي الذي هو اليوناني وبعث معه كتاب هروسيس صاحب القصص وهو تاريخ للروم عجيب فيه أخبار الدهور وقصص الملوك الأول وفوائد عظيمة وكتب أرمانيوس في كتابه إلى الناصر أن كتاب دسقوريدس لا تجتنى فائدتة إلا برجل يحسن العبارة باللسان اليوناني ويعرف أشخاص تلك الأدوية فإن كان في بلدك من يحسن ذلك فزت أيها الملك بفائدة الكتاب وأما كتاب هروسيس فعندك في بلدك من اللطينيين من يقرأه باللسان اللطيني وأن كشفتهم عنه نقلوه لك من اللطيني إلى اللسان العربي‏.‏

قال ابن جلجل ولم يكن يومئذ بقرطبة من نصارى الأندلس من يقرأ اللسان الإغريقي الذي هو اليوناني القديم فبقي كتاب ديسقوريدس في خزانة عبد الرحمن الناصر باللسان الإغريقي ولم يترجم إلى اللسان العربي وبقي الكتاب بالأندلس والذي بين أيدي الناس بترجمة اسطفن الواردة من مدينة السلام بغداد‏.‏

فلما جاوب الناصر أرمانيوس الملك سأله أن يبعث إليه برجل يتكلم بالإغريقي واللطيني ليعلم له عبيداً يكونون مترجمين فبعث أرمانيوس الملك الناصر براهب كان يسمى نقولا فوصل إلى قرطبة سنة أربعين وثلثمائة وكان يومئذ من الأطباء قوم لهم بحث وتفتيش وحرص على استخراج ما جهل من أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس إلى العربية وكان أبحثه وأحرصهم على ذلك من جهة التقرب إلى الملك عبد الرحمن الناصر حسداي بن بشروط الإسرائيلي وكان نقولا الراهب عنده أحظى الناس وأخصهم به وفسر من أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس ما كان مجهولاً وهو أول من عمل بقرطبة ترياق الفاروق على تصحيح الشجارية التي فيه وكان في ذلك الوقت من الأطباء الباحثين عن تصحيح أسماء عقاقير الكتاب وتعيين أشخاصه محمد المعروف بالشجار ورجل كان يعرف بالبسباسي وأبو عثمان الجزار الملقب باليابسة ومحمد بن سعيد الطيب وعبد الرحمن بن إسحاق بن هيثم وأبو عبد اللّه الصقلي وكان يتكلم باليونانية ويعرف قال ابن جلجل وكان هؤلاء النفر كلهم في زمان واحد مع نقولا الراهب أدركته وأدركت نقولا الراهب في أيام المستنصر وصحبتهم في أيام المستنصر الحكم وفي صدر دولته مات نقولا الراهب فصح ببحث هؤلاء النفر الباحثين عن أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس تصحيح الوقوف على أشخاصها بمدينة قرطبة خاصة بناحية الأندلس ما أزال الشك فيها عن القلوب وأوجب المعرفة بها بالوقوف على أشخاصها وتصحيح النطق بأسمائها بلا تصحيف إلا القليل منها الذي لا بال به ولا خطر له وذلك يكون في مثل عشرة أدوية‏.‏

قال وكان لي في معرفة تصحيح هيولى الطب الذي هو أصل الأدوية المركبة حرص شديد وبحث عظيم حتى وهبني اللّه من ذلك بفضله بقدر ما اطلع عليه من نيتي في إحياء ما خفتُ يُدرس وتذهب منفعته لأبدان الناس فاللّه قد خلق الشفاء وبثه فيما انبتته الأرض واستقر عليها من الحيوان المشاء والسابح في الماء والمنساب وما يكون تحت الأرض في جوفها من المعدنية كل ذلك فيه شفاء ورحمة ورفق ابن البغونشولابن جلجل من الكتب كتاب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس ألفه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة بمدينة قرطبة في دولة هشام بن الحكم المؤيد باللّه مقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس في كتابه مما يستعمل في صناعة الطب وينتفع به وما لا يستعمل لكيلا يغفل ذكره وقال ابن جلجل إن ديسقوريدس أغفل ذلك ولم يذكره إما لأنه لم يره ولم يشاهده عياناً وإما لأن ذلك كان غير مستعمل في دهره وأبناء جنسه رسالة التبيين فيم غلط فيه بعض المتطبيين كتاب يتضمن ذكر شيء من أخبار الأطباء والفلاسفة ألفه في أيام المؤيد باللّه‏.‏

أبو العرب يوسف بن محمد

أحد المتحققين بصناعة الطب والراسخين في علمه قال القاضي صاعد حدثني الوزير أبو المطرف بن وافد وأبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش إنه كان محكماً لأصول الطب نافذاً في فروعه حسن التصرف في أنواعه قال وسمعت غيرهما يقول لم يكن أحد بعد محمد بن عبدون يوازي أبو العرب في قيامه بصناعة الطب ونفوذه فيها وكان غلب عليه في آخر عمره حب الخمر فكان لا يوجد صاحياً ولا يرى مفيقاً من خمار وحرم بذلك الناس كثيراً من الانتفاع به وبعلمه وتوفي وقد قارب تسعين سنة وذلك بعد ثلاثين وأربعمائة‏.‏

ابن البغونش هو أبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش قال القاضي صاعد كان من أهل طليطلة ثم رحل إلى قرطبة لطلب العلم بها فأخذ عن مسلمة بن أحمد علم العدد والهندسة وعن محمد بن عبدون الجبلي وسليمان بن جلجل وابن الشناعة ونظرائهم علم الطب ثم انصرف إلى طليطلة واتصل بها بأميرها الظافر اسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عامر بن مطرف بن ذي النون وحظي عنده وكان أحد مديري دولته قال ولقيته أنا فيها بعد ذلك في صدر دولة المأمون ذي المجد بن يحيى بن الظافر اسماعيل بن ذي النون وقد ترك قراءة العلوم وأقبل على قراءة القرآن ولزم داره والانقباض عن الناس فلقيت منه رجلاً عاقلاً جميل الذكر والمذهب حسن السيرة نظيف الثياب ذا كتب جليلة في أنواع الفلسفة وضروب الحكمة وتبينت منه أنه قرأ الهندسة وفهمها وقرأ المنطق وضبط كثيراً منه ثم أعرض عن ذلك وتشاغل بكتب جالينوس وجمعها وتناولها بتصحيحه ومعاناته فحصل بتلك العناية على فهم كثير منها ولم تكن له دربة بعلاج المرضى ولا طبيعة نافذة في فهم الأمراض وتوفي عند صلاة الصبح من يوم الثلاثاء أول يوم من رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة وأخبرني أنه ولد سنة تسع وستين وثلثمائة فكان إذ توفي ابن خمس وسبعين سنة‏.‏

ابن وافد

هو الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن يحيى بن وافد بن مهند اللخمي أحد أشراف أهل الأندلس وذوي السلف الصالح منهم والسابقة القديمة فيهم عني عناية بالغة بقراءة كتب جالينوس وتفهمها ومطالعة كتب أرسطوطاليس وغيره من الفلاسفة قال القاضي صاعد وتمهر بعلم الأدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد في عصره وألف فيها كتاباً جليلاً لا نظير له جمع فيه ما تضمن كتاب ديسقوريدس وكتاب جالينوس المؤلفان في الأدوية المفردة ورتبه أحسن ترتيب قال وأخبرني أنه عانى جمعه وحاول ترتيبه وتصحيح ما ضمنه من أسماء الأدوية وصفاتها وأودعه إياه من تفصيل قواها وتحديد درجاتها نحواً من عشرين سنة حتى كمل موافقاً لغرضه وتم مطابقاً لبغيته وله في الطب منزع لطيف ومذهب نبيل وذلك أنه كان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية أو ما كان قريباً منها فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية فلا يرى التداوي بمركبها ما وصل إلى التداوي بمفردها فإن اضطر إلى المركب منها لم يكثر التركيب بل اقتصر على الأقل ما يمكنه منه وله نوادر محفوظة وغرائب مشهورة في الإبراء من العلل الصعبة والأمراض المخوفة بأيسر العلاج وأقربه واستوطن مدينة طليطلة وكان في أيام ابن ذي النون ومولد ابن وافد في ذي الحجة من سنة سبع وثمانين وثلثمائة وكان في الحياة في سنة ستين وأربعمائة‏.‏

ولابن وافد من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب الوساد في الطب مجربات في الطب كتاب تدقيق النظر في علل حاسة البصر كتاب المغيث‏.‏

الرميلي

وكان بالمرية في أيام ابن معن المعروف بابن صمادح ويلقب بالمعتصم باللّه وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب إن الرميلي صحبه توفيق يساعده ويصعده ويقيم له الجاه ويقعده مع دربة جرى بها فأدرك وقياس حركة للمحاورة فتحرك فأصبح يقتدى بنسخه ويتنافس في مستصرخه ويتوسل إليه برئاسة نفس لا ترضى بدَنيّة ولا تعامل إلا بالحرية وربما عالج في بعض أوقاته المستورين بماله أدوية وأغذية فأحبه البعيد والقريب وأصبح ما له إلا حميم أو حبيب حتى أودت به الأيام فاقدة إحسان نادبة مكانه وللرميلي من الكتب كتاب البستان في الطب

ابن الذهبي

هو أبو محمد عبد اللّه بن محمد الأزدي ويعرف بابن الذهبي أحد المعتنين بصناعة الطب ومطالعة كتب الفلاسفة وكان كلفاً بصناعة الكيمياء مجتهداً في طلبها وتوفي ببلنسية في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة ولابن الذهبي من الكتب مقالة في أن الماء لا يغذو

ابن النباش

هو أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن حامد البجائي ويعرف بابن النباش معتن بصناعة الطب مواظب لعلاج المرضى ذو معرفة جيدة بالعلم الطبيعي وله أيضاً نظر ومشاركة في سائر العلوم الحكمية وكان مقيماً بجهة مرسية

أبو جعفر بن خميس الطليطلي

قرأ كتب جالينوس على مراتبها وتناول صناعة الطب من طرقها وكانت له رغبة كثيرة في معرفة العلم الرياضي والاشتغال به أبو الحسن عبد الرحمن بن خلف بن عساكر الدارمي اعتنى بكتب جالينوس عناية صحيحة وقرأ كثيراً منها على أبي عثمان سعيد بن محمد بن بغونش واشتغل أيضاً بصناعة الهندسة والمنطق وغير ذلك وكانت له عبارة بالغة وطبع فاضل في المعاناة ومنزع حسن في العلاة وله تصرف في دروب من الأعمال اللطيفة والصناعات الدقيقة‏.‏

ابن الخياط

هو أبو بكر يحيى بن أحمد ويعرف بابن الخياط كان أحد تلاميذ أبي القاسم مسلمة بن أحمد المرحيطي في علم العدد والهندسة ثم مال إلى أحكام النجوم وبرع فيها واشتهر بعلمها وخدم بها سليمان بن حكم بن الناصر لدين اللّه في زمن الفتنة وغيره من الأمراء وآخر من خدم بذلك الأمير المأمون يحيى بن إسماعيل بن ذي النون وكان مع ذلك معتنياً بصناعة الطب دقيق العلاج حصيفاً حليماً دمثاً حسن السيرة كريم المذهب وتوفي بطليطلة سنة سبع وأربعين وأربعمائة وقد قارب ثمانين سنة منجم بن الفوال يهودي من سكان سرقسطة وكان متقدماً في صناعة الطب متصرفاً مع ذلك في علم المنطق وسائر علوم الفلسفة‏.‏

ولمنجم بن الفوال من الكتب كتاب كنز المقل على طريق المسألة والجواب وضمنه جملاً من قوانين المنطق وأصول الطبيعة‏.‏

مروان بن جناج

كان أيضاً يهودياً وله عناية بصناعة المنطق والتوسع في علم لسان العرب واليهود ومعرفة جيدة بصناعة الطب وله من الكتب كتاب التلخيص وقد ضمنه ترجمة الأدوية المفردة وتحديد

إسحاق بن قسطار

كان أيضاً يهودياً وخدم الموفق مجاهداً العامري وابنه إقبال الدولة عليا وكان إسحاق بصيراً بأصول الطب مشاركاً في علم المنطق مشرفاً على آراء الفلاسفة وكان وافر العقل جميل الأخلاق وله تقدم في علم العبرانية بارعاً في فقه اليهود حبراً من أحبارهم ولم يتخذ قط امرأة وتوفي بطليطلة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وله من العمر خمس وسبعون سنة‏.‏

حسداي بن إسحاق

معتن بصناعة الطب وخدم الحكم بن عبد الرحمن الناصر لدين اللّه وكان حسداي بن إسحاق من أحبار اليهود متقدماً في علم شريعتهم وهو أول من فتح لأهل الأندلس منهم باب علمهم من الفقه والتاريخ وغير ذلك وكانوا قبل يضطرون في فقه دينهم وسني تاريخهم ومواقيت أعيادهم إلى يهود بغداد فيستجلبون من عندهم حساب عدة من السنين يتعرفون به مداخل تاريخ ومبادئ سنيهم فلما اتصل حسداي بالحكم ونال عنده نهاية الحظوة توصل به إلى استجلاب ما شاء من تآليف اليهود بالمشرق فعلم حينئذ يهود الأندلس ما كانوا قبل يجهلونه واستغنوا عما كانوا يتجشمون الكلفة فيه‏.‏

من ساكني مدينة سرقسطة ومن بيت شرف اليهود بالأندلس من ولد موسى النبي عليه السلام عني بالعلوم على مراتبها وتناول المعارف من طرقها فأحكم علم لسان العرب ونال حظاً جزيلاً من صناعة الشعر والبلاغة وبرع في علم العدد والهندسة وعلم النجوم وفهم صنعاة الموسيقى وحاول عملها وأتقن علم المنطق وتمرن بطرق البحث والنظر واشتغل أيضاً بالعلم الطبيعي وكان له نظر في الطب وكان في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في الحياة وهو في سن الشبيبة‏.‏

أبو جعفر يوسف بن أحمد بن حسداي

من الفضلاء في صناعة الطب وله عناية بالغة في الاطلاع على كتب ابقراط وجالينوس وفهمها وكان قد سافر من الأندلس إلى الديار المصرية واشتهر ذكره بها وتميز في أيام الآمر بأحكام اللّه من الخلفاء المصريين وكان خصيصاً بالمأمون وهو أبو عبد اللّه محمد بن نور الدولة أبي شجاع الآمري في مدة أيام دولته وتدبيره للملك وكانت مدته في ذلك ثلاث سنين وتسعة أشهر لأن الآمر كان قد استوزر المأمون في الخامس من ذي الحجة سنة خمس عشرة وخمسمائة وقبض عليه ليلة السبت الرابع من شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة وصلب بظاهر القاهرة وكان المأمون في أيام وزارته له همة عالية ورغبة في العلوم فكان قد أمر يوسف بن حسداي أن يشرح له كتب أبقراط إذ كانت أجل كتب هذه الصناعة وأعظمها جدوى وأكثرها غموضاً وكان ابن حسداي قد شرع في ذلك ووجدت له منه شرح كتاب الإيمان لأبقراط وقد أجاد في شرحه لهذا الكتاب واستقصى ذكر معانية وتبيينها على أتم ما يكون وأحسنه ووجدت له أيضاً شرح بعض كتاب الفصول لأبقراط وكان بينه وبين أبي بكر محمد بن يحيى المعروف بابن باجة صداقة فكان أبداً يراسله من القاهرة‏.‏

وكان يوسف بن أحمد بن حسداي مدمناً للشراب وعنده دعابة ونوادر وبلغني أنه لما أتى من الإسكندرية إلى القاهرة كان هو وبعض الصوفية قد اصطحبا في الطريق فكانا يتحادثان وأنس كل واحد منهما إلى الآخر ولما وصلا إلى القاهرة قال له الصوفي أنت أين تنزل في القاهرة حتى أكون أراك فقال ما كان في خاطري أن أنزل إلا حانة الخمار وأشرب فإن كنت توافق وتأتي إلي فرأيك فصعب قوله على الصوفي وأنكر هذا الفعل ومشى إلى الخانكاه ولما كان في بعض الأيام بعد مديدة وابن حسداي في السوق وإذا يجمع من الناس وفي وسطهم صوفي يعزر وقد اشتهر أمره بأنه وجد سكران ولما قرب إلى الموضع الذي فيه ابن حسداي ونظر إليه وجده ذلك الصوفي بعينه فقال يا للّه قتلك النامس‏.‏

وليوسف بن أحمد بن حسداي من الكتب الشرح المأموني لكتاب الإيمان لأبقراط المعروف بعهده إلى الأطباء صنفه للمأمون أبي عبد اللّه محمد الأمري شرح المقالة الأولى من كتاب الفصول لأبقراط تعاليق وجدت بخطه كتبها عند وروده على الإسكندرية من الأندلس فوائد مستخرجة استخرجها وهذبها من شرح علي بن رضوان لكتاب جالينوس إلى اغلوقن من القول على أول الصناعة الصغيرة لجالينوس كتاب الإجمال في المنطق شرح كتاب الإجمال‏.‏

ابن سمجون

وهو أبو بكر حامد بن سمجون فاضل في صناعة الطب متميز في قوى الأدوية المفردة وأفعالها متقن لما يجب من معرفتها وكتابه في الأدوية المفردة مشهور بالجودة وقد بالغ فيه وأجهد نفسه في تأليفه واسوتفى فيه كثيراً من آراء المتقدمين في الأدوية المفردة وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب أن ابن سمجون ألف كتابه هذا في أيام المنصور الحاجب محمد ابن أبي عامر أقول وكانت وفاة محمد بن أبي عامر في سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة ولابن سمجون من الكتب كتاب الأدوية المفردة كتاب الأقراباذين‏.‏

البكري

هو أبو عبيد اللّه بن عبد العزيز البكري من مرسية من أعيان أهل الأندلس وأكابرهم فاضل في معرفة الأدوية المفردة وقواها ومنافعها وأسمائها ونعوتها وما يتعلق بها وله من الكتب كتاب أعيان النبات والشجريات الأندلسية‏.‏

الغافقي

هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن السيد الغافقي إمام فاضل وحكيم عالم ويعد من الأكابر في الأندلس وكان أعرف أهل زمانه بقوى الأدوية المفردة ومنافعها وخواصها وأعيانها ومعرفة أسمائها وكتابه في الأدوية المفردة لا نظير له في الجودة ولا شبيه له في معناه قد استقصى فيه ما ذكره ديسقوريدس والفاضل جالينوس بأوجز لفظ وأتم معنى ثم ذكر بعد قوليهما ما تجدد للمتأخرين من الكلام في الأدوية المفردة أو ما ألم به واحد واحد منهم وعرفه فيما بعد فجاء كتابه جامعاً لما قاله الأفاضل في الأدوية المفردة ودستوراً يرجع إليه فيما يحتاج إلى تصحيحه منها وللغافقي من الكتب كتاب الأدوية‏.‏

الشريف محمد بن محمد الحسني

هو أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن عبد اللّه بن إدريس الحسني ويلقب بالعالي باللّه كان فاضلاً

خلف بن عباس

الزهرواي كان طبيباً فاضلاً خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة جيد العلاج وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي ولخلف بن عباس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف وهو أكبر تصانيفه وأشهرها وهو كتاب تام في معناه‏.‏

ابن بكلارش

كان يهودياً من أكابر علماء الأندلس في صناعة الطب وله خبرة واعتناء بالغ بالأدوية المفردة وخدم بصناعة الطب بن هود ولابن بكلارش من الكتب كتاب المجدولة في الأدوية المفردة وضعه مجدولاً وألفه بمدينة المرية للمستعين باللّه أبي جعفر بن المؤتمن باللّه بن هود‏.‏

أبو الصلت

أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت هو من بلد دانية من شرق الأندلس وهو من أكابر الفضلاء في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم وله التصانيف المشهورة والمآثر المذكورة قد بلغ في صناعة الطب مبلغاً لم يصل إليه غيره من الأطباء وحصل من معرفة الأدب ما لم يدركه كثير من سائر الأدباء وكان أوحد في العلم الرياضي متقناً لعلم الموسيقى وعمله جيد اللعب بالعود وكان لطيف النادرة فصيح اللسان جيد المعاني ولشعره رونق وأتى أبو الصلت من الأندلس إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم عاد بعد ذلك إلى الأندلس وكان دخول أبي الصلت إلى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة ولما كان في الإسكندرية حبس بها‏.‏

وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي في القاهرة سنة اثنين وثلاثين وستمائة أن أبا الصلت أمية بن عبد العزيز كان سبب حبسه في الإسكندرية أن مركباً كان قد وصل إليها وهو موقر بالنحاس فغرق قريباً منها ولم تكن لهم حيلة تخليصه لطول المسافة في عمق البحر ففكر أبو الصلت في أمره وأجال النظر في هذا المعنى حتى تلخص له فيه رأي واجتمع بالأفضل بن أمير الجيوش ملك الإسكندرية وأوجده أنه قادر أن تهيأ له جميع ما يحتاج إليه من الآلات أن يرفع المركب من قعر البحر ويجعله على وجه الماء مع ما فيه من الثقل فتعجب من قوله وفرح به وسأله أن يفعل ذلك ثم آتاه على جميع ما يطلبه من الآلات وغرم عليها جملة من المال ولما تهيأت وضعها في مركب عظيم على موازاة المركب الذي قد غرق وأرسى إليه حبالاً مبرومة من الإبريسم وأمر قوماً لهم خبرة في البحر أن يغوصوا ويوثقوا ربط الحبال بالمركب الغارق وكان قد صنع آلات بأشكال هندسية لرفع الأثقال في المركب الذي هم فيه وأمر الجماعة بما يفعلونه في تلك الآلات ولم يزل شأنهم ذلك والحبال الإبريسم ترتفع إليهم أولاً فأولاً وتنطوي على دواليب بين أيديهم حتى بان لهم المركب الذي كان قد غرق وارتفع إلى قريب من سطح الماء ثم عند ذلك انقطعت الحبال الإبريسم وهبط المركب راجعاً إلى قعر البحر ولقد تلطف أبو الصلت جداً فيما صنعه وفي التحيل إلى رفع المركب إلا أن القدر لم يساعده وحنق عليه الملك لما غرمه من الآلات وكونها مرت ضائعة وأمر بحبسه وأن يستوجب ذلك وبقي في الاعتقال مدة إلى أن شفع فيه بعض الأعيان وأطلق وكان ذلك في خلافة الآمر بأحكام اللّه ووزارة الملك الأفضل بن أمير الجيوش‏.‏

ونقلت من رسائل الشيخ أبي اقاسم علي بن سليمان المعروف بابن الصيرفي في ما هذا مثاله قال وردتني رقعة من الشيخ أبي الصلت وكان معتقلاً وفي آخرها نسخة قصيدتين خدم بهما المجلس الأفضلي أول الأولى منهما الشمس دونك في المحل والطيب ذكرك بل أجل وأول الثانية نسخت غرائب مدحك التشبيبا وكفى بها غزلاً لنا ونسيبا فكتبت إليه وردتني مولاي فأخذت في تقبيلها وارتشافها قبل التأمل لمحاسنها واستشفافها حتى كأني ظفرت بيد مصدرها وتمكنت من أنامل كاتبها ومسطرها ووقفت على ما تضمنته من الفضل الباهر وما أودعتها من الجواهر التي قذف بها فيض الخاطر فرأيت ما قيد فكري وطرفي وجل عن مقابلة تقريظي ووصفي وجعلت أجدد تلاوتها مستفيداً وأرددها مبتدئاً فيها ومعيداً نكرر طوراً من قراة فصوله فإن نحن أتممنا قراءته عدنا إذا ما نشرناه فكالمسك نشره ونطويه لا طي السآمة بل ضنا فأما ما اشتملت عليه من الرضا بحكم الدهر ضروره وكون ما اتفق له عارض بتحقق ذهابه ومروره ثقة بعواطف السلطان خلد اللّه أيامه ومراحه وسكوناً إلى ما جبلت النفوس عليه من معرفة فواضله ومكارمه فهذا قول مثله ممن طهر اللّه نيته وحفظ دينه ونزه عن الشكوك ضميره ويقينه ووفقه بلطفه لاعتقاد الخير واستشعاره وصانه عما يؤدي إلى عاب الإثم وعاره لا يؤيسنك من تفرج كربة خطب رماك به الزمان الأنكد صبراً فإن اليوم يتبعه غد ويد الخلافة لا تطاولها يد وأما ما أشار إليه من أن الذي مني به تمحيص أوزار سبقت وتنقيص ذنوب اتفقت فقد حاشاه اللّه من الدنايا وبرأه من الآثام والخطايا بل ذاك اختبار لتوكله وثقته وابتلاء لصبره وسريرته كما يبتلى المؤمنون الاتقياء ويمتحن الصالحون والأولياء واللّه تعالى يدبره بحسن تدبيره ويقضي له بما الحظ في تسهيله وتيسيره بكرمه وقد اجتمعت بفلان فأعلمني أنه تحت وعد أداه الاجتهاد إلى تحصيله وإحرازه ووثق من المكارم الفائضة بالوفاء به وإنجازه وأنه ينتظر فرصة في التذكار ينتهزها ويغتنمها ويرتقب فرجة للخطاب يتولجها ويقتحمها واللّه تعالى يعينه على ما يضمر من ذلك وينويه ويوفقه فيما يحاوله ويبغيه‏.‏

وأما القصيدتان اللتان أتحفني بهما فما عرفت أحسن منهما مطلعاً ولا أجود منصرفاً ومقطعاً ولا أملك للقلوب والأسماع ولا أجمع للإغراب والإبداع ولا أكمل في فصاحة الألفاظ وتمكن القوافي ولا أكثر تناسباً على كثرة ما في الأشعار من التباين والتنافي ووجدتهما تزدادان حسناً على التكرير والترديد وتفاءلت فيهما بترتيب قصيدة الاطلاق بعد قصيدة التقييد واللّه عزّ وجلّ يحقق رجائي في ذلك وأملي ويقرب ما أتوقعه فمعظم السعادة فيه لي إن شاء اللّه‏.‏

أقول وكانت وفاة أبي الصلت رحمه اللّه يوم الاثنين مستهل محرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة بالمهدية ودفن في المنستير وقال عند موته أبياتاً وأمر أن تنقش على قبره وهي سكنتك يا دار الفناء مصدقاً بأني إلى دار البقاء أصير وأعظم ما في الأمر أني صائر إلى عادل في الحكم ليس يجور فإن أك مجزياً بذنبي فإنني بشر عقاب المذنبين جدير وإن يك عفو ثم عني ورحمة فثم نعيم دائم وسرور ولما كان أبو الصلت أمية بن عبد العزيز قد توجه إلى الأندلس قال ظافر الحداد الإسكندري وأنفذها إلى المهدية إلى الشيخ أبي الصلت من مصر يذكر شوقه إليه وأيام اجتماعهما بالإسكندرية ألا هل لدائي من فراقك افراق هو السم لكن في لقائك درياق فيا شمس فضل غربت ولضوئها على كل قطر بالمشارق إشراق سقى العهد عهداً منك عمر عهده بقلبي عهد لا يضيع وميثاق يجدده ذكر يطيب كما شدت وريقاء كنتها من الأيك أوراق لك الخلق الجزل الرفيع طرازه وأكثر أخلاق الخليفة أخلاق لقد ضاءلتني يا أبا الصلت مذ نأت ديارك عن داري هموم وأشواق إذا عزني اطفاؤها بمدامعي جرت ولها ما بين جفني إحراق سحائب يحدرها زفير تجره خلال التراقي والترائب تشهاق إلى أن أبان البين أن غراره غرور وإن الكنز فقر وإملاق أخي سيدي مولاي دعوة من صفا وليس له من رق ودك إعتاق لئن بعدت ما بيننا شقة النوى ومطرد طامي الغوارب خفاق وبِيد إذا كلفتها العيس قصرت طلائح أنضاها ذميل وأعناق فعندي لك الود الملازم مثل ما يلازم أعناق الحمائم أطواق ألا هل لايامي بك الغر عودة كنهدي وثغر الثغر أشنب براق ليالي يدنينا جواب أعادنا من القرب كالصنوين ضمهما ساق وما بيننا من حسن حظك روضة بها حسدت منا المسامع أحداق حديث حديث كلما طال موجز مفيد إلى قلب المحدث سباق يزجيه بحر من علومك زاخر له كل بحر فائض اللج رقراق معان كأطواد الشوامخ جزلة تضمنها عذب من اللفظ غيداق به حِكَمٌ مستنبطات غرائب لأبكارها الغر الفلاسف عشاق كتبت وآفات البحار تردها فإن لم يكن رد علي فإغراق بحار بأحكام الرياح فإنها مفاتيح في أبوابهن وأغلاق ومن لي أن أحظى إليك بنظرة فيسكن مقلاك ويرقا مهراق ومن شعر أبي الصلت أمية بن عبد العزيز قال يمدح أبا الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ويذكر وصول ملك الروم بالهدايا راغباً في ترك الغزو وذلك في سنة خمس وخمسمائة يهاديك من لو شئت كان هو المهدى وإلا فضمنه المثقفة الملدا وكل سريجي إذا ابتز غمده تعوض من هام الكماة له غمدا تخير فرداً في ظبا الهند شأنه إذا شيم يوم الروع أن يزوج الفردا ظبا ألفت غلب الرقاب وصالها كما ألفت منهن أغمادها الصدا وتركت بقسطنطينة رب ملكها وللرعب ما أخفاه منه وما أبدى سددت عليه مغرب الشمس بالظبا فود حذارا منك لو جاوز السدا وبالرغم منه ما أطاعك مبدياً لك الحب في هذي الرسائل والودا لأنك إن أوعدته أو وعدته وفيت ولم تخلف وعيداً ولا وعدا فدتك ملوك الأرض أبعدها مدى وأرفعها قدراً وأقدمها مجدا إذا كلفوا بالطرف ادعج ساجياً كلفت بحب الطرف عبل الشوى نهدا وكل أضاة أحكم القين نسجها فضاعف في أثنائها الحلق السردا وأسمر عسال وأبيض صارم يعنق ذا قداً ويلثم ذا خدا محاسن لو أن الليالي حُليت بأيسرها لابيض منهن ما اسودا فَمُرْ بالذي تختاره الدهر يمتثل لأمرك حكماً لا يطيق لها ردا وقال أيضاً ورفعها إلى الأفضل يذكر يتجريده العساكر إلى الشام لمحاربة الفرنج بعد انهزام عسكره في الموضع المعروف بالبصه وكان قد اتفق في أثناء ذلك التاريخ أن قوماً من الأجناد وغيرهم أرادوا الفتك به فوقع على خبرهم فقبض عليهم وقتلهم هي العزائم من أ نصارها القدر وهي الكتائب من أشياعها الظفر جردت للدين والأسياف مغمدة سيفاً تفل به الأحداث والغير وفمت إذ قعد الأملاك كلهم تذب عنه وتحميه وتنتصر بالبيض تسقط فوق البيض أنجمهم والسمر تحت ظلال النقع تشتجر يغشى بها غمرات الموت أسد شرى من الكماة إذا ما استنجدوا ابتدروا مستلئمين إذا سلوا سيوفهم شبهتها خلجاً مدت بها غدر قوم تصول ببيض الهند إذرعهم فما يضر ظباها أنها بتر إذا انتضوها وذيل النقع فوقهم كالشمس طالعة والليل معتكر ترتاح أنفسه نحو الوغى طرباً كأنما الدم راح والظبا زهر وإن هم نكصوا يوماً فلا عجب قد يكهم السيف وهو الصارم الذكر العود أحمد الأيام ضامنة عقبى النجاح ووعد اللّه ينتظر وربما ساءت الأقدار ثم جرى بما يسرك ساعات لها أخر اللّه زان بك الأيام من ملك لك الحجول من الأيام والغرر للّه بأسك والألباب طائشة والخيل تردى ونار الحرب تستعر وللعجاج على صم القنا طلل هي الدخان وأطراف القنا شرر إذ يرجع السيف بيدي خده علقاً كصفحة البكر أدمى خدها الخفر الله في الدين والدنيا فما لهما سواك كهف ولا ركن ولا وزر ورام كيدك أقوام وما علموا أن المنى خطرات بعضها خطر هيهات أين من العيوق طالبه وكان سدد منه الفكر والنظر أن الأسود لتأبى أن يروعها وسط العرين ظباء الربرب العفر أمر نووه ولو هموا به وقفوا كوقفة العير لا ورد ولا صدر ما كل حين ترى الأملاك صافحة عن الجرائر تعفو حين تقتدر ومن ذوي البغي من لا يستهان به وفي الذنوب ذنوب ليس تغتفر إن الرماح غصون يستظل بها وما لهن سوى هام العدى ثمر وليس يصبح شمل الملك منتظماً إلا بحيث ترى الهامات تنتثر والرأي رأيك فيما أنت فاعله وأنت أدرى بما تأت وما تذر أضحى شهنشاه غيثاً للندى غدقاً كل البلاد إلى سقياه تفتقر الطاعن الألف إلا أنها نسق والواهب الألف إلا أنها بِدر ولا بصرت بشمس قبل غرته إذا تجلى سناها أغدق المطر يا أيها الملك السامي الذي ابتهجت به الليالي وقر البدو والحضر جاءتك من كلم الحاكي محبرة تطوي لبهجتها الإبراد والحبر هي اللآلئ إلا أن ناظمها طي الضمير ومن غواصها الفكر تبقى وتذهب أشعار ملفقة أولى بقائلها من قوله الحصر ولم أطلها لأني جد معترف بأن كل مطيل فيه مختصر بقيت للدين والدنيا ولا عدمت أجياد تلك المعالي هذه الدرر وقال أيضاً ومهفهف شركت محاسن وجهه ما مجه في الكاس من إبريقه ففعالها من مقلتيه ولونها من وجنتيه وطعمها من ريقه وقال أيضاً يصف الثريا رأيت الثريا لها حالتان منظرها فيهما معجب لها عند مشرقها صورة يريك مخالفها المغرب للّه يومي ببركة الحبش والأفق بين الضياء والغبش والنيل تحت الرياح مضطرب كالسيف سلته كف مرتعش ونحن في روضة مفوفة دبج بالنور عطفها ووشي قد نسجتها يد الربيع لنا فنحن من نسجها على فرش وأثقل الناس كلهم رجل دعاه داعي الصبا فلم يطش فعاطني الراح أن تاركها من سورة الهم غير منتعش واسقني بالكبار مترعة فتلك أروى لشدة العطش وقال أيضاً عجبت من طرفك في ضعفه كيف يصيد البطل الأصيدا يفعل فينا وهو في جفنه ما يفعل السيف إذا جردا وقال أيضاً حجبت مسامعه عن العذال فأبى فليس عن الغرام بسالي ويح المتيم لا يزال معذباً بخفوق برق أو طروق خيال نشوان من خمرين خمر زجاجة عبثت بمقلته وخمر دلال كالريم إلا أن هذا عاطل أبدا وذا في كل حال حالي لا يستفيق وهل يفيق بحاله من رق فيه سلافة الجريال عَلِمَ العدو بما لقيت فرق لي ورأى الحسود بليتي فرثى لي يا من برى الجسم بطول صدوده ألا سمحت ولو بوعد وصال قد كنت أطمع منك لو عاقبتني بصدور عتب لا صدود ملال وقال يصف فرساً أشهب وأشهب كالشهاب أضحى يجول في مذهب الجلال قال حسودي وقد رآه يجنب خلفي إلى القتال من ألجم الصبح بالثريا وأسرج البرق بالهلال وقال أيضا تقريب ذي الأمر لأهل النهى فضل ما ساس به أمره هذا به أولى وما ضره تقريب أهل اللهو في الندرة بي من بني الأصفر ريم رمى قلبي بسهم الحور الصائب سهم من اللحظ رمتني به عن كثب قوس من الحاجب كأنما مقلتيه في الحشا سيف علي بن أبي طالب وقال أيضاً يا موقداً بالهجر في أضلعي ناراً بغير الوصل ما تنطفي إن لم يكن وصل فعدني به رضيت بالوعد وأن لم تف وقال أيضاً وليت وردت إليك الأمور ولم أك منتظراً أن تلي وها أنا بين عدا كلهم عليَّ فكن بابي أنت لي ذكرت نواهم لدي قربهم فجدت بأدمعي الهمع فكيف أكون إذا هم نأوا وهذا بكائي إذ هم معي وقال أيضاً إذا ألفيت حراً ذا وفاء وكيف به فدونك فاغتنمه أقول وقد شطت به غربة النوى وللحب سلطان على مهجتي فظ لئن بان عني من كلفت بحبه وشط فما للعين من شخصه حظ فإن له في أسود القلب منزلاً تكنفه فيه الرعاية والحفظ أراه بعين الوهم والوهم مدرك معاني شتى ليس يدركها اللحظ وقال أيضاً وراغب في العلوم مجتهد لكنه في القبول جلمود فهو كذي عنة به شبق أو مشتهي الأكل وهو ممعود وقال أيضاً تفكر في نقصان مالك دائماً وتغفل عن نقصان جسمك والعمر ويثنيك خوف الفقر عن كل بغية وخوفك حال الفقر من أعظم الفقر ألم تر أن الدهر جم صروفه وأن ليس من شيء يدوم على الدهر فكم فرحة فيه أزيلت بترحة وكم حال عسر فيه آلت إلى اليسر وقال في البراغيث أحب خلق لأذى مخلوق يرى دمي أشهى من الرحيق يغب فيه غير مستفيق لا يترك الصبوح للغبوق لو بت فوق قمة العيوق ما عاقه ذلك عن طروقي كعاشق أسرى إلى معشوق أعلم من بقراط بالعروق من أكحل منها وباسليق يفصدها بمبضع دقيق من خطمة المذرب الذليق فصد الطبيب الحاذق الرقيق وقال أيضاً مارست دهري وجربت الأنام فلم أحمدهم قط في جد ولا لعب وكم تمنيت أن ألقى به أحداً يسلي من الهم أو يعدي على النوب فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا كانت مواعيدهم كالآل في الكذب وكان لي سبب قد كنت أحسبني أحظى به وإذا دائي من السبب فما مقلم أظفاري سوى قلمي ولا كتائب أعدائي سوى كتبي وقال يصف الأسطرلاب أفضل ما استُصحب النبيل فلا تعدل به في المقام والسفر مختصر وهو إذ تفتشه عن ملح العلم غير مختصر ذو مقلة يستبين ما رمقت عن صائب للحظ صادق النظر تحمله وهو حامل فلكا لو لم يدر بالبنان لم يدر مسكنه الأرض وهو ينبئنا عن جل ما في السماء من خبر أبدعه رب فكرة بعدت في اللطف عن أن تقاس بالفكر فاستوجب الشكر والثناء له من كل ذي فطنة من البشر فهو لذي اللب شاهد عجب على اختلاف العقول والفطر وأن هذه الجسوم بائنة بقدر ما أعطيت من الصور وقال أيضاً يا مفرداً بالغنج والشكل من دل عينيك على قتلي البدر من شمس الضحى نوره والشمس من نورك تستملي وقال وقد رأى أمرد جميلاً قام من موضع وجاء أسود قعد في مكانه مضت جنة المأوى وجاءت جهنم فقد صرت أشقى بعدما كنت أنعم وقائلة ما بال مثلك خاملاً أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز فقلت لها ذنبي إلى القوم أنني لما لم يحوزوه من المجد حائز وما فاتني شيء سوى الحظ وحده وأما المعالي فهي في غرائز ولأبي الصلت أمية بن عبد العزيز من الكتب الرسالة المصرية ذكر فيها ما رآه في ديار مصر من هيئتها وآثارها ومن اجتمع بهم فيها من الأطباء والمنجمين والشعراء وغيره من أهل الأدب وألف هذه الرسالة لأبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس كتاب الأدوية المفردة على ترتيب الأعضاء المتشابهة الأجزاء والآلية وهو مختصر قد رتبه أحسن ترتيب كتاب الانتصار لحنين بن إسحاق علي بن رضوان في تتبعه لمسائل حنين كتاب حديقة الأدب كتاب الملح العصرية من شعراء أهل الأندلس والطارئين عليها ديوان شعره رسالة في الموسيقى كتاب في الهندسة رسالة في العمل بالأسطرلاب كتاب تقويم منطق الذهن‏.‏

ابن باجة

هو أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ ويعرف بابن باجة من الأندلس وكان في العلوم الحكمية علاّمة وقته وأوحد زمانه وبلي بمحن كثيرة وشناعات من العوام وقصدوا هلاكه مرات وسلمه اللّه منهم وكان متميزاً في العربية والأدب حافظاً للقرآن ويعد من الأفاضل في صناعة الطب وكان متقناً لصناعة الموسيقى جيد اللعب بالعود وقال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الإمام في صدر المجموع الذف نقله من أقاويل أبي بكر محمد بن الصائغ بن باجة ما هذا مثاله هذا مجموع ما قيد من أقوال أبي بكر بن الصائغ رحمه اللّه في العلوم الفلسفية وكان ذا ثقابة الذهن ولطف الغوص على تلك المعاني الشريفة الدقيقة أعجوبة دهره ونادرة الفلك في زمانه فإن هذه الكتب كانت متداولة بالأندلس من زمان الحكم مستجلبها ومستجلب غرائب ما صنف بالمشرق ونقل من كتب الأوائل وغيرها نصر اللّه وجهه وتردد النظر فيها فما انتهج فيها الناظر قبله سبيلاً وما تقيد عنهم فيها إلا ضلالات وتبديل كما تبدد عن ابن حزم الإشبيلي وكان من أجل نظار زمانه وأكثره لمن تقدم على إثبات شيء من خواطره وكان أحسن منه نظراً وأثقب لنفسه تمييزاً وإنما انتهجت سبل النظر في هذه العلوم بهذا الحبر وبمالك بن وهيب الإشبيلي فإنهما كانا متعاصرين غير أن مالك لم يقيد عنه إلا قليل نزر في أول الصناعة الذهنية وأضرب الرجل عن النظر ظاهراً في هذه العلوم وعن التكلم فيها لما لحقه من المطالبات في دمه لسببها ولقصده الغلبة في جميع محاوراته في فوز المعارف وأقبل على العلوم الشرعية فرأس فيها أو زاحم ذلك لكنه لم يلوح على أقواله ضياء هذه المعارف ولا قيد فيها باطناً شيئاً ألفى بعد موته وأما أبو بكر فنهضت به فطرته الفائقة ولم يدع النظر والتنتيج والتقييد لكل ما ارتسمت حقيقته في نفسه على أطوار أحواله وكيفا تصرف به زمنه وأثبتت في الصناعة الذهنية في أجزاء العلم الطبيعي ما يدل على حصول هاتين الصناعتين في نفسه صورة ينطق عنها ويفصل ويركب فيها فعل المستولي على أمدها‏.‏

وله تعاليق في الهندسة وعلم الهيئة تدل على بروعه في هذا الفن وأما العلم الإلهي فلم يوجد في تعاليقه شيء مخصوص به اختصاصاً تاماً إلا نزعات تستقرأ من قوله في رسالة الوداع واتصال الإنسان العقل الفعال وإشارات مبددة في أثناء أقاويله لكنها في غاية القوة والدلالة على نزوعة في ذلك العلم الشريف الذي هو غاية العلوم ومنتهاها وكل ما قبله من المعارف فهو من أجله وتوطئة له ومن المستحيل أن ينزع في التوطئات وتنفصل له أنواع الجود على كمالها ويكون مقصراً في العلم الذي هو الغاية وإليه كان التشوق بالطبع لكل ذي فطرة بارعه وذي موهبة إلهية ترقيه عن أهل عصره وتخرجه من الظلمات إلى النور كما كان رحمه اللّه وقد صدرنا هذا المجموع بقول له في الغاية الإنسانية على نهاية من الوجازة تعرب عما أشرنا إليه من إدراكه في العلم الإلهي وفيما قبله من العلوم الموطئة له وعسى أنه قد علق فيه ما لم يعثر عليه ويشبه أنه لم يكن بعد أبي نصر الفارابي مثله في الفنون التي تكلم عليها من تلك العلوم فإنه إذا قارنت أقاويله فيها بأقاويل ابن سينا والغزالي وهما اللذان فتح عليهما بعد أبي نصر بالمشرق في فهم تلك العلوم ودونا فيها بان لك الرجحان في أقاويله وفي حسن فهمه لأقاويل أرسطو والثلاثة أئمة دون ريب وآتون ما جاء به من قبلهم بارع الحكمة عن يقين تمتاز به أقاويلهم ويتواردون فيها مع السلف الكريم‏.‏

أقول وكان هذا أبو الحسن علي بن الإمام من غرناطة وكان كاتباً فاضلاً متميزاً في العلوم وصحب أبا بكر بن باجة مدة واشتغل عليه وسافر أبو الحسن علي بن الإمام من المغرب وتوفي بقوص وكان من جملة تلاميذ ابن باجة أيضاً القاضي أبو الوليد محمد ابن رشد وتوفي ابن باجة شاباً بمدينة فاس ودفن بها وأخبرني القاضي أبو مروان الأشبيلي أنه رأى قبر ابن باجة وقريباً من قبره قبر أبي بكر بن العربي الفقيه صاحب التصانيف ومن كلام ابن باجة قال الأشياء التي ينفع تعلمها بعد زمان طويل لا يضيع تذكرها وقال حسن عملك تفز بخير من اللّه سبحانه ولابن باجة من الكتب شرح كتاب السمع الطبيعي لأرسطوطاليس قول على بعض كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس قول على بعض كتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس قول على بعض المقالات الأخيرة من كتاب الحيوان لأرسطوطاليس كلام على بعض كتاب النبات لأرسطوطاليس قول ذكر فيه التشوق الطبيعي وماهيته وابتدأ أن يعطي أسباب البرهان وحقيقته رسالة الوداع قول يتلو رسالة الوداع كتاب اتصال العقل بالإنسان قول على القوة النزوعية فصول تتضمن القول على اتصال العقل بالإنسان كتاب تدبير المتوحد كتاب النفس تعاليق على كتاب أبي نصر في الصناعة الذهنية فصول قليلة في السياسة المدنية وكيفية المدن وحال المتوحد فيها نبذ يسيرة على الهندسة والهيئة رسالة كتب بها إلى صديقه أبو جعفر يوسف بن أحمد بن حسداي بعد قدومه إلى مصر تعاليق حكمية وجدت متفرقة جوابه لما سئل عن هندسة ابن سيد المهندس وطرقه كلام على شيء من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس كتاب التجربتين على أدوية ابن وافد واشترك في تأليف هذا الكتاب أبو بكر بن باجة وأبو الحسن سفيان كتاب اختصار الحاوي للرازي كلام في الغاية الإنسانية كلام في الأمور التي بها يمكن الوقوف على العقل الفعال كلام في الاسم والمسمي كلام في البرهان كلام في الأسطقسات كلام في الفحص عن النفس النزوعية وكيف هي ولم تنزع وبماذا تنزع كلام في المزاج بما هو طبي

أبو مروان بن زهر

هو أبو مروان عبد الملك بن الفقيه محمد بن مروان بن زهر الأيادي الإشبيلي كان فاضلاً في صناعة الطب خبيراً بأعمالها مشهوراً بالحذق وكان والده الفقيه محمد من جملة الفقهاء والمتميزين في علم الحديث بإشبيلية وقال القاضي صاعد أن أبا مروان بن زهر رحل إلى المشرق ودخل القيروان ومصر وتطبب هناك زمناً طويلاً ثم رجع إلى الأندلس وقصد مدينة دانية وكان ملكها في ذلك الوقت مجاهداً فلما وصل أبو مروان بن زهر إليه أكرمه إكراماً كثيراً وأمره أن يقيم عنده ففعل وحظي في أيامه واشتهر في دانية بالتقدم في صناعة الطب وطار ذكره منها إلى أقطار الأندلس وله في الطب آراء شاذة منها منعه من الحمام واعتقاده فيه أنه يعفن الأجسام ويفسد الأمزجة قال هذا رأي يخالفه فيه الأوائل والأواخر ويشهد بخطئه الخواص والعوام بل إذا استعمل على الترتيب الذي يجب بالتدريج الذي ينبغي يكون رياضة فاضلة ومهنة لتفتيحه للمسام وتطريقه وتلطيفه لما غلظ من الكيموسات أقول وانتقل أبو مروان بن زهر من دانية إلى مدينة إشبيلية ولم يزل بها إلى أن توفي وخلف أموالاً جزيلة وكان غني إشبيلية محط أنظارها في الرباع والضياع‏.‏

أبو العلاء بن زهر

هو أبو العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان مشهور بالحذق والمعرفة وله علاجات مختارة تدل على قوته في صناعة الطب واطلاعه على دقائقها وكانت له نوادر في مداواته المرضى ومعرفته لأحوالهم وما يجدونه من الآلام من غير أن يستخبرهم عن ذلك بن بنظره إلى قواريرهم أو عندما يجس نبضهم وكان في دولة الملثمين ويعرفون أيضاً بالمرابطين وحظي في أيامهم ونال المنزلة الرفيعة والذكر الجميل وكان قد اشتغل بصناعة الطب وهو صغير في أيام المعتضد باللّه أبي عمرو عباد بن عباد واشتغل أيضاً بعلم الأدب وهو حسن التصنيف جيد التأليف وفي زمانه وصل كتاب القانون لابن سينا إلى المغرب وقال ابن جميع المصري في كتاب التصريح بالمكنون في تنقيح القانون إن رجلاً من التجار جلب من العراق إلى الأندلس نسخة من هذا الكتاب وقد بولغ في تحسينها فاتحف بها لأبي العلاء بن زهر تقرباً إليه ولم يكن هذا الكتاب وقع إليه قبل ذلك فلما تأمله ذمه واطرح ولم يدخله خزانة كتبه وجعل يقطع من طرره ما يكتب فيه نسخ الأدوية لمن يستفتيه من المرضى وقال أبو يحيى اليسع ابن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب إن أبا العلاء ابن زهر كان مع صغر سنه تصرخ النجابة بذكره وتخطب المعارف بشكره ولم يزل يطالع كتب الأوائل متفهماً ويلقى الشيوخ مستعلماً والسعد ينهج له مناهج التيسير والقدر لا يرضى له من الوجاهة باليسير حتى برز في الطب إلى غاية عجز الطب عن مرامها وضعف الفم عن إبرامها وخرجت عن قانون الصناعة إلى ضروب من الشناعة يخبر فيصيب ويضرب في كل ما ينتحله من التعاليم بأوفى نصيب ويشعر سابق مدى وبغير في وجوه الفضلاء علماً ومحتداً ويفوق الجلة سماحة وندى لولا بذاء لسان وعجلة إنسان وأي الرجال تكمل خصاله وتتناسب أوصاله‏.‏

ونقلت من خط محمد بن أحمد بن صالح العبدي وهو من أهل المغرب وله نظر وعناية بصناعة الطب قال أبو العيناء المصري وهو شيخ أبو العلاء بن زهر ومن قبله انصرف من بغداد وحكايته معه طويلة قال أخبرني بهذا الشيخ الطبيب أبو القاسم هشام ابن إسماعيل بن محمد بن أحمد بن صاحب الصلاة بداره بإشبيلية حرسها اللّه‏.‏

أقول وكان من جملة تلاميذ أبي العلاء بن زهر في الب أبو عامر بن ينق الشاطبي الشاعر وتوفي أبو العلاء بن زهر ودفن بإشبيلية خارج باب الفتح ومن شعر أبي العلاء بن زهر قال في التغزل يا من كلفت به و ذلت عزتي لغرامه وهو العزيز القاهر رمت التصبر عندما ألقى الجفا ويقول ذاك الحسن مالك ناصر ما الجاه إلا جاه من ملك القوى وأطاعه قلب عزيز قادر يا راشقي بسهام ما لها غرض إلا الفؤاد وما لها منه عوض وممرضي بجفون حشوها سقم صحَّت ومن طبعها التمريض والمرض منن ولو بخيال منك يطرقني فقد يسد مسد الجوهر العرض وقال في ابن منظور قاضي قضاة اشبيلية وقد وصله عنه أنه قال أيمرض ابن زهر على جهة الاستهزاء‏:‏ قالوا ابن منظور تعجب دائباً أني مرضت فقلت يعثر من مشى قد كان جالينوس يمرض دهره فمن الفقيه المرتضى أكل الرشا وقال أيضاً‏:‏ سمعت بوصف الناس هنداً فلم أزل أخا صبوة حتى نظرت إلى هند فلما أراني اللّه هنداً وزيها تمنيت أن ازداد بعداً على بعد ولأبي العلاء بن زهر من الكتب كتاب الخواص كتاب الأدوية المفردة كتاب الإيضاح بشواهد الافتضاح في الرد على ابن رضوان فيما رده على حنين بن إسحاق في كتاب المدخل إلى الطب كتاب حل شكوك الرازي على كتب جالينوس مجربات مقالة في الرد على أبي علي بن سينا في مواضع من كتابه الأدوية المفردة ألفها لابنه أبي مروان كتاب النكت الطبية كتب بها إلى ابنه أبي مروان مقالة في بسطه لرسالة يعقوب بن إسحاق النكدي في تركيب الأدوية وأمثلة ذلك نسخ له ومجربات أمر بجمعها علي بن يوسف بن تاشفين بعد موت أبي العلاء فجمعت بمراكش وبسائر بلاد العدوة والأندلس وانتسخت في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين وخمسمائة‏.‏

أبو مروان بن أبي العلاء بن زهر

هو أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر لحق بأبيه في صناعة الطب وكان جيد الاستقصاء في الأدوية المفردة والمركبة حسن المعالجة قد ذاع ذكره في الأندلس وفي غيرها من البلاد واشتغل الأطباء بمصنفاته ولم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب وله حكايات كثيرة في تأتيه لمعرفة الأمراض ومداواتها مما لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك وكان قد خدم الملثمين ونال من جهتهم من النعم والأموال شيئاً كثيراً وفي الوقت الذي كان فيه أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر دخل المهدي إلى الأندلس وهو أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن تومرت ومعه عبد المؤمن وشرع في بث الدعوة لعبد المؤمن وتمهيد أمره إلى أن انتشرت كلمته واتسعت مملكته وملك البلاد وأطاعه الخلق وحكاية المهدي في تأتيه إلى أن نال الملك وصفا له الأمر معروفة مشهورة ولما استقل عبد المؤمن بالمملكة وعرف بأمير المؤمنين واستولى على خزائن المغرب بذل الأموال وأظهر العدل وقرب أهل العلم وأكرمهم ووالى إحسانه إليهم واختص أبا مروان عبد الملك بن زهر لنفسه وجعل اعتماده عليه في الطب وأناله من الإنعام والعطاء فوق أمنيته وكان مكيناً عنده علي القدر متميزاً على كثر من أبناء زمانه وألف له أبو مروان بن زهر الترياق السبعيني واختصره عشارياً واختصره سباعياً ويعرف بترياق الأنتلة حدثني أبو القاسم المعاجيني الأندلسي أن الخليفة عبد المؤمن احتاج إلى شرب دواء مسهل وكان يكره شرب الأدوية المسهلة فتلطف له ابن زهر في ذلك وأتى إلى كرمة في بستانه فجعل الماء الذي يسقيها به ماء قد أكسبه قوة أدوية مسهلة بنقعها فيه أو بغليانها معه ولما تشربت الكرمة قوة الأدوية المسهلة التي أرادها وطلع فيها العنب وله تلك القوة احم الخليفة ثم أتاه بعنقود منها وأشار عليه أن يأكل منه وكان حسن الاعتقاد في ابن زهر فلما أكل منه وهو ينظر إليه قال له يكفيك يا أمير المؤمنين فإنك قد أكلت عشر حبات من العنب وهي تخدمك عشر مجالس فاستخبره عن علة ذلك وعرفه به ثم قام على عدد ما ذكره له ووجد الراحة فاستحسن منه فعله هذا وتزايدت منزلته عنده‏.‏

وحدثني الشيخ محيي الدين أبو عبد اللّه بن علي بن محمد بن الربي الطائي الحاتمي من أهل مرسية أن أبا مروان عبد الملك بن زهر كان في وقت مروره إلى دار أمير المؤمنين باشبيلية يجد في طريقه عند حمام أبي الخير بالقرب من دار ابن مؤمل مريضاً به سوء قتبه وقد كبر جوفه واصفر لونه فكان أبداً يشكوا إليه حاله ويسأله النظر في أمره فلما كان بعض الأيام سأله مثل ذلك فوقف أبو مروان بن زهر عنده ونظر إليه فوجد عند رأسه إبريقاً عتيقاً يشرب منه الماء فقال اكسر هذا الابريق فإنه سبب مرضك فقال له لا باللّه يا سيدي فإني ما لي غيره فأمر بعض خدمه بكسره فكسره فظهر منه لما كسر ضفدع وقد كبر مما له فيه من الزمان فقال له ابن زهر خلصت يا هذا من المرض انظر ما كنت تشرب وبرأ الرجل بعد ذلك وحدثني القاضي أبو مروان حُمد بن أحمد بن عبد الملك اللخمي ثم الباجي قال حدثني من أثق به أنه كان باشبيلية حكيم فاضل في صناعة الطب يعرف بالفار وله كتاب جيد في الأودية المفردة سفران وكان أبو مروان بن زهر كثيراً ما يأكل التين ويميل إليه وكان الطبيب المعروف بالفار لا يغتذي منه بشيء وإن أخذ منه شيئاً فيكون واحدة في السنة فكان يقول هذا لأبي مروان بن زهر أنه لا بد أن تعرض لك نغلة صعبة بمداومتك أكل التين والغلة هو الدبيلة بلغتهم وكان أبو مروان يقول له لا بد لكثرة حميتك وكونك لم تأكل شيئاً من التين أن يصيبك الشناج قال فلم يمت المعروف بالفار إلا بعلة التشنج وكذلك أيضاً عرض لأبي مروان بن زهر دبيلة في جنبه وتوفي بها وهذا من أبلغ ما يكون في تقدمة الإنذار قال ولما عرض لأبي مروان هذه العلة كان يعالجها وصنع لها مراهم وأدوية ولم تؤثر نفعاً يعتد به فكان يقول له ابنه أبو بكر يا أبي لو غيرت هذا الدواء بالدواء الفلاني ولو زدت من هذا الدواء أو استعملت دواء كذا وكذا فكان يقول له يا بني إذا أراد اللّه تغيير هذه البنية فإنه لا يقدر لي أن استعمل من الأدوية إلا ما يتم به مشيئته وإرادته‏.‏

أقول وكان من أجل تلاميذ أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر في صناعة الطب والآخذين عنه أبو الحسين بن أسدون شهر بالمصدوم وأبو بكر بن الفقيه القاضي أبي الحسن قاضي إشبيلية وأبو محمد الشذوني والفقيه الزاهد أبو عمران بن أبي عمران وتوفي أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر في سنة وخمسمائة ودفن بإشبيلية خارج باب الفتح‏.‏

ولأبي مروان بن أبي العلاء بن زهر من الكتب كتاب التيسير في المداواة والتدبير ألفه للقاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد كتاب الأغذية ألفه لأبي محمد عبد المؤمن بن علي كتاب الزينة تذكرة إلى ولده أبي بكر في أمر الدواء المسهل وكيفية أخذه وذلك في صغر سنه وأول سفرة سافرها فناب عن أبيه فيها مقالة في علل الكلى رسالة كتب بها إلى بعض الأطباء بإشبيلية في علتي البرص والبهق كتاب تذكرة ذكر بها لابنه أبي بكر أول ما تعلق بعلاج الأمراض‏.‏

الحفيد إبو بكر بن زهر هو الوزير الحكيم الأديب الحسيب أبو بكر محمد بن أبي مروان بن أبي العلاء بن زهر مولده بمدينة إشبيلية ونشأ بها وتميز في العلوم وأخذ صناعة الطب عن أبيه وباشر أعمالها وكان معتدل القامة صحيح البنية قوي الأعضاء وصار في سن الشيخوخة ونضارة لونه وقوة حركاته لم يتبين فيها تغير وإنما عرض لها في أواخر عمره ثقل في السمع وكان حافظاً للقرآن وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه بمعرفة اللغة ويوصف بأنه قد أكمل صناعة الطب والأدب وعانى عمل الشعر وأجاد فيه وله موشحات مشهورة ويغني بها وهي من أجود ما قيل في ذلك‏.‏

وكان ملازماً للأمور الشرعية متين الدين قوي النفس محباً للخير وكان مهيباً وله جرأة في الكلام ولم يكن في زمانه أعلم منه بصناعة الطب وذكره قد شاع واشتهر في أقطار الأندلس وغيرها من البلاد وحدثني القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك الباجي من أهل إشبيلية قال قال لي الشيخ الوزير الحكيم أبو بكر بن زهر أنه لازم لجدي عبد الملك سبع سنين يشتغل عليه وقرأ عليه كتاب المدونة لسخنون في مذهب مالك وقرأ أيضاً عليه مسند ابن أبي شيبة وحدثني أيضاً القاضي أبو مروان الباجي عن أبي بكر بن زهر أنه كان شديد البأس يجذب قوساً مائة وخمسين رطلاً بالاشبيلي والرطل الذي بإشبيلية ستة عشر أوقية وكل أوقية عشرة دراهم وأنه كان جيد اللعب بالشطرنج جداً ولم يكن في زمانه أحد مثله في صناعة الطب وخدم الدولتين وذلك أنه لحق دولة الملثمين واستمر في الخدمة مع أبيه في آخر دولتهم ثم خدم دولة الموحدين وهم بنو عبد المؤمن وذلك أنه كان في خدمة عبد المؤمن هو وأبوه وفي أيام عبد المؤمن مات أبوه وبقي هو في خدمته ثم خدم لابن عبد المؤمن أبي يعقوب يوسف ثم لابنه يعقوب أبي يوسف الذي لقب بالمنصور ثم خدم ابنه أبا عبد اللّه محمد الناصر وفي أول دولته توفي أبو بكر بن زهر وكانت وفاته رحمه اللّه في عام ستة وتسعين وخمسمائة بمراكش وقد أتاها ليزور بها ودفن هناك في الموضع المعروف بمقابر الشيوخ وعمر نحو الستين سنة قال وكان أبو بكر بن زهر صائب الرأي حسن المعالجة جيد التدبير وقد عرف هذا منه حتى أنه يوماً كان قد كتب والده أبو مروان بن زهر نسخة دواء مسهل لعبد المؤمن الخليفة فلما رآه أبو بكر بعد ذلك وكان في حال شبيبته قال يجب أن يبدل هذا الدواء المفرد منه بدواء آخر فلم يتناول عبد المؤمن ذلك الدواء ولما رآه أبوه قال يا أمير المؤمنين إن الصواب في قوله وبدل الدواء المفرد بغيره فاثر نفعاً بيناً وألف أبو بكر ابن زهر الترياق الخمسيني للمنصور أبي يوسف يعقوب قال وحدثني من أثق به أن رجلاً من بني اليناقي كان صديقاً للحفيد أبي بكر بن زهر وكان يجالسه كثيراً ويلعب معه بالشطرنج وأنه كان عند الحفيد أبي بكر يوماً وهما يلعبان بالشطرنج فرآه الحفيد على غير ما يعهده به من الانبساط فقال له ما لخاطرك كأنه مشتغل بشيء عرفني ما هو فقال نعم إن لي بنتاً زوجتها لرجل وهو يطلبها وقد احتجت إلى ثلثمائة دينار فقال له العب وما عليك فإن عندي في وقتنا هذا ثلثمائة دينار إلا خمسة دنانير تأخذها فلعب معه ساعة واستدعى بالذهب وأعطاه له فلما كان عن قرب أتاه صاحبه وترك بين يديه ثلثمائة دينار إلا خمسة فقال له ابن زهر ما هذا فقال إنني بعت زيتوناً لي بسبعمائة دينار وقد أتيت منها بثلثمائة دينار إلا خمسة عوض الذي تفضلت به علي وأقرضتني إياه وقد بقي عندي حاصلاً أربعمائة دينار فقال له ابن زهر ارفع هذا عندك وانتفع به فإني ما دفعت لك الذهب على أني أعود آخذه أبداً فأبى الرجل وقال إنني بحمد اللّه بحال سعة ولا لي حاجة آخذ هذا ولا غيره من أحد أصلاً وتفاوضا في ذلك فقال له ابن زهر يا هذا أنت صديقي أو عدوي فقال له بل صديقك وأحب الناس فيك فقال له ابن زهر واللّه لئن لم تأخذه لأعادينك بسببه ولا أعود أكلمك أبداً فأخذه منه وشكره على فعله قال القاضي أبو مروان الباجي وكان المنصور قد قصد أن لا يترك شيئاً من كتب المنطق والحكمة باقياً في بلاده وأباد كثيراً منها بإحراقها بالنار وشدد في أن لا يبقى أحد يشتغل بشيء منها وأنه متى وجد أحد ينظر في هذا العلم أو جد عنده شيء من الكتب المصنفة فيه فإنه يلحقه ضرر عظيم ولما شرع في ذلك جعل أمره مفوضاً إلى الحفيد أبي بكر بن زهر وأنه الذي ينظر إليه وأراد الخليفة أنه إن كان عند ابن زهر شيء من كتب المنطق والحكمة لم يظهر ولا يقال عنه أنه يشتغل بها ولا يناله مكروه بسببها ولما نظر ابن زهر في ذلك وامتثل أمر المنصور في جمع الكتب من عند الكتبيين وغيرهم وأن لا يبقى شيء منها وأهانة المشتغلين بها وكان بإشبيلية رجل من أعيانها يعادي الحفيد أبا بكر بن زهر ويحسده وعنده شر فعلم محضراً في أن ابن زهر دائم الاشتغال بهذا الفن والنظر فيه وأن عنده في داره شيئاً كثيراً من كتبه وجمع فيه شهادات عدة وبعث به إلى المنصور وكان حينئذ في حصن الفرة وهو موضع بناه قريباً من إشبيلية على ميلين منها صحيح الهواء بحيث بقيت الحنطة فيها ثمانين سنة لم تتغير لصحته وكان أبو بكر بن زهر هو الذي أشار على المنصور أن يبنيه في ذلك الموضع ويقيم فيه بعض الأوقات فلما كان المنصور به وقد أتاه المحضر نظره ثم أمر بأن يقبض على الذي عمله وأن يودع السجن ففعل به ذلك وانهزم جميع الشهود الذين وضعوا خطوطهم فيه ثم قال المنصور إنني لم أول ابن زهر في هذا إلا حتى لا ينسبه أحد إلى شيء منه ولا يقال عنه وواللّه لو أن جميع أهل الأندلس وقفوا قدامي وشهدوا على ابن زهر بما في هذا المحضر لم أقبل قولهم لما أعرفه في ابن زهر من متانة دينه وعقله وحدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الاشبيلي قال كان الحفيد أبو بكر ابن زهر قد أتى إليه من الطلبة اثنان ليشتغلا عليه بصناعة الطب فترددا إليه ولازماه مدة وقرأا عليه شيئاً من كتب الطب ثم إنهما أتياه يوماً وبيد أحدهما كتاب صغير في المنطق وكان يحضر معهما أبو الحسين المعروف بالمصدوم وكان غرضه أن يشتغلوا فيه فلما نظر ابن زهر إلى ذلك الكتاب قال ما هذا ثم أخذه ينظر فيه فلما وجده في علم المنطق رمى به ناحية ثم نهض إليهم حافياً ليضربهم وانهزموا قدامه وتبعهم يعدو على حالته تلك وهو يبالغ في شتمهم وهم يتعادون قدامه إلى أن رجع عنهم عن مسافة بعيدة فبقوا منقطعين عنه أياماً لا يجسرون أن يأتوا إليه ثم أنهم توسلوا إلى أن حضروا عنده واعتذروا بأن ذلك الكتاب لم يكن لهم ولا لهم فيه غرض أصلاً وأنهم إنما رأوه مع حدث في الطريق وهم قاصدون إليه فهزأوا بصاحبه وعبثوا به وأخذوا من الكتاب قهراً وبقي معه ودخلوا إليه وهم ساهمون عنه فتخادع لهم وقبل معذرتهم واستمروا في قراءتهم عليه صناعة الطب ولما كان بعد مديدة أمرهم أن يجيدوا حفظ القرآن وأن يشتغلوا بقراءة التفسير والحديث والفقه وأن يواظبوا على مراعاة الأمور الشرعية والاقتداء بها ولا يخلوا بشيء من ذلك فلما امتثلوا أمره وأتقنوا معرفة ما أشار به عليهم وصارت لهم مراعاة الأمور الشرعية سجية وعادة قد ألفوها كانوا يوماً عنده وإذا به قد أخرج لهم الكتاب الذي كان رآه معهم في المنطق وقال لهم الآن صلحتم لأن تقرأوا هذا الكتاب وأمثاله علي وأشغلهم فيه فتعجبوا من فعله رحمه اللّه وهذا يدل منه على كمال عقله وتوفر مروءته‏.‏

وحدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كان أبو زيد عبد الرحمن بن يوجان وزير المنصور يعادي الحفيد أبا بكر بن زهر ويحسده لما يرى من عظم حاله وعلو منزلته وعلمه فاحتال عليه في سم صيره مع أحد من كان عند الحفيد بن زهر فقدمه إلى الحفيد ابن زهر في بيض وكانت مع الحفيد أيضاً بنت أخته وكانت أخته وابنتها هذه عالمتين بصناعة الطب والمداواة ولهما خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء وكانتا تدخلان إلى نساء المنصور ولا يقبل للمنصور وأهله ولداً إلا أخت الحفيد أو بنتها لما توفيت أمها فما أكل الحفيد من ذلك البيض وبنت أخته ماتا جميعاً ولم ينفع فيهما علاج قال ولم يمت أبو زيد عبد الرحمن بن يوجان إلا مقتولاً قتله مع بعض أقاربه أقول وكان من أجل تلامذة الحفيد أبي بكر بن زهر في صناعة الطب والآخذين عنه أبو جعفر بن الغزال‏.‏

ومن شعر الحفيد أبي بكر بن زهر أنشدني محيي الدين أبو عبد اللّه محمد بن علي ابن علي بن نأت عنه داري فيا وحشتي لذلك الشخيص وذاك الوجيه تشوقني وتشوقته فيبكي علي وأبكي عليه وقد تعب الشوق ما بيننا فمنه إلي ومني إليه أنشدني القاضي أبو مروان الباجي قال أنشدني أبو عمران بن عمران الزاهد المرتلي القاطن بإشبيلية قال أنشدني أبو بكر بن زهر لنفسه في آخر عمره‏:‏ إني نظرت إلى المرآة إذ جليت فأنكرت مقلتاي كلما رأتا رأيت فيها شييخاً لست أعرفه وكنت أعرف فيها قبل ذاك فتى فقلت أين الذي مثواه كان هنا متى ترحّل عن هذا المكان متى فاستجهلتني وقالت لي وما نطقت قد كان ذاك وهذا بعد ذاك أتى هون عليك فهذا لا بقاء له أما ترى العشب يفنى بعدما نبتا كان الغواني يَقُلْنَ يا أخَيّ فقد صار الغواني يقلن اليوم يا أبتا وأنشدني أيضاً القاضي أبو مروان الباجي عن الحفيد بن زهر له من أبيات‏:‏ أعدِ الحديث عليّ من جنباته إن الحديث عن الحبيب حبيب للّه ما صنع الغرام بقلبه أودى به لما ألب بلبه لباه لما أن دعاه وهكذا من يدعه داعي الغرام يلبه بأبي الذي لا تستطيع لعجبه رد السلام وإن شككت فعج به ظبي من الأتراك ما ترك الضنا ألحاظه من سلوة لمحبه إن كنت تنكر ما جنى بلحاظه في سلبه يوم الغوير فسل به أو شئت أن تلقى غزالاً أغيداً في سربه أسد العرين فسر به يا ما اميلحه وأعذب ريقه وأعزه وأذلني في حبه أو ما أليطف وردة في خده وأرقها وأشد قسوة قلبه كم من خمار دون خمرة ريقه وعذاب قلب دون رائق عذبه نادى بنفسج عارضيه تعمداً يا عاشقين تمنعوا من قربه ومن موشحاته مما أنشدني أبو عبد اللّه محمد سبط الحكيم أبي محمد عبد اللّه ابن الحفيد أبي بكر بن زهر وكان والد هذا المذكور أبي عبد اللّه وهو أبو مروان أحمد ابن القاضي أبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن عبد الملك الباجي قد تزوج ببنت أبي محمد عبد اللّه بن الحفيد أبي بكر وبقيت في يده تسعة أشهر ثم قتله ابن الأحمر غدراً في سنة ثلاثين وستمائة وكان عمره إذ ذاك سبعاً وثلاثين سنة فمن ذلك قال وهي من أول قوله زعمت أنفاسي الصعدا ان أفراح الهوى نكد هام قلبي في معذبه وأنا أشكو لمطلبه إن كتمت الحب مت به وإذا ما صحت وا كبدا فرح الأعداء وانتقدوا أيها الباكي على الطلل ومدير الراح بالأمل أنا من عينيك في شغل فدع الدمع السفوح سدى وضرام الشوق تتقد مقلة جادت بما ملكت عرفت ذلك الهوى فبكت وشكت مما بها ورثت وفؤادي هائم بدأ ما عليه للسلو يد إن عيني لا أذنبها قلبي وأتعبها لنجوم بت أرقبها رمت أن أحصي لها عدداً وهي لا يحصى لها عدد وغزال يغلب الأسدا جئت لاسنتجاز ما وعدا فانزوى عني وقال غدا أترى يا قوم أين هو غدا في أي مكان يسكن أو يجد أدر أكؤس الخمر عنبرية النشر إن الروض ذو بشر وقد درع النهرا هبوب النسيم وسلت على الأفق يد الغرب والشرق سيوفاً من البرق وقد أضحك الزهرا بكاء الغيوم ألا أن لي مولى تحكم فاستولى أما أنه لولا دمع يفضح السر لكنت كتوم أن لي كتمان ودمعي طوفان شبت فيه نيران فمن أبصرا الجمرا في لج يعوم إذ لا مني فيه من رأى تجنيه شدوت أغنيه لعل له عذراً وأنت تلوم وقال أيضاً أيها الساقي إليك المشتكى قد دعوناك وإن لم تسمع خفق الأحشاء موهون القوى كلما فكر في البين بكى ما له يبكي لما لم يقع ليس لي صبر ولا لي جلد يا لقومي عذلوا واجتهدوا أنكروا شكواي مما أجد مثل حالي حقه أن يشتكي كمد اليأس وذل الطمع ما لعين عشيت بالنظر أنكرت بعدك ضوء القمر وإذا ما شئت فاسمع خبري شقيت عيناي من طول البكا وبكى بعضي على بعضي معي كبد حرى ودمع يكف يعرف الذنب ولا يعترف أيها المعرض عما أصف قد نمى حبك عندي وزكا لا يظن الحب أني مدعي وقال أيضاً يا صاحبي نداء مغتبط بصاحب لله ما ألقاه من قد الحبائب قلب أحاط به الجوى من كل جانب أي قلب هاذم لا يستريح من اللواحي أنحى على رشدي وأفقدني صلاحي ثغر ثنى الأبصار عن نور الصباح يسقى بختلطين من مسك وراح كالحباب العائم في صفحة الماء القراح من لي به بدراً تجلى في الظلام علق من وجناته بدر التمام وعلقت من أعطافه لدن القوام كالقضيب الناعم لم يستطع حمل الوشاح حملتني في الحب ما لا يستطاع شوقاً يراع لذكره من لا يراع بل أنت أظلم من له حكم مطاع وقال أيضاً حي الوجوه الملاح وحي كحل العيون هل في الهوى من جناح وفي نديم وراح رام النصوح صلاحي وكيف أرجو صلاحاً بين الهوى والمجون بكى بشجو وناح على فروع الغصون ألقى إليها زمامه صب يداوي غرامه ولا يطيق الملامه غدا بشوق وراحا ما بين سبي الظنون يا راحلاً لم يودع رحلت بالأنس أجمع والعجز يعطي ويمنع مروا واخفوا الرواحا سحراً وما ودعوني وقال أيضاً هل ينفع الوجد أو يفيد أم هل على من بكى جناح يا منية القلب غبت عني فالليل عندي بلا صباح أفديه من معرض تولى لا عين منه ولا أثر عذبني في هواه كلا لم يبق مني ولا يذر يا عين عيني فليس إلا صبر على الدمع والسهر ويفعل الشوق ما يريد في كبد كلها جراح خداه كالورد في البهار يقطف باللحظ أم يكاد وذلك المبسم البرود حصاه در وصرف راح أو مثل ما قلت ماء مزن يسقي به يانع الأقاح يا من له أبدع الصفات يا غصن يا دعص يا قمر غبت فلم يأت منك آت فاستوحش السمع والبصر لولا صبا تلكم الجهات لذاب قلبي من الفكر يا أيها النازح البعيد جادت بانبائك الرياح أن الصبا عنك أخبرتني ما اهتز روض الربى وفاح يا ساحراً فوق كل ساحر ومن له حسنه أصف وجه له كالصباح باهر أردية الحسن يلتحف كالروض حفت به الأزاهر يقطف باللحظ أم قطف كالبدر في ليلة السعود أشرق لألاؤه ولاح فيها رثى عاذلي لشاني ثم انثنى ضاحكاً وقال عاشق ومسكين اللّه يريد وارض لمن يعشق الملاح فدع يهجر أو يصلني ليس على ساحر اقتراح أبو محمد بن الحفيد أبي بكر بن زهر هو أبو عبد اللّه بن الحفيد أبي بكر محمد بن أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر كان جيد الفطرة حسن الرأي جميل الصورة مفرط الذكاء محمود الطريقة محباً للبس الفاخر وكان كثير الاعتناء بصناعة الطب والنظر فيها والتحقيق لمعانيها واشتغل على والده ووقفه على كثير من أسرار علم هذه الصناعة وعملها وقرأ كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري على أبيه واتقن معرفته وكان الخليفة أبو عبد اللَّه محمد الناصر بن المنصور أبي يعقوب يرى له كثيراً ويحترمه ويعرف مقدار علمه وبيتوتته‏.‏

حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال لما توجه أبو محمد عبد اللَّه بن الحفيد إلى الحضرة خرج منه فيما اشتراه لسفره ونفقته في الطريق نحو عشرة آلاف دينار قال ولما اجتمع بالخليفة الناص بالمهدية لما فتحها الناصر خدمه على ما جرت به العادة وقال له إنني يا أمير المؤمنين بحمد اللَّه بكل خير من إنعامكم وإحسانكم علي وعلى آبائي وقد وصل إليّ مما كان بيد أبي من إحسانكم ما يغنيني مدة حياتي وأكثر وإنما أتيت لأكون في الخدمة كما كان أبي وأن أجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه بين يدي أمير المؤمنين فأكرمه الناصر إكراماً كثيراً وأطلق إليه من الأموال والنعم ما يفوق الوصف وإن مجلسه إذا حضر قريباً منه في الموضع الذي كان يجلس فيه والده الحفيد فكان يجلس إلى جانب الخليفة الناصر الخطيب أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن أبي يوسف حجاج القاضي وكان يجلس تلوه القاضي الشريف أبو عبد اللَّه الحسيني وكان يجلس تلوه أبو محمد عبد اللَّه بن الحفيد أبو بكر بن زهر وكان يجلس إلى جانبه أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي صاحب المقدمة المشهورة في النحو المعروفة بالجزولية وكان هذا في النحو يشتغل عليه أبو محمد عبد اللَّه بن الحفيد ويجلس بين يديه ويتعلم منه‏.‏

وكان مولد أبي محمد عبد اللَّه بن الحفيد أبي بكر في سنة سبع وسبعين وخمسمائة بمدينة إشبيلية وتوفي رحمه اللَّه مسموماً في سنة اثنتين وستمائة في مدينة سلا في الجهة المسماة برباط الفتح ودفن بها وكان متوجهاً إلى مراكش فاخترمه الأجل دونها ثم حمل من الموضع الذي دفن فيه إلى إشبيلية ودفن عند آبائه بإشبيلية خارج باب الفتح فكانت مدة حياته خمساً وعشرين سنة‏.‏

ومن أعجب ما حدثني القاضي أبو مروان الباجي عنه قال كنت يوماً عنده وإذا به قد قال لي إنني رأيت البارحة في النوم أختي وكانت أخته قد ماتت قبله قال وكأني قلت لها يا أختي باللَّه عرفيني كم يكون عمري فقالت لي طابيتين ونصفاً والطابية هي خشبة للبناء معروفة في المغرب بهذا الاسم طولها عشرة أشبار فقلت لها أنا أقول لك جد وأنت تجيبين بالهزء فقالت لا واللَّه ما قلت لك إلا جداً وإنما أنت ما فهمت أليس الطابية عشرة أشبار والطابيتين ونصفاً خمسة وعشرون يكون عمرك خمساً وعشرين سنة قال القاضي أبو مروان فلما قص علي هذه الرؤيا قلت له لا تتوهم من هذا فلعله من أضغاث الأحلام قال ولم تكمل تلك السنة إلا وقد مات فكان عمره كما قيل له خمساً وعشرين سنة لا أزيد ولا أنقص وخلف ولدين كل منهما فاضل في نفسه كريم في جنسه أحدهما يسمى أبا مروان عبد الملك والآخر أبا العلاء محمد والأصغر منهما وهو أبو العلاء معتن بصناعة الطب وله نظر جيد في كتب جالينوس وكان مقامهما في إشبيلية‏.‏

أبو جعفر بن هارون الترجالي

من أعيان أهل إشبيلية وكان محققاً للعلوم الحكمية متقناً لها معتنياً بكتب أرسطوطاليس وغيره من الحكماء المتقدمين فاضلاً في صناعة الطب متميزاً فيها خبيراً بأصولها وفروعها حسن المعالجة محمود الطريقة وخدم لأبي يعقوب والد المنصور وكان من طلبة الفقيه أبي بكر بن العربي لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث وكان أبو جعفر بن هارون يروي الحديث وهو شيخ أبي الوليد ابن رشد في التعاليم والطب وأصله من ترجالة من غور الأندلس وهي التي أصابها المنصور خالية وهرب أهلها وعمرها المسلمون وكان أبو جعفر هارون أيضاً عالماً بصناعة الكحل وله آثار فاضلة في المداواة‏.‏

حدثني القاضي أبو مروان محمد بن أحمد بن عبد الملك اللخمي ثم الباجي أن أخاه القاضي أبا عبداللَّه محمد بن أحمد لما كان صغيراً أصاب عينه عود واخترق السواد حتى أنه يئس له من البرء فاستدعى أبوه أبا جعفر بن هارون وأراه عين ولده وقال له أنا أدفع لك ثلاثمائة دينار وتعالجها فقال واللَّه ما حاجة إلى هذا الذي ذكرته وإنما أداويه ويصلح إن شاء اللَّه تعالى وشرع في مداواته إلى أن صلحت عينه وأبصر بها وأصاب ابن هارون خدر وضعف في أعضائه فالتزم داره بإشبيلية وكان يطب الناس وتوفي بإشبيلية‏.‏

أبو الوليد بن رشد

هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد مولده ومنشؤه بقرطبة مشهور بالفضل معتن بتحصيل العلوم أوحد في علم الفقه والخلاف واشتغل على الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق وكان أيضاً متميزاً في علم الطب وهو جيد التصنيف حسن المعاني وله في الطب كتاب الكليات وقد أجاد في تأليفه وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة ولما ألف كتابه هذا في الأمور الكلية قصد من ابن زهر أن يؤلف كتاباً في الأمور الجزئية لتكون جملة كتابيهما ككتاب كامل في صناعة الطب ولذلك يقول ابن رشد في آخر كتابه ما هذا نصه قال فهذا هو القول في معالجة جميع أصناف الأمراض بأوجز ما أمكننا وأبينه وقد بقي علينا من هذا الجزء القول في شفاء عرض عرض من الأعراض الداخلة على عضو من الأعضاء وهذا وإن لم يكن ضرورياً لأنه منطو بالقوة فيما سلف من الأقاويل الكلية ففيه تتميم ما وارتياض لأنا ننزل فيها إلى علاجات الأمراض بحسب عضو عضو وهي الطريقة التي سلكها أصحاب الكنانيش حتى نجمع في أقاويلنا هذه إلى الأشياء الكلية الأمور الجزئىة فإن هذه الصناعة أحق صناعة ينزل فيها إلى الأمور الجزئىة ما أمكن إلا أنا نؤخر هذا إلى وقت نكون فيه أشد فراغاً لعنايتنا في هذا الوقت بما يهم من غير ذلك فمن وقع له هذا الكتاب دون هذا الجزء وأحب أن ينظر بعد ذلك إلى الكنانيش فأوفق الكنانيش له الكتاب الملقب بالتيسير الذي ألفه في زماننا هذا أبو مروان بن زهر وهذا الكتاب سألته أنا إياه وانتسخته فكان ذلك سبيلاً إلى خروجه وهو ما قلنا كتاب الأقاويل الجزئية التي قلت فيها شديدة المطابقة للأقاويل الكلية إلا أنه مزج هنالك مع العلاج العلامات وإعطاء الأسباب على عادة أصحاب الكنانيش ولا حاجة لمن يقرأ كتابنا هذا إلى ذلك بل يكفيه من ذلك مجرد العلاج فقط وبالجملة من تحصل له ما تبناه من الأقاويل الكلية أمكنه أن يقف على الصواب والخطأ من مداواة أصحاب الكنانيش في تفسير العلاج والتركيب‏.‏

حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كان القاضي أبو الوليد بن رشد حسن الرأي ذكياً رث البزة قوي النفس وكان قد اشتغل بالتعاليم وبالطب على أبي جعفر بن هارون ولازمه مدة وأخذ عنه كثيراً من العلوم الحكمية وكان ابن رشد قد قضى مدة في إشبيلية قبل قرطبة وكان مكيناً عند المنصور وجيهاً في دولته وكذلك أيضاً كان ولده الناصر يحترمه كثيراً قال ولما كان المنصور بقرطبة وهو متوجه إلى غزو ألفنس وذلك في عام أحد وتسعين وخمسمائة استدعى أبا الوليد بن رشد فلما حضر عنده احترمه كثيراً وقربه إليه حتى تعدى به الموضع الذي كان يجلس فيه أبو محمد عبد الواحد بن الشيخ حفص الهنتاتي صاحب عبد المؤمن وهو الثالث أو الرابع من العشرة وكان هذا أبو محمد عبد الواحد قد صاهره المنصور وزوجه بابنته لعظم منزلته عنده ورزق عبد الواحد منها ابناً اسمه علي وهو الآن صاحب إفريقية فلما قرب المنصور ابن رشد وأجلسه إلى جانبه حادثه ثم خرج من عنده وجماعة الطلبة وكثير من أصحابه ينتظرونه فهنؤوه بمنزلته عند المنصور وإقباله عليه فقال واللَّه إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به فإن أمير المؤمنين قد قربني دفعة إلى أكثر مما كنت أؤمله فيه أو يصل رجائي إليه وكان جماعة من أعدائه قد شيعوا بأن أمير المؤمنين قد أمر بقتله فلما خرج سالماً أمر بعض خدمه أن يمضي إلى بيته ويقول لهم أن يصنعوا له قطاً وفراخ حمام مسلوقة إلى متى يأتي إليهم وإنما كان غرضه بذلك تطييب قلوبهم بعافيته‏.‏

ثم إن المنصور فيما بعد نقم على أبي الوليد بن رشد وأمر بأن يقيم في اليسانة وهي بلد قريب من قرطبة وكانت أولاً لليهود وأن لا يخرج عنها ونقم أيضاً على جماعة أخر من الفضلاء الأعيان وأمر أن يكونوا في مواضع أخر وأظهر أنه فعل بهم ذلك بسبب ما يدّعي فيهم أنهم مشتغلون بالحكمة وعلوم الأوائل وهؤلاء الجماعة هم أبو الوليد بن رشد وأبو جعفر الذهبي والفقيه أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم قاضي بجاية أبو الربيع الكفيف وأبو العباس الحافظ الشاعر القرابي وبقوا مدة ثم إن جماعة من الأعيان بإشبيلية شهدوا لابن رشد أنه على غير ما نسب إليه فرضي المنصور عنه وعن سائر الجماعة وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة وجعل أبا جعفر الذهبي مزواراً للطلبة ومزواراً للأطباء وكان يصفه المنصور قال القاضي أبو مروان ومما كان في قلب المنصور من ابن رشد أنه كان متى حضر مجلس المنصور وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلم يخاطب المنصور بأن يقول تسمع يا أخي وأيضاً فإن ابن رشد كان قد صنف كتاباً في الحيوان وذكر فيه أنواع الحيوان ونعت كل واحد منها فلما ذكر الزرافة وصفها ثم قال وقد رأيت الزرافة عند ملك البربر يعني المنصور فلما بلغ ذلك المنصور صعب عليه وكان أحد الأسباب الموجبة في أنه نقم على ابن رشد وأبعده ويقال إنه مما اعتذر به ابن رشد أنه قال إنما قلت ملك البرين وإنما تصحفت على القارئ فقال ملك البربر وكانت وفاة القاضي أبي الوليد بن رشد رحمه اللَّه في مراكش أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة وذلك في أول دولة الناصر وكان ابن رشد قد عمر عمراً طويلاً وخلف ولداً طبيباً عالماً بالصناعة يقال له أبو محمد عبد اللَّه وخلف أيضاً أولاداً قد اشتغلوا بالفقه واستخدموا في قضاء الكور‏.‏

ومن كلام أبي الوليد بن رشد قال من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيماناً باللَّه ولأبي الوليد بن رشد من الكتب كتاب التحصيل جمع فيه اختلاف أهل العلم مع الصحابة والتابعين وتابعيهم ونصر مذاهبهم وبين مواضع الاحتمالات التي هي مثار الاختلاف كتاب المقدمات في الفقه كتاب نهاية المجتهد في الفقه كتاب الكليات شرح الأرجوزة المنسوبة إلى الشيخ الرئيس بن سينا في الطب كتاب الحيوان جوامع كتب أرسطوطاليس في الطبيعيات والإلهيات كتاب الضروري في المنطق ملحق به تلخيص كتب أرسطوطاليس وقد لخصها تلخيصاً تاماً مستوفياً تلخيص الإلهيات لنيقولاوس تلخيص كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطوطاليس تلخيص كتاب الأخلاق لأرسطوطاليس تلخيص كتاب البرهان لأرسطوطاليس تلخيص كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس شرح كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس تلخيص كتاب الأسطقسات لجالينوس تلخيص كتاب المزاج لجالينوس تلخيص كتاب القوى الطبيعية لجالينوس تلخيص كتاب العلل والأعراض لجالينوس تلخيص كتاب التعريف لجالينوس تلخيص كتاب الحميات لجالينوس تلخيص أول كتاب الأدوية المفردة لجالينوس تلخيص النصف الثاني من كتاب حيلة البرء لجالينوس كتاب تهافت التهافت يرد فيه على كتاب التهافت للغزالي كتاب منهاج الأدلة في علم الأصول كتاب صغير سماه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال المسائل المهمة على كتاب البرهان لأرسطوطاليس شرح كتاب القياس لأرسطوطاليس مقالة في العقل مقالة في القياس كتاب في الفحص هل يمكن العقل الذي فينا وهو المسمى بالهيولاني أن يعقل الصور المفارقة بآخره أو لا يمكن ذلك وهو المطلوب الذي كان أرسطوطاليس وعدنا بالفحص عنه في كتاب النفس مقالة في أن ما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا في كيفية وجود العالم متقارب في المعنى مقالة في التعريف بجهة نظر أبي نصر في كتبه الموضوعة في صناعة المنطق التي بأيدي الناس وبجهة نظر أرسطوطاليس فيها ومقدار ما في كتاب كتاب من أجزاء الصناعة الموجودة في كتب أرسطوطاليس ومقدار ما زاد لاختلاف النظر يعني نظريهما مقالة في اتصال العقل المفارق بالإنسان مقالة في اتصال العقل بالإنسان مراجعات ومباحث بين أبي بكر بن الطفيل وبين ابن رشد في رسمه للدواء في كتابه المرسوم بالكليات كتاب في الفحص عن مسائل وقعت في العلم الإلهي في كتاب الشفاء لابن سينا مسألة في الزمان مقالة في فسخ شبهة من اعترض على الحكيم وبرهانه في وجود المادة الأولى وتبيين أن برهان أرسطوطاليس هو الحق المبين مقالة في الرد على أبي علي بن سينا في تقسيمه الموجودات إلى ممكن على الإطلاق وممكن بذاته واجب بغيره وإلى واجب بذاته مقالة في المزاج مسألة في نوائب الحمى مقالة في حميات العفن مسائل في الحكمة مقالة في حركة الفلك كتاب فيما خالف أبو النصر لأرسطوطاليس في كتاب البرهان من ترتيبه وقوانين البراهين والحدود مقالة في الترياق‏.‏

هو أبو محمد عبد اللَّه بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد فاضل في صناعة الطب عالم بها مشكور في أفعالها وكان يفد إلى الناصر ويطبه ولأبي محمد بن رشد من الكتب مقالة في حيلة البرء

أبو الحجاج يوسف

بن موراطير من شرقي الأندلس وموراطير قرية قريبة من بلنسية كان فاضلاً في صناعة الطب خبيراً بها مزاولاً لأعمالها محمود الطريقة حسن الرأي عالماً بالأمور الشرعية وسمع الحديث وقرأ المدونة وكان أديباً شاعراً محباً للمجون كثير النادرة حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كنا في تونس مع الناصر وكان في العسكر غلاء وقل وجود الشعير فعمل أبو الحجاج بن موراطير موشحاً في الناصر وأتى في ضمنه تغيير بيت عمله الحفيد أبو بكر بن زهر في بعض موشحاته وذلك أن ابن زهر قال ما العيد في حلة وطاق وشم طيب وإنما العيد في التلاقي مع الحبيب فعل ابن موراطير ما العيد في حلة وطاق من الحرير إنما العيد في التلاقي مع الشعير فأطلق له الناصر عشرة أمداد شعير كانت قيمتها في ذلك الوقت خمسين ديناراً وكان أبو الحجاج بن موراطير قدخدم بصناعة الطب المنصور أبا يوسف يعقوب ولما توفي المنصور خدم لولده الناصر وهو أبو عبد اللَّه محمد بن يعقوب ومن بعد الناصر أيضاً خدم لولده أبي يعقوب يوسف المستنصر بن الناصر وكان أبو الحجاج بن موراطير قد عمر عمراً طويلاً وكان حظياً عند المنصور مكيناً عنده رفيع المنزلة وكان يدخل مجلس الخاصة مع الأشياخ للمذاكرة في العربية وغيرها ومات بالنقرس في مراكش في دولة المستنصر‏.‏

أبو عبد اللَّه بن يزيد

هو ابن أخت أبي الحجاج يوسف بن موراطير كان طبيباً فاضلاً وأديباً شاعراً وشعره موصوف بالجودة‏.‏

أبو مروان عبد الملك بن قبلال

مولده ومنشؤه بغرناطة وكان جيد النظر في الطب حسن العلاج وخدم بصناعة الطب المنصور ثم خدم بعده لولده الناصر ومات في دولة الناصر في مراكش أبو إسحق إبراهيم الداني كانت له عناية بالغة في صناعة الطب وأصله من بجاية ونقل إلى الحضرة وكان أمين البيمارستان وطبيبه بالحضرة وكذلك ولداه والأكبر منهما وهو أبو عبد اللَّه محمد قتل في غزوة العقاب في الأندلس مع الناصر وتوفي الداني في مراكش في دولاالمستنصر بن الناصر‏.‏

أبو يحيى بن قاسم الإشبيلي كان فاضلاً في صناعة الطب خبيراً بقوى الأدوية المفردة والمركبة كثير العناية بها وكان صاحب خزانة الأشربة التي يأخذها الخليفة المنصور من عنده وكذلك كان والده في خدمة أبي يعقوب والد المنصور وتوفي أبو يحيى في مراكش في دولة المستنصر وكان له ولد فجعل موضعه في الخزانة عوضاً عن أبيه

أبو الحكم بن غلندو

مولده ومنشؤه بإشبيلية وكان أديباً شاعراً حسن الشعر متميزاً في صناعة الطب محمود الطريقة وكان مفنناً وخدم بصناعة الطب المنصور وكان مكيناً عنده وجيهاً في دولته وكان المنصور في عام ثمانين وخمسمائة حمله معه لما ولي الخلافة وكان ابن غلندو صاحب كتب كثيرة ويكتب خطين أندلسيين وتوفي بمراكش ودفن بها هو الحاج أبو جعفر أحمد بن حسان الغرناطي مولده ومنشؤه بغرناطة واشتغل بصناعة الطب وأجاد في علمها وعملها وخدم المنصور بالطب وحج أبو جعفر بن حسان مع أبي الحسين بن جبير الغرناطي الأديب الكاتب صاحب كتاب الرحلة وذكره معه في الرحلة وتوفي أبو جعفر بن حسان بمدينة فاس ولأبي جعفر بن حسان من الكتب كتاب تدبير الصحة ألفه للمنصور أبو العلاء بن أبي جعفر أحمد بن حسان من مدينة غرناطة وأحد الأعيان بها والمتميزين من أهلها قوي الذكاء حسن الفطرة مشتغل بالأدب وعنده براعة وفضل وهو طبيب وكاتب وخدم بصناعة الطب المستنصر وكان حظياً عنده وهو من جملة الفضلاء في صناعة الطب بإشبيلية وقد قطن بها‏.‏

أبومحمد الشذوني مولده ومنشؤه بإشبيلية وكان ذكياً فطناً وله معرفة جيدة بعلم الهيئة والحكمة وكان قد اشتغل بصناعة الطب على أبي مروان عبد الملك بن زهر ولازمه مدة وباشر أعمالها وكان مشهوراً بالعلم جيد العلاج وخدم الناصر بالطب وتوفي بإشبيلية في دولة المستنصر‏.‏

المصدوم

هو أبو الحسين بن أسدون شهر بالمصدوم وهو تلميذ أبي مروان عبد الملك بن زهر وكان المصدوم ديناً كثير الخير معتنياً بصناعة الطب مشهوراً بها أديباً شاعراً ومولده ومنشؤه بإشبيلية وكان مقيماً في البلد ويحضر عند المنصور ويطلبه في أوقات المداواة وتوفي المصدوم في إشبيلية سنة ثمان وثمانين وخمسمائة‏.‏

عبد العزيز بن مسلمة الباجي

أصله من باجة الغرب كان من أعيان أهل الأندلس وأجلائها ويعرف بابن الحفيد وكان فاضلاً في صناعة الطب متميزاً في الأدب وله شعر جيد وكان تلميذ المصدوم وخدم بالطب المستنصر وتوفي في دولته في مراكش

أبو جعفر بن الغزال

مولده بقنجيرة من أعمال المرية وأتى إلى الحفيد أبي بكر بن زهر ولازمه حق الملازمة وقرأ عليه صناعة الطب وعلى غيره حتى أتقن الصناعة وخدم المنصور بالطب وكان خبيراً بتركيب الأدوية ومعرفة مفرداتها وكان المنصور يعتمد عليه في الأدوية المركبة والمعاجين ويتناولها منه وكان المنصور قد أبطل الخمر وشدد بأن لا يأتي بشيء منه إلى الحضرة أو يكون عند أحد فلما كان بعد ذلك بمدة قال المنصور لأبي جعفر بن الغزال أريد أن تجمع حوائج الترياق الكبير وتركبه فامتثل أمره وجمع حوائجه وأعوزه الخمر الذي يعجن به أدوية الترياق وأنهى ذلك إلى المنصور فقال له تطلبه من كل ناحية وانظر لعل يكون عند أحد منه ولو شيء يسير لنكمل الترياق فتطلبه أبو جعفر من كل أحد ولم يجد شيئاً منه فقال المنصور واللَّه ما كان قصدي بتركيب الترياق في هذا الوقت إلا لأعتبر هل بقي من الخمر شيء عند أحد أم لا وتوفي أبو جعفر ابن الغزال في أيام الناصر أبو بكر بن القاضي أبي الحسن الزهري هو أبو بكر بن الفقيه القاضي أبو الحسن الزهري القرشي قاضي إشبيلية مولده ومنشؤه بإشبيلية وكان جواداً كريماً حسن الخلق شريف النفس قد اشتغل بالأدب وتميز في العلم وكان أحد الفضلاء في صناعة الطب والمتعينين في أعمالها وخدم بالطب للسيد أبي علي بن عبد المؤمن صاحب إشبيلية وكان يطبب الناس من دون أجرة ويكتب النسخ لهم وكان في مبدأ أمره محباً للشطرنج كثير اللعب به وجاد لعبه في الشطرنج جداً حتى صار يوصف به وحدثني القاضي أبو مروان الباجي قال سألت القاضي أبا بكر بن أبي الحسن الزهري عن سبب تعلمه صناعة الطب فقال لي إنني كنت كثير اللعب بالشطرنج ولم يكد يوجد من يلعب مثلي به في إشبيلية إلا القليل فكانوا يقولون أبو بكر الزهري الشطرنجي فكان إذا بلغني ذلك أغتاظ منه ويصعب علي فقلت في نفسي لا بد أن اشتغل عن هذا بشيء غيره من العلم لأنعت به ويزول عني وصف الشطرنج وعلمت أن الفقه وسائر الأدب ولو اشتغلت به عمري كله لم يخصني منه وصف أنعت به فعدلت إلى أبي مروان عبد الملك بن زهر واشتغلت عليه بصناعة الطب وكنت أجلس عنده وأكتب لمن جاء مستوصفاً من المرضى الرقاع واشتهرت بعد ذلك بالطب وزال عني ما كنت أكره الوصف به وعاش أبو بكر بن أبي الحسن الزهري خمساً وثمانين سنة وتوفي في دولة المستنصر ودفن بإشبيلية‏.‏

أبو عبد اللَّه الندرومي هو أبو عبد اللَّه محمد بن سحنون ويعرف بالندرومي منسوباً إلى ندرومة من نظر مدينة تلمسان وهو كومي أيضاً ينسب إلى قبيله جليل القدر فاضل النفس محب للفضائل حاد الذهن مفرط الذكاء ومولده بقرطبة في نحو سنة ثمانين وخمسمائة ونشأ بقرطبة ثم انتقل إلى إشبيلية وكان قد لحق القاضي أبا الوليد بن رشد واشتغل عليه بصناعة الطب واشتغل أيضاً على أبي الحجاج يوسف بن موراطير والندرومي من جملة المتميزين في علم الأدب والعربية وسمع كثيراً من الحديث وخدم الناصر في آخر دولته بصناعة الطب وخدم بعده لولده المستنصر وأقام بإشبيلية وخدم بعد ذلك النجاء سالم بن هود ولأخيه أبي عبد اللَّه بن هود صاحب الأندلس ولأبي عبد اللَّه الندرومي من الكتب اختصار كتاب المستصفى للغزالي أبو جعفر أحمد بن سابق أصله من قرطبة وكان فاضلاً ذكياً جيد النظر حسن العلاج موصوفاً بالعلم وكان من طلبة القاضي أبي الوليد بن رشد ومن جملة المشتغلين عليه بصناعة الطب وخدم بالطب الناصر وتوفي في دولة المستنصر‏.‏

ابن الحلاء المرسي

من مرسية وكان موصوفاً بجودة المعرفة بصناعة الطب وخدم المنصور لما أتى إليه خدمة وافد وتوفي ببلده‏.‏

أبو إسحاق بن طملوس

من جزيرة شقر من أعمال بلنسية وهو من جملة الفضلاء في صناعة الطب وأحد المتعينين من أهلها وخدم الناصر بالطب وتوفي ببلده‏.‏

أبو جعفر الذهبي

هو أبو جعفر أحمد بن جريج كان فاضلاً عالماً بصناعة الطب جيد المعرفة لها حسن التأني في أعمالها وخدم المنصور بالطب وكذلك أيضاً خدم بعده الناصر ولده كان يحضر مجلس المذاكرة في الأدب وتوفي أبو جعفر الذهبي بتلمسان عند غزوة الناصر إلى إفريقية سنة ستمائة

أبو العباس بن الرومية

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي المعروف بابن الرومية من أهل إشبيلية ومن أعيان علمائها وأكابر فضلائها قد أتقن علم النبات ومعرفة أشخاص الأدوية وقواها ومنافعها واختلاف أوصافها وتباين مواطنها وله الذكر الشائع والسمعة الحسنة كثير الخير موصوف بالديانة محقق للأمور الطبية قد شرف نفسه بالفضائل وسمع من علم الحديث شيئاً كثيراً عن ابن حزم وغيره ووصل سنة ثلاث عشر وستمائة إلى ديار مصر وأقام بمصر والشام والعراق نحو سنتين وانتفع الناس به وأسمع الحديث وعاين نباتاً كثيراً في هذه البلاد مما لم ينبت بالمغرب وشاهد أشخاصها في منابتها ونظرها في مواضعها ولما وصل من المغرب إلى الإسكندرية سمع به السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب رحمه اللَّه وبلغه فضله وجودة معرفته بالنبات وكان الملك العادل في ذلك الوقت بالقاهرة فاستدعاه من الإسكندرية وتلقاه وأكرمه ورسم بأن يقرر له جامكية وجراية ويكون مقيماً عنده فلم يفعل وقال إنما أتيت من بلدي لأحج إن شاء اللَّه وأرجع إلى أهلي وبقي مقيماًعنده مدة وجمع الترياق الكبير وركبه ثم توجه إلى الحجاز ولما حج عاد إلى المغرب وأقام بإشبيلية ولأبي العباس بن الرومية من الكتب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس مقالة في تركيب الأدوية‏.‏

أبو العباس الكنيناري

هو أبو العباس أحمد بن أبي عبداللَّه محمد من أهل إشبيلية عارف بصناعة الطب من فضلاء أهلها والمتميزين من أربابها قرأ الطب في أول أمره على عبد العزيز بن مسلمة الباجي ثم قرأ بعد ذلك على أبي الحجاج يوسف بن موراطير في مراكش وأقام بإشبيلية وخدم لأبي النجاء بن هود صاحب إشبيلية وكان يطب أيضاً لأخيه أبي عبد اللَّه بن هود‏.‏

هو من الأطباء المشهورين بإشبيلية وله خبرة في صناعة الطب وقوة نظر في الاستدلال على الأمراض ومداواتها وله حكايات مشهورة ونوادر كثيرة في معرفته بالقوارير وأخباره عندما يراها بجملة حال المريض وما يشكوه وما كان قد تناوله من الأغذية وحدثني أبو عبد اللَّه المغربي قال كنت يوماً عند ابن الأصم وإذا بجماعة قد أقبلوا إليه ومعهم رجل على دابة وهو منكب عليها فلما وصلوا وجدنا ذلك الرجل وفي فمه حية قد دخل بعضها مع رأسها في حلقه وبقيتها ظاهرة وهي مربوطة بخيط قنب إلى ذراع الرجل فقال ما شأن هذا فقالوا له إن عادته ينام وفمه مفتوح وكان قد أكل لبناً فنام فلما جاءت هذه الحية لعقت فمه وداخل فمه وهو نائم ولما أحست بمن أتى خافت وانساب بعضها في حلقه وأدركناها فربطناها بهذا الخيط لئلا تدخل في حلقه فلما نظر إلى ذلك الرجل وجده وهو في الموت من الخوف فقال له ما عليك كدتم تهلكون الرجل ثم قطع الخيط فانسابت الحية في حلقه واستقرت في معدته فقال له الآن تبرأ وأمره أن لا يتحرك وأخذ أدوية وعقاقير فأغلاها في ماء غلياً جيداً وجعل ذلك الماء في إبريق وسقاه الرجل وهو حار فشربه وصار يجس معدته حتى قال ماتت الحية ثم سقاه ماء آخر مغلياً فيه حوائج وقال هذه تهرئ الحية مع هضم المعدة وصبر مقدار ساعتين وسقاه ماء قد أغلي فيه أدوية مقيئة فجاشت نفس الرجل وذرعه القيء فعصب عينيه وبقي يتقيأ في طشت فوجدنا فيه الحية وهي قطع وهو يأمره بكثرة القيء حتى تنظفت معدته وخرجت بقايا الحية فقال له طب نفساً فقد تعافيت وذهب الرجل مطمئنا صحيحاً بعد أن كان في حالة الموت‏.‏

 

الباب الرابع عشر طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مَصر

بليطيان

كان طبيباً مشهوراً بديار مصر نصرانياً عالماً بشريعة النصارى الملكية قال سعيد بن البطريق في كتاب نظم الجوهر لما كان في السنة الرابعة من خلافة المنصور من الخلفاء العباسيين صير بليطيان بطريركاً على الإسكندرية وكان طبيباً أقام ستاً وأربعين سنة ومات قال ولما كان في أيام الرشيد هرون وولى الرشيد عبيد اللَّه بن المهدي مصر أهدى عبيد اللَّه إلى الرشيد جارية من أهل البيما من أسفل الأرض وكانت حسنة جميلة وكان الرشيد يحبها حباً شديداً فاعتلت علة عظيمة فعالجها الأطباء فلم تنتفع بشيء فقالوا له ابعث الى عبيد اللَّه عاملك بمصر ليوجه إليك واحداً من أطباء مصر فإنهم أبصر بعلاج هذه الجارية من أطباء العراق فبعث الرشيد إلى عبيد اللَّه بن المهدي يختار له من أحذق أطباء مصر من يعالج الجارية فدعا عبيد اللَّه بليطيان بطريرك الإسكندرية وكان حاذقاً بالطب فأعلمه بحب الرشيد الجارية وعلتها وحمله إلى الرشيد وحمل بليطيان معه من كعك مصر الخشن والصير فلما دخل إلى بغداد ودخل إلى الجارية أطعمها الكعك والصير فرجعت إلى طبعها وزالت عنها العلة فصار من ذلك الوقت يحمل من مصر إلى خزانة السلطان الكعك الخشن والصير ووهب الرشيد لبليطيان البطريرك مالاً كثيراً وكتب له منشوراً في كل كنيسة في يد اليعقوبية مما أخذوها وتغلبوا عليها أن ترد إليه فرجع بليطيان إلى مصر واسترد من اليعقوبية كنائس كثيرة وتوفي بليطيان في سنة ستة وثمانين ومائة للهجرة‏.‏

إراهيم بن عيسى كان طبيباً فاضلاً معروفاً في زمانه متميزاً في أوانه صحب يوحنا ابن ماسويه ببغداد وقرأ عليه وأخذ عنه وخدم بصناعة الطب الأمير أحمد بن طولون وتقدم عنده وسافر معه إلى الديار المصرية واستمر في خدمته ولم يزل

إبراهيم بن عيسى

مقيماً في فسطاط مصر إلى أن توفي وكانت وفاته في نحو سنة ستين ومائتين

الحسن بن زيرك

كان طبيباً في مصر أيام أحمد بن طولون يصحبه في الإقامة فإذا سافر صحبه سعيد بن توفيل ولما توجه ابن طولون إلى دمشق في شهور سنة تسع وستين ومائتين وامتد منها إلى الثغور لإصلاحها ودخل أنطاكية عائداً عنها أكثر من استعمال لبن الجواميس فأدركته هيضة لم ينجع فيها معاناة سعيد بن توفيل وعاد بها إلى مصر وهو ساخط على سعيد بن توفيل فلما دخل الفسظاط أحضر الحسن بن زيرك وشكا إليه سعيداً فسهل عليه ابن زيرك أمر علته وأعلمه أنه يرجو له السلامة منها عن قرب وخففت عنه علته بالراحة والطمأنينة واجتماع الشمل وهدوء النفس وحسن القيام وبر الحسن ابن زيرك وكان يسر التخليط مع الحرم فازدادت علته ثم دعا بالأطباء فأرهبهم وخوفهم وكتمهم ما أسلفه من سوء التدبير والتخليط واشتهى على بعض حظاياه سمكاً قريصاً فأحضرته إياه سراً فما تمكن من معدته حتى تتابع الإسهال فأحضر الحسن بن زيرك وقال له أحسب الذي سقيتنيه اليوم غير صواب قال له الحسن بن زيرك يأمر الأمير أيده اللّه بإحضار جماعة أطباء الفسطاط داره في غداة كل يوم حتى يتفقوا على ما يأخذه كل غداة وما سقيتك إلا أشياء تولى عجنها ثقتك وجميعها تنهض القوة الماسكة في معدتك وكبدك فقال أحمد واللَّه لئن لم تنجحوا في تدبيركم لأضربن أعناقكم فإنما تجربون على العليل ولا يحصل منكم على شيء في الحقيقة فخرج الحسن بن زيرك من بين يديه وهو يرعد وكان شيخاً كبيراً فحميت كبده من سوء فكره وخوفه وتشاغله عن المطعم والنوم فاعتراه إسهال سريع واستولى الغم عليه فخلط وكان يهذي بعلة أحمد بن طَولون حتى مات في غد ذلك اليوم‏.‏

سعيد بن توفيل

كان طبيباً نصرانياً متميزاً في صناعة الطب وكان في خدمة أحمد ابن طولون من أطباء الخاص يصحبه في السفر والحضر وتغير عليه قبل موته وسببه أن أحمد بن طولون كما تقدم ذكره كان قد خرج إلى الشام وقصد الثغور لإصلاحها وعاد إلى أنطاكية فأدركته هيضة من ألبان الجواميس لأنه أسرع فيها واستكثر منها فالتمس طبيبه سعيداً فوجده قد خرج إلى بيعة بأنطاكية فتمكن غيظه عليه فلما حضر أغلظ له في التأخر عنه وأنف أن يشكو إليه ما وجده ثم زاد الأمر عليه في الليلة الثانية فطلبه فجاء متنبذاً فقال له لي من يومين عليل وأنت شارب نبيذ فقال يا سيدي طلبتني أمس وأنا في بيعتي على ما جرت عادتي وحضرت فلم تخبرني بشيء قال فما كان ينبغي أن تسأل عن حالي قال ظنك يا مولاي سيء ولست أسأل أحداً من حاشتيك عن شيء من أمرك قال فما الصواب الساعة قال لا تقرب شيئاً من الغذاء ولو قرمت إليه الليلة وغداً قال أنا واللَّه جائع وما أصبر قال هذا جوع كاذب لبرد المعدة فلما كان في نصف الليل استدعى شيئاً يأكله فجيء بفراريج كردباج حارة وبزماورد من دجاج وجداء باردة فأكل منها فانقطع الإسهال عنه فخرج نسيم الخادم وسعيد في الدار فقال له أكل الأمير خروف كردباج فخفف عنه القيام قال سعيد اللَّه المستعان ضعفت قوته الدافعة بقهر الغذاء لها وستتحرك حركة منكرة فواللَّه ما وافى السحر حتى قام أكثر من عشرة مجالس وخرج من أنطاكية وعلته تتزايد إلا أن في قوته احتمالاً لها وطلب مصر وثقل عليه ركوب الدواب فعملت له عجلة كانت تجر بالرجال وطِّئت له فما وصل الفرما حتى شكا إزعاجها فركب الماء إلى الفسطاط وضرب له بالميدان قبة نزل فيها‏.‏

ولما حل ابن طولون بمصر ظهرت منه نبوة في حق سعيد الطبيب هذا وشكاه إلى إسحاق بن إبراهيم كاتبه وصاحبه فقال إسحاق بن إبراهيم لسعيد يعاتبه ويحك أنت حاذق في صناعتك وليس لك عيب إلا أنك مدل بها غير خاضع أن تخدمه فيها والأمير وإن كان فصيح اللسان فهو أعجمي الطبع وليس يعرف أوضاع الطب فيدبر نفسه بها وينقاد لك وقد أفسده علي الإقبال فتلطف له وارفق به وواظب عليه وراع حاله فقال سعيد واللَّه ما خدمتي له إلا خدمة الفأر للسنور والسخلة للذئب وإن قتلي لأحب إلي من صحبته ومات أحمد بن طولون في علته هذه‏.‏

وقال نسيم خادم أحمد بن طولون إن سعيد بن توفيل المتطبب كان في خدمة الأمير أحمد بن طولون فطلبه يوماً فقيل له مضى يستعرض ضيعة يشتريها فأمسك حتى حضر ثم قال له يا سعيد اجعل ضيعتك التي تشتريها فتستغلها صحبتي ولا تغفلها واعلم أنك تسبقني إلى الموت إن كان موتي على فراشي فإني لا أمكنك بالاستمتاع بشيء بعدي قال نسيم وكان سعيد بن توفيل آيساً من الحياة لان أحمد بن طولون امتنع من مشاورته ولم يكن يحضر إلا ومعه من يستظهر عليه برأيه ويعتقد فيه أنه فرط في أول أمره وابتداء العلة به حتى فات أمره‏.‏

وفي التاريخ أن سعيد بن توفيل كان له في أول ما صحب أحمد شاكري قبيح الصورة كان ينفض الكتان مع أب له واسمه هاشم وكان يخدم بغلة سعيد ويمسكها له إذا دخل دار أحمد بن طولون وكان سعيد يستعمله في بعض الأوقات في سحق الأدوية بداره إذا رجع معه وينفخ النار على المطبوخات وكان لسعيد بن توفيل ابن حسن الصورة ذكي الروح حسن المعرفة بالطب فتقدم أحمد بن طولون إلى سعيد أول ما صحبه أن يرتاد متطبباً يكون لحرمه ويكون مقيماً بالحضرة في غيبته فقال له سعيد لي ولد قد علمته وخرجته قال أرنيه فأحضره فرأى شاباً رائقاً حسن الأسباب كلها فقال له أحمد بن طولون ليس يصلح هذا لخدمة الحرم أحتاج لهن حسن المعرفة قبيح الصورة فأشفق سعيد أن ينصّب لهم غريباً فينبو عنه ويخالف عليه فأخذ هاشماً وألبسه دراعة وخفين ونصبه للحرم فذكر جريج بن الطباخ المتطبب قال لقيت سعيد بن توفيل ومعه عمر بن صخر فقال له عمر ما الذي نصبت هاشماً له قال خدمة الحرم لأن الأمير طلب قبيح الخلقة فقال له عمر قد كان في أبناء الأطباء قبيح قد حسنت تربيته وطاب مغرسه يصلح لهذا ولكنك استرخصت الصنعة واللَّه يا أبا عثمان إن قويت يده ليرجعن إلى دناءة منصبه وخساسة محتده فتضاحك سعيد بغرته من هذا الكلام وتمكن هاشم من الحرم بإصلاحه لهم ما يوافقهم من عمل أدوية الشحم والحبل وما يحسن اللون ويغزر الشعر حتى قدمه النساء على سعيد فلما جمع الأطباء على الغدو إلى أحمد بن طولون في كل يوم عند اشتداد علته قالت مائة ألف أم أبي العشائر قد أحضر جماعة من الأطباء ولم يحضر هاشم واللَّه يا سيدي ما فيهم مثله فقال لها أحضرينيه سراً حتى أشافهه وأسمع كلامه فأدخلته إليه سراً وشجعته على كلامه فلما مثل بين يديه نظر وجهه وقال أُغْفِل الأمير حتى بلغ إلى هذه الحالة لا أسن اللَّه جزاء من كان يتولى أمره قال له أحمد ابن طولون فما الصواب يا مبارك قال تتناول قميحة فيها كذا وكذا وعدد قريباً من مائة عقار وهذه القمائح تمسك وقت أخذها وتعود بضرر بعد ذلك لأنها تتعب القوى فتناولها أحمد وأمسك عن تناول ما عمله سعيد والأطباء ولما أمسكت حسن موقع ذلك عند أحمد وظن أن البرء قد تم له ثم قال أحمد لهاشم إن سعيداً قد حماني من شهر عن لقمة عصيدة وأنا أشتهيها قال يا سيدي أخطأ سعيد وهي مغذية ولها أثر حميد فيك فتقدم أحمد بن طولون بإصلاحها فجيء منها بجام واسع فأكل أكثره وطاب نفساً ببلوغ شهوته ونام ولحجت العصيدة فتوهم أن حاله زادت صلاحاً وكل هذا يطوى عن سعيد بن توفيل ولما حضر سعيد قال له ما تقول في العصيدة قال هي ثقيلة على الأعضاء وتحتاج أعضاء الأمير إلى تخفيف عنها قال له أحمد دعني من هذه المخرقة قد أكلتها ونفعتني والحمد للّه وجيء بفاكهة من الشام فسأل أحمد بن طولون سعيد بن توفيل عن السفرجل فقال له تمص منه على خلو المعدة والأحشاء فإنه نافع فلما خرج سعيد من عنده أكل أحمد بن طولون سفرجلاً فوجد السفرجل العصيدة فعصرها فتدافع الإسهال فدعا سعيداً فقال يا ابن الفاعلة ذكرت أن السفرجل نافع لي وقد عاد إلي الإسهال فقام فنظر المادة ورجع إليه فقال هذه العصيدة التي حمدتها وذكرت أني غلطت في منعها فإنها لم تزل مقيمة في الأحشاء لا تطيق تغييرها ولا هضمها لضعف قواها حتى عصرها السفرجل ولم أكن أطلقت لك أكله وإنما أشرت بمصه ثم سأله عن المقدار ما أكل منه فقال سفرجلتين فقال سعيد أكلت السفرجل للشبع ولم تأكله للعلاج فقال يا ابن الفاعلة جلست تنادرني وأنت صحيح سوي وأنا عليل مدنف ثم دعا بالسياط فضربه مائتي سوط وطاف به على جمل ونودي عليه هذا جزاء من ائتمن فخان ونهب الأولياء منزله ومات بعد يومين وذلك في سنة تسع وستين ومائتين بمصر وقيل في سنة تسع وسبعين ومائتين وهي السنة التي مات ابن طولون في ذي قعدتها واللّه أعلم‏.‏

خلف الطولوني

هو أبو علي مولى أمير المؤمنين كان مشتغلاً بصناعة الطب وله معرفة جيدة في علم أمراض العين ومداواتها ولخلف الطولوني من الكتب كتاب النهاية والكفاية في تركيب العينين وخلقتهما وعلاجهما وأدويتهما ونقلت من خطه في كتابه هذا وجملة الكتاب بخطه إن معاناته كانت لتأليف هذا الكتاب في سنة أربع وستين ومائتين وفراغه منه في سنة اثنتين وثلثمائة‏.‏

نسطاس بن جريج

كان نصرانياً عالماً بصناعة الطب وكان في دولة الإخشيد بن طغج ولنسطاس بن جريج من الكتب كناش رسالة إلى يزيد بن رومان النصراني الأندلسي في البول‏.‏

إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس

هو أبو يعقوب إسحق بن إبراهيم بن نسطاس بن جريج نصراني فاضل في صناعة الطب وكان في خدمة الحاكم بأمر اللّه ويعتمد عليه في الطب وتوفي إسحق بن إبراهيم بن نسطاس بالقاهرة في أيام الحاكم واستطب بعده أبا الحسن علي بن رضوان واستمر في خدمته وجعله رئيساً على سائر الأطباء‏.‏

البالسي

كان طبيباً فاضلاً متميزاً في معرفة الأدوية المفردة وأفعالها وله من الكتب كتاب التكميل في الأدوية المفردة ألفه لكافور الإخشيدي‏.‏

موسى بن العازار الإسرائيلي

مشهور بالتقدم والحذق في صناعة الطب وكان في خدمة المعز لدين اللّه وكان في خدمته أيضاً ابنه إسحاق بن موسى المتطبب وكان جليل القدر عند المعز ومتولياً أمره كله في حياة أبيه وتوفي إسحاق بن موسى لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وستين وثلثمائة واغتم المعز لموت إسحاق لموضعه منه ولكفايته وجعل موضعه أخاه إسمعيل بن موسى وابنه يعقوب بن إسحاق وكان ذلك في حياة أبيهم موسى وتوفي قبل وفاة إسحاق بيوم أخ له مسلم اسمه عون اللّه بن موسى ولموسى بن العازار من الكتب الكتاب المعزي في الطبيخ ألفه للمعز مقالة في السعال جواب مسألة سأله عنها أحد الباحثين عن حقائق العلوم الراغبين جني ثمارها كتاب الأقراباذين‏.‏

يوسف النصراني

كان طبيباً عارفاً بصناعة الطب فاضلاً في العلوم وقال يحيى بن سعيد بن يحيى في كتاب تاريخ الذيل إنه لما كان في السنة الخامسة من خلافة العزيز صير يوسف الطبيب بطريركاً على بيت المقدس أقام في الرئاسة ثلاث سنين وثمانية أشهر ومات بمصر ودفن في كنيسة مار ثوادرس مع آباء أخر منطودلا القيسراني‏.‏

سعيد بن البطريق

من أهل فسطاط مصر وكان طبيباً نصرانياً مشهوراً عارفا بعلم صناعة الطب وعملها متقدماً في زمانه وكانت له دراية بعلوم النصارى ومذاهبهم ومولده في يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومائتين للهجرة ولما كان في أول سنة من خلافة القاهر باللّه محمد بن أحمد المعتضد باللّه صير سعيد بن البطريق بطريركاً على الإسكندرية وسمي أوثوشيوس وذلك لثمان خلون من شهر صفر سنة إحدى وعشرين وثلثمائة ولسعيد بن البطريق من العمر نحو ستين سنة وبقي في الكرسي والرئاسة سبع سنين وستة أشهر وكان في أيامه شقاق عظيم وشر متصل بينه وبين شعبه واعتل سعيد بن البطريق بمصر بالإسهال وكان متميزاً في صناعة الطب فحدس أنها علة موته فصار إلى كرسيه بالإسكندرية وأقام به أياماً عدة عليلاً ومات يوم الاثنين سلخ رجب من سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ولسعيد بن البطريق من الكتب كتاب في الطب علم وعمل كناش كتاب الجدل بين المخالف والنصراني كتاب نظم الجوهر ثلاث مقالات كتبه إلى أخيه عيسى بن البطريق المتطبب في معرفة صوم النصارى وفطرهم وتواريخهم وأعيادهم وتواريخ الخلفاء والملوك المتقدمين وذكر البطاركة وأحوالهم ومدة حياتهم ومواضعهم وما جرى لهم في ولايتهم وقد ذيل هذا الكتاب نسيب لسعيد ابن البطريق يقال له يحيى بن سعيد بن يحيى وسمى كتابه كتاب تاريخ الذيل‏.‏

عيسى بن البطريق

كان طبيباًَ نصرانياً عالماً بصناعة الطب علمها وعملها متميزاً في جزئيات المداواة والعلاج مشكوراً فيها وكان مقامه بمدينة مصر القديمة وكان هذا عيسى بن البطريق أخا سعيد بن البطريق المقدم ذكره ولم يزل عيسى بمدينة مصر طبيباً إلى أن توفي بها‏.‏

كان طبيباً متميزاً في الديار المصرية وله ذكر جميل وحسن معالجة وكان في أيام العزيز باللّه وتوفي أعين بن أعين في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلثمائة وله من الكتب كناش كتاب في أمراض العين ومداواتها‏.‏

التميمي

هو أبو عبد اللّه محمد بن سعيد التميمي كان مقامه أولاً بالقدس ونواحيها وله معرفة جيدة بالنبات وماهياته والكلام فيه وكان متميزاً أيضاً في أعمال الطب والاطلاع على دقائقها وله خبرة فاضلة في تركيب المعاجين والأدوية المفردة واستقصى معرفة أدوية الترياق الكبير الفاروق وتركيبه وركب منه شيئاً كثيراً على أتم ما يكون من حسن الصنعة وانتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى أن توفي رحمه اللّه وكان قد اجتمع في القدس بحكيم فاضل راهب يقال له أنبا زخريا بن ثوابة وكان هذا الراهب يتكلم في شيء من أجزاء العلوم الحكمية والطب وكان مقيماً في القدس في المائة الرابعة من الهجرة وكان له نظر في أمر تركيب الأدوية ولما اجتمع به محمد التميمي لازمه وأخذ عنه فوائد وجملاً كثيرة مما يعرفه وقد ذكر التميمي في كتابه مادة البقاء صفة سفوف الرجفان الحادث عن المرة السوداء المحترقة وذكر أنه نقل ذلك عن أنبا وقال الصاحب جمال الدين بن القفطي القاضي الأكرم في كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء إن التميمي محمد بن أحمد بن سعيد كان جده سعيد طبيباً وصحب أحمد بن أبي يعقوب مولى ولد العباس وكان محمد من البيت المقدس وقرأ علم الطب به وبغيره من المدن التي ارتحل إليها واستفاد من هذا الشأن جزءاً متوفراً وأحكم ما علمه منه غاية الإحكام وكان له غرام وعناية تامة في تركيب الأدوية وحسن اختيار في تأليفها وعنده غوص على أمور هذا النوع واستغراق في طلب غوامضه وهو الذي أكمل الترياق الفاروق بما زاده فيه من المفردات وذلك بإجماع الأطباء على أنه الذي أكمله وله في الترياق عدة تصانيف ما بين كبير ومتوسط وصغير وقد كان مختصاً بالحسن بن عبد اللّه ابن طغج المستولي على مدينة الرملة وما انضاف إليها من البلاد الساحلية وكان مغرماً به وبما يعالجه من المفردات والمركبات وعمل له عدة معاجين ولخالخ طبية ودخناً دافعة للوباء وسطر ذلك في أثناء مصنفاته ثم أدرك الدولة العلوية عند دخولها إلى الديار المصرية وصحب الوزير يعقوب بن كلس وزير المعز والعزيز وصنف له كتاباً كبيراً في عدة مجلدات سماه مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحزر من ضرر الأوباء وكل ذلك بالقاهرة المعزية ولقي الأطباء بمصر وناظرهم واختلط بأطباء الخاص القادمين من أهل المغرب في صحبة المعز عند قدومه والمقيمين بمصر من أهلها قال وحكى محمد التميمي خبراً عن ولده وهو قال حدثني والدي رضي اللّه عنه أنه سكر مرة سكراً مفرطاً غلب فيه على عقله فسقط في بعض الخانات من موضع عال من أسفل الخان وهو لا يعقل فحمله صاحب الخان وخدمه حتى أدخله إلى الحجرة التي كان ساكنها فلما أصبح قام وهو يجد وجعاً ووهنا ًفي مواضع من جسده ولا يعرف لذلك سبباً فركب وتصرف في بعض أموره إلى أن تعالى النهار ثم رجع فقال لصاحب الخان ينبغي أن تحمد اللّه على سلامتك قال مم ذا قال أو ما علمت ما نالك البارحة قال لا قال فإنك سقطت من أعلى الخان إلى أسفل وأنت سكران قال ومن أي موضع فأراه الموضع فلما رآه حدث به للوقت من الوجع والضربان ما لم يجد معه سبيلاً إلى الصبر وأقبل يضج ويتأوه إلى أن جاؤوه بطبيب ففصده وشد على مفاصله المتوهنة جباراً فأقام أياماً كثيرة إلى أن برأ وذهب عنه الوجع‏.‏

أقول ومما يناسب هذه الحكاية أن بعض التجار كان في بعض أسفاره في مغارة ومعه رفقة له فنام في منزلة نزلها في الطريق ورفقته جلوس فخرجت حية من بعض النواحي وصادفت رجله فنهشته فيها وذهبت وانتبه مرعوباً من الألم وبقي يمسك رجله ويتأوه منها فقال له بعضهم ما عليك إنك مددت رجلك بسرعة وقد صادفت رجلك شوكة في هذا الموضع الذي يوجعك وأظهر له أنه أخرج الشوكة وقال ما بقي عليك بأس وتساكن عنه الألم بعد ذلك ورحلوا فلما كان بعد عودهم بمدة وقد نزلوا في تلك المنزلة قال له صاحبه أتدري ذلك الوجع الذي عرض لك في هذا الموضع من أي شيء كان فقال لا قال إن حية ضربتك في رجلك ورأيناها وما أعلمناك فعرض له للوقت ضربان قوي في رجله وسرى في بدنه إلى أن قرب من قلبه وعرض له غشي ثم تزايد به إلى أن مات وإن السبب في ذلك أن الأوهام والأحداث النفسانية تؤثر في البدن أثراً قوياً فلما تحقق أن الآفة التي عرضت له كانت من نهشة الحية تأثر من ذلك وسرى ما كان في ذلك الموضع من بقايا السم في بدنه ولما وصل إلى قلبه أهلكه ال الصاحب جمال الدين ولما كان التميمي ببلده البيت المقدس معانياً لصناعة الطب وأحكام التركيبات صنف وركب ترياقاً سماه مخلص النفوس وقال فيه هذا ترياق ألفته بالقدس وأحكمت تركيبه مختص نافع الفعل دافع لضرر السمومات القاتلة المشروبة والمصبوبة في الأبدان بلسع ذوات السم من الأفاعي والثعابين وأنواع الحيات المهلكة السم والعقارب الجرارات وغيرها وذوات الأربع والأربعين رجلاً ومن لدغ الرتيلاء والعظايات مجرب ليس له مثل ثم ساق مفرداته وصورة تركيبه في كتابه المسمى بمادة البقاء ولما كان بمصر صنف جوارشن وركبه وسماه مفتاح السرور من كل الهموم ومفرح النفوس ألفه لبعض إخوانه بمصر وذكر صورة تركيبه وأسماء مفرداته غير أنه ركبه بمصر وسماها الفسطاط اسمها الأول في زمن عمرو بن العاص عند افتتاحها وذلك مذكور في كتابه مادة البقاء وكان التميمي هذا موجوداً بمصر في سنة سبعين وثلاثمائة‏.‏

وللتميمي من الكتب رسالة إلى ابنه علي بن محمد في صنعة الترياق الفاروق والتنبيه على ما يغلظ فيه من أدويته ونعت أشجاره الصحيحة وأوقات جمعها وكيفية عجنه وذكر منافعه وتجربته كتاب آخر في الترياق وقد استوعب فيه تكميل أدويته وتحرير منافعه كتاب مختصر في الترياق كتاب في مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الأوباء صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس بمصر مقالة في ماهية الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه كتاب الفاحص والأخبار‏.‏

سهلان

هو أبو الحسن سهلان بن عثمان بن كيسان كان طبيباً نصرانياً من أهل مصر ينتحل رأي الفرقة الملكية وخدم الخلفاء المصريين وارتفع جاهه في الأيام العزيزية ولم يزل مرتفع الذكر محروس الجانب مقتنياً للمال الجزيل إلى أن توفي بمصر في أيام العزيز باللَّه في يوم السبت لخمس بقين من ذي الحجة سنة ثمانين وثلثمائة وأخرج يوم الأحد بعد صلاة الظهر إلى كنيسة الروم بقصر الشمع فأخذ بجنازته من داره على النخاسين على الجامع العتيق على المربعة إلى حمام الغارو بين يديه خمسون شمعة موقودة وعلى تابوته ثوب مثقل وخلف جنازته المطران أخو السيد وأبو الفتح منصور بن مقشر طبيب الخاص مشاة وسائر النصارى تبع لهم ثم أخرج من الكنيسة بعد أن قسس عليه بقية ليلتهم إلى دير القصير فدفن هناك عند قبر أخيه كيسان بن عثمان بن كيسان ولم يعترض العزيز لتركته ولا ترك أحداً يمد يده إليها على كثرتها‏.‏

أبو الفتح منصور بن سهلان بن مقشر

كان طبيباً نصرانياً مشهوراً وله دراية وخبرة بصناعة الطب وكان طبيب الحاكم بأمر اللَّه ومن الخواص عنده وكان العزيز أيضاً يستطبه ويرى له ويحترمه وكان متقدماً في الدولة وتوفي في أيام الأكم واستطب الحاكم بعده إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس ومات إسحاق بن نسطاس أيضاً في أيام الحاكم بعد ذلك‏.‏

عمار بن علي الموصلي

كان كحالاً مشهوراً ومعالجاً مذكوراً له خبرة بمداواة أمراض العين ودربة بأعمال الحديد وكان قد سافر إلى مصر وأقام بها وكان في أيام الحاكم ولعمار بن علي من الكتب كتاب

الحقير النافع

كان هذا من أهل مصر يهودي النحلة في زمن الحاكم وكان طبيباً جرائحياً حسن المعالجة ومن ظريف أمره أنه كان يرتزق بصناعة مداواة الجراح وهو في غاية الخمول واتفق أن عرض لرجل الحاكم عقر أزمن ولم يبرأ وكان ابن مقشر طبيب الحاكم والحظي عنده وغيره من أطباء الخاص المشاركين له يتولون علاجه فلا يؤثر ذلك الإشراف في العقر فأحضر له هذا اليهودي المذكور فلما رآه طرح عليه دواء يابساً فنشفه وشفاه في ثلاثة أيام فأطلق له ألف دينار وخلع عليه ولقبه بالحقير النافع وجعله من أطباء الخاص‏.‏

أبو بشر طبيب العظيمية

كان في أيام الحاكم مشهوراً في الدولة ويعد من الأفاضل في صناعة الطب

ابن مقشر الطبيب

كان من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين مكيناً في الدولة حظياً عند الحاكم وكان يعتمد عليه في صناعة الطب وقال عبيد اللَّه بن جبرئيل إن ابن مقشر الطبيب كان في خدمة الحاكم وبلغ معه أعلى المنازل وأسناها وكان له منه الصلات الكثيرة والعطايا العظيمة قال

علي بن سليمان

كان طبيباً فاضلاً متقناً للحكمة والعلوم الرياضية متميزاً في صناعة الطب أوحد في أحكام النجوم وكان في أيام العزيز باللَّه وولده الحاكم ولحق أيام الظاهر لإعزاز دين اللَّه ولد الحاكم ولعلي بن سليمان من الكتب اختصار كتاب الحلوى في الطب كتاب الأمثلة والتجارب والأخبار والنكت والخواص الطبية المنتزعة من كتب أبقراط وجالينوس وغيرهما تذكرة له ورياضة ووجدت هذا الكتاب بخطه أربع مجلدات وقد ذكر فيه أنه ابتدأ بتأليفه في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة بالقاهرة كتاب التعاليق الفلسفية ووجدته أيضاً بخطه وهو يقول فيه أنه ابتدأ بتصنفه بحلب في سنة إحدى عشرة وأربعمائة مقالة في أن قبول الجسم التجزؤ لا يقف ولا ينتهي إلى ما لا يتجزأ وتعديد شكوك تلزم مقالة أرسطوطاليس في الأبصار وتعديد شكوك في كواكب الذنب‏.‏

ابن الهيثم

هو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم أصله من البصرة ثم انتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى آخر عمره وكان فاضل النفس قوي الذكاء متفنناً في العلوم لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي ولا يقرب منه وكان دائم الاشتغال كثير التصنيف وافر التزهد محباً للخير وقد لخص كثيراً من كتب أرسطوطاليس وشرحها وكذلك لخص كثيراً من كتب جالينوس في الطب وكان خبيراً بأصول صناعة الطب وقوانينها وأمورها الكلية إلا أنه لم يباشر أعمالها ولم تكن له دربة بالمداواة وتصانيفه كثيرة الإفادة وكان حسن الخط جيد المعرفة بالعربية وحدثني الشيخ علم الدين بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المهندس قال كان ابن الهيثم في أول أمره بالبصرة ونواحيها قد وزر وكانت نفسه تميل إلى الفضائل والحكمة والنظر فيها ويشتهي أن يتجرد عن الشواغل التي تمنعه من النظر في العلم فأظهر خبالاً في عقله وتغيراً في تصوره وبقي كذلك مدة حتى مكن من تبطيل الخدمة وصرف من النظر الذي كان في يده ثم إنه سافر إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة في الجامع الأزهر بها وكان يكتب في كل سنة إقليدس والمجسطي ويبيعهما ويقتات من ذلك الثمن ولم تزل هذه حاله إلى أن توفي رحمه اللَّه ووجدت الصاحب جمال الدين أبا الحسن بن القفطي قد ذكر أيضاً عن ابن الهيثم ما هذا نصه قال إنه بلغ الحاكم صاحب مصر من العلويين وكان يميل إلى الحكمة خبره وما هو عليه من الإتقان لهذا الشأن فتاقت نفسه إلى رؤيته ثم نقل له عنه أنه قال لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملاً يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص فقد بلغني أنه ينحدر على موضع عال هو في طرف الإقليم المصري فازداد الحاكم إليه شوقاً وسير إليه سراً جملة من المال وأرغبه في الحضور فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه والتقيا بقرية في باب القاهرة المعزية تعرف بالخندق وأمر بإنزاله وإكرامه واحترامه وأقام ريثما استراح وطالبه بما وعد به من أمر النيل فسار ومعه جماعة من الصناع المتولين للعمارة بأيديهم ليستعين بهم على هندسته التي خطرت له ولما سار إلى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدم من ساكنيه من الأمم الخالية وهي على غاية من إحكام الصنعة وجودة الهندسة وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومقالات هندسية وتصوير معجزة تحقق أن الذي يقصده ليس بممكن فإن من تقدمه في الصدور الخالية لم يغرب عنهم علم ماعمله ولو أمكن لفعلوه فانكسرت همته ووقف خاطره ووصل إلى الموضع المعروف بالجنادل قبلي مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر منه ماء النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده وتحقق الخطأ والغلبة عما وعد به وعاد خجلاً ومنخذلاً واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه ثم إن الحاكم ولاه بعض الدواوين فتولاها رهبة لا رغبة وتحقق الغلط في الولاية فإن الحاكم كان كثير الاستحالة مريقاً للدماء بغير سبب أو بأضعف سبب من خيال يتخيله فأجال فكرته في أمر يتخلص به فلم يجد طريقاً إلى ذلك إلا إظهار الجنون والخبال فاعتمد ذلك وشاع فأحيط على موجوده له بيد الحاكم ونوابه وجعل برسمه من يخدمه ويقوم بمصالحه وقيّد وتُرك في موضع من منزله ولم يزل على ذلك إلى أن تحقق وفاة الحاكم وبعد ذلك بيسير أظهر العقل وعاد إلى ما كان عليه وخرج عن داره واستوطن قبة على باب الجامع الأزهر أحد جوامع القاهرة وأقام بها متنسكاً متعزياً مقتنعاً وأعيد إليه ماله من تحت يد الحاكم واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة وكان له خط قاعدته في غاية الصحة كتب به الكثير من علوم الرياضة قال وذكر لي يوسف الفاسي الإسرائيلي الحكيم بحلب قال سمعت أن ابن الهيثم كان ينسخ في مدة سنة ثلاثة كتب في ضمن اشتغاله وهي إقليدس والمتوسطات والمجسطي ويستكملها في مدة السنة فإذا شرع في نسخها جاءه من يعطيه فيها مائة وخمسين ديناراً مصرية وصار ذلك كالرسم الذي لا يحتاج فيه إلى مواكسة ولا معاودة قول فيجعلها مؤونته لسنته ولم يزل على ذلك إلى أن مات بالقاهرة في حدود سنة ثلاثين وأربعمائة أو بعدها بقليل واللَّه أعلم‏.‏

أقول ونقلت من خط ابن الهيثم في مقالة له فيما صنعه وصنفه من علوم الأوائل إلى آخر سنة سبع عشرة وأربعمائة لهجرة النبي # الواقع في شهور سنة ثلاث وستين الهلالية من عمره ما هذا نصه قال إني لم أزل منذ عهد الصبا مرتاباً في اعتقادات هذه الناس المختلفة وتمسك كل فرقة منهم بما تعتقده من الرأي فكنت متشككاً في جميعه موقناً بأن الحق واحد وأن الاختلاف فيه إنما هو من جهة السلوك إليه فلما كملت لإدراك الأمور العقلية انقطعت إلى طلب معدن الحق وجهت رغبتي وحدسي إلى إدراك ما به تنكشف تمويهات الظنون وتنقشع غيابات المتشكك المفتون وبعثت عزيمتي إلى تحصيل الرأي المقرب إلى اللَّه جل ثناؤه المؤدي إلى رضاه الهادي لطاعته وتقواه فكنت كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء يخاطب تلميذه لست أعلم كيف تهيأ لي منذ صباي إن شئت قلت باتفاق عجيب وإن شئت قلت بإلهام من اللَّه وإن شئت قلت بالجنون أو كيف شئت أن تنسب ذلك أني ازدريت عوام الناس واستخففت بهم ولم التفت إليهم واشتهيت إيثار الحق وطلب العلم واستقر عندي أنه ليس ينال الناس من الدنيا أشياء أجود ولا أشد قربة إلى اللَّه من هذين الأمرين قال محمد ابن الحسن فخضت لذلك في ضروب الآراء والاعتقادات وأنواع علوم الديانات فلم أحظ من شيء منها بطائل ولا عرفت منه للحق منهجاً ولا إلي الرأي اليقيني مسلكاً مجدداً فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية فلم أجد ذلك إلا فيما قرره أرسطوطاليس من علوم المنطق والطبيعيات والإلهيات التي هي ذات الفلسفة وطبيعتها حين بدأ بتقرير الأمور الكلية والجزئية والعامية والخاصية ثم تلاه بتقرير الألفاظ المنطقية وتقسيمها إلى أناسها الزوائل ثم أتبعه بذكر المعاني التي تتركب مع الألفاظ فيكون منها الكلام المفهوم المعلوم ثم أفرد من ذلك الأخبار التي هي عنصر القياس ومادته فقسمها إلى أقسامها وذكر فصولها وخواصها التي تميزها بعضها من بعض ويلزم منه صدقها وكذبها ويعرض معه اتفاقها واختلافها وتضادها وتناقضها ثم ذكر بعد ذلك القياس فقسم مقدماته وشكل أشكاله ونوع تلك الأشكال وميز من الأنواع ما لا يلزم دائماً نظاماً واحداً وأفردها مما يلزم أبداً نظاماً واحداً ثم ذكر النتائج التي تلزم منها مع اقترانات عناصر الأمور التي هي الواجب والممكن والممتنع وبيّن وجوه اكتساب مقدمات القياس الضرورية والاقناعية وما هو من جهة الأولى والأشبه والأكثر وما يلزم من جهة العادات والاصطلاحات وسائر الأمور القياسية وذكر صور القياس وفصل فصوله ونوع أنواعه ثم ختم ذلك بذكر طبيعة البرهان وشرح مواده وأوضح صوره وبين الشبه المغلطة فيه وكشف عن مستوره وخافيه ثم تلا ذلك بالكلام في الصناعات الأربع الجدلية والمراثية والخطبية والشعرية فأوضح من ذلك ما يكون سبباً مميزاً لصناعة البرهان من هذه الصناعات الأربع وفصلاً فاصلاً لها من جنسها ثم أخذ بعد ذلك في شرح الأمور الطبيعية فبدأ في ذلك بكتابه في السماع الطبيعي فقرر فيه الأمور المعلومة بالطبع التي لا تحتاج إلى برهان إنما يؤخذ من الاستقرار والقسمة والتحليل وبرهن على بطلان الاعتراضات فيها وكشف عن أغلاط من شك في شيء منها وكان مجمل كلامه في ذلك على ستة أمور المبادئ الكونية والطبيعية والمكان والخلاء وما لا نهاية له والزمان والحركة والمحرك الأول ثم أتبع ذلك بكتابه في الكون والفساد فأوضح فيه قبول العالم الأرضي الكون والفساد ثم تلاه بكتابه في الآثار والعلوية وهي التي تعرض في الجو كالسحاب والضباب والرياح والأمطار والرعد والبرق الصواعق وسائر ما يكون من أنواع ذلك وذكر في آخره أمور المعدنيات وأسباب كونها ثم أتبعه بكتابه في النبات والحيوان فذكر ضروب النبات والحيوان وطبائعهما وفصولهما وأنواعهما وخواصهما وأعراضهما ثم أتبع ذلك بكتابه في السماء والعالم فأبان عن طبيعة العالم وذاتيته واتصال القوة الإلهية به‏.‏

ثم والاه بكتابه في النفس فتكلم على رأيه في النفس ونقض آراء جميع من قال فيها قولاً يخالف قوله واعتقد في ذاتيتها اعتقاداً غير اعتقاده وقسمها إلى الغاذية والحاسة والعاقلة وذكر أحوال الغاذية وشرح أمور الحواس وفصل أسباب العقل فذكر من ذلك ما كشف كل مستور وأوضح عن كل خفي ثم ختم جميع ذلك بكتابه فيما بعد الطبيعة وهو كتابه في الإلهيات فبين فيه أن الإله واحد وأنه حكيم لا يجهل وقادر لا يعجز وجواد لا يبخل فأحكم الأصول التي فيها يسلك إلى الحق فيدرك طبيعته وجوهره توحيد ذاته وماهيته‏.‏

فلما تبينت ذلك أفرغت وسعي في طلب علوم الفلسفة وهي ثلاثة علوم رياضية وطبيعية وإلهية فتعلقت من هذه الأمور الثلاثة بالأصول والمبادئ التي ملكت بها فروعها وتوقلت بأحكامها من حيث انخفاضها وعلوها ثم إني رأيت طبيعة الإنسان قابلة للفساد متهيئة إلى الفناء والنفاد وأنه مع حدة الشباب وعنفوان الحداثة تملك على فكرة طاعة التصور لهذه الأصول فإذا صار إلى سن الشيخوخة وأوان الهرم قصرت طبيعته وعجزت قوته الناطقة مع إخلاق آلتها وفسادها عن القيام بما كانت تقوم به من ذلك فشرحت ولخصت واختصرت من هذه الأصول الثلاثة ما أحاط فكري بتصوره ووقف تمييزي على تدبره وصنفت من فروعها ما جرى مجرى الإيضاح والإفصاح عن غوامض هذه الأمور الثلاثة إلى وقت قولي هذا وهو ذو الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة لهجرة النبي # وأنا ما مدت لي الحياة باذل جهدي ومستفرغ قوتي في مثل ذلك توخياً به أموراً ثلاثة أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره في حياتي وبعد وفاتي والآخر أني جعلت ذلك ارتياضاً لي بهذه الأمور في إثبات ما تصوره وأتقنه فكري من تلك العلوم والثالث أني صيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم فكنت في ذلك كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء إنما قصدت وأقصد في وضع ماوضعته وأضعه من الكتب إلى أحد أمرين إما إلى نفع في حيلة البرء أفيده إياه وإما أن أتعجل أنا في ذلك رياضة أروض بها نفسي في وقت وضعي إياه وأجعله ذخيرة لوقت الشيخوخة قال محمد بن الحسن وأنا أشرح ما صنعته في الأصول الثلاثة ليوقف منه على موضع عنايتي بطلب الحق وحرصي على إدراكه وتعلم حقيقة ما ذكرته من عزوف نفسي عن مماثلة العوام الرعاع الأغبياء وسموها إلى مشابهة أولياء اللَّه الأخيار الأتقياء فما صنعته في العلوم الرياضية خمسة وعشرون كتاباً أحدها شرح أصول إقليدس في الهندسة والعدد وتلخيصه‏.‏

والثاني كتاب جمعت فيه الأصول الهندسية والعددية من كتاب إقليدس وأبلونيوس ونوعت فيه الأصول وقسمتها وبرهنت عليها ببراهين نظمتها من الأمور التعليمية والحسية والمنطقية حتى انتظم ذلك مع انتقاض توالي إقليدس وأبلونيوس‏.‏

والثالث شرح المجسطي وتلخيصه شرحاً وتلخيصاً برهانياً لم أخرج منه شيئاً إلى الحساب إلى اليسير وإن أخر اللَّه في الأجل وأمكن الزمان من الفراغ استأنفت الشرح المستقصي لذلك الذي أخرجه به إلى الأمور العددية والحسابية‏.‏

والرابع الكتاب الجامع في أصول الحساب وهو كتاب استخرجت أصوله لجميع أنواع الحساب من أوضاع إقليدس في أصول الهندسة والعدد وجعلت السلوك في استخراج المسائل الحسابية بجهتي التحليل الهندسي والتقدير العددي وعدلت فيه عن أوضاع الجبريين وألفاظهم‏.‏

والخامس كتاب لخصت فيه علم المناظر من كتابي إقليدس وبطليموس وتممته بمعاني المقالة الأولى المفقودة من كتاب بطليموس‏.‏

والسادس كتاب في تحليل المسائل الهندسية‏.‏

والسابع كتاب في تحليل المسائل العددية بجهة الجبر والمقابلة مبرهناً‏.‏

والثامن كتاب جمعت فيه القول على تحليل المسائل الهندسية والعددية جميعاً لكن القول على المسائل العددية غير مبرهن بل هو موضوع على أصول الجبر والمقابلة والتاسع كتاب في المساحة على جهة الأصول‏.‏

والعاشر كتاب في حساب المعاملات‏.‏

والحادي عشر مقالة في إجارات الحفور والأبنية بجميع الأشكال الهندسية حتى بلغت في ذلك إلى أشكال قطوع المخروط الثلاثة المكافئ والزائد والناقص‏.‏

والثاني عشر تلخيص مقالات أبلونيوس في قطوع المخروطات‏.‏

والثالث عشر مقالة في الحساب الهندي‏.‏

والرابع عشر مقالة في استخراج سمت القبلة في جميع المسكونة بجداول وضعتها ولم أورد البرهان على ذلك‏.‏

والخامس عشر مقالة فيما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية ولا يستغنى عنه بشيء سواه‏.‏

والسادس عشر رسالة إلى بعض الرؤساء في الحث على عمل الرصد النجومي والسابع عشر كتاب في المدخل إلى الأمور الهندسية‏.‏

والثامن عشر مقالة في انتزاع البرهان على أن القطع الزائد والخطين اللذين لا يلقيانه يقتربان أبداً ولا يلتقيان‏.‏

والتاسع عشر أجوبة سبع مسائل تعليمية سئلت عنها ببغداد فأجبت‏.‏

والعشرون كتاب في التحليل والتركيب الهندسيين على جهة التمثيل للمتعلمين وهو مجموع مسائل هندسية وعددية حللتها وركبتها‏.‏

والحادي والعشرون كتاب في آلة الظل اختصرته ولخصته من كتاب إبراهيم بن سنان في ذلك‏.‏

والثاني والعشرون مقالة في استخراج ما بين بلدين في البعد بجهة الأمور الهندسة‏.‏

والثالث والعشرون مقالة في أصول المسائل العددية الصم وتحليلها‏.‏

والرابع و العشرون مقالة في حل شك رداً على إقليدس في المقالة الخامسة من كتابه في الأصول الرياضية‏.‏

والخامس والعشرون رسالة في برهان الشكل الذي قدمه أرشميدس في قسمة الزاوية ثلاثة أقسام ولم يبرهن عليه‏.‏

ومما صنعته من العلوم الطبيعية والإلهية أربعة وأربعون كتاباً أحدها تلخيص مدخل فرفوريوس وكتب أرسطوطاليس الأربعة المنطقية‏.‏

والآخر اختصار تلخيص مدخل فرفوريوس وكتب أرسطوطاليس السبعة المنطقية‏.‏

والثالث رسالة في صناعة الشعر ممتزجة من اليوناني والعربي‏.‏

والرابع تلخيص كتاب النفس لأرسطوطاليس وإن أخر اللَّه في الأجل وأمكن الزمان من الفراغ والتشاغل بالعلم لخصت كتابيه في السماع الطبيعي والسماء والعالم‏.‏

والخامس مقالة في مشاكلة العالم الجزئي وهو الإنسان للعالم الكلي‏.‏

والسادس مقالتان في القياس وشبهه‏.‏

والسابع مقالة في البرهان‏.‏

والثامن مقالة في العالم من جهة مبدئه وطبيعته وكماله‏.‏

والتاسع مقالة في المبادئ والموجودات‏.‏

والعاشر مقالة في هيئة العالم‏.‏

والحادي عشر كتاب في الرد على يحيى النحوي وما نقضه على أرسطوطاليس وغيره من أقوالهم في السماء والعالم‏.‏

والثاني عشر رسالة إلى بعض من نظر في هذا النقض فشك في معان منه في حل شكوكه ومعرفة ذلك من فهمه‏.‏

والثالث عشر كتاب في الرد على أبي الحسن علي بن العباس بن فسا نجس نقضه آراء المنجمين‏.‏

والرابع عشر جواب ما أجاب به أبو الحسن بن فسا نجس نقض من عارضه في كلامه على المنجمين‏.‏

والخامس عشر مقالة في الفضل والفاضل‏.‏

والسادس عشر مقالة في تشويق الإنسان إلى الموت بحسب كلام الأوائل‏.‏

والسابع عشر رسالة أخرى في هذا المعنى بحسب كلام المحدثين‏.‏

والثامن عشر رسالة في بطلان ما يراه المتكلمون من أن اللَّه لم يزل غير فاعل ثم فعل‏.‏

والتاسع عشر مقالة في خارج السماء لا فراغ ولا ملاء‏.‏

والعشرون مقالة في الرد على أبي هاشم رئيس المعتزلة ما تكلم به على جوامع كتاب السماء والحادي والعشرون قول في تباين مذهبي الجبريين والمنجمين‏.‏

والثاني والعشرون تلخيص المسائل الطبيعية لأرسطوطاليس‏.‏

والثالث والعشرون رسالة في تفضيل الأهواز على بغداد من جهة الأمور الطبيعية والرابع والعشرون رسالة إلى كافة أهل العلم في معنى مشاغب شاغبه‏.‏

والخامس والعشرون مقالة في أن جهة إدراك الحقائق جهة واحدة‏.‏

والسادس والعشرون مقالة في أن البرهان معنى واحد وإنما يستعمل صناعياً في الأمور الهندسية وكلامياً في الأمور الطبيعية والإلهية‏.‏

والسابع والعشرون مقالة في طبيعتي الألم واللذة‏.‏

والثامن والعشرون مقالة في طبائع اللذات الثلاث الحسية والنطقية والمعادلة‏.‏

والتاسع والعشرون مقالة في اتفاق الحيوان الناطق على الصواب مع اختلافهم في المقاصد والأغراض‏.‏

والثلاثون رسالة في أن برهان الخلف يصير برهان استقامة بحدود واحدة‏.‏

والحادي والثلاثون كتاب في تثبيت أحكام النجوم بجهة البرهان‏.‏

والثاني والثلاثون رسالة في الأعمار والآجال الكونية‏.‏

والرابع والثلاثون كتاب في النقض على من رأى أن الأدلة متكافئة‏.‏

والخامس والثلاثون قول في إثبات عنصر الامتناع‏.‏

والسادس والثلاثون نقض جواب مسألة سئل عنها عض المعتزلة بالبصرة‏.‏

والسابع والثلاثون كتاب في صناعة الكتابة على أوضاع الأوائل وأصولهم‏.‏

والثامن والثلاثون عهد إلى الكتاب‏.‏

والتاسع والثلاثون مقالة في أن فاعل هذا العالم إنما يعلم ذاته من جهة فعله‏.‏

والأربعون جواب قول لبعض المنطقيين في معان خالف فيها من الأمور الطبيعية‏.‏

والحادي والأربعون رسالة في تلخيص جوهر النفس الكلية‏.‏

والثاني والأربعون في تحقيق رأي أرسطوطاليس أن القوة المدبرة هي من بدن الإنسان في القلب منه‏.‏

والثالث والأربعون رسالة في جواب مسألة سئل عنها ابن السمع البغدادي المنطقي فلم يجب عنها جواباً مقنعاً‏.‏

والرابع والأربعون كتاب في تقويم الصناعة الطبية نظمته من جمل وجوامع ما نظرت فيه من كتب جالينوس وهو ثلاثون كتاباً كتابه في البرهان كتابه في فرق الطب كتابه في الصناعة الصغيرة كتابه في التشريح كتابه في القوى الطبيعية كتابه في منافع الأعضاء كتابه في آراء أبقراط وأفلاطن كتابه في المني كتابه في الصوت كتابه في العلل والأعراض كتابه في أصناف الحميات كتابه في البحران كتابه في النبض الكبير كتابه في الأسطقسات على رأي أبقراط كتابه في المزاج كتابه في قوى الأدوية المفردة كتابه في قوى الأدوية المركبة كتابه في مواضع الأعضاء الآلية كتابه في حيلة البرء كتابه في حفظ الصحة كتابه في جودة الكيموس وردائته كلامه في أمراض العين كتابه في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن كتابه في سوء المزاج المختلف كتابه في أيام البحران كتابه في الكثرة كتابه في استعمال الفصد لشفاء الأمراض كتابه في الذبول كتابه في أفضل هيئات البدن جمع حنين بن إسحاق من كلام جالينوس وكلام أبقراط في الأغذية‏.‏

ثم شفعت جميع ما صنعته من علوم الأوائل برسالة بينت فيها أن جميع الأمور الدنيوية والدينية هي نتائج العلوم الفلسفية وكانت هذه الرسالة هي المتممة لعدد أقوالي في هذه العلوم بالقول السبعين وذلك سوى رسائل ومصنفات عدة حصلت لي في أيدي جماعة من الناس بالبصرة والأهواز ضاعت دساتيرها وقطع الشغل بأمور الدنيا وعوارض الأسفار عن نسخها وكثيراً ما يعرض ذلك للعلماء فقد اتفق مثله لجالينوس حتى ذكر ذلك في بعض كتبه فقال وقد صنفت كتباً كثيرة دفعت دساتيرها إلى جماعة من إخواني وقطعني الشغل والسفر عن نسخها حتى خرجت إلى الناس من جهتهم‏.‏

قال محمد بن الحسن و إن أطال اللَّه لي في مدة الحياة وفسح في العمر صنفت وشرحت ولخصت من هذه العلوم أشياء كثيرة تتردد في نفسي ويبعثني ويحثني على إخراجها إلي فكري واللَّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريده وبيده مقاليد كل شيء وهو المبدئ المعيد وهذا ما وجب أن أذكره في معنى ما صنعته واختصرته من علوم الأوائل قصدت به مذاكرة الحكماء الأفاضل والعقلاء الأماثل من الناس كالذي يقول رب ميت قد صار بالعلم حياً ومبقّى قد مات جهلاً وغيا فاقتنوا العلم كي تنالوا خلوداً لا تعدوا البقاء في الجهل شيا وهذان البيتان هما لأبي القاسم بن الوزير أبي الحسن علي بن عيسى رضي اللَّه عنهما وكان فيلسوفاً قالهما ووصى بأن يكتبا على قبره لم أقصد به مخاطبة جميع الناس لا غير الفاضل منهم وقلت في ذلك كما قال جالينوس في كتابه في النبض الكبير ليس خطابي في هذا الكتاب لجميع الناس بل خطابي لرجل منهم يوازي ألوف رجال بل عشرات ألوف رجال إذ كان الحق ليس هو بأن يدركه الكثير من الناس لكن هو بأن يدركه الفهم الفاضل منهم ليعرفوا رتبتي في هذه العلوم ويتحققوا منزلتي من إيثار الحق جل وعلا من طلب القربة إلى اللَّه في إدراك العلوم والمعارف النفسية ويعلموا تحقيقي بفعل ما فرضته هذه العلوم علي من ملابسة الأمور الدنيوية وكلية الخير ومجانية كلية الشر فيها فإن ثمرة هذه العلوم هو علم الحق والعمل بالعدل في جميع الأمور الدنيوية والعدل هو محض الخير الذي يفعله يفوز أين العالم الأرضي وبنعيم الآخرة السماوي ويعتاض عن صعوبة ما يلقاه بذلك مدة البقاء المنقطع في دار الدنيا دوام الحياة منعماً في الدار الأخرى وإلى اللّه تعالى أرغب في توفيقي لما فزت إليه وأزلف لديه‏.‏

أقول وكان تاريخ كتابة ابن الهيثم لهذه الرسالة في ذي الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة وكان تلوها أيضاً بخطه ما هذا مثاله ما صنعه محمد بن الحسن بن الهيثم بعد ذلك إلى سلخ جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وأربعمائة تلخيص السماع الطبيعي لأرسطوطاليس مقالة لمحمد بن الحسن في المكان والزمان على ما وجده يلزم رأي أرسطوطاليس فيهما رسالة إلى أبي الفرج عبد اللَّه بن الطيب البغدادي المنطقي في عدة معان من العلوم الطبيعية والإلهية نقض محمد بن الحسن علي أبي بكر الرازي المتطبب رأيه في الإلهيات والنبؤات مقالة له في إبطال رأي من يرى أن العظام مركبة من أجزاء كل جزء منها لا جزء له مقالة له في عمل الرصد من دائرة أفق بلد معلوم العرض كتاب له في إثبات النبوات وإيضاح فساد رأي الذين يعتقدون بطلانها وذكر الفرق بين النبي والمتنبي مقالة لمحمد بن الحسن في إيضاح تقصير أبي علي الحياتي في نقضه بعض كتب ابن الراوندي ولزومه ما ألزمه إياه ابن الراوندي بحسب أصوله وإيضاح الرأي الذي لا يلزم معه اعتراضات ابن الراوندي رسالة له في تأثيرات اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية مقالة في أن الدليل الذي يستدل به المتكلمون على حدوث العالم دليل فاسد والاستدلال على حدوث العالم بالبرهان الاضطراري والقياس الحقيقي مقالة له يرد فيها على المعتزلة رأيهم في حدوث صفات اللَّه تبارك وتعالى رسالة له في الرد على المعتزلة رأيهم في الوعيد جواب له عن مسألة هندسية سئل عنها ببغداد في شهور سنة ثمان عشرة وأربعمائة مقالة ثانية لمحمد بن الحسن في إبانة الغلط ممن قضى أن اللَّه لم يزل غير فاعل من فعل مقالة في أبعاد الأجرام السماوية وأقدار إعظامها تلخيص كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الحيوان وبعد ذلك مقالة في المرايا المحرقة مفردة عما ذكرته من ذلك في تلخيص كتابي إقليدس وبطلميوس في المناظر وكتاب في استخراج الجزء العملي من كتاب المجسطي مقالة في جوهر البصر وكيفية وقوع الإبصار به مقالة في الرد على أبي الفرج عبد اللَّه بن الطيب رأيه المخالف به لرأي جالينوس في القوى الطبيعية في بدن الإنسان أقول وهذا آخر ما وجدته من ذلك بخط محمد بن الحسن بن الهيثم المصنف رحمه اللَّه‏.‏

وهذا أيضاً فهرست وجدته لكتب ابن الهيثم إلى آخر سنة تسع وعشرين وأربعمائة مقالة في هيئة العالم مقالة في شرح مصادرات كتاب إقليدس كتاب في المناظر سبع مقالات مقالة في كيفية الإرصاد مقالة في الكواكب الحادثة في الجو مقالة في ضوء القمر مقالة في سمت القبلة بالحساب مقالة في قوس قزح والهالة مقالة فيما يعرض من الاختلاف في ارتفاعات الكواكب مقالة في حساب المعاملات مقالة في الرخامة الأفقية مقالة في رؤية الكواكب كتاب في بركار القطوع مقالتان مقالة في مراكز الأثقال مقالة في أصول المساحة مقالة في مساحة الكرة مقالة في مساحة المجسم المكافئ مقالة في المرايا المحرقة بالدوائر مقالة في المرايا المحرقة بالقطوع مقالة مختصرة في الأشكال الهلالية مقالة مستقصاة في الأشكال الهلالية مقالة مختصرة في بركار الدوائر العظام مقالة مشروحة في بركار الدوائر العظام مقالة في السمت مقالة في التنبيه على مواضع الغلط في كيفية الرصد مقالة في أن الكرة أوسع الأشكال المجسمة التي إحاطتها متساوية وأن الدائرة أوسع الأشكال المسطحة التي إحاطتها متساوية مقالة في المناظر على طريقة بطلميوس كتاب في تصحيح الأعمال النجومية مقالتان مقالة في استخراج أربعة خطوط بين خطين مقالة في تربيع الدائرة مقالة في استخراج خط نصف النهار على غاية التحقيق قول في جميع الأجزاء مقالة في خواص القطع المكافئ مقالة في خواص القطع الزائد مقالة في نسب القسى الزمانية إلى ارتفاعها مقالة في كيفية الإظلال مقالة في أن ما يرى من السماء هو أكثر من نصفها مقالة في حل شكوك المقالة الأولى من كتاب المجسطي يشكك فيها بعض أهل العلم مقالة في حل شك في مجسمات كتاب إقليدس قول في قسمة المقدارين المختلفين المذكورين في الشكل الأول من المقالة العاشرة من كتاب إقليدس مسألة في اختلاف النظر قول في استخراج مقدمة ضلع المسبع قول في قسمة الخط الذي استعمله أرشميدس في كتاب الكرة والأسطوانة قول في استخراج خط نصف النهار بظل واحد مقالة في عمل مخمس في مربع مقالة في المجرة مقالة في استخراج ضلع المكعب مقالة في أضواء الكواكب مقالة في الأثر الذي في القمر قول في مسألة عددية مقالة في إعداد الوفق مقالة في الكرة المتحركة على السطح مقالة في التحليل والتركيب مقالة في المعلومات قول في حل شك في المقالة الثانية عشرة من كتاب إقليدس مقالة في حل شكوك المقالة الأولى من كتاب إقليدس مقالة في حساب الخطأين قول في جواب مسألة في المساحة مقالة مختصرة في سمت القبلة مقالة في الضوء مقالة في حركة الالتفاف مقالة في الرد على من خالفه في ماهية المجرة مقالة في حل شكوك حركة الالتفاف مقالة في الشكوك على بطلميوس مقالة في الجزء الذي لا يتجزأ مقالة في خطوط الساعات مقالة في القرسطون مقالة في المكان قول في استخراج أعمدة الجبال مقالة في علل الحساب الهندي مقالة في أعمدة المثلثات مقالة في خواص الدوائر مقالة في شكل بني موسى مقالة في عمل المسبع في الدائرة مقالة في استخراج ارتفاع القطب على غاية التحقيق مقالة في عمل النكام مقالة في الكرة المحرقة قول في مسألة عددية مجسمة قول في مسألة هندسية مقالة في صورة الكسوف مقالة في أعظم الخطوط التي تقع في قطعة الدائرة مقالة في حركة القمر مقالة في مسائل التلاقي مقالة في شرح الأرثماطيقي على طريق التعليق مقالة في شرح القانون على طريق التعليق مقالة في شرح الرومنطيقي على طريق التعليق قول في قسمة المنحرف الكلي مقالة في الأخلاق مقالة في آداب الكتاب كتاب في السياسة خمس مقالات تعليق علقه إسحاق بن يونس المتطبب بمصر عن ابن الهيثم في كتاب ديوفنطس في مسائل الجبر قول في استخراج مسألة عددية‏.‏

المبشر بن فاتك

هو الأمير محمود الدولة أبو المبشر بن فاتك الآمري من أعيان أمراء مصر وأفاضل علمائها دائم الاشتغال محب للفضائل والاجتماع بأهلها ومباحثهم والانتفاع بما يقتبسه من جهتهم وكان ممن اجتمع به منهم وأخذ عنه كثيراً من علوم الهيئة والعلوم الرياضية أبو محمد بن الحسن بن الهيثم وكذلك أيضاً اجتمع بالشيخ أبي الحسين المعروف بابن الآمدي وأخذ عنه كثيراً من العلوم وللمبشر بن فاتك تصانيف جليلة في المنطق وغيره من أجزاء الحكمة وهي مشهورة فيما بين الحكماء وكان كثير الكتابة وقد وجدت بخطه كتباً كثيرة من تصانيف المتقدمين وكان المبشر بن فاتك قد اقتنى كتباً كثيرة جداً وكثير منها يوجد وقد تغيرت ألوان الورق الذي له بغرق أصابه وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي بمصر قال كان الأمير ابن فاتك محباً لتحصيل العلوم وكانت له خزائن كتب فكان في أكثر أوقاته إذا نزل من الركوب لا يفارقها وليس له دأب إلا المطالعة والكتابة ويرى أن ذلك أهم ما عنده وكانت له زوجة كبيرة القدر أيضاً من أرباب الدولة فلما توفي رحمه اللَّه نهضت هي وجوار معها إلى خزائن كتبه وفي قلبها من الكتب وأنه كان يشتغل بها عنها فجعلت تندبه وفي أثناء ذلك ترمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها ثم شيلت الكتب بعد ذلك من الماء وقد غرق أكثرها فهذا سبب أن كتب المبشر بن فاتك يوجد كثير منها وهو بهذه الحال‏.‏

أقول وكان من جملة تلاميذ المبشر بن فاتك والآخذين عنه أبو الخير سلمة بن مبارك بن رحمون وللمبشر بن فاتك من الكتب كتاب الوصايا والأمثال والموجز من محكم الأقوال كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم كتاب البداية في المنطق كتاب في الطب كان طبيباً عالماً بالصناعة الطبية عارفاً بالعلوم الحكمية جيد الدربة حسن العلاج قرأ الحكمة على ابن السمح وكان مقيماً بمصر‏.‏

علي بن رضوان

هو أبو الحسن بن رضوان بن علي بن جعفر وكان مولده ومنشؤه بمصر وبها تعلم الطب وقد ذكر علي بن رضوان في سيرته من كيفية تعلمه صناعة الطب وأحواله ما هذا نصه قال إنه لما كان ينبغي لكل إنسان أن ينتحل أليق الصنائع به وأوفقها له وكانت صناعة الطب تتاخم الفلسفة طاعة للَّه عز وجل وكانت دلالات النجوم في مولدي تدل على أن صناعتي الطب وأن العيش عندي في الفضيلة ألذ من كل عيش أخذت في تعلم صناعة الطب وأنا ابن خمس عشرة سنة والأجود أن أقتص إليك أمري كله ولدت بأرض مصر في عرض ثلاثين درجة وطول خمس وخمسين درجة والطالع بزيج يحيى بن أبي منصور الحمل ‏)‏ه لو‏(‏ وعاشرة الجدي ‏)‏ه كح‏(‏ ومواضع الكواكب الشمس بالدلو ‏)‏اه لب‏(‏ والقمر بالعقرب ‏)‏ح يه‏(‏ وعرضه جنوب ‏)‏ح يز‏(‏ وزحل بالقوس ‏)‏كط‏(‏ وللمشتري بالجدي ‏)‏ه كح‏(‏ والمريخ بالدلو ‏)‏كا‏(‏ ‏)‏مح‏(‏ والزهرة بالقوس ‏)‏كد‏(‏ ‏)‏ك‏(‏ وعطارد بالدلو ‏)‏يط‏(‏ وسهم السعادة الجدي ‏)‏د‏(‏ ‏)‏ه‏(‏ وجزء الاستقبال المتقدم بالسرطان ‏)‏كب ي‏(‏ والزهرة بالقوس ‏)‏يز‏(‏ ‏)‏يا‏(‏ والذنب بالجوزاء ‏)‏يز‏(‏ ‏)‏ما‏(‏ والنسر الواقع يالجدي ‏)‏1‏(‏ ‏)‏كب‏(‏ والشعرى العبور بالسرطان ‏)‏يب‏(‏ فلما بلغت السنة السادسة أسلمت نفسي في التعليم ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى وأجهدت نفسي في التعلم ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعلم الطب والفلسفة ولم يكن لي مال أنفق منه فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة فكنت مرة أتكسب بصناعه القضايا بالنجوم ومرة بصناعة الطب ومرة بالتعليم ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم إلى السنة الثانية والثلاثين فإني اشتهرت فيها بالطب وكفاني ما كنت أكسبه بالطب بل وكان يفضل عني إلى وقتي هذا وهو آخر السنة التاسعة والخمسين وكسبت مما فضل عن نفقتي أملاكاً في هذه المدينة إن كتب اللَّه عليها السلامة وبلغني سن الشيخوخة كفاني في النفقة عليها وكنت منذ السنة الثانية والثلاثين إلى يومي هذا أعمل تذكرة لي وأغيرها في كل سنة إلى أن قررتها على هذا التقرير الذي أستقبل به السنة الستين من ذلك أتصرف في كل يوم في صناعتي بمقدار ما يغني ومن الرياضة التي تحفظ صحة البدن وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة وأجتهد في حال تصرفي في التواضع والمداراة وغياث الملهوف وكشف كربة المكروب وإسعاف المحتاج وأجعل قصدي في كل ذلك الالتذاذ بالأفعال والانفعالات الجميلة ولا بد أن يحصل مع ذلك كسب ما ينفق فأنفق منه على صحة بدني وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير ولا تنحط إلى التقتير وتلزم الحال الوسطى بقدر ما يوجبه التعقل في كل وقت وأتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى إصلاح أصلحته وما يحتاج إلى بدل بدلته وأعد في منزلي ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والعسل والزيت والحطب وما يحتاج إليه من الثياب فما فضل بعد ذلك له صرفته في وجوه الجميل والمنافع مثل إعطاء الأهل والإخوان والجيران وعمارة المنزل وما اجتمع من غلة أملاكي ادخرته لعمارتها ومرمّتها ولوقت الحاجة إلى مثله وإذا هممت لتجديد أمر مثل تجارة أو بناء أو غير ذلك فرضته مطلوباً وحللته إلى موضوعاته ولوازمها فإن وجدته من الممكن الأكثر بادرت إليه وإن وجدته من الممكن القليل اطرحته وأتعرف ما يمكنني تعريفه من الأمور المزمعة وآخذ له أهبته وأجعل ثيابي مزينة بشعار الأخيار والنظافة وطيب الرائحة وألزم الصمت وكف اللسان عن معايب الناس وأجتهد أن لا أتكلم إلا بما ينبغي وأتوقى الأيمان ومثالب الآراء فأحذر العجب وحب الغلبة وأطرح الهم الحرصي والاغتمام وإن دهمني أمر فادح أسلمت فيه إلى اللَّه تعالى وقابلته بما يوجبه التعقل من غير جبن ولا تهور ومن عاملته عاملته يداً بيد لا أسف ولا أتسلف إلا أن أضطر لذلك وإن طلب مني أحد سلفاً وهبت منه ولم أرد منه عوضاً وما بقي من يومي بعد فراغي من رياضتي صرته في عبادة اللَّه سبحانه بأن أتنزه بالنظر في ملكوت السموات والأرض وتمجيد محكمها وأتدبر مقالة أرسطاطاليس في التدبير وآخذ نفسي بلزوم وصاياها بالغداة والعشي وأتفقد في وقت خلوتي ما سلف في يومي من أفعالي وانفعالاتي فما كان خيراً أو جميلاً أو نافعاً سررت به وما كان شراً أو قبيحاً أو ضاراً اغتممت به ووافقت نفسي بأن لا أعود إلى مثله وأما الأشياء التي أتنزه فيها فلأني فرضت نزهتي ذكر اللَّه عز وجل وتمجيده بالنظر في ملكوت السماء والأرض وكان قد كتب القدماء والعارفون في ذلك كتباً كثيرة رأيت أن أقتصر منها على ما أنصه من ذلك خمسة كتب من كتب الأدب وعشرة كتب من كتب الشرع وكتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وما جانسها مثل كتاب الحشائش لديسقوريدس وكتب روفس وأريباسيوس وبولس وكتاب الحاوي للرازي ومن كتب الفلاحة والصيدلة أربعة كتب ومن كتب التعاليم المجسطي ومداخله وما أنتفع به فيه والمربعة لبطلميوس ومن كتب العارفين كتب أفلاطن وأرسطوطاليس والإسكندر وثامطيوس ومحمد الفارابي وما أنتفع به فيها وما سوى ذلك إما أبيعه بأي ثمن اتفق وإما أن أخزنه في صناديق وبيعه أجود من خزنه أقول هذا جملة ما ذكره من سيرته وإن مولده في ديار مصر بالجيزة ونشأ بمدينة مصر وكان أبوه فراناً ولم يزل ملازماً للاشتغال والنظر في العلم إلى أن تميز وصار له الذكر الحسن والسمعة العظيمة وخدم الحاكم وجعله رئيساً على سائر المتطببين وكانت دار ابن رضوان بمدينة مصر في قصر الشمع وهي الآن تعرف به وقد تهدمت ولم يتبين إلا بقايا يسيرة من آثارها وحدث في الزمان الذي كان فيه ابن رضوان بديار مصر الغلاء العظيم والغلاء الفادح الذي هلك به أكثر أهلها ونقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن الغلاء عرض بمصر في سنة خمس وأربعين وأربعمائة قال ونقص النيل في السنة التي تليها وتزايد الغلاء وتبعه وباء عظيم واشتد وعظم في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وحكي أن السلطان كفن من ماله ثمانين ألف نفس وأنه فقد ثمانمائة قائد وحصل للسلطان من المواريث مال زيل‏.‏

وحدثني أبو عبد اللَّه محمد المالقي الناسخ أن ابن رضوان تغير عقله في آخر عمره وكان السبب في ذلك أنه في ذلك الغلاء كان قد أخذ يتيمة رباها وكبرت عنده فلما كان في بعض الأيام خلا لها الموضع وكان قد ادخر أشياء نفيسة ومن الذهب نحو عشرين ألف دينار فأخذت الجميع وهربت ولم يظفر منها على خبر ولا عرف أين توجهت فتغيرت أحواله من حينئذ‏.‏

أقول وكان ابن رضوان كثير الرد على من كان يعاصره من الأطباء وغيرهم وكذلك على كثير ممن تقدمه وكانت عنده سفاهة في بحثه وتشنيع على من يريد مناقشته وأكثر ذلك يوجد عندما كان يرد على حنين بن إسحاق وعلى أبي الفرج بن الطيب وكذلك أيضاً على أبي بكر محمد بن زكريا الرازي ولم يكن لابن رضوان في صناعة الطب معلم ينسب إليه وله كتاب في ذلك يتضمن أن تحصيل الصناعة من الكتب أوفق من المعلمين وقد رد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد وذكر فصلاً في العلل التي لأجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصف إذا كان القول واحداً وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا وصول المعاني من النسيب إلي النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب والنسيب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم وغير النسيب له جماد وهو الكتاب وبُعد الجماد من الناطق مطيل لطريق الفهم وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم فالفهم من النسيب وهو المعلم أقرب وأسهل من غير النسيب وهو الكتاب‏.‏

والثانية هكذا النفس العلامة علامة بالفعل وصورة الفعل عنها يقال له تعليم والتعليم والتعلم من المضاف وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس له بالطبع والنفس المتعملة علامة بالقوة وقبول العلم فيها يقال له تعلم والمضافان معاً بالطبع فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من والثالثة على هذه الصورة المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظ نقله إلى لفظ آخر والكتاب لا ينقل من لفظ إلى لفظ فالفهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب وكل ما هو بهذه الصفة فهو في إيصال العلم أصل للمتعلم‏.‏

والرابعة العلم موضوعه اللفظ واللفظ على ثلاثة أضرب قريب من العقل وهو الذي صاغه العقل مثالاً لما عده من المعاني ومتوسط ومتوسط وهو المتلفظ به بالصوت وهو مثال لما صاغه العقل وبعيد وهو المثبت في الكتب وهو مثال ما خرج باللفظ فالكتاب مثال مثال مثال المعاني التي في العقل والمثال الأول لا يقوم مقام المثل لعوز المثل فما ظنك بمثال مثال مثال المثل فالمثال الأول لما عند العقل أقرب في الفهم من مثال المثال والمثال الأول هو اللفظ والثاني هو الكتاب وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من لفظ المعلم أسهل وأقرب من لفظ الكتاب‏.‏

والخامسة وصول اللفظ الدال على المعنى إلى العقل يكون من جهة حاسة غريبة من اللفظ وهي البصر لأن الحاسة النسبية للفظ هي السمع لأنه تصويت والشيء الواصل من النسيب وهو اللفظ أقرب من وصوله من الغريب وهو الكتابة فالفهم من المعلم باللفظ أسهل من الكتاب بالخط‏.‏

والسادسة هكذا يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم قد عدمت في تعليم المعلم وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بزوغان البصر وقلة الخبرة بالإعراب أو عدم وجوده مع الخبرة به أو فساد الموجود منه واصطلاح الكتاب ما لا يقرأ وقراءة ما لا يكتب ونحو التعليم ونمط الكلام ومذهب صاحب الكتاب وسقم النسخ ورداءة النقل وادماج القارئ مواضع المقاطع وخلط مبادئ التعاليم وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالثوروس وهذه كلها معوقة عن العلم وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم وإذا كان الأمر على هذا فالقراءة على العلماء أفضل وأجدى من قراءة الإنسان لنفسه وهو ما أردنا بيانه‏.‏

قال وأنا آتيك ببيان سابع أظنه مصدقاً عندك وهو ما قاله المفسرون في الاعتياض عن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة فإنهم مجمعون على أن هذا الفصل لو لم يسمعه من أرسطوطاليس تلميذه تاؤفرسطس وأوذيموس لما فهم قط من كتاب وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من المعلم أفضل من الفهم من الكتاب وبحسب هذا يجب على كل محب للعلم أن لا يقطع بظن فربما خفي الصواب وإذا خفي الصواب عَلم الأشياء علماًردياً فثار عليه بحسب اعتقاده في الحق أنه مَحال شكوك يعسر حلّها وكانت وفاة علي بن رضوان رحمه اللَّه في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بمصر وذلك في خلافة المستنصر باللَّه أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين اللَّه الحاكم ومن كلام علي بن رضوان قال إذا كانت للإنسان صناعة ترتاض بها أعضاؤه ويمدحه بها الناس ويكسب بها كفايته في بعض يومه فأفضل ما ينبغي له في باقي يومه أن يصرفه في طاعة ربه وأفضل الطاعات النظر في الملكوت وتمجيد المالك لها سبحانه ومن رزق ذلك فقد رزق خير الدنيا والآخرة وطوبى له وحسن مآب ومن كلامه نقلته من خطه قال الطبيب على رأي بقراط هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال الأولى أن يكون تام الخلق صحيح الأعضاء حسن الذكاء جيد الروية عاقلاً ذكوراً خير الطبع‏.‏

الثانية أن يكون حسن الملبس طيب الرائحة نظيف البدن والثوب‏.‏

الثالثة أن يكون كتوماً لأسرار المرضى لا يبوح بشيء من أمراضهم‏.‏

الرابعة أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء‏.‏

الخامسة أن يكون حريصاً على التعليم والمبالغة في منافع الناس‏.‏

السادسة أن يكون سليم القلب عفيف النظر صادق اللهجة لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء فضلاً عن أن يتعرض إلى شيء منها‏.‏

السابعة أن يكون مأموناً ثقة على الأرواح والأموال لا يصف دواء قتالاً ولا يعلمه ولا دواء يسقط الأجنة يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه‏.‏

وقال المعلم لصناعة الطب هو الذي اجتمعت فيه الخصال بعد استكماله صناعة الطب والمتعلم هو الذي فراسته تدل على أنه ذو طبع خير ونفس ذكية وأن يكون حريصاً على التعليم ذكياً ذكوراً لما قد تعلمه‏.‏

وقال البدن السليم من العيوب هو البدن الصحيح الذي كل واحد من أعضائه باق على فضيلته أعني أن يكون يفعل فعله الخاص على ما ينبغي‏.‏

وقال تعرُّف العيوب هو أن تنظر إلى هيئة الأعضاء والسحنة والمزاج وملمس البشرة وتتفقد أفعال الأعضاء الباطنة والظاهرة مثل أن تنادي به من بعيد فتعتبر بذلك حال سمعه وأن تعتبر بصره بنظر الأشياء البعيدة والقريبة ولسانه بجودة الكلام وقوته بشيل الثقل والمسك والضبط والمشي وأنحاء ذلك مثل أن تنظر مشيه مقبلاً ومدبراً ويؤمر بالاستلقاء على ظهره ممدود اليدين قد نصب رجليه وصفهما وتعتبر بذلك حال أحشائه وتتعرف حال مزاج قلبه بالنبض وبالأخلاق ومزاج كبده بالبول وحال الأخلاط وتعتبر عقله بأن يسأل عن أشياء وفهمه وطاعته بأن يؤمر بأشياء وأخلاقه إلى ما تميل بأن تعتبر كل واحد منها بما يحركه أو يسكنه وعلى هذا المثال أجر الحال في تفقد كل واحد من الأعضاء والأخلاق أما فيما يمكن ظهوره للحس فلا تقنع فيه حتى تشاهده بالحس وأما فيما يتعرف بالاستدلال فاستدل عليه بالعلامات الخاصة وأما فيما يتعرف بالمسألة فابحث عنه بالمسألة حتى تعتبر كل واحد من العيوب فتعرف هل هو عيب حاضر أو كان أو متوقع أم الحال حال صحة وسلامة‏.‏

ومن كلامه قال إذا دعيت إلى مريض فأعطه ما لا يضره إلى أن تعرف علته فتعالجها عند ذلك ومعنى معرفة المرض هو أن تعرف من أي خلط حدث أولاً ثم تعرف بعد ذلك في أي عضو هو وعند ذلك تعالجه‏.‏

ولعلي بن رضوان من الكتب شرح كتاب العرق لجالينوس وفرغ من شرحه له في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي الحجة سة اثنتين وثلاثين وأربعمائة شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس شرح كتاب النبض الصغير لجالينوس شرح كتاب جالينوس إلى أغلوقن في التأني لشفاء الأمراض شرح المقالة الأولى في خمس مقالات وشرح المقالة الثانية في مقالتين شرح كتاب الأسطقسات لجالينوس شرح بعض كتاب المزاج لجالينوس ولم يشرح من الكتب الستة عشر لجالينوس سوى ما ذكرت كتاب الأصول في الطب أربع مقالات كناش رسالة في علاج الجذام كتاب تتبع مسائل حنين مقالتان كتاب النافع في كيفية تعليم صناعة الطب ثلاث مقالات مقالة في أن جالينوس لم يغلط في أقاويله في اللبن على ما ظنه قوم مقالة في دفع المضارعن الأبدان بمصر مقالة في سيرته مقالة في الشعير وما يعمل منه ألفها لأبي زكريايهوذا بن سعادة الطبيب جوابه لمسائل في لبن الأتن سأله إياها يهوذا بن سعادة تعاليق طبية تعاليق نقلها في صيدلة الطب مقالة في مذهب أبقراط في تعليم الطب كتاب في أن أفضل أحوال عبد اللَّه بن الطيب الحالي السوفسطائية وهو خمس مقالات كتاب في أن الأشخاص كل واحد من الأنواع المتناسلة أب أول منه تناسلت الأشخاص على مذهب الفلسفة تفسير مقالة الحكيم فيثاغورس في الفضيلة مقالة في الرد على إفرائيم وابن زرعة في الاختلاف في الملل انتزاعات شروح جالينوس لكتب أبقراط كتاب الانتصار لأرسطوطاليس وهو كتاب التوسط بينه وبين خصومه المناقضين له في السماع الطبيعي تسع وثلاثون مقالة‏.‏

تفسير ناموس الطب لأبقراط تفسير وصيةأبقراط المعروفة بترتيب الطب كلام في الأدوية المسهلة كتاب في عمل الأشربة والمعاجين تعليق من كتاب التميمي في الأغذية والأدوية تعليق من كتاب فوسيدونيوس في أشربة لذيذة للأصحاء فوائد علقها من كتاب فيلغريوس في الأشربة النافعة اللذيذة في أوقات الأمراض مقالة في الباه مقالة في أن كل واحد من الأعضاء يغتذي من الخلط المشاكل له مقالة في الطريق إلى إحصاء عدد الحميات فصل من كلامه في القوى الطبيعية جواب مسائل في النبض وصل إليه السؤال عنها من الشام رسالة في أجوبة مسائل سأل عنها الشيخ أبو الطيب أزهر بن النعمان في الأورام رسالة في علاج صبي أصابه المرض المسمى بداء الفيل وداء الأسد نسخة الدستور الذي أنفذه أبو العسكر الحسين بن معدان ملك مكران في حال علة الفالج في شقة الأيسر وجواب ابن رضوان له فوائد علقها من كتاب حيلة البرء لجالينوس فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينيوس فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس فوائد علقها من كتاب الميامر لجالينوس فوائد علقها من كتاب قاطاجانس لجالينوس فوائد علقها في الأخلاط من كتب عدة لأبقراط وجالينوس‏.‏

كتاب في حل شكوك الرازي على كتب جالينوس سبع مقالات مقالة في حفظ الصحة مقالة في أدوار الحميات مقالة في التنفس الشديد وهو ضيق النفس رسالة كتب بها إلى أبي زكريا يهوذا بن سعادة في النظام الذي استعمله جالينوس في تحليل الحد في كتابه المسمى الصناعة الصغيرة مقالة في نقض مقالة ابن بطلان في الفرخ والفروج مقالة في الفأر مقالة فيما أورده ابن بطلان من التحييرات مقالة في أن ما جهله يقين وحكمة وما علمه ابن بطلان غلط وسفسطة مقالة في أن ابن بطلان لا يعلم كلام نفسه فضلاً عن كلام غيره رسالة إلى أطباء مصر والقاهرة في خبر ابن بطلان قول له في جملة الرد عليه كتاب في مسائل جرت بينه وبين ابن الهيثم في المجرة والمكان أخرجه لحواشي كامل الصناعة الطبية الموجود منه بعض الأولى رسالة في أزمنة الأمراض مقالة في التطرق بالطب إلى السعادة مقالة في أسباب مدد حميات الأخلاط وقرائنها جوابه عما شرح له من حال عليل به علة الفالج في شقه الأيسر مقالة في الأورام كتاب في الأدوية المفردة على حروف المعجم اثنتا عشرة مقالة الموجود منه إلى بعض السادسة مقالة في شرف الطب رسالة في الكون والفساد مقالة في سبيل السعادة وهي السيرة التي اختارها لنفسه رسالة في بقاء النفس بعد الموت مقالة في فضيلة الفلسفة مقالة في بناء النفس على رأي أفلاطون وأرسطوطاليس أجوبته لمسائل منطقية من كتاب القياس مقالة في حل شكوك يحيى بن عدي المسماة بالمحراسات مقالة في الحر مقالة في بعث نبوّة محمد # من التوراة والفلسفة مقالة في أن الوجود نقط وخطوط طبيعية مقالة في حدث العالم مقالة في التنبيه على حيل من ينتحل صناعة القضايا بالنجوم وتشرف أهلها مقالة في خلط الضروري والوجودي مقالة في اكتساب الحلال من المال مقالة في الفرق بين الفاضل من الناس والسديد والعطب مقالة في كل السياسة رسالة في السعادة مقالة في اعتذاره عما ناقض به المحدثين مقالة في توحيد الفلاسفة وعبادتهم كتاب في الرد على الرازي في العلم الإلهي وإثبات الرسل كتاب المستعمل من المنطق في العلوم والصنائع ثلاث مقالات رسالة صغرى في الهيولي صنفها لأبي سليمان بن بابشاد تذكرتاه المسماة بالكمال الكامل والسعادة القصوى غير كاملة تعاليقه لفوائد كتب أفلاطون المساجرة لهوية طبيعة الإنسان تعاليق فوائد مدخل فرفوريوس تهذيب كتاب الحابس في رياسة الثنا الموجود منه بعض لا كل تعاليق في أن خط الاستواء بالطبع أظلم ليلاً وأن جوهره بالعرض أظلم ليلاً كتاب فيما ينبغي أن يكون في حانوت الطبيب أربع مقالات مقالة في هواء مصر مقالة في مزاج السكر مقالة في التنبيه على ما في كلام ابن بطلان من الهذيان رسالة في دفع مضار الحلوى بالمحرور‏.‏

 

أفرائيم بن الزفان

هو ابو كثير أفرائيم بن الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب إسرائيلي المذهب وهو من الأطباء المشهورين بديار مصر وخدم الخلفاء الذين كان في زمانهم وحصل من جهتهم من الأموال والنعم شيئاً كثيراً جداً وكان قد قرأ صناعة الطب على أبي الحسن علي بن رضوان وهو من أجل تلامذته وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب وفي استنساخها حتى كانت عنده خزائن كثيرة من الكتب الطبية وغيرها وكان أبداً عنده النساخ يكتبون ولهم ما يقوم بكفايتهم منه ومن جملتهم محمد بن سعيد بن هشام الحجري وهو المعروف بابن ملساقه ووجدت بخط هذا عدة كتب قد كتبها لأفرائيم وعليها خط أفرائيم وحدثني أبي أن رجلاً من العراق كان قد أتى إلى الديار المصرية ليشتري كتباً ويتوجه بها وأنه اجتمع مع أفرائيم واتفق الحال فيما بينهما أن باعه أفرائيم من الكتب التي عنده عشرة آلاف مجلد وكان ذلك في أيام ولاية الأفضل بن أمير الجيوش فلما سمع بذلك أراد أن تلك الكتب تبقى في المصرية ولا تنتقل إلى موضع آخر فبعث إلى أفرائيم من عنده بجملة المال الذي كان قد اتفق تثمينه بين أفرائيم والعراقي ونقلت الكتب إلى خزانة الأفضل وكتبت عليها ألقابه ولهذا إنني قد وجدت كتباً كثيرة من الكتب الطبية وغيرها عليها اسم أفرائيم وألقاب الأفضل أيضاً وخلف أفرائيم من الكتب ما يزيد على عشرين ألف مجلد ومن الأموال النعم شيئاً كثيراً جداً‏.‏

ولأفرائيم بن الزفان من الكتب تعاليق ومجريات جعلها على جهة الكناش ووجدت هذا الكتاب بخطه وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها وقد ذكر في أوله ما هذا نصه قال أقول وأنا أفرائيم إنني جعلت هذا الكتاب تذكرة على طريق المجموع لا على جهة التصنيف احتياطاً على من يعالج من السهو كتاب التذكرة الطبية في مصلحة الأحوال البدنية ألفها لنصير الدولة أبي علي الحسين بن أبي علي الحسن بن حمدان لما أراد الانفصال عن مصر والتوجه إلى ثغر الإسكندرية والبحيرة وتلك الأعمال مقالة في التقرير القياسي على أن البلغم يكثر تولده في الصيف والدم والمرار الأصفر في الشتاء‏.‏

سلامة بن رحمون

هو أبو الخير سلامة بن مبارك بن رحمون بن موسى من أطباء مصر وفضائلها وكان يهودياً وله أعمال حسنة في صناعة الطب واطلاع على كتب جالينوس والبحث عن غوامضها وكان قد قرأ صناعة الطب أفرائيم واشتغل بها عليه مدة وكان لابن رحمون أيضاً اشتغال جيد بالمنطق والعلوم الحكمية وله تصانيف في ذلك وكان شيخه الذي اشتغل عليه بهذا الفن الأمير أبو الوفاء محمود الدولة المبشر بن فاتك ولما وصل أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي من المغرب إلى الديار المصرية اجتمع بسلامة بن رحمون وجرت بينهما مباحث ومشاغبات وقدذكره ابن أبي الصلت في رسالته المصرية عندما ذكر من رآه من أطباء مصر قال وأشبه من رأيته منهم وأدخلهم في عدد الأطباء رجل من اليهود يدعي أبا الخير سلامة بن رحمون فإنه لقي أبا الوفاء المبشر بن فاتك فأخذ عنه شيئاً من صناعة المنطق تخصص به وتميز عن أضرابه وأدرك أبا كثير بن الزفان تلميذ أبي الحسن بن رضوان فقرأ عليه بعض كتب جالينوس ثم نصب نفسه لتدريس جميع كتب المنطق وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والهيئة وشرح بزعمه وفسر ولخص ولم يكن هناك في تحصيله وتحقيقه واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه بل كان يكثر كلامه فيضل ويسرع جوابه فيزل ولقد سألته أول لقائي له واجتماعي به عن مسائل استفتحت مباحثه بها مما يمكن أن يفهمها من لم يكن يمتد في العلم باعه ولم يكثر تبحره واتساعه فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه وأعرب عن سوء تصوره وفهمه وكان مثله في عظم دواعيه وقصوره عن أيسر ماهو متعاطيه كقول الشاعر يشمر للج عن ساقه ويغمره الموج في الساحل تمنيتم مائتي فارس فردَّكم فارس واحد قال أبو الصلت وكان طبيب من أهل إنطاكية يسمى بجرجس ويلقب بالفيلسوف على نحو ما قيل في الغرب أبو البيضاء وفي اللديغ سليم قد تفرغ للتولع بابن رحمون والإزراء عليه وكان يزور فصولاً طبية وفلسفية يقررها في معارض ألفاظ القوم وهي محال لا معنى لها وفارغة لا فائدة فيها ثم إنه ينفذها إلى من يسأله عن معانيها ويستوضحه أغراضها فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ ولا تحفظ بل باسترسال واستعجال وقلة اكتراث واهتبال فيوجد فيها عنه ما يضحك منه وأنشدت لجرجس هذا فيه وهو أحسن ما سمعته في هجو طبيب إن أبا الخير على جهله يخف في كفته الفاضل عليله المسكين من شؤمه في بحر هلك ماله ساحل ثلاثة تدخل في دفعة طلعته والنعش والغاسل ولبعضهم لأبي الخير في العلا - - ج يد ما تقصر كل من يستطبه بعد يومين يقبر والذي غاب عنكم وشهدناه أكثر وله جنون أبي الخير الجنون بعينه وكل جنون عنده غاية العقل خذوه فغلوه فشدو وثاقه فما عاقل من يستهين بمختل وقد كان يؤذي الناس بالقول وحده فقد صار يؤذي الناس بالقول والفعل ولسلامة بن رحمون من الكتب كتاب نظام الموجودات مقالة في السبب الموجب لقلة المطر بمصر مقالة في العلم الإلهي مقالة في خصب أبدان النساء بمصر عند تناهي الشباب‏.‏

هو مبارك بن أبي الخير سلامة بن مبارك بن رحمون مولده ومنشؤه بمصر وكان أيضاً طبيباً فاضلاً ولمبارك بن سلامة بن رحمون من الكتب مقالة في الجمرة المسماة بالشقفة والخزفة مختصرة‏.‏

ابن العين زربي

هو الشيخ موفق الدين أبو نصر عدنان بن نصر بن منصور من أهل عين زربة وأقام ببغداد مدة واشتغل بصناعة الطب بالعلوم الحكمية ومهر فيها وخصوصاً في علم النجوم ثم بعد ذلك انتقل من بغداد إلى الديار المصرية إلى حين وفاته وخدم الخلفاء المصريين حظي في أيامهم وتميز في دولتهم وكان من أجل المشايخ وأكثرهم علماً في صناعة الطب وكانت له فراسة حسنة وإنذارات صائبة في معالجته وصنف بديار مصر كتباً كثيرة في صناعة الطب وفي المنطق وفي غير ذلك من العلوم وكانت له تلاميذ عدة يشتغلون عليه وكل منهم تميز وبرع في الصناعة وكان ابن العين زربي في أول أمره إنما يتكسب بالتنجيم‏.‏

وحدثني أبي قال حكى لي سبط الشيخ أبي نصر عدنان بن العين زربي أن سبب اشتهار جده في الديار المصرية واتصاله بالخلفاء أنه ورد من بغداد رسول إلى ديار مصر وكان يعرف ابن العين زربي ببغداد وما هو عليه من الفضل والتحصيل والإتقان لكثير من العلوم فلما كان ماراً في بعض الطرق بالقاهرة وإذا به قد وجد ابن العين زربي جالساً وهو يتكسب بالتنجيم فعرفه وسلم عليه وبقي متعجباً من كثرة تحصيله للعلوم وكونه متميزاً في علم صناعة الطب وهو على تلك الحال وبقي في خاطره ذلك فلما اجتمع بالوزير وتحدثا أجرى ذكر ابن العين زربي وما هو عليه من العلم والفضل والتقدم في صناعة الطب وغيرها وكونهم لم يعرفوا قدره ولا انتهى إليهم أمره وإن الواجب في مثل هذا لا يهمل فاشتاق الوزير إلى رؤيته والاجتماع بمشاهدته فاستحضر وسمع كلامه فأعجب به واستحسن مما سمعه منه وتحقق فضله ومنزلته في العلم وأنهى أمره إلى الخليفة فأطلق له ما يليق بمثله ولم تزل أنعامهم تصل إليه ومواهبهم تتوالى عليه‏.‏

أقول وكان ابن العين زربي خبيراً بالعربية جيد الدراية لها حسن الخط وقد رأيت كتباً عدة في الطب وفي غيره بخطه هي في نهاية الحسن والجودة ولزم الطريقة المنسوبة وكان أيضاً يشعر وله شعر جيد وتوفي رحمه اللَّه في ثمان وأربعين وخمسمائة بالقاهرة وذلك في دولة الظافر بأمر اللَّه‏.‏

ولابن العين زربي من الكتب كتاب الكافي في الطب وصنفه في سنة عشر وخمسمائة بمصر وكمل في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخمسمائة شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس الرسالة المقتنعة في المنطق ألفها من كلام أبي نصر الفارابي والرئيس بن سينا مجربات في الطب على جهة الكناش جمعها ورتبها ظافر بن تميم بمصر بعد وفاة ابن العين زربي رسالة في السياسة رسالة في تعذر وجود الطبيب الفاضل ونفاق الجاهل مقالة في الحصى وعلاجه‏.‏

بلمظفر بن معرف

هو بلمظفر نصر بن محمود بن المعرف كان ذكياً فطناً كثير الاجتهاد والعناية والحصر في العلوم الحكمية وله نظر أيضاً في صناعة الطب والأدب ويشعر وكان قد اشتغل على ابن العين زربي ولازمه مدة وقرأ عليه كثيراً من العلوم الحكمية وغيرها ورأيت خطه في آخر تفسير الإسكندر لكتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس وهو يقول إنه قرأه عليه وأتقن قراءته وتاريخ كتابته لذلك في شعبان سة أربع وثلاثين وخمسمائة وكان بلمظفر حسن الخط جيد العبارة وكان مغرى بصناعة الكيمياء والنظر فيها والاجتماع بأهلها وكتب بخطه من الكتب التي صنفت فيها شيئاً كثيراً جداً وكذلك أيضاً كتب كثيراً من الكتب الطبية والحكمية وكانت له همة وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي عنه أنه كان في داره مجلس كبير مشحون بالكتب على رفوف فيه وأن بلمظفر لم يزل في معظم أوقاته في ذلك المجلس مشتغلاً في الكتب وفي القراءة والنسخ‏.‏

أقول ومن أعجب شيء منه أنه كان قد ملك ألوفاً كثيرة من الكتب في كل فن وأن جميع كتبه لا يوجد شيء منها إلا وقد كتب على ظهره ملحاً ونوادر مما يتعلق بالعلم الذي قد صنف ذلك الكتاب فيه وقد رأيت كتباً كثيرة من كتب الطب وغيرها من الكتب الحكمية كانت لأبي المظفر وعليها اسمه وما منها شيء إلا وعليه تعاليق مستحسنة وفوائد متفرقة من يجانس ذلك الكتاب‏.‏

ومن شعر بلمظفر بن معرف وقالوا الطبيعة مبدأ الكيان فيا ليت شعري ما هي الطبيعة أقادرة طبعت نفسها على ذاك أم ليس بالمستطيعة وقال أيضاً وقالوا الطبيعة معلومنا ونحن نبين ما حدها ولم يعرفوا الآن ما قبلها فكيف يرومون ما بعدها الشيخ السديد رئيس الطب هو القاضي الأجل السديد أبو المنصور عبد اللَّه بن الشيخ السديد أبي الحسن علي وكان لقب القاضي أبي المنصور شرف الدين وإنما غلب عليه لقب أبيه وعرف به وصار له علماً بأن يقال الشيخ السديد وكان عالماً بصناعة الطب خبيراً بأصولها وفروعها وجيد المعالجة كثير الدربة حسن الأعمال باليد وخدم الخلفاء المصريين وحظي في أيامهم ونال من جهتهم من الأموال الوافرة والنعم الجسيمة ما لم ينله غيره من سائر الأطباء الذين كانوا في زمانه ولا قريباً منه وكانت له عندهم المنزلة العليا والجاه الذي لا مزيد عليه وعمّر عمراً طويلاً وكان من بيتوتة صناعة الطب وكان أبوه أيضاً طبيباً للخلفاء المصريين مشهوراً في أيامهم‏.‏

حدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير وكان قد لحق الشيخ السديد وقرأ عليه صناعة الطب قال قال لي الشيخ السديد رئيس الطب إن أول من مثلت بين يديه من الخلفاء وأنعم علي الآمر بأحكام اللَّه وذلك أن أبي كان طبيباً في خدمته وكان مكيناً عنده رفيع المنزلة في أيامه قال وكنت صبياً في ذلك الوقت فكان أبي يهب لي في كل يوم دراهم وأجلس عند باب الدار التي لنا وأقصد جماعة في كل نهار حتى تمرنت وصرت لي دربة جيدة في الفصد وكنت قد شدوت شيئاً من صناعة الطب فذكرني أبي عند الآمر وأخبره بما أنا عليه وأنني أعرف صناعة الفصد ولي درجة جيدة بها فاستدعاني فتوجهت إليه وأنا بحالة جميلة من الملبوس الفاخر والمركوب الفاره المتحلي بمثل الطوق الذهب وغيره وإنني لما دخلت إليه القصر مشيت مع أبي حتى صرنا بين يديه فقبلت الأرض وخدمت فقال لي افصد هذا الأستاذ وكان واقفاً بين يديه فقلت السمع والطاعة ثم جيء بطشت فضة وشددت عضده وكانت له عروق بينة الظهور ففصدته وربطت موضع الفصادة فقال لي أحسنت وأمر لي بإنعام كثيرة وخلع فاخرة وصرت من ذلك الوقت متردداً إلى القصر وملازماً للخدمة وأطلق لي من الجاري ما يقوم بكفايتي على أفضل الأحوال التي أؤملها وتواترت علي من الهبات والإطلاقات الشيء الكثير‏.‏

وحدثني أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن إن الشيخ السديد حصل له في يوم واحد من الخلفاء في بعض معالجاته لأحدهم ثلاثون ألف دينار وقال لي القاضي نفيس الدين بن الزبير عنه أنه لما طهر ولَدَي الحافظ لدين اللَّه حصل له في ذلك الوقت من المال نحو خمسين ألف دينار وأكثر من ذلك سوى ما كان في المجلس من أواني الذهب والفضة فإنها وهبت جميعها له وكانت له همة عالية وإنعام عام حدثني الشيخ رضي الدين الرحبي قال لما وصل المهذب بن النقاش إلى الشام من بغداد وكان فاضلاً في صناعة الطب أقام بدمشق مدة ولم يحصل له بها ما يقوم بكفايته وسمع بالديار المصرية وإنعام الخلفاء فيها وكرمهم وإحسانهم إلى من يقصدهم ولا سيما من أرباب العلم والفضل وتاقت نفسه إلى السفر وتوجهت أمانيه إلى الديار المصرية فلما وصلها أقام بها أياماً وكان قد سمع بالشيخ السديد طبيب الخلفاء وما هو عليه من الأفضال وسعة الحال والأخلاق الجميلة والمروءة العزيزة فمشى إلى داره وسلم عليه وعرفه بصناعته وأنه إنما أتى قاصداً إليه ومفوضاً كل أموره لديه ومغترفاً من بحر علمه ومعترفاً بأن مهما يصله من جهة الخلفاء فإنما هو من بره ويكون معتداً له بذلك في سائر عمره فتلقاه الشيخ السديد بما يليق بمثله وأكرمه غاية الإكرام ثم بعد ذلك قال له وكم تؤثر أن يطلق لك من الجامكية إذا كنت مقيماً بالقاهرة فقال يا مولانا يكفيني مهما تراه وما تأمر به فقال له قل بالجملة فقال واللَّه إن أطلق لي في كل شهر من الجاري عشرة دنانير مصرية فإني أراها خيراً كثيراً فقال له لا هذا القدر ما يقوم بكفايتك على ما ينبغي وأنا أقول لوكيلي أن يوصلك في كل شهر خمسة عشر ديناراً مصرية وقاعة قريبة مني تسكنها وهي بجميع فرشها وطرحها وجارية حسناء تكون لك ثم أخرج له بعد ذلك خلعة فاخرة ألبسه إياها وأمر الغلام أن يأتي له ببغلة من أجود دوابه فقدمها له ثم قال له هذا الجاري يصلك في كل شهر وجميع ما تحتاج إليه من الكتب وغيرها فهو يأتيك على ما تختاره وأريد منك أننا لا نخلو من الاجتماع والإنس وأنك لا تتطاول إلى شيء آخر من جهة الخلفاء ولا تتردد إلى أحد من أرباب الدولة فقبل ذلك منه ولم يزل ابن النقاش مقيماً في القاهرة على هذا الحال إلى أن رجع إلى الشام وأقام بدمشق إلى حين وفاته‏.‏

أقول وكان الشيخ السديد قد قرأ صناعة الطب واشتغل على أبي نصر عدنان بن العين زربي ولم يزل الشيخ السديد مبجلاً عند الخلفاء وأحواله تنمى وحرمته عندهم تتزايد من حين الآمر بأحكام اللَّه إلى آخر أيام العاضد باللَّه وذلك أنه كان وهو صبي مع أبيه في خدمة الآمر بأحكام اللّه وهو أبو المنصور بن أبي القاسم أحمد المستعلي باللَّه بن المستنصر إلى أن استشهد الآمر في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة من سنة أربع وعشرين وخمسائة بالجزيرة وكانت مدة خلافته ثمانية وعشرين سنة وتسعة أشهر وأيام ثم بقي في خدمة الحافظ لدين اللَّه وهو أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن الإمام المستنصر باللَّه وبويع للحافظ يوم استشهاد الآخر ولم يزل في خدمة الحافظ إلى أن انتقل في اليوم الخامس من جمادى الآخرة من سنة أربع وأربعين وخمسمائة ثم خدم بعده للظافر بأمر اللَّه وهو أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين اللَّه وبويع له في ليلة صباحها الخامس من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة عند انتقال والده ولم يزل في خدمته إلى أن استشهد الظافر بأمر اللَّه وذلك في التاسع والعشرين من المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة‏.‏

ثم بعد ذلك خدم الفائز بنصر اللَّه وهو أبو القاسم عيسى بن الظافر بأمر اللَّه وبويع له في الثلاثين من المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولم يزل في خدمته إلى أن انتقل الفائز بنصر اللَّه في سنة وخمسمائة ثم خدم بعده العاضد لدين اللَّه وهو أبو محمد عبد اللَّه بن المولى بن أبي الحجاج يوسف بن الإمام الحافظ لدين اللَّه ولم يزل في خدمة العاضد لدين اللَّه إلى أن انتقل في التاسع من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة وهو آخر الخلفاء المصريين وخدمهم ونال في أيامهم من العطايا السنية والمنن الوافرة خمس خلفاء الآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد ثم لما استبد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالملك في القاهرة واستولى على الدولة كان يفتقد الشيخ السديد بالإنعام الكثير والهبات المتواترة والجامكية السنية مدة مقامه بالقاهرة إلى أن توجه إلى الشام وكان يستطبه ويعمل على وصفاته وما يشير به أكثر من بقية الأطباء ولم يزل الشيخ السديد رئيساً على سائر المتطببين إلى حين وفاته وكان يسكن في القاهرة عند باب زويلة في دار قد اعتني بها وبولغ في تحسينها وجرت عليه في أواخر عمره محنة وذلك أن داره قد احترقت وذهب له فيها من الأثاث والآلات والأمتعة شيء كثير جداً ولما تهدم بعضها من النار وقعت براني كبار وخوابي ممتلئة من الذهب المصري وتكسرت وتناثر فيها بعد الحريق والهدم منها الذهب إلى كل ناحية وشاهد الناس وبعضه قد انسبك من النار وكان مقدار وحدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير إن الشيخ السديد كان قد رأى في منامه قبل ذلك بقليل أن داره التي هي ساكنها قد احترقت فاشتغل سره بذلك وعزم على الانتقال منها ثم إنه شرع في بناء دار قريبة منها وحث الصناع في بنائها وعند كمالها حيث لم يبق منها إلا مجلس واحد وينتقل إليها احترقت داره التي كان ساكنها وذلك في السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وخمسمائة والدار التي عمرها قريباً منها هي التي صارت بعده للصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب وهي التي تعرف به الآن‏.‏

ونقلت من خط فخر الكتاب حسن بن علي بن إبراهيم الجويني الكاتب في الشيخ السديد عن حريق داره وذهاب منفوساته يعزيه وكان صديقاً له وبينهما أنس ومودة أيا من حق نعمته قديم على المرؤوس منا والرئيس فكم عاف أعدت له العوافي وكم عنا نضوت لباس بوس ويا من نفسه أعلى محلاً من المنفوس يعدم والنفيس جرعت مرارة أحلى مذاقاً لمثلك من كميت خندريس فعاين ما عراك بنور تقوى خلائقك التي هي كالشموس مصابك بالذي أضحى ثواباً يريك البشر في اليوم العبوس هموم الخلق في الدنيا شراب يدور عليهم مثل الكؤوس تروم الروح في الدنيا بعقل ترى الأرواح منها في حبوس وكل حوادث الدنيا يسير إذا بقيت حشاشات النفوس ونقلت أيضاً من خطه مما نظمه في مآثر القاضي السديد مجيزاً البيتين عملاً فيه وهما ولكل عافية عفت وقت فإن عُدت المريض فأنت من أوقاتها فاسلم ليسلم من تعلله فقد صحَّت بك الدنيا على علاتها فعمل هذه الأبيات بك عرّفت نفسي لذيذ حياتها سبحان منشرها عقيب مماتها وردت حياض الموت فاستنقذتها بمشيئة للّه بعد وفاتها وأعدت فائتها بقدرة قادر يسترجع الأشياء بعد فواتها فلذاك شكرك بعد شكر إلهها في سائر الأوقات من أوقاتها للَّه نفسك ما أتم ضياءها ألعلمها تعتام أم بركاتها تقوى تقرّ الروح في أوطانها ونهى تجير النفس من آفاتها ونزعت عنها النزع وهو مدافع لنسيم روح الروح عن لهواتها ولكم بإذن اللَّه عدت مودعاً نفساً فعدت بها إلى عاداتها يا من غدت ألفاظه لتلاوة القرآن تهدي البرء من نفثاتها يا أيها القاضي السديد ومن غدا للملة البيضاء من حسناتها يا من بعين العلم منه قريحة تتصور الأشياء في مرآتها للَّه فكرك مدركاً ما اكتن في الأعضاء عنه من جيمع جهاتها يحمي طريق الروح من دعاره فكأنه وال على طرقاتها للَّه في هذا الأنام لطائف خفيت عليهم أنت من آياتها ولكل عافية عفت وقت فإن عدت المريض فأنت من أوقاتها فأسلم ليسلم من تعلله فقد صحت بك الدنيا على علاتها ونقلت أيضاً من خطه مما نظمه فيه وقد عالجه من بعض الأمراض العظيمة الخطر فكتب إليه أواصل شكراً لست عنه بلاهي سفيراً غدا بيني وبين إلهي تنير له المشكلات بصيرة تريه خفايا الغائبات كما هي زمام العوافي والسقام بكفه له آمر في الفرقتين وناهي لك اللَّه يا عبد الإله فكم زهت ببهجتك الدنيا ولست بزاهي تجل عن الماء الزلال وجَله أن يقاس هواء منعش بمياه وتوفي الشيخ السديد رحمه اللّه بالقاهرة في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

ابن جميع

هو الشيخ الموفق شمس الرياسة أبو العشائر هبة اللَّه بن زين بن حسن ابن إفرائيم بن يعقوب بن إسماعيل بن جميع الإسرائيلي من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين والأكابر المتعينين وكان متفنناً في العلوم جيد المعرفة بها كثير الاجتهاد في صناعة الطب حسن المعالجة جيد التصنيف وقرأ صناعة الطب على الشيخ الموفق أبي نصر عدنان بن العين زربي ولزمه مدة وكان مولد ابن جميع ومنشؤه بفسطاط مصر وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة عنده عالي القدر نافذ الأمر يعتمد عليه في صناعة الطب وركب الترياق الكبير الفاروق وكان لابن جميع مجلس عام للذين يشتغلون عليه بصناعة الطب أقول ومما يؤيد ذلك ما نجده في مصنفاته فإنها جيدة التأليف كثيرة الفوائد منتخبة العلاج وكان له نظر في العربية وتحقيق للألفاظ اللغوية وكان لا يقرأ إلا وكتاب الصحاح للجوهري حاضر بين يديه ولا تمر كلمة لغة لم يعرفها حق المعرفة إلا ويكشفها منه ويعتمد على ما أورده الجوهري في ذلك وكنت يوماً عند الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح في داره بدمشق وكان ذلك في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب البلاد المصرية والشامية والصاحب جمال الدين يومئذ وزيره في سائر البلاد وهو صاحب السيف والقلم وفي خدمته مائتا فارس وتجارينا الحديث وتفضل وقال لي ما سبقك إلى تأليف كتابك في طبقات الأطباء أحد ثم قال لي وذكرت أصحابنا الأطباء المصريين فقلت له نعم فقال وكأني بك قد أشرت إلى أن ما في الأطباء المتقدمين منهم مثل ابن رضوان وفي المتأخرين مثل ابن جميع فقلت له صحيح يا مولانا‏.‏

وحدثني بعض المصريين أن ابن جميع كان يوماً جالساً في دكانه عند سوق القناديل بفسطاط مصر وقد مرت عليه جنازة فلما نظر إليها صاح بأهل الميت وذكر لهم أن صاحبهم لم يمت وأنهم إن دفنوه فإنما يدفنوه حياً قال فبقوا ناظرين إليه كالمتعجبين من قوله ولم يصدقوه فيما قال ثم إن بعضهم قال لبعض هذا الذي يقوله ما يضرنا إننا نمتحنه فإن كان حقاً فهو الذي نريده وإن لم يكن حقاً فما يتغير علينا شيء فاستدعوه إليهم وقالوا بين الذي قد قلت لنا فأمرهم بالمسير إلى البيت وأن ينزعوا عن الميت أكفانه وقال لهم احملوه إلى الحمام ثم سكب عليه الماء الحار وأحمى بدنه ونطله بنطولات وغطسه فرأوا فيه أدنى حس وتحرك حركة خفيفة فقال أبشروا بعافيته ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح فكان ذلك مبدأ اشتهاره بجودة الصناعة والعلم وظهرت عنه كالمعجزة ثم إنه سئل بعد ذلك من أين علمت أن ذلك الميت وهو محمول وعليه الأكفان أن فيه روحاً فقال إني نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الذين قد ماتوا منبسطة فحدست أنه حي وكان حدسي صائباً أقول وكان بمصر ابن المنجم المصري وكان شاعراً مشهوراً خبيث اللسان وله أهاجي كثيرة في ابن جميع ومن ذلك مما أنشدت له فيه لابن جميع في طبه حمق يسب طب المسيح من سببه وليس يدري ما في الزجاجة من بول مريض ولو تمخض به وأعجب الأمر أخذه أبداً أجرة قتل المريض من عصبه وله أيضاً فيه دعوا ابن جميع وبهتانه ودعواه في الطب والهندسة وقد جعل الشرب من شأنه ولكن كما تشرب النرجسه وله أيضاً فيه كذبت وصحفت فيما ادعيت وقلت أبوك جميع اليهودي وليس جميع اليهودي أباك ولكن أباك جميع اليهود ونقلت من خط يوسف بن هبة اللّه بن مسلم قصيدة لنفسه وهو يرثي بها الشيخ الموفق بن جميع وهي أعيني بما تحوي من الدمع فاسجعي وإن نفذت منك الدموع فبالدم فحق بأن تذرفي على فقد سيد فقدنا به فضل العلا والتكرم وأفضل أهل العصر علماً وسؤدداً وأفضلهم في مشكل القول مبهم وأهداهم بالرأي والأمر مبهم وأعلمهم بالغيب علم تفهم وأرحبهم صدراً وكفاً ومنزلاً ووجهاً كمثل الصبح عند التبسم وأنجد من يممته لملمة وأنجد من أملته لتألم ولو كان يفدى من حمام فديته بنفس متى تقدم على الموت تقرم وما رد بقراطاً عن الموت طبه وقد كان من أعيانه في التقدم ولا حاد جالينوس عن حتف يومه فسلم ما أعياه للمتسلم لا كسر كسرى ثم تابع تبعاً وعاد بعاد ثم جر بجرهم فقل معلناً للشامتين بيومه ذروا الجهل إن الجهل منكم بمأتم تمر سفيهات الرياح عواصفاً فهل زعزعت ضعفاً نبات يلملم وما سرح السرح الضعيف حراكه بأرض فكان الليث فيها بمجثم ألم يك ذا ورد النفوس بأسرها فكل أخير تابع المتقدم فلا فرح إلا ويعقبه الأسى ولا غاية البنيان غير التهدم فقبحاً لدهر ردنا بعد فقده حيارى بلا هاد حليف التيتم أما عجب إذ غاله الحتف رامياً وقد كان أرمى للخطوب بأسهم وأهدى إلى الداء الخفي بعلمه إذا جال بين اللحم والعظم والدم وأرفع بيتاً في القبيل مكارما كما لاح بدر التم ما بين أنجم لعمرك ما قلب الشجي كغيره ولا محرق الأحشاء كالمتجشم ولا كل من أجرى المدامع ثاكل وأين جميل في الأسى من متمم فلا تعذلوني إن بكيت تأسفاًَ فقدر عظيم الحزن قدر المعظّم وواللّه ما وفيت واجب حقه ولو أن جسمي كل عين بمرزم وإني لأفني مدة العمر والهاً تصرم أيامي ولم يتصرم فويح المنايا ما درت كنه حادث رمت سيداً يحيا به كل منعم ثوى بين أحجار الثرى ولقد غدى يضوع به النادي ذكي التنسم وطلق المحيا رائق البشر باسماً وليس بفظ الخلق كالمتجهم وقد كنت أهديه الثناء مبجلاً فها أنا أهديه الرثا جهد معدم فيا قبره الوضاح لم يدر ما حوى ترابك من جود ومجد مخيم سقاك من الوسمي كل سحابة تحيل عليك العين ذات توسم ولا زال منك النشر يأرج عرفه فيهديه أنفاس الصبا بمسلم أحوالها وأحوال أهلها رسالة إلى القاضي المكين أبي القاسم علي ابن الحسين فيما يعتمده حيث لا يجد طبيباً مقالة في الليمون وشرابه ومنافعه مقالة في الراوند ومنافعه مقالة في الحدبة مقالة في علاج القولنج واسمها الرسالة السيفية في الأدوية الملوكية‏.‏

أبو البيان بن المدور

لقب بالسديد وكان يهودياً قراءً عالماً بصناعة الطب حسن المعرفة بأعمالها وله مجربات كثيرة وآثار محمودة وخدم الخلفاء المصريين في آخر دولتهم وبعد ذلك خدم الملك الناصر صلاح الدين وكان يرى له ويعتمدعلى معالجته وله فيه حسن ظن وكانت له منه الجامكية الكثيرة والافتقاد المتوفر وعمر الشيخ أبو البيان بن المدور وتعطل في آخر عمره من الكبر والضعف من كثرة الحركة والتردد إلى الخدمة فأطلق له الملك الناصر صلاح الدين رحمه اللّه في كل شهر أربعة وعشرين ديناراً مصرية تصل إليه ويكون ملازماً لبيته ولا يكلف خدمة وبقي على تلك الحال وجامكيته تصل إليه نحو عشرين سنة وكان في مدة انقطاعه في بيته لا يخل بالاشتغال في صناعة الطب ولا يخلو موضعه من التلاميذ والمشتغلين عليه والمستوصفين منه وكان لا يمضي إلى أحد لمعالجته في تلك المدة إلا من يعز عليه جداً ولقد بلغني عنه من ذلك أن الأمير ابن منقذ لما وصل من اليمن وكان قد عرض له استسقاء بعث إليه ليأتيه ويعالجه بالمعالجة فاعتذر إليه على قرب موضعه منه ولم يمض إليه دون أن بعث إليه القاضي الفاضل وكيله ابن سناء الملك وقصده في ذلك حتى مضى إليه ووصف له ما يعتمد عليه في المداواة وعاش أبو البيان بن المدور ثلاثاً وثمانين سنة وتوفي في سنة ثمانين وخمسمائة بالقاهرة وكان من تلاميذه زين الحساب ولأبي البيان بن المدور من الكتب مجرباته في الطب‏.‏

أبو الفضائل بن الناقد

لقبه المهذب كان طبيباً مشهوراً وعالماً مذكورراً له العلم الوافر والأعمال الحسنة والمداواة الفاضلة وكان يهودياً مشتهراً بالطب والكحل إلا أن الكحل كان أغلب عليه وكان كثير المعاش عظيم الاشتيام حتى أن الطلبة والمشتغلين عليه كانوا في أكثر أوقاته يقرؤون عليه وهو راكب وقت مسيره وافتقاده للمرضى وتوفي سنة أربع وثمانين وخسمائة بالقاهرة وأسلم ولده أبو الفرج وكان طبيباً وكحالاً أيضاً وحدثني أبي قال كان قد أتى إلى أبي الفضائل بن الناقد صاحب له من اليهود ضعيف الحال وطلب منه أن يرفده بشيء فأجلسه عند داره وقال له معاشي اليوم بختك ورزقك وركب ودار على المرضى والذين يكحلهم ولما عاد أخرج عدة الكحل وفيها قراطيس كثيرة مصرورة وشرع يفتح واحدة واحدة منها فمنها ما فيها الدينار والأكثر ومنها ما فيها دراهم ناصرية وبعضها فيها دراهم سواد فاجتمع من ذلك ما يكون قيمته الجملة نحو ثلاثمائة درهم سود فأعطاها ذلك الرجل ثم قال واللَّه جميع هذه الكواغد ما أعرف الذي أعطاني الذهب أو الدراهم أو الكثير منها أو القليل بل كل من أعطاني شيئاً أجعله في عدة الكحل وهذا يدل على معاش زائد وقبول كثير ولأبي الفضائل بن الناقد من الكتب مجرباته في الطب‏.‏

الرئيس هبة اللَّه

كان إسرائيلياً فاضلاً مشهوراً بالطب جيد الأعمال حسن المعالجة وكان في آخر دولة الخلفاء المصريين وخدمهم بصناعة الطب وكانت له منهم الجامكية الوافرة والصلات المتوالية ثم انقرضت دولتهم وبقي بعدهم يعيش فيما أنعموا به عليه إلى أن توفي وكانت وفاته في سنة خمسمائة ونيف وثمانين‏.‏

الموفق بن شوعة

كان من أعيان العلماء وأفاضل الأطباء إسرائيلي مشهور بإتقان الصناعة وجودة المعرفة في علم الطب والكحل والجراح كان دمثا خفيف الروح كثير المجون وكان يشعر ويلعب بالقيثارة خدم الملك الناصر صلاح الدين بالطب لما كان بمصر وعلت منزلته عنده وكان بدمشق فقيه صوفي صحب محمد بن يحيى وسكن خانقاه السميساطي كان يعرف بالخوبشاني ويلقب بالنجم وله معرفة بنجم الدين أيوب وبأخيه أسد الدين وكان الخوبشاني ثقيل الروح قشفاً في العيش يابساً في الدين يأكل الدنيا بالناموس ولما صعد أسد الدين مصر تبعه ونزل بمسجد عند دار الوزارة يعرف اليوم بمسجد الخوبشاني وكان يثلب أهل القصر ويجعل تسبيحه سبهم وكان سلطاً ومتى رأى ذمياً راكباً قصد قتله فكانوا يتحامونه ولما كان في بعض الأيام رأى ابن شوعة وهو راكب فرماه بحجر أصاب عينه فقلعها وتوفي ابن شوعة بالقاهرة في سنة تسع وسبعين وخمسمائة‏.‏

ومن شعر الموفق بن شوعة أنشدني القاضي نفيس الدين بن الزبير قال أنشدني الموفق بن شوعة لنفسه فمن ذلك قال في النجم الخوبشاني لما قلع عينه لا تعجبوا من شعاع الشمس إذ حسرت منه العيون وهذا الشأن مشهور بل اعجبوا كيف أعمى مقلتي نظري للنجم وهو ضئيل الشخص مستور أنشدني المذكرلنفسه يهجو ابن جميع اليهودي يا أيها المدعي طباً وهندسة أوضحت يا ابن جميع واضح الزور إن كنت بالطب ذا علم فلم عجزت قواك عن طب داء فيك مستور تحتاج فيه طبيباً ذا معالجة بمبضع طوله شبران مطرور هذا ولا تشتفي منه فقل وأجب عن ذا السؤال بتمييز وتفكير ما هندسي له شكل تهيم به وليس ترغب فيه غير منشور مجسم أسطواني على أكر تألفت بين مخروط وتدوير مجسم إلا نصف زاوية فهو كمثل الحبل في البير وقال أيضاً وروضة جادها صوب الربيع فقد جادت علينا بوشي لم تحكه يد كأن أصغره الزاهي وأبيضها تبر وورق بكف الريح تنتقد وباح نشر خزاماها بما كتمت وناح قمريها شجواً بما يجد

أبو البركات بن القضاعي

لقبه الموفق وكان من جملة الأطباء المهرة والمتميزين في صناعة الطب وكان مشكوراً في علمها مشهوراً بجودة المعرفة في علمها وكان يعاني أيضاً صناعة الكحل والجراح ويعد من الأفاضل فيهما وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين في الديارالمصرية وتوفي أبو البركات بن القضاعي بالقاهرة في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة‏.‏

أبو المعالي بن تمام

هو أبو المعالي تمام بن هبة الله بن تمام يهودي غزير العلم وافر المعرفة وكان مشهوراً في الدولة موصوفاً بالفضل مشكوراً بالمعالجة وكان مقيماً بفسطاط مصر وأسلم جماعة من أولاده وكان أبو المعالي قد خدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وخدم أيضاً بعد ذلك لأخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏

ولأبي المعالي بن تمام من الكتب تعاليق ومجربات في الطب

الرئيس موسى

هو الرئيس أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي يهودي عالم بسنن اليهود ويعد من أحبارهم وفضلائهم وكان رئيساً عليهم في الديار المصرية وهو أوحد زمانه في صناعة الطب وفي أعمالها متفنن في العلوم وله معرفة جيدة بالفلسفة وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يرى له ويستطبه وكذلك ولده الملك الأفضل علي وقيل إن الرئيس موسى كان قد أسلم في المغرب وحفظ القرآن واشتغل بالفقه ثم إنه لما توجه إلى الديار المصرية وأقام بفسطاط مصر ارتد وقال القاضي السعيد بن سناء الملك يمدح الرئيس موسى أرى طب جالينوس للجسم وحده وطب أبي عمران للعقل والجسم فلو أنه طب الزمان بعلمه لأبراه من داء الجهالة بالعلم ولو كان بدر التم من يستطبه لتم له ما يدعيه من التم وداواه يوم التم من كلف به وأبرأه يوم السرار من السقم وللرئيس موسى من الكتب اختصار الكتب الستة عشر لجالينوس مقالة في البواسير وعلاجها مقالة في تدبير الصحة صنفها للملك الأفضل علي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مقالة في السموم والتحرز من الأدوية القتالة كتاب شرح العقار كتاب كبير على مذهب اليهود‏.‏

إبراهيم بن الرئيس موسى

هو أبو المنى إبراهيم بن الرئيس موسى بن ميمون منشؤه بفسطاط مصر وكان طبيباً مشهوراً عالماً بصناعة الطب جيداً في أعمالها وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب ويتردد أيضاً إلى البيمارستان الذي بالقاهرة من القصر ويعالج المرضى فيه واجتمعت به سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين وستمائة بالقاهرة وكنت حينئذ أطب في البيمارستان بها فوجدته شيخاً طويلاً نحيف الجسم حسن العشرة لطيف الكلام متميزاً في الطب وتوفي إبراهيم بن الرئيس موسى بمصر في سنة وثلاثين وستمائة

أبو البركات بن شعيا

ولقبه الموفق شيخ مشهور كثير التجارب مشكور الأعمال في صناعة الطب وكان يهودياً قراء عاش ستاً وثمانين سنة وتوفي بالقاهرة وخلف ولداً يقال له سعيد الدولة أبو الفخر وهو طبيب أيضاً ومقامه بالقاهرة‏.‏

الأسعد المحلي

هو أسعد الدين يعقوب بن إسحاق يهودي من مدينة المحلة من أعمال ديار مصر متميز في الفضائل وله اشتغال بالحكمة واطلاع على دقائقها وهو من المشهورين في صناعة الطب والخبيرين بالمداواة والعلاج وأقام بالقاهرة وسافر في أول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة إلى دمشق وأقام بهامديدة وجرت بينه وبين بعض الأفضال من الأطباء بها مباحث كثيرة ونكد ورجع بعد ذلك إلى الديار المصرية وتوفي بالقاهرة ومن نوادره في حسن المداواة أنه كان بعض أهلنا من النساء قد عرض لها مرض وتغير مزاج وتطاول بها ولم ينجع فيها علاج فلما افتقدها قال لعمي وكان صديقه عندي أقراص قد ركبتها لهذا المرض خاصة وهي تبرأ بها إن شاء اللَّه تكون تتناول في كل يوم بالغداة منها قرصاً مع شراب سكنجبين وأعطاه الأقراص فلما ناولتها برأت وللأسعد المحلي من الكتب مقالة في قوانين طبية وهي ستة أبواب كتاب المنزه في حل ما وقع من إدراك البصر في المرايا من الشبه كتاب في مزاج دمشق ووصفها وتفاوتها من مصر وأنها أصح وأعدل وفي مسائل أخر في الطب وأجوبتها وهو يحتوي على ثلاث مقالات مسائل طبية وأجوبتها سألها لبعض الأطباء بدمشق وهو صدقة بن ميخا بن صدقة السامري‏.‏

الشيخ السديد بن أبي البيان

هو سديد الدين أبو الفضل داوود بن أبي البيان سليمان بن أبي الفرج إسرائيل بن أبي الطيب سليمان بن مبارك إسرائيلي قراء مولده في سنة ست وخمسين وخمسمائة بالقاهرة وكان شيخاً محققاً للصناعة الطبية متقناً لها متميزاً في علمها وعملها خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة ولقد شاهدت منه حيث نعالج المرضى بالبيمارستان الناصري بالقاهرة من حسن تأنيه لمعرفة الأمراض وتحقيقها وذكر مداواتها والاطلاع على ما ذكره جالينوس فيها ما يعجز عن الوصف وكان أقدر أهل زمانه من الأطباء على تركيب الأدوية ومعرفة مقاديرها وأوزانها على ما ينبغي حتى إنه كان في أوقات يأتي إليه من المستوصفين من به أمراض مختلفة أو قليلة الحدوث فكان يملي صفات أدوية مركبة بحسب ما يحتاج إليه ذلك المريض من الأقراص والسفوفات والأشربة أو غير ذلك في الوقت الحاضر وهي في نهاية الجودة وحسن التأليف وكان شيخه في صناعة الطب الرئيس هبة اللَّه بن جميع اليهودي وقرأ أيضاً على أبي الفضائل بن الناقد وكان الشيخ السديد بن أبي البيان قد خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب ووجدت لبعض فيه إذا أشكل الداء في باطن أتى ابن بيان له بالبيان فإن كنت ترغب في صحة فخذ لسقامك منه الأمان وعاش فوق الثمانين سنة وكان قد ضعف بصره في آخر عمره‏.‏

وللشيخ السديد بن أبي البيان من الكتب كتاب الأقراباذين وهو اثنا عشر باباً قد أجاد في جمعه وبالغ في تأليفه واقتصر على الأدوية المركبة المستعملة المتداولة في البيمارستانات بمصر والشام والعراق وحوانيت الصيادلة وقرأته عليه وجمعته معه وتعاليق على كتاب العلل والأعراض لجالينوس‏.‏

جمال الدين بن أبي الحوافر

هو الشيخ الإمام العالم أبو عمرو عثمان بن هبة اللّه بن أحمد بن عقيل القيسي ويعرف بابن أبي الحوافر أفضل الأطباء وسيد العلماء وأوحد العصر وفريد الدهر قد أتقن الصناعة الطبية وتميز في أقسامها العلمية والعملية وله اشتغال جيد بعلم الأدب وعناية فيه وله شعر كثير صحيح المباني بديع المعاني وكان رحمه اللَّه كثير المروءة عزيز العربية معروفاً بالأفضال موصوفاً بحسن الخلال قد غمر بإحسانه الخاص والعام وشملهم بكثرة الإنعام مولده ومنشؤه بدمشق واشتغل بصناعة الطب على الإمام مهذب الدين بن النقاش وعلى الشيخ رضي الدين الرحبي وخدم بصناعة الطب الملك العزيز عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين وأقام معه في الديار المصرية وولاه رياسة الطب ولم يزل في خدمته وهو كثير الإحسان إليه والإنعام عليه إلى أن توفي الملك العزيز رحمه اللّه وكانت وفاته ليلة الأحد العشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة بالقاهرة وبقي هو مقيماً بالديار المصرية وقطن بها ثم خدم بعد ذلك الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب وبقي معه سنين وتوفي جمال الدين بن أبي الحوافر رحمه الله بالقاهرة‏.‏

وحدثني بعض أصدقائه قال كان يوماً راكباً فرأى في بعض النواحي على مصطبة بياع حمص مسلوق وهو قاعد وقدامه كحال يهودي وهو واقف وبيده المكحلة والميل هو يكحل ذلك البياع فحين رآه على تلك الحال ساق بغلته نحوه وضربه بالمقرعة على رأسه وشتمه وعندما مشى معه قال له إذا كنت أنت سفلة في نفسك أما للصناعة حرمة كنت قعدت إلى جانبه وكحلته ولا تبقى واقفاً بين يدي عامي بياع حمص فتاب أن يعود يفعل مثل ذلك الفعل وانصرف‏.‏

أقول واشتغل على الشيخ جمال الدين بن أبي الحوافر جماعة وتميزوا في صناعة الطب وأفضل من اشتغل عليه منه وكان أجل تلامذته وأعملهم عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة رحمه اللّه‏.‏

فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحوافر

كان مثل أبيه جمال الدين في العلم والفضل والنباهة نزيه النفس صائب الحدس أعلم الناس بمعرفة الأمراض وتحقيق الأسباب والأعراض حسن العلاج والمداواة لطيف التدبير والمداراة عالي الهمة كثير المروءة فصيح اللسان كثير الإحسان وخدم بصناعة الطب الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب وبعد الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد وتوفي رحمه اللَّه في أيامه بالقاهرة‏.‏

شهاب الدين بن فتح الدين

هو سيد العلماء ورئيس الأطباء علامة زمانه وأوحد أوانه قد جمع الفضائل وتميز على الأواخر والأوائل وأتقن الصناعة الطبية علماً وعملاً وحررها تفصيلاً وجملاً وهو علامة وقته في حفظ الصحة ومراعاتها وإزالة الأمراض وعلاجاتها وقد قتفى سيرة آبائه وفاق نظراءه في همته وإبائه‏.‏

ورث المكارم عن أبيه وجده كالرمح أنبوباً على أنبوب ومقامه في الديار المصرية وخدم بصناعة الطب الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملك الصالح صاحب الديار المصرية والشامية‏.‏

القاضي نفيس الدين بن الزبير

هو القاضي الحكيم نفيس الدين أبو القاسم هبة اللَّه ابن صدقة بن عبد اللّه الكولمي والكولم من بلاد الهند وهو ينسب من جهة أمه إلى ابن الزبير الشاعر المشهور الذي كان بالديار المصرية وهو القائل يا ربع أين ترى الأحبة يمموا هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا ومولد القاضي نفيس الدين في سنة خمس أو ست وخمسين وخمسمائة وقرأ صناعة الطب على ابن شوعة أولاً وقرأ بعد ذلك على الشيخ السيد رئيس الطب وتميز في صناعة الطب وحاول أعمالها وأتقن أيضاً صناعة الكحل وعلم الجراح وكثرت شهرته بصناعة الكحل وولاه الملك الكامل ابن الملك العادل رياسة الطب بالديار المصرية ويكحل في البيمارستان الناصري الذي كان من جملة القصر للخلفاء المصريين وتوفي القاضي نفيس الدين بن الزبير رحمه اللّه بالقاهرة في سنة ست وثلاثين وستمائة وله أولاد مقيمون في القاهرة وهم من المشهورين بصناعة الحكل والمتميزين في علمها وعملها‏.‏

أفضل الدين الخونجي

هو الإمام العالم الصدر الكامل سيد العلماء والحكماء أوحد زمانه وعلامة أوانه أفضل الدين أبو عبد الله محمد بن ناماوار الخونجي قد تميز في العلوم الحكمية وأتقن الأمور الشرعية قوي الاشتغال كثير التحصيل اجتمعت به في القاهرة في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فوجدته الغاية القصوى في سائر العلوم وقرأت عليه بعض الكليات من كتاب القانون للرئيس بن سينا وكان في بعض الأوقات يعرض له انشداه خاطر لكثرة أنصباب ذهنه إلى العلم وتوفر فكرته فيه وفي آخر أمره تولى القضاء بمصر وصار قاضي القضاة بها وبأعمالها وكانت وفاته رحمه اللَّه بالقاهرة يوم الأربعاء خامس شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة ودفن بالقرافة وقال الشيخ عز الدين محمد ابن حسن الغنوي الضرير الأربلي يرثيه قضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل ومات بموت الخونجي الفضائل فيها أيها الحبر الذي جاء أخرة فحل لنا ما لم تحل الأوائل ومستنبط العلم الخفي بفكرة بها اتضحت للسائلين المسائل وفاتح باب المشكلات بها لنا فلم يسم لولاه لها المتطاول وحبراً إذا قيس البحار بعلمه غدا علمه بحراً وتلك الجداول فليت المنايا عنه طاش سهامها وكانت أصيبت من سواه المقاتل أتدري بمن قد سار حامل نعشه عداه أحبوه ومن هو حامل فإن غيبوه في الثرى عن عيوننا فما علمه خاف ولا الذكر خامل وإن أفِلت شمس المعالي بموته فما علمه عن طالب العلم زائل وما كنت أدري أن للشمس في الثرى أفولاً وأن البدر في الترب نازل إلى أن رأيناه وقد حل قبره قضينا بأن البدر في اللحد حاصل ولأفضل الدين الخونجي من الكتب شرح ما قاله الرئيس بن سينا في النبض مقالة في الخدور والوروم كتاب الجمل في علم المنطق كتاب كشف الأسرار في علم المنطق كتاب الموجز في المنطق كتاب أدوار الحميات‏.‏

أبوسليمان داود بن أبي المنى بن أبي

فانة كان طبيباً نصرانياً بمصر في زمان الخلفاء وكان حظياً عندهم فاضلاً في الصناعة الطبية خبيراً بعلمها وعملها متميزاً في العلوم وكان من أهل القدس ثم انتقل إلى الديار المصرية وكانت له معرفة بالغة بأحكام النجوم‏.‏

حدثني الحكيم رشيد الدين أبو حليقة بن الفارس بن أبي سليمان المذكور قال سمعت الأمير مجد الدين أخا الفقيه عيسى وهو يحدث السلطان الملك الكامل بشر مساح عند حضوره إليه بعد وفاة الملك العادل ونزول الفرنج على ثغر دمياط من أحوال جدي أبي سليمان داود ما هذا نصه قال كان الحكيم أبو سليمان في زمان الخلفاء وكان له خمسة أولاد فلما وصل الملك مارى إلى الديار المصرية أعجبه طبه فطلبه من الخليفة بها ونقله هو وأولاده الخمسة إلى البيت المقدس ونشأ للملك مارى ولد مجذم فركب له الترياق الفاروقي بالبيت المقدس وترهب وترك ولده الأكبر وهو الحكيم المهذب أبو سعيد خليفته على منزله وإخوته‏.‏

واتفق أن ملك الفرنج المذكور بالبيت المقدس أسر الفقيه عيسى ومرض فسيره الملك لمداواته فلما وصل إليه وجده في الجب مثقلاً بالحديد فرجع إلى الملك وقال له إن هذا الرجل ذو نعمة ولو سقيته ماء الحياة وهو على هذا الحال لم ينتفع به قال الملك فما أفعل في أمره قال يطلقه الملك من الجب ويفك عنه حديده ويكرمه فما يحتاج إلى مداواة أكثر من هذا فقال الملك نخاف أن يهرب وقطيعته كثيرة قال للملك سلمه إلي وضمانه علي فقال له تسلمه وإذا جاءت قطيعته كان لك منها ألف دينار فمضى وشاله من الجب وفك حديده وأخلى له موضعاً في داره أقام فيه ستة أشهر يخدمه فيها أتم خدمة فلما جاءت قطيعته طلب الملك الحكيم أبا سعيد ليحضر له الفقيه المذكور فحضر وهو صحبته ووجد قطيعته في أكياس بين يديه فأعطاه منه الكيس الذي وعده به فلما أخذه قال له يا مولانا هذه الألف دينار قد صارت لي أتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم فقال له نعم فأعطاها للفقيه في المجلس وقال له أنا أعرف أن هذه القطيعة ما جاءت إلا وقد تركت خلفك شيئاً وربما قد تدني لك شيئاً آخر فتقبل مني هذه الألف دينار إعانة نفقة الطريق فقبلها الفقيه منه وسافر إلى الملك الناصر‏.‏

واتفق أن الحكيم أبا سليمان داود المذكور ظهر له في أحكام النجوم أن الملك الناصر يفتح البيت المقدس في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية وأنه يدخل إليها من باب الرحمة فقال لأحد أولاده الخمسة وهو الفارس أبو الخير بن أبي سليمان داود المذكور وكان هذا الولد قد تربى مع الولد المجذم ملك البيت المقدس وعلمه الفروسية فلما توج الملك فرسه وخرج المذكور من بين إخوته الأربعة الأطباء جندياً وكان قول الحكيم أبي سليمان لولده هذا بأن يمضي رسولاً عنه إلى الملك الناصر ويبشره بملك البيت المقدس في الوقت المذكور فامتثل مرسومه ومضى إلى الملك الناصر فاتفق وصوله إليه في غرة سنة ثمانين وخمسمائة والناس يهنؤونه بها وهم على فاميه فمضى إلى الفقيه المذكور ففرح به غاية الفرح ودخل به إلى الملك الناصر وأوصل إليه الرسالة عن أبيه ففرح بذلك فرحاً شديداً وأنعم عليه بجائزة سنية وأعطاه علماً أصفر ونشابة من رنكة وقال له متى يسّر اللَّه ما ذكرت اجعلوا هذا العلم الأصفر والنشابة فوق داركم فالحارة التي أنتم فيها تسلم جميعها في خفارة داركم فلما حضر الوقت صح جميع ما قاله الحكيم المذكور فدخل الفقيه عيسى إلى الدار التي كان مقيماً بها ليحفظها ولم يسلم من البيت المقدس من الأسر والقتل ووزن القطيعة سوى بيت هذا الحكيم المذكور وضاعف لأولاده ما كان لهم عند الفرنج وكتب له كتاباً إلى سائر ممالكه براً وبحراً بمسامحتهم بجميع الحقوق اللازمة للنصارى فاعفوا عنها إلى الآن وتوفي الحكيم أبو سليمان المذكور بعد أن استدعاه الملك الناصر إليه وقام له قائماً وقال له أنت شيخ مبارك قد وصل إلينا بشراك وتم جميع ما ذكرته فتمن علي فقال له أتمنى عليك حفظ أولادي فأخذ الملك الناصر أولاده واعتنى بهم وأعطاهم للملك العادل ووصاه بأن يكرمهم ويكونوا من الخواص عنده وعند أولاده وكان كذلك أقول وكان فتح السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب للقدس في سابع وعشرين رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

 

 

أبو سعيد بن أبي سليمان

هو الحكيم مهذب الدين أبو سعيد بن أبي سليمان بن أبي المنى بن أبي فانة كان فاضلاً في صناعة الطب عالماً بها متميزاً في أعمالها متقدماً في الدولة وقرأ علم الطب على أبيه وعلى غيره وكان السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب قدجعله في خدمة ولده الملك المعظم وأكرمه غاية الإكرام وأمر أن لا يدخل قلعة من قلاعه إلا راكباً مع صحة جسمه فكان يدخل في قلاعه الأربعة كذلك وهي قلعة الكرك وقعلة جعبر وقلعة الرها وقلعة دمشق وخدم أبو سعيد بن أبي سليمان الملك الناصر صلاح الدين والملك العادل أيضاً بالطب وانتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى حين وفاته وتوفي سنة ثلاث عشرة وستمائة ودفن بدير الخندق عند القاهرة‏.‏

أبو شاكر بن أبي سليمان

هو الحكيم موفق الدين أبوشاكر بن أبي سليمان داود وكان متقناً لصناعة الطب متميزاً في علمها وعملها جيد العلاج مكيناً في الدولة وقرأ صناعة الطب على أخيه أبي سعيد بن أبي سليمان وتميز بعد ذلك واشتهر ذكره وكان السلطان الملك العادل قد جعله في خدمة ولده الملك الكامل فبقي في خدمته وحظي عنده الحظوة العظيمة وتمكن عنده التمكن الكثير ونال في دولته حظاً عظيماً وكانت له منه إقطاعات ضياع وغيرها ولم يزل أبدا يفتقده بالهبات الوافرة والصلات المتواترة وكان أيضاً الملك العادل يعتمد عليه في المداواة ويصفه بحسن العلاج وكان يدخل أيضاً في جميع قلاعه وهو راكب مثل قلعة الكرك وقلعة جعبر وقلعة الرها وقلعة دمشق ثم قلعة القاهرة مع صحة جسمه ولقد بلغ من أمره عند سكن الملك الكامل بقصر القاهرة المحروسة أن أسكنه عنده فيه وكان الملك العادل ساكناً بدار الوزارة وأنه ركب ذات يوم على بغلة النوبة التي له وخرج إلى بين القصرين فركب فرساً آخر وسير بغلته التي كان راكباً عليها إلى دار الحكيم المذكور بالقصر وأمر بركوبه عليها لخروجه من القصر راكباً ولم يزل راكباً بين القصرين إلى أن وصل إليه فأخذ بيده وسايره يتحدث معه إلى دار الوزارة وسائر الوزراء يمشون بين يدي الملك الكامل وللعضد بن منقذ في أبي شاكر هذا الحكيم أبو شاكر كثير المحبين والشاكر خليفة بقراط في عصرنا وثانيه في علمه الباهر وتوفي أبو شاكر بن أبي سليمان في سنة ثلاث عشرة وستمائة ودفن بدير الخندق عند القاهرة‏.‏

أبو نصر بن أبي سليمان

كان طبيباً عارفاً بصناعة الطب حسن المعالجة جيد العلاج وتوفي بالكرك

أبو الفضل بن أبي سليمان

كان طبيباً مشكوراً في صناعة الطب عالماً بها متميزاً في المعالجة والمداواة وكان أصغر إخوته وعمر من دونهم كان مولده في سنة ستين وخمسمائة ووفاته في سنة أربع وأربعين وستمائة فمدة حياته أربع وثمانون سنة لم يبلغها أحد من إخوته وكان طبيباً للملك المعظم مقيماً بالكرك ثم خدم الملك الكامل بالديار المصرية وتوفي فيها‏.‏

رشيد الدين أبو حليقة

هو الحكيم الأجل العالم رشيد الدين أبو الوحش بن الفارس أبي الخير بن أبي سليمان داود بن أبي المنى بن أبي فانة ويعرف بأبي حليقة كان أوحد زمانه في صناعة الطب والعلوم الحكمية متفنناً في العلوم والآداب حسن المعالجة لطيف المداواة رؤوفاً بالمرضى محباً لفعل الخير مواظباً للأمور الشرعية التي هو عليها كثير العبادة ولقد اجتمعت به مرات ورأيت من حسن معالجته وعشرته وكمال مروءته ما يفوق الوصف واشتغل بصناعة الطب في أول أمره على عمه مهذب الدين أبي سعيد بدمشق واشتغل بعد ذلك بالديار المصرية وقرأ أيضاً على شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللَّه ولم يزل دائم الاشتغال ملازماً للقراءة ومولده بقلعة جعبر وذلك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وخرج منها إلى الرها وربي بها مدة سبع أو ثمان سنين وكان والده يلبسه لباس الجندية مثل لباسه وكان ساكناً بدار يقال لها دار ابن الزعفراني عند باب شاع بالرها وكانت هذه الدار ملاصقة لدار السلطان فاتفق أن الملك الكامل دخل فيها الحمام فأعطاه والده الفارس المذكور فاكهة وماء ورد وأمره بحمله إلى السلطان فحمله إليه فلما خرج من الحمام وقدمه إليه أخذه ودخل به إلى الخزانة وفرغ تلك الأطباق الفاكهة وملأها له شقاقاً سنية وسيرها مع غلامه لوالده وأخذ الملك الكامل بيده وكان عمره يومئذ نحو ثمان سنين ودخل إلى الملك العادل وعندما أبصره الملك العادل ولم يكن رآه قبلها قط قال للملك الكامل يا محمد هذا ابن الفارس لأنه أخذه بالشبه فقال نعم قال هاته إلي فحمله الملك الكامل ووضعه بين يديه فمسك بيده وتحدث معه حديثاً طويلاً ثم التفت إلى والده وقد كان قائماً في خدمته مع جملة القيام وقال له ولدك هذا ولد ذكي لا تعلمه الجندية فالأجناد عندنا كثيرون وأنتم بيت مبارك وقد استبركنا بطبكم وتسيره إلى الحكيم أبي سعيد إلى دمشق ليقرئه الطب فامتثل والده الأمر وجهزه وسيره إلى دمشق أقام فيهامدة سنة كاملة حفظ فيها كتاب الفصول لأبقراط وتقدمة المعرفة ثم وصل إلى القاهرة في سنة تسع وخمسمائة ولم يزل مقيماً بها وخدم بصناعة الطب الملك الكامل وكان كثير الاحترام له حظياً عنده وله منه الإحسان الكثير والإنعام المتصل وله خَبَزٌ بالديار المصرية وهو الذي كان مقطعاً باسم عمه موفق الدين أبي شاكر فإنه لما توفي أبو شاكر جعل الملك الكامل هذا الخبز باسم رشيد الدين المذكور وهو نصف بلد يعرف بالعزيزية والخربة من أعمال الشرقية ولم يزل ثم خدم بعده ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب إلى أن توفي الملك الصالح رحمه اللَّه وخدم أيضاً ولد الملك الصالح بعد ذلك وهو الملك المعظم ترنشاه ولما قتل رحمه اللَّه وذلك في يوم الاثنين سابع وعشرين المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وجاءت دولة الترك واستولوا على البلاد واحتووا على الممالك صار في خدمتهم وأجروه على ما كان باسمه ثم خدم منهم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملك الصالح وبقي في خدمته على عادته المستمرة وقاعدته المستقرة وله منه الاحترام التام وجزيل الإنعام والإكرام وللحكيم رشيد الدين أبي حليقة نوادر في أعمال صناعة الطب وحكايات كثيرة تميز بها على غيره من جماعة الأطباء‏.‏

ومن ذلك أنه مرضت دار من بعض الآدر السلطانية بالعباسية وكان من سيرته معه أن لا يشرك معه طبيباً في مداوته وفي مداواة من يعز عليه من دوره وأولاده فباشر مداواة المريضة المذكورة أياماً قلائل ثم حصل له شغل ضروري ألجأه إلى ترك المريضة ودخل القاهرة وأقام بها ثمانية عشر يوماً ثم خرج إلى العباسية فوجد المريضة قد تولى مداواتها الأطباء الذين في الخدمة فلما حضر وباشر معهم قالوا له هذه المريضة تموت والمصلحة أن نعلم السلطان بذلك قبل أن يفاجئه أمرها بغتة فقال لهم إن هذه المريضة عندي ما هي في مرضة الموت وإنها تعافى بمشيئة اللَّه تعالى من هذه المرضة فقال له أحدهم وهو أكبرهم سناً وكان الحكيم المذكور شاباً إنني أكبر منك وقد باشرت من المرضى أكثر منك فتوافقني على كتابة هذه الرقعة فلم يوافقه فقالت جماعة الحكماء لا بد لنا من المطالعة فقال لهم إن كان لا بد لكم من هذه المطالعة فيكون بأسمائكم من دوني فكتب إليه الأطباء بموتها فسير إلهم رسولاً ومعه نجار ليعمل لها تابوتاً تحمل فيه ولما وصل الرسول والنجار معه إلى الباب والأطباء جلوس قال له الحكيم المذكور ما هذا النجار قال يعمل تابوتاً لمريضتكم فقال له تضعونها فيه وهي في الحياة فقال الرسول لا لكن بعد موتها قال له ترجع بهذا النجار وتقول للسلطان عني خاصة إنها في هذه المرضة لا تموت فرجع وأخبره بذلك‏.‏

فلما كان الليل استدعاه السلطان بخادم وشمعة وورقة بخطه يقول فيها ولد الفارس يحضر إلينا لأنه لم يكن بعد سمي أبا حليقة وإنما سماه بذلك فيما بعد السلطان الملك الكامل فإنه كان في بعض الأيام جالساً مع الأطباء على الباب فقال السلطان للخادم في أول مرة اطلب الحكيم فقال له يا خوند أي الحكماء هو فقال له أبو حليقة فاشتهر بين الناس بهذا الاسم من ذلك اليوم إلى حيث غطى نعته ونعت عمه الذي كانوا يعرفون به ببني شاكر فلما وصل إليه قال أنت منعت عمل التابوت فقال نعم قال بأي دليل ظهر لك هذا من دون الأطباء كلهم قال له يا مولانا لمعرفتي مزاجها وبأوقات مرضها على التحرير من دونهم وليس عليها بأس في هذه المرضة فقال له امض وطبها واجعل بالك لها فطب المذكورة وعوفيت ثم أخرجها السلطان وزوجها وولدت من زوجها أولاداً كثيرين‏.‏

ومن جملة ما تم أيضاً له أنه حكم معرفة نبض الملك الكامل حتى أنه في بعض الأيام خرج إليه من خلف الستارة مع الآدر المرضى فرأى نبض الجميع ووصف لهم فلما انتهى إلى نبضه عرفه فقال هذا نبض مولانا السلطان وهو صحيح بحمد اللَّه فتعجب منه غاية العجب وزاد تمكنه عنده‏.‏

ومن حكاياته معه أنه أمره بعمل الترياق الفاروق فاشتغل بعمله مدة طويلة ساهراً عليه الليل حتى حقق كل واحد من مفرداته اسماً على مسمى بشهادة أئمة الصناعة أبقراط وجالينوس وفي غضون ذلك حصل للسلطان نزلة على أسنانه فأفصد بسببها وهو ببركة الفيل يتفرج بها فطلع إلى القلعة وتولى مداواته الأسعد الطبيب بن أبي الحسن بسبب شغل المذكور بعمل الترياق فعالجة الأسعد مدة والحال كلما مر اشتد فشكا ذلك للأسعد فقال له ما بقي قدامي إلا الفصد فقال له أفصد مرة أخرى ولي عن الفصد ثلاثة أيام اطلبوا لي أبا حليقة فحضر إليه وشكا له حاله وأعلمه أن ذلك الطبيب قد أشار عليه بالفصد واستشاره فيه أو في شرب دواء فقال يا مولانا بدنك بحمد اللَّه نقي والأمر أيسر من هذا كله فقال له السلطان إيش تقول لي أيسر وأنا في شدة عظيمة من هذا الألم لا أنام الليل ولا أقر النهار فقال له يتسوك مولانا من الترياق الذي حمله المملوك في البرنية الفضة الصغيرة وترى بإذن اللَّه العجب وخرج إلى الباب ولم يشعر إلا بورقة بخط السلطان قد خرجت إليه وهو يقول فيها يا حكيم استعملت ما ذكرت فزال جميع ما بي لوقته وكان ذلك بحضور الأسعد الطبيب الذي كان يعالجه أولاً فقال له ونحن ما نصلح لمداواة الملوك ولا يصل لمداواتهم إلا أنتم ثم دخل الملك الكامل إلى خزنته وبعث إليه منها خلعاً سنية وذهباً متوفراً‏.‏

ومن حكاياته أنه لما طال عليه عمل الترياق الفاروق لتعذر حضور أدويته الصحيحة من الآفاق عمل ترياقاً مختصراً توجد أدويته في كل مكان ونوى أنه لا يقصد به قرباً من ملك ولا طلب مال ولا جاهاً في الدنيا ولا يقصد به إلا التقرب إلى اللَّه ينفع خلقه أجمعين والشفقة على سائر العالمين وبذله للمرضى فكان يخلص به المفلجين ويقوم به الأيدي المتقوسة لوقته وساعته بحيث كان ينشئ في العصب زيادة في الحرارة الغريزية وتقوية وإذابة البلغم الذي فيه فيجد المريض الراحة به لوقته ويسكن وجع القولنج من بعد الاستفراغ لوقته وإنه مر على بواب الباب الذي بين السورين بالقاهرة المحروسة وهو رجل يعرف بعلي وهو ملقى على ظهره لا يقدر أن ينتصب من جنب إلى جنب فشكا إليه حاله فأعطاه منه شربة وطلع القلعة وباشر المرضى وعاد في الساعة الثالثة من النهار فقام المفلوج يعدو في ركابه يدعو له فقال له اقعد فقال يا مولانا قد شبعت قعوداً خليني أتملى بنفسي‏.‏

ومن حكاياته أن الملك الكامل كان عنده مؤذن يعرف بأمين الدين جعفر حصل له حصاة سدت مجرى البول وقاسى من ذلك شدة أشرف فيها على الموت فكتب إلى الملك الكامل وأعلم بحاله وطلب منه دستوراً يمشي إلى بيته يتداوى فلما حضر إلى بيته أحضر أطباء العصر فوصف كل منهم له ما وصف فلم ينجع فاستدعى الحكيم أبا حليقة المذكور فأعطاه شربة من ذلك الترياق فبمقدار ما وصلت إلى معدته نفذت قوتها إلى موضع الحصاة ففتتتها وخرجت من الإراقة وهي مصبوغة بالدواء‏.‏

وخلص لوقته وخرج لخدمة سلطانه وأذن أذان الظهر وكان السلطان يومئذ مخيماً على جيزة القاهرة فلما سمع صوته أمر بإحضاره إليه فلما حضر قال له ما ورقتك بالأمس وصلتنا وأنت تقول إنك كنت على الموت فأخبرني أمرك فقال يا مولانا الأمر كان كذلك لولا لحقني مملوك مولانا الحكيم أبو حليقة فأعطاني ترياقاً خلصت به للوقت والحال واتفق أن في ذلك اليوم جلس إنسان ليريق ماء فنهشته أفعى في ذكره فقتلته فلما سمع السلطان بخبره رق عليه لأنه كان رؤوفاً بالخلق ثم دخل إلى قلعة القاهرة بات بها وأصبح من باكر والحكيم المذكور قاعد في الخدمة عند زمام الدار على الباب والسلطان قد خرج فوقف واستدعاه إليه وقال له يا حكيم أيش هذا الترياق الذي عملته واشتهر نفعه للناس هذه الشهرة العظيمة ولم تعلمني به قط فقال يا مولانا المملوك لا يعمل شيئاً إلا لمولانا وما سبب تأخير إعلامه إلا ليجربه المملوك لأنه هو الذي أنشأه فإذا صحت له تجربته ذكره لمولانا على ثقة منه وإذ قد صح هذا لمولانا فقد حصل المقصود فقال له تمضي وتحضر لي كلما عندك منه وترك خادماً قاعداً على الباب في انتظاره ورجع إلى داره كأنه لم يطلع القلعة في تلك الليلة ولا خرج من الدار في تلك الساعة إلا لهذا المهم خاصة فمضى الحكيم المذكور إلى داره فوجد عنده من ذلك الترياق شيئاً يسيراً لأن الخلق كانت تفنيه مما تطلبه منه فمضى إلى أصدقائه الذين كان أهدى لهم منه شيئاً وجمع منه مقدار أحد عشر درهماً ووعدهم بأنه يعطيهم عوضاً عنه أضعافه فجعله في برنية فضة صغيرة وكتب عليه منافعه ومقدار الشربة منه وحملها إلى الخادم المذكور القاعد في انتظاره فحملها إلى السلطان ولم يزل حافظاً لها فلما آلمته أسنانه دلكه عليها فحصل له منه من الراحة ما ذكر‏.‏

ومن حكاياته معه أنه كان قد عرض لبعض جهاته مرض عجز عن مداواته فسيرت تلك الجهة تقول له أنا أعرف أن السلطان لو عرف أن في الديار المصرية طبيباً خيراً منك لما سلم نفسه وأولاده اإليك من دون كافة الأطباء فأنت ماتؤتى في مداواتي من قلة معرفة بل من التهاون بأمري بدليل أنك تمرض فتداوي نفسك في أيام يسيرة وكذلك يمرض أحد أولادك فتداويه في أيام يسيرة أيضاً وكذلك بقية الجهات التي عندنا ما منهم إلا من تداويه وتنجع مداواتك بأيسر سعي فقال لها ما كل الأمراض تقبل المداواة ولو قبلت الأمراض كلها المداواة لما مات أحد فلم تسمع ذلك منه وقالت أناأعرف أن ما بقي في الديار المصرية طبيب وأنا أشير إلى السلطان يستخدم لي أطباء من دمشق فاستخدم لها طبيبين نصرانيين فلما حضرا لمداواتها من دمشق اتفق سفر السلطان إلى دمياط فاستؤذن من يمضي معه من الأطباء ومن يترك فقال الأطباء كلهم يبقون في خدمة تلك الجهة والحكيم فلان وحده يكون معي فأما أولئك الأطباء فإنهم عالجوها بل ما يقدرون عليه وتعبوا في مداواتها فلم ينجع فانبسط في ذلك عذر المذكور وأورد ما ذكر أبقراط في تقدمة المعرفة‏.‏

ثم إنه لما سافر مع السلطان بقي في خدمته مدة شهر لم يتفق له أن يستدعيه وبعد ذلك بدمياط استدعاه ليلاً فحضر بين يديه فوجده محموماً ووجد به أعراضاً مختلفة يباين بعضها بعضاً فركب له مشروباً يوافق تلك الأعراض المختلفة وحمله إليه في السحر فلم تغب الشمس إلا وقد زال جميع ما كان يشكوه فحسن ذلك عنده جداً ولم يزل ملازماً لاستعمال ذلك التدبير إلى أن وصل إلى الاسكندرية واتفق أول يوم من صيام شهر رمضان أن الحكيم المذكور مرض بها فحضر إليه الأطباء الذين في الخدمة واستشاروه فيما يحملون إلى السلطان يفطرعليه فقال لهم عنده مشروب قد جربه وهو يثني عليه ويطلبه دائما فما دام لا يشكو لكم شيئاً متجدداً يمنع من استعماله فاحملوه إليه وإن تجدد لكم شيء فاستعلموا ما تقتضيه المصلحة الحاضرة فمضوا ولم يقبلوامنه قصداً منهم أن يجددوا تدبيراً من جهتهم فلما جددوا ذلك التدبير تغير عليه مزاجه فاستدعاهم واستدعى نسخة الحكيم المذكور وأخذ يحاققهم عليها فكان من جملة ما فيها بزر هندبا وقد حذفوه فقال لهم لماذا حذفتم هذا البزر وهو مقو للكبد منق للعروق قاطع للعطش فقال أحد الأطباء الذين حضروا واللَّه ما للمماليك في حذفه ذنب إلا أن الأسعد بن أبي الحسن نقل في بزر الهندبا نقلاً شاذاً بأنه يضر بالطحال المملوك واللَّه ما يعرفه وزعم أن بمولانا طحالاً فوافقه المماليك على ذلك فقال واللَّه يكذب أنا ما بي وجع طحال وأمر بإعادة بزر الهندبا إلى مكانه ثم حاققهم على منفعة دواء من مفردات ذلك المشروب التي حذفوها إلى أن أعادوها وأعاد استعماله دائماً ولم يزل منتفعاً به شاكراً له‏.‏

ومن حكاياته أنه طلب منه يوماً أن يركب له صلصاً يأكل به اليخني في الأسفار واقترح عليه أن يكون مقوياً للمعدن منبهاً للشهوة وهو مع ذلك ملين للطبخ فركب له صلصاً هذه صفته يؤخذ من المقدونس جزء ومن الريحان الترنجاني وقلوب الأترج الغضة المحلاة بالماء والملح أياماًثم بالماء الحلو أخيراً من كل واحد نصف جزء يدق في جرن الفقاعي كل منهم بمفرده حتى يصير مثل المرهم ثم يخلط الجميع في الجرن المذكور ويعصر عليه الليمون الأخضر المنتقى ويذر عليه من الملح الأندراني مقدار ما يطيبه ثم يرفع في مسللات صغار تسع كل واحدة منها مقدار ما يقدم على المائدة لأنها إذا نقصت تكرجت وتختم تلك الأواني بالزيت الطيب وترفع فلما استعمله السلطان حصلت له منه المقاصد المطلوبة وأثنى عليه ثناء كثيراً وكان مسافراً إلى بلاد الروم فقال للحكيم المذكور هذا الصلص يدوم مدة طويلة فقال له لا فقال ما يقيم شهراً فقال له نعم إذا عمل على هذه الصورة التي ذكرتها فقال تعمل لي منه راتباً في كل شهر ما يكفيني في مدة ذلك الشهر وتسيره لي في رأس كل هلال فلم يزل الحكيم المذكور يجدد ذلك الصلص في كل شهر ويسيره له إلى دربندات الروم وهو يلازم استعماله في الطريق ويثني عليه ثناء كثيراً‏.‏

ومن نوادره أنه جاءت إليه امرأة من الريف ومعها ولدها وهو شاب قد غلب عليه النحول والمرض فشكت إليه حال ولدها وأنها قد أعيت فيه من المداواة وهو لا يزداد إلا سقاماً ونحولاً وكانت قد جاءت إليه بالغداة قبل ركوبه وكان الوقت بارداً فنظر إليه واستقرأ حاله وجس نبضه فبينما هو يجس نبضه قال لغلامه ادخل ناولني الفرجية حتى أجعلها علي فتغير نبض ذلك الشاب عند قوله تغيراً كبيراً واختلف وزنه وتغير لونه أيضاً فحدس أن يكون عاشقاً ثم جس نبضه بعد ذلك فتساكن وعندما خرج الغلام إليه وقال له هذه الفرجية جس نبضه فوجده أيضاً قد تغير فقال لوالدته إن ابنك هذا عاشق والتي يهواها اسمها فرجية فقالت أي واللَّه يا مولاي هو يحب واحدة اسمها فرجية وقد عجزت مما أعذله فيها وتعجبت من قوله لها غاية التعجب ومن اطلاعه على اسم المرأة من غير معرفة متقدمة له لذلك أقول ومثل هذه الحاية كانت قد عرضت لجالينوس لما عرف المرأة العاشقة وذلك أنه كان قد استدعي إلى امرأة جليلة القدر وكان المرض قد طال بها وحدس أنها عاشقة فتردد إليها ولما كان يوماً وهو يجس نبضها وكانت الأجناد قد ركبوا في الميدان وهم يلعبون فحكى بعض الحاضرين ما كانوا فيه وأن فلاناً تبينت له فروسية ولعب جيد وعندما سمعت باسم ذلك الرجل تغير نبضها واختلف جسه بعد ذلك فوجده قد تساكن إلى أن عاد إلى حاله الأول ثم إن جالينوس أشار لذلك الحاكي سراً أن يعيد قوله فلما أعاده وجس نبضها وجده أيضاً قد تغير فتحقق من حالها أنها تعشق ذلك الرجل وهذا يدل على وفور العلم وحسن النظر في تقدمة المعرفة أقول وجماعة أهل الحكيم رشيد الدين أبي حليقة أكثر شهرتهم في الديارالمصرية والشام ببني شاكر لشهرة الحكيم أبي شاكر وسمعته الذائعة فصار كل من له نسب إليه يعرفون ببني شاكر وإن لم يكونوا من أولاده ولما اجتمعت بالحكيم رشيد الدين أبي حليقة وكان قد بلغه أنني ذكرت الأطباد المشهورين من أهله ووصفت فضلهم وعلمهم فتشكر مني وتفضل فأنشدته بديهاَ وكيف لا أشكر من فضلهم قد صار في المشرق والمغرب تشرق منهم في سماء العلا نجوم سعد قط لم تغرب قوم ترى أقدارهم في الورى بالعلم تسمو رتبة الكواكب كم صنفوا في الطب كتباً أتت بكل معنى مبدع مغرب وإن شكري في بني شاكر ما زال في الأبعد والأقرب خلدت مجداً دائماً فيهم بحسن وصف وثنا طيب وأما سبب الحلقة التي وضعت في أذن الرشيد واشتهر بها اسمه فإن والده لم يعش له ولد ذكر غيره فوصف له ووالدته حامل به أن يهيئ له حلقة فضة قد تصدق بفضتها وفي الساعة التي يخرج فيها إلى العالم يكون صائغ مجهزاً يثقب أذنه ويضع الحلقة فيها ففعل ذلك وأعطاه اللَّه الحياة فعاهدته والدته أن لا يقلعها فبقيت ثم تزوج هو وجاءه أولاد ذكور عدة ويموتون كما جرى الحال في أمره فتنبه إلى عمل الحلقة المذكورة فعملها لولده الكبير المعروف بمهذب الدين أبي ومن شعر الحكيم رشيد الدين أبي حليقة وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال بحضرة سيف الإسلام سمع الحبيب بوصله في ليلة غفل الرقيب ونام عن جنباتها في روضة لولا الزوال لشابهت جنات عدن في جميع صفاتها فالطير يطرب في الغصون بصوته والراح تجلى في كؤوس سقاتها ومجالس القمر المنير تنزهت فيه الحواس باسمها وكناتها وقال أيضاً أحن إلى ذكر التواصل يا سعد حنين النياق العيس عَنَّ لها الورد فسعدي على قلبي ألذ من المنى وقربي لها عند اللقاء هو القصد حوت مبسماً كالدر أضحى منظماً وثغراً كمثل الأقحوان به شهد وفرعاً كمثل الليل أو حظ عاشق ووجهاً كضوء الصبح هذا لذا ضد أقول لها عند الوداع وبيننا حديث كنشر المسك خالطه ند ترى نلتقي بعد الفراق بمنزل ويظفر مشتاق أضر به البعد عشقت سيوف الهند من أجل أنها تشابهها في فعل ألحاظها الهند ولي في الرماح السمر سمر لأنها تشابهها قداً فيا حبذا القد وفي الورد معنى شاهد فوق خدها نشاهده فيها إذا عدم الورد وبي من هواها ما جحدت وعبرت به عبرتي يوماً وما نفع الجحد وقال أيضاً خليلي إني قد بقيت مسهداً من الحب مأسور الفؤاد مقيدا بحب فتاة يخجل البدر وجهها ولا سيما في ليل شعر إذا بدا ضللت بها وهي الهلال ملاحة فوا عجباً منه أضل وما هدى لها مبسم كالدر أضحى منظماً ونطق كمثل الدر أمس مبددا وقال أيضاً لما كان بدمياط ومرض والده في القاهرة فجاءه كتابه بعافيته مطرت على سحائب النعماء مذ زال ما تشكو من البلواء ولبست مذ أبصرت خطك نعمة فيها أقوم لشكرها بوفاء ولرشيد الدين أبي حليقة من الكتب مقالة في حفظ الصحة مقالة في أن الملاذ الروحانية ألذ خاصة وإن زادت أوقعت في آلام أخر كتاب في الأدوية المفردة سماه المختار في الألف عقار كتاب في الأمراض وأسبابها وعلاماتها ومداواتها بالأدوية المفردة والمركبة التي قد أظهرت التجربة نجحها ولم يداو بها مرضاً يؤدي إلى السلامة إلا ونجحت التقطها من الكتب المصنفة في صناعة الطب من آدم وإلى وقتنا هذا ونظم متشتتها ومتفرقها مقالة في ضرورة الموت ولما ذكر من التحليل في هذه المقالة أن الإنسان لم يزل يتحلل من بدنه بالحرارة التي في داخله وبحرارة الهواء الذي من خارجه كانت نهايته إلى الفناء بهذين السببين وتمثل بعد ذكرهما بهذا البيت واحدهما قاتلي فكيف إذا استجمعا وهذا البيت فيما يكون موقعه بأولى مما هو في هذا الموضع فإنه قد جاء موافقاً لما أورده ومطابقاً للمعنى المقصود إليه‏.‏

مهذب الدين أبوسعيد محمد أبي حليقة أوحد العلماء وأكمل الحكماء مولده في القاهرة سنة عشرين وستمائة وسمي محمداً لما أسلم في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملكي الصالحي وهو فقد منحه اللَّه من العقل أكمله ومن الأدب أفضله ومن الذكاء أغزره ومن العلم أكثره قد أتقن الصناعة الطبية وعرف العلوم الحكمية فلا أحد يدانيه فيمايعانيه ولا يصل إلى الخلائق الجميلة التي اجتمعت فيه لطيف الكلام جزيل الإنعام إحسانه إلى الصديق والنسيب والبعيد والقريب وصلني كتابه وهو في المعسكر المنصور الظاهري في شهر شوال سنة سبع وستين وستمائة وهو يعرب عن فضل باهر وعلم وافر وفطنة أصمعية وشنشنة أخزمية وتودد عظيم وإحسان جسيم ويقول فيه إنه وجد بمصر نسخة من هذا الكتاب الذي ألفته في طبقات الأطباء وقد اقتناها وصارت في جملة كتبه التي حواها وبالغ في الوصف الذي يدل على كرم أخلاقه وطيب أعراقه وكان في أول كتابه الواصل إلي وإني أمرؤ أجبتكم لمحاسن سمعت بها والأذن كالعين تعشق فقلت على الوزن والروي وكتبت إليه الجواب أتاني كتاب وهو بالنقش مونق وفيه المعاني وهي كالشمس تشرق كتاب كريم أريحي ممجد صبيح المحيا نوره يتألق هو السيد المولى المهذب والذي به قد زها في العلم غرب ومشرق حكيم حوى كل العلوم بأسرها وما عنه باب للمكارم يغلق كريم لأنواع المحامد جامع ولكنه للمال جوداً مفرق حوى قصبات السبق في طلب العلا ومن رام تشبيهاً به ليس يلحق إذا قال بذ القائلين بلاغة ويصمت قس عنده حين ينطق ولو أن جالينوس كان لوقته لقال بهذا في التطبب يوثق فما أحد يحكيه في حفظ صحة ولا مثله في الجسم للداء يحدق إذا قلت مدحاً في معالي محمد فكل امرئ فيما أقول يصدق ولو رمت أحصي ما حواه من العلا عجزت ولو أني البليغ الفرزدق ولا غرو في ابني حليقة أنني بصدق الولا في قبضة الرق موثق لوالدهم عندي أياد قديمة فشكري لهم طول الزمان محقق وكل ففي العلياء سام وسيما لمن قال لي إذ جد فيه التشوق وإني امرؤ أحببتكم لمحاسن سمعت بها والأذن كالعين تعشق فلا برحوا في نعمة وسلامة مؤبدة ما دامت الدوح تورق ولم يزل مهذب الدين أبو سعيد محمد ملازماً للاشتغال محمود السيرة في الأقوال والأفعال وقرأعلى أبيه الصناعة الطبية وحرر أقسامها الكلية والجزئية وحصل معانيها العلمية والعملية وخدم السلطان الملك الظاهر بيبرس الملكي الصالح بصناعة الطب وله منه غاية الاحترام وأوفر الإنعام والمنزلة الجميلة والعطايا الجزيلة ولمهذب الدين المذكور أخوان أحدهما موفق الدين أبو الخير متميز في صناعة الكحل غزير العلم والفضل وكان قد صنف للملك الصالح نجم الدين كتاباً في الكحل من قبل أن يصير له من العمر عشرون سنة والأخ الآخر علم الدين أبو نصر وهو الأصغر مفرط الذكاء معدود من جملة العلماء متميز في صناعة الطب وافر العلم واللب‏.‏

ولمهذب الدين محمد بن أبي حليقة من الكتب كتاب في الطب‏.‏

رشيد الدين أبو سعيد هو الحكيم الأجل العالم أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب من نصارى القدس وكان متميزاً في صناعة الطب خبيراً بعلمها وعملها حاد الذهن بليغ اللسان حسن اللفظ واشتغل في العربية على شيخنا تقي الدين خزعل بن عسكر بن خليل وكان هذا الشيخ في علم النحو أوحد زمانه ثم اشتغل الحكيم رشيد الدين أبو سعيد بعد ذلك بعلم الطب على عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة لما كان في خدمة السلطان الملك المعظم وقرأ عليه ولم يكن في تلامذته مثله فإنه لازمه حق الملازمة وكان لا يفارقه في سفره وحضره وأقام عنده بدمشق وهو دائم الاشتغال عليه إلى أن أتقن حفظ جميع ما ينبغي أن يحفظ من الكتب التي هي مبادي لصناعة الطب ثم قرأ عليه كثيراً من كتب جالينوس وغيرها وفهم ذلك فهماً لا مزيد عليه واشتغل أيضاً على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي ولما كان في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة قرت له جامكية في خدمة الملك الكامل وبقي في خدمته زماناً بالقاهرة ثم خدم بعد ذلك الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل وبقي في خدمته نحو تسع سنين‏.‏

وكان قد عرض للملك الصالح نجم الدين وهو بدمشق أكلة في فخذه وكان يعالجه الحكيم رشيد الدين أبو حليقة ولما طال الأمر بالملك الصالح استحضر أبا سعيد وشكا حاله إليه وكان بين الحكيم رشيد الدين أبي حليقة وبين رشيد الدين أبي سعيد منافسة ومناقشة وتكلم أبو سعيد في أن معالجة أبي حليقة لم تكن على الصواب فنظر الملك الصالح إلى أبي حليقة نظر غضب فقام من بين يديه وقعد على باب دار السلطان وبقي أبو سعيد فيما هو فيه من المناواة في المداواة ثم في أثناء ذلك المجلس بعينه قدام السلطان عرض لأبي سعيد فالج وبقي ملقى قدامه فأمر السلطان بحمله إلى داره وبقي أربعة أيام بحاله تلك ومات وكانت وفاته بدمشق في العشر الأخير من شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة ثم إن الملك الصالح توجه إلى الديار المصرية وقوي مرضه ولم يزل به إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاته في يوم الاثنين خامس عشر شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة بعد أن كان عظيم الشأن قوي السلطان ولما أتاه الممات وحل به هادم اللذات ذهب كأنه لم يكن وكذلك يفعل بأهله الزمان كما قلت احذر زمانك ما استطعت فإنه دهر يجور على الكرام وإن عدل قد كان نجم الدين أيوب الذي ملك البرية واستطال على الدول في صحة بسعوده حتى عثا في جسمه داء فأعيته الحيل وصفت له الدنيا وظن بأنها تبقى له أبداً ففاجأه الأجل وعلى الحقيقة أنه نجم علا وكذا النجوم وبعد ذلك قد أفل ولرشيد الدين أبي سعيد من الكتب عيون الطب صنفه للملك الصالح نجم الدين أيوب وهو من أجل كتاب صنف في صناعة الطب ويحتوي على علاجات مخلصة مختارة تعاليق على كتاب الحاوي لأبي بكر الرازي في الطب‏.‏

أسعد الدين بن أبي الحسن

هو الحكيم الأوحد العالم أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن علي من أفاضل العلماء وأعيان الفضلاء حاد الذهن كثير الاعتناء بالعلم قد أتقن الصناعة الطبية وحصل العلوم الحكمية وكان أيضاً عالماً بأمور الشرع مسموع القول وكان قد اشتغل بصناعة الطب على أبي زكريا يحيى البياسي في ديار مصر وخدم الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل وأقام معه باليمن مدة وله منه الاحترام الكثير والإحسان الغزير وكان قرر له منه في كل شهر مائة دينار مصرية ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المسعود رحمه اللّه ثم أطلق له الملك الكامل إقطاعات يستغلها في كل سنة بالديار المصرية ورسم بانتظامه في سلك الخدمة وكان مولد أسعد الدين بالديار المصرية في سنة سبعين وخمسمائة وكان أبوه طبيباً أيضاً بديار مصر واشتغل الشيخ أسعد الدين بعلم الأدب والشعر وله شعر جيد وأول اجتماعي به كان بدمشق في مستهل رجب سنة ثلاثين وستمائة فوجدته شيخاً حسن الصورة مليح الشيبة تام القامة أسمر اللون حلو الكلام غزير المروءة واجتمعت به أيضاً بعد ذلك بمصر وأحسن إلي واشتمل علي وكان صديقاً لأبي من السنين الكثيرة وكانت وفاة الأسعد المذكور بالقاهرة سنة خمس وثلاثين وستمائة‏.‏

ولأسعد الدين بن أبي الحسن من الكتب كتاب نوادر الألباء في امتحان الأطباء صنفه للملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب‏.‏

هو الحكيم الأجل العالم أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد المالقي النباتي ويعرف بابن البيطار أوحد زمانه وعلامة وقته في معرفة النبات وتحقيقه واختياره ومواضع نباته ونعت أسمائه على اختلافها وتنوعها سافر إلى بلاد الأغارقة وأقصى بلاد الروم ولقي جماعة يعانون هذا الفن وأخذ عنهم معرفة نبات كثير وعاينه في مواضعه واجتمع أيضاً في المغرب وغيره بكثير من الفضلاء في علم النبات وعاين منابته وتحقق ماهيته وأتقن دراية كتاب ديقوريدس إتقانا بلغ فيه إلى أن لا يكاد يوجد من يجاريه فيما هو فيه وذلك أنني وجدت عنده من الذكاء والفطنة والدراية في النبات وفي نقل ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس فيه ما يتعجب منه وأول اجتماعي به كان بدمشق في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ورأيت أيضاً من حسن عشرته وكمال مروءته وطيب أعراقه وجودة أخلاقه ودرايته وكرم نفسه ما يفوق الوصف ويتعجب منه‏.‏

ولكن شاهدت معه في ظاهر دمشق كثيراً من النبات في مواضعه وقرأت عليه أيضاً تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئاً كثيراً جداً وكنت أحضر لدينا عدة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدس وجالينوس والغافقي وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد صححه في بلاد الروم ثم يذكر جمل ما قاله ديسقوريدس من نعته وصفته وأفعاله ويذكر أيضاً ما قاله جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما يتعلق بذلك ويذكر أيضاً جملاً من أقوال المتأخرين وما اختلفوا فيه ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته فكنت أراجع تلك الكتب معه ولا أجده يغادر شيئاً مما فيها وأعجب من ذلك أيضاًأنه كان ما يذكر دواء إلا ويعين في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدس وجالينوس وفي أي عدد هو من جملة الأدوية المذكورة في تلك المقالة وكان في خدمة الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب وكان يعتمد عليه في الأدوية المفردة والحشائش وجعله في الديار المصرية رئيساً على سائر العشابين وأصحاب البسطات ولم يزل في خدمته إلى أن توفى الملك الكامل رحمه اللَّه بدمشق وبعد ذلك توجه إلى القاهرة فخدم الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل وكان حظياً عنده متقدماً في أيامه وكانت وفاة ضياء الدين العشاب رحمه اللَّه بدمشق في شهر شعبان سنة ست وأربعين وستمائة فجأة‏.‏

ولضياء الدين بن البيطار من الكتب كتاب الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام شرح أدوية كتاب ديسقوريدس كتاب الجامع في الأدوية المفردة وقد استقصى في ذكر الأدوية المفردة وأسمائها وتحريرها وقواها ومنافعها وبين الصحيح منها وما وقع الاشتباه فيه ولم يوجد في الأدوية المفردة كتاب أجل ولا أجود منه وصنفه للملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل كتاب المغني في الأدوية المفردة وهو مرتب بحسب مداواة الأعضاء الآلمة كتاب الأفعال الغريبة والخواص العجيبة‏.‏

 

 

الباب الخامس عشر طبقات الأطباء المشهُورين منْ أطباء الشَام

أبو نصر الفارابي

هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان مدينته فاراب وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان وكان أبوه قائد جيش وهو فارسي المنتسب وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى الشام وأقام بها إلى حين وفاته وكان رحمه الله فيلسوفاً كاملاً وإماماً فاضلاً قد أتقن العلوم الحكمية وبرع في العلوم الرياضية زكي النفس قوي الذكاء متجنباً عن الدنيا مقتنعاً منها بما يقوم بأوده يسير سيرة الفلاسفة المتقدمين وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها ولم يباشر أعمالها ولا حاول جزئياتها‏.‏

وحدثني سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي الآمدي أن الفارابي كان في أول أمره ناطوراً في بستان بدمشق وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها وكان ضعيف الحال حتى إنه كان في الليل يسهر للمطالعة والتصنيف ويستضيء بالقنديل الذي للحارس وبقي كذلك مدة ثم إنه عظم شأنه وظهر فضله واشتهرت تصانيفه وكثرت تلاميذه وصار أوحد زمانه وعلامة وقته واجتمع به الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد اللَّه بن حمدان التغلبي وأكرمه إكراماً كثيراً وعظمت منزلته عنده وكان له مؤثراً ونقلت من خط بعض المشايخ أن أبا نصر الفارابي سافر إلى مصر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ورجع إلى دمشق وتوفي بها في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافةالراضي صلى عليه سيف الدولة في خمسة عشر رجلاً من خاصته ويذكر أنه لم يكن يتناول من سيف الدولة من جملة ما ينعم به عليه سوى أربعة دراهم فضة في اليوم يخرجها فيما يحتاجه من ضروري عيشه ولم يكن معتنياً بهيئة ولا منزل ولا مكسب ويذكر أنه كان يتغذى بماء قلوب الحملان مع الخمر الريحاني فقط ويذكر أنه كان في أول أمره قاضياً فلما شعر بالمعارف نبذ ذلك وأقبل بكليته على تعلمها ولم يسكن إلى نحو من أمور الدنيا البتة ويذكر أنه كان يخرج إلى الحراس بالليل من منزله يستضيء بمصابيحهم فيما يقرؤه وكان في علم صناعة الموسيقا وعملها قد وصل إلى غاياتها وأتقنها إتقاناً لا مزيد عليه ويذكر أنه صنع آلة غريبة يستمع منها ألحاناً بديعة يحرك بها الانفعالات ويذكر أن سبب قراءته الحكمة أن رجلاً أودع عنده جملة من كتب أرسطوطاليس فاتفق أن نظر فيها فوافقت منه قبولاً وتحرك إلى ونقلت من كلام لأبي نصر الفارابي في معنى اسم الفلسفة قال اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو على مذهب لسانهم فيلسوفاً ومعناه إيثار الحكمة وهو في لسانهم مركب من فيلا ومن سوفيا ففيلا الإيثار وسوفيا الحكمة والفيلسوف مشتق من الفلسفة وهو على مذهب لسانهم فيلسوفوس فإن هذا التغيير هو تغيير كثير من الاشتقاقات عندهم ومعناه المؤثر للحكمة والمؤثر للحكمة عندهم هو الذي يجعل الوكد من حياته وغرضه من عمره الحكمة وحكى أبو نصر الفارابي في ظهور الفلسفة ما هذا نصه قال إن أمر الفلسفة اشتهر في أيام ملوك اليونانيين وبعد وفاة أرسطوطاليس بالإسكندرية إلى آخر أيام المرأة وأنه لما توفي بقي التعليم بحاله فيها إلى أن ملك ثلاثة عشر ملكاً وتوالى في مدة ملكهم من معلمي الفلسفة اثنا عشر معلماً أحدهم المعروف بأندرونيقوس وكان آخر هؤلاء الملوك المرأة فغلبها أوغسطس الملك من أهل رومية وقتلها واستحوذ على الملك فلما استقر له نظر في خزائن الكتب وصنعها فوجد فيها نسخاً لكتب أرسطوطاليس قد نسخت في أيامه وأيام ثاوفرسطس ووجد المعلمين والفلاسفة قد عملوا كتباً في المعاني التي عمل فيها أرسطو فأمر أن تنسخ تلك الكتب التي كانت نسخت في أيام أرسطو وتلاميذه وأن يكون التعليم منها وأن ينصرف عن الباقي وحكم أندرونيقوس في تدبير ذلك وأمره أن ينسخ نسخاً يحملها معه إلى رومية ونسخاً يبقيها في موضع التعليم بالإسكندرية وأمره أن يستخلف معلماً يقوم مقامه بالإسكندرية ويسير معه إلى رومية فصار التعليم في موضعين وجرى الأمر على ذلك إلى أن جاءت النصرانية فبطل التعليم من رومية وبقي بالإسكندرية إلى أن نظر ملك النصرانية في ذلك واجتمعت الأساقفة وتشاوروا فيما يترك من هذا التعليم وما يبطل فرأوا أن يعلم من كتب المنطق إلى آخر الأشكال الوجودية ولا يعلم مابعده لأنهم رأوا أن في ذلك ضرراً على النصرانية وإن فيما أطلقوا تعليمه ما يستعان به على نصرة دينهم فبقي الظاهر من التعليم هذا المقدار وما ينظر فيه من الباقي مستوراً إلى أن كان الإسلام بعده بمدة طويلة فانتقل التعليم من الإسكندرية إلى أنطاكية وبقي بها زمناً طويلاً إلى أن بقي معلم واحد فتعلم منه رجلان وخرجا ومعهما الكتب فكان أحدهما من أهل حران والآخر من أهل مرو فأما الذي من أهل مرو فتعلم منه رجلان أحدهما إبراهيم المروزي والآخر يوحنا ابن حيلان وتعلم من الحراني إسرائيل الأسقف وقويري وسار إلى بغداد فتشاغل إبراهيم بالدين وأخذ قويري في التعليم وأما يوحنا بن حيلان فإنه تشاغل أيضاً بدينه وانحدر إبراهيم المروزي إلى بغداد فأقام بها وتعلم من المروزي متى بن يونان وكان الذي يتعلم في ذلك الوقت إلى آخر الأشكال الوجودية وقال أبو نصر الفارابي عن نفسه أنه تعلم من يوحنا بن حيلان إلى آخر كتاب البرهان وكان يسمى ما بعد الأشكال الوجودية الجزء الذي لا يقرأ إلى أن قرئ ذلك وصار الرسم بعد ذلك حيث صار الأمر إلى معلمي المسلمين أن يقرأ من الأشكال الوجودية إلى حيث قدر الإنسان أن يقرأ فقال أبو نصر إنه قرأ إلى آخر كتاب البرهان‏.‏

وحدثني عمي رشيد الدين أبو الحسن علي بن خليفة رحمه اللَّه إن الفارابي توفي عند سيف الدولة بن حمدان في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وكان أخذ الصناعة من يوحنا بن حيلان ببغداد في أيام المقتدر وكان في زمانه أبو المبشر متى بن ويونان وكان أسن من أبي نصر وأبو نصر أحد ذهنا وأعذب كلاماً وتعلم أبو المبشر متى من إبراهيم المروزي وتوفي أبو المبشر في خلافة الراضي فيما بين سنة ثلاث وعشرين إلى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكان يوحنا بن حيلان وإبراهيم المروزي قد تعلما جميعاً من رجل من أهل مرو‏.‏

وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني في تعاليقه أن يحىى ابن عدي أخبره أن متى قرأ إيساغوجي على إنسان نصراني وقرأ قاطغورياس بأرمينياس على إنسان يسمى روبيل وقرأ كتاب القياس على أبي يحيى المروزي وقال القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم إن الفارابي أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن حيلان المتوفي بمدينة السلام في أيام المقتدر فبذ جميع أهل الإسلام فيها وأربى عليهم في التحقق بها فشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس وأفاد وجوه الانتفاع بها وعرف طرق استعمالها وكيف تصرف صورة القياس في كل مادة منها فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة ثم له بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه فيه لا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه وله كتاب في أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطوطاليس يشهد له بالبراعة في صناعة الفلسفة والتحقق بفنون الحكمة وهو أكبر عون على تعلم طريق النظر وتعرف وجه الطلب اطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علماً علماً وبين كيف التدرج من بعضها إلى بعض شيئاً شيئاً ثم بدأ بفلسفة أفلاطون فعرف بغرضه منها وسمى تآليفه فيها ثم أتبع ذلك بفلسفة أرسطوطاليس فقدم له مقدمة جليلة عرف فيها بتدرجه إلى الفلسفة ثم بدأ بوصف أغراضه في تآليفه المنطقية والطبيعية كتاباً كتاباً حتى انتهى به القول في النسخة الواصلة إلينا إلى أول العلم الإلهي والاستدلال بالعلم الطبيعي عليه ولا أعلم كتاباً أجدى على طالب الفلسفة منه فإنه يعرف بالمعاني المشتركة لجميع العلوم والمعاني المختصة بعلم علم منها ولا سبيل إلى فهم معاني قاطيغورياس وكيف هي الأوائل الموضوعة لجميع العلوم إلا منه ثم له بعد هذا في العلم الإلهي وفي العلم المدني كتابان لانظير لهما أحدهما المعروف بالسياسة المدنية والآخر المعروف بالسيرة الفاضلة عرف فيهما بجمل عظيمة من العلم الإلهي على مذهب أرسطوطاليس في مبادئ الستة الروحانية وكيف يؤخذ عنها الجواهر الجسمانية على ما هي عليه من النظام واتصال الحكمة وعرف فيهما بمراتب الإنسان وقواه النفسانية وفرق بين الوحي والفلسفة ووصف أصناف المدن الفاضلة وغير الفاضلة واحتياج المدينة إلى السيرة الملكية والنواميس النبوية‏.‏

أقول وفي التاريخ أن الفارابي كان يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه صناعة المنطق وكان الفارابي أيضاً يشعر وسئل أبو نصر من أعلم أنت أم أرسطو فقال لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه ويذكر عنه أنه قال قرأت السماع لأرسطو أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودته وهذا دعاء لأبي نصر الفارابي قال اللّهم إني أسألك يا واجب الوجود ويا علة العلل قديماً لم يزل أن تعصمني من الزلل وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل الَّهم امنحني ما اجتمع من المناقب وارزقني في أموري حسن العواقب نجح مقاصدي والمطالب يا إله المشارق والمغارب رب الجوار الكنس السبع التي انبجست عن الكون انبجاس الأبهر هنّ الفواعل عن مشيئته التي عمت فضائلها جميع الجوهر أصبحت أرجو الخير منك وأمتري زحلاً ونفس عطارد والمشتري اللَّهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء اللَّهم أنقذني من عالم الشقاء والفناء واجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء أنت اللَّه الإله الذي لا إله إلا أنت علة الأشياء ونور الأرض والسماء امنحني فيضاً من العقل الفعال يا ذا الجلال والإفضال هذب نفسي بأنوار الحكمة وأوزعني شكر ما أوليتني من نعمة أرني الحق حقاً وألهمني اتباعه والباطل باطلاً واحرمني اعتقاده واستماعه هذب نفسي من طينة الهيولى إنك أنت العلة الأولى يا علة الأشياء جمعاً والذي كان به عن فيضه المتفجر رب السموات الطباق ومركز في وسطهن من الثرى والأبحر إني دعوتك مستجيراً مذنباً فاغفر خطيئة مذنب ومقصر هذب بفيض منك رب الكل من كدر الطبيعة والعناصر عنصري اللهم رب الأشخاص العلوية والأجرام الفلكية والأرواح السماوية غلبت على عبدك الشهوة البشرية وحب الشهوات والدنيا الدنية فاجعل عصمتك مجني من التخليط وتقواك حصني من التفريط إنك بكل شيء محيط اللهم أنفذني من أسر الطبائع الأربع وانقلني إلى جنانك الأوسع وجوارك الأرفع اللهم اجعل الكفاية سبباً لقطع مذموم العلائق التي بيني وبين الأجسام الترابية والهموم الكونية واجعل الحكمة سبباً لاتحاد نفسي بالعوالم الإلهية والأرواح السماوية اللهم طهر بروح القدس الشريفة نفسي وأثِر بالحكمة البالغة عقلي وحسي واجعل الملائكة بدلاً من عالم الطبيعة أنسي اللَّهم ألهمني الهدى وثبت إيماني بالتقوى وبغض إلى نفسي حب الدنيا اللَّهم قوِّ ذاتي على قهر الشهوات الفانية وألحق نفسي بمنازل النفوس الباقية واجعلها من جملة الجواهر الشريفة الغالية في جنات عالية سبحانك اللهم سابق الموجودات التي تنطق بألسنة الحال والمقال إنك المعطي كل شيء منها ما هو مستحقه بالحكمة‏.‏

وجاعل الوجود لها بالقياس إلى عدمها نعمة ورحمة فالذوات منها والأعراض مستحقة بآلائك شاكرة فضائل نعمائك وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم سبحانك اللهم وتعاليت إن اللَّه الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد اللَّهم إنك قد سجنت نفسي في سجن من العناصر الأربعة ووكلت بافتراسها سباعاً من الشهوات اللَّهم جد لها بالعصمة وتعطف عليها بالرحمة التي هي بك أليق وبالكرم الفائض الذي هو منك أجد وأخلق وامنن عليها بالتوبة العائدة بها إلى عالمها السماوي وعجل لها بالأوبة إلى مقامها القدسي وأطلع على ظلمائها شمساً من العقل الفعال وأمط عنها ظلمات الجهل الضلال واجعل ما في قواها بالقوة كامناً بالفعل وأخرجها من ظلمات الجهل إلى نور الحكمة وضياء العقل اللَّه ولي الذين آمنوا أخرجهم من الظلمات إلى النور اللهم أر نفسي صور الغيوب الصالحة في منامها وبدلها من الأضغاث برؤيا الخيرات والبشرى الصادقة في أحلامها وطهرها من الأوساخ التي تأثرت بها عن محسوساتها وأوهامها وأمط عنها كدر الطبيعة وأنزلها في عالم النفوس المنزلة الرفيعة اللَّه الذي هداني وكفاني وآواني‏.‏

ومن شعر أبي نصر الفارابي قال لما رأيت الزمان نكسا وليس في الصحبة انتفاع كل رئيس به ملال وكل رأس به صداع لزمت بيتي وصنت عرضاً به من العزة اقتناع أشرب مما اقتنيت راحاً لها على راحتي شعاع لي من قواريرها ندامى ومن قراقيرها سماع وأجتني من حديث قوم قد أقفرت منهم البقاع وقال أيضاً فما الدار دار خلود لنا ولا المرء في الأرض بالمعجز وهل نحن إلا خطوط وقعن على كرة وقع مستوفز ينافس هذا لهذا على أقل من الكلم الموجز محيط السماوات أولى بنا فكم ذا التزاحم في المركز ولأبي نصر الفارابي من الكتب شرح كتاب المجسطي لبطليموس شرح كتاب البرهان لأرسطوطاليس شرح كتاب الخطابة لأرسطوطاليس شرح المقالة الثانية والثامنة من كتاب الجدل لأرسطوطاليس شرح كتاب المغالطة لأرسطوطاليس شرج كتاب القياس لأرسطو طاليس وهو الشرح الكبير شرح كتاب باريمينياس لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب المقولات لأرسطوطاليس على جهة التعليق كتاب المختصر الكبير في المنطق كتاب المختصر الصغير في المنطق على طريقة المتكلمين كتاب المختصر الأوسط في القياس كتاب التوطئة في المنطق شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس إملاء في معاني إيساغوجي كتاب القياس الصغير ووجد كتابه هذا مترجماً بخطه إحصاء القضايا والقياسات التي تستعمل على العموم في جميع الصنائع القياسية كتاب شروط القياس كتاب البرهان كتاب الجدل كتاب المواضع المنتزعة من المقالة الثامنة في الجدل كتاب المواضع المغلطة كتاب اكتساب المقدمات وهي المسماة بالمواضع وهي التحليل كلام في المقدمات المختلطة من وجودي وضروري كلام في الخلاء صدر لكتاب الخطابة شرح كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح مقالة الإسكندر الأفروديسي في النفس على جهة التعليق شرح صدر كتاب الأخلاق لأرسطوطاليس كتاب في النواميس كتاب إحصاء العلوم وترتيبها كتاب الفلسفتين لفلاطن وأرسطوطاليس مخروم الآخر كتاب المدينة الفاضلة والمدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة المبدلة والمدينة الضالة ابتدأ بتأليف هذا الكتاب ببغداد وحمله إلى الشام في آخر سنة ثلاثين وثلاثمائة وتممه بدمشق في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وحرره ثم نظر في النسخة بعد التحرير فأثبت فيها الأبواب ثم سأله بعض الناس أن يجعل له فصولاً تدل على قسمة معانيه فعمل الفصول بمصر في سنة سبع وثلاثين وهي ستة فصول كتاب مبادي آراء المدينة الفاضلة كتاب الألفاظ والحروف كتاب الموسيقا الكبير ألفه للوزير أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي كتاب في إحصاء الإيقاع كلام له في النقلة مضافاً إلى الإيقاع كلام في الموسيقا مختصر فصول فلسفية منتزعة من كتب الفلاسفة كتاب المبادئ الإنسانية كتاب الرد على الرازي في العلم الإلهي كتاب الرد على جالينوس فيما تأوله من كلام أرسطوطاليس على غير معناه كتاب الرد على ابن الراوندي في أدب الجدل كتاب الرد على يحيى النحوي فيما رد به على أرسطوطاليس كتاب الرد على الرازي في العلم الإلهي كتاب الواحد والوحدة كلام له في الحيز والمقدار كتاب في العقل صغير كتاب في العقل كبير كلام له في معنى اسم الفلسفة كتاب الموجودات المتغيرة الموجودة بالكلام الطبيعي كتاب شرائط البرهان كلام له شرح المستعلق من مصادر المقالة الأولى والخامسة من إقليدس كلام في اتفاق آراء أبقراط وأفلاطن رسالة في التنبيه على أسباب السعادة كلام في الجزء وما لا يتجزأ‏.‏

كلام في اسم الفلسفة وسبب ظهورها وأسماء المبرزين فيها وعلى من قرأ منهم كلام في الجن كلام في الجوهر كتاب في الفحص المدني كتاب السياسات المدنية ويعرف بمبادئ الموجودات كلام في الملة والفقه مدني كلام جمعه من أقاويل النبي # يشير فيه إلى صناعة المنطق كتاب في الخطابة كبير عشرون مجلداً رسالة في قواد الجيوش كلام في المعايش والحروب كتاب في التأثيرات العلوية مقالة في الجهة التي يصح عليها القول بأحكام النجوم كتاب في الفصول المنتزعة للاجتماعات كتاب في الحيل والنواميس كلام له في الرؤيا كتاب في صناعة الكتابة شرح كتاب البرهان لأرسطوطاليس على طريق التعليق أملاه على إبراهيم بن عدي تلميذ له بحلب كلام له في العلم الإلهي شرح المواضع المستغلقة من كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس ويعرف بتعليقات الحواشي كلام في أعضاء الحيوان كتاب مختصر جميع الكتب المنطقية كتاب المدخل إلى المطنق‏.‏

كتاب التوسط بين أرسطوطاليس وجالينوس كتاب غرض المقولات كلام له في الشعر والقوافي شرح كتاب العبارة لأرسطوطاليس على جهة التعليق تعاليق على كتاب القياس كتاب في القوة المتناهية وغير المتناهية تعليق له في النجوم كتاب في الأشياء التي يحتاج أن تعلم قبل الفلسفة فصول له مما جمعه من كلام القدماء كتاب في أغراض أرسطوطاليس في كل واحد من كتبه كتاب المقاييس مختصر كتاب الهدى كتاب في اللغات كتاب في الاجتماعات المدنية كلام في أن حركة الفلك دائمة كلام فيما يصلح أن يذم المؤدب كلام في المعاليق والجون وغير ذلك كلام في لوازم الفلسفة مقالة في وجوب صناعة الكيمياء والرد على مبطليها مقالة في أغراض أرسطوطاليس في كل مقالة من كتابه الموسوم بالحروف وهو تحقيق غرضه في كتاب ما بعد الطبيعة كتاب في الدعاوى المنسوبة إلى أرسطوطاليس في الفلسفة مجردة من بياناتها وحججها تعاليق في الحكمة كلام أملاه على سائل سأله عن معنى ذات ومعنى جوهر ومعنى طبيعة كتاب جوامع السياسة مختصر كتاب بايريمنياس لأرسطوطاليس كتاب المدخل إلى الهندسة الوهمية مختصراً كتاب عيون المسائل على رأي أرسطوطاليس وهي مائة وستون مسألة جوابات لمسائل سئل عنها وهي ثلاث وعشرون مسألة كتاب أصناف الأشياء البسيطة التي تنقسم إليها القضايا في جميع الصنائع القياسية جوامع كتاب النواميس لفلاطن كلام من إملائه وقد سئل عما قال أرسطوطاليس في الحار تعليقات أنالوطيقا الأول لأرسطوطاليس كتاب شرائط اليقين رسالة في ماهية النفس كتاب السماع الطبيعي‏.‏

عيسى الرقي

كان طبيباً مشهوراً في أيامه عارفاً بالصناعة الطبية حق معرفتها وله أعمال فاضلة ومعالجات بديعة وكان في خدمة سيف الدولة بن حمدان ومن جملة أطبائه وقال عبيد اللَّه بن جبرئيل حدثني من أثق بقوله أن سيف الدولة كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيباً قال وكان فيهم من يأخذ رزقين لأجل تعاطيه علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم وكان من جملتهم عيسى الرقي المعروف بالتفليسي وكان مليح الطريقة وله كتب في المذهب وغيرها وكان ينقل من السرياني إلى العربي ويأخذ أربعة أرزاق رزقاً بسبب الطب ورزقاً بسبب النقل ورزقين بسبب علمين آخرين‏.‏

اليبرودي

هو أبو الفرج جورجس بن يوحنا بن سهل بن إبراهيم من النصارى اليعاقبة وكان فاضلاً في صناعة الطب عالماً بأصولها وفروعها معدوداً من جملة الأكابر من أهلها والمتمرنين من أربابها دائم الاشتغال محباً للعلم مؤثراً للفضيلة‏.‏

حدثني شرف الدين بن عنين رحمه اللَّه أن اليبرودي كان لايمل الاشتغال ولا يسأم منه قال وكان أبداً سائر أوقاته لا يوجد إلا معه كتاب ينظر فيه‏.‏

حدثني أحد النصارى بدمشق وهو السني البعلبكي الطبيب قال كان مولد اليبرودي ومنشؤه في صدر عمره بيبرود وهي ضيعة كبيرة قريبة من صيدنايا وبها نصارى كثير وكان اليبرودي بها كسائر أهلها النصارى من معاناتهم الفلاحة وما يصنعه الفلاحون وكان أيضاً يجمع الشيح من نواحي دمشق القريبة من جهته ويحمله على دابة ويأتي به إلى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه في الأفران وغيرها وأنه لما كان في بعض المرات وقد عبر من باب توما بدمشق ومعه حمل شيح رأى شيخاً من المتطببين وهو يفصد إنساناً قد عرض له رعاف شديد من الناحية المسامتة للموضع الذي ينبعث منه الدم فوقف ينظر إليه ثم قال له لم تفصد هذا ودمه يجري من أنفه بأكثر مما يحتاج إليه بالفصد فعرفه أن ذلك إنما يفعله لينقطع الدم الذي ينبعث من أنفه لكونه يجتذبه إلى مسامتة الجهة التي ينبعث منها فقال له إذا كان الأمر على ما تقول فإننا في مواضعنا قد اعتدنا أنه متى كان نهر جار وأردنا أن نقطع الماء عنه فإننا نجعل له مسيلاً إلى ناحية أخرى مسامتة له فينقطع من ذلك الموضع ويعود إلى الموضع الآخر فأنت لم لا تفعل هكذا أيضاً وتفصد من الناحية الأخرى ففعل ذلك وانقطع الرعاف عن الرجل وإن ذلك الطبيب لما رأى من اليبرودي حسن نظر فيما سأل عنه قال له لو أنك تشتغل بصناعة الطب جاء منك طبيب جيد فمال اليبرودي إلى قوله وتاقت نفسه إلى العلم وبقي متردداً إلى الشيخ في أوقات وهو يعرفه ويريه أشياء من المداواة‏.‏

ثم إنه ترك يبرود وما كان يعانيه وأقام بدمشق يتعلم صناعة الطب ولما تبصر في أشياء منها وصارت له معرفة بالقوانين العلمية وحاول مداواة المرضى ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها وعلاماتها وتفنن معالجاتها وسأل عمن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب والمعرفة بها جيداً فذكروا له أن ببغداد أبا الفرج بن الطيب كاتب الجاثليق وأنه فيلسوف متفنن وله خبرة وفضل في صناعة الطب وفي غيرها من الصنائع الحكمية فتأهب للسفر وأخذ سواراً كان لأمه لنفقته وتوجه إلى بغداد وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده ويشتغل على ابن الطيب إلى أن مهر في صناعة الطب وصارت له مباحثات جيدة ودراية فاضلة في هذه الصناعة واشتغل أيضاً بشيء من المنطق والعلوم الحكمية ثم عاد إلى دمشق وأقام بها‏.‏

ونقلت أيضاً قريباً من هذه الحكاية المتقدمة وإن كانت الرواية بينهما مختلفة عن شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد بن الياس بن المطران قال حدثني أبي قال حدثني أبو الفرج بن الحديد قال حدثني أبو الكرم الطبيب عن أبيه أبي الرجاء عن جده قال كان بدمشق فاصد يقال له أبو الخير ولم يكن من المهرة فكان من أمره أن فصد شاباً فوقعت الفصدة في الشريان فتحير وتبلد وطلب قطع الدم فلم يقدر على ذلك فاجتمع الناس عليه وفي أثناء ذلك اطلع صبي عليه فقال يا عماه افصده في اليد الأخرى فاستراح إلى كلامه وفصده من يده الأخرى فقال شد الفصد الأول فشده ووضع لازوقاً كان عنده عليه وشده فوقف جرية الدم ثم مسك الفصدة الأخرى فوقف الدم وانقطع الجميع ووجد الصبي يسوق دابة عليها حمل شيح فتشبث به وقال من أين لك ما أمرتني به قال أنا أرى أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحدة لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحاً آخر ينقص به الماء الأول الواصل إلى ذلك الشق ثم يسده بعد ذلك قال فمنعه الجرائحي من بيع الشيح واقتطعه وعلمه الطب فكان منه اليبرودي من مشاهير الأطباء الفضلاء أقول وكانت لليبرودي مراسلات إلى ابن رضوان بمصر وإلى غيره من الأطباء المصريين وله مسائل عدة إليهم طبية ومباحثات دقيقة وكتب بخطه شيئاً كثيراً جداً من كتب الطب ولا سيما من كتب جالينوس وشروحها وجوامعها وحدثني أيضاً السني البعلبكي إن اليبرودي عبر يوماً في سوق جيرون بدمشق فرأى إنساناً وقد بايع على أن يأكل أرطالاً من لحم فرس مسلوق مما يباع في الأسواق فلما رآه وقد أمعن في أكله بأكثر مما يحتمله قواه ثم شرب بعده فقاعاً كثيراً وماء بثلج واضطربت أحواله تفرس فيه أنه لا بد أن يغمى عليه وأن يبقى في حالة يكون الموت أقرب إليه إن لم يتلاحق فتبعه إلى المنزل الذي له واستشرف إلى ماذا يؤول أمره فلم يكن إلا أيسر وقت وأهله يصيحون ويضجون بالبكاء ويزعمون أنه قد مات فأتى إليهم وقال أنا أبرئه وما عليه بأس ثم إنه أخذه إلى حمام قريب من ذلك الموضع وفتح فكيه كرهاً بشيء ثم سكب في حلقه ماء مغلياً وقد أضاف إليه أدوية مقيئة ولافى الغاية وقيأه برفق ثم عالجه وتلطف في مدواته حتى أفاق وعاد إلى صحته فتعجب الناس منه في ذلك الفعل وحسن تأتيه ألى مدواة ذلك الرجل واشتهرت عنه هذه القضية وتميز بعدها‏.‏

أقول وهذه الحكاية التي قصد اليبرودي أن يتتبع أحوال ذلك الرجل فيها ويشاهد ما يكون من أمره أن يكون عنده من ذلك معرفة بالأعراض التي تحدث له وأن ينقذه أيضاً مما وقع فيه إن أمكنه معاجلته ومعالجته ومثل ذلك أيضاً ما حكاه أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث رحمه اللّه في كتاب الغاذي والمغتذي وذلك أنه قال إن إنساناً رأيته يوماً وقد بايع أن يأكل جزراً قدره بحد ما فحضرت أكله لأرى ما يكون من حاله لا رغبة مني لمجالسة من هذه حاله ولا لأن لي بذلك عادة وللّه الحمد بل لأرى إيراد الغذاء على المعدة قسراً إلى ماذا يؤول هذا الفعل فرأيته يأكل من حائط ليرى من حوله ويضاحكهم حتى إذا مر على الأكثر مما كان بين يديه رأيت الجزر ممضوغاً قد خرج من حلقه ملتفاً متحبلاً متعجناً بريقه وقد جحظت عيناه وانقطع حسه وأحمر لونه ودرت وداجاه وعروق رأسه واربد وكمد وجهه وعرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف حتى رمى من ذلك الذي أكله شيئاً كثيراً فزكنت أن انقطاع نفسه لدفع المعدة حجابه إلى نحو الفم ومنعها إياه من الرجوع إلى الانبساط للتنفس وأما ما عرض للونه من الاحمرار ودرور وداجيه وعروقه فزكنت أنه لإقبال الطبيعة نحو رأسه كما يعرض لمن شدت يده للفصد أن تقبل الطبيعة نحو الجهة التي استنهضت نحوها وأما ما عرض بعد ذلك لوجهه من الاربداد والكمودة فزكنت أيضاً لسوء مزاج قلبه وأنه لو لم يخرج ما خرج ودافعت المعدة حجابه هذه المدافعة التي قد عاقته البتة عن التنفس عرض له الموت بالاختناق كما قد رأينا ذلك في عدد كثير ماتوا بعقب القذف وأما ما عرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف فزكنت من ذلك أن التهوع لشدة اضطراب المعدة قال بن أبي الأشعث بعد ذلك إن الغذاء إذا حصل في المعدة وهو كثير الكمية تمددت تمدداً يبسط سائر غضونها كما رأيت ذلك في سبع شرحته حياً بحضرة الأمير الغضنفر وقد استصغر بعض الحاضرين معدته فتقدمت بصب الماء في فيه فما زلنا نصب في حلقه دورقاً بعد آخر حتى عددنا من الدوارق عدداً كان مقدار ما حوت نحو أربعين رطلاً ماء فنظرت إذ ذاك إلى الطبقة الداخلة وقد امتدت حتى صار لها سطح مستو ليس بدون إستواء الخارج ثم شققتها فلما اجتمعت عند خروج الماء منها عاد غضون الداخلة والبواب يشهد اللّه في جميع ذلك لا يرسل نفسه‏.‏

وحدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد ابن الياس بن المطران قال حدثني أبي عن خالي أبي الفرج بن حيان قال حدثني أبو الكرم الطبيب قال حدثني أبي عن أبيه قال كنت يوماً أساير الشيخ أبا الفرج اليبرودي إذ اعترضه رجل فقال يا سيدي كنت في صناعتي هذه في الحمام وحلقت رأسي وأجد الآن في وجهي كله انتفاخاً وحرارة عظيمة قالفنظرنا إلى وجهه فوجدناه يربو وينتفخ وتزيد حمرته بغير توقف ولا تدريج قال فأمره أن يكشف رأسه ويلقي به الماء الجاري من قناة كانت بين يديه وكان الزمان إذ ذاك صميم الشتاء وغاية البرد ثم لم يزل واقفاً حتى بلغ ما أراد مما أمر به ثم أمر الرجل بالانصراف وأشار عليه بالأوفق له وهو تلطيف التدبير واستعمال النقوع الحامض مبرداً وقطع الزفر قال فامتنع أن يحدث له شراً ما‏.‏

وقال الطرطوشي في كتاب سراج الملوك حدثني بعض الشاميين أن رجلاً خبازاً بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار فلما فرغ سقط مغشياً عليه فنظروا فإذا هو ميت فجعلوا يتربصون به ويحملون له الأطباء فيلتمسون دلائله ومواضع الحياة منه فلم يجدوا فقضوا بموته فغسل وكفن وصلي عليه وخرجوا به إلى الجبانة فبينما هم في الطريق على باب البلد فاستقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي وكان طبيباً ماهراً حاذقاً عارفاً بالطب فسمع الناس يلهجون بقضيته فاستخبرهم عن ذلك فقصوا عليه قصته فقال حطوه حتى أراه فحطوه فجعل يقلبه وينظر في أمارات الحياة التي يعرفها ثم فتح فمه وسقاه شيئاً أو قال حقنه فاندفع ما هنالك فسيل فإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى حانوته‏.‏

وتوفي اليبرودي بدمشق في أربعمائة ودفن في كنيسة اليعاقبة بها عند باب توما حدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عن موفق الدين أسعد بن الياس بن المطران قال حدثني خالي قال حدثني أبي قال حدثني عبد اللّه بن رجا بن يعقوب قال حدثني ابن الكتاني وهو إذ ذاك متصرف في أعمال السلطان يومئذ بدمشق قال بلغني أن أبا الفرج جورجس بن يوحنا اليبرودي لما توفي ظهر في تركته ثلثمائة مقطع رومي مجوم لباب واحد وخمسمائة قطعة فضة ألطفها ثلثمائة درهم قال موفق الدين بن المطران وليس ذلك بكثير لأن الشخص متى تحققت أعماله وصفت نيته وطلب الحق وعامل الصحيح واجتهد في معرفة صناعته كان حقاً على اللّه تعالى أن يرزقه ومتى كان بالضد عاش فقيراً ومات يائساً ولليبرودي من الكتب مقالة في أن الفرخ أبرد من الفروج نقض كلام ابن الموفقي في المسائل ترددت فيما بينهم في النبض‏.‏

جابر بن منصور السكري

من أهل موصل وكان مسلماً ديناً عالماً بصناعة الطب من أكبر المتميزين فيها وكان قد لحق أحمد بن أبي الأشعث وقرأ عليه ثم لازم محمد ابن ثواب تلميذ ابن أبي الأشعث وقرأ عليه وذلك في نحو سنة ستين وثلثمائة واشتهر بصناعة الطب وأعمالها وعمر وكان أكثر مقامه بمدينة الموصل وإنما ابنه ظافر انتقل إلى الشام وأقام بها‏.‏

ظافر بن جابر السكري

هو أبو حكيم ظافر بن جابر بن منصور السكري كان مسلماً فاضلاً في الصناعة الطبية متقناً للعلوم الحكمية متحلياً بالفضائل وعلم الأدب محباً للاشتغال والتضلع بالعلوم وكان قد لقي أبا الفرج بن الطيب ببغداد واجتمع به واشتغل معه وكان ظافر بن جابر قد عمر مثل أبيه وكان موجوداً في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وهو موصلي وإنما انتقل من الموصل إلى مدينة حلب وأقام بحلب إلى آخر عمره ومن خلفه جماعة مشتغلين بصناعة الطب ومقامهم بحلب‏.‏

ومن شعره ما زلت أعلم أولاً في أول حتى علمت بأنني لا علم لي ومن العجائب أن أكون جاهلاً من حيث كوني أنني لا أجهل ولظافر بن جابر من الكتب مقالة في أن الحيوان يموت مع أن الغذاء يخلف عوض ما يتحلل منه‏.‏

موهوب بن الظافر

هو أبو الفضل موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري كان فاضلاً أيضاً في صناعة الطب مشهوراً متميزاً وكان مقيماً بمدينة حلب ولموهوب بن ظافر من الكتب اختصار كتاب المسائل لحنين بن إسحق‏.‏

جابر بن موهوب

هو جابر بن موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري كان أيضاً مشهوراً في صناعة الطب خبيراً بها وأقام بحلب‏.‏

هو الشيخ الأديب الحكيم أبو الحكم عبيد اللّه بن المظفر بن عبد اللّه الباهلي الأندلسي المربي كان فاضلاً في العلوم الحكمية متقناً للصناعة الطبية متعيناً في الأدب مشهوراً بالشعر وكان حسن النادرة كثير المداعبة محباً للهو والخلاعة وكثير من شعره يوجد مراثي في أقوام كانوا في زمانه أحياء وإنما قصد بذلك اللعب والمجون وكان محباًَ للشراب مدمناً له ويعاني الخيال وكان إذا طرب يخرج في الخيال ويغني له يا صياد النحلة جاك العمل قم اخرج من بكرة هات العسل وكان يعرف الموسيقا ويلعب بالعود ويجلس على دكان في جيرون للطب ومسكنه في دار الحجارة باللبادين وله مدائح كثيرة في بني الصوفي الذين كانوا رؤساء دمشق والمتحكمين فيها وذلك في أيام مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن أتابك طغتكين وسافر أبو الحكم إلى بغداد والبصرة وعاد إلى دمشق وأقام بها إلى حين وفاته وتوفي رحمه اللّه لساعتين خلتا من ليلة الأربعاء سادس ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة بدمشق وقال أبو الفضل بن الملحي وكتب بها إلى أبي الحكم في أثناء كتاب كتبه إليه شاكراً لفعله إذا ما جزى اللّه امرءاً بفعاله فجازى الأخ البر الحكيم أبا الحكم هو الفيلسوف الفرد والفاضل الذي أقر له بالحكمة العرب والعجم فينتاشني من قبضة الدهر بعدما ألم بأنواع من الضر والألم وبوأني من رأيه خير معقل فبرّأ من ضري وأبرا من السقم وما زال يهديني إلى كل منهج بآراء مفضال له سنّها الكرم يضيء سنا أفكارها فكأنها شموس جلا إشراقها حندس الظلم وقام بأمري إذ تقاعد أسرتي مقام أبي في كرمتي أو مقام أم وأنقض ظهري ما تحامل ثقله ووكل بي طرفاً إذا نمت لم ينم وضم ولم يمنن لجسمي شفاءه فلولاه قد أصبحت لحماً على وضم فأصبح سلمي الدهر بعد حروبه عليه سلام اللّه ما أورق السلم وكان أبو الحكم يهاجي جماعة من الشعراء الذين كانوا في وقته ويهاجونه وللعرقلة وهو أبو الندى حسان بن نمير الكلبي يهجو أبا الحكم لنا طبيب شاعر أشتر أراحنا من شخصه اللّه ما عاد في صبحة يوم فتى إلا وفي باقيه رثاه وقال أيضاً فيه‏:‏ شيخاً يرى الصلوات الخمس نافلة ويستحل دم الحجاج في الحرم أقول وصف العرقلة لأبي الحكم في هجوه إياه بأنه أشتر العين له سبب وهو أن أبا الحكم خرج ليلة وهو سكران من دار زين الملك أبي طالب بن الخياط فوقع فانشج وجهه فلما أصبح زاره الناس يسألونه كيف وقع فكتب هذه الأبيات وتركها عند رأسه فكان إذا سأله إنسان يعطيه الأبيات يقرؤها وقعت على رأسي وطارت عمامتي وضاع شِمَشْكي وانبطحت على الأرض وقمت وأسراب الدماء بلحيتي ووجهي وبعض الشر أهون من بعض قضى اللّه أني صرت في الحال هتكة ولا حيلة للمرء فيما به يقضي ولا خير في قصف ولا في لذاذة إذا لم يكن سكر إلى مثل ذا يفضي وأخذ المرآة فرأى الجرح في وجهه غائراً تحت الجفن بعد وقعته فقال رك النبيذ بوجنت جرحاً ككس النعجة ووقعت منبطحاً على وجهي وطارت عمتي وبقيت منهتكاً فلو - - لا الليل بانت سوءتي وعلمت أن جميع ذ لك من تمام اللذة ومن شعر أبي الحكم وديوان شعره هو روايتي عن الشيخ شمس الدين أبي الفضل المطواع الكحال عن الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى البياسي عن أبي المجد عن والده أبي الحكم المذكور قال يمدح الرئيس مؤيد الدين أبا الفوارس بن الصوفي رقت لما بي إذا رأت أوصابي وشكت فقصر وجدها عما بي ما ضر يا ذات اللما الممنوع لو ذاويت حر جوى ببرد رضاب من هائم في حبكم متقنع بمرار طيف أو برد جواب أن تسعفي بالقرب منك فإنما تحيين نفساً آذنت بذهاب لا تنكري إن بان صبري بعدكم واعتادني ولهي لعظم مصابي فالصبر في كل المواطن دائماً مستحسن إلا عن الأحباب هيهات أن يصفو الهوى لمتيم لا بد من شهد هناك وصاب ما لي وللحدق المراض تذيبني أترى لحيني وكلت بعذابي وكذا العيون النجل قدماً لم تزل من شأنها الفتكات بالألباب ما لي وحظي لا يني متباعداً أدعو فلا أنفك غير مجاب فلقد غدا فرضاًَ مديح مؤيد الدين الهمام على ذوي الآداب من قيس عيلان نمته هوازن وسليم البادون في الأعراب والبيت من أبناء صعصعة سما بنيانه في جعفر بن كلاب وبنو ربيعة إن نسبت وخالد منهم عوف في ذوي الأنساب منهم لبيد والطفيل وعامر وأبو براء هازم الأحزاب ورث العلا منهم بنو الصوفي إذ قرنوا الأيادي الغر في الأحساب وحوى المسيب ما به افتخروا كما حازت فذلك جمع كل حساب في ذروة الشرف الرفيع سما به مجد قديم من صميم لباب وأحل أندية المكارم ناشئاً فسما على القرناء والأضراب ما مفعم لجب طمى آذيه وأمده منهلّ صوب سحاب بأعم سيباً من نوال بنانه أو مزبد ذو زخرة وعباب لليث صولته على أعدائه بل دونه إن صال ليث الغاب حسبي بما نسبوا إليه وإن غدت أسماؤهم تغني عن الألقاب أكرم بهم عرباً إذ افتخر الورى جاؤوا بخير أرومة ونصاب شادوا العلا بندى وعز باذخ ومشارع للمعتفين عذاب قوم ترى لذوي النفاق لديهم ذل العبيد لسطوة الأرباب يا أيها المولى الذي نعماؤه مبذولة للطارق المتناب إني لأعلم أن برك بي غدا لسعادتي من أوكد الأسباب وتيقنت نفسي هناك بأنني سأرود من نعماك خير جناب لا زلت ترقى في المكارم دائماً ما لاح برق في خلال سحاب وقال أيضاً يمدح الرئيس جمال الدولة أبا الغنائم أخا الممدوح سواء علينا هجرها ووصالها إذا نكثت يوماً ورثت حبالها وما برحت ليلى تجود بوعدها ويمنع منا بذلها ونوالها ويطمعنا ميعادها في دنوها ولا وصل إلا أن يزور خيالها وما ذكرتك النفس إلا تفرقت وعاودها من بعد هدي ضلالها وما برحت تعتادني زفرة إذا طمعت لها بالبرء راث اندمالها ومن عبرات لا يني الدهر كلما دعا للهوى داع أجاب أنا لها تصدى الكرى عن مقلتيّ فتنثني دموع على الخدين يهمي انسجالها وكيف يؤاتي النوم أو يطرق الكرى جفوناً بماء المقلتين اكتحالها إذ قلت أنساها على نأي دارها تصور في عيني وقلبي مثالها ودويّة تردي المطايا تنوفة يحار القطا فيها إذا خب آلها قطعت بفتلاء الذراعين عرمس أمون قواها غير باد كلالها تؤم بنا ربع المسلم حيث لا يخيب لها سعي وينعم بالها ولولا جمال الملك ما جئتها ولا ترامت صحاريها بنا ورمالها إلى أسرة لا يجهل الناس قدرها ويحمد بين العالمين فعالها إذا أشكلت دهماء فالرأي رأيها وإن راب خطب فالمقال مقالها وبيض تقد الدارعين صوارم رهاف جلا الأطباع منها صقالها وهم يطعمون الضيف من قمع الذرى إذا ناوحت نكباء ريح شمالها فما لبني الصوفي في الناس مشبه ذوي البأس والأيدي المهاب مصالها سما لهم مجد قديم ورفعة شديد عراها لا يخاف انحلالها بني جعفر في العرب خير قبيلة سما في نزار فخرها واختيالها تقابل فيهم من سليم ذؤابة كما قابلت يمنى اليدين شمالها أيا ابن علي حزت أرفع رتبة إذا رامها من رامها لا ينالها بك الدولة الغراء تزهى على الورى وحق لها إذ أنت فيها جمالها ولو أنها أمست سناء ورفعة سماء علينا كنت أنت هلالها إذا ما ذوو الشحناء أموك خيبوا وعاد عليهم بعد ذاك وبالها سأظفر من دهري بأرغد عيشة بنعماك إن فاءت علي ظلالها فما لذوي الحاجات عنك تأخر لأنك عم المكرمات وخالها وقال يمدح عز الدولة أخا مؤيد الدين دعا بك داعي الهوى فاستجب وقصر عتابك عمن عتب فما العيش إن غيض ماء الشباب ولم يقض من طرفيه أرب وباكر معتقة زانها مرور الليالي بها والحقب كأن على كأسها لؤلؤاً إذا ما استدار عليها الحبب يطوف بها بابلي اللحاظ لذيذ المقبل عذب الشنب يقول الذي راقه حسنها أ ذي الخمر من خده تجتلب وإلا فمن أين ذا الاحمرار وهذا الصفاء لبنت العنب بنات الكروم حياة الكروم وموت الهموم محيا الطرب فقل للذي همه أن يرى كريماً ينفس عنه الكرب أكل امرئ يرتجي سيبه رويدك ما الناس فخر العرب جواد إذا أنت وفيته أمنت به حادثات النوب وفضل وبشر وجود يرا - - ه فرضاً على نفسه قد وجب فمن قاسه بفتى عصره فقد قايس الدر بالمختلب ومن قال إن امرءاً غيره حوى بعض ما حازه قد كذب وليس الذي فخره تالد كمن فخره طارف مكتسب تفاخر قيس به خندفاً وتعطيه منها أجل الرتب ولا سيما إن غدا فيهم وسيطاً بأكرم أم وأب من الجعفريين في باذخ من العز تنحط عنه الشهب وعبدك يرغب في خلعة ومثلك تشريفه يحتسب ليرفع ذلك من قدره وإن كان قارب فيما طلب ويشحذ خاطره كلما اشرأب إلي مدحكم وانتدب فلي كلما ظفرت راحتي بجود المظفر أوفى أرب ففي كل دولة أنت عز لها تنال الأماني بأدنى سبب وما العيد أنت إذا ما حضرت سواء علينا نأى أو قرب وإن غيب الغيم عنا الهلال فلسنا نبالي إذا لم تغب فدونكها حرة تجتلى يناديك قائلها من كثب أتاك بها إثر تهذيبها حكيم تنخلها وانتخب ولا خير في حكمة لا ترى مطرزة بفنون الأدب ومن مطبوع قصائده الأرجوزة التي وسمها بمعرة البيت يذكر فيها ما ينال الإنسان إذا عمل دعوة للندماء من المضرة والغرامة وهي هذه معرة البيت على الإنسان تطرا بلا شك من الإخوان فاصغ إلى قول أخي تجريب يأتك بالشرح على ترتيب جميع ما يحدث في الدعوات وكل ما فيها من الآفات فصاحب الدعوة والمسره لا بد أن يحتمل المضره أولها لا بد من ثقيل يكرهه القوم وذي تطفيل صاحبها إن قدم الطعاما يحتاج أن يحتمل الملاما وآخر هذا قليل الملح يظهر أني فطن ذو نصح ينهب ما بين يديه نهبا ويشرب الماء القراح العذبا يرى له في ذلك انتفاعاً وبعد ذلك يطلب الفقاعا بالثلج في الصيف وفي الشتاء يلتمس النار بلا استحياء وإن يعزهم أثر ذا خلال قد نسلوا الحصر ولم يبالوا وبعد هذا يحضر النبيذ الطيب المنتخب اللذيذ فواحد يقول هذا خل وآخر ذا قافز معتل وثم من يسأل عن راووق يقول لا بد من التصفيق وعند هذا تحضر البواطي ويمزج النبيذ باحتياط فواحد يقول هذا صرف ويقلب الماء ولا يكف وآخر يقول ذا ممعود فاجتنبوا الماء ولا تعودوا والنقل لا بد مع المشموم فغير مهجو ولا مسؤوم عجل وقشقل لهم الدينارا في الحال إن كنت تخاف العارا وربما قد حان منهم شطحه تعيش إن تنعموا بالصبحه وإن دعوت القوم في كانون لا بد من فحم على كانون يطير منه أبداً شرار يثبت في البسط لها آثار ويصبح البساط بعد الجده منقطعاً كشبه جلد الفهده فضلاً عن الكباب والشرائح لكل غاد منهم ورائح واعزل لهم عند انقضاء البرد مراوحاً من بعد ماء الورد وللندامى أبداً فنون يظهرها الخمر فتستبين منعماً جشعاً له بالمضغ وليس فيهم من إليه يصغي ويمسك الدور وينسى نفسه قد غيب الأدبار عنه حسه ومنهم من يزن الكلاما تراؤساً ويظهر الإعظاما ومنهم من يظهر الوضاعه تعمداً كي تضحك الجماعه منيدلا للكم أو سكِّينة أو طاسة التكعيب أو قنينة وبعضهم موكل بقلع سلاسل تسيل فوق الشمع يوهم أن يكسو بها فتيله وإنما ذلك منه حيله ولا تقل في الغمز والإيماء إذا مضى القوم لبيت الماء فإن لقوا جارية أو عبدا قد قرصوا نهداً وعضوا خدا وربما تطرق الفساد وكان من عرس الفتى انقياد أو أخته أو بنته أو ابنه لاسيما إن راقهم بحسنه وعندها قد تسمح النفوس ويطمع النديم والجليس فإنما الإنسان من لحم ودم ليس بصخر جامد ولا صنم وإن يكن فيهم أبو تلور فغير مأمون ولا معذور يأكل ما يلقاه أكلاً لما بلا اكتراث أو يجيد اللقما لا يشرب الراح مع الندامى لأنه لا يوثر المداما ثم شكوه عاجلاً للشحنة وربما تمت عليه محنة ويربح الإنسان سوء السمعة لا سيما إن كان ليل جمعة وإن فشت بينهم جراح فليس يرجى للفتى صلاح وإن تردى بينهم قتيل فذاك شيء أرشه قليل وشربهم إن كان في عِلِّية فإنه يقرّب المنية ولا تكن تنسى أذى الندمان والقيء فوق البسط في الأحيان وبعده يلتمس الطعاما ليوصل الشرب مع النداما ولا الذي يلقى من النقار إذا انتبهت وقت كنس الدار من ربة البيت إذا ما نامت وخلفها الصعب إذا ما قامت تذكره عند طلوع الشمس بكل ما دار له بالأمس هذا إذا راحوا فإن أقاموا واقتصدوا الصبوح ثم ناموا فكيف ترجو بعد ذا فلاحا إذا بدا الصبح لها ولاحا فوص أن يحفظها الغلام لكي يقل منهم الملام ولا تبال ويك بالخسارة وأكثر السرج على المنارة ومن أراد منهم الرواحا فإنه يستلب المصباحا مستصحباً في يده قرابة مملوءة يرضى بها أصحابه ولا تفكر في فراغ الزيت فكل هذا من خراب البيت فصاحب الدعوة في خسران لاسيما إن لُز بالميزان وصاحب الوقت بغير شرب أحق مخلوق بصقع الجرب يدل ما يلزمه من غرم إن الفتى لا شك دقن سرم وكان من ذا كله غنياً لو كان شهماً فطناً ذكياً معرة ما مثلها معرة تنحس من يُصْلى بها في كرة فالشرب عندي في بيوت الناس أحسن من هذا على القياس وبعد هذا كله فالتوبة أوفق ما دارت عليه النوبة فكم فيك من يوم لهوت وليلة رأيت لها وجهاً ينوب عن البدر وقال لغزاً في عبد الكريم بمهجتي يا صاح أفدي الذي تيمني تفتير عينيه صرت له ثلث اسمه طائعاً وهو بوصلي ضد ثلثيه كأنما وجنته إذا بدت أنجم خيلان بخديه هلال تم والثريا له مقلوب ما يشبه صدغيه وقال أيضاً لغزاً في اسم شفتر وهو لقب لأبي المعالي السلمي الشاعر غزال من بني الأصفر سباني طرفه الأحور لقد فضله اللّه بحسن الدل والمنظر بحق الشفع والوتر وما قد ضمنا كوثر فهذا اسم قضى الرحمن أن يلغز أو يستر وقال يهجو الطبيب المفشكل اليهودي على سبيل المرثية ألا عد عن ذكرى حبيب ومنزل وعرِّج على قبر الطبيب المفشكل وكبكبه في قعر الجحيم بوجبة كجلمود صخر حطه السيل من عل فلا زال وكاف تزجيه ديمة عليه بمنهل من السلح مسبل لقد حاز ذاك اللحد أخبث جيفة وأوضع ميت بين ترب وجندل سأسبل من بطني عليه مدامعي وأورده من مائها شر منهل لعل أبا عمران حن لشخصه وقال له أسرع إلي وعجل فما ضم بطن الأرض أنجس منهما وأنذل من رهط الغوي السموأل وقال يهجو الأديب نصير الحلبي أيضاً على سبيل المرثية وكان نصير قد اشتغل بالكتابة وتعرض للشعر والطب والنجوم يا هذه قومي اندبي مات نصير الحلبي يرحمه اللّه لقد كان طويل الذنب قد ضجت الأموات في نكهته في الترب وودهم لو عوضوا منه بلب أجرب والقوم بين صارخ وممعن في الهرب أخبث منه طينة في عجمها والعرب يا قوم ما أنجسه نصباً على التعجب أوصافه من فحشه مسطورة في الكتب وقوله لمنكر أسرف يا معذبي أما علمت أنني شيخ لأهل الأدب والنحو والحكمة والمنطق والتطبب وقال يهجو ملك النحاة لقد هب من باذهنك الورك نسيم على عارضي ذا الملك وأقبل سيل على أثره فصار على وجهه مرتبك كما درج الماء مر الصبا ودبج أفق السماء الحبك وقال يهجو أبا الوحش الشاعر إذا رمت أن أهجو أبا الوحش عاقني خلائق لؤم عنه لا تتزحزح تجاوز حد الذم حتى كأنه بأقبح ما يهجى به المرء يمدح سلقت آذانه بعنز قد أكلوا في الحجاز لحمه وقال أيضاً إذا عنيت بمحموم نظمت له بيتاً فإن زاد شيئاً عاد مفلوجا فقل لقوم رأوا طبي لهم فرجاً ليهنهم أن غدا بالشعر ممزوجا يفرح الهم عن أحشاء ذي حرق مضنى ويطعمه في الحال فروجا وقال في الشجاعة أرى الحرب تكسبني نجدة إذا خامر القلب تذكارها فإن أنا في النوم أبصرتها تبين في الفرش آثارها وقال في قصيدته التي سماها ذات المناقب ومعشر قد جعلوني قدوة يرونني فيما أعاني أوحدا تركت أعمارهم إذ ركنوا إلي في الطب كأعمار الجدا وقال أيضاً سأظهر في إصلاح شأني تغافلاً ليعذرني من ظن أني ذو جهل وأهزل مهما قلت شعراً فإن بدت به ركة يوماً أحلت على الهزل وطارق ليل أمّني بعد هجعة فمتعت جنبيه بعجزاء من سلم فلو سمعت أذناك تحتي عواءه لقلت ابن آوى عج في حندس الظلم وقلت له لولا شقاؤك لم تسر بليل ولم تحلل بربع أبي الحكم وقال لما أدركته الوفاة في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة يا لهف نفسي إذا أدرجت في الكفن وغيبوني عن الأهلين والوطن وقيل لا يبعدن من كان ينشدنا أنا الذي نظر الأعمى فلم يرني ثم أنشد يوم الثلاثاء قبل وفاته وأمر ولده أبا المجد أن يرويها بعد موته عنه ندمت على موتي وما كان من أمري فيما ليت شعري من يرثيكم بعدي وإني لأختار الرجوع لو أنني أرد ولكن لا سبيل إلى الرد ولو كنت أدري أنني غير راجع لما كنت قد أسرعت سيراً إلى اللحد ألا هل من الموت المفرق من بد وهل لزمان قد تسلف من رد مضى الأهل والأحباب عني وودعوا وغودرت في دهماء موحشة وحدي لبعض على بعض لديكم مزية ولا يعرف المولى لدينا من العبد فها أنا قد وليته الأمر فاعلموا وعما قليل سوف أسكنه عندي ولا تقنطوا من رحمة اللَّه بعد ذا فليس لنا من رحمة اللّه من بد وأبي الحكم من الكتب ديوان شعره وسمي ديوانه هذا نهج الوضاعة‏.‏

 

أبو المجد بن أبي الحكم

هو أفضل الدولة أبو المجد محمد بن أبي الحكم عبيد اللَّه بن المظفر بن عبد اللَّه الباهلي ومن الحكماء المشهورين والعلماء المذكورين والأفاضل في الصناعة الطبية والأماثل في علم الهندسة والنجوم وكان يعرف الموسيقي ويلعب بالعود ويجيد الغناء والإيقاع والزمر وسائر الآلات وعمل أرغناً وبالغ في إتقانه وكان اشتغاله على والده وعلى غيره بصناعة الطب وتميز في علمها وعملها وصار من الأكابر من أهلها وكان في دولة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه اللَّه وكان يرى له ويحترمه ويعرف مقدار علمه وفضله ولما أنشأ الملك العادل نور الدين البيمارستان الكبير جعل أمر الطب إليه فيه وأطلق له جامكية وجراية وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه وحدثني شمس الدين أبو الفضل بن أبي الفرج الكحال المعروف بالمطواع رحمه اللَّه أنه شاهده في البيمارستان وأن أبا المجد بن أبي الحكم كان يدور على المرضى به ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك قال وكان بعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي ويجلس في الإيوان الكبير الذي للبيمارستان وجميعه مفروش ويحضر الاشتغال وكان نور الدين رحمه اللَّه قد وقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية وكانت في الخرستانين اللذين في صدر الإىوان فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه ثم تجري مباحث طبية ويقرئ التلاميذ ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة نظر في الكتب مقدار ثلاث ساعات ثم يركب إلى داره وتوفي أبو المجد بن أبي الحكم بدمشق في خمسمائة

ابن البذوخ

هو أبو جعفر عمر بن علي بن البذوخ القلعي المغربي كان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المفردة والمركبة وله حسن نظر في الاطلاع على الأمراض ومداواتها وأقام بدمشق سنيناً كثيرة وكانت له دكان عطر باللبادين يجلس فيها ويعالج من يأتي إليه أو يستوصف منه وكان يهيئ عنده أدوية كثيرة مركبة يصنعها من سائر المعاجين والأقراص والسفوفات وغير ذلك يبيع منها وينتفع الناس بها وكان معتنياً بالكتب الطبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكره المتقدمون من صفة الأمراض ومداواتها وله حواش على كتاب القانون لابن سينا وإن له أيضاً اعتناء بعلم الحديث ويشعر وله رجز كثير إلا أن أكثر شعره ضعيف منحل وعمّر عمراً طويلاً وضعف عن الحركة حتى إنه كان لم يأت إلى دكانه إلا محمولاً في محفة وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينه لأنه كان كثيراً يغتذي باللبن ويقصد بذلك ترطيب بدنه وتوفي بدمشق في سنة خمس أو ست وسبعين وخمسمائة ومن شعر ابن البذوخ قال وهو من قصيدة كبيرة له في ذكر الموت والمعاد فمن مختارها يا رب سهل لي الخيرات أفعلها مع الأنام بموجودي وإمكاني فالقبر باب إلى دار البقاء ومن للخير يغرس أثمار المنى جاني وخير أنس الفتى تقوى بصاحبه والخير يفعله مع كل إنسان يا ذا الجلالة والإكرام يا أملي اختم بخير وتوحيد وإيمان إن كان مولاي لا يرجوك ذو زلل بل من أطاعك من للمذنب الجاني عشر الثمانين يا مولاي قد سلبت أنوار عيني وسمعي ثم أسناني لا أستطيع قياماً غير معتمد ما بين اثنين شكوائي لرحماني أو شرحه أو شروحات الحديث وما يختص بالطب أو تفكيه أقران فالشيخ تعميره يفضي إلى هرم يذله أو عمى أو داء أزمان فموته ستره إذ لا محيص له عن الممات فكم يبقى لنقصان نعوذ باللَّه من شر الحياة ومن شر الممات وشر الإنس والجان إن الشيوخ كأشجار غدت حطبا فليس يرجي لها توريق أغصان لم يبق في الشيخ نفع غير تجربة وحسن رأي صفا من طول أزمان يا خالق الخلق يا من لا شريك له قد جئت ضيفاً لتقريني بغفران مولاي مالي سوى التوحيد من عمل فاختم به منعماً يا خير منان وقال في مدح كتب جالينوس أكرم بكتب لجالينوس قد جمعت ما قال بقراط والماضون في القدم كديسقوريدس علم الدواء له مسلم عند أهل الطب في الأمم فالطب عن ذين مع بقراط منتشر من بعدهم كانتشار النور في الظلم إلا الدواء فما تحصى منافعه وعده كثرة في العرب والعجم عد النجوم نبات الأرض أجمعها من ذا يعد جميع الرمل والأكم في كل يوم ترى في الأرض معجزة من التجارب والآيات والحكم ولابن البذوخ من الكتب شرح كتاب الفصول لأبقراط أرجوزة شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط أرجوزة كتاب ذخيرة الألباء المفرد في التأليف من الأشباه حواش على كتاب القانون لابن سينا‏.‏

حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني

هو حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد اللّه بن حسان الغساني الأندلسي الجلياني كان علامة زمانه في صناعة الطب والكحل وأعمالهما بارعاً في الأدب وصناعة الشعر وعمل المديحات أتى من الأندلس إلى الشام وأقام بدمشق إلى حين وفاته وعمر عمراً طويلاً وكانت له دكان في اللبادين لصناعة الطب وكان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب يرى له ويحترمه وله في صلاح الدين مدائح كثيرة وصنف له كتباً وكان له منه الإحسان الكثير والإنعام الوافر وكان حكيم الزمان عبد المنعم يعاني أيضاً صناعة الكيمياء وتوفي بدمشق في ستمائة وخلف ولده عبد المؤمن بن عبد المنعم وكان كحالاً ويشعر أيضاً ويعمل مديحات وخدم بصناعة الكحل الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب وتوفي بمدينة الرها في عشرين وستمائة‏.‏

ومن شعر حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني مما نقلته من خطه وهو أيضاً مما سمعته من أبي قال أنشدني الحكيم عبد المؤمن المذكور فمن ذلك قال يمدح الملك الناصر صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب ووجهها إليه من مدينة دمشق إلى مخيمه المنصور بظاهر عكا وهو محاصر للفرنج المحاصرين لمدينة عكا فعرضت عليه في شهر صفر سنة سبع وثمانين وخمسمائة وهذه القصيدة تسمى التحفة الجوهرية رفاهية الشهم اقتحام العظائم طلاباً لعز أو غلاباً لضائم فلم يحظ بالعلياء من هاب صدمة فغض عناناً دون قرع الصوارم فأي اتضاح كان لا بعد مشكل وأي انفساح بان لا عن مآزم هي الهمة الشماء تلحظ غاية فترمي إليها عن قسي العزائم فما انساح سرب لم يصل سبب العلا ولا ارتاح ندب لم يصل بصوارم فليس بحي سالك في خسائس وليس بميت هالك في مكارم بعزة بأس واطلاع بصيرة وهزة نفس واتساع مراحم حظوظ كمال أظهرت من عجائب بمرآة شخص ما اختفى في العوالم وما يستطيع المرء يختص نفسه ألا إنما التخصيص قسمة راحم وأعظم أهل الفضل من ساد بالقوى فقاد بسبق الطبع أقوى الأعاظم ترى ضمت الأفلاك ملكاً كيوسف من الجبل اللاتي خلت في الأقادم فما مثل ملك ساسه في أحادث ولا مثل حرب هاجها في ملاحم أباني دار العدل في مارق الوغى بمسرب آن من دماء الغواشم فديتك من معل لدينك مبتن وأفديك من مبل لضدك هادم فأنت الذي أيقظت حزب محمد جهاداً وهم في غفلة المتناوم فحاربت للإيمان لا لضغائن ورابطت للرضوان لا لمغانم أجدك لن ينفك يضرب هكذا قبابك حيث اشتك سدم اللهاذم وفي حجرات النقع سيح صوارخ كأمواج لج للهضاب ملاطم فلا طنب إلا توثب مقدم ولا وتد إلا تجلد عارم فدارك والأبطال ثارث حيالها مقر سرور في مفر مآثم لأنك فيها إذ هفوا جالس على سرير ثبات مطمئن القوائم وأنك فيهم إذ سطوا خالس طلي كبير نياب مرجحن الشكائم فأنت المليك الناصر الحق ممعناً يرى دهم شوك الحرب مهد النواعم أتعشقك الهيجاء أم أنت عاشق لها في وصال من حبيبين دائم شتاء وصيفاً لا نزال نرا في مساء وصبح كالأذان الملازم فهجرت حتى قيل ليس بقائل وبيت حتى قيل ليس بنائم وأرجفت روماً إذ خرقت فرنجة فكانوا غثاء في سيول الهزائم كددتهم أعلى التلال كأنهم ضباب كدى فزّت لأضباب حاطم وفيت لهم حتى أحبوك ساطيا فهم وفاء العهد قيد المخاصم فخانوا فحابوا فانتدوا فتلاوموا فقالوا خذلنا بارتكاب الجرائم يعجل للمرء الجزاء بفعله فطوبى لصبار وبؤس لآثم وقد يفسد الحر الكريم جليسه وتضعف بالإيهام قوة حازم إذا لج لوم من سفيه لراشد توهم رشداً في سفاهة لائم عجبت من الإنسان يعجب وهو في نقائص أحوال قسيم السوائم يرى جوهر النفس الطليق فيزدهي ويذهل عن أعراض جسم لوازم ديون اضطرار تقتضي كل ساعة فتنقرض الأعمار بين المغارم وكل فمغرور بحب حياتي ويغريه بالأدنى خفاء الخواتم وجمَّاع مال لا انتفاع له به كما مص مشروطاً زجاج المحاجم يفيض وما أوعاه يرعاه مهدفاً لرشفة صاد أو لرشفة صادم ومن عرف الدنيا تيقن أنها مطية يقظان وطيفة حالم فلله ساع في مناهج طاعة لإيلاف عدل أو لإتلاف ظالم أفاتح بيت القدس سيفك مفتح لقفل الهدى مغلاق باب المآثم وإذ درجوا كالرمل أعجز عدة إلى تل عكا كالدبى المتراكم وكالنحل ملتفاً كوارثه هوى من التل تخشى منهم كالمرادم كأن لهم في تل عكا مصادة يحاش لهاأسراب وحش سوائم فسرب كسير موبق في حفائ وسرب حسير مرهق في مقاحم فكم ملك منهم أتاها بكثرة فزادهم نقصاً زيادة عادم يشقون من إسبان أثباج زاخر ومن رومة الكبرى فجاج مخارم فهالوا بنجدَيْ جاريات ووخد وذابوا بحديْ مخدم لك هاضم غلست الطراز الأخضر الرقم منهم بصوت نجيع أحمر القطر ساجم ولو أنبت المرج النفوس لأينعت بما ساح فيه عن حشا وغلاصم قليب كلى يسقى بأشطان ذابل وعين طلى تجري بميزاب صارم وأضلع فرسان نعال سوابك وأرؤس أعيان غواشي البراجم كذا فليرصع جوهر القول متحف به لمليك مثل يوسف عالم وما زلت أجلو من حلاه عرائساً يظل بها أهل النهى في ولائم بمنتظم التفضيل طلق كأنه مفلج ثغر مستنير المباسم معان كبهر السحر في عقد ناظر ولفظ كشذرالتبر في عقد ناظم سما عن حضيض الشعر في أوج حكمة وجل بصاحي الفكر عن نهج هائم ستنسى بذكراه أقاويل من مضى وينبت نوراً شائعاً في الأقالم كما شاع هذا الأمر في الخلق مزرياً بتبع أعراب وكسرى أعاجم ففرضاً أرى مدحي له متجنباً مديح سواه كاجتناب المحارم وليس اجتداء بل تحية شاكر وتأييد آثار وتأييد عازم فيا خير قوام على خير ملة يكافح عنها كل ألب مقاوم تمسك بحبل اللّه معتصماً به فليس سواه ناصر نصر عاصم تمسك بمن أعطاك ما قد رجوته ويعطيك ما ترجو لحسنى الخواتم بعثت بها والشوق يقدم ركبها إلى مجلس فيه منى كل قادم أقبل ذو دولة فقالوا لمثل ذا فاتخذ ملاذا فقلت للحاضرين حولي أجائز أن يموت هذا قالوا نعم قلت فهو طل يعطش من ظنه رذاذا قد ذل من لاذ بالفواني وعز من بالقديم لاذا وقال أيضاً من لم يسل عنك فلا تسألن عنه ولو كان عزيز النفر وكن فتى لم تدعه حاجة إلى امتهان النفس إلا نفر وقال أيضاً لا تصدّق عليك عقد صداق واغن بالمطل فيه عن ترويج ومتى ما ذكرت يوم الخطب فلتكن خطبة بلا تزويج وقال أيضاً قالوا نرى نفراً عند الملوك سموا وما لهم همة تسمو ولا ورع وأنت ذو همة في الفضل عالية فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا ولحكيم الزمان عبد المنعم الجلياني عدة من الكتب فما قاله من منظوم الكلام ومطلقه عشرة دواوين الأول ديوان الحكم وميدان الكلم يشتمل على الإشارة إلى كل غامض المدرك من العلم وإلى كل صادق المنسك من العمل وإلى كل واضح المسلك من الفضيلة وهو نظم والثاني ديوان المشوقات إلى الملأ الأعلى وهو نظم والثالث ديوان أدب السلوك وهو كلام مطلق يشتمل على مشارع كلمات الحكمة المبصرات والرابع كتاب نوادر الوحي وهو يشتمل على كلام حكمة مطلق في غريب معان من القرآن العظيم ومن حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم والخامس كتاب تحرير النظر وهو يشتمل على كلمات حكمة مفردات في البسائط والمركبات والقوى والحركات والسادس كتاب سر البلاغة وصنائع البديع في فصل الخطاب والسابع ديوان المبشرات القدسيات وهو نظم وتدبيج وكلام مطلق يشتمل على وصف الحروب والفتوح الجارية على يد صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب فاتح مدينة البيت المقدس في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة والثامن ديوان الغزل والتشبيب والموشحات والدوبيتي وما يتصل به منظوماً والتاسع ديوان تشبيهات وألغاز ورموز وأحاجي وأوصاف وزجريات وأغراض شتى منظوماً والعاشر ديوان ترسل ومخاطبات في معان كثيرة وأصناف من الخطب والصدور والأدعية وله أيضاً من الكتب كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر من خصائص الملك الناصر صلاح

أبو الفضل بن أبي الوقار

هو الشيخ الأجل العالم أبو الفضل إسماعيل بن أبي الوقار أصله من المعرة وأقام بدمشق وسافر إلى بغداد وقرأ على أفاضل الأطباء من أهلها واجتمع بجماعة من العلماء بها وأخذ عنهم ثم عاد إلى دمشق وكان متميزاً في صناعة الطب علمها وعملها كثير الخير محمود الطريقة حسن السيرة وافر الذكاء وكان في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ويعتمد عليه في صناعة الطب وكان لايفارقه في السفر والحضر وله الحظ الوافر والإنعام الكثيرة وتوفي الملك العادل نور الدين وهو في حلب في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمسمائة‏.‏

مهذب الدين بن النقاش

هو الشيخ الإمام العالم أبو الحسن علي بن أبي عبد اللَّه عيسى بن هبة اللَّه النقاش مولده ومنشؤه ببغداد عالم بعلم العربية والأدب وكان يتكلم الفارسي واشتغل بصناعة الطب على الأجل أمين الدولة هبة اللَّه بن صاعد بن التلميذ ولازمه مدة واشتغل بعلم الحديث سمع ببغداد من أبي القاسم عمر بن الحصين وحدث عنه سمع منه القاضي عمر بن القرشي وروى عنه حديثاً في معجمه وكان أبو عبد اللَّه عيسى بن هبة اللَّه بن النقاش بزازاً أديباً قال عماد الدين أبو عبد اللَّه محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب في كتاب الخريدة أنشدني مهذب الدين أبو الحسن علي بن النقاش لوالده إذا وجد الشيخ في نفسه نشاطاً فذلك موت خفي ألست ترى أن ضوء السراج له لهب قبل أن ينطفي قال وأنا لقيت أبا عبد اللَّه بن النقاش ببغداد وتوفي رحمه اللَّه في العشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بها بعد مسيري إلى أصبهان قال وقرأت بخط السمعاني أنشدني أبو عبد اللّه النقاش لنفسه رزقت يساراً فوافيت من قدرت به حين لم يرزق وأملقت من بعده فاعتذرت إليه اعتذار أخ مملق وإن كان يشكر فيما مضى بذا فسيعذر فيما بقي قال قال وأنشدني لنفسه أيضاً من قطعة وكذا الرئيس فإنه عندي كمجرى الروح يجري أنكرت في دلف عليه تهتكا من بعد ستر قمر تراه إذا استمر كمثل أربعة وعشر يرفو بنجلاوين يسقم من سقامهما ويبري وإذا تبسم في دجا ليل شهدت له بفجر وبورد وجنته وحسن عذاره قد قام عذري أقول ولما وصل مهذب الدين بن النقاش إلى دمشق بقي بها يطلب وكان أوحد زمانه في صناعة الطب وله مجلس عام للمشتغلين عليه ثم توجه إلى الديار المصرية وأقام بالقاهرة مدة ثم رجع إلى دمشق ولم يزل مقيماً إلى حين وفاته وخدم بصناعة الطب الملك العادل نور الدين بن محمود بن زنكي وكان يعاني أيضاً كتابة الإنشاء وكتب كثيراً لنور الدين المراسلات والكتب إلى سائر النواحي وكان مكيناً عنده وخدم أيضاً في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بدمشق وبقي به سنين وكتب الأمير مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن منقذ إلى مهذب الدين بن النقاش يستهدي دهن بلسان ركبتي تخدم المهذب في العلم وفي كل حكمة وبيان وهي تشكو إليه تأثير طول العمر في ضعفها وطول الزمان فلها فاقة إلى ما يقويها على مشيها من البلسان رغبة في الحياة من بعد طول العمر والموت غاية الإنسان فبعث إليه ما أراد من ذلك ولم يزل في خدمة نور الدين إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاة نور الدين في شوال سنة تسع وستين وخمسمائة بدمشق وخدم مهذب الدين ابن النقاش أيضاً بصناعة الطب بعد ذلك للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ملك دمشق وحظي عنده وكان مهذب الدين بن النقاش كثير الإحسان محباً للجميل يؤثر التخصص ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولداًًً وكانت وفاته رحمه اللَّه بدمشق في يوم السبت ثاني عشر محرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ودفن بها في جبل قاسيون‏.‏

أبو زكريا يحيى البياسي

هو أمين الدين أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الأندلسي البياسي من الفضلاء المشهورين والعلماء المذكورين قد أتقن الصناعة الطبية وتميز في العلوم الرياضية وصل من المغرب إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم توجه إلى دمشق وقطن بها وقرأ على مهذب الدين أبي الحسن علي بن علي بن هبة اللَّه المعروف بابن النقاش البغدادي ولازمه وكتب الستة عشر لجالينوس وقرأها عليه وكتب بخطه كتباً كثيرة جداً في الطب وغيره وكان يعرف النجارة وعمل لابن النقاش آلات كثيرة تتعلق بالهندسة وكان أبو زكريا يحيى البياسي جيد اللعب بالعود وعمل الأرغن أيضاً وحاول اللعب به وكان يقرأ عليه علم الموسيقا وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بصناعة الطب وبقي معه مدة في البيكار ثم استعفى من ذلك وطلب المقام بدمشق فأطلق له الملك الناصر جامكية وبقي مقيماً في دمشق وهو يتناولها إلى أن توفي رحمه اللّه‏.‏

سكرة الحلبي

كان شيخاً قصيراً من يهود مدينة حلب وكانت له دربة بالعلاج وتصرف في المداواة حدثني الشيخ صفي الدين خليل بن أبي الفضل بن منصور التنوخي الكاتب اللاذقي قال كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب وكانت له في القلعة بها حظية يميل إليها كثيراً ومرضت مرضاً صعباً وتوجه الملك العادل إلى دمشق وبقي قلبه عندها وكل وقت يسأل عنها فتطاول مرضها وكان يعالجها جماعة من أفاضل الأطباء وأحضر إليها الحكيم سكرة فوجدها قليلة الأكل متغيرة المزاج لم تزل جنبها إلى الأرض فتردد إليها مع الجماعة ثم استأذن الخادم في الحضور إليها وحده فأذنت له فقال لها يا ستي أنا أعالجك بعلاج تبرئي به في أسرع وقت إن شاء اللّه تعالى وما تحتاجي معه إلى شيء آخر فقالت افعل فقال أشتهي إن مهما أسألك عنه تخبريني به ولا تخفيني فقالت نعم وأخذ منها أماناً فقال تعرفيني ما جنسك فقالت علانية فقال العلان في بلادهم نصارى فعرفيني أيش كان أكثر أكلك في بلدك فقالت لحم البقر فقال يا ستي وما كنت تشربين من النبيذ الذي عندهم فقالت كذا كان فقال أبشري بالعافية وراح إلى بيته واشترى عجلاً وذبحه وطبخ منه وجاب معه في زبدية منه قطع لحم مسلوق وقد جعلها في لبن وثوم وفوقها رغيف خبز فأحضره بين يديها وقال كلي فمالت نفسها إليه وصارت تجعل اللحم في اللبن والتوم وتأكل حتى شبعت ثم بعد ذلك أخرج من كمه برنية صغيرة وقال ياستي هذا شراب ينفعك فتناوليه فشربته وطلبت النوم وغطيت بقرجة فرو سنجاب فعرقت عرقاً كثيراً وأصبحت في عافية وصار يجيب لها من ذلك الغذاء والشراب يومين آخرين فتكاملت عافيتها فأنعمت عليه وأعطته صينية مملوءة حلياً فقال أريد مع هذا أن تكتبي لي كتاباً إلى السلطان وتعرفيه ما كنت فيه من المرض وأنك تعافيت على يدي فوعدته بذلك وكتبت إلى السلطان تشكر منه وتقول له فيها أنها كانت قد أشرفت على الموت وأن فلاناً عالجني وما وجدت العافية إلا على يديه وجميع الأطباء الذين كانوا عندي ما عرفوا مرضي وطلبت منه أن يحسن إليه فلما قرأ الكتاب استدعاه واحترمه وقال له هم شاكرون من مداواتك فقال يا مولانا كانت من الهالكين وإنما اللَّه عز وجل جعل عافيتها على يدي لبقية أجل كان لها فاستحسن قوله وقال أيش تريد أعطيك فقال يا مولانا تطلق لي عشر فدادين خمسة في قرية صمع وخمسة في قرية عندان فقال نطلقها لك بيعاَ وشراء حتى تبقى مؤبدة لك وكتب له بذلك وخلع عليه وعاد إلى حلب وكثرت أمواله بها ولم يزل في نعمة طائلة بها وأولاده بعده‏.‏

عفيف بن سكرة

هو عفيف بن عبد القاهر سكرة يهودي من أهل حلب عارف بصناعة الطب مشهور بأعمالها وجودة النظر فيها له أولاد وأهل أكثرهم مشتغلون بصناعة الطب ومقامهم بمدينة حلب ولعفيف بن سكرة من الكتب مقالة في القولنج ألفها للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وذلك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة‏.‏

ابن الصلاح

هو الشيخ العالم نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن محمد بن السري وكان يعرف بابن الصلاح فاضل في العلوم الحكمية جيد المعرفة بها مطلع على دقائقها وأسرارها فصيح اللسان قوي العبارة مليح التصنيف متميز في علم صناعة الطب وكان أعجمياً أصله من همدان وقطن ببغداد واستدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق إليه وأكرمه غاية الإكرام وبقي في صحبته مدة ثم توجه ابن الصلاح إلى دمشق ولم يزل بها إلى أن توفي وكانت وفاته رحمه اللّه بدمشق ليلة الأحد سنة نيف وأربعين خمسمائة ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق‏.‏

ونقلت من خط الشيخ الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى بن إسمعيل البياسي رحمه اللّه قال كان قد ورد إلى دمشق الشيخ الإمام العالم الفيلسوف أبو الفتوح بن الصلاح من بغداد ونزل عند الشيخ الحكيم أبي الفضل إسمعيل بن أبو الوقار الطبيب وارد ابن الصلاح أن يستعمل له تمشكا بغداديا وسأل عن صانع مجيد لعمل ذلك فدل على رجل يقال له سعدان الإسكاف فاستعمل التمشك عنده ولما فرغ منه بعد مدة وجده ضيق الصدر زائد الطول رديء الصنعة فبقي في أكثر أوقاته يعيبه ويستقبح صنعته ويلوم الذي استعمله وبلغ ذلك الشيخ أبا الحكم المغربي الطبيب فقال على لسان الفيلسوف هذه القصيدة على سبيل المجون وذكر فيها أشياء كثيرة من اصطلاحات المنطق والألفاظ الحكمية والهندسية وهي مصابي مصاب تاه في وصفه عقلي وأمري عجيب شرحه يا أبا الفضل أبثك ما بي من أسى وصبابة وما قد لقيت في دمشق من الذل قدمت إليها جاهلاً بأمورها على أنني حوشيت في العلم من جهل فقلت عسى أن يخلف الدهر مثله وهيهات أن ألقاه في الحزن والسهل ولاحقني نذل دهيت بقربه فلله ما قاسيت من ذلك النذل فقلت له يا سعد جد لي بحاجة تحوز بها شكر امرئ عالم مثلي بحقي عسى تستنخب اليوم قطعة من الأدم المدبوغ بالعفص والخل فقال على رأسي وحقك واجب على كل إنسان يرى مذهب العقل فناولته في الحال عشرين درهما وسوفني شهرين بالدفع والمطل فلما قضى الرحمن لي بنجازه وقلت ترى سعدان أنجز لي شغلي أتى بتمشك ضيق الصدر أحنف بكعب غدا حتفاً على الكعب والرجل وبشتيكه بشتيك سوء مقارب أضيف إلى نعل شبيه به فسل بشكل على الأذهان يعسر حله ويعي ذوي الألباب والعقد والحل وكعب إلى القطب الشمالي مائل ووجه إلى القطب الجنوبي مستعلي وما كان في هندامه لي صحة ولكن فساد شاع في الفرع والأصل وفيه اختلال من قياس مركب فلا ينتج الشرطي منه ولا الحملي ومن عظم ما قاسيت من ضيق بأسه أخاف على جسمي من السقم والسل فيا لتمشك مذ تأملت شكله علمت يقيناً أنه موجب قتلي وينشد من يأتيه نعيي بجلق بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل فلا تعجبوا مهما دهاني فإنني وجدت به ما لم يجد أحد قبلي ولابن الصلاح من الكتب مقالة في الشكل الرابع من أشكال القياس الحملي وهذا الشكل المنسوب إلى جالينوس كتاب في الفوز الأصغر في الحكمة شهاب الدين السهروردي هو الإمام الفاضل أبو حفص عمر بن كان أوحداً في العلوم الحكمية جامعاً للفنون الفلسفية بارعاً في الأصول الفلكية مفرط الذكاء جيد الفطرة فصيح العبارة لم يناظر أحداً إلا بزّه ولم يباحث محصلاً إلا أربى عليه وكان علمه أكثر من عقله حدثني الشيخ سديد الدين بن عمر قال كان شهاب الدين السهروردي قد أتى إلى شيخنا فخر الدين المارديني وكان يتردد إليه في أوقات وبينهما صداقة وكان الشيخ فخر الدين يقول لنا ما أذكى هذا الشاب وأفصحه ولم أجد أحداً مثله في زماني إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك سبباً لتلافه قال فلما فارقنا شهاب الدين السهروردي من الشرق وتوجه إلى الشام أتى إلى حلب وناظر بها الفقهاء ولم يجاره أحد فكثر تشنيعهم عليه فاستحضره السلطان الملك الظافر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب واستحضر الأكابر من المدرسين والفقهاء والمتكلمين ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام فتكلم معهم بكلام كثير بان له فضل عظيم وعلم باهر وحسن موقعه عند الملك الظاهر وقربه وصار مكيناً عنده مختصاً به فازداد تشنيع أولئك عليه وعملوا محاضرة بكفره وسيروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين وقالوا إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك الظاهر وكذلك إن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك فبعث صلاح الدين إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتاباً في حقه بخط القاضي الفاضل وهو يقول فيه إن هذا الشهاب السهروردي لا بد من قتله ولا سبيل أنه يطلق ولا يبقى بوجه من الوجوه ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك وأيقن أنه يقتل وليس جهة إلى الإفراج عنه اختار أنه يترك في مكان مفرد ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى اللّه تعالى ففعل به ذلك وكان في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة قال الشيخ سديد الدين محمود بن عمرولما بلغ شيخنا فخرالدين المارديني قتله قال لنا أليس كنت قلت لكم عنه هذا من قبل وكنت أخشى عليه منه‏.‏

أقول ويحكى عن شهاب الدين السهروردي أنه كان يعرف علم السيمياء وله نوادر شوهدت عنه من هذا الفن ومن ذلك حدثني الحكيم إبراهيم بن أبي الفضل بن صدقة أنه اجتمع به وشاهد منه ظاهر باب الفرج وهم يتمشون إلى ناحية الميدان الكبير ومعه جماعة من التلاميذ وغيرهم وجرى ذكر هذا الفن وبدائعه وما يعرف منه وهو يسمع فمشى قليلاً وقال ما أحسن دمشق وهذه المواضع قال فنظرنا وإذا من ناحية الشرق جواسق عالية متدانية بعضها إلى بعض مبيضة وهي من أحسن ما يكون بناية وزخرفة وبها طاقات كبار فيها نساء ما يكون أحسن منهم قط وأصوات مغان وأشجار متعلقة بعضها مع بعض وأنهار جارية كبار ولم نكن نعرف ذلك من قبل فبقينا نتعجب من ذلك وتستحسنه الجماعة وانذهلوا لما رأوا قال الحكيم فبقينا كذلك ساعة ثم غاب عنا وعدنا إلى رؤية ما كنا نعرفه من طول الزمان قال لي إلا أن عند رؤية تلك الحالة الأولى العجيبة بقيت أحس في نفسي كأنني في سنة خفية ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني وحدثني بعض فقهاء العجم قال كنا مع الشيخ شهاب الدين عبد القابون ونحن مسافرون عن دمشق فلقينا قطيع غنم مع تركماني فقلنا للشيخ يا مولانا نريد من هذا الغنم رأساً نأكله فقال معي عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم وكان ثم تركماني فاشترينا منه رأساً بها فمشينا فلحقنا رفيق له وقال ردوا الرأس وخذوا أصغر منه فإن هذا ما عرف بيعكم يسوي هذا الرأس البختية الذي معكم أكثر من الذي قبض منكم وتقاولنا نحن وإياه ولما عرف الشيخ ذلك قال لنا خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأرضيه فتقدمنا وبقي الشيخ يتحدث معه ويمنيه فلما أبعدنا قليلاً تركه وتبعنا وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه ولما لم يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وقال أين تروح وتخليني وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من عند كتفه وبقيت في يد التركماني ودمها يجري فبهت التركماني وتحير في أمره ورمى اليد وخاف فرجع الشيخ وأخذ تلك اليد بيده اليمنى ولحقنا وبقي التركماني راجعاً وهو يتلفت إلينا حتى غاب ولما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده اليمنى منديله لا غير‏.‏

وحدثني صفي الدين خليل بن أبي الفضل الكاتب قال حدثنا الشيخ ضياء الدين ابن صقر رحمه اللّه أن في سنة خمسمائة وتسعة وسبعين قدم إلى حلب الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ونزل في مدرسة الجلاوية وكان مدرسها يومئذ الشريف رئيس الحنفية افتخار الدين رحمه اللّه فلما حضر شهاب الدين الدرس وبحث مع الفقهاء وكان لابس دلق وهو مجرد بإبريق وعكاز وما كان أحد يعرفه فلما بحث وتميز بين الفقهاء وعلم افتخار الدين أنه فاضل أخرج له ثوباً عتابياً وغلالة ولباساً وبقياراً وقال لولده تروح إلى هذا الفقير وتقول له والدي يسلم عليك ويقول لك أنت رجل فقيه وتحضر الدرس بين الفقهاء وقد سير لك شيئاً تكون تلبسه إذا حضرت فلما وصل ولده إلى الشيخ شهاب الدين وقال له ما أوصاه سكت ساعة وقال يا ولدي حط هذا القماش وتفضل اقض لي حاجة وأخرج له فص بلخش في قدر بيضة الدجاجة رماني ما ملك أحدمثله في قده ولونه وقال تروح إلى السوق تنادي على هذا الفص ومهما جاب لا تطلق بيعه حتى تعرفني فلما وصل به إلى السوق عند العريف ونادى على الفص فانتهى ثمنه إلى مبلغ خمسة وعشرين ألف درهم فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين وهو يومئذ صاحب حلب وقال هذا الفص قد جاب هذا الثمن فأعجب الملك الظاهر قده ولونه وحسنه فبلغه إلى ثلاثين ألف درهم فقال العريف حتى أنزل إلى ابن افتخار الدين وأقول له وأخذ الفص ونزل إلى السوق وأعطاه له وقال له رح شاور والدك على هذا الثمن واعتقد العريف أن الفص لافتخار الدين فلما جاء إلى شهاب الدين السهروردي وعرفه بالذي جاب الفص صعب عليه وأخذ الفص وجعله على حجر وضربه بحجر آخر حتى فتته وقال لولد افتخار الدين خذ يا ولدي هذه الثياب ورح إلى والدك قبل يده عني وقل له لو أردنا الملبوس ما غلبنا عنه فراح إلى افتخار الدين وعرفه صورة ما جرى فبقي حائراً في قضيته وأما الملك الظاهر فإنه طلب العريف وقال أريد الفص فقال يا مولانا أخذه صاحبه ابن الشريف افتخار الدين مدرس الجلاوية فركب السلطان ونزل إلى المدرسة وقعد في الإيوان وطلب افتخار الدين إليه وقال أريد الفص فعرفه أنه لشخص فقير نازل عنده قال فأفكر السلطان ثم قال يا افتخار الدين إن صدق حدسي فهذا شهاب الدين السهروردي ثم قام السلطان واجتمع بشهاب الدين وأخذه معه إلى القلعة وصار له شأن عظيم وبحث مع الفقهاء في سائر المذاهب وعجّزهم واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدراً منهم فتعصبوا عليه وأفتوا في دمه حتى قتل وقيل إن الملك الظاهر سير إليه من خنقه قال ثم إن الملك الظاهر بعد مدة نقم على الذين أفتوا في دمه وقبض عل جماعة منهم واعتقلهم وأهانهم وأخذ منهم أموالاً عظيمة‏.‏

حدثني سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة قال كان الشيخ شهاب الدين السهروردي رث البزة لا يلتفت إلى ما يلبسه ولا له احتفال بأمور الدنيا قال وكنت أنا وإياه نتمشى في جامع ميافارقين وهو لابس جبة قصيرة مضربة زرقاء وعلى رأسه فوطة مفتولة وفي رجليه زربول ورآني صديق لي فأتى إلى جانبي وقال ما جئت تماشي إلا هذا الخربند فقلت له اسكت هذا سيد الوقت شهاب الدين السهروردي فتعاظم قولي وتعجب ومضى‏.‏

وحدثني بعض أهل حلب قال لما توفي شهاب الدين رحمه اللّه ودفن بظاهر مدينة حلب قد كان صاحب هذا القبر جوهرة مكنونة قد براها اللّه من شرف فلم تكن تعرف الأيام قيمته فردها غيرة منه إلى الصدف ومن كلامه قال في دعاء اللهم يا قيام الوجود وفائض الجود ومنزل البركات ومنتهى الرغبات منور النور ومدبر الأمور وواهب حياة العالمين أمددنا بنورك ووفقنا لمرضاتك وألهمنا رشدك وطهرنا من رجس الظلمات وخلصنا من غسق الطبيعة إلى مشاهدة أنوارك ومعاينة أضوائك ومجاورة مقربيك وموافقة سكان ملكوتك واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من الملائكة والصديقين والأنبياء والمرسلين‏.‏

ومن شعر شهاب الدين السهروردي أبداً تحن إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والراح وقلوب أهل ودادكم تشتاقك وإلى لذيذ وصالكم ترتاح وارحمتا للعاشقين تكلفوا ستر المحبة والهوى فضاح بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء البائحين تباح وإذا هم كتموا تحدث عنهم عند الوشاة المدمع السحاح وبدت شواهد للسقام عليهم فيها لمشكل أمرهم إيضاح فإلى لقاكم نفسه مشتاقة وإلى رضاكم طرفه طماح عودوا بنور الوصل من غسق الدجا فالهجر ليل والوصال صباح وتمتعوا فالوقت طاب لكم وقد رق الشراب ودارت الأقداح مترنحاً وهو الغزال الشارد وبخده الصهباء والتفاح وبثغره الشهد الشهي وقد بدا في أحسن الياقوت منه أقاح وقال عند وفاته وهو يجود بنفسه لما قتل‏:‏ قل لأصحاب رأوني ميتا فبكوني إذ رأوني حزنا لا تظنوني بأني ميت ليس ذا الميِّت واللّه أنا أنا عصفور وهذا قفصي طرت عنه فتخلى رهنا وأنا اليوم أناجي ملأ وأرى اللّه عياناً بهنا فاخلعوا الأنفس عن أجسادها لترون الحق حقاً بينا لا ترعكم سكرة الموت فما هي إلا انتقال من هنا فارحموني ترحموا أنفسكم واعلموا أنكم في أثرنا من رآني فليقوِّ نفسه إنما الدنيا على قرن الفنا وعليكم من كلامي جملة فسلام اللّه مدح وثنا ولشهاب الدين السهروردي من الكتب كتاب التلويحات اللوحية والعرشية كتاب الألواح العمادية ألفه لعماد الدين أبي بكر بن قرا أرسلان بن داود بن أرتق صاحب خرت برت كتاب اللحمة كتاب المقاومات وهو لواحق على كتاب التلويحات كتاب هياكل النور كتاب المعارج كتاب المطارحات كتاب حكمة الإشراق

شمس الدين الخويي

هو الصدر الإمام العالم الكامل قاضي القضاة شمس الدين حجة الإسلام سيد العلماء والحكام أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى من مدينة خوي كان أوحد زمانه في العلوم الحكمية وعلامة وقته في الأمور الشرعية عارفاً بأصول الطب وغيره من أجزاء الحكمة عاقلاً كثير الحياء حسن الصورة كريم النفس محباً لفعل الخير وكان رحمه اللّه ملازماً للصلاة والصيام وقراءة القرآن ولما ورد إلى الشام في أيام السلطان الملك المعظم عيسى بن الملك العادل استحضره وسمع كلامه فوجده أفضل أهل زمانه في سائر العلوم وكان الملك المعظم عالماً بالأمور الشرعية والفقه فحسن موقعه عنده وأكرمه وأطلق له جامكية وجراية وبقي معه في الصحبة ثم جعله مقيماً بدمشق وله منه الذي له وقرأ عليه جماعة من المشتغلين وانتفعوا به وكنت أتردد إليه وقرأت عليه التبصرة لابن سهلان وكان حسن العبارة قوي البراعة فصيح اللسان بليغ البيان وافرالمروة كثير الفتوة وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري لحقه وقرأ عليه ثم ولاه الملك المعظم القضاء وجعله قاضي القضاة بدمشق وكان مع ذلك كثير التواضع لطيف الكلام يمضي إلى الجامع ماشياً للصلوات في أوقاتها وله تصانيف لا مزيد عليها في الجودة وكان ساكناً في المدرسة العادلية ويلقي بها الدرس للفقهاء ولم يزل على هذه الحال إلى أن توفي رحمه اللّه وهو في سن الشباب وكانت وفاته بحمى الدق بدمشق وذلك في شهر شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏

ولشمس الدين الخويي من الكتب تتمة تفسير القرآن لابن خطيب الري كتاب في النحو كتاب في علم الأصول كتاب يشتمل على رموز حكمية على ألقاب السلطان الملك المعظم صنفه للملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب‏.‏

هو القاضي الأجل الإمام العالم رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسمعيل بن عبد الهادي الجيلي من أهل فيلمان شهر من الجيلان وكان من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية وأصول الدين والفقه والعلم الطبيعي والطب وكان مقيماً بدمشق وهو فقيه في المدرسة العذراوية داخل باب النصر وله مجلس للمشتغلين عليه في أنواع العلوم والطب وقرأت عليه شيئاً من العلوم الحكمية وكان فصيح اللسان قوي الذكاء كثير الاشتغال والمطالعة واستخدم قاضياً في مدينة بعلبك وبقي بها مديدة وكان صديقاً للصاحب أمين الدولة وبينهما عشرة ولما تملك السلطان الملك الصالح عماد الدين إسمعيل دمشق وتوفي قاضي القضاة شمس الدين الخويي رحمه اللّه فأشار الصاحب أمين الدولة أن يجعل موضعه فولاه السلطان وصار قاضي القضاة بدمشق وارتفعت منزلته وأثرى وبقي كذلك مدة وكان كثير من الناس يتظلمون منه ويشكون سيرته وبالجملة فإن الحال تأدى به إلى أن قبض عليه وقتل رحمه اللّه في أيام الملك الصالح إسمعيل وكان قد وقع بين القاضي رفيع الدين وبين الوزير أمين الدولة فبعثوه تحت الحوطة مع رجال عوامله إلى قريب بعلبك في موضع فيه هوة عظيمة لا يعرف لها قعر يقال لها مغارة افقه وكانوا أمروهم بما يفعلونه به فكتفوه ثم دفعوه في وسطها وحدثنا بعض الذين كانوا معه أنه لما دفع في تلك الهوة تحطم في نزوله وكأنه تعلق في بعض جوانبها أسفل بثيابه قال فبقينا أقول ومن عجيب ما يحكى أن القاضي رفيع الدين وقف على نسخة من هذا الكتاب بحضوري وما كنت ذكرته في تلك النسخة فطالع فيه ولما وقف على أخبار شهاب الدين السهروردي تأثر من ذلك وقال لي ذكرت هذا وغيره أفضل منه ما ذكرته وأشار إلى نفسه ثم قال وأيش كان من حال شهاب الدين إلا أنه قتل في آخر أمره وقدر اللّه عز وجل أن رفيع الدين قتل أيضاً مثله فسبحان اللّه العظيم المدبر في خلقه بما يشاء وكانت وفاة القاضي رفيع الدين في شهر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة ولماكان رفيع الدين قد تولى القضاء بدمشق وصار قاضي القضاة وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة عملت فيه هذه القصيدة وأهنئه فيها مجد وسعد دائم وعلاء أبد الزمان ورفعة وسناء ببقاء مولانا رفيع الدين ذي الجود العميم ومن له النعماء قاضي القضاة أجل مولى لم يزل بعلاه يسمو العلم والعلماء متفرد بالمكرمات وإنما كل الورى في بعضها شركاء لو رام كل بليغ قول أنه يحصي علاه لقصر البلغاء كم من عداة شاهدين بفضله والفضل ما شهدت به الأعداء وبه لجيل في البلاد مفاخر وكذا لهذا الجيل منه علاء يا سيداً فاق الأنام حقيقة بجميل وصف ليس فيه خفاء قد كان عندي من فراقك والنوى ألم ومن رؤياك جاء شفاء وأتى إلى قلبي السرور وأشرقت شمس الحبور وزالت البرحاء وبدت تباشير الهناء بمنصب يعلوه من نور الإله بهاء إحكام أحكام وعدل شائع ملئت به وبفضلك الغبراء وتفرقت في الناس منك فواضل وتجمعت منهم لك الأهواء فلك السيادة والسعادة والعلا والفضل والأفضال والآلاء والمشتري للحمد أنت وإن تقل فصل الخطاب فإنك الجوزاء ولئن خصصتك بالهناء فإنه عم الأنام بما وليت هناء للّه كم أوليتني منناً على مر الزمان وما لها إحصاء فاسلم ودم في رغد عيش دائم ما غردت في أيكها الورقاء

شمس الدين الخسروشاهي

هو السيد الصدر الكبير العلم شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي وخسروشاه ضيعة قريبة من تبريز إمام العلماء سيد الحكماء قدوة الأنام شرف الإسلام قد تميز في العلوم الحكمية وحرر الأصول الطبية وأتقن العلوم الشرعية ولم يزل دائم الاشتغال جامعاً للفضل والأفضال وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري وهو من أجل تلامذته ومن حيث وصل إلى الشام اتصل بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم وأقام عنده بالكرك وهو عظيم المنزلة عنده وله منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير ثم توجه شمس الدين بعد ذلك إلى دمشق وأقام بها إلى أن توفي رحمه اللّه وكانت وفاته في شهر شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة ودفن بجبل قاسيون ولما وصل إلى دمشق اجتمعت به فوجدته شيخاً حسن السمت مليح الكلام قوي الذكاء محصلاً للعلوم ورأيته يوماً وقد أتى إليه بعض فقهاء العجم بكتاب دقيق الخط ثمن البغدادي معتزلي التقطيع فلما نظر فيه صار يقلبه ويضعه على رأسه فسألته عن ذلك فقال هذا خط شيخنا الإمام فخر الدين الخطيب رحمه اللّه فعظم عندي قدره لتعظيمه شيخه ولما توفي شمس الدين الخسروشاهي رحمه اللّه بموتك شمس الدين مات الفضائل وأردى ببدر الفضل والبدر كامل فتى علم بالحق بالخير عامل وما كل ذي علم من الناس عامل فتى بذ كل القائلين بصمته فكيف إذا وافيته وهو قائل وكنا لحل المشكلات نعده إذا أعيت الحذّاق منا المسائل فرب الحجا من بعده اليوم قد خلا وحيد المعالي من حلى الفضل عاطل أتدري المنايا من رمت بسهامها وأي فتى أودى وغال الغوائل رمت أوحد الدنيا وبحر علومها ومن قصرت في الفضل عنه الأوائل ولو كان بالفضل الفتى يدفع الردى لما غيبت عبد الحميد الجنادل ولكن دفع الموت ما فيه حيلة ولا في بقاء المرء يطمع آمل فبعدك شمس الدين أعوز عالم وأبدى الدعاوى في المحافل جاهل وقال الصاحب نجم الدين اللبودي يرثيه‏:‏ أيا ناعياً عبد الحميد تصبراً عليَّ فإن العلم أدرج في كفن تقول له أهلاً وسهلاً ومرحباً بخير فتى وافى إلى ذلك الوطن إلى معشر أضحى الوجود ذواتهم فليس لهم إلف يعوق ولا سكن وحسبك من ذات هي العين حقة فليس بها إفك ولا عندها إحن تبيت ترى ذات الذوات بمرصد تعالى عن الأكوان والكون والزمن لك اللّه شمس الدين كم شدت معلماً من الحق أسنى ذا لسان له لسن مصابك شمس الدين تسلية لنا ومثلي من أضحى بمثلك يمتحن ولشمس الدين الخسروشاهي من الكتب مختصر كتاب المهذب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي لأبي إسحق الشيرازي مختصر كتاب الشفاء للرئيس بن سينا تتمة كتاب الآيات البينات لابن خطيب الري وكان وصل فيها في الشكل الثاني وهذه الآيات البينات غير النسخة الصغيرة المعروفة التي هي عشرة أبواب 222 سيف الدين الآمدي هو الإمام الصدر العالم الكامل سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي أوحد الفضلاء وسيد العلماء كان أذكى أهل زمانه وأكثرهم معرفة بالعلوم الحكمية والمذاهب الشرعية والمبادئ الطبية بهي الصورة فصيح الكلام جيد التصنيف وكان قد خدم الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة وأقام بخدمته بحماة سنين وله منه الجامكية السنية والإنعام الكثير وكان من أكابر الخواص عنده ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المنصور وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة فتوجه إلى دمشق ولما دخلها أنعم عليه الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إنعاماً وأكرمه غاية الإكرام وولاه التدريس وكان إذا نزل وجلس في المدرسة وألقى الدرس والفقهاء عنده يتعجب الناس من حسن كلامه في المناظرة والبحث ولم يكن أحد يماثله في سائر العلوم وكان نادراً أن يقرئ أحداً شيئاً من العلوم الحكمية وكنت اجتمعت به واشتغلت عليه في كتاب رموز الكنوز من تصنيفه وذلك لمودة أكيدة كانت بينه وبين أبي وأول اجتماعي به دخلت أنا وأبي إليه إلى داره وكان ساكناً بدمشق في قاعة عند المدرسة العادلية فلما جلسنا عنده بعد السلام وتفضل بحسن التودد والكلام نظر وقال بهذا اللفظ ما رأيت ولداً أشبه بوالد منكما‏.‏

وأنشدني الصاحب فخر القضاة بن بصاقة لنفسه وقد تشفع به العماد بن السلماسي إلى سيف الدين الآمدي بأن يشتغل عليه يا سيداً جمل اللَّه الزمان به وأهله من جميع العجم والعرب ومثل مولاي من جاءت مواهبه عن غير وعد وجدواه بلا طلب فأصف من بحرك الفياض مورده وأغنه من كنوز العلم لا الذهب واجعل له نسباً يدلي إليك به فلحمة العلم تعلو لحمة النسب ولا تكله إلى الكتب تنبئه فالسيف أصدق أنباء من الكتب أقول وقد جاء في هذا البيت أحسن ما يكون من تضمين قول أبي تمام لاشتراك لفظه السيف ولم يزل سيف الدين مقيماً بدمشق إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاته في رابع شهر صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة‏.‏

ومن شعر سيف الدين الآمدي أنشدني ولده جمال الدين محمد مما أنشده والده سيف الدين لنفسه فلا فضيلة إلا من فضائله ولا غريبة إلا هو منشأها حاز الفخار بفضل العلم وارتفعت به الممالك لما أن تولاها فهو الوسيلة في الدنيا لطالبها وهو الطريق إلى الزلفى بأخراها ولسيف الدين الآمدي من الكتب كتاب دقائق الحقائق كتاب رمز الكنوز كتاب لباب الألباب كتاب أبكار الأفكار في الأصول كتاب غاية المرام في علم الكلام كتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات ألفه للملك المنصور صاحب حماة بن تقي الدين كتاب غاية الأمل في علم الجدل شرح كتاب شهاب الدين المعروف بالشريف المراغي في الجدل كتاب منتهى السالك في رتب المسالك كتاب المبين في معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين دليل متحد الائتلاف وجاد في جميع مسائل الخلاف كتاب الترجيحات في الخلاف كتاب المؤاخذات في الخلاف كتاب التعليقة الصغيرة كتاب التعليقة الكبيرة عقيدة تسمى خلاصة الأبريز تذكرة الملك العزيز بن صلاح الدين كتاب منتهى السول في علم الأصول كتاب منائح القرائح‏.‏

موفق الدين بن المطران

هو الحكيم الإمام العالم الفاضل موفق الدين أبو نصر أسعد ابن أبي الفتح إلياس بن جرجس المطران كان سيد الحكماء وأوحد العلماء وافر الآلاء جزيل النعماء أمير أهل زمانه في علم صناعة الطب وعملها وأكثرهم تحصيلاً لأصولها وجملها جيد المداواة لطيف المداراة عارفاً بالعلوم الحكمية متعيناً في الفنون الأدبية وقرأ علم النحو واللغة والأدب على الشيخ الإمام تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وتميز في ذلك وكان مولد موفق الدين بن المطران ومنشؤه بدمشق وكان أبوه أيضاً طبيباً متقدماً جوالاً في البلاد لطلب الفضيلة وسافر إلي بلاد الروم لإتقان الأصول التي يعتمد عليها في علم النصارى ومذاهبهم ثم عدل بعد ذلك إلي العراق واجتمع بأمين الدولة بن التلميذ واشتغل عليه بصناعة الطب مدة وقرأ عليه كثيراً من الكتب الطبية صار موسوماً بالطب ثم إنه عاد إلي دمشق وبقي طبيباً بها إلى حين وفاته وكان موفق الدين بن المطران حاد الذهن فصيح اللسان كثير الاشتغال وله تصانيف تدل على فضله ونبله في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم واشتغل بالطب على مهذب الدين بن النقاش وكان ابن المطران جميل الصورة كثير التخصص محباً للبس الفاخر المثمن وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة عنده عظيم الجاه وكان يتحجب عنده ويقضي أشغال الناس ونال من جهة المال مبلغاً كثيراً وكان صلاح الدين رحمه اللَّه كريم النفس كثير العطاء لمن هو في خدمته ولمن يقصده من سائر الناس حتى أنه مات ولم يوجد في خزانته من المال شيء وكان له حسن اعتقاد في ابن المطران لا يفارقه في سفر أو حضر ولهذا أنه غمره بإحسانه وأترفه بامتنانه وكان يغلب على ابن المطران الزهو بنفسه والتكبر حتى على الملوك وكان صلاح الدين قد عرف ذلك منه ويحترمه ويبجله لما قد تحققه من علمه وأسلم ابن المطران في أيام صلاح الدين‏.‏

وحدثني بعض من كان يعرف ابن المطران فيما يتعلق بعجبه وإدلاله على صلاح الدين أنه كان معه في بعض غزواته وكانت عادة صلاح الدين في وقت حروبه أن يصب له خيمة حمراء وكذلك دهليزها وشقتها وإن صلاح الدين كان يوماً راكباً وإذا به قد نظر إلى خيمة حمراء اللون وكذلك شقتها ومستراحها فبقي متأملاً لها وسأل لمن هي فأخبر أنها لابن المطران الطبيب فقال واللَّه لقد عرفت أن هذا من حماقة ابن المطران وضحك ثم قال ما بنا إلا يعبر أحد من الرسل فيعتقد أنها لأحد الملوك وإذا كان لا بد فيغير مستراحها وأمر به أن يرمي ولما رمي صعب ذلك على ابن المطران وبقي يومين لم يقرب الخدمة فاسترضاه السلطان ووهب له مالاً وحدثني أيضاً من ذلك أنه كان في خدمة صلاح الدين طبيب يقال له أبو الفرج النصراني وبقي في خدمته مدة وله تردد إلي دوره فقال يوماً للسلطان أن عنده بنات وهو يحتاج إلى تجهيزهن وطلب منه أن يطلق له ما يستعين به من ذلك فقال له صلاح الدين أكتب في ورقة جميع ما تحتاج إليه في تجهيزهن وجيب الورقة فمضى أبو الفرج وكتب في ورقة من المصاغ والقماش والآلات وغير ذلك ما يكون بنحو ثلاثين ألف درهم ولما قرأ صلاح الدين الورقة أمر الخزندار بأن يشتري لأبي الفرج جميع ما تضمنته ولا يخل بشيء منه ولما بلغ ذلك ابن المطران قصر في ملازمته الخدمة وتبين لصلاح الدين منه تغير في وجهه فعرف السبب ثم أمر الخزندار بأن يحضر جميع ما وصل إلى أبي الفرج الطبيب مما اشتراه له ويحسب جملة ثمنه ومهما بلغ من المال يدفع إلي ابن المطران مثله سواء ففعل ذلك وحدثني أبو الظاهر إسماعيل وكان يعرف ابن المطران ويأنس به أن العجب والتكبر الذي كان يغلب على ابن المطران لم يكن على شيء منه في أوقات طلبه العلم وقال أنه كان يراه في الأوقات التي يشتغل فيها بالنحو في الجامع يأتي إذا تفرغ من دار السلطان وهو في مركبة حفلة وحواليه جماعة كثيرة من المماليك الترك وغيرهم فإذا قرب من الجامع ترجل وأخذ الكتاب الذي يشتغل فيه في يده أو تحت إبطه ولم يترك أحداً ما يصحبه ولا يزال ماشياً والكتاب معه إلى حلقة الشيخ الذي يقرأ عليه فيسلم ويقعد بين الجماعة وهو بكيس ولطف إلى أن يفرغ من القراءة ويعود إلى ما كان عليه‏.‏

وقال الصاحب جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي أن الحكيم موفق الدين أسعد بن المطران لما أسلم وكان نصرانياً حسن إسلامه وزوجه الملك الناصر صلاح الدين قدس اللَّه روحه إحدى حظايا داره واسمها جوزة وكانت جوزة هذه جارية خوندخاتون بنت معين الدين وزوجة صلاح الدين وكانت مدبرة دارها والمتقدمة عندها من جواريها وأعطتها الكثير من حليها وذخائرها ومولتها وخولتها فرتبت أموره وهذبت أحواله وحسنت زيه وجملت ظاهره وباطنه وصار له ذكر سام في الدولة وحصلت له أموال جمة من أمراء الدولة في حال مباشرته لهم في أمراضهم وتنافسوا في العطاء له وترقت حاله عند سلطان إلى أن كاد يكون وزيراً وكان كثير الاشتمال على أهل هذه الصناعة الطبية والحكمية يقدمهم ويتوسط في أرزاقهم قال ولقد أخبرني الفقيه إسماعيل بن صالح بن البناء القفطي خطيب عيذاب قال لما فتح السلطان الساحل ارتحلت عن عيذاب لزيارة البيت المقدس فلما حصلت بالشام رأيت جبالاً مشجرة بعدد براري عيذاب المصحرة فاشتقت إلى المقام بالشام وتحيلت في الرزق به فقصدت الفاضل عبد الرحيم وسألته كتاباً إلى السلطان في توليتي خطابة قلعة الكرك فكتب لي كتاباً هو مذكور في ترسله وهو حسن التلطف قال فأحضرته إلى دمشق والسلطان بها فأرشدت في عرضه إلى ابن المطران فقصدته في داره ودخلت عليه بإذنه فرأيته حسن الخلقة والخلق لطيف الاستماع والجواب ورأيت داره وهي على غاية من الحسن في العمارة والتجمل ورأيت أنابيب بركته التي يبرز منها الماء وهي ذهب على غاية ما يكون من حسن الصنعة ورأيت له غلاماً يتحجين يديه اسمه عمر في غاية جمال الصورة ثم رأيت من الفرش الطرح وشممت من الرائحة لطيبة ما هالني وسألته الحاجة التي قصدته فيها فأنعم بإنجازها وقال الصاحب جمال الدين ورأيت زوجته وابن عمر حاجبه وقد حضرا بعد سنة ستمائة إلى حلب على رقة من الحال ونزلا في الكنف الملكي الظاهري سقى اللَّه عهده وأقيما به بصدقة قررت لهما وماتت هي بعد مدة ولا أعلم بعدها لولد عمر خبراً وحدثني الشيخ موفق الدين بن البوري الكاتب النصراني قال لما فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الكرك أتى دمشق الحكيم موفق الدين يعقوب بن سقلاب النصراني وهو شاب على رأسه كوفية وتخفيفة صغيرة وهو لابس جوخة ملوطة زرقاء زي أطباء الفرنج وقصد الحكيم موفق الدين بن المطران وصار يخدمه ويتردد إليه لعله ينفعه فقال له هذا الزي الذي أنت عليه ما يمشي لك به حال في الطب في هذه الدولة بين المسلمين وإنما المصلحة أن تغير زيك وتلبس عادة الأطباء في بلادنا ثم أخرج له جبة واسعة عنابية وبقياراً مكملاً وأمره أن يلبسهما ثم قال له أن هاهنا أميراً كبيراً يقال له ميمون القصري وهو مريض وأنا أتردد إليه وأداويه فتعال معي حتى تكون تعالجه فلما راح معه قال للأمير هذا طبيب فاضل وأني أعتمد عليه في صناعة الطب وأثق به فيكون يلزمك ويباشر أحوالك في كل وقت ويقيم عندك إلى أن تبرأ إن شاء اللّه تعالى فامتثل قوله وضار الحكيم يعقوب ملازماً له ليلاً ونهاراً إلى أن تعافى فأعطاه خمسمائة دنيار فلما قبضها حملها إلى ابن المطران وقال له يا مولانا هذا ما أعطاني وقد أحضرته إلى مولانا فقال له خذه فأنا ما قصدت إلا نفعك فأخذه ودعا له‏.‏

وحدثني الحكيم عز الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن السويد قال كان ابن المطران جالساً على باب داره وقد أتاه شاب من أهل نعمة وعليه زي الجندية وأعطاه ورقة فيها اثنا عشر بيتاً من الشعر يمتدحه بها فلما قرأها ابن المطران قال أنت شاعر فقال لا ولكني من أهل البيوت وقد نزل الدهر بي وقد أتيت المولى وجعلت قيادي بيدك لتدبري مهما حسن فيه رأيك العالي فدخل إلى داره واستدعى الشاب وقدم له طعاماً فأكل وقال له أيش تقول قد مرض عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وهذا المرض يعتاده في كل حين فإني رأيت أن أسيرك إليه تعالجه فهو يحصل لك من جهته شيء جيد قال له يا مولاي من أين لي معرفة بصناعة الطب أو دربة فقال ما من جهته شيء جيد قال له يا مولاي من أين لي معرفة بصناعة الطب أو دربه فقال ما عليك أنا أكتب معك دستوراً تمشي عليه ولا تخرج عنه فقال الشاب السمع والطاعة فلما خرج الشاب لحقه الغلام ببقجة فيها عدة قطع قماش مخيط وفرس بسرج ولجام فقال له خذ هذا القماش ألبسه وهذا الفرس إركبه وتجهز إلى صرخد فقال له يا سيدي إنه لم يكن لي مكان أبيت الفرس فقال إتركها عندنا وشد عليها بكرة النهار وسافر على خيرة اللَّه تعالى فلما كان بكرة النهار حضر الشاب إلي باب دار ابن المطران فأعطاه كتاباً قد كتبه على يده إلى عز الدين فرخشاه بكرة النهار حضر الشاب إلى باب دار ابن المطران فأعطاه كتاباً قد كتبه على يده إلى عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وأعطاه تذكرة بما يعتمده في مداواته وأعطاه مائتي درهم وقال إتركها عن بيتك نفقة وسافر الشاب إلى صرخد وداوى عز الدين فرخشاه بما أمره به فبرئ ودخل الحمام وخلع عليه خلعة مليحة من أجود ما يكون وأعطاه بغلة بسرج وسرفسار ذهب وألف دينار مصرية وقال تخدمني فقال له ما أقدر يا مولانا حتى أشاور شيخي الحكيم موفق الدين ابن المطران فقال له عز الدين ومن هو الحكيم موفق الدين ما هو إلا غلام أخي لا سبيل إلى خروجك من صرخد وألحوا عليه في لقول وشددوا فقال إذا كان ولا بد فأنا أمضي إلى منزلي وأجيء فمضى إلى منزله وأحضر الخلعة والذهب وما معه وقال هذا الذي أعطتموني خذوه وأنا فواللَّه ما أعرف صناعة الطب ولا أدري ما هي وإنما أنا جرى لي مع الحكيم ابن المطران كذا وكذا وقص عليه الواقعة كما وقعت فقال له عز الدين ما عليك أن لا تكون طبيباً أنت ما تعرف تلعب بالرد والشطرنج فقال بلى وكان الشاب لديه أدب وفضيلة فقال له عز الدين قد تركتك حاجبي وجعلت لك أقطاعاً في السنة يعمل اثنين وعشرين ألف درهم فقال السمع والطاعة يا مولانا بل أسأل دستوراً إلى دمشق أن أروح إلى الحكيم موفق الدين وأقبل يده وأشكره على ما فعل معي من الخير فاعطي دستوراً وأتى الحكيم موفق الدين وقبل يده وشكره شكراً كثيراً وأحضر الذي حصل بين يديه وقال له قد حصل لي هذا فخذه فرده عليه وقال له أنا ما قصدت إلا نفعك خذه بارك اللَّه لك فيه وعرفه الشاب بما جرى له مع عز الدين وصورة الخدمة واستمر الشاب في خدمة عز الدين وكان ذلك الإحسان من مروءة موفق الدين بن المطران‏.‏

أقول وكانت لموفق الدين بن المطران همة عالية في تحصيل الكتب حتى أنه مات وفي خزانته من الكتب الطبية وغيرها ما يناهز عشرة آلاف مجلد خارجاً عما استنسخه وكانت له عناية بالغة في استنساخ الكتب وتحريرها وكان في خدمته ثلاثة نساخ يكتبون له أبداً ولهم منه الجامكية والجراية وكان من جملتهم جمال الدين المعروف بابن الجمالة وكان خطه منسوباً وكتب ابن المطران أيضاً بخطه كتباً كثيرة وقد رأيت عدة منها وهي في نهاية حسن الخط والصحة والإعراب وكان كثير المطالعة للكتب لا يفتر من ذلك في أكثر أوقاته وأكثر الكتب التي كانت عنده توجد وقد صححها وأتقن تحريرها وعليها خطه بذلك وبلغ من كثرة اعتنائه بالكتب وغوايته فيها أنه جامع لكثير من الكتب الصغار والمقالات المتفرقة في الطب وهي في الأكثر يوجد جماعة منها في مجلد واحد استنسخ كلام منها بذاته في جزء صغير قطع نصف ثمن البغدادي بمسطرة واضحة وكتب بخطه أيضاً عدة منها واجتمع عنده من تلك الأجزاء الصغار مجلدات كثيرة جداً فكان أبداً لا يفارق في كمه مجلداً يطالعه على باب دار السلطان أو أين توجه وبعد وفاته بيعت جميع كتبه وذلك أنه ما خلف ولداً‏.‏

وحدثني الحكيم عمران الإسرائيلي أنه لما حضر بيع كتب ابن المطران وجدهم وقد أخرجوا من هذه الأجزاء الصغار ألوفاً كثيرة أكثرها بخط ابن الجمالة وأن القاضي الفاضل بعث يستعرضها فبعثوا إليه بملء خزانة صغيرة منها وجدت كذلك فنظر فيها ثم ردها فبلغت في المناداة ثلاث آلاف درهم واشترى الحكيم عمران أكثرها وقال لي أنه حصل الاتفاق مع الورثة في بيعها أنهم أطلقوا مع كل جزء منها بدرهم فاشترى الأطباء منهم هذه الأجزاء الصغار على الثمن بالعدد‏.‏

أقول وكان ابن المطران كثير المروءة كريم النفس ويهب لتلامذته الكتب ويحسن إليهم وإذا جلس أحد منهم لمعالجة المرضى يخلع عليه ولم يزل معتنياً بأمره وكان أجل تلامذته شيخنا

 

مهذب الدين بن عبد الرحيم بن علي رحمه اللَّه

وكان كثيراً لملازمة له والاشتغال عليه وسافر معه مرات في غزوات صلاح الدين لما فتح الساحل‏.‏

ومما حدثني شيخنا مهذب الدين عنه فيما يتعلق بمعالجاته قال كان أسد الدين شيركوه صاحب حمص قد طلب ابن المطران فتوجه إليه وكنت معه فبينما نحن في بعض الطريق وإذا رجل مجذوم استقبله وقد قوي به المرض حتى تغيرت خلقته وتشوهت صورته فاستوصف منه ما يتناوله وما يتداوى به فبقي كالمتبرم من رؤيته وقال له كل لحوم الأفاعي فعاوده في المسألة فقال كل لحوم الأفاعي فإنك تبرأ قال ومضينا إلى حمص وعالج المريض الذي راح بسببه إلى أن تماثل وصلح لحوم الأفاعي فإنك تبرأ ورجعنا فلما كنا في الطريق وإذا بشاب حسن الصورة كال الصحة قد سلم علينا وقبل يده فلم نعرفه وقال له من أنت فعرفه بنفسه وأنه صاحب المرض الذي كان قد شكاه إليه وأنه لما استعمل ما وصفه له صلح به من غير أن يحتاج معه لى دواء آخر فتعجبنا من ذلك في كمال برئه وودعنا وانصرف وحدثني أيضاً عنه أنه كان معه في البيمارستان الكبير الذي أنشأه نور الدين بن زنكي وهو يعالج المرضى المقيمين به فكان من جملته رجل به استسقاء زقي استحكم به فقصد إلى بزله وكان في ذلك الوقت في البيمارستان ابن حمدان الجرائحي وله يد طولى في العلاج فجزموا على بزل المستسقي قال فحضرنا وبزل الموضع على ما يجب فجرت مائية صفراء وابن المطران يتفقد نبض المريض فلما رأى أن قوته لا تفي بإخراج أكثر من ذلك أمر بشد الموضع وأن يستلقي المريض ولا يغير الرباط أصلاً ووجد المريض خفة وراحة كبيرة وكانت عنده زوجته فأوصاها ابن المطران أنها لا تمكنه من حل الرباط ولا تغيره بوجه من الوجوه إلى أن يبصره في ثاني يوم فلما انصرفنا وجاء الليل قال زوجها إنني قد وجدت العافية وما بقي بي شيء وإنما الأطباء قصدهم أن يطولوا بي فحلي الرباط حتى يخرج هذا الماء الذي قد بقي وأقوم في شغلي فأنكرت عليه قوله ولم تقبل منه فعاودها بالقول وكرر ذلك عليها مرات ولم يعلم أن بقية المائية إنما جعلوا إخراجها في وقت آخر مراعاة لحفظ قوته وشفقة عليه فلما حلت الرباط وجرت المائية بأسرها خارت قوته وهلك‏.‏

وحدثني أيضاً أنه رأى في البيمارستان مع ابن المطران رجلاً قد فلجت يده من أحد شقي البدن ورجله المخالفة لها من الشق الآخر فعالجه في أسرع وقت ودبره بالأدوية الموضعة فصلح‏.‏

أقول وكان لموفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران إخوان أيضاً قد اشتغلا بصناعة الطب أحدهما هبة اللَّه بن إلياس والآخر ابن إلياس وتوفي موفق الدين بن المطران في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة بدمشق ونقلت من خط البديع عبد الرزاق ابن أحمد العامري الشاعر يمدح موفق الدين بن المطران بعد إسلامه وذلك في ثالث شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة ينهي إليك وليس عندك بمنته قلب على صاب الصبابة مكرهي شوقاً أدل على الفؤاد فلمي فد بمدله الإغرام غير مدله يدنو فيغدو فيك حلف تفكه ولكم بعدت فبات إلف تفكه تجني ويعلم ما جنيت فيجتني عذراً يوجهه بوجه أبلهِ لعجبت من مغض على نار الغضا ما زال مستنداً إلى صبر يهي فطن دهاه في حشاشته الهوى غرراً ولن يدهي سوى الفطن الدهي ولقد نها ونهاه عنك ولم يزل يزداد غياً في هواك إذا نهي لو ساعد التوفيق لم يك لائذا بسوى الموفق ذي المحل الأنبه من لا يرى الإحسان في الأقوال ما لم يتلها بفعال غير مموه جم النهي ويداه أنهاء الندى للوفد ما عنها امرؤ بمنهنه رؤياه للأدواء حاسمة فكم مشف شفاه بذلك الوجه البهي جد حوى جداً وجود محوز حمد يطرز حلة المجد الشهي ضاهى ابن مريم حكمة وسعادة فعلنا الأعز له عنو موله هو عصمة اللاجي فإن هو لم يكن الأده للمستجير فلاده نصر العفاة علي الزمان ندى أبي نصر أخي الجاه الوجيه فلاجه وإذا الخلائق أشبهت أمثالها في الأكرمين فما له من مشبه وإذا الخواطر أصبحت مشدوهة فضل الأنام بخاطر لم يشده أعفى الأنام عن الثناء فحازه بيدي جواد باللهي متنبه فلك من الإحسان حين وصلته أغنى بأعلى أوجه عن أوجه أضحى ثرى مغناه وهو لي الغنى عنه الإياب كما إليه توجهي هي نفثة المصدور أصدر وردها الحساد بين مقهقر ومقهقه ما أقرب الآمال من ذي الهمة الح سرى وأبعدها من المترفه لولا رجاء البرء ما أرجأتها من بعد ما سبقت عتاق الفره لكنها سرت بمبدا برئه فسرت إليه وجسمه لم ينقه وغدت مهنئة بشهر صيامه بفصيح قول لم يكن بمفهفه يا أسعد أصغ إلى مدائح أفوه بعلاك فاق على البليغ الأفوه راج حداه ولاءه فسرى على عيسى الرجاء بكل مووت مهمه قد كنت في أهل الرسوم أقلهم حظاً وأكثر في المديح الأنزه ولموفق الدين بن المطران من الكتب كتاب بستان الأطباء وروضة الألباء غرضه فيه أن يكون جامعاً لكل ما يجده من ملح ونوادر وتعريفات مستحسنة مما طالعه أو سمعه من الشيوخ أو نسخه من الكتب الطبية ولم يتم هذا الكتاب والذي وجدته منه بخط شيخنا الحكيم مهذب الدين جزآن الأول منهما قد قرأه على ابن المطران وعليه خطه والجزء الثاني ذكر مهذب الدين فيه أن ابن المطران وافاه الأجل قبل قراءته له عليه القالة الناصرية في حفظ الأمور الصحية قصد فيها الإيجاز والبلاغ وقد رتبها أحسن ترتيب وجعها باسم السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ووجدت الأصل الأول من هذا الكتاب وهو بخط جمال الدين المعروف باسم الجمالة كاتب ابن المطران مترجماً المقالة النجمية في التدابير الصحية وكأنه كان صنفها لنجم الدين أيوب والد صلاح الدين فلما توفي ولم يوصلها إليه جعلها باسم ولده اختصار كتاب الأنوار للكسدانيين إخراج أبي بكر أحمد بن علي بن وحشية إختصره وفرغ منه في رجب سنة إحدي وثمانين وخمسمائة لغز في الحكمة كتاب على مذهب دعوة الأطباء كتاب الأدوية المفردة لم يتم وكان قد قصد فيه أن يستوعب ذكر كل دواء على غاية ما يمكنه كتاب آداب طب الملوك وحدثني نسيب له أنه لما توفي كانت عنده مسودات عدة لمصنفات طبية وغيرها وتعاليق متفرقة فأخذ أخواته تلك المسودات وضاعت بينه وقال لي أنه رأى عند إحداهن صندوقاً أرادت أن تبطنه وقد ألصقت في باطنه جملة من هذه الأوراق التي بخطه‏.‏

مهذب الدين بن الحاجب كان مشهوراً فاضلاً في الصناعة الطبية متقناً للعلوم الرياضية معتنياً بالأدب متعيناً في علم النحو مولده بدمشق ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب على مهذب الدين بن النقاش ولازمه مدة ولما كان شرف الدين الطوسي بمدينة الموصل وكان أوحد زمانه في الحكمةوالعلوم الرياضية وغيرها سافر ابن الحاجب والحكيم موفق الدين عبد العزيز إليه ليجتمعا به ويشتغلا عليه فوجداه قد توجه إلى مدينة طوس فأقاما هنالك مدة ثم سافر ابن الحاجب إلى إربل وكان بها فخر الدين بن الدهان المنجم فاجتمع به ولازمه وحل معه الزيج الذي كان قد صنعه ابن الدهان وأتقن قراءته عليه ونقله بخطه ورجع إلى دمشق وكان هذا ابن الدهان المنجم يعرف بأبي شجاع ويلقب بالثعيلب وهو بغدادي أقام بالموصل عشرين سنة وتوجه إلى دمشق فأكرمه صلاح الدين والفاضل وجماعة الرؤساء وأجرى له ثلاثين ديناراً كل شهر وكان له دين وورع ونسك كثير الصيام يعتكف في جامع دمشق أربعة أشهر وأكثر ولأجله عملت المقصورة التي بالكلاسة وله تصانيف كثيرة منها الزيج المشهور الذي له وهو جيد صحيح ومنها المنبر في الفرائض وهو مشهور كتاب في غريب الحديث عشر مجلدات وكتاب في خلاف مجدول على وضع تقويم الصحة وكان دائم الإشتغال وله شعر كثير وقصد الحج فلما رجع إلى بغداد توفي بها ودفن عند قبر أبيه وأمه بعد غيبته أكثر من أربعين سنة وكان مهذب الدين بن الحاجب كثير الإشتغال محباً للعلم قوي النظر في صناعة الهندسة وكان قبل اشتهاره بصناعة الطب قد خدم في الساعات التي عند الجامع بدمشق ثم تميز في صناعة الطب وصار من جملة أعيانها وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نود الدين بن زنكي ثم خدم تقي الدين عمر صاحب حماة ولم يزل في خدمته بحماة إلى أن توفي تقي الدين ثم عاد ابن الحاجب إلى دمشق وتوجه إلى الديار المصرية وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بصناعة الطب وبقي في خدمته إلى أن توفي صلاح الدين ثم توجه إلى الملك المنصور صاحب حماة ابن تقي الدين وأقام عنده نحو سنتين وتوفي بحماة بعلة الاستسقاء‏.‏

الشريف الكحال

هو السيد برهان الدين أبوالفضل سليمان أصليته من مصر وانتقل إلى الشام شريف الأعراق لطيف الأخلاق حلو الشمائل مجموع الفضائل وكان عالماً بصناعة الكحل وافر المعرفة والفضل متقناً للعلوم الأدبية بارعاً في فنون العربية متميزاً في النظم والنثر متقدماً في عمل الشعر وخدم بصناعة الكحل السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان له منه الجامكية السنية والمنزلة العلية والإنعام العام والتفضل التام ولم يزل مستمراً في خدمته متقدماً في دولته إلى أن توفي رحمه اللَّه‏.‏

ومن ملح ما للقاضي الفاضل فيه على سبيل المجون ومما أنشدني الشيخ الحافظ نجيب الدين أبو الفتح نصر اللَّه بن عقيلة الشيباني قال أنشدني القاضي الفاضل عبد الرحيم بن على لنفسه في الشريف الكحال رجل توكل بي وكحلني فدهيت في عيني وفي عيني وقال أيضاً عاد بني العباس حتى أنه سلب السواد من العيون بكحلة وكان قد أهدى الشريف أبو الفضل الكحال المذكور إلي شرف الدين بن عنين خروفاً وهو يومئذ بالديار المصرية فلما وصل إليه وجده هزيلاً ضعيفاً فكتب إليه يقول على سبيل المداعبة أتتني أياديك التي لا أعدها لكثرتها لا كفر نعمى ولا جهل ولكنني أنبيك عنها بطرفة تروقك ما وافى لها قبلها مثل أتاني خروف ما شككت بأنه حليف هوى قد شفه الهجر والعذل إذا قام في شمس الظهيرة خلته خيالاً سرى في ظلمة ما له ظل فناشدته ما تشتهي قال قتة وقاسمته ما شفه قال لي الأكل فاحضرتها خضراء مجاجة الثرى مسلمة ما خص أو راقها الفتل فضل يراعيها بعين ضعيفة وينشدها والدمع في العين منهل أتت وحياض الموت بيني وبينها وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل

أبو منصور النصراني

كان طبيباً مشهوراً عالماً حسن المعالجة والمداواة وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب وبقي سنين في خدمته‏.‏

أبو النجم النصراني

هو أبو النجم بن أبي غالب بن فهد بن منصور بن وهب بن قيس بن مالك كان طبيباً مشهوراً في زمانه جيد المعرفة بصناعة الطب محمود الطريقة فيها مشكور المعالجة حسن العشرة محباً للخير وكان يقرأ عليه علم الطب ويعد من جملة الفضلاء المتميزين في وقته وحدثني أبو الفتح بن مهنا النصراني أن أبا النجم كان أبوه فلاحاً في قرية شفا من أرض حوران وكان يعرف بالعيا وكان ابنه أبو النجم هذا صبياً فأخذه بعض الأطباء بدمشق عنده ولما كبر علمه صناعة الطب وعرفه أعمالها وخدم أبو النجم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي عنده وكان مكيناً في الدولة وبقي في خدمته مدة وكان يتردد إلى دوره ويعالج مع جملة الأطباء وتوفي أبو النجم النصراني بدمشق في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وله ولد طبيب وهو أمين الدولة أبو الفتح بن أبي النجم وله من الكتب كتاب الموجز في الطب وهو يشتمل على علم وعمل‏.‏

أبو الفرج النصراني

كان طبيباً فاضلاً عالماً بصناعة الطب جيد المعرفة بها حسن العلاج متميزاً في زمانه وخدم بصناعة الطب الملك الدين يوسف بن أيوب وكان يحترمه ويرى له وخدم أيضاً الملك الأفضل نور الدين علي بن أيوب وكان يحترمه ويرى له وخدم أيضاً الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين وأقام عنده بسميساط وكذلك أيضاً أولاد أبي الفرج إشتغلوا بصناعة الطب وأقاموا بسميساط في خدمة أولاد الأفضل‏.‏

فخر الدين بن الساعاتي

هو رضوان بن محمد بن علي بن رستم الخراساني الساعاتي مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه محمد من خراسان وانتقل إلى الشام وأقام بدمشق إلى أن توفي وكان أوحداً في معرفة الساعات وعلم النجوم وهو الذي عمل الساعات عند باب الجامع بدمشق صنعها في أيام الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وكان له منه الأنعام الكثير والجامكية والجراية لملازمته الساعات وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه اللَّه وخلف ولدين أحدهما بهاء الدين أبو الحسن علي بن الساعاتي الشاعر الذي هو أفضل أهل زمانه في الشعر ولا أحد يماثله فيه وتوفي بالقاهرة وديوانه مشهور ومعروف والآخر فخر الدين رضوان بن الساعاتي الطبيب الكامل في الصناعة الطبية الفاضل في العلوم الأدبية‏.‏

وقرأ فخر الدين صناعة الطب على الشيخ رضي الدين الرحبي ولازمه مدة وكان فطناً ذكياً متقناً لما يعانيه حريصاً في العلم الذي يشتغل فيه وقرأ أيضاً صناعة الطب على الشيخ فخر الدين المارديني ولما ورد إلى دمشق كان فخر الدين بن الساعاتي جيد الكتابة يكتب خطاً منسوباً في النهاية من الجودة ويشعر أيضاً وله معرفة جيدة بصناعة المنطق العلوم الحكمية وكان اشتغاله بعلم الأدب على الشيخ تاج الدين الكندي بدمشق وخدم فخر الدين بن الساعاتي الملك الفائز بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وتوزر له وخدم أيضاً الملك المعظم عيسى بن الملك العادل بصناعة الطب وتوزر له وكان ينادمه ويلعب بالعود وكان محباً لكلام الشيخ الرئيس بن سينا في الطب مغرى به وتوفي رحمه اللَّه بدمشق بعلة اليرقان‏.‏

ومن شعره يحسدني قومي على صنعتي لأنني بينهم فارس سهرت في ليلي واستنعسوا لن يستوي الدارس والناعس ولفخر الدين بن الساعاتي من الكتب تكميل كتاب القولنج للرئيس بن سينا الحواشي على كتاب القانون لابن سينا كتاب المختارات في الأشعار وغيرها

شمس الدين بن اللبودي

هو الحكيم الإمام العالم الكبير شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي علامة وقته وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وفي علم الطب سافر من الشام إلى بلاد العجم واشتغل هناك بالحكمة على نجيب الدين أسعد الهمداني وقرأ صناعة الطب على رجل من أكابر العلماء وأعيانهم في بلاد العجم كان أخذ الصناعة عن تلميذ لابن سهلان عن السيد الأيلاقي محمد وكان لشمس الدين بن اللبودي همة عالية وفطرة سليمة وذكاء مفرط وحرص بالغ فتميز في العلوم وأتقن الحكمة وصناعة الطب وصار قوياً في المناظرة جيداً في الجدل يعد من الأئمة الذين يقتدى بهم والمشايخ الذين يرجع إليهم وكان له مجلس للاشتغال عليه بصناعة الطب وغيرها وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأقام عنده بحلب وكان يعتمد عليه في صناعة الطب ولم يزل في خدمته إلي أن توفي الملك الظاهر رحمه اللَّه وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة وبعد وفاته أتى إلى دمشق وأقام بها يدرس صناعة الطب ويطب في البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاته بدمشق في رابع ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وستمائة وله من العمر إحدى وخمسون سنة ومن كلام شمس الدين بن اللبودي كل شيء إذا شرع في نقص مع إصراف الهمة إليه تناهى عن قرب‏.‏

ولشمس الدين بن اللبودي من الكتب كتاب الرأي المعتبر في القضاء والقدر شرح كتاب

الصاحب نجم الدين بن اللبودي

هو الحكيم السيد العالم الصاحب نجم الدين أبو زكريا يحيى بن الحكيم الإمام شمس الدين محمد بن عبدان بن عبدان بن عبد الواحد أوحد في الصناعة الطبية ندرة في العلوم الحكمية مفرط الذكاء فصيح اللفظ شديد الحرص في العلوم متفنن في الآداب قد تميز في الحكمة في الأوائل وفي البلاغة على سحبان وائل له النظم البديع والترسل البليغ فما يدانيه في شعره لبيد ولا في ترسله عبد الحميد ولما رأيت الناس دون محله تيقنت أن الدهر للناس ناقد‏.‏

مولده بحلب سنة سبع وستمائة ولما وصل أبوه إلي دمشق كان معه وهو صبي وكانت النجابة تتبين فيه من الصغر وعلو الهمة وقرأ على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي واشتغل عليه بصناعة الطب واشتغل بعد ذلك وتميز في العلوم حتى صار أوحد زمانه وفريد أوانه وخدم الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي صاحب حمص وبقي في خدمته بها وكان يعتمد عليه في صناعة الطب ولم تزل أحواله تنمي عنده حتى استوزره وفوض إليه أمور دولته واعتمد عليه بكليته وكان لا يفارقه في السفر والحضر ولما توفي الملك المنصور رحمه اللّه وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة بعد كسره الخوارزمية توجه الحكيم نجم الدين إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل وهو بالديار المصرية فأكرمه غاية الإكرام ووصله بجزيل الإنعام وجعله ناظراً على الديوان بالإسكندرية وله منه المنزلة العلية وجعل مقرره في كل شهر ثلاثة آلاف درهم وبقي على ذلك مدة ثم توجه إلى الاشم وصار ناظراً على الديوان بجميع الأعمال الشامية‏.‏

ومن ترسله كتب رقعة وقف الخادم على الشمرفة الكريمة أدام اللَّه نعمة المنعم بما أودعها من النعم الجسام وأقتضبه فيها من الأريحية التي أربى فيها على كل من تقدمه من الكرام وأبان فيها عما يقضي على الخادم بالاسترقاق وعلى الدولة خلدها اللَّه بمزايا الاستحقاق وكلما أشار المولى عليه فهو كما نص عليه لكنه يعلم بسعادته أن الفرص تمر مر السحاب وأن الأمور المعينة في الأوقات المحدودة تحتاج إلى تلافي الأسباب وقد ضاق الوقت بحيث لا يحتمل التأخير والمولى يعلم أن المصلحة تقديم النظر في المهم على جميع أنواع التدبير وما الخادم مع المولى في هذا المهم العظيم إلا كسهم والمولى مدده وسيف والمولى جرده فاللَّه اللَّه في العجلة والبدار وقد ظهرت مخايل السعادة والانتصار والحذر الحذر من التأخير والإهمال فنتفوت والعياذ باللَّه الأوقات التي نرجو من اللَّه فيها بلغ الآمال والمرجو من كرم اللَّه أن ينهض المملوك في خدمة مولانا ومن شعره وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال في الخليل عليه الصلاة والسلام وهو متوجه إلى خدمته عند عودته من الديار المصرية وأنشدها عند باب السرداب وهو قائم في ذي القعدة سنة إحدى وستين وستمائة هذي المهابة والجلال الهائل بهرا فماذا أن يقول القائل لو أن قساً حاضراً متمثلاً يوماً لديك حسبته هو باقل هل تقدر الفصحاء يوماً أن يروا وبيانهم عن ذي الجلال يناضل وبك اقتدي جل النبيين الأولى ولديك أضحت حجة ودلائل أظهرت إبراهيم أسباب الهدى والخير والمعروف أنت العامل شيدت أركان الشريعة معلناً ومقرراً أن الإله الفاعل ما زال بيتك مهبط الوحي الذي لجلاله مقفر ربعك آهل وبهرت في كل الأمور بمعجز ما أن يخالف فيه يوماً عاقل وكفاك يوم الفخر أن محمداً يوم التناسب في النجار مواصل ما زلت تنقل للنبوءة سرها حتى غدا لمحمد هو حاصل أرجوك تسأل لي لدى رب العلا غفران ما قد كنت فيه أزاول وأرى وقد غفرت لديه خطيتي وبلغت مقصوديوما أنا آمل ورجعت منقطعاً إلى أبوابه لا ألتقي عن غيره أنا سائل ولقد سألت لكامل في جوده يعطي بلا منّ ولا هو باخل فحقيقة أني بلغت إرادتي سيما وأنت لما سألت الحامل وقال أيضاً في الخليل عليه الصلاة والسلام عند عوده من الديار المصرية في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وستين وستمائة وأنشدها عند باب السرداب ألا يا خليل اللَّه قد جئت قاصداً إلى بابك المقصود من كل موضع أؤدي حقوقاً واجبات لفضلكم مننتم بها قدماً على كل من يعي فأرشدت أقواماً بهديك اقتدوا فصاروا بذاك الهدي في خير مهيع وأظهرت أعلام الشريعة معلناً فأضحت بمرأى للأنام ومسمع وأودعتها أسرار كل خفية فكنت بما أودعته خير مودع وأظهرت برهاناً غدا بك قاطعاً قطعت به من لم يكن قبل يقطع بأن يحمني من شر كل بلية ويصرف عن صرف الحوادث مجمعي ولا يبلني من بعدها بمصيبة ولا التقي خلاً بأنه موجع ويفرج لي مما ابتليت بهمه فق بت مهموماً بقلب مصدع فإني إذا ما نابني خطب حادث جعلت إلى مغناك قصدي ومفزعي لتشفع لي عند الإله فأنثني بتبليغ آمالي وتحصيل مطمعي فأفرغ عن إشعال دنيا وأنثن إلى أمر أخراي بقلب موسع وتسأله أن يعف عني تكرما وإن أحظ من أنواره بتمتع ومن كان مشفوعاً وأنت شفيع فلا بد في الجنات يحظى بمرتع ورأى الخليل عليه الصلاة والسلام فيما بين النائم واليقظان عقيب حال كانت اتفقت له يقول له لا تأسفن على خيل ولا ما ولا تبيتن مهموماً على حال ما دامت النفس والعلياء سالمة فانظر إلى سائر الأشيا بإهمال فإنما المال أعراض مجددة معرضات لتضييع وإبدال ولم تر قط محتاجاً إلى أحد ولم تزل أهل حاجات وآمال وسوف يجزيك رب العرش عادته على عوائد إحسان وإجمال وتلتقي كل سير بت ترقبه كما مضى سالفاً في عصرك الحالي وقال ونظمه في القدس الشريف عند عوده من مصر في منتصف جمادي الأولى سنة ست وستين وستمائة ألا يا خليل اللَّه عندي صبابة وشوق إلى لقياك زاد بها كربي 3 فأنت الذي سننت للناس مذهباً فكنت به الهادي إلى السنن الرحب وأوضحت في طرق النبوة منهجاً فراح من الأشواق يعلو على الشهب بما كنت مبديه من الحجج التي قوين فلا يدفعن بالقدح والثلب وكان بودي لو أتيتك زائراً أعفر في مغناك خدي على الترب وأقضي حقوقاً واجبات لفضلكم غدت لكم بالفضل في أفضل الكتب وأنهي ما عندي من الوجد والأسى وما بات من هم وأصبح في قلبي وإن الليالي قد رمتني بصرفها بماحط من شأني وقلل من غربي ولا سيما والعبد في شيمة الذي به شرفت كل الأعاجم والعرب وذلك خير الناس أعني محمداً ومن شرفت كان في الأراء في غاية القرب ومن كنتما ذخراً له ووسيلة وكنزاً عظيماً راح في السلم والحرب فلا عجباً إن راح وهو مسلم من البأس والضراء والعتب والسلب وغير بديع أن يرى غير خائف يبات قريراً آمن القلب والسرب فيا صاحبي طرق النبوة والهدى أقيلاً عثاري شافعين إلى ربي فحسبكما لي شافعان فإنني لأعلم أن اللَّه حينئذ حسبي وقال أيضاً إذا ضاق أمر فاصبر سوف ينجلي فكم حر نار أعقبت بسلام ولا تسأل الأيام دفع ملمة فلست ترى أمراً حليف دوام وقال وكتبه إلى الملك الناصر يوسف بن محمد ليهنك نيروز أتاك مبشراً بنيل الذي تهواه يوماً وتطلب وإن بقاء الملك مع غير أهله عجيب وحالي منه عندك أعجب وأقسم لو ساعدتني بعض مدة لأمسى الذي استعبدته وهو يقرب وقال يا مالك مهجتي ويا متلفها كم تسعفك النفس وكم تعسفها إن كنت أنا في الحب يعقوب هوي ها أنت على حسانها يوسفها وللصاحب نجم الدين بن اللبودي من الكتب مختصر الكليات من كتاب القانون لابن سينا مختصر كتاب المسائل لحنين بن إسحق مختصر كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا مختصر كتاب عيون الحكمة لابن سينا مختصر كتاب الملخص لابن خطيب الري مخحتصر كتاب المعاملين في الأصولين مختصر كتاب أوقليدس مختصر مصدرات أوقليدس كتاب اللمعات في الحكمة كتاب آفاق الأشراق في الحكمة كتاب المناهج القدسية في العلوم الحكمية كفاية الحساب في علم الحساب غاية الغايات في المحتاج إليه أوقليدس والمتوسطات تدقيق المباحث الطبية في تحقيق المسائل الخلافية علي طريق المسائل خلاف الفقهاء مقاله في البرشعثا كتاب إيضاح الرأي السخيف من كلام الموفق عبد اللطيف وألف هذا الكتاب وله من العمر ثلاث عشرة سنة غاية الإحكام في صناعة الأحكام الرسالة السنية في شرح المقدمة المطرزية الأنوار الساطعات في شرح الآيات البينات كتاب نزهة الناظر في المثل السائر الرسالة الكاملة في علم الجبر والمقابلة الرسالة المنصورية في الأعداد الوفقية الزاهي في اختصار الزيج المقرب المبني على الرصد المجرب

 

 

زين الدين الحافظي

هو الصدر الإمام العالم الأمير زين الدين سليمان بن المؤيد علي بن خطيب عقرباء اشتغل بصناعة الطب على شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللَّه فحصل علمها وعملها وأتقن فصولها وجملها وخدم بصناعة الطب الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن أبي بكر بن أيوب وكان يومئذ صاحب قلعة جعبر وأقام في خدمته في قلعة جعبر وتميز عنده وأجزل رفده وخوله في دولته واشتمل عليه بكليته وكان زين الدين يعاني الأدب والشعر والكتابة الحسنة وكان أيضاً يعاني الجندية وداخل أولاد الملك الحافظ وصار حظياً عندهم مكيناً في دولتهم ولما توفي الملك الحافظ وتسلم قلعة جعبر الملك الناصر يوسف بن محمد بن غازي صاحب حلب وذلك بمراسلات كان فيها زين الدين الحافظي وانتقل زين الدين إلى حلب وصارت له يد عند الملك الناصر ومنزلة رفيعة وتزوج زينالدين بابنة رئيس حلب واقتنى أموالاً كثيرة ولما ملك الناصر يوسف بن محمد دمشق وصل معه إلي دمشق وصار مكيناً في وما زال زين الدين في كل منصب له في سماء المجد أعلى المراتب أمير حوى في العلم كل فضيلة وفاق الورى في رأيه والتجارب إذا كان في طب فصد مجالس وإن كان في حرب فقلب الكتائب ففي السلم كم أحيا ولياً بطبه وفي الحرب كم أفنى العدا بالقواضب ولم يزل الملك الناصر بدمشق وهو عنده حتى جاءت رسل التتر من الشرق إلى الملك الناصر وهم في طلب البلاد والتشرط عليه بما يحمله إليهم من الأموال وغيرها فبعث زين الدين الحافظي رسولاً إلى خاقان هولاكو ملك التتر وسائر ملوكهم فأحسنوا إليه الإحسان الكثير واستمالوه حتى صار من جهتهم ومازجهم وتردد في المراسلة مرات وأطمع التتر في البلاد وصار يهول على الملك الناصر أمورهم ويعظم شأنهم ويفخم مملكتهم ويصف كثرة عساكرهم ويصغر شأن الملك الناصر ومن عنده من العساكر وكان الملك الناصر مع ذلك جباناً متوقفاً عن الحرب ولما جاءت التتر إلي حلب وكان هولاكوا قد نازلها بقوا عليها نحو شهر وملكوها وقتلوا أهلها وسبوا النساء والصبيان ونهبوا الأموال وهدموا القلعة وغيرها هرب الملك الناصر يوسف من دمشق إل مصر وقصد أن يملكها فخرجت عساكر مصر وملكها يومئذ الملك المظفر سيف الدين قطز فكسر الملك الحافظ وتفرقت عساكره وزال ملكه وملكت التتر دمشق بالأمان وجعلوا فيها نائباً من جهتهم وصار زين الدين أيضاً بها وأمروه وبقي معه جماعة أجناد حتى كانوا يدعونه الملك زين الدين ولما وصل الملك المظفر قطز صاحب مصر ومعه عساكر الإسلام وكسر التتر في وادي كنعان الكسرة العظيمة المشهورة وقتل من التتر الخلق العظيم الذي لا يحصى انهزم نائب التتر ومن معه من دمشق وراح زين الدين الحافظي معهم خوفاً علي نفسه من المسلمين وصارت بلاد الشام بحمد اللَّه إلى ما كانت عليه وملكها بعد الملك المظفر قطز رحمه اللَّه السلطان لملك الظاهر ركن الدين بيبرس وصار صاحب الديار المصرية والشام خلد اللَّه ملكه‏.‏

أبو الفضل عبد الكريم المهندس

هو مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم ابن عبد الأمن الحارثي مولده ومنشؤه بدمشق وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة وشهرته بها قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب وكان في أول أمره نجاراً وينحت الحجارة أيضاً وكان تكسبه بصناعة النجارة وله يد طولى فيها والناس كثيراً ما يرغبون إلى أعماله وأكثر أبواب البيمارستان الكبيرة الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي رحمه اللَّه من نجارته وصنعته أخبرني سديد الدين بن رقيعة وحدثني شمس الدين بن المطواع الكحال عنه وكان صديقاً له أن أول اشتغاله بالعلم أنه قصد إلى أن يتعلم أوقليدس ليزداد في صناعة النجارة جودة ويطلع على دقائقها ويتصرف في أعمالها قال وكان في تلك الأيام يعمل في مسجد خاتون الذي تحت المنيبع غربي دمشق فكان في كل غداة لا يصل إلى ذلك الموضع إلا وقد حفظ شيئاً من أوقليدس ويحل أيضاً منه في طريقه وعند فراغه من العمل إلى أن حل كتاب أوقليدس بأسره وفهمه فهماً جيداً وقوي فيه ثم نظر إيضاً في كتاب المجسطي وشرع في قراءته وحله وانصرف بكليته إلى صناعة الهندسة وعرف بها أقول واشتغل أيضاً بصناعة النجوم وعمل الزيجات وكان قد ورد إلى دمشق ذلك الوقت الشرف الطوسي وكان فاضلاً في الهندسة والعلوم الرياضية ليس في زمانه مثله فاجتمع به وقرأ عليه وأخذ عنه شيئاً كثيراً من معارفه وقرأ أيضاً صناعة الطب على أبي المجد محمد بن أبي الحكم ولازمه حق الملازمة ونسخ بخطه كتباً كثيرة في العلوم الحكمية وفي صناعة الطب ووجدت بخطه الكتب الستة عشر لجالينوس وقد قرأها على أبي المجد محمد بن أبي الحكم وعليها خط ابن أبي الحكم له بالقراءة وهو الذي أصلح الساعات التي للجامع بدمشق وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية له بالقراءة وهو الذي أصلح الساعات التي للجامع بدمشق وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية مستمرة يأخذها وكانت له أيضاً جامكية لطبه في البيمارستان الكبير وبقي سنيناً كثيرة يطلب في البيمارستان إلى حين وفاته وكان فاضلاً في صناعة الطب جيد المباشرة لأعمالها محمود الطريقة وكان قد سافر إلى ديار مصر وسمع شيئاً من الحديث بالإسكندرية في سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين وخمسمائة من رشيد الدين أبي الثناء حماد بن هبة اللّه بن حماد بن الفضيل الحراني ومن أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصفهاني واشتغل أيضاً بالأدب وعلم النحو وكان ىشعر وله قطع جيدة وتوفي رحمه اللَّه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق بإسهال عرض له وعاش نحو السبعين سنة ومن شعر أبي الفضل بن عبد الكريم المهندس نقلت من خطه في مقالته في رؤية الهلال ألفها للقاضي محيي الدين بن القاضي زكي الدين ويقول فيها يمدحه خصصت بالأب لما أن رأيتهم دعوا بنعتك أشخاصاً من البشر ضد النعوت ترتاهم أن بلوتهم وقد يسمى بصيراً غير ذي بصر والنعت ما لم تك الأفعال تعضده اسم على صورة خطت من الصور وما الحقيق به لفظ يطابقه المع - - نى كنجل القضاة الصيد من مضر فالدين والملك والإسلام قاطبة برأيه في أمان من يد الغير يرجو بذاك نعيماً لا نفاد له جوار ملك عزيز جل مقتدر فاللّه يكلؤه من كل حادثة ما غردت هاتفات الورق في الشجر ولأبي الفضل بن عبد الكريم المهندس من الكتب رسالة في معرفة رمز التقويم مقالة في رؤية الهلال اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصبهاني وكتب من تصنيفه هذا نسخه بخط في عشر مجلدات ووقفها بدمشق في الجامع مضافاً إلى الكتب الموقوفة في مقصورة ابن عروة كتاب في الحروب والسياسة كتاب في الأدوية المفردة على ترتيب حروف أبجد‏.‏

موفق الدين عبد العزيز

هو الشيخ الإمام العالم موفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي كان كثير الخبر محباً له مؤثراً للجميل عزيز المروءة وافر العربية شديد الشفقة على المرضى وخصوصاً لمن كان منهم ضعيف الحال يفتقدهم ويعالجهم ويوصل إلهم النفقة وما يحتاجونه من الأدوية والأغذية وكان كثير الدين طلق الوجه يحبه كل أحد وكان في أول أمره في المدرسة فقيهاً في المدرسة الأمينية بدمشق عند الجامع واشتغل بعد ذلك على إلياس بن المطران بصناعة الطب وأتقن معرفتها وصل عملها وعملها وصار من المتميزين من أربابها والمشايخ الذين يقتدى بهم فيها وكان له مجلس عام للمشتغلين عليه بالطب وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ثم خدم بعد ذلك الملك العادل أبا بكر بن أيوب وبقي معه سنين وله منه الإنعام الكثير والإفضال الغزير والمنزلة العلية والجامكية السنية ولم يزل في خدمته إلى أن توفي كموفق الدين عبد العزيز رحمه اللَّه بدمشق بعلة القولنج وذلك في يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة سنة أربع وستمائة ودفن بجبل قاسيون وعمره نحو الستين سنة ومولده في سنة خمسمائة ونيف وخمسين‏.‏

سعد الدين بن عبد العزيز

هو الحكيم الأجل الإمام العالم سعد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي قد أشبه أباه في خلقه وخلقه ومعرفته وحذقه كثير الدين شريف اليقين بارع في العلوم الفقهية ورع في الأمور الدينية ولما كان بدمشق كان يعتكف بالجامع شهر رمضان ولم يتكلم فيه وهو الذي تولى عمارة المدرسة الحنبلية في سوق القمح بدمشق وذلك في أيام الملك الأشرف موسى بن الملك العادل وكان الإمام المستنصر باللّه خليفة بغداد قد أمره بعمارتها وكان الحكيم سعد الدين أوحد زمانه وعلامة أوانه في صناعة الطب قد أحكم كليات أصولها وأتقن جزئيات أنواعها وفصولها ولم يزل مواظباً على الاشتغال ملازماً له في كل الأحوال مولده بدمشق في أوائل المحرم سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذ أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي‏.‏

وبعد ذلك خدم الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب وأقام معه في بلاد الشرق وله منه الإحسان الكثير والإفضال الغزير والجامكية الوافرة والصلات المتواترة وكان حظياً عنده مكيناً في دولته ولم يزل في خدمته إلى أن أتى الملك الأشرف إلى دمشق وتسلمها من ابن أخيه الملك الناصر داود بن الملك المعظم وذلك في شعبان سنة ست وعشرين وستمائة فأتى معه إلى دمشق وبقي بها ثم ولاه السلطان رئاسة الطب ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الأشرف وكانت وفاته رحمه اللَّه بقلعة دمشق أول نهار يوم الخميس رابع المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة ثم بعد ذلك لما ملك دمشق الملك الكامل بمحمد بن أبي بكر بن أيوب في العشر الأول من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة أمر باستخدامه وأن يقرر له جميع ما كان باسمه من أخيه الملك الأشرف وبقي في خدمته مدة يسيرة وتوفي الملك الكامل رحمه اللَّه وذلك في ليلة الخميس أول الليل ثاني وعشرين رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة ولم يزل الحكيم سعد الدين مقيماً بدمشق وله مجلس عام للمشتغلين عليه بصناعة الطب إلى أن توفي وللشريف البكري في الحكيم سعد الدين من أبيات حكيم لطيف من لطافة وصفه يود المعافى السقم حتى يعوده

رضي الدين الرحبي

هو الشيخ الحكيم الإمام العالم رضي الدين أبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي من الأكابر في صناعة الطب والمتعينين من أهلها وله القدر والاشتهار والذكر الشائع عند الخواص والعوام ولم يزل مبجلاً عند الملوك وغيرهم كثيري الاحترام له وكان كبير النفس عالي الهمة كثير التحقيق حسن السيرة محباً للخير وأهله شديد الاجتهاد في مداواة المرض رؤوفاً بالخلق طاهر اللسان ما عرف منه في سائر عمره أنه آذى حداً ولا تكلم في عرض غيره بسوء وكان والده من بلد الرحبة وله أيضاً نظر في صناعة الطب إلا إن صناعة الكحل كانت أغلب عليه وعرف بها وكان مولد الشيخ رضي الدين بجزيرة ابن عمر ونشأ بها وأقام أيضاً بنصيبين وبالرحبة سنين وسافر أيضاً إلى بغداد وإلى غيرها واشتغل بصناعة الطب وتمهر فيها واجتمع أيضاً في ديار مصر بالشيخ الموفق المعروف بابن جميع المصري وانتفع به وكان وصوله مع أبيه إلى دمشق في سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان في ذلك الوقت ملكها السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وأقام رضي الدين ووالده بدمشق سنين وتوفي والده بها ودفن بجبل قاسيون وبقي رضي الدين قاطناً بدمشق وملازماً للدكان لمعالجة المرضى ونسخ بها كتاباً كثيرة وبقي على تلك الحال مدة‏.‏

واشتغل على مهذب الدين بن النقاش الطبيب ولازمه فنوه بذكره وقدمه وتأدت به الحال إلى أن اجتمع بالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحسن موقعه عنده وأطلق له في كل شهر ثلاثين ديناراً ويكون ملازماً للقلعة والبيمارستان فبقي كذلك مدة دولة صلاح الدين بأسرها وكان صلاح الدين قد طلبه للخدمة في السفر فلم يفعل ولما توفي صلاح الدين رحمه اللّه بدمشق وذلك في ليلة الأربعاء ثلث الليل الأول سابع وعشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة وانتقل الملك عن أولاده ألى أخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب واستولى على البلاد أمر بأن يكون في خدمته في الصحبة فلم يجب إلى ذلك وطلب أن يكون مقمياً بدمشق فأطلق له الملك العادل ما كان مقرراً باسمه في أيام صلاح الدين وأن يبقى مستمراً على ما هو عليه وبقي على ذلك أيضاً إلى أن توفي الملك العادل وملك بعده الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل فأجرى له خمسة عشر ديناراً ويكون متردداً إلى البيمارستان فبقي متردداً إليه إلى أن توفي رحمه اللّه‏.‏

واشتغل عليه بصناعة الطب خلق كثير ونبغ منهم جمتاعة عدة وأقرأوا لغيرهم وصاروا من المشايخ المذكورين في صناعة الطب ولو اعتبر أحد جمهور الأطباء بالشام لوجد إما أن يكون منهم من قد قرأ على الرحبي أو من قرأ على من قرأ عليه وكان من جملة من قد قرأ عليه أيضاً في أول أمره الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قبل ملازمته لابن المطران‏.‏

وحدثني الشيخ رضي الدين يوماً قال أن جميع من قرأ علي ولازمني فإنهم سعدوا وانتفع الناس بهم وذكر لي أسماء كثيرين منهم قد تميزوا واشتهروا في صناعة الطب منهم من قد مات ومنهم من كان بعد في الحياة وكان يرى أنه لا يقرئ أحداً من أهل الذمة أصلاً صناعة الطب ولا لمن لا يجده أهلاً لها وكان يعطي الصناعة حقها من الرآسة والتعظيم وقال لي أنه لم يقرئ في سائر عمره من أهل الذمة سوى اثنين لا غير أحدهما الحكيم عمران الإسرائيلي والآخر إبراهيم بن خلف السامري بعد أن ثقلا عليه بكل طريق وتشفعا عنده بجهات لا يمكنه ردهم وكل منهما نبغ وصار طبيباً فاضلاً ولا شك أن من المشايخ من يكون للاشتغال عليه بركة وسعد كما يوجد ذلك في بعض الكتب المصنفة دون غيرها في علم علم وكنت في سنة انتين وثلاث وعشرين وستمائة قد قرأت عليه كتاباً في الطب ولا سيما فيما يتعلق بالجزء العملي من كلام أبي بكر محمد بن زكريا الرازي وغيره وانتفعت به‏.‏

وكان الشيخ رضي الدين محباً للتجارة مغري بها وكان يراعي مزاجه ويعتني بحفظ صحته وقال الصاحب جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي عن الحكيم الرحبي أنه كان يلزم فيه أموره قوانين حفظ الصحة الموجودة قال ولقد بلغني أنه كان يقتني أجود الطباخات ويتقدم إليها بأحكام ما يغلب على ظنه الانتفاع باستعماله في نهاره ذلك بما باشره من نفسه وما غلب عليه من الأخلاط في يومه فإذا أنجزته وأعلمته بذلك طلب من يؤاكله من مؤانسيه فإذا حضر منهم من حضر استأذنته في إحضار الطعام فيقول لها أخريه فإن الشهوة لم تصدق بعد فتؤخره إلى أن يستدعيه يقول أعجلي فتأتيه به ويتناول منه فقال له بعض أصحابه يوماً ما المراد بهذا فقال الأكل مع الشهوة هو المندوب إله لحفظ الصحة فإن الأعضاء إذا احتاجت إلى تعويض ما تحلل منها استدعت ذلك من المعدة فتستدعيه المعدة من خارج فقال له وما ثمرة هذا قال أن يعيش الإنسان العمر الطبيعي فقال له إنك قد بلغت من السن ما لمي بق بينك وبين العمر الطبيعي إلا القليل فأي الحاجة إلى هذا التكلف فقال له لأبقى ذلك القليل فوق الأرض استنشق الهواء وأجرع الماء ولا أكون تحتها بسوء التدبير ولم يزل على حالته تلك إلى أن أتاه أجله‏.‏

أقول ومما يناسب هذا المعنى المتقدم في أنه لا ينبغي أن يؤكل الطعام إلا بشهوة صادقة للأكل إنني كنت يوماً أقرأ عليه في شيء من كلامه الرازي في ترتيب تناول الأغذية وقد ذكر الرازي أن الإنسان ينبغي له أن يأكل في اليوم مرتين وفي اليوم الثاني مرة واحدة فقال لي لا تسمع هذا والذي ينبغي له أن يأكل في اليوم مرتين وفي اليوم الثاني مرة واحدة فقال لي لا تسمع هذا والذي ينبغي أن تعتمد عليه أنك تأكل وقت تكون الشهوة للأكل صادقة في أي وقت كان سواء أكان مرتين في النهار أو مرة أو ليل أو نهار فالأكل عند الشهوة الصادقة للأكل هو الذي ينفع وإذا لم يكن كذلك فإنه مضرة البدن وصدق في قوله وقد لزم في سائر أيامه أشياء لا يخل بها وذلك أنه كان يجعل يوم السبت أبداً لخروجه إلى البستان وراحته فيه ويتركه يوم بطالة عن الاشتغال وكان لا يدخل الحمام إلا في يوم الخميس وقد جعل ذلك له راتباً وكان في يوم الجمعة يقصد من يريد رؤيته وزيارته من الأعيان والكبراء وكان أبداً يتوخى أنه لا يصعد في سلم وإذا كان له مريض يفتقده إن لم يكن في موضع لا يصعد إليه إذا أتاه في سلم وإلا لم يقربه وكان يصف السلم بأنه منشار العمر‏.‏

ومن أعجب ما حكى لأبي من ذلك أنه قال إنني منذ اشتريت هذه القاعة التي أنا ساكن فيها أكثر من خمس وعشرين سنة ما أعرف أنني طلعت إلى الحجرة التي فوقها إلا وقت استعرضت الدار واشتريتها وما عدت طلعت إلى الحجرة بعد ذلك إلى يومي هذا‏.‏

ومن نوادره وسن تصرفاته فيما يتعلق بصناعة الطب حدثني الصاحب صفي الدين إبراهيم بن مرزوق وزير الملك الإشرف بن الملك العادل وقد حكى جملاً من مناقب الشيخ رضي الدين فمن ذلك قال إن الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب كان أبداً يلازم أكل لحم الدجاج ويعدل عن لحم الضأن في أكثر الأوقات فشكا إليه شحوباً كان قد غلب على لونه وكان الأطباء يصفون له كثيراً من الأشربة وغيرها فلما شكا إليه هذا مضى لحظة وعاد ومعه قطعة من صدر دجاجة وقطعة حمراء من لحم ضأن ثم قال له أنت تلازم أكل لحم الدجاج فلم يأت الدم المتو لد منه مشرق الحمرة كما يأتي من لحم الضأن وأنت ترى لون هذا اللحم من الضأن ومباينته في اللون لهذه القطعة من الدجاج فينبغي أن تترك أكل لحم الدجاج وتلازم أكل لحم الضأن فإنك تصلح وما تحتاج معه إلى علاج قال فقبل هذا الرأي منه وتناول ما أوصاه به واستمر على ذلك مدة فصلح لونه واعتدل مزاجه‏.‏

أقول وهذا إقناع حسن أوجده لمن أراد علاجه وتدبير بليغ في حفظ صحته وذلك أن الوزير كان عبل البدن تام البنية قوي التركيب جيد الاستمراء فكانت أعضاؤه ترزاً من لحم الدجاج بدم لطي وهي تحتاج إلى غذاء أغلظ منه وأمتن فلما لازم أكل لحم الضأن صار يتولد له منه دم متين يقوم بكفاية ما تحتاج إليه أعضاؤه فصلح مزاجه وظهر لونه‏.‏

وكان مولد الشيخ رضي الدين الرحبي في شهر جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر وكان أول مرضه في يوم عيد الأضحى من سنة ثلاثين وستمائة ووفاته رحمه اللَّه بكرة يوم الأحد العاشر من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بدمشق ودفن بجبل قاسيون فعاش نحو المائة سنة ولم يتبين تغير شيء من سمعه ولا بصره وإنما كان في آخر عمره قد عرض له نسيان للأشياء القريبة العهد المتجددة وأما الأشياء البعيدة المدة التي كان يعرفها من زمان طويل فإنه كان ذاكراً لها وخلف ولدين الأكبر منهما شرف الدين أبو الحسن علي والآخر جمال الدين عثمان وحكي لي بعض أهله ممن لازمه في المرض أنه عند موته جس نبض يده اليسرى بيده اليمنى وبقي كالمتأمل المفكر في ذلك ثم ضرب بيديه كفاً على كف لأنه علم أن قوته قد سقطت قال وعدّل زورقية كانت على رأسه بيديه واستبسل للموت ومات بعد ذلك‏.‏

ولرضي الدين الرحبي من الكتب بتهذيب شرح ابن الطيب لكتاب الفصول لأبقراط اختصار كتاب المسائل لحنين كان قد شرع في ذلك ولم يكمله‏.‏

شرف الدين بن الرحبي

هو الحكيم الإمام العالم الفاضل علامة عصرة وفريد دهرة شرف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي كان مولدة بدمشق في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وكان قد سلك حذو أبية واقتفى ما كان يقتفية وهو أشبة به خلقاً وخُلقاً وطرائق لم يزل متوفراً على قراءة الكتب وتحصيلها ونفسه تشرئب إلى طلب الفضائل وتفصيلها وله تدقيق في الصناعة الطبية وتحقيق لمباحثها الكلية والجزئية وله في الطب كتب مؤلفة وحواش متفرقة واشتغل بصناعة الطب على أبيه وقرأ أيضاً على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي وحرر عليه كثيراً من العلوم ولا سيما من تصانيف الشيخ موفق الدين البغدادي وإشتغل أيضاً بالأدب عل الشيخ علم الدين السخاوي وعلى غيره من العلماء وقد أتقن علم الأدب إتقاناً لا مزيد عليه ولا يشاركه أحد فيه وله فطرة جيدة في قول الشعر وأحب ما إليه التخلي مع نفسه والملازمة لقراءته ودرسه والإطلاع على آثار القدماء والإنتفاع بمؤلفات الحكماء وكان نزيه النفس عالي الهمة لم يؤثر التردد إلى الملوك ولا إلى أرباب الدولة وخدم مدة في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ولما وقف شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه الدار التي له بدمشق وجعلمها مدرسة يدرس فيها صناعة الطب وينتفع المسلمون بقراءتهم فيها أوصى أن يكون مدرسها شرف الدين بن الرحبي لما قد تحققه من علمه وفهمه فتولى التدريس بها مدة وتوفي شرف الدين بن الرحبي بدمشق ودفن بجبل قاسيون وكانت وفاته رحمه اللّه في الليلة التي صباحها يوم الجمعة حادي عشر المحرم سنة سبع وستين وستمائة بعلة ذات الجنب‏.‏

وحدثني الحكيم بدر الدين بن قاضي بعلبك وشمس الدين الكتبي المعروف بالخواتمي قالا كان شرف الدين قبل أن يمرض ويموت بأشهر يقول للجماعة المترددين إليه والتلاميذ المشتغلين عليه أنه بعد قليل أموت وذلك يكون عند قران الكوكبين ثم يقول لهم قولوا للناس هذا حتى يعرفوا مقدار علمي في حياتي وعلمي بوقت موتي وكان قوله موافقاً لما حكم به‏.‏

ومن شعر شرف الدين بن الرحبي وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال سهام المنايا في الورى ليس تمنع فكل له يوماً وإن عاش مصرع وكلّ وإن طال المدى سوف ينتهي إلي قعر لحدٍ في ثرى منه يودع فقل للذي قد عاش بعد قرينه إلى مثلها عما قليل ستدفع فكل ابن أنثي سوف يفضي إلى ردى ويرفعه بعد الأرائك شرجع ويدركه يوماً وإن عاش برهة قضاء تساوى فيه هم ومرضع فلا يفرحن يوماث بطول حياته لبيب فما في عيشة المرء مطمع فما العيش إلا مثل لمحة بارق وما الموت إلا مثل ما العين تهجع فتباً لدنيا ما تزال تعلنا أفاويق كأس مرة ليس تقنع سحاب أمانيها جهام وبرقها إذا شيم برق خلب ليس يهمع كأن لم يكن يوماً علا مرفقاً لها نفائس تيجان ودر مرصع تباعد عنهم وحشة كل وامق وعافهم الأهلون والناس أجمع وقاطعهم من كان حال حياتهم بوصلهم وجداً بهم ليس يطمع يبكيهم الأعداء من سوء حالهم ويرحمهم من كان ضداً ويججزع فقل للذي قد غره طول عمره وما قد حواه من زخارف تخدع أفق و انظر الدنيا بعين بصيرة تجد كل ما فيها ودائع ترجع فأين الملوك الصيد قدماً ومن حوى من الأرض ما كانت به الشمس تطلع حواه ضريح من فضاء بسيطها يقصرعن جمانه حين يذرع وأنشدني أيضاً لنفسه ليس يجدي ذكر الفتى بعد موت فاطرح ما يقوله السفهاء كم قال جهلاً بأني إن أمت يزل النظام ويفسد الثقلان وافاه مضيّ الحمام ولم يرع حيّ ولم يحفل به اثنان فغدا لقيٍّ تحت التراب مجندلاً لم ينتطح في موته عنزان من ظن أن لا بد منه وإنه ذو عنية في عالم الإكوان فلبئسما ذهبت وساوس فكره منه إلي دعوى بغير بيان أني وما فوق البسيطة فاسد إلا ويخلفه بديل ثاني وقال وأشدني إياها بعد وفاة أخيه الحكيم جمال الدين عمثان في سنة ثمان وخمسين وستمائة تبدلت لما أن وجدت سكينة وعزاً نفى شر الحسود المعاند وقد ناهزت سني ثمانين حجة ومات من الأهلين كل مساعد ولا سيما الأخر الشقيق وإن غدا لدى نازل في الخطب ركني وساعدي فخانتني الأيام فيما رجوته ولما تزل تأتي بعكس المقاصد فصبراً على كيد الزمان لعله يؤول إلى الإنصاف بعد التباعد فغيبة ما يشنى عن العين موجب تناسى ما منه يخاف ويحذر وإن كنت ذا علم بأن ليس ملبسي شابباً ولا رد المنية يقدر وقال هو مما كتب به إلي من دمشق وكنت يومئذ بصرخد عند مالكها الأمير عز الدين أيبك المعظمي موفق الدين ماذا السهو منك على ما نلت من رتبة في العلم والأدب أبعت نفسك بالنزر الحقير لقد أرخصتها بعد طول الجد والدأب أقمت في بلد يزري بساكنه لا يرتضيه لبيب من ذوي الرتب ناء عن الخير ذي جدب فليس به سوى صخور وحر منه ملتهب مضيعاً فيه عمراً ما له عوض إذا تصرم وقت منه لم يؤب أتحسب العمر مردوداً تصومه هيهات أن يرجع الماضي من الحقب أم تحسب العمر ما ولت لذاذته ينال بعدذهاب العمر بالذهب إذا تولى شباب العمر في نغص فما له في بقايا العمر من أرب لو كان ما أنت فيه مكسباً لغنى لما وفى بذهاب العمر في نصب ولا تقم بسواها مع حصول غنى فالعمر فيما سواها غير محتسب واقطع زمانك طيباً في محاسنها وعد إلى اللهو واللذات والطرب وبادر العمر قبل الفوت مغتنما ما دمت حياً فإن الموت في الطلب وخذ عياناً إذا ما أمكنت فرص ولا تبع طيب موجود بمرتقب فالعمر منصرم والوقت مغتنم والدهر ذو غِيَر فانعم به تصب فاعمل بقولي ولا تجنح إلى أحد ممن يفند من عمري وذي رغب يرى السعادة في نيل الحطام ولو حواه مع نصب من سوء مكتسب فاستدرك الفائت المقضي في عمر فليس بالنأي عن مثواك من كثب ولا تعش عيش ذي نقص وكن أبداً ممن سمت همة منه على الشهب واغنم حياة أب ما زال ذا حزن مذ غبت عنه لبعد منك مكتئب فلست تعدم مع رؤياه مكتسباً يسد بالقنع من عري ومن سغب فالرأي ما قلته فاعمل به عجلاً ولا تصخ نحو فدم غير ذي حدب ومن سمت في سماء المجد همته فأدركت في المعالي أرفع الرتب قد فاق بقراط في علم وفي حكم وفاق سحبان في شعر وفي خطب له التصانيف في كل العلوم ولا شيء يماثلها من سائر الكتب أقدارها قد علت في الناس وارتفعت عن كل شبه كمثل السبعة الشهب في فيها المعاني التي كالدر قد نظمت سلك خط وخير اللفظ منتخب ولا عجيب لدر كان مورده من بحر علم لمولى في العلى دئب قد نال راحة تحصيل العلوم وما من راحة حصلت إلا عن التعب البعض ورام مسعاه أقوام وما بلغوا البعض منه وكلّ جَدّ في الطلب وكل علم وجود فهو منه إلى من يجتديه كغيث دائم الصيب للَّه كم من أياد منه قد وصلت إلي في سالف الأيام والحقب إني لأشكرها ما دمت مجتهداً وشكر نعماه طول الدهر أجدر بي عندي من البين أشواق إليك كما للناس في الجدب أشواق إلى السحب ولو تكون لي الدنيا بأجمعها في البعد ما كنت مختاراً فراق أبي هو الذي لم يزل أشفاقه أبداً علي والبر من بعد ومن كثب وأنني بعد ما جد الفراق بنا والبعد لم يصف لي عيش ولم يطب وكيف يلتذ عيشاً من أتاح به هذا الزمان إلى قوم من الحطب لم يعرفوا قدر ذي علم لجهلهم وليس ذلك في الجهال بالعجب أتيت من ضاع فضلي في فناه وهل غباوة العجم تدري فطنة العرب وإن أقمت بأقوام على خطأ مني وقد مر بعض العمر في نصب فقد أقام سميي قبل في نفر بأرض نجلة يشكو حادث النوب وهي الأمور التي تأتي مقدرة وليس شيء من الدنيا بلا سبب ومن بدائع نظم أنت قائله بيت به حكم من رأي ذي حدب إذا انقضى شباب المرء في نغص فما له في بقايا العمر من أرب يا حبذا طيب أيام لنا سلفت وطيب أوقاتها لو أنها تؤب وإن لي همة تسمو السماك وما إلا الفضائل والعلياء مطلبي وسوف أقصد أرضاً قد نشأت بها والقرب من كل ذي فضل وذي أدب واجعل العزم في علم أحصله فالعلم في كل حال خير مكتسب وأنشدني أيضاً لنفسه لم يبق تولهي بكم غير ذماً ينصب لذا البكا من العين دما إن كان يقتلني إلهي حكماًفي حبك لم أجد لموتي ألما ولشرف الدين بن الرحبي من الكتب كتاب في خلق الإنسان وهيئة أعضائه ومنفعتها لم يسبق إلى مثله وحواش على كتاب القانون لابن سينا حواش على شرح ابن أبي صادق لمسائل حنين

جمال الدين بن الرحبي

هو الحكيم الأجل العالم الفاضل جمال الدين عثمان بن يوسف بن حيدرة الرحبي مولده ومنشؤه بدمشق من أكابر الفضلاء وسادة العلماء أوحد زمانه وفريد أوانه اشتغل بصناعة الطب على والده وعلى غيره وأتقنها إتقاناً لا مزيد عليه وكان حسن المعالجة جيد المداواة وخدم في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي رحمه اللَّه لمعالجة المرضى وبقي به سنين وكان يحب التجارة ويتعانيها ويسافر بها في بعض الأوقات إلى مصر ويأتي من مصر بتجارة ولما وصلت التتر إلى الشام وذلك في سنة سبع وخمسين وستمائة توجه الحكيم جمال الدين بن الرحبي إلى مصر وأقام فيها ثم مرض وتوفي بالقاهرة وذلك في العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وستمائة‏.‏

كمال الدين الحمصي

هو أبو منصور المظفر بن علي بن ناصر القرشي من الفضلاء المشهورين والعلماء المذكورين وكان كثير الخير وافر المروءة كريم النفس محباً لاصطناع المعروف واشتغل بصناعة الطب على الشيخ رضي الدين الرحبي وعلى غيره وشرع قراءة كتاب القانون على الحكيم القاضي بهاء الدين أبي الثناء محمود بن أبي الفضل منصور بن الحسن بن إسماعيل الطبري المخزومي لما أتي إلى دمشق وقرأ عليه منه إلى علاج الإسهال الدماغي ثم سافر الشيخ بهاء الدين إلى بلد الروم في سنة ثمان وستمائة وكان كمال الدين الحمصي قد اشتغل أيضاً بالأدب وقرأ على الشيخ تاج الدين الكندي وكان محباً للتجارة وأكثر معيشته منها وكانت له دكان فيالخواصين بدمشق يجلس فيها ويكره التكسب بصناعة الطب وإنما كان الملوك وأكثر الأعيان يطلبونه ويستطبونه لما ظهر من علمه وبان من فضله وطلبه الملك العادل أبو بكر بن أيوب وغيره ليخدمه ويبقى معه في الصحبة فما فعل وبقي سنين يتردد إلى البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ويعالج المرضى فيه احتساباً ثم ألزم بعد ذلك بأن قررت له فيه جامكية وجراية وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاته في يوم الثلاثاء تاسع شهر شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة‏.‏

ولكمال الدين الحمصي من الكتب مقالة في الباه وهي مستقصاة في فنها شرح بعض كتاب العلل والأعراض لجالينوس الرسالة الكاملة في الأدوية المسهلة اختصار كتاب الحاوي للرازي لم يتم مقالة في الاستسقاء تعاليق على الكليات من كتاب القانون تعاليق في الطب تعاليق في البول ألفها في أول رجب سنة ثلاث وستمائة اختصار كتاب المسائل لحنين بن إسحاق وقد أجاد فيه‏.‏

موفق الدين عبد اللطيف البغدادي

هو الشيخ الإمام الفاضل موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد ويعرف بابن اللباد موصلي الأصل بغدادي المولد كان مشهوراً بالعلوم متحلياً بالفضائل مليح العبارة كثير التصنيف وكان متميزاً في النحو واللغة العربية عارفاً بعلم الكلام والطب وكان قد اعتنى كثيراً بصناعة الطب لما كان بدمشق واشتهر بعلمها وكان يتردد إليه جماعة من التلاميذ وغيرهم من الأطباء للقراءة عليه كان والده قد أشغله بسماع الحديث في صباه من جماعة منهم أبو الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي وأبو زرعة طاهر بن محمد القدسي وأبو القاسم يحيى بن ثابت الوكيل وغيرهم‏.‏

وكان يوسف والد الشيخ موفق الدين مشتغلاً بعلم الحديث بارعاً في علوم القرآن والقراءات مجيداً في المذهب والخلاف والأصولين وكان متطرفاً من العلوم العقلية وكان سليمان عم الشيخ موفق الدين فقيهاً مجيداً وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف كثير الاشتغال لا يخلي وقتاً من أوقاته من النظر في الكتب والتصنيف والكتابة والذي وجدته من خطه أشياء كثيرة جداً بحيث أنه كتب من مصنفاته نسخاً متعددة وكذلك أيضاً كتب كتباً كثيرة من تصانيف القدماء وكان صديقاً لجدي وبينهما صحبة أكيدة بالديار المصرية لما كنا بها وكان أبي وعمي يشتغلان عليه بعلم الأدب واشتغل عليه عمي أيضاً بكتب أرسطوطاليس وكان الشيخ موفق الدين كثير العناية بها والفهم لمعانيها وأتى إلى دمشق من الديار المصرية وأقام بها مدة وكثر انتفاع الناس بعلمه ورأيته لما كان مقيماً بدمشق في آخر مرة أتى إليها وهو شيخ نحيف الجسم ربع القامة حسن الكلام جيد العبارة وكانت مسطرته أبلغ من لفظه وكان رحمه اللَّه ربما تجاوز في الكلام لكثرة ما يرى في نفسه وكان يستنقص الفضلاء الذين في زمانه وكثيراً من المتقدمين وكان وقوعه كثيراً جداً في علماء العجم ومصنفاتهم وخصوصاً الشيخ الرئيس بن سينا ونظرائه‏.‏

ونقلت من خطه في سيرته التي ألفها ما هذا مثاله قال أني ولدت بدار لجدي في درب الفالوذج في سنة سبع وخمسين وخمسمائة وتربيت في حجر الشيخ أبي النجيب لا أرف اللعب واللهو وأكثر زماني مصروف في سماع الحديث وأخذت لي إجازات من شيوخ بغداد وخراسان والشام ومصر وقال لي والدي يوما ً قد سمعتك جميع عوالي بغداد وألحقتك في الرواية بالشيوخ المسان وكنت في أثناء ذلك أتعلم الخط وأتحفظ القرآن والفصيح و والمقامات وديوان المتنبي ونحو ذلك ومختصراً في الفقه ومختصراً في النحو فلما ترعرعت حملني والدي إلى كمال الدين عبد الرحمن الأنباري و وكان يومئذ شيخ بغداد وله بوالدي صحبة قديمة أيام التفقه بالنظامية فقرأت عليه خطبة الفصيح فهذر كلاماً كثيراً متتابعاً لم أفهم منه شيئاً لكن التلاميذ حوله يعجبون منه ثم قال أنا أجفو عن تعليم الصبيان أحمله إلى تلميذي الوجيه الواسطي يقرأ عليه فإذا توسطت حاله قرأ علي وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء وكان رجلاً أعمى من أهل الثروة والمروءة فأخذني بكلتي يديه وجعل يعلمني من أول النهار إلى آخره بوجوه كثيرة من التلطف فكنت أحضر حلقته بمسجد الظفرية ويجعل جميع الشروح لي ويخاطبني بها وفي آخر الأمر أقرأ درسي وخصني بشرحه ثم نخرج من المسجد فيذاكرني في الطريق فإذا بلغنا منزله أخرج الكتب التي يشتغل بها مع نفسه فاحفظ له وأحفظ معه ثم يذهب إلى الشيخ كمال الدين فيقرأ درسه ويشرح له وأنا أسمع وتخرجت إلى أن صرت أسبقه في الحفظ والفهم وأصرف أكثر الليل في الحفظ والتكرار وأقمنا على ذلك برهة كلما جاء حفظي كثر وجاد وفهمي قوي واستنار وذهني احتد واستقام وأنا ألازم الشيخ وشيخ الشيخ وأول ما ابتدأت حفظت اللمع في ثمانية أشهر وأسمع كل يوم شرح أكثرها مما يقرؤه غيري وأنقلب إلى بيتي فأطالع شرح الثمانين وشرح الشريف عمر بن حمزة وشرح ابن برهان وكل ما أجد من شروحها وأشرحها لتلاميذ يختصون بي إلى أن صرت أتكلم على كل باب كراريس ولا ينفذ ما عندي ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة حفظاً متقناً أما النصف الأول ففي شهور وأما تقويم اللسان ففي أربعة عشر يوماً لأنه كان أربعة عشر كراساً ثم حفظت مشكل القرآن له وغريب القرآن له وكل ذلك في مدة يسيرة ثم انتقلت إلى الإيضاح لأبي علي الفاسي فحفظته في شهور كثيرة ولازمت مطالعه شروحه وتتبعته التتبع التام حتى تبحرت فيه وجمعت ما قال الشراح وأما التكملة فحفظتها في أيام يسيرة كل يوم كراساً وطالعت الكتب المبسوطة والمختصرات وواظبت على المقتضب للمبرد وكتاب ابن درستويه وفي اثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتفقه على شيخنا ابن فضلان بدار الذهب وهي مدرسة معلقة بناها فخر الدولة بن المطلب‏.‏

قال وللشيخ كمال الدين مائة تصنيف وثلاثون تصنيفاً أكثرها في النحو وبعضها في الفقه والأصولين وفي التصوف والزهد وأتيت على أكثر تصانيفه سماعاً وقراءة وحفظاً وشرع في تصنيفين كبيرين أحدهما في اللغة والآخر في الفقه ولمن يتفق له إتمامهما وحفظت عليه طائفة من كتاب سيبويه وأكببت على المقتضب فأتقنته وبعد وفاة الشيخ تجردت لكتاب سيبويه ولشرحه للسيرافي ثم قرأت على ابن عبيد الكرخي كتباً كثير منها كتاب الأصول لابن السراج والنسخة في وقف ابن الخشاب برباط المأمونية وقرأت عليه الفراض والعروض للخطيب التبريزي وهو من خواص تلاميذ ابن الشجري وأما ابن الخشاب فسمعت بقراءته معاني الزجاج على الكتابة شهدة بنت الأبري وسمعت منه الحديث المسلسل وهو ‏"‏ الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ‏"‏ وقال أيضاً موفق الدين البغدادي إن من مشايخه الذين انتفع بهم كما زعم ولد أمين الدولة بن التلميذ وبالغ في وصفه وكثر وهذا فلكثرة تعصبه للعراقيين وإلا فولد أمين الدولة لم يكن بهذه المثابة ولا قريباً منها وقال أنه ورد إلى بغداد رجل مغربي جوال في زي التصوف له أبهة ولسن مقبول الصورة عليه مسحة الدين وهيئة السياحة ينفعل لصورته من رآه قبل أني أخبره ويعرف بابن نائلي يزعم أنه من أولاد المتلثمة خرج من المغرب لما استولى عليها عبد المؤمن فلما إستقر ببغداد اجتمع إليه جماعة من الأكابر والأعيان وحضره الرضي القزويني وشيخ الشيوخ ابن سكينة وكنت واحداً ممن حضره فاقرأني مقدمة حساب ومقدمة ابن بابشاد في النحو وكان له طريق في التعليم عجيب ومن يحضره يظن أنه متبحر وإنما كان متطرفاً ولكنه أمعن في كتب الكيمياء والطلسمات وما يجري مجراها وأتى على كتب جابر بأسرها وعلى كتب ابن وحشية وكان يجلب القلوب بصورته ومنطقه وإيهامه فملأ قلبي شوقاً إلى العلوم كلها واجتمع بالإمام الناصر لدين اللَّه وأعجبه ثم سافر وأقبلت على الإشتغال وشمرت ذيل الجد والاجتهاد وهجرت النوم واللذات وأكببت على كتب الغزالي المقاصد والمعيار والميزان محك النظر ثم انتقلت إلى كتب ابن سينا صغارها وكبارها وحفظت كتاب النجاة وكتبت الشفاء وبحثت فيه وحصلت كتاب التحصيل لبهمنيار تلميذ ابن سينا وكتبت وحصلت كثيراً من كتب جابر بن حيان الصوفي وابن وحشية وباشرت عمل الصنعة الباطلة وتجارب الضلال الفارغة وأقوى من أضلني ابن سينا بكتابه في الصنعة الذي تمم به فلسفته التي لا تزداد بالتمام إلا نقصا‏.‏

قال ولما كان في سنة خمس وثمانين وخمسمائة حيث لم يبق ببغداد من يأخذ بقلبي ويملأ عيني ويحل ما يشكل عليّ و دخلت الموصل فلم أجد فيها بغيتي لكن وجدت الكمال بن يونس جيداً في الرياضيات والفقه متطرفاً من باقي أجزاء الحكمة قد استغرق عقله ووقته حب الكيمياء وعملها حتى صار يستخف بكل ما عداها واجتمع إلى جماعة كثيرة وعُرضت علي مناصب فاخترت منها مدرسة ابن مهاجر المعقلة ودار الحديث التي تحتها وأقمت بالموصل سنة في اشتغال دائم متواصل ليلاً ونهاراً وزعم أهل الموصل أنهم لمن يروا من أحد قبلي ما رأوا مني من سعة المحفوظ وسرعة وسكون الطائر وسمعت الناس يهرجون في حديث الشهاب السهروردي المتفلسف ويعتقدون أنه قد فاق الأولين والآخرين وإن تصانيفه فوق تصانيف القدماء فهممت لقصده ثم أدركني التوفيق فطلبت من ابن يونس شيئاً من تصانيفه وكان أيضاً معتقداً فيها فوقعت على التلويحات واللمحة والمعارج فصادفت فيها ما يدل على جهل أهل الزمان ووجدت لي تعاليق كثيرة لا أرتضيها هي خير من كلام هذا الأنوك وفي أثناء كلامه يثبت حروفاً مقطعة يوهم بها أمثاله أنها أسرار إلهية قال ولما دخلت دمشق وجدت فيها من أعيان بغداد والبلاد ممن جمعهم الإحسان الصلاحي جمعاً كثيراً منهم جمال الدين عبد اللطيف ولد الشيخ أبي النجيب وجماعة بقيت من بيت رئيس الرؤساء وابن طلحة الكاتب وبيت ابن جهير وابن العطار المقتول الوزير وابن هبيرة الوزير واجتمعت بالكندي بالبغدادي النحوي وجرى بيننا مباحثات وكان شيخاً بهياً ذكياً مثرياً له جانب من السلطان لكنه كان معجباً بنفسه مؤذياً لجليسه وجرت بيننا مباحثات فأظهرني اللّه تعالى عليه في مسائل كثيرة ثم أني أهملت جانبه فكان يتأذى بإهمالي له أكثر مما يتأذى الناس منه وعملت بدمشق تصانيف جمة منها غريب الحديث الكبير جمعت فيه غريب أبي عبيد القاسم بن سلام وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابي وكنت إبتدأت به في الموصل وعملت كتاب الواضحة في إعراب الفاتحة نحو عشرين كراساً وكتاب الألف واللام وكتاب ربّ وكتاباً في الذات والصفات الذاتية الجارية على ألسنة المتكلمين وقصدت بهذه المسألة الرد على الكندي ووجدت بدمشق الشيخ عبد اللَّه بن نائلي نازلاً بالمأذنة الغربية وقد عكف عليه جماعة وتحزب الناس فيه حزبين له وعليه فكان الخطيب الدولعي عليه وكان من الأعيان له منزلة وناموس ثم خلط ابن نائلي على نفسه فأعان عدوه عليه وصار يتكلم في الكيمياء والفلسفة وكثر التشنيع عليه واجتمعت به فصار يسألني عن أعمال أعتقد أنها خسيسة نزرة فيعظمها ويحتفل بها ويكتبها مني وكاشفته فلم أجده كما كان في نفسي فساء به ظني وبطريقه ثم باحثته في العلوم فوجدت عنده منها أطرافاً نزرة فقلت له يوماً لو صرفت زمانك الذي ضيعته في طلب الصنعة إلى بعض العلوم الشرعية أو العقلية كنت اليوم فريد عصرك مخدوماً طول عمرك وهذا هو الكيمياء لا ما تطلبه ثم اعتبرت بحاله وانزجرت بسوء ما له والسعيد من وعظ بغيره فأقلعت ولكن لا كل الإقلاع ثم إنه توجه إلى صلاح الدين بظاهر عكا يشكو إليه الدولعي وعاد مريضاً وحمل إلى البيمارستان فمات به وأخذ كتبه المعتمد شحنة دمشق وكان متيماً بالصنعة ثم أني توجهت إلى زيادرة القدس ثم إلى صلاح الدين بظاهر عكا فاجتمعت ببهاء الدين بن شداد قاضي العسكر يومئذ وكان قد اتصل به شهرتي بالموصل فانبسط إلي وأقبل علي وقال نجتمع بعماد الدين الكاتب فقمنا إليه وخيمته إلى خيمة بهاء الدين فوجدته يكتب كتاباً إلى الديوان العزيز بقلم الثلث من غير مسودة وقال هذا كتاب إلى بلدكم وذاكرني في مسائل من علم الكلام وقال قوموا بنا إلى القاضي الفاضل فدخلنا عليه فرأيت شيخاً ضئيلاً كله رأس وقلب وهو يكتب ويملي على اثنين ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقوة حرصه في إخراج الكلام وكأنه يكتب بجملة أعضائه وسألني القاضي الفاضل عن قوله سبحانه وتعالى ‏"‏ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ‏"‏ أين جواب إذاً وأين جواب لو في قوله تعالى ‏"‏ ولو أن قرآناً سيرت به الجبال ‏"‏ وعن مسائل كثيرة ومع هذا فلا يقطع الكتابة والإملاء وقال لي ترجع إلى دمشق وتجري عليك الجرايات فقلت أريد مصر فقال السلطان مشغول القلب بأخذ الفرنج عكا وقتل المسلمين بها فقلت لا بد لي من مصر فكتب لي ورقة صغيرة إلى وكيله بها‏.‏

فلما دخلت القاهرة جاءني وكيله وهو ابن سناء الملك وكان شيخاً جليل القدر نافذ الأمر فأنزلني داراً قد أزيحت عللها وجاءني بدنانير وغلة ثم مضى إلى أرباب الدولة وقال هذا ضيف القاضي الفاضل فدررت الهدايا والصلات من كل جانب وكان كل عشرة أيام أو نحوها تصل تذكرة القاضي الفاضل إلى ديوان مصر بمهمات الدولة وفيها فصل يؤكد الوصية في حقي وأقمت بمسجد الحاجب لؤلؤ رحمه اللَّه إقرئ وكان قصدي في مصر ثلاثة أنفس ياسين السيميائي والرئيس موسى بن ميمون اليهودي وأبو القاسم الشارعي وكلهم جاؤوني أما ياسين فوجدته محالياً كذاباً مشعبذاً يشهد للشاقاني بالكيمياء ويشهد له الشاقاني بالكيمياء ويقول عنه أنه يعمل أعمالاً يعجز موسى بن عمران عنها وأنه يحضر الذهب المضروب متى شاء وبأي مقدار شاء وبأي سكة شاء وأنه في الغاية قد غلب عليه عحب الرياسة وخدمة أرباب الدنيا وعمل كتاباً في الطب جمعه من الستة عشر لجالينوس ومن خمسة كتب أخرى وشرط أن لا يغير فيه حرفاً إلا أن يكون واو عطف أو فاء وصل وإنما ينقل فصولاً لا يختارها وعمل كتاباً لليهود سماه كتاب الدلالة ولعن من يكتبه بغير القلم العبراني ووقفت عليه فوجدته كتاب سوء يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها وكنت ذات يوم بالمسجد وعندي جمع كثير فدخل شيخ رث الثياب نير الطعلة مقبول الصورة فهابه الجمع ورفعوه فوقهم وأخذت في إتمام كلامي فلما تصرم المجلس جاءني إمام المسجد وقال أتعرف هذا الشيخ هذا أبو القاسم الشارعي فاعتنقته وقلت إياك أطلب فأخذته إلى منزلي وأكلنا الطعام وتفاوضنا الحديث فوجدته كما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين سيرته سيرة الحكماء العقلاء وكذا صورته وقد رضي من الدنيا ببرض لا يتعلق منها بشيء يشغله عن طلب الفضيلة ثم لازمني فوجدته قيماً بكتب القدماء وكتب أبي نصر الفارابي ولم يكن لي اعتقاد في أحد من هؤلاء لأني كنت أظن أن الحكمة كلها حازها ابن سينا وحشاها كتبه وإذا تفاوضنا الحديث أغلبه بقوة الجدل وفضل اللسن ويغلبني بقوة الحجة وظهور المحجة وأنا لا تلين قناتي لغمزه ولا أحيد عن جادة الهوى والتعصب برمزه فصار يحضرني شيئاً بعد شيء من كتب أبي نصر والإسكندر ثامسطيوس يؤنس نفاري ويلين عريكة شماسي حتى عطفت عليه أقدِّم رجلاً وأؤخر أخرى‏.‏

وشاع أن صلاح الدين هادن الفرنج وعاد إلى القدس فقادتني الضرورة إلى التوجه إليه فأخذت من كتب القدماء ما أمكنني توجهت إلى القدس فرأيت ملكاً عظيماً يملأ العين روعة والقلوب محبة قريباً بعيداً سهلاً محبباً وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى ‏"‏ ونزعنا ما في صدورهم من غل ‏"‏ وأول ليل حضرته وجدت مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاستماع والمشاركة ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك الحجارة على عاتقه ويتأسى به جميع الناس الفقراء والأغنياء والأقوياء والضعفاء حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر ويأتي داره ويمد الطعام ثم يستريح ويركب العصر ويرجع في المساء ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمل نهاراً فكتب لي صلاح الدين بثلاثين ديناراً في كل شهر على ديوان الجامع وأطلق أولاده رواتب حتى تقرر لي في كل شهر مائة دينار‏.‏

ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس بالجامع وكلما أمعنت في كتب القدماء ازددت فهيا رغبة وفي كتب ابن سنا زهادة وأطلعت على بطلان الكيمياء وعرفت حقيقة الحال في وضعها ومَن وضعها وتكذّب بها وما كان قصده في ذلك وخلصت من ضلالين عظيمين موبقين وتضاعف شكري للَّه سبحانه على ذلك فإن أكثر الناس إنما هلكوا بكتب ابن سينا وبالكيمياء ثم أن صلاح الدين دخل دمشق وخرج يودع الحاج ثم رجع فحمّ ففصده من لا خبرة عنده فخارت القوة ومات قبل الرابع عشر ووجد الناس عليه شبيهاً بما يجدونه على الأنبياء وما رأيت ملكاً حزن الناس بموته سواه لأنه كان محبوباً يحبه البر والفاجر والمسلم والكافر ثم تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ ومزقوا في البلاد كل ممزق وأثرهم توجه إلى مصر لخصبها وسعة صدر ملكها وأقمت بدمشق وملكها الملك الأفضل وهو أكبر الأولاد في السن إلى أن جاد الملك العزيز بعساكر مصر يحاصر أخاه بدمشق فلم ينل منه بغية ثم تأخر إل مرج الصفر لقولنج عرض له فخرجت إليه بعد خلاصه منه فأذن لي في الرحيل معه وأجرى علي من بيت المال كفايتي وزيادة وأقمت مع الشيخ أبي القاسم يلازمني صباح مساء إلى أن قضى نحبه ولما اشتد مرضه و وكان ذات الجنب عن نزلة من رأسه وأشرت عليه بدواء فأنشد لا أذود الطير من شجر قد بلوت المر من ثمره ثم سألته من ألمه فقال ما لجرح بميت إيلام وكان سيرتي في هذه المدة أنني أقرئ الناس بالجامع الأزهر من أول النهار إلى نحو الساعة الرابعة وسط النهار يأتي من يقرأ الطب وغيره وآخر النهار أرجع إلى الجامع الأزهر فيقرأ قوم آخرون وفي الليل أشتغل مع نفسي ولم أزل على ذلك إلى أن توفي الملك العزيز وكان شاباً كريماًً شجاعاً كثير الحياء لا يحسن قول لا وكان مع حداثة سنه وشرخ شبابه كامل العفة عن الأموال والفروج‏.‏

أقول ثم أن الشيخ موفق الدين أقام بالقارة بعد ذلك مدة وله الرتب والجرايات من أولاد الملك الناصر صلاح الدين وأتى إلى مصر ذلك الغلاء العظيم والموتان الذي لم يشاهد مثله وألف الشيخ موفق الدين في ذلك كتاباً ذكر فيه أشياء شاهدها أو سمعها ممن عاينها تذهل العقل وسمى ذلك الكتاب كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر ثم لما ملك السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب الديار المصرية وأكثر الشام والشرق وتفرقت أولاد أخيه الملك الناصر صلاح الدين وانتزع ملكهم توجه الشيخ موفق الدين إلى القدس وأقام بها مدة وكان يتردد إلى الجامع الأقصى ويشتغل الناس عليه بكثير من العلوم وصنف هنالك كتباً كثيرة ثم أنه توجه إلى دمشق ونزل بالمدرسة العزيزية بها وذلك في سنة أربع وستمائة وشرع في التدريس والاشتغال وكان يأتيه خلق كثير يشتغلون عليه ويقرأون أصنافاً من العلوم وتميز في صناعة الطب بدمشق صنف في هذا الفن كتاباً كثيرة وعرف به وأما قبل ذلك فإنما كانت شهرته بعلم النحو وأقام بدمشق مدة وانتفع الناس به ثم إنه سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم وأقام بها سنين كثيرة وكان في خدمة الملك علاء الدين داود ابن بهرام صاحب أرزنجان وكان مكيناً عنده عظيم المنزلة وله من الجامكية الوافرة والافتقادات الكثيرة وصنف باسمه عدة كتب وكان هذا الملك عالي الهمة كثير الحياء كريم النفس وقد اشتغل بشيء من العلوم ولم يزل في خدمته إلى أن استولى على ملكه صاحب أرزن الروم وهو السلطان كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان ثم قبض على صاحب أرزنجان ولم يظهر له خبر‏.‏

قال الشيخ موفق الدين عبد اللطيف ولما كان في سابع عشر ذي القعدة من سنة خمس وعشرين وستمائة توجهت إلى أرزن الروم وفي حادي صفر من سنة ست وعشرين وشتمائة رجعت إلى أرزنجان من أرزن الروم وفي نصف ربيع الأول توجهت إلى كماخ وفي جمادى الأولى توجهت منها إلى دبركي وفي رجب توجهت منها إلى ملطية وفي آخر رمضان توجهت إلى حلب وصلينا صلاة عيد الفطر بالبهنساء ودخلت حلب يوم الجمعة تاسع شوال فوجدناها قد تضاعفت عمارتها وخيرها بحسن سيرة أتابك شهاب الدين واجتمع الناس على محبتة لمعدلته في رعيته‏.‏

أقول وأقام الشيخ موفق الدين بحلب والناس يشتغلون عليه وكثرت تصانيفه وكان له من شهاب الدين طغريل الخادم أتابك حلب جار حسن وهو متنحل لتدريس صناعة الطب وغيرها ويتردد إلى الجامع بحلب ليسمع الحديث ويقرئ العربية وكان دائم الاشتغال ملازماً للكتابة والتصانيف ولما أقام بحلب قصدت أني أتوجه إليه واجتمع به فلم يتفق ذلك وكان كتبه أبداً تصل إلينا ومراسلاته وبعث إلي أشياء من تصانيفه من خطه وهذه نسخة كتاب كتبته إليه لما كان بحلب المملوك يواصل بدعائه وثنائه وشكره وانتماءه إلى عبودية المجلس السامي المولوي السيدي السندي الأجل الكبيري العالمي الفاضل موفق الدين و سيد العلماء في الغابرين والحاضرين جامع العلوم المتفرقة في العالمين ولي أمير المؤمنين أوضح اللَّه به سبل الهداية وأنار ببقائه طرق الدراية وحقق بحقائق ألفاظه صحيح الولاية ولا زالت سعادته دائمة البقاء وسيادته سامية الارتقاء وتصانيفه في الآفاق قدوة العلماء وعمدة سائر الأدباء والحكماء المملوك يجدد الخدمة ويهدي من السلام أطيبه ومن الشكر والثناء أعذبه وينهي ما يكابده من أليم التطلع إلى مشاهدة أنوار شمسه المنيرة وما يعانيه من الارتياح إلى ملاحظة شريف حضرته الأثيرة وما تزايد من القلق وتعاظم عند سماعه قرب المزار من الأرق وأبرح ما يكون الشوق يوماً إذا دنت الديار من الديار ولولا قفول الركاب العالي ووصول الجناب الموفقي الجلالي لسارع المملوك إلى الوصول ولبادر المبادرة بالمثول ولجاء إلى شريف خدمته وفاز بالنظر إلى بهي طلعته فيا سعادة من فاز بالنظر إليه ويا بشرى من مثل بين يديه ويا سرور من حظي بوجه إقباله عليه ومن ورد بحار فضله من غيرها واستضاء بشمس علمه فسرى في ضياء منيرها نسأل اللّه تعالى تقريب الاجتماع وتحصيل الجمع بين مسرتي الإبصار والإسماع بمنه وكرمه إن شاء اللّه تعالى ومن مراسلات الشيخ موفق الدين عبد اللطيف أنه بعث إلى أبي في أول كتاب وهو يقول فيه عندي ولد الولد أعز من الولد وهذا موفق الدين ولد ولدي وأعز الناس عندي وما زالت النجابة تتبين لي فيه من الصغر ووصف وأثنى كثيراً وقال فيه ولو أمكنني أن آتي إليه بالقصد ليشتغل علي لفعلت وبالجملة فإنه كان قد عزم أن يأتي إلى دمشق ويقيم بها ثم خطر له أنه قبل ذلك يحج ويجعل طريقه على بغداد وأن يقدم بها للخليفة المستنصر باللّه أشياء من تصانيفه ولما وصل بغداد مرض في أثناء ذلك وتوفي رحمه اللّه يوم الأحد ثاني عشر المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة ودفن بالوردية عند أبيه وذلك بعد أن خرج من بغداد وبقي غائباً عنها خمساً وأربعين سنة ثم إن اللّه تعالى ساقه إليها وقضى منيته بها ومن كلام موفق الدين عبد اللطيف البغدادي مما نقلته من خطه قال ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا آويت إلى منامك وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر اللّه عليها وما اكتسبت من سيئة فتستغفر اللّه منها وتقلع عنها وترتب في نفسك مما تعمله في غدك من الحسنات وتسأل اللّه الإعانة على ذلك‏.‏

وقال أوصيك أن لا تأخذ العلوم من الكتب وإن وثقت من نفسك بقوة الفهم وعليك بالأستاذين في كل علم تطلب اكتسابه ولو كان الأستاذ ناقصاً فخذ عنه ما عنده حتى تجد أكمل منه وعليك بتعظيمه وتوجيبه وإن قدرت أن تفيده من دنياك فافعل وإلا فبلسانك وثنائك وإذا قرأت كتاباً فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه وتوهم أن الكتاب قد عدم وأنك مستغن عنه لا تحزن لفقده وإذا كنت مكباً على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه ولصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء اللّه فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخر ولا تظن أنك إذا حصلت علماً فقد اكتفيت بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ولا ينقص ومراعاته تكون بالذاكرة والتفكر واشتغال المبتدئ بالتلفظ والتعلم ومباحثة الأقران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف وإذا تصديت لتعليم علم أو للمناظرة فيه فلا تمزج به غيره من العلوم فإن كل علم مكتف بنفسه مستغن عن غيره فإن استعانتك في علم بعلم عجز عن استيفاء أقسامه كمن يستعين بلغة في لغة أخرى إذا علمها أو جهل بعضها قال وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على السّير وتجارب الأمم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم‏.‏

قال وينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع أفعاله وأحواله واقتف آثاره وتشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد‏.‏

قال وينبغي أن تكثر إيهامك لنفسك ولا تحسن الظن بها وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم وتتثبت ولا تعجل ولا تعجب فمع العجب العثار ومع الاستبداد الزلل ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء لم يعرق في الفضيلة ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس ومن لم يبكتوه لم يسد ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم ومن لم يكدح لم يفلح وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرّك لسانك بذكر اللّه وبتسابيحه وخاصة عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك وتكلم به في منامك وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات وإذا أحزنك أمر فاسترجع وإذا اعترتك غفلة فاستغفر واجعل الموت نصب عينك والعلم والتقى زادك إلى الآخرة وإذا أردت أن تعصي اللّه فاطلب مكاناً لا يراك فيه واعلم أن الناس عيون اللّه على العبد يريهم خيره وإن أخفاه وشره وإن ستره فباطنه مكشوف للّه واللّه يكشفه لعباده فعليك أن تجعل باطنك خيراً من ظاهرك وسرك أصبح من علانيتك ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل وقلما يتعمق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جداً أو أن يثري بعد تحصيل العلم وإني لا أقول إن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها فإذا غفل عن أسبابها لم تأته وأيضاً فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن أصناف التجارات وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواني بيت شعر من جد في طلب العلوم أفاته شرف العلوم دناءة التحصيل وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ لها وحذق فيها وصرف الزمان إليها والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها وهذا ظلم منه وعدوان ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفوراً وعرضه ودينه مصون واعلم أن للعلم عقبة وعرفاً ينادي على صاحبه ونوراً وضياء يشرق عليه ويدل عليه كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيفما كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته واعلم أن العلوم تغور ثم تفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع‏.‏

ومن كلامه أيضاً نقلته من خطه قال اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم أو مستحسن فيه إلغاز تام وإيهام كثير أو قليل ولا تجعله مهملاً ككلام الجمهور بل ارفعه عنه ولا تباعده عليهم جداً وقال إياك والهذر والكلام فيما لا يعني وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتيرالكلام بل اجعل كلامك سرداً بسكون بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه وأنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم وقال إياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثقلا سكوته وأشهى إلى السامع من كلامه ويثير النفوس على مفاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته‏.‏

وقال اجعل كلامك كله جدلاً وأجب من حيث تعقل لا من حيث تعتاد وتألف‏.‏

وقال انتزح عن عادات الصبا وتجرد عن مألوفات الطبيعة واجعل كلامك لاهوتياً في الغالب لا ينفك من خبر أو قرآن أو قول حكيم أو بيت نادر أو مثل سائر‏.‏

وقال تجنب الوقيعة في الناس وثلب الملوك والغلظة على المعاشر وكثرة الغضب وتجاوز الحد فيه‏.‏

وقال استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية والنوادر الحكمية والمعاني المستغربة ومن دعائه رحمه اللّه قال اللهم أعذنا من شموس الطبيعة وجموع النفس الردية وأسلس لنا مقاد التوفيق وخذ بنا في سواء الطريق يا هادي العمي يا مرشد الضلال يا محيي القلوب الميتة بالإيمان يا منير ظلمة الضلالة بنور الإتقان خذ بأيدينا من مهواة الهلكة نجنا من ردغة الطبيعة طهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى إنك مالك الآخرة والدنيا وتسبيح أيضاً له قالسبحان من عم بحكمته الوجود واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود تلألأت بنور جلالك الآفاق وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقاً وأي إشراق‏.‏

ولموفق الدين عبد اللطيف البغدادي من الكتب كتاب غريب الحديث جمع فيه غريب أبي عبيد القاسم بن سلام وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابي كتاب المجرد من غريب الحديث كتاب الواضحة في إعراب الفاتحة كتاب الألف واللام مسألة في قوله سبحانه إذا أخرج يده لم يكد يراها مسألة نحوية مجموع مسائل نحوية وتعاليق كتاب ربَّ شرح بانت سعاد كتاب ذيل الفصيح الكلام في الذات والصفات الذاتية الجارية على ألسنة المتكلمين شرح أوائل المفصل خمس مسائل نحوية شرح مقدمة ابن بابشاذ وسماه باللمع الكاملية شرح الخطب النباتية شرح الحديث المتسلسل شرح سبعين حديثاً شرح أربعين حديثاً طبية كتاب الرد على ابن خطيب الري في تفسير سورة الإخلاص كتاب كشف الظلامة عن قدامة شرح نقد الشعر لقدامة أحاديث مخرجة من الجمع بين الصحيحين كتاب اللواء العزيز باسم الملك العزيز في الحديث كتاب قوانين البلاغة عمله بحلب سنة خمس عشرة وستمائة حواش على كتاب الخصائص لابن جني كتاب الإنصاف بين ابن بري وابن الخشاب على المقامات للحريري وانتصار ابن بري للحريري مسألة في قولهم أنت طالق في شهر قبل ما بعد قبلة رمضان تفسير قوله عليه السلام الراحمون يرحمهم الرحمن كتاب قبسة العجلان في النحو اختصار كتاب الصناعتين للعسكري اختصار كتاب العمدة لابن رشيق‏.‏

مقالة في الوفق كتاب الجلي في الحساب الهندي اختصار كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري وكتاب آخر في فنه مثله اختصار مادة البقاء للتميمي كتاب الفصول وهو بلغة الحكيم سبع مقالات فرغ منه في شهر رمضان سنة ثمان وستمائة شرح كتاب الفصول لأبقراط شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط اختصار وشرح جالينوس لكتب الأمراض الحادة لأبقراط اختصار كتاب الحيوان لأرسطوطاليس تهذيب مسائل مابال لأرسطوطاليس كتاب آخر في فنه مثله اختصار كتاب منافع الأعضاء لجالينوس اختصار كتاب آراء بقراط وأفلاطن اختصار كتاب الجنسين اختصار كتاب الصوت اختصار كتاب المني اختصار كتاب آلات التنفس اختصار كتاب العضل اختصار كتاب الحيوان للجاحظ كتاب في آلات التنفس وأفعالها ست مقالات مقالة في قسمة الحميات وما يتقوم به كل واحد منها وكيفية تولدها كتاب النخبة وهو خلاصة الأمراض الحادة اختصار كتاب الحميات للإسرائيلي اختصار كتاب البول للإسرائيلي اختصار كتاب النبض للإسرائيلي كتاب أخبار مصر الكبير كتاب أخبار مصر الصغير مقالتان وترجمة كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر وفرغ من تأليفه في العاشر من شعبان سنة ثلاث وستمائة بالبيت المقدس كتاب تاريخ وهو يتضمن سيرته ألفه لولده شرف الدين يوسف مقالة في العطش مقالة في الماء مقالة في إحصاء مقاصد واضعي الكتب في كتبهم وما يتبع ذلك من المنافع والمضار مقالة في معنى الجوهر والعرض مقالة موجزة في النفس مقالة في الحركات المعتاضة مقالة في العادات الكلمة في الربوبية‏.‏

مقالة تشتمل على أحد عشر باباً في حقيقة الدواء والغذاء ومعرفة طبقاتها وكيفية تركيبها مقالة في البادئ بصناعة الطب مقالة في شفاء الضد بالضد مقالة في ديابيطس والأدوية النافعة منه مقالة في الراوند حررها بحلب في جمادى الآخرة من سنة سبع عشرة وستمائة كان قد وضعها بمصر سنة خمس وتسعين وخمسمائة مقالة في السقنقور مقالة في الحنطة مقالة في الشراب والكرم مقالة في البحران صغيرة رسالة إلى مهندس فاضل عملي كتب بها من مدينة حلب اختصار كتاب الأدوية المفردة لابن وافد اختصار كتاب الأدوية المفردة لابن سمحون كتاب كبير في الأدوية المفردة مختصر في الحميات مقالة في المزج كتاب الرد على ابن الخطيب في شرحه بعض كليات القانون وألف كتابه هذا لعمي رشيد الدين علي بن خليفة رحمه اللّّه وأرسله إليه وكان تأليفه لذلك بحلب قبل توجهه إلى بلاد الروم كتاب تعقب حواشي ابن جميع على القانون مقالة يرد فيها على كتاب علي بن رضوان المصري في اختلاف جالينوس وأرسطوطاليس مقالة في الحواس مقالة في الكلمة والكلام كتاب السبعة كتاب تحفة الآمل مقالة في الرد على اليهود والنصارى مقالتان أيضاً في الرد على اليهود والنصارى مقالة في ترتيب المصنفين كتاب الحكمة العلائية ذكر فيه أشياء حسنة في العلم الإلهي وألف كتابه هذا لعلاء الدين داود بن بهرام صاحب أرزنجان مقالة على جهة التوطئة في المنطق حواش على كتاب الترياق فصول منتزعة من كلام الحكماء حل شيء من شكوك الرازي على كتب جالينوس كتاب المراقي إلى الغاية الإنسانية ثمان مقالات مقالة في ميزان الأدوية مقالة أخرى في المعنى وكشف شبه وقعت لبعض العلماء مقالة في المعنى في جواب ثلاث مسائل مقالة سادسة مختصرة مقالة تتعلق بموازين الأدوية الطبية في المركبات قول أيضاً في المعنى مقالة في التنفس والصوت والكلام مقالة في اختصار كلام جالينوس في سياسة الصحة انتزاعات من كتاب ديسقوريدس في صفات الحشائش انتزاعات أخرى في منافعها مقالة في تدبير الحرب كتبها لبعض ملوك زمانه في سنة ثلاث وعشرين وستمائة ووجدته أيضاً وقد ترجمها مقالة في السياسة العملية كتاب العمدة في أصول السياسة مقالة في جواب مسألة سئل عنها في ذبح الحيوان وقتله وهل ذلك سائغ في الطبع وفي العقل كما هو سائغ في الشرع مقالتان في المدينة الفاضلة مقالة في العلوم الضارة رسالة في الممكن مقالتان مقالة في الجنس والنوع أجاب بها في دمشق سؤال سائل في سنة أربع وستمائة الفصول الأربعة المنطقية تهذيب كلام أفلاطن حكم منثورة إيساغوجي مبسوط الواقعات مقالة في النهاية واللانهاية كتاب تأريث الفطن في المنطق والطبيعي والإلهي مقالة في كيفية استعمال المنطق وكتب بهذه المقالة إلي من بلاد الروم مقالة في حد الطب مقالة في البادئ بصناعة كتاب في القياس خمسون كراساً ثم أضيف إليه المدخل والمقولات والعبارة والبرهان فجاء مقداره أربع مجلدات مقالة في جواب مسألة في التنبيه على سبل السعادة الطبيعيات من السماع إلى آخر كتاب الحس والمحسوس ثلاث مجلدات كتاب السماع الطبيعي مجلدان كتاب آخر في الطبيعيات من السماع إلى كتاب النفس كتاب العجيب حواش على كتاب الثمانية المنطقية للفارابي شرح الأشكال البرهانية من ثمانية أبي نصر مقالة في تزييف الشكل الرابع مقالة في تزييف ما يعتقده أبو علي بن سينا من وجود أقيسة شرطية تنتج نتائج شرطية مقالة في القياسات المختلطات والصرف بارير مانياس مبسوط مقالة في تزييف المقاييس الشرطية التي يظنها ابن سينا مقالة أخرى في المعنى أيضاً كتاب النصيحتين للأطباء والحكماء كتاب المحاكمة بين الحكيم والكيميائي رسالة في المعادن وإبطال الكيمياء مقالة في الحواس عهد إلى الحكماء اختصار كتاب الحيوان لابن أبي الأشعث اختصار القولنج لابن أبي الأشعث مقالة في السرسام مقالة في العلة المراقية مقالة في الرد على ابن الهيثم في المكان مختصر فيما بعد الطبيعة مقالة في النخل ألفها بمصر سنة تسع وتسعين وخمسمائة وبيضها بمدينة أرزنجان في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة مقالة في الملل الكتاب الجامع الكبير في المنطق والعلم الطبيعي والعلم الإلهي وهو زهاء عشر مجلدات التأم تصنيفه في نحو نيف وعشرين سنة كتاب المدهش في أخبار الحيوان المتوج بصفات نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قال ابتدأت بكراسة منه بدمشق سنة سبع وستمائة وكمل في أربعة أشهر بحلب سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو في مائة كراس كتاب الثمانية في المنطق وهو التصنيف الوسط‏.‏

أبو الحجاج يوسف الإسرائيلي

مغربي الأصل من مدينة فاس وأتى إلى الديار المصرية وكان فاضلاً في صناعة الطب والهندسة وعلم النجوم واشتغل في مصر بالطب على الرئيس موسى بن ميمون القرطبي وسافر يوسف بعد ذلك إلى الشام وأقام بمدينة حلب وخدم الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان يعتمد عليه في الطب وخدم أيضاً الأمير فارس الدين ميمون القصري ولم يزل أبو الحجاج يوسف مقيماً في حلب ويدرس صناعة الطب إلى أن توفي بها ولأبي الحجاج يوسف الإسرائيلي من الكتب رسالة في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها شرح الفصول لأبقراط

عمران الإسرائيلي

هو الحكيم أوحد الدين عمران بن صدقة مولده بدمشق في سنة إحدى وستين وخمسمائة وكان أبوه أيضاً طبيباً مشهوراً واشتغل عمران على الشيخ رضي الدين الرحبي بصناعة الطب وتميز في علمها وصار من أكابر المتعينين من أهلها وحظي عند الملوك واعتمدوا عليه في المداواة والمعالجة ونال من جهتهم من الأموال الجسيمة والنعم ما يفوق الوصف وحصل من الكتب الطبية وغيرها ما لا يكاد يوجد عند غيره ولم يخدم أحداً من الملوك في الصحبة ولا تقيد معهم في سفر وإنما كل منهم إذا عرض له مرض أو لمن يعز عليه طلبه ولم يزل يعالجه ويطببه بألطف علاج وأحسن تدبير إلى أن يفرغ من مداواته ولقد حرص به الملك العادل أبو بكر بن أيوب بأن يستخدمه في الصحبة فما فعل وكذلك غيره من الملوك وحدثني الأمير صارم الدين التبنيني رحمه اللّه إنه لما كان بالكرك وبه صاحب الكرك يومئذ الملك الناصر داود بن الملك المعظم وكان الملك الناصر قد توعك مزاجه واستدعى الحكيم عمران إليه من دمشق فأقام عنده مديدة وعالجه حتى صلح فخلع عليه ووهب له مالاً كثيراً وقرر له جامكية في كل شهر ألفا وخمسمائة درهم ناصرية ويكون في خدمته وأن يسلف منها عن سنة ونصف سبعة وعشرين ألف درهم فما فعل‏.‏

أقول وكان السلطان الملك العادل لم يزل يصله بالإنعام الكثير وله منه الجامكية الوافرة والجراية وهو مقيم بدمشق ويتردد إلى خدمة الدور السلطانية بالقلعة وكذلك في أيام الملك المعظم وكان قد أطلق له أيضاً جامكية وجراية تصل إليه ويتردد إلى البيمارستان الكبير ويعالج المرضى وكان به أيضاً في ذلك الوقت شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه وكان يظهر من اجتماعهما كل فضيلة ويتهيأ للمرضى من المداواة كل خير وكنت في ذلك الوقت أتدرب معهما في أعمال الطب ولقد رأيت من حسن تأتي الحكيم عمران في المعالجة وتحققه للأمراض ما يتعجب منه ومن ذلك أنه كان يوماً قد أتى البيمارستان مفلوج والأطباء قد ألحوا عليه باستعمال المغالي وغيرها من صفاتهم فلما رآه وصف له في ذلك اليوم تدبيراً يستعمله ثم بعد ذلك أمر بفصده ولما فصد وعالجه صلح وبرأ برأ تاماً كذلك أيضاً رأيت له أشياء كثيرة من صفات مزاوير وألوان كان يصفها للمرضى على حسب ميل شهواتهم ولا يخرج عن مقتضى المداواة فينتفعون بها وهذا باب عظيم في العلاج ورأيته أيضاً وقد عالج أمراضاً كثيرة مزمنة كان أصحابها قد سئموا الحياة ويئس الأطباء من برئهم فبروا على يديه بأدوية غريبة يصفها ومعالجات بديعة عرفها وقد ذكرت من ذلك جملاً في كتاب التجارب والفوائد وتوفي الحكيم عمران في مدينة حمص في شهر جمادى الأولي سنة سبع وثلاثين وستمائة وقد استدعاه صاحبها لمداواته‏.‏

نصراني كان أعلم أهل زمانه بكتب جالينوس ومعرفتها والتحقيق لمعانيها والدراية لها وكان من كثرة اجتهاده في صناعة الطب وشدة حرصه ومواظبته على القراءة والمطالعة لكتب جالينوس وجودة فطرته وقوة ذكائه أن جمهور كتب جالينوس وأقواله فيها كانت مستحضرة له في خاطره فكان مهما تكلم به في صناعة الطب على تفاريق أقسامها وتفنن مباحثها وكثرة جزئياتها إنما ينقل ذلك عن جالينوس ومهما سئل عنه في صناعة الطب من المسائل والمواضيع المستعصية وغيرها لا يجيب بشيء من ذلك إلا أن يقول قال جالينوس ويورد فيه أشياء من كلام جالينوس حتى كان يتعجب منه في ذلك وربما أنه في بعض الأوقات كان يذكر شيئاً من كلام جالينوس ويقول هذا ما ذكره جالينوس في كذا وكذا ورقة من المقالة الفلانية من كتاب جالينوس ويسميه ويعني به النسخة التي عنده وذلك لكثرة مطالعته إياها وأنسه بها ومما شاهدته في ذلك من أمره أنني كنت أقرأ عليه في أوائل اشتغالي بصناعة الطب ونحن في المعسكر المعظمي - وكان أبي أيضاً في ذلك الوقت في خدمة الملك المعظم رحمه اللّه - شيئاً من كلام أبقراط حفظاً واستشراحاً فكنت أرى من حسن تأتيه في الشرح وشدة استقصائه للمعاني - بأحسن عبارة وأوجزها وأتمها معنى - ما لا يجسر أحد على مثل ذلك ولا يقدر عليه ثم يذكر خلاصة ما ذكره وحاصل ما قاله حتى لا يبقى في كلام بقراط موضع إلا وقد شرحه شرحاًَ لا مزيد عليه في الجودة ثم إنه يورد نص ما قاله جالينوس في شرحه لذلك الفصل على التوالي إلى آخر قوله ولقد كنت أراجع شرح جالينوس في ذلك فأجده قد حكى جملة ما قاله جالينوس بأسره في ذلك المعنى وربما ألفاظ كثيرة من ألفاظ جالينوس يوردها بأعيانها من غير أن يزيد فيها ولا ينقص وهذا شيء تفرد به في زمانه وكان في أوقات كثيرة لما أقام بدمشق يجتمع هو والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي في الموضع الذي يجلس فيه الأطباء عند دار السلطان ويتباحثان في أشياء من الطب فكان الشيخ مهذب الدين أفصح عبارة وأقوى براعة وأحسن بحثاً وكان الحكيم يعقوب أكثر سكينة وأبين قولاً وأوسع نقلاً لأنه كان بمنزلة الترجمان المستحضر لما ذكره جالينوس في سائر كتبه من صناعة الطب فأما معالجات الحكيم يعقوب فإنها كانت في الغاية من الجودة والنجح وذلك أنه كان يتحقق معرفة المرض أولاً تحقيقاً لا مزيد عليه ثم يشرع في مداواته بالقوانين التي ذكرها جالينوس مع تصرفه هو فيما يستعمله في الوقت الحاضر‏.‏

وكان شديد البحث واستقراء الأعراض بحيث أنه كان إذا افتقد مريضاً لا يزال يستقصي منه عرضاً عرضاً وما يشكوه مما يجده من مرضه حالاً حالاً إلى أن لا يترك عرضا يستدل به على تحقيق المرض إلا ويعتبره فكانت أبداً معالجاته لا مزيد عليها في الجودة وكان الملك المعظم يشكر منه هذه الحالة ويصفه ويقول لو لم يكن في الحكيم يعقوب إلا شدة استقصائه في تحقيق الأمراض حتى يعالجها على الصواب ولا يشتبه عليه شيء من أمرها وكان الحكيم يعقوب أيضاً متقناً للسان الرومي خبيراً بلغته ونقل معناه إلى العربي وكان عنده بعض كتب جالينوس مكتوبة بالرومي مثل حيلة البرء والعلل والأعراض وغير ذلك وكان أيضاً ملازماً لقراءتها والاشتغال بها وكان مولده بالقدس وأقام بها سنين كثيرة ولازم بها رجلاً فاضلاً فيلسوفاً راهباً في دير السبق كان خبيراً بالعلم الطبيعي متقناً للهندسة وعلم الحساب قوياً في علم أحكام النجوم والاطلاع عليها وكانت له أحكام صحيحة وإنذارات عجيبة وأخبرني الحكيم يعقوب عنه معرفته للحكمة وحسن فطرته وفطنته شيئاً كثيراً واجتمع أيضاً الحكيم يعقوب في القدس بالشيخ أبي منصور النصراني الطبيب واشتغل عليه وباشر معه أعمال صناعة الطب وانتفع به‏.‏

وكان الحكيم يعقوب من أتم الناس عقلاً وأسدهم رأياً وأكثرهم سكينة ولما خدم الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب وصار معه في الصحبة كان حسن الاعتقاد فيه حتى أنه كان يعتمد عليه في كثير من الآراء الطبية وغيرها فينتفع بها ويحمد عواقبها وقصد الملك المعظم أن يوليه بعض تدبير دولته والنظر في ذلك فما فعل واقتصر على مداومة صناعة الطب فقط وكان قد عرض للحكيم يعقوب في رجليه نقرس وكان يثور به في أوقات ويألم بسببه وتعسر عليه الحركة فكان الملك المعظم يستصحبه في أسفاره معه في محفة ويفتقده ويكرمه غاية الإكرام وله منه الجامكية السنية والإحسان الوافر وقال له يوماً يا حكيم لم لا تداوي هذا المرض الذي في رجليك فقال يا مولانا الخشب إذا سوس ما يبقى في إصلاحه حيلة ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المعظم وكانت وفاته رحمه اللّه في الساعة الثالثة من نهاريوم الجمعة سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق وملك بعده وله الملك الناصر داود فدخل إليه الحكيم يعقوب ودعا له وذكره بقديم صحبته وسالف خدمته وأنه قد وصل إلى سن الشيخوخة والهرم والضعف وأنشده أتيتكم وجلابيب الصبا قشب فكيف أرحل عنكم وهي أسمال لي حرمة الضيف والجار القديم ومن أتاكم وكهول الحي أطفال وهذا الشعر لابن منقذ رحمه اللّه فأحسن إليه الملك الناصر إحساناً كثيراً وأطلق له مالاً وكسوة وأمر بأن جميع ما قد كان له مقرراً من الملك المعظم يستمر وأن لا يكلف لخدمة فبقي كذلك مديدة ثم توفي بدمشق في عيد الفصح للنصارى وذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وستمائة‏.‏

هو الحكيم الأجل العالم أبو منصور بن الحكيم موفق الدين يعقوب بن سقلاب من أفاضل الأطباء وأعيان العلماء متميز في علم صناعة الطب وعملها متقن لفصولها وجملها اشتغل على والده وعلى غيره بصناعة الطب وقرأ أيضاً بالكرك على الإمام شمس الدين الخسروشاهي كثيراً من العلوم الحكمية وخدم الحكيم سديد الدين أبو منصور الملك الناصر صلاح الدين داود ابن الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب وأقام في صحبته بالكرك وكان مكيناً عنده معتمداً عليه في صناعة الطب ثم أتى أبو منصور إلى دمشق وتوفي بها‏.‏

 

 

رشيد الدين ابن الصوري

هو أبو المنصور بن أبي الفضل بن علي الصوري قد اشتمل على جمل الصناعة الطبية واطلع على محاسنها الجلية والخفية وكان أوحداًَ في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها وتحقيق خواصها وتأثيراتها ومولده في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بمدينة صور ونشأ بها ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب على الشيخ موفق الدين عبد العزبز وقرأ أيضاً على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي وتميز في صناعة الطب وأقام بالقدس سنتين وكان يطب في البيمارستان الذي كان فيه وصحب الشيخ أبا العباس الجياني وكان شيخاً فاضلاً في الأدوية المفردة متفنناً في علوم أخر كثير الدين محباً للخير فانتفع بصحبته له وتعلم منه أكثر ما يفهمه واطلع رشيد الدين بن الصوري أيضاً على كثير من خواص الأدوية المفردة حتى تميز على كثير من أربابها وأربى على سائر من حاولها واشتغل بها هذا مع ما هو عليه من المروءة التي لا مزيد عليها والعصبية التي لم يسبق إليها والمعارف المذكورة والشجاعة المشهورة وكان قد خدم بصناعة الطب الملك العادل أبا بكر بن أيوب في سنة اثنتي عشرة وستمائة لما كان الملك العادل متوجهاً إلى الديار المصرية واستصحبه معه من القدس وبقي في خدمته إلى أن توفي الملك العادل رحمه اللّه ثم خدم بعده لولده الملك المعظم عيسى بن أبي بكر وكان مكيناً عنده وجيهاً في أيامه وشهد معه مصافات عدة مع الفرنج لما كانوا نازلوا ثغر دمياط ولم يزل في خدمته إلى أن توفي المعظم رحمه اللّه وملك بعده ولده الملك الناصر داود بن الملك المعظم فأجراه على جامكيته ورأى له سابق خدمته وفوض إليه رياسة الطب و بقي معه في الخدمة إلى أن توجه الملك الناصر إلى الكرك فأقام هو بدمشق وكان له مجلس للطب والجماعة يترددون إليه ويشتغلون بالصناعة الطبية وحرر كثيراً في أيام الملك المعظم وتوفي رشيد الدين بن الصوري رحمه اللّه يوم الأحد أول شهر رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة بدمشق وكان رشيد الدين بن الصوري قد أهدى إلي تأليفاً له يحتوي على فوائد لعلم رشيد الدين في كل مشهد منار علا يأتمه كل مهتدي حكيم لديه المكرمات بأسرها توارثها عن سيد بعد سيد حوى الفضل عن آبائه وجدوده فذاك قديم فيه غير مجدد تفرد في ذا العصر عن كل مشبه بخير صفات حصرها لم يجدد أتتني وصاياه الحسان التي حوت بنثر كلام كل فصل منضد وأهدى إلى قلبي السرور ولم يزل بإحسانه يسدي لمثلي من يد وجدت بها ما أرتجيه وإنني بها أبداً فيما أحاول مقتدي ولا غرومن علم الرشيد وفضله إذا كان بعد اللّه في العلم مرشدي أدام اللّه أيام الحكيم الأوحد الأمجد العامل الفاضل الكامل الرئيس رشيد الدنيا والدين معتمد الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين بلغه في الدارين نهاية سؤله وأمانيه وكبت حسدته وأعاديه ولا زالت الفضائل مخيمة بفنائه والفواضل صادرة منه إلى أوليائه والألسن مجتمعة على شكره وثنائه والصحة محفوظة بحسن مراعاته والأمراض زائلة بتدبيره ومعالجته المملوك ينهي مايجده من الأشواق إلى خدمته والتأسف على الفائت من مشاهدته ووصلت المشرفة الكريمة التي وجد بها نهاية الأمل والإرشاد إلى المطالب الطبية الجامعة للعلم والعمل وقد جعلها المملوك أصلاً يعتمد عليه ودستوراً يرجع إليه لا يخليها من فكره ولا يخل بما تتضمنه في سائر عمره وليس للمملوك ما يقابل به إحسان مولانا إلا الدعاء الصالح والثناء الذي يكتسب من محاسنه النشر العطر الفائح من المملوك صالح أدعيته ويجزي مولانا كل خير على كمال مروءته إن شاء‏.‏

وأنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي يمدح الحكيم رشيد الدين بن الصوري ويشكره على إحسان أسداه إليه سرى طيفها والكاشحون هجود فبات قريباً والمزار بعيد فيا عجباً من طيفها كيف زارني ومن دونه بيد تهول وبيد وكيف يزور الطيف طرف مسهدٍ لطيب الكرى عن ناظريه صدود وفي قلبه نار من الوجد والأسى لها بين أحناء الضلوع وقود وقد أخلق السقم المبرح والضنا لباس اصطباري والغرام جديد وتاللّه لا عاد الخيال وإنما تخيله الأفكار لي فيعود فيا لائمي كف الملام ولا تزد فما فوق وجدي والغرام مزيد ولي كبد حرى وطرف مسهد وقلب يحب الغانيات عميد ولم تر عيني مثل أسماء خلة تضن بوصلي والخيال يجود تجدد أشجاني بها وصبابتي معاهد أقوت باللوى وعهود رعى اللّه بيضاً من ليال وصلتها ببيض حسان والمفارق سود وبت وجنح الليل مرخ سدوله أضم غصون البان وهي قدود وأرشف راحاً روقتها مباسم وأقطف ورداً أنبتته خدود إلى أن تبدى الصبح غير مذمم وزال ظلام الليل وهو حميد وكيف أذم الصبح أو لا أوده وإن ريع مودود به وودود وكل صباح فيه للعين حظوة بوجه رشيد الدين وهو سعيد هو العالم الصدر الحكيم ومن له كلام يضاهي الدر وهو نضيد رئيس الأطباء ابن سينا وقبله حنين تلاميذ له وعبيد ولو أن جالينوس حياً بعصره لكان عليه يبتدي ويعيد فقل لبني الصوري قد سدتم الورى وما الناس إلا سيد ومسود ودوح من الإحسان أثمر بالمنى وظل على اللاجي إليه مديد ويا من به العاصي الجموح أطاعني وذل لي الجبار وهو عنيد فمعقل عزي في حماه ممنع حصين وعيشي في ذراه رغيد ومن راشني معروفه واصطناعه وقام بأمري والأنام قعود وأحسن بي فعلاً فأحسنت قائلاً وجاد ففي مدحي علاه أجيد فعند نداه حاتم الجود باخل وعندي لبيد في المديح بليد تصدى لكسب الحمد من كل وجهة وللقوم عن كسب الثناء صدود له ظل ذي فضل على كل لاجىء مفيء وعلم بالأمور مفيد ولرشيد الدين الصوري من الكتب كتاب الأدوية المفردة وهذا الكتاب بدأ بعمله في أيام الملك المعظم وجعله باسمه واستقصى فيه ذكر الأدوية المفردة وذكر أيضاً أدوية اطلع على معرفتها ومنافعها لم يذكرها المتقدمون وكان يستصحب مصوراً ومعه الأصباغ والليق على إتلافها وتنوعها فكان يتوجه رشيد الدين بن الصوري إلى المواضع التي بها النبات مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختص كل منها بشيء من النبات فيشاهد النبات ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها ثم إنه سلك أيضاً في تصوير النبات مسلكاً مفيداً وذلك أنه كان يري النبات للمصور في إبان نباته وطراوته فيصوره ثم يريه إياه أيضاً وقت كماله وظهور بزره فيصوره تلو ذلك ثم يريه إياه أيضاًََ في وقت ذواه ويبسه فيصوره فيكون الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه في الكتاب وهو على أنحاء ما يمكن أن يراه في الأرض فيكون تحقيقه له أتم ومعرفته له أبين الرد على كتاب التاج للغاوي في الأدوية المفردة تعاليق له وفرائد ووصايا طبية كتب بها اليّ‏.‏

سديد الدين بن رقيقة

هو أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن شجاع الشيباني الحانوي ويعرف بابن رقيقة ذو النفس الفاضلة والمروءة الكاملة وقد جمع من صناعة الطب ما تفرق من أقوال المتقدمين وتميز على سائر نظرائه وأضرابه من الحكماء والمتطببين هذا مع ما هو عليه من الفطرة الفائقة والألفاظ الرائقه والنظم البليغ والشعر البديع وكثيراً ما له من الأبيات الأمثالية والفقر الحكمية وأما الرجز فإنني ما رأيت في وقته من الأطباء أحداً أسرع عملاً له منه حتى إنه كان يأخذ أي كتاب شاء من الكتب الطبية وينظمه رجزاً في أسرع وقت مع استيفائه للمعاني ومراعاته لحسن اللفظ ولازم الشيخ فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني وصحبه كثيراً واشتغل عليه بصناعة الطب وبغيرها من العلوم الحكمية وكان لسديد الدين بن رقيقة أيضاً معرفة بصناعة الكحل والجراح وحاول كثيراً من أعمال الحديد في مداواة أمراض العين وقدح أيضاً الماء النازل في العين الجماعة وأنجب قدحه وأبصروا وكان المقدح الذي يعانيه مجوفاً وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء ويكون العلاج به أبلغ‏.‏

وكان قد اشتغل أيضاً بعلم النجوم ونظر في حيل بني موسى وعمل منها أشياء مستطرفة وكان فاضلاً في النحو واللغة وله أيضاً أخ فاضل يقال له معين الدين أوحد زمانه في العربية وهي فنه وله شعر كثير سمع سديد الدين بن رقيقة أيضاً شيئاً من الحديث ومن ذلك حدثني سديد الدين محمود بن عمر بن محمد الطبيب الحانوي سماعاً من لفظه قال حدثني الإمام الفاضل فخر الدين محمد بن عبد السلام المقدسي ثم المارديني قال حدثنا الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد الخضر الجواليقي قال أخبرنا أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي قال حدثنا أبو القاسم علي بن عبيد اللَّه الرقي قال حدثني الرئيس أبو الحسن علي بن أحمد البتي قال حدثني أبو بكر محمد عبد اللَّه الشافعي قال حدثنا القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتيناك يا رسول اللّه ولم يبق لنا أتيناك والعذراء تدمى لثاتها وقد شغلت أم الصبي عن الطفل وألقى بكفيه الفتى لاستكانة من الجوع هوناً ما يمر وما يحلي ولا شيء مما يأكل الناس عندنا سوى العلهز العامي والحنظل الفسل وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل قال الرقي العلهز الوبر يعالج بدم الحلم والحلم القراد إذا كبر ويؤكل في الجدب ويروى والعنقر بضم القاف وفتحها وهو أصل البردي فهذان صحيحان‏.‏

ويروى العقهر وهو تصحيف مردود فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى رقي المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم رفع نحو السماء يديه ثم قال اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً سحاً سجالاً غدقاً طبقاً ديماً عاجلاً غير رائث نافعاً غير ضار تنبت به الزرع وتملأ به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها فواللّه ما رد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يده إلى نحره حتى التقت السماء بأرواقها وجاءه أهل البطانة يضجون يا رسول اللّه الغرق الغرق فأومأ بطرفه إلى السماء وضحك حتى بدت نواجذه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل ثم قال للّه دُر أبي طالب لو كان حياً قرت عيناه من ينشدنا قوله فقال علي عليه السلام يا رسول اللّه لعلك أردت تطوف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت اللّه رب محمد ولما نقاتل دونه ونناضل ولا نسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أجل ثم قام رجل من كنانة فأنشده لك الحمد والحمد ممن شكر سقينا بوجه النبي المطر دعا اللَّه خالقه دعوة إليه وأشخص منه البصر فما كان إلا كما ساعة وأسرع حتى رأينا الذرر دفاق العزالى وجم البعاق أغاث به اللّه عَليا مضر فكان كما قال عمه أبو طالب ذا رواء غرر به يسّر اللّه صوب الغمام فهذا العيان لذاك الأثر فمن يشكر اللّه يلقى المزيد ومن يكفر اللّه يلقى الغير فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اجلس إن يك شاعراً أحسن فقد أحسنت وأخبرني سديد الدين بن رقيقة أن مولده في سنة أربع وستين وخمسمائة بمدينة حيني ونشأ بها عرض لنور الدين مرض في عينيه فداواه الشيخ فخر الدين مدة أيام ثم عزم على السفر وأشار على نور الدين بن أرتق بأن يداويه سديد الدين بن رقيقة فعالجه سريعاً وبرأ برءاً تاماً وأطلق له جامكية وجراية في صناعة الطب وقال لي سديد الدين أن عمره يومئذ كان دون العشرين سنة واستمر في خدمته ثم خدم بعد ذلك الملك المنصور محمد صاحب حماه ابن تقي الدين عمر وبقي معه مدة ثم سافر إلى خلاط وكان صاحبها في ذلك الوقت الملك الأوحد نجم الدين أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وخدم صلاح الدين بن ياغيسان وكان هذا صلاح الدين قد تزوج الملك الأوحد ابن الملك العادل بأخته وكان سديد الدين بن رقيقة يتردد إلى خدمتها أيضاً وكانت كثيرة الإحسان إليه وأقام بخلاط مدة إلى أن توفي الملك الأوحد في ملازكرد بعلة ذات الجنب وذلك في يوم السبت ثامن عشر ربيع الأول سنة تسع وستمائة وكان يعالجه هو وصدقة السامري وخدم أيضاً بعد ذلك الملك الأشرف أبا الفتح موسى ابن الملك العادل وأقام بميافارقين سنين كثيرة ولما كان في ثالث جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وصل سديد الدين بن رقيقة إلى دمشق إلى السلطان الملك الأشرف فأكرمه واحترمه وأمر بأن يتردد إلى الدور السلطانية بالقلعة وأن يواظب أيضاً معالجة المرضى بالبيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي وأطلق له جامكية وجراية‏.‏

وكان لي أيضاً في ذلك الوقت مقرر جامكية وجراية لمعالجة المرضى في هذا البيمارستان وتصاحبنا مدة فوجدت من كمال مروءته وشرف أرومته وغزارة علمه وحسن تأتيه في معرفة الأمراض ومداواتها ما يفوق الوصف لم يزل بدمشق وهو يشتغل بصناعة الطب إلى أن توفي رحمه اللَّه في سنة خمس وثلاثين وستمائة وكنت أنا قد انتقلت إلى صرخد في خدمة صاحبها الأمير عز الدين المعظمي في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة‏.‏

ومن شعر سديد الدين بن رقيقة وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال يا ملبسي بالنطق ثوب كرامة ومكملي جواد به ومقومي خذني إذا أجلي تناهى وانقضى عمري على خط إليك مقوم واكشف بلطفك يا إلهي غمتي واجل الصدا عن نفس عبدك وارحم فعساي من بعد المهانة أكتسي حلل المهابة في المحل الأكرم وأبوء بالفردوس بعد إقامتي في منزل بادي السماجة مظلم فقد اجتويت ثواي فيه ومن تكن دار الغرور له محلاً يسأم دار يغادر بؤسها وشقاءها من حلها وكأنه لم ينعم ويديل صافي عيشه وحياته كدراً فلا تجنح إليها تسلم وعليك متكلي وعفوك لم يزل قصدي فوا خسراه إن لم ترحم يا نفس جدي وأدأبي وتمسكي بعرى الهدى وعرى الموانع فافصمي لا تهملي يا نفس ذاتك إن في نسيانها نسيان ربك فاعلمي وعليك بالتفكير في آلائه لتبوّئي جناته وتنعمي وتيممي نهج الهداية إنه منج وعن لقم الضلالة أحجمي لا ترتضي الدنيا الدنية موطناً تعلي على رتب السواري الأنجم وتعايني ما لا رأت عين ولا أذن وعت فإليه جدي تغنمي وتشاهدي ما ليس يدرك كنهه بالفكر أو يتوهم المتوهم وأنشدني أيضاً لنفسه لا يغرنك من زمانك بشره فالبشر منه لا محالة حائل فقطوبه طبع وليس تطبعاً والطبع باق والتطبع زائل وأنشدني أيضاً لنفسه لست من يطلب التكسب بالسخ - - ف ولو كنت مت عرياً وجوعا وقال اقتداء بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال لا تكن ناظراً إلى قائل القو - - ل بل انظر إليه ماذا يقول وخذ القول حين تلقيه معقو - - لا ولو قاله غبي جهول فنباح الكلاب مع خسة فيها على منزل الكريم دليل وكذاك النضار معدنه الأر - - ض ولكنه الخطير الجليل وأنشدني أيضاً لنفسه توقّ صحبة أبناء الزمان ولا تأمن إلى أحد منهم ولا تثق فليس يسلم منهم من تصاحبه طبعاً من المكر والتمويه والملق وأنشدني أيضاً لنفسه أرى كل ذي ظلم إذا كان عاجزاً يعف ويبدي ظلمه حين يقدر ومن نال من دنياه ما كان زائداً على قدره أخلاقه تتنكر وكل امرئ تلفيه للشر مؤثراً فلا بد أن يلقى الذي كان يؤثر ألزمت نفسي اليأس علماً أن لي رباً يجود بما أروم ويرزق ولزمت بيتي واتخذت مسامري سفراً بأنواع الفضائل ينطق لي منه أنى جئته متصفحاً عما حوى روض نضير مونق وأنشدني أيضاً لنفسه ما ضر خلقي إقلالي ولا شيمي ولا نهاني عن نهج النهى عدمي وكيف والعلم حظي وهو أنفس ما أعطى المهيمن من مال ومن نعم العلم بالعلم يزكو دائماً أبداً والمال إن أدمن الإنفاق لم يدم فالمال صاحبه الأيام يحرسه والعلم يحرس أهليه من النقم وأنشدني أيضاً لنفسه خلقت مشاركاً في النوم قوماً وقد خالفتهم إذ ذاك شخصا أريدكمالهم والنفع جهدي وهم يبغون لي ضراً ونقصا إذا عددت ما فيهم عيوباً فقد حاولت شيئاً ليس يحصى وأنشدني أيضاً لنفسه وأنشدني أيضاً لنفسه وضع العوارف عند النذل يتبعه على معاودة الإلحاح في الطلب ويحمل الفاضل الطبع الكريم على حسن الجزاء لمولى العرف عن كثب فالناس كالأرض تسقى وهي واحدة عذباً وتنبت مثل الشري والرطب وقال أيضاً إذا كان رزق المرء من قدر أتى فما حرصه يغنيه في طلب الرزق كذا موته إن كان ضربة لازب فإخلاده نحو الدنا غاية الحمق فإن شئت أن تحيا كريماً فكن فتى يؤوساً فإن اليأس من كرم الخلق فيأس الكريم الطبع حلو مذاقه لديه إذا ما رام مسألة الخلق وقال أيضاً أرى وجودك هذا لم يكن عبثاً ألا لتكمل منك النفس فانتبه فاعدل عن الجسم لا تقبل عليه ومل إلى رعاية ما الإنسان أنت به فمؤيس النفس عن أهوائها يقظ ومطمع النفس فيها غير منتبه وما صاحب السلطان إلا كراكب بلجة بحر فهو يستشعر الغرق فإن عاد منه سالم الجسم ناجياً فما نفسه فيه يفارقها الفرق وأنشدني أيضاً لنفسه يا ناظرا ً في ما قصدت لجمعه اعذر فإن أخا الفضيلة يعذر علماً بأن المرء لو بلغ المدى في العمرلاقى الموت وهو مقصر وأنشدني أيضاً لنفسه مما كتبه على كأس في وسطه طائر على قبة مخرمة إذا قلب في الكأس ماء دار دوراناً سريعاً وصفر صفيراً قوياً ومن إذا وقف بإزائه الطائر حكم عليه بالشرب فإذا شربه وترك فيه شيئاً من الشراب صفر الطائر وكذلك لو شربه في مائه مرة فمتى شرب جميع ما فيه ولم يبق فيه درهم واحد فإن صفيره ينقطع ولا عند الخوى والجوع حتى تلهن باليسير من الادام وخذ منه القليل ففيه نفع لذي العطش المبرح والأوام وهضمك فاصلحنه فهو أصل وأسهل بالإبارج كل عام وفصد العرق نكب عنه إلا لذي مرض رطيب الطبع حامي لئلا ينزل الكيلوس فجا فيلحج في المنافذ والمسام ولا تدم السكون فإن منه تولد كل خلط فيك خام وقلل ما استطعت الماء بعد الرياضة واجتنب شرب المدام وعدل مزج كأسك فهي تبقي الحرارة فيك دائمة الضرام وخل السكر واهجره ملياً فإن السكر من فعل الطغام وأحسن صون نفسك عن هواها تفز بالخلد في دار السلام وقال أيضاً أيها الشادن الذي طاب هتكي وافتضاحي بعد الصيانة فيكا علة الجفن فيك علة سقمي وشفاي ارتشاف خمرة فيكا وأنشدني أيضاً لنفسه يمدح صلاح الدين محمد بن باغيبسان‏:‏ ومدلل ساجي الجفون مهفهف جمع الملاحة ذو الجلال لديه وأحلها فيه فأصبح ربها وأمال أفئدة الأنام إليه من جفنه سيف الصلاح محمد باد ومن جفني سحب يديه بنيت داراً على الجوزاء مشرفة كما قديماً بنيت المجد والشرفا دامت محل سرور لا يحول ول زالت رؤوس أعاديكم لها شرفاً شرفت أصلاً وأخلاقاً وشنشنة فلست ممن بأصل وحده شرفا وأنشدني أيضاً لنفسه وقد كتبها لي شيخه فخر الدين محمد بن عبد السلام المارديني‏:‏ يا سائقاً نحو ميافارقين أنخ بها الركاب وبلغ بعض أشواقي وما أعانيه من وجد ومن كمد ولوعة وصبابات وإيراق إلى الذي فاق أبناء الزمان نهى ومحتداً ثناهم طيب أعراق وقل محب لكم قد شفه مرض وما سواك له من دائه راقي صل الطبيعة لا ينفك يلدغه فاصرف نكايته عنه بترياق شطر الحياة مضى والنفس ناقصة فكن مكملها في شطرها الباقي فأنت أولى بتهذيبي وتبصرتي بما يهذب أوصافي وأخلاقي وما يخلص نفسي من موانعها الوصول عند التفاف الساق بالساق وأغريت بالأجفان بعد رقاده سهاداً فلن تنفك بعدك تسهر فلست أبالي حين بنت بمن ثوى ولم أر من أخشى عليك وأحذر وقال أناس يصغر الحزن كلما تمادى وحزني الدهر ينمي ويكبر وكنت صبوراً عند كل ملمة تلم فمذ أرديت عز التصبر كملت فوافتك المنون وهكذا يوافي الخسوف البدر إبان يبدر وقال أيضاً‏:‏ أيا فاعلاً خل التطبب واتئد - - فكم تقتل المرضى المساكين بالجهل فتركيب أجسام الأنام مؤجل فلم لا كلاك اللّه تعجل بالحل كأنك يا هذا خلقت موكلا على رجع أرواح الأنام ألى الأصل بهرت الوبا إذ قتلك الناس دائماً وذلك في الأحيان يحدث في فصل كفى الوصب المسكين شخصل قاتلاً إذا عدته قبل التعرض للفعل ولسديد الدين بن رقيقة من الكتب كتاب لطف السائل وتحف المسائل وهذا الكتاب قد نظم فيه مسائل حنين كليات القانون لابن سينا رجزاً ومعاني أخر ضرورية يحتاج إليها في أدوية الباه كتاب الفريدة الشاهية والقصيدة الباهية وهذه القصيدة صنعها بميافارقين في سنة خمس عشرة وستمائة للملك الأشرف شاه أرمن موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وذكر لي أنه نظمها في يومين وهي بيت وصنع لها أيضاً شرحاً مستقصى بليغاً في معناه كتاب قانون الحكماء وفردوس الندماء كتاب الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب مقالة مسائل وأجوبتها في الحميات أرجوزة في الفصد‏.‏

صدقة السامري

هو صدقة بن منجا بن صدقة السامري من الأكابر في صناعة الطب والمتميزين من أهلها والأماثل من أربابها كان كثير الاشتغال محباً للنظر والبحث وافر العلم جيد الفهم قوياً في الفلسفة حسن الدراية لها متقناً لغوامضها وكان يدرس صناعة الطب وينظم متوسطاً وربما ضمنه ملحاً من الحكمة وأكثر ما كان يقوله دوبيت وله تصانيف في الحكمة وفي الطب وخدم الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وبقي معه سنين كثيرة في الشرق إلى أن توفي في الخدمة وكان الملك الأشرف يحترمه غاية الاحترام ويكرمه كل الإكرام ويعتمد عليه في صناعة الطب وله منه الجامكية الوافرة والصلات المتواترة وتوفي صدقة بمدينة حران في ومن كلامه مما نقلته من خطه قال الصوم منع البدن من الغذاء وكف الحواس عن الخطاء والجوارح عن الآثام وهو كف الجميع عما يلهي عن ذكر اللّه وقال اعلم أن جميع الطاعات ترى إلا الصوم لا يراه إلا اللّه فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد وللصوم ثلاث درجات صوم العموم وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة وصوم الخصوص وهو كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنياوية وكفه عما سوى اللّه تعالى‏.‏

وقال ما كان من الرطوبات الخارجة من الباطن ليس مستحيلاً وليس له مقر فهو طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط وأما ما له مقر وهو مستحيل فهو نجس كالبول والروث‏.‏

قال اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزر لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فأن يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له على الفرصة ومنزلته منزلة الآلة التي يتوصل بها إلى نيل البغية ومنزلة السور الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمه صاحبه وليس كل أحد يصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استخصه والإيثار لمن قربه‏.‏

وقال صبر العفيف ظريف ومن شعره قال سلوه لم صدني تيهاً ولم هجرا وأورث الجفن بعد الرقدة السهرا وقد جفاني بلا ذنب ولا سبب وقد وفيت بميثاقي فلم غدرا ياللرجال قفوا واستشرحوا خبري ومني فغيري لم يصدقكم خبرا إن لنت ذلاً قسا عزاً علي وإن دانيته بَانَ أو آنسته نفرا هذا هو الموت عندي كيف عندكم هيهات أن يستوي الصادي ومن صدرا وقال أيضاً يا وارثاً عن أب وجد فضيلة الطب والسداد وضامناً رد كل روح همت عن الجسم بالبعاد أقسم لو كان طب دهراً لعاد كوناً بلا فساد درى ومولاته وسيده حدود شكل القياس مجموعه والسيد فوق الاثنين منحمل والست تحت الاثنين موضوعه والعبد محمول ذي وحامل ذا لحرمة بينهن مرفوعه ذاك قياس جاءت نتيجته قرينة في دمشق مطبوعه وقال أيضاً الراح بدت بريحها الريحاني ثم افتخرت بلطفها الروحاني لما سطعت بنورها النورا رقت وصفت خلائق الإنسان وقال أيضاً أنفي نكد الزمان بالأقداح فالراح قوام جوهر الأرواح فما يفلح من يظل يوماً صاحي أو يسمع من زخارف النصاح وقال أيضاً أطفئ نكد العيش بماء وشراب فالدهر كما ترى خيال وسراب واغنم زمن اللذة بين الأتراب فالجسم مصيره كما كان تراب لولا شبك يصيدها في الأقداح طارت فرحاً إلى محل الأرواح ولصدقة السامري من الكتب شرح التوراة كتاب النفس تعاليق في الطب ذكر فيها الأمراض وعلاماتها شرح كتاب الفصول لأبقراط لم يتم مقالة في أسامي الأدوية المفردة مقالة أجاب فيها عن مسائل طبية سأله عنها الأسعد المحلي اليهودي مقالة في التوحيد وسمها كتاب الكنز في الفوز كتاب الاعتقاد‏.‏

مهذب الدين يوسف بن أبي سعيد

هو الشيخ الإمام العالم الصاحب الوزيرمهذب الدين يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري قد أتقن الصناعة الطبية وتميز في العلوم الحكمية واشتغل بعلم الأدب وبلغ في الفضائل أعلى الرتب وكان كثير الإحسان غزير الامتنان فاضل النفس صائب الحس وقرأ صناعة الطب على الحكيم إبراهيم السامري المعروف بشمس الحكماء وكان هذا شمس الحكماء في خدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف وقرأ أيضاًَ على الشيخ إسماعيل بن أبي الوقار الطبيب وقرأ على مهذب الدين بن النقاش وقرأ الأدب على تاج الدين النكدي أبي اليمن وتميز في صناعة الطب واشتهر بحسن العلاج والمداواة ومن حسن معالجاته أنه كانت ست الشام أخت الملك العادل أبي بكر بن أيوب قد عرض لها دوسنطاريا كبدية وترمي كل يوم دماً كثيراً والأطباء يعالجونها بالأدوية المشهورة لهذا المرض من الأشربة وغيرها فلما حضرها وجس نبضها قال للجماعة يا قوم ما دامت القوة قوية أعطوها الكافور ليصلح كيفية هذا الخلط الحاد الذي فعل هذا الفعل وأمر بإحضار كافور قيصوري وسقاها مع حليب بزر بقلة محمصة وشراب رمان وصندل فتقاصر عنها الدم وحرارةالكبد التي كانت وسقاها أيضاً منه ثاني يوم فقل أكثر ولاطفها بعد ذلك إلى أن تكامل برؤها وصلحت وحدثني بعض جماعة الصاحب بن شكر وزير الملك العادل قال كان قد عرض للصاحب ألم في ظهره عن برد فأتى إليه الأطباء فوصف بعضهم مع إصلاح الأغذية بغلي يسير جندبيدستر مع زيت ويدهن به وقال آخر دهن بابونج ومصطكى فقال المصلحة أن يكون عوض هذه الأشياء شيء ينفع مع طيب رائحة فأعجب الصاحب قوله وأمر مهذب الدين يوسف بإحضار غالية ودهن بان فحل ذلك على النار ودهن به الموضع فانتفع به وخدم مهذب الدين يوسف بصناعة الطب لعز الدين فرخشاه بن شاهىان شاه بن أيوب ولما توفي عز الدين فرخشاه رحمه اللّه وذلك في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة خدم بعده لولده الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين فرخشاه بصناعة الطب وأقام عنده ببعلبك وحظي في أيامه ونال من جهته من الأموال والنعم شيئاً كثيراً وكان يستشيره في أموره ويعتمد عليه في أحواله وكان الشيخ مهذب الدين حسن الرأي وافر العلم جيد الفطرة فكان يستصوب آراءه ويشكر مقاصده ثم استوزره واشتغل بالوزارة وارتفع أمره وارتقت منزلته عنده حتى صار هو المدبر لجميع الدولة والأحوال بأسرها لا تعدل عن أمره ونهيه ولذلك قال فيه الشيخ شهاب الدين فتيان الملك الأمجد الذي شهدت له جميع الملوك بالفضل أصبح في السامري معتقداً ما اعتقد السامري في العجل أنشدني هذين البيتين شمس الدين محمد بن شهاب الدين فتيان قال أنشد فيهما والدي لنفسه أقول ولم تزل أحوال الشيخ مهذب الدين على سننها وعلو منزلته على كيانها حتى كثرت الشكاوى من أهله وأقاربه السمرة فإنه كان قد جاءه إلى بعلبك جماعة منهم من دمشق واستخدمهم في جميع الجهات وكثر منهم العسف وأكل الأموال والفساد وكان له الجاه العريض بالوزير مهذب الدين السامري فلا يقدر أحد أن يقاومهم بالجملة فإن الملك الأمجد لما تحقق أن الأموال قد أكلوها وكثر فسادهم ولامته الملوك في تسليم دولته للسمرة قبض على المهذب السامري وعلى جميع السمرة المستخدمين واستقصى منهم أموالاً عظيمة وبقي الوزير معتقلا عنده مدة إلى أن لم يبق له شيء يعتد به ثم أطلقه وجاء إلى دمشق ورأيته في داره ولما جاء من بعلبك وكنت مع أبي لنسلم عليه فوجدته شيخاً حسناً فصيح الكلام لطيف المعاني ومات بعد ذلك وكانت وفاته يوم الخميس مستهل صفر سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق‏.‏

ومن شعر مهذب الدين يوسف إن ساءني الدهر يوماً فإنه سر دهرا وإن دهاني بمال فقد تعوضت أجرا اللّه أغنى وأقنى والحمد للّه شكرا ولمهذب الدين يوسف بن أبي سعيد من الكتب شرح التوراة‏.‏

الصاحب أمين الدولة هو الصاحب الوزير العالم العامل الرئيس الكامل أفضل الوزراء سيد الحكماء إمام العلماء أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد كان سامرياً وأسلم ولقب بكمال الدين وكان مهذب الدين السامري عمه وكان أمين الدولة هذا له الذكاء الذي لا مزيد عليه والعلم الذي لا يصل إليه والإنعام العام والإحسان التام والهمم العالية والآلاء المتوالية وقد بلغ من الصناعة غاياتها وانتهى إلى نهاياتها واشتمل على محصولها وأتقن معرفة أصولها وفصولها حتى قل عنه المماثل وقصر عن إدراك معاليه كل فاضل وكامل كان أولا عند الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين فرخشاه بن أيوب معتمداً عليه في الصناعة الطبية وأعمالها مفوضاً إليه أمور دولته وأحوالها ولم يزل عنده إلى أن توفي الملك الأمجد رحمه اللّه وذلك في داره بدمشق آخر نهار يوم الثلاثاء حادي عشر شهر شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة‏.‏

وبعد ذلك استقل بالوزارة للملك الصالح عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب فساس الدولة أحسن السياسة وبلغ في تدبر المملكة نهاية الرياسة وثبت قواعد الملك وأيدها ورفع مباني المعالي وشيدها وجدد معالم العلم والعلماء وأوجد من الفضل ما لم يكن لأحد من القدماء ولم يزل في خدمة الملك الصالح وهو عالي القدر نافذ الأمر مطاع الكلمة كثير العظمة إلى أن ملك دمشق الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل وجعل نائبه بها الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ وكان لما ملك دمشق أعطى الملك الصالح إسماعيل بعلبك ونقل إليها ثقله وأهله وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكان أمين الدولة في مدة وزارته يحب جمع المال وحصل لصاحبه الملك الصالح إسماعيل أموالاً عظيمة جداً من أهل دمشق وقبض على كثير من أملاكهم‏.‏

وكان موافقه في ذلك قاضي القضاة بدمشق وهو رفيع الدين الجيلي والنواب ولما بلغ نائب السلطنة بدمشق وهو الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ والوزير جمال الدين ابن مطروح بدمشق وأكابر الدولة ما وصل إلى أمين الدولة من الأموال قصدوا أن يقبضوا عليه ويستصفوا أمواله فعملوا له مكيدة وهي أنهم استحضروه وعظموه وقاموا له لما أتى ولما استقر في المجلس قالوا له إن أردت أن تقيم بدمشق فابق كما أنت وإن أردت أن تتوجه إلى صاحبك ببعلبك فافعل فقال لا واللّه أروح إلى مخدومي وأكون عنده ثم إنه خرج وجمع أمواله وذخائره وحواصله وجميع ما يملكه حتى الأثاث وحصر دوره وجمع الجميع على عدة بغال وتوجه قاصداً إلى بعلبك ولما صار ظاهر دمشق قبض عليه وأخذ جميع ما كان معه واحتيط على أملاكه واعتقل وكان ذلك يوم الجمعة ثاني شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة ثم سير إلى الديار المصرية تحت الحوطة وأودع السجن في قلعة القاهرة مع جماعة أخر من أصحاب الملك الصالح إسماعيل ولما كان بعد ذلك بزمان وتوفي الملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر في سنة سبع وأربعين وستمائة وجاء الملك الناصر يوسف بن محمد من حلب وملك دمشق وذلك في يوم الأحد ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة صار معه الملك الصالح إسماعيل وملوك الشام وتوجه إلى مصر ليأخذها فخرجت عساكر مصر وكان ملك مصر يومئذ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني كان قد تملك بعد وفاة أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب والتقوا فكانت أول الكسرة على عسكر مصر ثم عادوا وكسروا عسكر الشام وقبض على الملك الصالح إسماعيل وجماعة كثيرة من الملوك والأمراء وحبسوا جميعهم في مصر ثم أطلق بعضهم فيما بعد وأما الملك الصالح إسماعيل فكان آخر العهد به وقيل إنه خنق بوتر‏.‏

حدثني الأمير سيف الدين المشدّ علي بن عمر رحمه اللّه لما سمع الوزير أمين الدولة في قلعة القاهرة بأن ملوك الشام قد كسروا عسكر مصر ووصل الخبر إليهم بذلك من بلبيس قال أمين الدولة لصاحب الآمر في القلعة دعنا نخرج في القلعة حتى تطلع الملوك وتبصر أيش تعمل معك من الخير فأطمعته نفسه وأخرجهم وكانوا في ذلك الموضع في الحبس ثلاثة من أصحاب الملك الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة وأستاذ داره ناصر الدين بن يغمور وأمير كردي يقال له سيف الدين فقال الكردي لهم يا قوم لا تستعجلوا مواضعكم فإن كان الأمر صحيحاً فمصير أستاذنا يخرجنا ويعيدنا إلى ما كنا عليه ويحسن إلينا ونخلف وإن كان الأمر غير صحيح فنكون في موضعنا لم نخرج منه فهو أسلم لنا فلم يقبلوا منه وخرج الوزير وناصر الدين بن يغمور وبسطوا مواضع في القلعة وأمروا ونهوا ولما صح الخبر بعكس ما أملوه أمر عز الدين التركماني لما طلع القلعة بقتل ناصر الدين بن يغمور فقتل وأمر بشنق الوزير فشنقوه وحكى لي من رآه لما شنق وأنه كان عليه قندورة عنابي خضراء وسرموزة في رجليه ولم ينظر مشنوقاً في رجليه سرموزة سواه وأما رفيقهم الكردي فأطلقه وخلع عليه وأعطاه خيراً‏.‏

أقول وأعجب ما أتى من الأحكام النجومية فيما يتعلق بهذا المعنى ما حكاه الأمير ناصر الدين زكري المعروف بابن عليمة وكان من جماعة الملك الصالح نجم الدين أيوب قال لما حبس الصاحب أمين الدولة أرسل إلى منجم في مصر له خبرة بالغة في علم النجوم وإصابات لا تكاد تخرم في أحكامها وسأله ما يكون من حاله وهل يخلص من الحبس قال فلما وصلت الرسالة إليه أخذ ارتفاع الشمس للوقت وحقق درجة الطالع والبيوت الاثني عشر ومركز الكواكب ورسم ذلك كله في تخت الحساب وحكم بمقتضاه فقال يخلص هذا من الحبس ويخرج منه وهو فرحان مسرور وتلحظه السعادة أن يبقى له أمر مطاع في الدولة بمصر ويمتثل أمره ونهيه جماعة من الخلق فلما وصل إليه الجواب بذلك فرح به وعندما وصله مجيء الملوك وأن النصر لهم خرج وأيقن أن يبقى وزيراً بمصر وتم له ما ذكره المنجم من الخروج من الحبس والفرح والأمر والنهي وصار له أمر مطاع في ذلك اليوم ولم يعلم أمين الدولة ما يجري عليه بعد ذلك وإن اللهّّ عز وجل قد أنفذ ما جعله عليه مقدوراً وكان ذلك في الكتاب مسطوراً وكان للصاحب أمين الدولة نفس فاضلة وهمة عالية في جمع الكتب وتحصيلها واقتنى كتباً كثيرة فاخرة في سائر العلوم وكانت النساخ أبداً يكتبون له حتى أنه أراد مرة نسخة من تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر وهو بالخط الدقيق ثمانون مجلداً فقال هذا الكتاب الزمن يقصر أن يكتبه ناسخ واحد ففرقه على عشرة نساخ كل واحد منهم ثمان مجلدات فكتبوه في نحو سنتين وصار الكتاب بكماله عنده وهذا من علو همته ولما كان رحمه اللّه بدمشق وهو في دست وزارته في أيام الملك الصالح إسماعيل وكان أبي صديقه وبينهما مودة فقال له يوماً سديد الدين بلغني أن ابنك قد صنف كتاباً في طبقات الأطباء ما سبق إليه وجماعة الأطباء الذين يأتون إلي شاكرين منه وهذا الكتاب جليل القدر وقد اجتمع عندي في خزانتي أكثر من عشرين ألف مجلد ما فيها شيء من هذا الفن وأشتهي منك أن تبعث إليه يكتب لي نسخة من هذا الكتاب وكنت يومئذ بصرخد عند مالكها الأمير عز الدين أيبك المعظمي فامتثل أمره ولما وصلني كتاب أبي أتيت إلى دمشق واستصحبت معي مسودات من الكتاب واستدعيت الشريف الناسخ وهو شمس الدين محمد الحسيني وكان كثيراً ينسخ لنا وخطه منسوب في نهاية الجودة وهو فاضل في العربية فأخليت له موضعاً عندنا وكتب الكتاب في مدة يسيرة في تقطيع ربع البغدادي أربعة أجزاء ولما تجلدت عملت قصيدة مديح في الصاحب أمين الدولة وبعثت بالجميع إليه مع قاضي القضاة بدمشق رفيع الدين الجيلي وهو من جملة المشايخ الذين اشتغلت عليهم فإني قرأت عليه شيئاً من كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا وكان بيني وبينه أنس كثير ولما وقف أمين الدولة على ذلك أعجبه غاية الإعجاب وفرح به كثيراً وأرسل إلي مع القاضي المال الجزيل والخلع الفاخرة وتشكر وقال أشتهي منك أن كلما تصنفه من الكتب تعرفني به وهذه نسخة القصيدة التي قلتها فيه وذلك في أوائل سنة ثلاث وأربعين وستمائة فؤادي في محبتهم أسير وأنّى سار ركبهم يسير يحن إلى العذيب وساكنيه حنيناً قد تضمنه سعير ويهوى نسمة هبت سحيرا بها من طيب نشرهم عبير وإني قانع بعد التداني بطيف من خيالهم يزور ومعسول اللمى مر التجني يجور على المحب ولا يجير تصدى للصدود ففي فؤادي بوافر هجره أبداً هجير وقد وصلت جفوني فيه سهدي فما هذي القطيعة والنفور كأن قوامه غصن رطيب وطلعة وجهه بدر منير يرى نشوان من خمر التصابي يميد وفي لواحظه فتور وحالي مع بنيه غير حال وسري لايمازجه سرور وإن أشكو الزمان فإن ذخري أمين الدولة المولى الوزير كريم أريحي ذو أياد تعم كما همى الجون المطير تسامى في سماء المجد حتى تأثر تحت أخمصه الأثير وهل شعر يعبر عن علاه ودون محله الشعرى العبور له أمر وعدل مستمر به في الخلق تعتدل الأمور ففي الأزمان للعافي مبر وفي العزمات للعادي مبير لقد فاق الأوائل في المعالي وكم من أول فاق الأخير وكم في الطب من معنى خفي بشرح منك عاد له ظهور وقد قاس الرئيس إليك يوماً يجده إليك مرؤوساً يصير وهل يحكيك في لفظ وفضل وما لك فيهما أبداً نظير وقد أرسلت تأليفاً ليبقى على اسمك لا تغيره الدهور وإن تك زلة أبديت فيه فعن أمثالها أنت الغفور ونقلت من خط الشيخ موفق الدين هبة اللّه أبي القاسم بن عبد الوهاب بن محمد ابن علي الكاتب المعروف بابن النحاس من أبيات كتبها إلى الصاحب أمين الدولة يطلب منه خطاً وعده به الملك الأمجد وذلك في سنة سبع وعشرين وستمائة وعدت بالخط فأرسل ماوعدت به يا من له نعم تترى بلا منن من يفعل الخير يجن كل مكرمة ويشتري مِدَحاً تتلى بلا ثمن خطاً يزيدك حظاً كلما صدحت ورقاء في شجر يوماً على فنن وأنشدني شرف الدين إسماعيل بن عبد اللّه بن عمر الكاتب المعروف بابن قاضي اليمن لنفسه قصيدة كتبها إلى الصاحب أمين الدولة من جملتها نالني من زماني التغيير ومحا صفو لذتي التكدير كان عيشي يظل حلواً وقد عا - - د بجور الزمان وهو مرير ونأى من أحب لم يلو عطفاً فبقلبي للهجر منه هجير ورجوت الشفاء من داء سقم شفني فهو في حشاي سعير قال لي قائل وقد أعضل الدا - - ء وعزا الدوا وعاز المشير اقصد الصاحب الوزير ولا تخش فإحسانه عميم غزير وإذا الداء خيف منه تلافاً ليس يشفي إلا الحكيم البصير سيد صاحب أريب حكيم عالم ماجد وزير كبير منقذ منصف لطيف رؤوف محسن مؤثر كريم أثير ومن شعر الصاحب أمين الدولة قال وكتب به في كتاب إلى برهان الدين وزير الأمير عز الدين المعظمي تعزية لبرهان الدين في ولده الخطيب شرف الدين عمر قولا لهذا السيد الماجد قول حزين مثله فاقد لا بد من فقد ومن فاقد هيهات ما في الناس من خالد كن المعزي لا المعزى به إن كان لا بد من الواحد وللصاحب أمين الدولة من الكتب كتاب النهج الواضح في الطب وهو من أجل كتاب صنف في الصناعة الطبية وأجمع لقوانينها الكلية والجزئية وهو ينقسم إلى كتب خمسة الكتاب الأول في ذكر الأمور الطبيعية والحالات الثلاث للأبدان وأجناس الأمراض وعلائم الأمزجة المعتدلة والطبيعية والصحية للأعضاء الرئيسة وما يقرب منها ولأمور غيرها شديدة النفع يصلح أن تذكر في هذا الموضع ويتبعها بالنبض والبول والبراز والبحران الكتاب الثاني في الأدوية المفردة وقواها الكتاب الثالث في الأدوية المركبة ومنافعها الكتاب الرابع في تدبير الأصحاء وعلاج الأمراض الظاهرة وأسبابها وعلائمها وما يحتاج إليه من عمل اليد فيها وفي أكثر المواضع ويذكر فيه أيضاً تدبير الزينة وتدبير السموم الكتاب الخامس في ذكر الأمراض الباطنة وأسبابها وعلائمها وعلاجها وما يحتاج إليه من عمل اليد‏.‏

مهذب الدين عبد الرحيم بن علي هو شيخنا الإمام الصدر الكبير العالم الفاضل مهذب الدين أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد ويعرف بالدخوار وكان رحمه اللّه أوحد عصره وفريد دهره وعلامة زمانه وإليه انتهت رياسة صناعة الطب ومعرفتها على ما ينبغي وتحقيق كلياتها وجزئياتها ولم يكن في اجتهاده من يجاريه ولافي علمه من يماثله أتعب نفسه في الاشتغال وكد خاطره في تحصيل العلم حتى فاق أهل زمانه في صناعة الطب وحظي عند الملوك ونال من جهتهم من المال والجاه ما لم ينله غيره من الأطباء إلى أن توفي وكان مولده ومنشؤه بدمشق وكان أبوه علي بن حامد كحالاً مشهوراً وكذلك كان أخوه وهو حامد بن علي كحالاً وكان الحكيم مهذب الدين أيضاً في مبدأ أمره يكحل وهو مع ذلك مواظب على الاشتغال والنسخ وكان خطه منسوباً وكتب كتباً كثيرة بخطه وقد رأيت منها نحو مائة مجلد أو أكثر في الطب وغيره واشتغل بالعربية على الشيخ تاج الدين الكندي أبي اليمن ولم يزل مجتهداً في تحصيل العلوم وملازمة القراءة والحفظ حتى في أوقات خدمته وهو في سن الكهولة وكان في أول اشتغاله بصناعة الطب قد قرأ شيئاً من المكي على الشيخ رضي الدين الرحبي رحمه اللّه ثم بعد ذلك لازم موفق الدين بن المطران وتتلمذ له واشتغل عليه بصناعة الطب ولم يزل ملازماً له في أسفاره وحضره إلى أن تميز ومهر واشتغل بعد ذلك أيضاً على فخر الدين المارديني لما ورد إلى دمشق في سنة تسع وسبعين وخمسمائة بشيء من القانون لابن سينا وكان فخرالدين المارديني كثير الدراية لهذا الكتاب والتحقيق لمعانيه وخدم الحكيم مهذب الدين الملك العادل أبا بكر بن أيوب بصناعة الطب وكان السبب في ذلك أنه في أول أمره كان يعاني صناعة الكحل ويحاول أعمالها وخدم بها في البيمارستان الكبير الذي أنشأه ووقفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ثم بعد ذلك لما اشتغل على ابن المطران ووسم بصناعة الطب أطلق له الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب جامكية على الطب وخدم بها وهو مع ذلك يشتغل ويتزيد في العلم والعمل ولا يخل بخدمة الصاحب صفي الدين بن شكر والتردد إليه وعرف الصاحب منزلته في صناعة الطب وعلمه وفضله ولما كان في شهرشوال سنة أربع وستمائة كان الملك العادل قد قال للصاحب بن شكر نريد أن يكون مع الحكيم موفق الدين عبد العزيز حكيم آخر برسم خدمة العسكر والتردد إليهم في أمراضهم فإن الحكيم عبد العزبز ما يلحق لذلك فامتثل أمره وقال ههنا حكيم فاضل في صناعة الطب يقال له المهذب الدخوار يصلح أن يكون في خدمة مولانا فأمره باستخدامه‏.‏

ولما حضر مهذب الدين عند الصاحب قال له إني شكرتك للسلطان وهذه ثلاثون ديناراً ناصرية لك في كل شهر وتكون في الخدمة فقال يا مولانا الحكيم موفق الدين عبد العزيز له في كل شهر مائة دينار ورواتب مثلها وأنا أعرف منزلتي في العلم وما أخدم بدون مقرره وانفصل عن الصاحب ولم يقبل ثم إن الجماعة ذمت مهذب الدين على امتناعه وما بقي يمكنه أن يعاود الصاحب ليخدم وكان مقرره في البيمارستان شيء يسير واتفق المقدورأن بعد ذلك الحديث بنحو شهر وكان يعاود الموفق عبد العزيز قولنج صعب فعرض له وتزايد به ومات منه ولما بلغ الملك العادل موته قال للصاحب كنت قد شكرت لنا حكيماً يقال له المهذب نزله على مقرر الموفق عبد العزيز فتنزل على جميع مقرره واستمرفي خدمة الملك العادل من ذلك الوقت ثم لم تزل منزلته عنده وتترقى أحواله حتى صار جليسه وأنيسه وصاحب مشورته‏.‏

وظهر أيضاً منه في أول خدمته له نوادرفي تقدمة المعرفة أكدت حسن ظنه به واعتماده عليه ومن ذلك أن الملك العادل كان قد مرض ولازمه أعيان الأطباء فأشار الحكيم مهذب الدين عليه بالفصد فلم يستصوب ذلك الأطباء الذين كانوا معه فقال واللّه لم نخرج له دماً إلا خرج الدم بغير اختيارنا ولم يوافقوه في قوله فما كان قعد ذلك بأيسر وقت إلا والسلطان قد رعف رعافاًَ كثيراً وصلح فعرف أن ما في الجماعة مثله ومن ذلك أيضاً أنه كان يوماً على باب دار السلطان ومعه جماعة من أطباء الدور فخرج خادم ومعه قارورة جارية يستوصف لها من شيء يؤلمها فلما رآها الأطباء وصفوا لها ما حضرهم وعندما عاينها الحكيم مهذب الدين قال إن هذا الألم الذي تشكوه لم يوجب هذا الصبغ الذي للقارورة يوشك أنه الصبغ من حناء قد اختضبت به فأعلمه الخادم بذلك وتعجب منه وأخبر الملك العادل فتزيد حسن اعتقاده فيه‏.‏

ومن محاسن ما فعله الشيخ مهذب الدين من كمال مروءته ووافر عصبيته حدثني أبي قال كان الملك العادل قد غضب على قاضي القضاة محيي الدين بن زكي الدين بدمشق لأمر نقم عليه به وأمر باعتقاله في القلعة ورسم عليه أن يزن للسلطان عشرة آلاف دينار مصرية وشدد عليه في ذلك وبقي في الحبس والمطالبة عليه كل وقت فوزن البعض وعجز عن وزن بقية المال وعظم الملك العادل عليه الأمر وقال لا بد أن يزن بقية المال وإلا عذبته فتحير القاضي وأبلغ جميع موجوده وأثاث بيته حتى الكتب التي له وتوسل إلى السلطان وتشفع بكثير من الأمراء والخواص والأكابر مثل الشميس أستاذ الدار وشمس الخواص صواب والوزير وغيرهم أن يسامحه بالبعض أو يسقط عليه فما فعل السلطان وحمل القاضي هماً عظيماً على ذلك حتى قل أكله ونومه وكاد يهلك فافتقده الحكيم مهذب الدين وكان بينهما صداقة قديمة وشكا إليه حاله وسأله المساعدة بحسب ما يقدر عليه ففكر مهذب الدين وقال أنا أدبر لك أمراً وأرجو أن يكون فيه نفع لك إن شاء اللّه تعالى وفارقه‏.‏

وكانت سرية الملك العادل أم الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل متغيرة المزاج في تلك الأيام وكانت تركية الجنس وعندها عقل ودين وصلاح ولها معروف كثير وصدقات فلما حضر الحكيم مهذب الدين عندها وزمام الدور أوجدها مهذب الدين حال القاضي وضره وأنه مظلوم وقد ألزمه السلطان بشيء لا يقدر عليه وطلب منها شفاعة لعل السلطان ينظر إليه بعين الرحمة ويسامحه بالبعض أو يقسط عليه وساعده الإمام في ذلك فقالت واللّه كيف لي بالخير للقاضي وأن أقول للسلطان عنه ولكن ما يمكن هذا فإن السلطان يقول لي أيش الموجب أنك تتكلمي في القاضي ومن أين تعرفيه ولو كان هو في المثل حكيم يتردد إلينا أو تاجر يشتري لنا القماش كان فيه توجه للكلام والشفاعة وهذا فما يمكن أتكلم فيه فقال لها الحكيم يا ستي أنت لك ولد ومالك غيره وتطلبي له السعادة والبقاء وتلقي من اللّه كل خير بشيء تقدري تفعليه وما تقولي للسلطان شفاعة أصلاً فقالت أيش هو فقال وقت يكون السلطان وأنتم نيام توجديه أنك أبصرت مناماً في أن القاضي مظلوم وعرفها ما تقول هذا يمكن ولما تكاملت عافيتها وكان الملك العادل نائماً عندها وهي إلى جانبه انتبهت في أواخر الليل وأظهرت أنها مرعوبة وأمسكت فؤادها وبقيت ترتعد وتتباكى فانتبه السلطان وقال مالك وكان يحبها كثيراً فلم تجبه مما بها فأمر بإحضار شراب تفاح وسقاها ورش على وجهها ماء ورد وقال أما تخبريني أيش جرى عليك وأيش عرض لك فقالت يا خوند منام عظيم هالني وكدت أموت منه وهو إنني رأيت كأن القيامة قد قامت وخلق عظيم وكان في موضع به نيران كثيرة تشعل وناس يقولون هذا للملك العادل لكونه ظلم القاضي ثم قالت هل فعلت قط بالقاضي شيئاً فما شك في قولها وانزعج ثم قام لوقته وطلب الخدام وقال امضوا إلى القاضي وطيبوا قلبه وسلموا عليه عني وقولوا له يجعلني في حل مما تم عليه وإن جميع ماوزنه يعاد إليه وما أطالبه بشيء فراحوا إليه وفرح القاضي غاية الفرح بقولهم ودعا للسلطان وجعله في حل ولما أصبح أمر له بخلعة كاملة وبغلة وأعاده إلى القضاء وأمر بالمال الذي وزنه أن يحمل إليه من الخزانة وأن جميع ما باعه من الكتب وغيرها تسترجع من المشترين لها ويعطوا الثمن الذي قال ولما كان الملك العادل بالشرق وذلك في سنة عشر وستمائة مرض مرضاً صعباً وتولى علاجه الحكيم مهذب الدين إلى أن برئ مما كان به فحصل له منه في تلك المرضة نحو سبعة آلاف دينار مصرية وبعث إليه أيضاً أولاده الملك العادل وسائر ملوك الشرق وغيرهم الذهب والخلع والبغلات بأطواق الذهب وغير ذلك وكذلك توجه الملك العادل إلى الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وستمائة وأقام بالقاهرة أتى في ذلك الوقت وباء عظيم إلى أن هلك أكثر الخلق وكان قد مرض الملك الكامل ابن الملك العادل ومرض كثير من خواصه وهو صاحب الديار المصرية فعالجه بألطف علاج إلى أن برئ وحصل له أيضاً من الذهب والخلع والعطايا السنية شيء كثير وكان مبلغ ما وصل إليه من الذهب نحو اثني عشر ألف دينار وأربع عشرة بغلة بأطواق ذهب والخلع الكثيرة من الثياب الأطلس وغيرها أقول وولاه السلطان الكبير في ذلك الوقت رياسة أطباء ديار مصر بأسرها وأطباء الشام وكنت في ذلك الوقت مع أبي وهو في خدمة الملك العادل ففوض إليه النظر في أمر الكحالين واعتبارهم وإن من يصلح منهم لمعالجة أمراض العين ويرتضيه يكتب له خطاً بما يعرفه منه ففعل ذلك ولما كان في سنة أربعة عشرة وستمائة وسمع الملك العادل بتحرك الفرنج في الساحل أتى إلى الشام وأقام بمرج الصفر ثم حصل له وهو في أثناء ذلك مرض وهو بمنزله بخانقين وتوفي رحمه اللّه بها في الساعة الثانية من يوم الجمعة سابع جمادى الآخر سنة خمس عشرة وستمائة ولما استقر ملك الملك المعظم بالشام استخدم جماعة عدة ممن كانوا في خدمة أبيه الملك العادل وانتظم في خدمته منهم من الحكماء الحكيم رشيد الدين بن الصوري وأبي وأما الحكيم مهذب الدين فإنه أطلق له جامكية وجراية ورسم أنه يقيم بدمشق وأن يتردد إلى البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ويعالج المرضى به ولما أقام الشيخ مهذب الدين بدمشق شرع في تدريس صناعة الطب واجتمع إليه خلق كثير من أعيان الأطباء وغيرهم يقرأون عليه وأقمت أنا بدمشق لأجل القراءة عليه وأما أولا فكنت أشتغل عليه في المعسكر لما كان أبي والحكيم مهذب الدين في خدمة السلطان الكبير فبقيت أتردد إليه مع الجماعة وشرعت في قراءة كتب جالينوس وكان خبيراً بكل ما يقرأ عليه من كتب جالينوس وغيرها وكانت كتب جالينوس تعجبه جداً وإذا سمع شيئاً من كلام جالينوس في ذكر الأمراض ومداواتها والأصول الطبية يقول هذا هو الطب وكان طلق اللسان حسن التأدية للمعاني جيد البحث لازمته أيضاً في وقت معالجته للمرضى بالبيمارستان فتدربت معه في ذلك وباشرت أعمال صناعة الطب وكان في ذلك الوقت أيضاً معه في البيمارستان لمعالجة المرضى الحكيم عمران وهو من أعيان الأطباء وأكابرهم في المداواة والتصرف في أنواع العلاج فتضاعفت الفوائد المقتبسة من اجتماعهما ومما كان يجري بينهما من الكلام في الأمراض ومداواتها ومما كانا يصفاه للمرضى‏.‏

وكان الحكيم مهذب الدين يظهر من ملح صناعة الطب ومن غرائب المداواة والتقصي في المعالجة والإقدام بصفات الأدوية التي تبرئ في أسرع وقت ما يفوق به أهل زمانه ويحصل من تأثيرها شيء كأنه سحر ومن ذلك أنني رأيته يوماً وقد أتى محموم بحمى محرقة وقواريره في غاية الحدة فاعتبر قوته ثم أمر بأن يترك له في قدح بزور من الكافور مقداراً صالحاً عينه لهم في الدستور وأن يشربه ولا يتناول شيئاً غيره فلما أتينا من الغد وجدنا ذلك المريض والحمى قد انحطت عنه وقارورته ليس فيها شيء من الحدة ومثل هذا أيضاً أنه وصف في قاعة الممرورين لمن به المرض المسمى مانيا وهو الجنون السبعي أن يضاف إلى ماء الشعير في وقت إسقائه إياه مقدار متوفر من الأفيون فصلح ذلك الرجل وزال ما به من تلك الحال ورأيته يوماً في قاعة المحمومين وقد وقفنا عند مريض وجست الأطباء نبضه فقالوا عنده ضعف ليعطى مرقة الفروج للتقوية فنظر إليه وقال إن كلامه ونظر عينيه يقتضي الضعف ثم جس نبض يده اليمنى وجس الأخرى وقال جسوا نبض يده اليسر فوجدناه قوياً فقال انظروا نبض يده اليمنى وكيف هو من قريب كوعه قد انفرق العرق الضارب شعبتين فواحدة بقيت التي تجس والأخرى طلعت في أعلى الزند وامتدت إلى ناحية الأصابع فوجدناه حقاً ثم قال إن من الناس وهو نادر ومن يكون النبض فيه هكذا ويشتبه على كثير من الأطباء ويعتقدون أن النبض ضعيف وإنما يكون جسم لتلك الشعبة التي هي نصف العرق فيعتقدون أن النبض ضعيف وكان في ذلك الوقت أيضاً في البيمارستان الشيخ رضي الدين الرحبي وهو من أكبر الأطباء سناً وأعظمهم قدراً وأشهرهم ذكراً فكان يجلس على دكة ويكتب لمن يأتي إلى البيمارستان ويستوصف منه للمرضى أوراقاً يعتمدون عليها ويأخذون بها من البيمارستان الأشربة والأدوية التي يصفها فكنت بعد ما يفرغ الحكيم مهذب الدين والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان وأنا معهم أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض وجملة ما يصفه للمرضى وما يكتب لهم وأبحث معه في كثير من الأمراض ومداواتها ولم يجتمع في البيمارستان منذ بني وإلى ما بعده من الزمان من مشايخ الأطباء كما اجتمع فيه في ذلك الوقت من هؤلاء المشايخ الثلاثة وبقوا كذلك مدة‏.‏

ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام وكان الشيخ مهذب الدين رحمه اللَّه إذا تفرغ من البيمارستان وافتقد المرضى في أعيان الدولة وأكابرها وغيرهم يأتي إلى داره ثم يشرع في القراءة والدرس والمطالعة ولا بد له مع ذلك من نسخ فإذا فرغ منه أذن للجماعة فيدخلون إليه ويأتي قوم بعد قوم من الأطباء والمشتغلين وكان يقرأ كل واحد منهم درسه ويبحث معه فيه ويفهمه إياه بقدر طاقته ويبحث في ذلك مع المتميزين منهم إن كان الموضع يحتاج إلى فضل بحث أو فيه إشكال يحتاج إلى تحرير وكان لا يقرئ أحداً إلا وبيده نسخة من ذلك الكتاب يقرأه ذلك التلميذ وينظر فيه ويقابل به فإن كان في نسخة الذي يقرأ غلط أمره بإصلاحه وكانت نسخ الشيخ مهذب الدين التي تقرأ عليه في غاية الصحة وكان أكثرها بخطه وكان أبداً لا يفارقه إلى جانبه مع ما يحتاج إليه من الكتب الطبية ومن كتب اللغة كتاب الصحاح للجوهري والمجمل لابن فارس وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري فكان إذا فرغت الجماعة من القراءة يعود هو إلى نفسه فيأكل شيئاً ثم يشرع بقية نهاره في الحفظ والدرس والمطالعة يسهر أكثر ليله في الاشتغال‏.‏

وكان أيضاً في ذلك الزمان يجتمع بالشيخ سيف الدين علي بن أبي علي الآمدي وكان يعرفه قديماً فلازمه في الاشتغال عليه بالعلوم الحكمية وحفظ شيئاً من كتبه وحصل معظم مصنفاته ليشتغل بها مثل كتاب دقائق الحقائق وكتاب رموز الكنوز وكتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات وكتاب أبكار الأفكار وغير ذلك من مصنفات سيف الدين ثم بعد ذلك أيضاً نظر في علم الهيئة والنجوم واشتغل بها على أبي الفضل الإسرائيلي المنجم واقتنى من آلات النحاس التي يحتاج إليها في هذا الفن ما لم يكن عند غيره ومن الكتب شيئاً كثيرا جداً وسمعته يحكي أن عنده ست عشرة رسالة غريبة من الأصطرلاب لجماعة من المصنفين وفي أثناء ذلك طلبه الملك الأشرف أبو الفتح موسى ابن الملك العادل وهو بالشرق توجه إليه وذلك في شهر ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة وقال لي إنه خرج منه في هذه السفرة لما عزم على الحركة من شراء بغلات وخيم وآلات لا بد منها للسفر عشرون ألف درهم ولما وصل ذلك إلى الملك الأشرف أكرمه وأحسن إليه وأطلق له إقطاعاً في الشرق يغل له في كل سنة ألف وخمسمائة دينار فبقي معه مدة ثم عرض له ثقل في لسانه واسترخاء فبقي لا يسترسل في الكلام ووصل إلى دمشق لما ملكها الملك الأشرف في سنة ست وعشرين وستمائة وهو معه فولاه رياسة الطب وبقي كذلك مديدة وجعل له مجلساً لتدريس صناعة الطب ثم زاد وهو معه فولاه رياسة الطب ثم زاد به ثقل لسانه حتى بقي إذا حاول الكلام لا يفهم ذلك منه إلا بعسر وكانت الجماعة تبحث قدامه فإذا استعصى معنى يجيب عنه بأيسر لفظ يدل على كثير من المعنى وفي أوقات يعسر عليه الكلام فيكتبه في لوح وتنظر الجماعة ثم اجتهد في مداواة نفسه واستفرغ بدنه بعدة أدوية مسهلة وكان يتناول كثيراً من الأدوية والمعاجين الحارة ويغتذي بمثلها فعرضت له حمى وتزايدت به حتى ضعفت قوته وتوالت عليه أمراض كثيرة ولا جاء الأجل وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع وكانت وفاته رحمه اللّه في الليلة التي صبيحتها يوم الاثنين خامس عشر صفرسنة ثمان وعشرين وستمائة ودفن بجبل قاسيون ولم يخلف ولداً‏.‏

ولما كان في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وذلك قبل سفر الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عند الملك الأشرف وخدمته له وقف داره وهي بدمشق عند الصاغة العتيقة شرقي سوق المناخليين وجعلها مدرسة يدرس فيها من بعده صناعة الطب ووقف لها ضياعاً وعدة أماكن يستغل ما ينصرف في مصالحها وفي جامكية المدرس وجامكية المشتغلين بها ووصى أن يكون المدرس فيها الحكيم شرف الدين علي بن الرحبي وابتدأ بالصلاة في هذه المدرسة يوم الجمعة صلاة العصر ثامن ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة‏.‏

ولما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثمان وستمائة حضر الحكيم سعد الدين إبراهيم بن الحكيم موفق الدين عبد العزيز والقاضي شمس الدين الخوئي والقاضي جمال الدين الخرستاني والقاضي عزيز الدين السنجاري وجماعة من الفقهاء والحكماء وشرع الحكيم شرف الدين بن الرحبي في التدريس بها في صناعة الطب واستمر على ذلك وبقي سنين عدة ثم صار المدرس فيما بعد الحكيم

 

بدر الدين المظفر بن قاضي بعلبك

وذلك أنه لما ملك دمشق الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين ممدود ابن الملك العادل كتب للحكيم بدر الدين ابن قاضي بعلبك منشوراً برياسته على سائر الحكماء في صناعة الطب وأن يكون مدرساً للطب في مدرسة الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وتولى ذلك في يوم الأربعاء رابع صفر سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏

وأنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي قال أنشدني الشيخ الأديب شهاب الدين فتيان بن علي الشاغوري لنفسه يمدح الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي أنعم ولذ بأقدار تؤاتيكا حتى تنال بها أقصى أمانيكا مهذب الدين يا عبد الرحيم لقد شأوت يا ابن علي من يباريكا فازت قداحك في حفظ الدروس بأيام سلفن وما خابت لياليكا ما زلت تسعى لكسب الحمد مجتهداً حتى بلغت الأواني من مساعيكا أنت امرؤ أودعت ألفاظه حكماً أملت دقيق المعاني من معانيكا حتى ربيت بحجر العلم متخذاً لك التواضع لبساً في تعاليكا فللمعاني ابتسام في خلائقك الح سان مثل ابتسام المجد في فيكا لك الثناء جميلاً حيث كنت فما خلق عن المجد والعلياء يثنيكا متى تمادى المجيد المدح في مدح يبدّ أقصى المدى أدنى الذي فيكا يا جامعاً حسباً عدا إلى أدب جم عدمت امرءاً في الجود يحكيكا عندي إليك صبابات يؤكدها حسن الوفاء بمعروف يوافيكا ولي إليك اشتياق لا يفارقني يا ليت لي سبباً للوصل مسلوكا ولو تهيأ لي المسعى إليك لما فارقت بابك بواباً أناجيكا لكنني في يدي شيخوخة وضنا قد غادر الجسم منهوباً ومنهوكا كم همة لك قد أوفت على الفلك الأعلى بأخمصها كيوان معروكا وددت أن علياً والرشيد معاً عاشا وقد رأيا ما اللّه يوليكا كلاهما كان في سر وفي علن لك المحب فما ينفك يطريكا عش وابق وارفل طول الدهر في خل ع الملوك واخلع قلوباً من أعاديكا ولا تزل أبداً في باب دارك لل رسل أزحام إلى السلطان تدعوكا ستهزم الملك الأنكور وثبته وفي كلاء سنان الرمح مشكوكا دع حمل هم دمشق اللّه كالئها مما تخوفه واللَّه كاليكا هل الرئيس بن سينا وهو يطر - - ب بالقانون وافاك بالبشرى يغنيكا وهل مقالات جالينوس صادرة عما تقول فتأويها فتاويكا فنعم حدث ملوك أنت أفلح من منهم بناديه في الجلى يناديكا كم قلت لابن خروف دع تنمى سعادته يا أنوك النوكا هجاءك من حتى هوى بحضيض قد تبوأه إلى القيامة ما ينفك مدكوكا وعشت أنت غنياً بالهبات ومن عاداك مات شديد الفقر صعلوكا دمشق جنة عدن للمقيم بها فلا نأت عن مغانيها مغانيكا شوت كلى ابن خروف نار سعدك إذ دعا به نحسه يوماً ليهجوكا فكم أسير سقام من جوامعه جعلته بعد ضيق الأسر مفكوكا نزهت عن هفوات يستفز بها سواك من للخنا يبغي المماليكا أقول وكان هذا ابن خروف الذي ذكره شهاب الدين فتيان مغربيا شاعراً وكان كثير الهجاء للحكيم مهذب الدين وكان آخرة ابن خروف أنه توجه إلى حلب ومدح صاحبها الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين وأنشده المديح ولما فرغ تأخر القهقرى إلى خلف وكان ثم بئر فوقع فيها ومات‏.‏

ومن شعر مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال وكتب به إلى عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة في مرضة مرضها يا من أؤمله لكل ملمة وأخاف إن حدثت له أعراض حوشيت من مرض تعاد لأجلها وبقيت ما بقيت لنا أعراض إنا نعدك جوهراً في عصرنا وسواك أن عدوا فهم أعراض ولمهذب الدين عبد الرحيم بن علي من الكتب اختصار كتاب الحاوي في الطب للرازي اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصفهاني مقالة في الاستفراغ ألفها بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائة كتاب الجنينة في الطب تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طبية ورد أجوبتها له كتاب الرد على شرح ابن صادق لمسائل حنين مقالة يرد فيها على رسالة أبي الحجاج يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها‏.‏

هو أبو الحسن علي بن خليفة بن يونس بن أبي القاسم بن خليفة من الخزرج من ولد سعد بن عبادة مولده بحلب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة وكان مولد أبي قبله في سنة خمس وسبعين وخمسمائة بالقاهرة المعزية ونشأ أيضاً بالقاهرة واشتغلا بها وذلك أن جدي رحمه اللَّه كانت له همة عالية ومحبة للفضائل وأهلها وله نظر في العلوم ويعرف بابن أبي أصيبعة وكان قد توجه إلى الديار المصرية عندما فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان في خدمته وخدمة أولاده وكان من جملة معارف جدي وأصدقائه من دمشق جمال الدين أبي الحوافر الطبيب وشهاب الدين أبو الحجاج يوسف الكحال وذلك أن مولد جدي كان بدمشق ونشأ بها وأقام سنين كثيرة فلما اجتمع بجمال الدين بن أبي الحوافر بمصر وبأبي الحجاج يوسف وكان قد ترعرع أبي وعمي وقصد إلى تعليمهما صناعة الطب لمعرفته بشرفها وكثرة احتياج الناس إليها وأن صاحبها الملتزم لما يحب من حقوقها يكون مبجلاً حظياً في الدنيا وله الدرجة العليا في الآخرة وترك أبي وعمي يلازمان ذينك الشيخين ويغتنمانهما فلازم أبي أبا الحجاج يوسف واشتغل بصناعة الكحل وباشر معه أعمالها وكان أبوالحجاج يكحل في البيمارستان ذلك الوقت في السقطين أسفل القاهرة وكان جدي يسكن إلى جانبه فبقي أبي ملازماً لأبي الحجاج يوسف ومتعلماً منه إلى أن أتقن صناعته وقرأ أيضاً على غيره من أعيان المشايخ الأطباء في ذلك الوقت بمصر مثل الرئيس موسى القرطبي صاحب التصانيف المشهورة ومن هو في طبقته ولازم عمي لجمال الدين ابن أبي الحوافر واشتغل عليه بصناعة الطب وأول اشتغال عمي بالعلم أنه كان عند تقي المعلم وهو أبو التقي صالح بن أحمد إبراهيم بن الحسن بن سليمان العرشي المقدسي وكان هذا تقي يعرف علوماً كثيرة وكانت له سيرة حسنة في التعليم في الكتب وسياسة مشهورة عنه لم يكن أحد يقدر عليها إلا هو ولما أتقن عمي رحمه اللّه حفظ القرآن عند تقي وعلم الحساب وشرع في تعلم صناعة الطب والنظر فيه لازم جمال الدين بن أبي الحوافر وكان في ذلك الوقت رئيس الأطباء بالديار المصرية وصاحبها الملك العزيز عثمان بن عبد الملك الناصر صلاح الدين وقرأ عليه شيئاً من كتب جالينوس الستة عشر وحفظ منها الكتب الأولية في أسرع وقت‏.‏

ثم باحث الأطباء ولازم مشاهدة المرضى بالبيمارستان ومعرفة أمراضهم وما يصف الأطباء لهم وكان فيه جماعة من أعيان الأطباء ثم قرأ في أثناء ذلك علم صناعة الكحل وباشر أعمالها عند القاضي نفيس الدين الزبير وكان المتولي للكحل في ذلك الوقت في البيمارستان وكذلك أيضاً باشر معه في البيمارستان أعمال الجراح وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي يومئذ في القاهرة وكان صديقاً لجدي وبينهما مودة أكيدة فاشتغل عمي عليه بشيء من العربية والحكمة وكان يبحث معه في كتب أرسطوطاليس ويناقشه في المواضع المشكلة منها وكان يجتمع أيضاً بسديد الدين وهو علامة في العلوم الحكمية ويشتغل عليه‏.‏

وكان أيضاً قبل ذلك قد اشتغل بعلم النجوم على أبي محمد بن الجعدي وكان هذا الشيخ فاضلاً في علم النجوم متميزاً في أحكامه وكان لحق الخلفاء المصريين ويعد من الخواص عندهم وكان أبوه من أعيان الأمراء في دولتهم وأما صناعة الموسيقا فكان قد أخذها عن ابن الديجور المصري وعن صفي الدين أبي علي بن التبان ثم بعد ذلك أيضاً اجتمع بأعيان المصنفين في هذا الفن مثل البهاء المصلح الكبير وشهاب الدين النقجوني وشجاع الدين بن الحصن البغدادي ومن هو في طبقتهم وأخذ عنهم كثيراً من تصانيف العرب والعجم ولم يكن لعمي دأب في سائر أوقاته من صغره إلا النظر في العلوم والاشتغال وتكميل نفسه بالفضائل ولما عاد جدي إلى الشام وانتقل إليها وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وكان لعمي في ذلك الوقت من العمر نحو العشرين سنة شرع عمي في معالجة المرضى والتزيد في صناعة الطب وكان في دمشق الشيخ رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي وكان كثير الصداقة لجدي من السنين الكثيرة وسمع بعمي ولما شاهده ورأى تحصيله فرح به وبقي عمي يحضر مجلسه ويقرأ عليه ويبحث معه في صناعة الطب وباشر المرضى في البيمارستان الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي واشتغل أيضاً بالحكمة في ذلك الوقت على موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي لأنه كان أيضاً قد عاد إلى الشام وكان بدمشق أيضاً جماعة من أهل الأدب ومعرفة العربية مثل زين الدين بن معطي فلازمه واشتغل عليه مثل تاج الدين بن حسن الكندي أبي اليمن وكان صديقاً لجدي وبينهما مودة سالفة من عند عز الدين فرخشاه فلازمه عمي أيضاً واشتغل عليه بالعربية وأتقن عمي هذه العلوم بأسرها وصار شيخاً يقتدى به في صناعة الطب ويشتغل عليه بها وله من العمر دون الخمس وعشرين سنة وكان أيضاً يشعر ويترسل وكان يتكلم بالفارسية ويعرف تصاريف لغة الفرس وينظم شعراً بالفارسي وكان أيضا يتكلم بالتركي ولما كان في يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان سنة خمس وستمائة استدعاه السلطان الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب وسمع كلامه وحسن موقعه عنده وأنعم عليه وأمر أن ينتظم في خدمته فاتفقت تعاويق من حركات السلطان وبعد ذلك بأيام سمع به صاحب بعلبك وهو الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه ابن عز الدين فرخشاه بن شاهان شاه بن أيوب فبعث إليه يستدعيه ويستدعي جدي لأنه كان يعرفه من عهد أبيه فلما وصلا إليه تلقاهما وأحسن إليهما غاية الإحسان وأطلق لهما الجامكية والجراية والرتب وحسن موقع عمي عنده جداً حتى كان لا يفارقه في أكثر أوقاته ولما رأى علمه بالحساب وجودة تصرفه فيه طلب منه يريه شيئاً من الحساب فامتثل أمره وعرفه جملة منه وألف له كتاباً في الحساب يحتوي على أربع مقالات وكان للملك الأمجد رحمه اللَّه نظر في الفضائل ورغبة في أهلها وينظم شعراً جيداً وله ديوان مشهور‏.‏

ولما كان في سنة تسع وستمائة مرضت عيني خادم يقال له سليطة للسطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب وهو يعزه كثيراً وتفاقم المرض في عينيه حتى هلكت ويئس منها ورآه المشايخ من الأطباء والكحالين وكل عجز عن مداواته وأجمعوا أنه قد عمي وأن المداواة لم يبق لها فيه تأثير أصلاً لما رآه أبي وتأمل عينيه قال أنا أداوي عيني هذا ويبصر بهما إن شاء اللّه تعالى وشرع في مداواته وفي علاجه وعيناه في كل وقت تصلح حتى كملت عافيته وبرأ برءاً تاماً وركب وعاد إلى ما كان عليه أولاً حتى كان يتعجب منه وظهرت منه في مداواته معجزة لم يسبق إليها فأحسن الملك العادل ظنه به كثيراً وأكرمه غاية الإكرام من الخلع وغيرها وكان له قبل ذلك أيضاً تردد إلى الدور السلطانية بالقلعة بدمشق وداوى بها جماعة كانت في أعينهم أمراض صعبة فصلحوا في أسرع وقت‏.‏

وعرف بذلك أيضاً الملك العادل وقال مثل هذا يجب أن يكون معي في السفر والحضر وطلبه للخدمة فسأل أن يعفى وأن يكون مقيماً بدمشق فلم يجبه إلى ذلك وأطلق له جامكية وجراية واستقرت خدمته له في خامس عشر ذي الحجة سنة تسع وستمائة وكان حظياً عنده وعند جميع أولاده الملوك ويعتمدون عليه في المداواة وله منهم الإحسان الكثير والافتقاد التام ولم يزل في الخدمة إلى أن توفي الملك العادل رحمه اللَّه وملك دمشق بعده الملك المعظم فأمر أن يستمر في خدمته وكان له فيه أيضاً من حسن الاعتقاد والرأي مثل أبيه وأكثر وخدم الملك المعظم لاستقبال صفر سنة ست عشرة وستمائة ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المعظم رحمه اللَّه ورسم الملك الناصر داود ابن الملك المعظم بأن يستمر في خدمته وأن يجري له ما كان مقرراً في أيام والده فبقي معه إلى أن اتفق توجه الملك الناصر إلى الكرك فأقام أبي بدمشق وصار يتردد إلى القلعة لخدمة الدور السلطانية لكل من ملك دمشق من أولاد الملك العادل وغيرهم وكلهم يرون له ويعتمدون عليه في المداواة وله الجامكية والجراية والإنعام الكثير ويتردد أيضاً إلى بيمارستان نور الدين الكبير وله الجامكية والجراية والناس يقصدونه من كل ناحية لما يجدون في مداواته من سرعة البرء وأن أمراضاً كثيرة مما تكون مداواتها بالحديد يبرئها بذلك على أجود ما يمكن ومنها ما يعالجها بالأدوية ويبرئها بها ويستغني أصحابها عن الحديد وهذا المعنى قد مدحه جالينوس في كتابه في محنة الطبيب الفاضل وقال رأيت طبيباً يبرئ بالأدوية الأدواء التي يبرئها المعالجون بالحديد بالقطع فعد ذلك على أن له علماً ودربة وحذقاً قال وأحمد أيضاً من رأيته يبرئ بالأدوية وحدها من أدواء العين ما يعالجه غيره بالقطع مثل الظفرة والجرب والبرد والماء والغلظ والشعر وزيادة اللحم الذي في المآقي ونقصانه وأحمد أيضاً من رأيته حلل من العين مادة محتقنة فيها بسرعة أو رد الطبقة التي يقال لها العنابية بعد أن نتأت نتوءاً كثيراً إلى موضعها حتى لطئت أو ظهر منه غير ذلك مما هو شبيه في علاج العين بغير حديد هذا نص جالينوس وقد رأيت كثيراً من ذلك وأمثاله قد تأتى لأبي في المداواة وكثيراً أيضاً من أمراض العين التي قد يئس من برئها قد صلحت بمداواته كما قال فيه بعض من عالجه وبرأ على يديه وهو شمس العرب البغدادي لسديد الدين في الطب يد لم تزل تنقذ طرفاً من قذى كم جلت عن مقلة من ظلمة وأماطت عن جفون من أذى لا يعاني طب عين في الورى قط إلا حاذق كان كذا يا مسيح الوقت كم من أكمه بك أضحى مبصراً ذاك وذا فبآرائك للداء دوا وبألفا - - ظك للروح غذا لك عندي منن لو أنني شاكر أيسرها يا حبذا وشمس العرب هو أبو محمد عبد العزيز بن النفيس بن هبة اللّه بن وهبان السلمي ولم يزل أبي متردداً إلى الخدمة بقلعة دمشق وإلى البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه اللّه وكانت وفاته في ليلة الخميس الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وستمائة ودفن ظاهر باب الفريدس في طريق جبل قاسيون وذلك في أيام الملك الناصر يوسف بن محمد صاحب دمشق ولما كان عمي عند الملك الأمجد وأتى إلى بعلبك الملك المعظم لنجدة الملك الأمجد عند عداوته الإسبتار واجتمعوا كان عمي يجتمع معهم ولم يكن في زمانه من يعرف الموسيقا واللعب بالعود مثله ولا أطيب صوتاً منه حتى أنه شوهد من تأثر الأنفس عند سماعه مثل ما يحكى عن أبي نصر الفارابي فكثر إعجاب الملك المعظم به جداً وبعد ذلك أخذه إليه واستمر في خدمته من أول جمادى سنة عشر وستمائة وأطلق له الجامكية والجراية ولم يزل يواصله بالافتقاد والإنعام ولا يفارقه في أكثر أوقاته وكان يعتمد عليه في صناعة الطب وكذلك كان الملك الكامل محمد والملك الأشرف يعتمدان عليه وإذا حضر أحدهما عند أخيه الملك المعظم لا يزال عندهما وكان له منهما الإنعام الكثير وأعرف مرة قد حضر الملك الكامل عند أخيه الملك المعظم وكان عمي معهما وكانوا في مجلس الأنس فأعطى الملك الكامل له في تلك الليلة خلعة كاملة وخمسمائة دينار مصرية ولما كان الملك المعظم بدمشق ندبه أن يتولى كتابة الجيش وأكد عليه في ذلك فلم يسعه إلا امتثال أمره وقعد في الديوان وحضر عنده الجماعة والنواب وشرع في الكتابة أياماً ثم رأى أن أوقاته تمر بأسرها في الكتابة والحساب ولم يبق له وقت لنفسه ولاشتغاله في العلوم العقلية وغيرها فطلب من السلطان أن يعفيه من ذلك وتشفع إليه بجماعة من خواصه حتى أقاله‏.‏

ولما كان في سنة إحدى عشرة وستمائة حج الملك المعظم وحج عمي معه ولم يزل في خدمته إلى أن اتفقت نوبة عمنا في نصف شعبان سنة أربع عشرة وستمائة وتقدمت الفرنج وتخالف الطريق بين السلطان الكبير الملك العادل وولده المعظم فمضى عمي صحبة الملك العادل نحو دمشق ومضى الملك المعظم نحو نابلس ثم خرج عمي من دمشق صحبة الملك الناصر داود ابن الملك المعظم ولما وصلوا عجلون أمر برجوع ولده فرجعوا وبعد ذلك مرض عمي مرضاً وطال إلى آخر السنة المذكورة فرأى أن الحركة تضره وهو بالطبع يميل إلى الانفراد والاشتغال بالكتب استدعاه الملك العادل أبو بكر بن أيوب لما سمع بتحصيله وسيرته وذلك في الخامس من المحرم سنة خمس عشرةوستمائة وولاه طب البيمارستانين بدمشق اللذين وقفهما الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي فكان يتردد إليهما وإلى القلعة وقرر له جامكية وجراية وأطلقت له أيضاً ست الشام أخت الملك العادل جامكية في الطب وكان يتردد إلى دارها‏.‏

ولما أقام بدمشق وجعل له مجلساً عاماً لتدريس صناعة الطب واشتغل عليه جماعة وكلهم تميزوا في الطب وكان يجتمع في ذلك الوقت مع علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني وهو علامة وقته في العلوم الرياضية فقرأ عليه علم الهيئة وأتقنها في أسرع وقت ولقد كان علم الدين يوماً عنده وهو يريه أشكالاً في علم الهيئة وقال له وأنا أسمع واللّه يا رشيد الدين هذا الذي قد علمته في نحو شهر دأب غيرك في خمس سنين حتى يعلمه واجتمع أيضاً عمي في دمشق بالسيد الإمام العالم شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه وألبسه خرقة التصوف وذلك في العشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة وهذه نسخة ما كتبه له معها بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أنعم به المولى السيد الأجل الإمام العالم شيخ الشيوخ صدر الدين حجة الإسلام علم الموحدين أبو الحسن محمد ابن الإمام السيد الأجل العالم شيخ الشيوخ عماد الدين أبي حفص عمر بن أبي الحسن بن محمد بن حموية أدام اللّه تأييده من إلباس خرقة التصوف على مريده علي بن خليفة بن يونس الخزرجي الدمشقي وفقه اللّه على الطاعات ألبسه وأخبره أنه أخذها عن والده المذكور رحمه اللّه وأن والده أخذها عن أبيه شيخ الإسلام معين الدين أبي عبد اللّه محمد بن حموية رحمه اللّه وأنه أخذها عن الخضر عليه السلام والخضر عن رسول اللّه وأخذها جده أيضاً عن الشيخ أبي علي الفارندي الطوسي وأخذها المذكور عن شيخ وقته أبي القاسم الكركاني وأخذها أبو القاسم عن الأستاذ الإمام أبي عثمان المغربي وأخذها أبو عثمان عن شيخ الحرم أبي عمرو الزجاجي وأخذها المذكور عن سيد الطائفة الجنيد بن محمد وأخذها الجنيد عن خاله سري السقطي عن معروف الكرخي عن علي بن موسى الرضا عليه السلام وصحيه وتأدب به وخدمه وأخذ علي عن أبيه موسى بن جعفر الكاظم عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن علي الباقر عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام وأخذها علي كرم اللّه رجهه عن سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وأخذ معروف أيضاً عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن سيد التابعين الحسن البصري عن علي عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان لباسه الخرقة أعاد اللّه عليه من بركاتها وعلى جميع من تشرف بها في العشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة بدمشق المحروسة‏.‏

وبين الأسطر بخط المولى صدر الدين شيخ الشيوخ ما هذا مثاله ألبست الخرقة للمذكور وفقه اللّه تعالى وكتب ابن حمويه أبو الحسن بن عمر بن أبي الحسن بن محمد في شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة حامداً لربه ومصلياً على رسوله ومستغفراً من ذنوبه ولما كان في سنة ست عشرة وستمائة وصل إلى عمي كتاب من الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل بخطه وهو يطلب منه أن يتوجه إليه إلى مدينة بصرى ليعالج والدته ومرضى أُخر عنده ويعود وكان قد عرض في بصرى وباء عظيم فتوجه إليه وعالج والدته فصلحت في مدة يسيرة وأنعموا عليه بالذهب والخلع وعرضت لعمي حمى حادة فعاد إلى دمشق ولم يزل المرض يتزايد به وأعيان الأطباء ومشايخهم يلازمونه إلى أن انقضت مدة حياته وكانت وفاته رحمه اللّه في الساعة الثانية من يوم الاثنين سابع عشر شعبان سنةست عشرة وستمائة وله من العمر ثمان وثلاثون سنة ودفن عند أبيه وأخيه في ظاهر باب الفراديس ومن كلامه في الحكمة مما سمعته منه رحمه اللّه فمن ذلك وصية أول النهار قال قد أقبل هذا النهار وأنت فيه مهيأ لكل فعل فاختر لنفسك أفضلها لتوصلك إلى أفضل الرتب وعليك بالخير فإنه يقربك من اللّه ويحببك إلى الناس وإياك والشر فإنه يبعدك عن اللّه ويبغضك إلى الناس وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند انقضاء هذا النهار والحذر من أن يغلب شرك على خيرك وليس الفاضل من بقي على حالة الطبيعية مع عدم المؤذيات بل الفاضل من بقي عليها مع وجود المؤذيات والانقطاع عن الناس أكبر مانع للأذى واقبل وصايا الأنبياء واقتد بأفعال الحكماء وعليك بالصدق فإن الكذب يصغر الإنسان عند نفسه فضلاً عن غيره واحلم تشكر وتفضل فإن الحقد يعجل الهم ويوقع في العداوات والشرور وكذلك الحسد وتجنب الأشرار تكفَ الأذى وابعد عن أرباب الدنبا تكفَ الأشرار واقنع من دنياك بما تدفع به ضرورة بدنك واعلم أن نهارك هذا قطعة تذهب من حياتك فأنفقها فيما يعود عليك نفعه وإذا اندفعت ضرورة بدنك اقض باقي نهارك في مصلحة نفسك وافعل بالناس ما تشتهي أن يفعلوه بك وإياك والغضب والمبادرة إلى الانتقام من المغضب أو الانفصال عنه فإنه ربما أوقع في الندم وعليك بالصبر فإنه رأس كل حكمة‏.‏

وصية أول الليل قد انقضى نهارك بما فيه وأقبل عليك هذا الليل وليس لك فيه فعل بدني ضروري فاعطف على مصلحة نفسك بالاشتغال في العلم والفكر في الاطلاع على الحقائق ومهما استطعت اليقظة في ذلك فافعل فإذا أردت النوم فاجعل في نفسك ملازمة ما أنت فيه لتكون رؤياك من هذا الجنس وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند الصباح واحرص أن تكون في غدك أفضل من يومك المنقضي وإياك أن تجدبك الطباع إلى الفكر فيما عاينته في نهارك من أحوال أرباب الدنيا فتضيع وقتك وتنفتح لك أبواب الخداع والحيل والمكر في تحصيل أمور الدنيا وتظلم نفسك وتفسد حالك وتبعد عن الحقائق وتكتسب الأخلاق المذمومة ويعسر تخلصك منها لكن اعلم أن هذه أعراض زائلة لا فائدة فيها وإن ضرورات الإنسان قليلة جداً وفكر فيما يعود على نفسك نفعه وتهيأ للقاء اللّه فإن علمك بموتك متى يكون مستوراً عنك وما جاؤوك في أن يأتي يوم آخر عليك أقوى من وهمك أن تموت في هذه الليلة فودع بالثبات على ما تنتفع به بعد المفارقة والسلام‏.‏

وقال احترم المشايخ ولو سكتوا عن جواب سؤالك فلعل ذلك لبعد العهد وكلال القوى أو لأنك سألت عما لا يعنيك أو معرفتهم بعجز فهمك عن الجواب واعلم أن فوائدك منهم أكثر من ذلك‏.‏

وقال اشتغل بكلام المشهورين الجامعة أولاً فإذا حصلت الصناعة فاشتغل بالكتب الجزئية من كلام كل قائل عارياً عن محبة أو بغضة ثم زنه بالقياس وامتحنه إن أمكن بالتجربة وحينئذ اقبل الصحيح وإن أشكل فأشرك غيرك فيه فإن لكل ذهن خاصية بمعان دون معان‏.‏

وقال إذا أقدمك الأفاضل تقدم وإلا تأخرت‏.‏

وقال اطلب الحق دائماً تحظ بالعلم لنفسك وبالمحبة من الناس‏.‏

وقال طابق أعمالك الجزئية ما في ذهنك من القانون الكلي يتيقن علمك وتجود تجربتك وتتأكد تقدمة معرفتك وتكثر منافعك من الناس‏.‏

وقال اشتغل من الكلام بما قصد قائله التعليم فإذا حصلت الصناعة فأكدها بالاشتغال بكلام محبي الحق مبطلي الباطل فإذا تبرهن علمك وتيقن بحيث لا تقدح فيه الشكوك لا يضرك حينئذ في بعض أوقاتك مطالعة كتب المتشككين والجدليين فإن قصدهم إظهار قوتهم فيما يدعونه سواء كانوا يعلمونه علماً يقينا أم لا وسواء كان ما يدعونه حقاً أم باطلاً‏.‏

وقال إذا تطببت فاتق اللّه واجتهد أن تعمل بحسب ما تعلمه علماً يقيناً فإن لم تجد فاجتهد أن تقرب منه‏.‏

وقال إذا وصلت إلى رتبة المعلمين فلا تمنع مستحقاً وهو العاقل الذكي الخير الحكيم النفس وامنع من سواه‏.‏

وقال إذا رأيت أدوية كثيرة لمرض واحد فاختر أوفقها في حال حال‏.‏

وقال الأمراض لها أعمار والعلاج يحتاج إلى مساعدة الأقدار وأكثر صناعة الطب حدس وتخمين وقلما يقع فيه اليقين وجزآها القياس والتجربة لا السفسطة وحب الغلبة ونتيجتها حفظ الصحة إذا كانت موجودة وردها إذا كانت مفقودة وفيهما يتبين سلامة الفطر ودقة الفكر ويتميز الفاعل عن الجاهل والمجد في الطلب عن المتكاسل والعمّال بمقتضى القياس والتجربة عن المحتال على اقتناء المال وعلو المرتبة‏.‏

وقال إن بالعلم من الطول وعسر الحصول ولو سلك فيه الإيجاز والبيان جهد الإمكان مع طول الأعمار ودقة الأفكار وتعاون البشر وسلامةالفطر ما يعجز الناظر ويذبذب الخطر‏.‏

وقال انظر إلى أفعال الطبيعة إذا لم يعقها عائق واقتد بها في أفعالك‏.‏

وقال ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر‏.‏

وقال كلما انتظر الشيء استبعد زمانه واستقل مقداره‏.‏

وقال الخير منتظر فالظن فيه قليل‏.‏

وقال الظلم في الطباع وإنمايترك خوف معاد أو خوف سيف‏.‏

وقال لا تتم مصلحة إلا بمفاسد‏.‏

وقال القاصدون مصالحهم أكثر من المشفقين على مخلوقات اللّه تعالى بأضعاف مضاعفة‏.‏

وقال إن شئت المقام بين الناس مظلوماً فاحترز منهم أو غير مظلوم فاظلمهم وأما الحال الوسطى فلا تطمع بها‏.‏

وقال الانقطاع أفضل أوقات الحياة وقال الانقطاع أفضل السير وقال الانقطاع نتيجة الحكمة‏.‏

وقال الأردياء يطلبون مع من يفنون نهارهم في الحديث واللهو والبطالة وأنهم متى خلوا بأنفسهم تألموا مما يجدونه في أنفسهم من الرداءة والأخيار على خلاف ذلك لأنهم يأنسون بأنفسهم‏.‏

وقال أصل كل بلية الرغبة في الدنيا وقال طالما يلي الناس عن مصالحهم لتشبثهم بالدنيا ففاتتهم‏.‏

وقال عجبي لمن لا يعلم متى يموت ويعتقد سعادة وشقاء على أي حال كانت كيف يركن إلى الدنيا ويهمل المهم من أمره وقال ما أكثر الملتذين بالآمال من غير الشروعفي بلوغها‏.‏

وقال الآمال أحلام اليقظان‏.‏

وقال لكل وقت أشغال كثيرة فليفعل فيه أهمها‏.‏

وقال كيف حال من يهمل مهماته في أوقاتها مؤملاً أن ستأتي أوقات أخرى لها مدافعاً من كل وقت إلى غيره إلى أن يموت مؤملاً وقال ما دمت في حال تقدر على تدبير جسدك ورياضة نفسك بحسب استعدادهما غير مقتر ولا مسرف فلا تنتقل إلى غيره فإن لك محركاً لو رمت السكون لما أمكنك وكم من متنقل إلى حال خالها أفضل ألفاها أخس وقال لا تعاد السعيد فضد السعيد الشقي وقال إن ألقى كلِّ من عدوين همته على الآخر أسعدهما جداً يقهر عدوه ولذلك أمر بإجماع الهمم عند طلب الأمور العظيمة لتقوم مقام الهمة الواحدة المعانة بالتأييد السماوي وقال احرص على اتخاذ الناس إخواناً وإياك وسهام الهمم فإنها صائبة وقال احذروا أذية العلماء فإنهم آل اللّه وقال ما ظلم ذو علم حقيقي إلا كشف اللّه ظلامته ونره وخذل ظالمه قريباً وقال إن للّه أحباباً يحرسهم بعينه التي لا تنام هم العلماء وقال العلماء هم السعداء على الحقيقة وقال سعداء الدنيا على اصطلاح الجمهور ما لم تصدر عنهم الخيرات فهم الأشرار وقال قد ينطق إنسان في وقت ما بالحكمة فإذا طلب من نفسه ذلك في وقت آخر لم يجده وقال من صاحب الجهال على جهالتهم وجذبه حب الدنيا إلى الحضور في مجالسهم فناله شرهم فليسلم نفسه وقال أصلح الميزان ثم زن به وقال إذا صرت ذا عقل هيولاني صرت إنساناً بالفعل بقول مطلق وقال ثق بعلمك إذا لم يقدح فيه الاعتراض وقال نعم الرأي الواحد وقال نعم الرأي المتناسب وقال العمل في الرأي بحسب غاية تصدر به لا بحسب المصلحة المطلقة وقال نعم الرأي الحادث بين المستشير الصادق والمستشار الأمين العاقل وقال لا تثق إلا بمعتقد في شيء ما يرجوه ويخافه متيقن أنه لا حق إلا اعتقاده فأما الشاك فيما يعتقده أو من لا يعتقد شيئاً البتة فلا تثق به ولا تتخذه صاحباً وذلك المعتقد المتيقن اعتقاده إن كان غير أهل ملتك فاحذره أيضاً لأنه يعتقد فيك الكفر بمعتقده فيتخذك عدواً فيفعل بك فعل الأعداء وقال ثق بالدين من أهل دينك وقال تيقن أن صحة الاعتقاد سبب لملازمة الأعمال الدينية وملازمة الأعمال الدينية قد تكون دليلاً على تيقن صحة الاعتقاد وقد يفعلها فاعلها تابعاً لغيره غير عالم بشيء آخر وقد يفعلها تقية وعلامتها إذا كانت تابعة لتيقن صحة الاعتقاد ظهور الآثار الإلهية عليها وعدل سائر سيرة فاعلها من نفسه مع جميع المخلوقات وقال الحرية نعم العيش وقال القناعة باب الحرية وقال من قدر على العيش الكفاف بحسب ضروراته ثم ملك نفسه لغير رغبة في فضول العيش فهو أحمق الحمقاء وقال ما أقل ضرورات الإنسان لو أنصف نفسه وقال اجتنب الإلف بأهل الدنيا فإنهم يشغلونك إن وجدتهم ويحزنونك إن فقدتهم وقال اصحب عند ضجرك من تبعدك صحبته مما كنت فيه وقال فقد الخليل مؤذن بالرحيل وقال الحكيم إن أسأت إليه أو توهم أنك أسأت إليه وإن لم تسيء فقد تنتفع عنده بالتنصل إن كنت بريئاً وبالاعتذار إن كنت مسيئاً فأما الحقود فمتى أشعرت بأنه توهم منك إساءة عدم نفع أو مخالفة أمر فاحذره فإنه لا يزال في خاطره التدبير في أذيتك وقال الأصدقاء كنفس واحدة في أجساد متفرقة وقال الطبيب مدبر لبدن الإنسان من حيث هو مقارن لنفسه و لا من حيث هو بدن إنسان بالقول المطلق وهذا التركيب من أشرف التراكيب فينبغي أن يكون معانيه من أشرف الناس وقال المال مغناطيس أنفس الجهلاء والعلم مغناطيس أنفس العقلاء وقال رأيت الجهلاء يعظمون أرباب الأموال مع تيقنهم أنهم لا ينيلونهم منه شيئاً إلا ثمن متاع أو أجرة صناعة كما ينالونه من الفقراء وقال خير العلماء من ناسب علمه عقله وقال إذا أمكن الانقطاع من الناس بأقل المقنعات فهو أفضل الأحوال وقال إذا كنت تشفق على مالك فلا تنفق شيئاً منه إلا في المهم فأحرى أن تفعل ذلك في عمرك وقال الحكمة الاقتداء باللَّه تعالى وقال إنما يطلع الإنسان على عيوب نفسه من اطلاعه على عيوب الناس وقال إذا لزمت نفسك الخلق الجميل فكأنك أكرمتها غاية الكرامة وذلك أنك إذا لم تغضب مثلاً والناس كلهم يغضبون فأنت أفضل الناس من هذا الوجه وقال بقدر ما لكل ذات من الكمال لها من اللذة بقدر ما في كل ذات من النقص فيها من الألم وقال أكثر من مطالعة سير الحكماء واقتد منها بما يمكن الاقتداء به في زمانك وقال قو نفسك على جسدك وقال أصلح كيفية الغذاء واقتصد في كميته وقال اكتف من غذاء الجسم بما يحفظ قواه وإياك والزيادة فيها واستكثر من غذاء النفس وقال غذاء النفس بالعلوم على التدريج فابتدئ بالسهل القليل وتدرج فإنها تشتاق حين تقوى وتعتاد إلى الصعب الكثير فإذا صار لها ملكة سهل عليها كل شيء قال المعدة القوية تهضم جميع ما يرد إليها من أنواع الأغذية والنفس الفاضلة تقبل جميع ما يرد عليها من العلوم وقال ما لم تطق التوحد فأنت مضطر إلى مصاحبة الناس وقال صاحب الناس بما يرضيهم ولا تطرح جانب اللَّه تعالى وقال كتب بعضهم إلى شيخه يشكو تعذر أموره فكتب إليه إنك لن تنجو مما تكره حتى تصبر عن كثير مما تحب ولن تنال ما تحب حتى تصبر على كثير مما تكره والسلام وقال اشكر المحسن ومن لا يسيء واعذر الناس فيما يظهر منهم ولا تلمهم فلكل من الموجودات طبع خاص وقال استحسن للناس ما تستحسنه لنفسك واستقبح لنفسك ما تستقبحه لهم وقال لا تخل فعلاً من أفعالك من تقوى اللَّه تعالى وقال أطع اللَّه محقاً يطعك الناس وقال لا شيء أنجع في الأمور من الهمة الصادقة وقال خذ من كل شيء ما يوصلك إلى الغاية التي وضع من أجلها وقال كل مايحصل بالعرض فلا تثق به وقال اخضع للناس وخاصة العلماء والمشايخ ولا تزدر أحداً فطالما كتم العالم علمه ليتخير له من يودعه إياه كما يتخير الفلاح الأرض وقال اشتغل من كل علم بكلام أربابه الأول وقال استكثر من العناية بالكتب الإلهية المنزلة ففيها كل حكمة وقال أكثر من صحبة المشايخ فإما أن تستفيد من علمهم وإما من سيرتهم وقال إذا تأملت حركات الفضلاء وسكناتهم وجدت فيها حكماً جمة وقال رأيت المهم عند أكثر الناس ما يجتلبون به المال وقال ما أكثر ما يسمع الناس الوصايا النبوية والحكمية ولا يستعملون منها إلا ما يجتلبون به المال وقال ما أشد ركون الناس إلى اللذات الجسمانية وقال لا تخل وقتك الحاضر من الفكر في الآتي وقال من لم يفكر في الآتي أتى قبل أن يستعد له وقال القناعة سبب كل خير وفضيلة وقال وبالقناعة يتوصل إلى كل مطلوب وقال القانع مساعد على بلوغ مآربه وقال اقصد من الكمال الإنساني الغاية القصوى فإن لم يكن في قوتك الوصول إليها فإنك تصل إلى ما في قوتك أن تصل إليه وإذا قصدت الكمال التالي لكمالك آملاً إذا وصلته أن تقصد ما يليه فربما ركنت إلى الراحة وقنعت بدون ما تستحقه وقال احرص على أن لا تخل بشيء من العبادات البدنية فإنها نعم المعين الموصل إلى العبادات النفسانية وقال كفى بالوحدة شرفاً أن اللَّه تعالى واحد وقال كلما تمحضت الوحدة كانت أشرف لأن وحدة اللَّه تعالى لا يشوبها كثرة من وجه أصلاً وقال اعتصم باللّه تعالى وتوكل عليه وثق به محقاً يحرسك ويكفيك كل مؤونة ولا يخيب لك ظناً وقال اجعل الملة عضدك وأهلها إخوانك ولا تركن إلى الدول فإن الملل هي الباقية وقال عود نفسك الخير علماً وعملاً تلق الخير من اللَّه تعالى ومن الناس عاجلاً وآجلاً وقال لا تطمع بالانقطاع ما دام لك أدنى طمع وقال لو وقف الضعيف عند قدره لأمن كثيراً من الأخطار وقال ليت شعري بما أعتذر إذا علمت ولم أعمل أرجو عفو اللَّه تعالى ومن شعره وهو مما سمعته من لفظه رحمه اللّه فمن ذلك قال يا صاحبي سلا الهوى وذراني ماذا تريدا من مشوق عاني لا تسألاه عن الفراق وطعمه إن الفراق هو الممات الثاني نادى الحداة دنا الرحيل فودعوا ففجعت في قلبي وفي خلاني وسرت ركائبهم وقد غسق الدجى فأضاء ممن سار في الأظعان ما كنت أعلم أن بعدك قاتلي حتى فعلت وغرني سلواني وبكيت وجداَ بعد ذاك فلم أجد أني وقد صار اللقاء أماني وقال في صفة مجلس سقياً ليوم تم السرور بنا فيه وكأس الشمول تجمعنا والدهر ولت عنا حوادثه ونحن في لذة ونيل منى بمجلس كامل المحاسن لو به يحل الجنيد لافتتنا حديثهم لا يمل سامعه لطيبه العين تحسد الأذنا إخوان صدق صفت ضمائرهم أولو عفاف لا يضمرون خنا أهل سماح ما أن يزال لهم صنع له في الأنام طيب ثنا ننشد أغزالنا ونلغزها باسم غزال أضحى يغازلنا في يوم دجن تهمي سحائبه كأنها كف رب منزلنا وعند منقل تلألأ في أرجائه الناس فهي تدفئنا تجاهه شادن وفي يده طير كصب لديه ذاب ضنا كأنه إذ غدا يقلبه في النار قلبي الذي قد ارتهنا ظلت كؤوس المدام طاردة للهم حيث السرور عكرنا نسر ما بيننا الحديث ولا نبديه خوف الوشاة تسمعنا فما ترانا عين لذي بصر إلا عيون الحباب ترمقنا وأطيب العيش ما نكتمه خوفاً وإن كان سرنا علناً وسنان ما لجفون عاشقه من رائد التسهيد من بد وكأن ريقته معتقة مشمولة بالماء والند لكنه أضحى يعارضني بالهجر والإعراض والصد فلأصبرن على ملالته فعسى عليه تصبري يجدي وقال أيضاً قد رق لي ورق الحمى في لعلع بالنوح في الدوح ففاضت أدمعي ناحت مراء من حنين قلبها ونحت نوح ثاكل مفجع ودعتهم ثم رجعت عادماً قلبي وهم يا خيبة المودع وقلت يا روحي بيني فلقد بانوا وإن لم يرجعوا لا ترجعي وقال لغزاً في أبو الكرام يا سائلي عمن لعيني حلا فكر فقد جئتك بالمشكل ذو تسعة تعد لها شاء في أعدادها فافهم ولا تغفل وثامن الأحرف كالرابع المع روف والرابع كالأول هذا اسم من أهوى فإن كنت ذا معرفة فأخبر ولا تمطل وقال لغزاً في أتش يا سائلي عن الأقمار تحكيه مهلاً فإني طول الدهر أخفيه مركب الاسم من تاء ومن ألف وسدس ثالثه نصف لثانيه وأول الاسم عشر الياء فاصغ لما أقول واكتمه إني لا أسميه وقال حرم بعد القوم آرابه صبُّ غدا يندب ما صابه ودّع من يهواه ثم انثنى يعالج الموت وأسبابه قال له صاحبه هكذا جزاء من فارق أحبابه وقال أيضاً ثلاثون عاماً من حياتي مضت وما يئست ولا نولت بعض مطالبي تعاندني الأيام عمداً وإنني صبور على البلوى منيع الجوانب تقربت من حظي بكل فضيلة وفضل فجازاني بضيق المذاهب هي الدنيا فلا تغتر منها بشيء إنه عرض يزول ولعمي رشيد الدين علي بن خليفة من الكتب كتاب الموجز المفيد في علم الحساب أربع مقالات ألفه للملك الأمجد صاحب بعلبك وذلك في شهر صفر سنة ثمان وستمائة وهم في المخيم بالطور كتاب في الطب ألفه للملك المؤيد نجم الدين مسعود بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وقد استقصى فيه ذكر الأمور الكلية من صناعة الطب ومعرفة الأمراض وأسبابها ومداواتها كتاب طب السوق ألفه لبعض تلامذته وهو يشتمل على ذكر الأمراض التي تحدث كثيراً ومداواتها بالأشياء السهلة الوجود التي قد اشتهر التداوي بها مقالة في نسب النبض وموازنته إلى الحركات الموسيقارية مقالة في السبب الذي له خلقت الجبال ألفها للملك الأمجد كتاب الأسطقسات تعاليق ومجربات في الطب‏.‏

بدر الدين ابن قاضي بعلبك هو الحكيم الأجل العالم الكامل بدر الدين المظفر ابن القاضي الإمام العالم مجد الدين عبد الرحمن بن إبراهيم كان والده قاضياً ببعلبك ونشأ هو بدمشق واشتغل بها في صناعة الطب وقد جمع اللّه فيه من العلم الغزير والذكاء المفرط والمروءة الكثيرة ما تعجز الألسن عن وصفه قرأ صناعة الطب على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللَّه وأتقنها في أسرع الأوقات وبلغ في الجزء العلمي والعملي منها إلى الغايات وله همة عالية في الاشتغال ونفس جامعة لمحاسن الخلال ووجدت له في أوقات اشتغاله من الاجتهاد ما ليس لغيره من المشتغلين ولا يقدر عليه سواه أحد من المتطببين كان لا يخلي وقتاً من التزيد في العلم والعناية في المطالعة والفهم وحفظ كثيراً من الكتب الطبية والمصنفات الحكمية ومما شاهدته من علو همته وجودة قريحته أن الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي كان قد صنف مقالة في الاستفراغ وقرأها عليه كل واحد من تلامذته وأما هو فإنه شرع في حفظها وقرأها عليه من خاطره غائباً من أولها إلى آخرها فأعجب الشيخ مهذب الدين ذلك منه وكان ملازماً له مواظباً على القراءة والدرس‏.‏

ولما خدم الشيخ مهذب الدين الأشرف موسى ابن الملك العادل وكان في بلاد الشرق وسافر الحكيم مهذب الدين إلى خدمته وذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة وتوجه الحكيم بدر الدين مع الشيخ مهذب الدين ولم يقطِع الاشتغال عليه ثم خدم الحكيم بدر الدين بالرقة في البيمارستان الذي بها وصنف مقالة حسنة في مزاج الرقة وأحوال أهويتها وما يغلب عليها وأقاما بها سنين واشتغل بها في الحكمة على زين الدين الأعمى رحمه اللَّه وكان إماماً في العلوم الحكمية ثم أتى بدر الدين إلى دمشق ولما تمالك الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين مودود ابن الملك العادل دمشق وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة استخدمه وكان حظياً عنده مكيناً في دولته معتمداً عليه في صناعة الطب وولاه الرياسة على جميع الأطباء والكحالين والجرائحيين وكتب له منشوراً بذلك في شهر صفر سنة سبع وثلاثين وستمائة فجدد من محاسن الطب ما درس وأعاد من الفضائل ما دثر وذلك أنه لم يزل محباً لفعل الخيرات مفكراً في المصالح في سائر الأوقات‏.‏

ومما وجدته قد صنعه من الآثار الحسنة التي تبقى مدى الأيام ونال بها من المثوبة أوفر الأقسام أنه لم يزل مجتهداً حتى اشترى دوراً كثيرة ملاصقة للبيمارستان الكبير الذي أنشأه ووقفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه اللَّه وتعب في ذلك تعباً كثيراً واجتهد بنفسه وماله حتى أضاف هذه الدور المشتراة إليه وجعلها من جملته وكبر بها قاعات كانت صغيرة للمرضى وبناها أحسن البناء وشيدها وجعل الماء فيها جارياً فتكمل بها البيمارستان وأحسن في فعله ذلك غاية الإحسان ولم يزل يدرس صناعة الطب وخدم أيضاً الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل لمداواة الأدر السعيدة بقلعة دمشق ومن يلوذ بها والتردد إلى البيمارستان ومعالجة المرضى فيه وكتب له منشوراً برياسته أيضاً على جميع الأطباء وذلك في وخدم أيضاً لمن أتى بعده من الملوك الذين ملكوا دمشق وله منهم الجاري المستمر والراتب المستقر والمنزلة العلية والفواضل السنية وهو ملازم التردد إلى القلعة والبيمارستان ودائم التزايد في العلم في سائر الأزمان ومما وجدته من علو همته وشرف أرومته أنه تجرد لعلم الفقه فسكن بيتاً في المدرسة القليجية التي وقفها الأمير سيف الدين علي بن قليج رحمه اللَّه وهي مجاورة لدار الحكيم بدر الدين فقرأ الكتب الفقهية والفنون الأدبية وحفظ القرآن حفظاً لا مزيد عليه وعرف التفسير والقراءات حتى صار فيها هو المشار إليه واشتغل بذلك على الشيخ الإمام شهاب الدين أبي شامة رحمه اللّه وليس للحكيم بدر الدين دأب إلى العبادة والدين والنفع لسائر المسلمين ولم يزل يبلغني تفضله ويصلني إنعامه وتفضله وكان وصل إلي من تصنيفه كتاب مفرج النفس فكتبت إليه في رسالة وقف الملوك على ما أودعه مولانا الحكيم الإمام العالم بدر الدين أيد اللَّه سعادته وأدام سيادته في كتابه المعجز ولفظه الموجز الموسوم بمفرح النفس الموجد للسرور والأنس الذي أربى به على القدماء وعجز سائر الأطباء والحكماء وتقلبت الأدوية القلبية منه فرقاً وصار الرئيس مرؤوساً في هذا المرتقى ولا غرو صدور مثله عن مولانا وهو شيخ الأوان وعلاّمة الزمان فاللّه يجعل حياته مقروناً بها السعادة ويملأ الآفاق من تصانيفه لتكثر منها الإفادة‏.‏

تكاد لنور بدر الد - - ين تخفى طلعة الشمس حكيم فاضل حبر شريف الخيم والنفس وأدرى الناس في طب وعلم النبض والحبس خبير بالتداوي عن يقين ليس عن حدس فمن بقراط والشيخ من اليونان والفرس فكم أوجد من برء وكم أنقذ من عكس سما في الرأي عن قيس وفي الألفاظ عن قس وقد أهدى إلى قلبي كتاب مفرح النفس كتاب حل تأييد به في عالم القدس تجلى نور معناه لنا في ظلمة النفس وما أحسن زهر الخط في روض من الطرس بدت أبكار أفكار فكان الطرف في عرس مما كتبته إليه أيضاً في كتاب مولاي بدر الدين يا من له فضائل تتلى وإحسان ومن علا في المجد حتى لقد قصر عن علياه كيوان ومن إذا قال فمن لفظه يحسب ذيل العي سحبان شوقي إلى لقياك قد زاد عن حد وصدق الود برهان لم تخل عن فكري ومالي بما أنعمت طول الدهر نسيان أدام اللّه أيام المجلس السامي الأجلي المولوي الحكيمي العالمي الفاضلي الصدري الكبيري المخدومي علامة عصره وفريد دهره بدر الدنيا والدين عمدة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين حرس اللّه معاليه وبلغه في الدارين نهاية أمانيه وكبت حسدته وأعاديه ولا زالت السعادة مخيمة بفنائه والألسن مجتمعة على شكره وثنائه المملوك ينهي أن عنده من تزايد الأشواق إلى الخدمة ما لو أن له فصاحة الشيخ الرئيس مع طول عبارة الفاضل جالينوس لقصر عن ذكر بعض ما يجده من برح لأشواق ومكابدة ما يشكوه من ألم الفراق وهو يبتهل إلى اللّه تعالى في تسهيل الاجتماع السار وتيسير اللقاء على الاختيار والإيثار ولما اتصل بالملوك ما صار إلى المولى من رياسته على سائر الأطباء وما خصهم اللّه تعالى بذلك من النعمة وأسبغ عليهم من زيل الآلاء وجد نهاية الفرح والسرور وغاية ما يتوخاه من الحبور وتحقق أن اللَّه تعالى قد نظر إلى الجماعة بعين رعايته وشملهم بحسن عنايته وأن هذه الصناعة قد علا مقدارها وارتفع منارها وصار لها الفخر الأكبر والفضل الأكثر والسعد الأسمى والمجد الأسنى وقد شرف وقتها به على سائر الأوقات وصارت حال العلم حينئذ على خلاف ما ذكره ابن الخطيب في الكليات فلله الحمد على ما أولى من نعمه الشاملة ومننه الكاملة والمولى هو من جعلت أمور هذه الصناعة لديه وفوضت رياسة أهلها وأربابها إليه‏.‏

ولم تك تصلح إلاَّ له ولم يك يصلح إلا لها فإن شواهد المجد لم تزل توجد من شمائله وأعلام السؤدد تدل على فضائله وفواضله فاللّه تعالى يؤيده فيما أولاه ويسعده في آخرته وأولاه إن شاء اللّه تعالى ومما قلته أيضاً وكتبت به إليه في سنة خمس وأربعين وستمائة‏.‏

لمملوك يقبل اليد المولوية الحكيمية الأجلية العالمية والفاضلية الرئيسية الصدرية الأوحدية البدرية أدام اللَّه لها التأييد والنعماء وضاعف من منائحها على أوليائها الآلاء وكَبَت بدوام سعودها الحسدة والأعداء ولا زالت في نعم متوالية وعوارف دائمة وغير زائلة ما تتابعت الأيام في السنين وتلازمت حركة القلب والشرايين ويواظب لمولانا بحسن الدعاء الذي ما زال عرف أنفاسه متضوعاً والثناء الذي ما انفك أصله الثابت متفرعاً متنوعاً ويواصل بالمحامد التي ما برح نشرها في مجالس المجد والشكر نافحاً متأرجحاً والمدائح التي ما فتئ وجه محاسنها أبداً متبرجاً متبلجاً وينهي ما عنده من كثرة الأشواق والأتواق التي تستوعبها العبارة ولا تسعها الأوراق غير أنه يعول على إحاطة علم مولانا بصدق محبته وولائه واعتداده بجزيل أياديه وآلائه وإن كتاب والد المملوك ورد إليه ببشارة ملأت قلبه سروراً ونفسه حبوراً بنظر مولانا في سائر الأطباء ورياسته واشتماله عليهم بحسن رعايته وعنايته ووصف من إنعام مولانا عليه وإحسانه إليه ما المعهود من إحسانه والمشهور من تفضله وامتنانه ومولانا فهو أعلم بطرق الكرم وأدرى بأن المعارف في أهل النهي ذمم فاللَّه يجعل مولانا أبداً فاعلاً للخيرات بالغاً في المعالي أرفع الدرجات دائم السعادة موقى من الآفات وهذا دعاء لو سكت كفيته لأني سألت اللّه فيك وقد فعل ومولانا فتتجمل به المناصب العالية وتتشرف بحسن نظره المراتب السامية فإنه قد سما بفضله وأفضاله على كل من عرف الفضل واشتهر وتميز على أبناء زمانه بمحاسن الآداب وميامن الأثر وهذا هنا عام لسائر الأطباء وجملة الأولياء والأحباء وتقاسم الناس المسرة بينهم قسماً فكان أجلهم حظاً أنا المملوك يجدد تقبيل اليد المولوية للنعم ويستعرض الحوائج والخدم ولبدر الدين ابن قاضي بعلبك من الكتب مقالة في مزاج الرقة وهي بليغة في المعنى الذي صنفت فيه كتاب مفرج النفس استقصى فيه ذكر الأدوية والأشياء القلبية على اختلافها وتنوعها وهو مفيد جداً في فنه وصنفه للأمير سيف الدين المشد أبي الحسن علي بن عمر بن قزل رحمه اللَّه كتاب الملح في الطب ذكر فيه أشياء حسنة فوائد كثيرة من كتب جالينوس وغيرها‏.‏

 

شمس الدين محمد الكلي

هو الحكيم الأجل الأوحد العالم أبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم بن أبي المحاسن كان والده أندلسياً من أهل المغرب وأتى إلى دمشق وأقام بها إلى أن توفي رحمه اللَّه ونشأ الحكيم شمس الدين محمد بدمشق وقرأ صناعة الطب على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه ولازمه حق الملازمة وأتقن عليه حفظ ما ينبغي أن يحفظ من الكتب الأوائل التي يحفظها المشتغلون في الطب وبالغ الحكيم شمس الدين في ذلك حتى حفظ أيضاً الكتاب الأول من القانون وهو الكليات جميعها حفظاً متقناً لا مزيد عليه واستقصى فهم معانيه ولذلك قيل له الكلي وقرأ أيضاً كثيراً من الكتب العلمية وباشر أعمال الصناعة الطبية وهو جيد الفهم غزير العلم لا يخلي وقتاً من الاشتغال ولا يخل بالعلم في حال من الأحوال حسن المحاضرة مليح المحاورة وخدم بصناعة الطب الملك الأشرف موسى بن الملك العادل بدمشق ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الأشرف رحمه اللَّه ثم خدم بعد ذلك في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي رحمه اللَّه وبقي مدة وهو يتردد إليه ويعالج المرضى فيه‏.‏

موفق الدين عبد السلام

لقد جمع الصناعة الطبية والعلوم الحكمية والأخلاق الحميدة والآراء السديدة والفضائل التامة والفواضل العامة أصله من بلد حماة وأقام بدمشق واشتغل على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وعلى غيره وتميز في صناعة الطب ثم سافر إلى حلب وتزيد في العلم وخدم الملك الناصر يوسف بن محمد بن غازي صاحب حلب وأقام عنده ولم يزل في خدمته إلى أن تملك الملك الناصر يوسف بن محمد دمشق فأتى في صحبته وكان معتمداً عليه كثير الإحسان إليه وقلت هذه القصيدة أتشوق فيها إلى دمشق وأصفها وأمدحه بها وأن تسمح الأيام من بعد جورها بعدل وأني بالأحبة نلتقي فكم لي إلى أطلالها من تشوف وكم لي إلي سكانها من تشوق ترنحني الذكرى إليه تشوقاً كما رنحت صرف المدام المعتق ومن عجب نار اشتياق بأضلعي لها لهب من دمعي المترقرق لقد طال عهدي بالديار وأهلها وكم من صروف البين قلبي قد لقي ولو كان للمرء اختيار وقدرة لقد كان من كل الحوادث يتقي ولكنها الأقدار تحكم في الورى وتقضي بأمر كنهه لم يحقق دمشق هي القصوى لمن كان قصده يرى كل حسن في البلاد وينتقي فصفها إذا ما كنت بالعقل حاكماً فوصف سواها من قبيل التحمق وما مثلها في سائر الأرض جنة فدعِ شعبَ بوّان وذكر الخورنق بها الحور والولدان تبدو طوالعاً شموساً وأقماراً بأحسن رونق وأنهارها ما بين ماد مسلسل من الريح أو ماء من الدفق مطلق ولما قصد التردد إلى دمشق وسمع بذلك أهلها توجه الحكيم موفق الدين إلى مصر وأقام بها مدة ثم خدم بعد ذلك الملك المنصور صاحب حماة وأقام عنده بحماة وله منه الإحسان الكثير والفضل الغزير والآلاء الجزيلة والمنزلة الجليلة‏.‏

موفق الدين المنفاخ

هو الحكيم العالم الأوحد أبو الفضل أسعد بن حلوان أصله من المزة واشتغل بصناعة الطب وتمهر فيها وتميز في أعمالها وخدم الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب في الشرق وبقي في خدمته سنين وانفصل عنه وكانت وفاته في حماة سنة اثنتين وأربعين وستمائة‏.‏

نجم الدين بن المنفاخ

هو الحكيم الأجل العالم الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي الفضل أسعد بن حلوان ويعرف بابن العالمة لأن أمه كانت عالمة دمشق وتعرف ببنت دهين اللوز ونجم الدين مولده بدمشق في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وكان أسمر اللون نحيف البدن حاد الذهن مفرط الذكاء فصيح اللسان كثير البراعة لا يجاريه أحد في البحث ولا يلحقه في الجدل واشتغل على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بصناعة الطب حتى أتقنها وكان متميزاً في العلوم الحكمية قوياً في علم المنطق مليح التصنيف جيد التأليف وكان فاضلاً في العلوم الأدبية ويترسل ويشعر وله معرفة بالعود حسن الخط وخدم بصناعة الطب الملك المسعود صاحب آمد وحظي عنده واستوزره ثم بعد ذلك نقم عليه وأخذ جميع موجوده وأتى إلى دمشق وأقام بها واشتغل عليه جماعة بصناعة الطب وكان متميزاً في الدولة وكتب إليه الصاحب جمال الدين بن مطروح في جواب كتاب منه للّه در أنامل شرفت وسمت فأهدت أنجماً زهرا وكتابة لو أنها على المل كين ما ادعيا إذن سحرا لم أقر سطراً من بلاغتها إلا رأيت الآية الكبرى فاعجب لنجم في فضائله أنسى الأنام الشمس والبدرا وكان نجم الدين رحمه اللَّه لحدة مزاجه قليل الاحتمال والمداراة وكان جماعة يحسدونه لفضله ويقصدونه بالأذية وأنشدني يوماً متمثلاً وكنت سمعت أن الجن عن د استراق السمع ترجم بالنجوم فلما أن علوت وصرت نجما رميت بكل شيطان رجيم وفي آخر عمره خدم الملك الأشرف ابن الملك المنصور صاحب حمص بتل باشر وأقام عنده مديدة يسيرة وتوفي رحمه اللَّه في ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وستمائة وحكى لي أخوه لأمه القاضي شهاب الدين بن العالمة أنه توفي مسموماً‏.‏

ولنجم الدين بن المنفاخ من الكتب كتاب التدقيق في الجمع والتفريق ذكر فيه الأمراض وما تتشابه فيه والتفرقة بين كل واحد منها وبين الآخر مما تشابه في أكثر الأمر كتاب هتك الأستار في تمويه الدخوار تعاليق ما حصل له من التجارب وغيرها وشرح أحاديث نبوية تتعلق بالطب كتاب المهملات في كتاب الكليات كتاب المدخل إلى الطب كتاب العلل والأعراض كتاب الإشارات المرشدة في الأدوية المفردة‏.‏

عز الدين بن السويدي

هو الحكيم الأجل الأوحد العالم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد من ولد سعد بن معاذ من الأوس مولده في سنة ستمائة بدمشق ونشأ بها وهو علامة أوانه وأوحد زمانه مجموع الفضائل كثير الفواضل كريم الأبوة عزيز الفتوة وافر السخاء حافظ الإخاء واشتغل بصناعة الطب حتى أتقنها إتقاناً لا مزيد عليه ولم يصل أحد من أربابها إلى ما وصل إليه قد حصل كلياتها واشتمل على جزئياتها واجتمع مع أفاضل الأطباء ولازم أكابر الحكماء وأخذ ما عندهم من الفوائد الطبية والأسرار الحكمية مثل شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وغيره وقرأ أيضاً في علم الأدب حتى بلغ فيه أعلى الرتب وأتقن العربية وبرع في العلوم الأدبية وشعره فهو الذي عجز عنه كل شاعر وقصرت عنه الأوائل والأواخر لما قد حواه من الألفاظ الفصيحة والمعاني الصحيحة والتجنيس الصنيع والتطبيق البديع فهو الجامع لأجناس العلوم الحاوي لأنواع المنثور والمنظوم وهو أسرع الناس بديهة في قول الشعر وأحسنهم إنشاداً ولقد رأيت منه في أوقات ينشد شعراً على البديهة في معان مختلفة لا يقدر عليها أحد سواه ولا يختص بهذا الفن إلا إياه‏.‏

وكان أبوه رحمه اللَّه تاجراً من السويداء بحوران حسن الأخلاق طيب الأعراق لطيف المقال جميل الأفعال وكان صديقاً لأبي وبينهما مودة أكيدة وصحبة حميدة وكنت أنا وعز الدين أيضاً في المكتب عند الشيخ أبي بكر الصقلي رحمه اللّه فالمودة بيننا من القدم باقية على طول الزمان نامية في كل حين وأوان والحكيم عز الدين من أجل الأطباء قدراً وأفضلهم ذكراً وأعرف مداواة وألطف مداراة وأنجع علاجاً وأوضح منهاجاً ولم يزل طبيباً في البيمارستان النوري يحصل به للمرضى نهاية الأغراض في إزالة الأمراض وأفضل المنحة في اجتلاب الصحة‏.‏

وخدم أيضاً في البيمارستان بباب البريد وتردد إلى قلعة دمشق وكان مدرس الدخوارية وكان له جامكية في هذه الأربع جهات وكتب عز الدين بخطه كتباً كثيرة جداً في الطب وغيره فمنها خط منسوب طريقة ابن البواب ومنهاخط يشابه مولد الكوفي وكل واحد من خطيه فهو أبهى من الأنجم الزواهر وأزهى من فاخر الجواهر وأحسن من الرياض المونقة وأنور من الشمس المشرقة وحكى لي أنه كتب ثلاث نسخ من كتاب القانون لابن سينا ولما كان في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وصل إلى دمشق تاجر من بلاد العجم ومعه نسخة من شرح ابن أبي صادق لكتاب منافع الأعضاء لجالينوس وهي صحيحة معقولة من خط المصنف ولم يكن قبل ذلك منها نسخة في الشام فحملها أبي فكتب إليه عز الدين بن السويدي قصيدة مديحاً فمما على خاطري منها يقول وامنن فأنت أخو المكارم والعلى بكتاب شرح منافع الأعضاء وإعارة الكتب الغربية لم تزل من عادة العلماء والفضلاء فبعث إليه الكتاب وهو في جزءين فنقل منه نسخة في الغاية من حسن الخط وجودة النقط والضبط ومن شعره وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال فيما يعانيه ويعنيه من كلفة الخضاب بالكتم لو أن تغير لون شيبي بعيد ما فات من شبابي وأنشدني لما ألفت هذا الكتاب في تاريخ المتطببين المعروف بكتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء موفق الدين بلغت المنى ونلت أعلى الرتب الفاخرة حملت في التاريخ من قد مضى وإن غدت أعظمه ناخرة فخصك اللّه بإحسانه في هذه الدنيا وفي الآخرة وقال أيضاً وناسك باطنه فاتك يا - - ويح من يصغي إلى مينه منزله أحرج من صدره وخلقه أضيق من عينه ولعز الدين بن السويدي من الكتب كتاب الباهر في الجواهر كتاب التذكرة الهادية والذخيرة الكافية في الطب‏.‏

عماد الدين الدنيسري

هو الحكيم العالم الأديب الأريب عماد الدين أبو عبد اللَّه محمد بن القاضي الخطيب تقي الدين عباس بن أحمد بن عبيد الربعي ذو النفس الفاضلة والمروءة الكاملة والأريحية التامة والعوارف العامة والذكاء الوافر والعلم الباهر مولده بمدينة دنيسر في سنة خمس وستمائة ونشأ بها واشتغل بصناعة الطب اشتغالاً برع به فيها وحصل جمل معانيها وحفظ الصحة حاصلة واستردها زائلة وأول اجتماعي به كان بدمشق في شهر ذي القعدة سنة سبع وستين وستمائة فوجدت له نفساً حاتمية وشنشنة أخزمية وخلقاً ألطف من النسيم ولفظاً أحلى من مزاج التسنيم وأسمعني من نظمه الشعر البديع معناه البعيد مرماه الذي قد جمع أجناس التجنيس وطبقات التطبيق النفيس والألفاظ الفصيحة والمعاني الصحيحة فهو في علم الطب قد تميز على الأوائل والأواخر وفي الأدب قد عجّز كل ناظم وناثر هذا مع ما أنه في علم الفقه على مذهب الإمام الشافعي سيد زمانه وأوحد أوانه وسافر من دنيسر إلى الديار المصرية ثم رجع إلى الشام وأقام بدمشق وخدم الآدر الناصرية اليوسفية بقلعة دمشق ثم خدم في البيمارستان الكبير النوري بدمشق‏.‏

ومن شعره وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال باللّه يا قارئاً شعري وسامعه أسبل عليه رداء الحكم والكرم واستر بفضلك ما تلقاه من زللي فإن علمي قد أثرى من العدم وقال أيضاً وعذبني بالصد منه وكلما تجنى فما أشهاه عندي وما أحلى وحرمت نومي بعد ما صد معرضاً كما حلل الهجران أن حرم الوصلا غزال غزا قلبي بعامل قده ومكّن من أجفانه في الحشا نبلا فلا تعذلوني في هواه فإنني حلفت بذاك الوجه لا أسمع العذلا وقال أيضاً عذارك المخضر يا منيتي لما بدا في الخد ثم استدار وأقام عذري عند أهل الهوى وصح ما قيل عن الأعذار وكان في ذلك لنا أية إذ جمع الليلُ معاً والنهار وقال أيضاً غزال له بين الجوانح والحشا مقيل وفي قلبي مكان وإمكان فلا تطمع العذال مني بسلوة وإن رمت سلوانا فإني خوان ففي كبدي من فرط وجدي ولوعتي وفي الجفن نيران علي وطوفان وقال من أبيات بعثت من نار وجدي مني إليه رساله وقلت أنت حبيبي ومالكي لا محاله ولي عليك شهود معروفة بالعداله جسمي يذوب وجفني دموعه هطاله وقال أيضاً أما الحديث فعنهم ما أجمله والموت من جور الهوى ما أعدله قل للعذول أطلت لست بسامع بين السلوى وبين قلبي مرحله لا أنتهي من حب من أحببته ما دام قلبي والهوى في منزله ظبي تفيأ بالجمال على الورى يا ليت شعري صدغه من أرسله قد حل في قلبي وكل جوانحي فدمي له في حبه من حلله وحياة ناظره وعامل قده روحي بعارض خده متململه هب أنني متجنن في حبه فعذاره في خده من سلسله وقال أيضاً ولقد سألت وصاله فأجابني عنه الجمال إشارة عن قائل في نون حاجبه وعين جفونه مع ميم مبسمه جواب السائل وقال أيضاً في صاد مقلته إذا حققتها مع نون حاجبه وميم المبسم عذر لمن قد ضل فيه مولهاً فعلام يعذل فيه من لم يفهم وقال في مليح اسمه عيسى يا من هوى الاسم المسيح وقد حوى كأس الردى في الجفن والأحداق خالفت عيسى في الفعال وقد غدا يحيي وأنت تميت بالأشواق وقال يا من نقض العهد مع الميثاق ها حسنك زائل ووجدي باقي إن كنت عذرت فالوفا علمني أن أسلك في الهوى مع العشاق وقال أيضاً مولاي وحق من قضى لي بهواك ما أسعد يوماً فيه واللَّه أراك ولعماد الدين الدنيسري من الكتب المقالة المرشدة في درج الأدوية المفردة كتاب نظم الترياق الفاروق كتاب في المثروديطوس كتاب في تقدمة المعرفة لأبقراط أرجوزة كتاب ديوان شعر‏.‏

موفق الدين يعقوب السامري

هو الحكيم الأجل الأوحد العالم رئيس زمانه وعلامة أوانه أبو يوسف يعقوب بن غنائم مولده ومنشؤه بدمشق بارع في الصناعة الطبية جامع للعلوم الحكمية قد أتقن صناعة الطب علماً وعملاً واحتوى على جملتها تفصيلاً وجملاً محمود المداواة مشكور متعين عند الأعيان متميز في سائر الأزمان مؤيد في اجتلاب الصحة وحفظها في الأبدان واشتغل عليه جماعة من المتطببين وانتفع به كثير من المتطلبين وله التصانيف التي هي فصيحة العبارة صحيحة الإشارة قوية المباني بليغة الماني ولموفق الدين يعقوب السامري من الكتب شرح الكليات من كتاب القانون لابن سينا وقد جمع فيه ما قاله ابن خطيب الري في شرحه للكليات وكذلك ما قاله القطب المصري في شرحه لها وما قاله غيرهما وحرره في أقوالهم من المباحثات وقد أجاد في تأليفه وبالغ في تصنيفه حل شكوك نجم الدين بن المنفاخ على الكليات كتاب المدخل إلى علم المنطق والطبيعي

أبو الفرج بن القف

هو الحكيم الأجل العالم أيمن الدولة أبو الفرج ابن الشيخ الأوحد العالم موفق الدين بن إسحاق بن القف من نصارى الكرك مولده بالكرك في يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وستمائة كان والده موفق الدين صديقاً لي مستمراً في تأكيد مودته حافظاً لها طول أيامه ومدته تستحلى نفائس مجالسته وتستجلى عرائس مؤانسته ألمعي أوانه وأصمعي زمانه جيد الحفظ للأشعار علامة في نقل التواريخ والأخبار متميز في علم العربية فاضل في الفنون الأدبية قد اشتمل في الكتابة على أصولها وفروعها وبلغ الغاية من بعيدها وبديعها وله الخط المنسوب الذي هو نزهة الأبصار ولا يلحقه كاتب في سائر الأقطار والأمصار كان في أيام الملك الناصر يوسف بن محمد كاتباً بصرخد عاملاً في ديوان البر وكان ولده هذا أبو الفرج تتبين فيه النجابة من صغره كما تحققت في كبره حسن السمت كثير الصمت وافر الذكاء محباً لسيرة العلماء فقصد أبوه تعليمه الطب فسألني ذلك فلازمني حتى حفظ الكتب الأولة المتداولة حفظها في صناعة الطب كمسائل حنين والفصول لأبقراط وتقدمة المعرفة له وعرف شرح معانيها وفهم قواعد مبانيها وقرأ علي بعد ذلك في العلاج من كتب أبي بكر محمد بن زكريا الرازي ما عرف به أقسام الأسقام وجسيم العلل في الأجسام وتحقق معاجلة المعالجة ومعاناة المداواة وعرفته أصول ذلك وفصوله وفهمته غوامضه ومحصوله ثم انتقل أبوه إلى دمشق المحروسة وخدم بها في الديوان السامي وسار ولده معه ولازم جماعة من الفضلاء فقرأ في العلوم الحكمية والأجزاء الفلسفية على الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسروشاهي وعلى عز الدين الحسن الغنوي الضرير وقرأ أيضاً في صناعة الطب على الحكيم نجم الدين بن منفاخ وعلى موفق الدين يعقوب السامري وقرأ أيضاً كتاب أوقليدس على الشيخ مؤيد الدين العرضي وفهم هذا الكتاب فهماً فتح به مقفل أقواله وحل مشكل أشكاله وخدم أبو الفرج بن القف بصناعة الطب في قلعة عجلون وأقام بها عدة سنين ثم عاد إلى دمشق وخدم في قلعتها المحروسة لمعالجة المرضى وهو محمود في أفعاله مشكور في سائر أحواله وله من الكتب كتاب الشافي في الطب شرح الكليات من كتاب القانون لابن سينا ست مجلدات شرح الفصول كتابين مقالة في حفظ الصحة كتاب العمدة في صناعة الجراح عشرين مقالة علم وعمل يذكر فيه جميع ما يحتاج إليه الجرائحي بحيث لا يحتاج إلى غيره كتاب جامع الغرض مجلد واحد حواش على ثالث القانون لم يوجد شرح الإشارات مسودة ولم يتم المباحث المغربية ولم تتم توفي في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وستمائة واللّه أعلم‏.‏ 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب صفة الجنة الحافظ ضياء الدين {اللهم احشرني ووالدي وأهلي في زمرة النبي والصحابة وعبادك الصالحين يا رب العالمين}

  كتاب صفة الجنة الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي تحقيق صبري بن سلامة شاهين دار بلنسية / الرياض  ...